ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان قراردادی : المکاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : ارشاد الطالب الی التعلیق علی المکاسب / تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم : دارالصدیقه الشهیده ، 14ق. - = 13 -

مشخصات ظاهری : ج.

شابک : دوره، چاپ چهارم 964-8438-20-X : ؛ 20000 ریال : ج. 1، چاپ چهارم 964-8438-19-6 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : فهرستنویسی بر اساس جلد دوم.

يادداشت : کتاب حاضر شرحی برکتاب "المکاسب" تالیف انصاری است.

يادداشت : ج. 1 (چاپ چهارم: 1425 ق.= 1383).

يادداشت : ج. 2 و 3 (چاپ چهارم: 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب -- نقدو تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

شناسه افزوده : انصاری، مرتضی بن محمدامین، 1214-1281ق . المکاسب . شرح

رده بندی کنگره : BP190/1 ی/الف8م702128 1300

رده بندی دیویی : 297/372

شماره کتابشناسی ملی :

[الجزء الأول]

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه الذي أنزل القرآن هُدىً لِلنّٰاسِ وَ بَيِّنٰاتٍ مِنَ الْهُدىٰ وَ الْفُرْقٰانِ، و هدانا الى التفقه في أحكام الدين و صلى اللّه على خير خلقه و أفضل بريته المبعوث رحمة للعالمين و الناسخ بشريعته السمحاء شرائع الأولين و على آله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين. و اللعنة على أعدائهم من الأولين و الآخرين الى قيام يوم الدين.

و بعد فيقول المعترف بقصور باعه الراجي رحمة ربه جواد بن على التبريزي أن من نعم اللّه سبحانه على أن فقهني في الدين و اجتمع الى ابحاثى الفقهية فريق من أرباب الفضل و رواد العلم الذين أخذوا على عاتقهم حفظ معالم الدين و نشر أحكامه و قد ابدوا رغبتهم الى ضبط محاضراتى التي كان محورها كتاب المكاسب تأليف المحقق البارع وحيد عصره و فريد دهره سماحة آية اللّه العظمى و حجته الكبرى الشيخ مرتضى الأنصاري تغمده اللّه برحمته و

أسكنه بحبوحة جنته الذي نزلت عند نظره انظار الفحول و أعاظم العلماء الأبرار ذوي الحظ الوافر في حفظ آثار المتقدمين و حاز قصب السبق في إحياء علوم الدين و إرشاد المؤمنين الى ما فيه خير الدارين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 4

فنزلت عند رغبتهم و أجبت مسؤولهم فجمعت محاضراتى في هذا المؤلف المتواضع و سميته (إرشاد الطالب الى التعليق على المكاسب) ليكون تذكرة.

و اللّه تبارك و تعالى أسأل و إياه أرجو أن يجعله ذخرا ليوم فاقتي يوم لا ينفع فيه مال و لا بنون و أن يتقبله بقبوله الحسن انه قريب مجيب و بالإجابة جدير و إياه أستعين فإنه نعم المولى و نعم النصير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 5

[في المكاسب]

اشارة

قوله (ره) في المكاسب (1)

______________________________

(1) عنوان الكتاب بالمكاسب أولى من عنوانه بالمتاجر، و ذلك، فإن التجارة مصدر ثان لتجر أو اسم مصدر، و معناها البيع و الشراء بغرض الربح، فيطلق التاجر على من تكون حرفته البيع و الشراء و تحصيل الربح بهما، و كيف كان فلا تعم التجارة ما إذا لم يكن البيع أو الشراء بقصد الربح، فضلا عن الأعمال التي يكون الشخص أجيرا عليها، و يقع البحث في الكتاب عن حكم تحصيل المال بها.

و هذا بخلاف المكاسب، فإنه جمع مكسب: بمعنى ما يطلب به المال، فيعم مثل تلك الأعمال.

لا يقال: قد وقع البحث في الكتاب عن حرمة بعض الأعمال و حلها مع عدم تعارف كسب المال بها، كالبحث عن حرمة الغيبة و سب المؤمن، و كما يقال ان البحث فيها استطرادي، كذلك يمكن ان يكون المهم في المقام البحث في الأعيان المحرم و المحلل بيعها و شراؤها، و

ذكر غيرها للاستطراد، فلا موجب لعنوان الكتاب بالمكاسب.

فإنه يقال: قد ذكرنا أن عنوان الكتاب بالمكاسب أولى لا أنه متعين، مع أن الالتزام بكون المقصود بالبحث تلك الأعيان فقط غير سديد، و الا لكان ذكرها في شرائط العوضين من كتاب البيع أولى من إفرادها و البحث فيها قبل كتاب البيع و هذا بخلاف ما لو كان المقصود بيان المكاسب المحرمة و تمييزها عن المحللة منها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 6

[و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار]

قوله (ره) و ينبغي أولا التيمن بذكر بعض الاخبار (1).

______________________________

سواء كان الكسب بالأعيان أو المنافع و الأعمال، حيث أن إفرادها و البحث فيها مستقلا أنسب.

(1) كان المناسب التيمن قبل الاخبار بالكتاب المجيد المستفاد منه بعض الضوابط للكسب الحرام، كقوله سبحانه:

لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1».

فنقول الأكل في الآية بمعنى وضع اليد و التملك، لا الأكل الخارجي، حيث أن إضافته إلى الأموال موجبة لهذا الظهور، سواء كانت الإضافة إلى عنوان المال أو الى مثل الدار و الثوب من مصاديقه، فإذا قيل أكل زيد دار فلان أو ماله فظاهره وضع يده عليهما و تملكهما.

و الحاصل أن النهى عن الأكل في الآية من قبيل النهى عن المعاملة، و ظهوره فيها هو الإرشاد إلى فسادها، كما أن ظهور النهى المتعلق بالأفعال الخارجية هو تحريمها تكليفا، و ليس المراد أنه لا يمكن النهى عن المعاملة تكليفا، سواء كانت المعاملة بمعناها المصدري أو الاسم المصدري، فإن إمكان النهي عنها كذلك، بل وقوعه في الشرع كحرمة البيع وقت النداء أو حرمة بيع الخمر بمعنى كون بيعها مبغوضا للشارع من الواضحات، كيف و قد وقع الكلام في أن النهى عن معاملة تكليفا

هل يقتضي فسادها أم لا.

بل المراد ان حمل النهى عن معاملة على التكليف يحتاج إلى قرينة، و مع عدم القرينة ظاهره الإرشاد إلى فسادها اى عدم إمضاء الشارع، فمثلا ملاك النهى عن البيع يوم الجمعة- و هو ادراك صلاتها و عدم تفويتها- قرينة على الحكم التكليفي و اللعن الوارد على بايع الخمر و مشتريها قرينة عليها، كما أن قوله عليه السلام ثمن الخمر سحت دليل على فساد المعاملة عليها، حيث ان مع صحتها لا يكون الثمن سحتا.

______________________________

(1) سورة النساء 4: الاية: 29

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 7

..........

______________________________

و على الجملة (فتارة) تكون المعاملة محرمة تكليفا فقط كالبيع وقت النداء، و (أخرى) تكون محرمة وضعا فقط كبيع الميتة على ما سيأتي، و (ثالثة) تكون محرمة وضعا و تكليفا كبيع الخمر، و الآية المباركة دالة على أن أكل أموال الناس و تملكها بالباطل فاسد، و المراد بالتملك بالباطل المحكوم بفساده هو التملك بالباطل و لو ببناء العقلاء.

و الحاصل أن وضع اليد على مال الغير بالنحو الباطل- و لو في اعتبار العقلاء- فاسد عند الشارع أيضا، و ليس المتعلق للنهى هو خصوص التملك بالباطل في اعتبار الشرع، حيث لا معنى للنهى عنه لانه من اللغو الواضح، و ايضا خطاب النهى عن وضع اليد على مال الغير و تملكه بالباطل كسائر الخطابات من قبيل القضية الحقيقية، و الموضوع فيه مطلق التملك بالباطل لا خصوص بعض أنواع التملك، كالقهر على المالك، أو القمار، فمفاد الآية أنه لا يكون وضع اليد على مال الغير مع انطباق عنوان الأكل بالباطل عليه موجبا للملك شرعا، سواء كان سنخ ذلك الوضع في زمان صدور الآية أم لم يكن.

و ما عن السيد

الخوئي أطال اللّه بقاءه من كون الآية ناظرة الى ما كان مرسوما في ذلك الزمان من أنحاء التملك و الحكم عليها بأن كلها باطلة إلا التجارة عن تراض فيه ما لا يخفى.

أما (أولا) فلما ذكرنا من أن متعلق النهى هو التملك بالباطل لا التملك مطلقا، و لا خصوص بعض ما كان مرسوما في ذلك الزمان.

و اما (ثانيا) فلان التجارة عن تراض غير داخل في متعلق النهى حتى مع عدم ذكر الاستثناء، فيكون استثناؤها منقطعا لا متصلا.

و أما (ثالثا) فلان الموجب لأكل مال الغير شرعا لا ينحصر بالبيع و الشراء، فضلا عما إذا كانا بقصد الربح، كما هو ظاهر التجارة، كيف و موجبات التملك كثيرة كالإجارة و الصلح و المزارعة و المساقاة و المضاربة و الوكالة و القرض الى غير ذلك، و الالتزام بالتخصيص و رفع اليد عن الحصر في هذه الموارد الكثيرة بعيد جدا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 8

قوله (ره) روى في الوسائل و الحدائق (1).

قوله (ره) فقال جميع المعايش (2)

______________________________

(1) لا يخفى أن الاخبار العامة المذكورة في الكتاب كلها ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد عليها، نعم لا بأس بها لتأييد الحكم بعد استفادته من غيرها.

أما رواية تحف العقول- و ان قيل بان الكتاب من الكتب المعتبرة و أن مؤلفه شيخ صدوق كما عن صاحب الوسائل (ره)- فلا ريب في أنها باعتبار إرسالها ضعيفة فإن غاية الأمر ان يكون كتاب تحف العقول مثل بحار المجلسي أو وسائل الحر العاملي قدس سرهما، و مؤلفه كمؤلفهما.

و من الظاهر أن مجرد اعتبار كتاب لا يقتضي قبول كل ما فيه، كما أن جلالة المؤلف لا تقتضي قبول كل رواياته و الغمض عن رواتها الواقعة

في اسناد تلك الروايات الى الامام عليه السلام.

و الحاصل أنه لا يكفي في العمل بالرواية العدالة أو الوثاقة في خصوص الراوي الناقل لنا حتى مع اعتبار الكتاب، بمعنى عدم وقوع الدس فيه، بل لا بد من إحراز حال جميع رواتها.

و دعوى أن مؤلف تحف العقول قد حذف الأسانيد في غالب روايات كتابه للاختصار لا للإبهام لم يعلم لها شاهد، بل على تقديره ايضا لا يمكن العمل بها، فإنه لا بد في العمل بالرواية من إحراز حال جميع رواتها كما مر، حيث من المحتمل اعتقاد المؤلف صدورها عن الامام عليه السلام لأمر غير تام عندنا، لا حذفها لكون رواتها ثقات أو عدولا.

فالمتحصل أن حذف المؤلف سند الرواية مع الاحتمال المزبور لا يكون توثيقا أو تعديلا لرواتها كما لا يخفى، و مثلها دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور، و ذلك فان بعض الأحكام المذكورة فيها لم يعهد الإفتاء به من فقيه فضلا عن جل أصحابنا، و نحوهما دعوى وجود القرائن في الرواية الكاشفة عن صدق مضمونها كما عن السيد اليزدي (ره)، و لعل الصحيح هو العكس كما هو مقتضى اضطراب متنها، و اشتباه.

المراد و عدم كون العمل معهودا لبعض ظاهرها كما سنشير اليه.

(2) المعايش جمع المعيشة بمعنى ما يعيش به الإنسان مثلا و يتحفظ به على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 9

قوله (ره) فأول هذه الجهات الأربع الولاية (1) قوله (ره) مما لا يجوز (2) قوله (ره) فكل مأمور به (3) قوله (ره) فكل أمر يكون فيه الفساد (4)

______________________________

حياته، و كان منها المال المكتسب الذي يصرفه في حوائجه، و يكون قوله مما يكون لهم فيه المكاسب بيانا للمعايش بمعنى أن المعايش التي يكون فيها

كسب المال اربع جهات، و يمكن كونه بيانا للمعاملة اى المعاملات التي يراد بها المال أربعة أقسام.

(1) لم يعلم وجه كون الولاية هو الأول و الأخير هي الإجارات، كما لم يعلم الوجه في افراد الإجارات و السكوت عن مثل المزارعة و المساقاة و المضاربة و الوكالة و غيرها، اللهم الا ان يكون التعبير بالأول كلفظة ثم لمجرد العطف و الترتيب في الذكر، و لكن يبقى في البين وجه السكوت عن غير الإجارة.

(لا يقال): الوجه في عدم ذكرها دخولها في الصناعات و التجارات، (فإنه يقال):

التجارة معناها البيع و الشراء بقصد الربح كما مر، فلا يدخل فيها مطلق البيع و الشراء فضلا عن غيرهما، و لو دخلت المزارعة و غيرها في الصناعات لكانت الإجارة أيضا داخلة فيها، فإنه لا فرق بين تسليم الأرض للعامل فيها بالمزارعة و بين إجارتها كما لا يخفى.

(2) يتعلق بالتفسير بإشرابه معنى التمييز اى تفسير وجوه الحلال من التجارات و تمييزها عما لا يجوز للبائع بيعه و للمشتري شراؤه.

(3) ظاهر الرواية أن الموجب لحلية البيع أحد أمرين، (الأول) أن تكون في المبيع مصلحة ضرورية للعباد (الثاني) ما يكون فيه جهة صلاح مقصودة لهم، حيث أن الأول ظاهر قوله فكل مأمور به إلخ، و الثاني ظاهر قوله و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات.

(4) لم يظهر الفرق بين هذا و بين المعطوف على ذلك فيما بعد من قوله أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 10

..........

______________________________

يكون فيه وجه من وجوه الفساد، الا أن يقال الفرق هو أن المفروض في الأول كل أمر يكون فيه الفساد المحض، و في الثاني كل شي ء يكون فيه جهة الفساد و لو

مع الصلاح أيضا، و هذا الفرق مقتضى عطف الثاني على الأول بلفظه أو، و فيه ان مجرد اشتمال شي ء على جهة فساد لا يوجب بطلان المعاوضة فيما إذا كانت معها جهة الصلاح ايضا، و قد مر في بيان ضابط صحة البيع و حليته أن الاشتمال على جهة صلاح كاف في حل بيع الشي ء و شرائه.

نعم لا بد من كون جهة الصلاح من المنفعة المقصودة للعقلاء لظهور الصلاح في الشي ء في ذلك، و الا فلا يوجد شي ء خال عن مصلحة ما الا نادرا.

و الحاصل أن الملاك الثاني لفساد البيع غير صحيح، فإنه يصح بيع ما فيه الفساد فيما إذا كانت فيه جهة صلاح مقصودة ايضا، و مع عدم جهة صلاح مقصودة محللة يدخل الشي ء فيما فيه الفساد المحض، بل الموجب لبطلان البيع على ما يأتي خلو الشي ء عن الجهة المقصودة للعقلاء المحللة شرعا، سواء كانت فيه مفسدة أم لم تكن، و هذا الضابط لبطلان البيع لا يستفاد لا من المعطوف، و لا من المعطوف عليه، و لا من الأمثلة الواردة في الحديث، بل في بعضها لا يكون فساد إلا في نفس البيع لا في العوضين، كما في البيع الربوي، فان المتجانسين لا فساد فيهما أصلا، بل الفساد في نفس البيع بالزيادة، و الفساد أو الحرمة في هذا القسم تابع للدليل الدال على ثبوت المنع، بخلاف ما إذا لم يكن في الشي ء المنفعة المحللة المقصودة، أو كانت فيه المفسدة الخالصة، فإن الحكم بالفساد فيهما لا يحتاج الى دليل آخر، كما يأتي تفصيل ذلك ان شاء اللّه تعالى.

ثم انه قد ذكر في الحديث ان في جلود السباع جهة الفساد فلا يصح بيعها، و لعل هذا لا عامل به،

و بهذا يظهر حال ما تقدم من أن ضعف الحديث منجبر بعمل الأصحاب، و مثله المنع عن بيع ما لا يجوز نكاحه فلاحظ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 11

قوله (ره) يلي أمره (1) قوله (ره) أو يوجر نفسه (2) قوله (ره) من غير ان يكون (3) قوله (ره) أو قرابته (4) قوله (ره) أو وكيله في إجارته (5) قوله (ره) نظير الحمال (6) قوله (ره) و الخنازير و الميتة (7) قوله (ره) فيه أو له أو شي ء منه (8)

______________________________

(1) معطوف على يملك أي إجارته ما يملكه أو يلي أمره، الأول كما في إجارته عبده، الثاني إجارته من يكون له عليه ولاية، و دابته و ثوبه معطوفان على نفسه في قوله فإجارة الإنسان نفسه.

(2) لعله من قبيل الخبر يعنى تفسير الإجارات ان يؤجر نفسه أو داره و نظيره قوله فلا بأس ان يكون أجيرا أي اما تفسير الإجارات فلا بأس أن يكون أجيرا إلخ.

(3) يعتبر ان لا يكون في إجارة نفسه أو مملوكه أو من يلي أمره في جهة من المنافع المحللة داخلا في عنوان الظلمة بأن يعد من أعوان الجائر و عما له، و الا فلا تجوز.

(4) لا ولاية له على غير ولده من أقرباؤه، فيكون عطف القرابة على ولده بلا وجه، الا ان يحمل على صورة الوصاية أو الوكالة، و لكنهما لا تختصان بالقريب.

(5) عطف على نفسه يعنى لا بأس بان يوجر نفسه أو وكيله في إجارته، و المراد بالوكيل الوكيل في العمل، و المراد بضمير الجمع في قوله لأنهم وكلاء الأجير العاملون الذين يكونون وكلاء في العمل عن الذي يؤجرهم من نفسه لا من عند السلطان حتى يكون هو و

هم داخلين تحت عنوان الظلمة.

(6) مثال للموجر الذي يوجر نفسه أو وكيله من عنده لا من عند السلطان.

(7) و لعل الخنازير و الميتة معطوفتان على هدم المساجد، فيكون اجارة نفسه في الخنازير و الميتة باعتبار العمل المناسب لهما.

(8) لعل المراد بالأول كونه أجيرا في نفس العمل المحرم بان يوجده، و المراد بالثاني كونه أجيرا لعمل يكون ذلك مقدمة للمحرم، بان يكون غرض الأجير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 12

قوله الا لمنفعة من استأجرته (1) قوله (ره) و العمل به و فيه (2) قوله (ره) و في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا- عليه السلام (3) قوله (ره) فحرام ضار للجسم (4) قوله (ره) و عن دعائم الإسلام (5)

______________________________

وصول المستأجر بما فعله الى الفعل المحرم، و المراد بالثالث فعل الجزء من المركب المحرم، و المراد من الرابع الإجارة لعمل يكون ذلك مقدمة للجزء من المركب المحرم، ثم ان حرمة الإجارة في غير الفرض الأول مختصة بما إذا قصد بمتعلقها التوصل الى الحرام، و الا فلا وجه للحرمة فضلا عن فسادها.

(1) ظاهره الاستثناء من قوله كل أمر منهي عنه، و لا يبعد ان يكون الصحيح استأجره بدل استأجرته و (التاء) زائدة يعنى كالذي يستأجر الأجير ليحمل الميتة و ينحيها عن أذاه و أذى غيره.

(2) لعل المراد بالأول تمام العمل و بالثاني بعضه.

(3) لم يرد في الرواية ما انحصر المدرك فيه بها، و لو كان واردا لما أمكن الاعتماد عليها حيث لم يثبت ان الكتاب المزبور للإمام عليه السلام، و مجرد دعوى السيد الفاضل الثقة المحدث القاضي أمير حسين رحمة اللّه عليه أنه اطمئن من القرائن بذلك بعد ما أخذه من القميين الذين جاءوا به

الى مكة لا يكون طريقا معتبرا لنا خصوصا مع قوة احتمال ان الكتاب المزبور كان لوالد الصدوق (ره) و وقع الوهم باعتبار التعبير في الكتاب عن المؤلف (ره) بعلي بن موسى، و يؤيد ذلك توافق عباراته غالبا مع عبارات رسالته الى ولده و لتفصيل الكلام محل آخر.

(4) يعنى فحرام بيعه و شراؤه و سائر المعاملة عليه، و ارتكابه ضار للجسم، و قلنا ان المراد بالحرام حرمة بيعه حتى لا يلزم التكرار اللغو كما لا يخفى.

(5) الأمر في الرواية المزبورة كما مر في الفقه الرضوي، و لا يخفى أن ما في دعائم الإسلام على تقدير اعتبار مؤلفه رواية مرسلة حيث ان المؤلف و هو نعمان بن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 13

قوله (ره) في النبوي المشهور (1)

[أنواع الاكتساب]

قوله (ره) مع إمكان التمثيل (2)

______________________________

محمد بن منصور قاضى مصر المالكي أولا كان في أيام الدولة الإسماعيلية، فلا يمكن روايته عن الصادق عليه السلام بلا واسطة، و الواسطة مجهولة لنا، نعم ذكر في الكتاب أنه حذف الأسانيد للاختصار، و لكن قد تقدم عدم نفع مثل هذه الدعوى، و لا تدخل الرواية معها في موضوع دليل الاعتبار، حتى فيما إذا صرح المؤلف بأن الرواية كانت صحيحة، و ذلك فإن الصحة في كلام القدماء لا يدل على توثيق الراوي، و انما يدل على اعتبارها عند من وصفها بها.

(1) النبوي ضعيف سندا و لكنه صحيح مضمونا، و ذلك فإنه إذا تعلقت الحرمة بعين في خطاب الشرع فظاهره تحريم جميع الأفعال المقصودة منها فيكون أخذ العوض عليها من أكل المال بالباطل، حيث مع التحريم المزبور لا منفعة محللة لها، و هذا بخلاف ما إذا تعلقت الحرمة بفعل خاص من

العين مع بقاء سائر الأفعال المقصودة منها على الحل، كما إذا ورد في الخطاب حرمة أكل التراب فإنه مع بقاء سائر منافعه على الحل لا بأس بالمعاوضة عليه، كما هو كذلك في البلاد التي اراضيها رمل و التراب فيها عزيز.

(2) لا يخفى أن المستحب هو نفس الرعي أو الزراعة لا الاكتساب بهما كما هو مورد الكلام و لو اشتغل أحد بالرعي لنفسه أو لغيره تبرعا فعل المندوب، و كذا الحال في الزراعة بل في الصناعة الواجبة أيضا، حيث ان المطلوب فيها فعل ما يتوقف عليه نظام المسلمين و لو كان بنحو التبرع، و ربما يقال المستحب كالاكتساب للتوسعة على العيال و رفع حوائج الناس، و الواجب كالاكتساب الذي توقف عليه الإنفاق الواجب، و فيه ان الكلام في المقام ليس في الكسب بمعناه المصدري بل في الأعيان أو الأعمال التي يكون كسب المال بها، و أن كسبه بأي منهما حرام أو حلال، و في المذكور نفس الاكتساب مستحب، أو واجب من غير ملاحظة عين خاصة أو عمل خاص كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 14

[أنواع المكاسب المحرمة]

اشارة

قوله (ره) بقصد ترتب الأثر المحرم (1) قوله (ره) الا من حيث التشريع (2)

[النوع الأول الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني]
[يحرم المعاوضة على بول]

قوله (ره) يحرم المعاوضة على بول (3)

______________________________

(1) لا يخفى أن حقيقة بيع الخمر و شرائه هو تمليكه للآخر بعوض و تملك العوض من الآخر، و إذا فرض الدليل على حرمة بيعه و شرائه زائدا على الفساد كما هو مقتضى اللعن الوارد على بايعه و مشتريه يكون نفس إنشاء التمليك أو التملك محرما، و على ذلك فتقييد متعلق النهى بما إذا كان قاصدا لترتيب الأثر المحرم بلا وجه، بل لو كان مشتريه مثلا قاصدا شربه بعد تملكه فهو أمر آخر داخل في التجري و لا يرتبط بحرمة نفس البيع و الشراء.

(2) لا يكون التشريع الا بالالتزام بحكم شرعي من غير إحرازه بوجه معتبر، و مجرد بيع الخمر مثلا مع فرض فساده لا يكون تشريعا، حيث ان المتبايعين لا يلتزمان بصحته شرعا حتى يكون البناء المزبور تشريعا، بل غايته إقدامهما على البيع مع علمهما ببطلانه، نظير بيع الغاصب لنفسه، و الحاصل أنهما يلتزمان بالملكية في بنائهما و لا ينسبانها الى الشرع حتى يكون تشريعا.

(3) استدل على بطلان بيع الأبوال النجسة بوجوه ثلاثة: الأول حرمة شربها فيدخل فيما تقدم من أن المنهي عنه باعتبار أكله أو شربه لا يجوز بيعه و شراؤه، و الثاني نجاستها و قد ذكر في حديث تحف العقول عدم جواز بيع أقسام النجس، و الوجهان ضعيفان على ما مر، و الثالث عدم الغرض المحلل للعقلاء في الأبوال النجسة حتى يكون لها المالية المعبر عنها بالقيمة.

أقول الصحيح في عدم جواز بيعها هو هذا الوجه، و بهذا يظهر عدم الفرق بينها و بين الأبوال الطاهرة، لانتفاء المالية فيهما فعلا، و ما يظهر

من المصنف (ره) من الميل الى جواز بيع أبوال ما يؤكل لحمها بناء على جواز شرب أبوالها اختيارا لا يمكن المساعدة عليه، فان شربها ما لم يكن بحيث يبذل باعتباره المال لا يصحح البيع، بل يكون تملك المال بإزائها من أكله بالباطل المحكوم بالفساد في ظاهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 15

قوله (ره) عدا بعض افراده كبول الإبل الجلالة (1)

______________________________

الاية المباركة، و ذكر السيد الخوئي أطال اللّه بقاءه أنه لا دليل على حرمته بيع الأبوال النجسة وضعا، فضلا عن حرمته تكليفا، و ذلك فان الآية المباركة ناظرة إلى أسباب تملك مال الغير التي كانت متعارفة زمان الجاهلية، من بيع الحصاة و القمار و نحوهما و ان تلك الأسباب كلها باطلة، إلا التجارة عن تراض، و أما أنه يعتبر في التجارة عن تراض المالية في المبيع فليست الآية في مقام بيان مثل تلك الجهة، بل يكفي في صحة البيع تعلق غرض المشترى بالمبيع حتى لا يكون بذله المال بإزائه سفيها، ثم ذكر أن هذا ايضا لا يعتبر، فإنه لا دليل على بطلان البيع السفهى، بل الدليل دل على بطلان بيع السفيه، و فيه أن عنوان أكل مال الغير بالباطل كسائر العناوين التي تعلق بها الحكم الشرعي في خطابات الشارع في كون مدلولها ثبوت الحكم لعنوان الموضوع بنحو القضية الحقيقية، فإن حمل الخطاب على ثبوت الحكم لعنوان بنحو القضية الخارجية أو على أخذ العنوان مشيرا الى عنوان آخر يكون هو الموضوع في الحقيقة يحتاج إلى قرينة.

و الحاصل ان ظاهر الآية هو أن عنوان تملك مال الغير بالباطل في اعتبار العقلاء فيما إذا تحقق يكون محكوما بالفساد شرعا، و صدق العنوان على تملك المال

بإزاء بول الحمار مثلا فضلا عن الأبوال النجسة كبول الكلب لا يحتاج إلى تأمل، و معه لا يحصل فيه عنوان البيع حتى يحكم بحله، فضلا عن عنوان التجارة عن تراض.

(1) الاستثناء راجع الى عدم النفع المحلل، و لكنه غير صحيح، و ذلك فان بول الإبل الجلالة أو الموطوئة بناء على نجاسته كما هو الصحيح يجرى فيه ما جرى في سائر الأبوال النجسة حتى الوجه الثالث، حيث أن تصوير جواز التداوي بالبول المزبور- في مورد الانحصار به و عدم التمكن من بول الإبل الآخر- لا يوجب كونه من المنفعة المحللة التي توجب المالية، ثم ان ظاهر كلام المصنف (ره)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 16

قوله (ره) فالظاهر جواز بيعها (1) قوله (ره) و بالجملة فالانتفاع بالشي ء حال الضرورة (2)

______________________________

أيضا نجاسة البول المزبور كما هو مقتضى التعرض له في بيع الأبوال النجسة، نعم زعم عدم جريان الوجه الثالث فيه.

(1) قد ذكرنا أن مجرد جواز شرب شي ء أو أكله لا يوجب جواز بيعه و أخذ المال بعوضه، كما أن مجرد عدم جواز أكل شي ء أو شربه لا يوجب بطلان بيعه، بل لا بد من كون الشرب أو الأكل منفعة مقصودة للعقلاء بحيث يبذلون العوض له بلحاظهما و لا يعتبر في المنفعة المقصودة عدم اختصاصهما بحال و عمومهما لجميع الأحوال فلاحظ الأثر الظاهر للثوب السميك المنسوج من الصوف و الوبر حيث ان ذلك الأثر مقصود في حال البرد لا مطلقا، و من ذلك القبيل الأدوية و العقاقير المتعارفة لأن المنفعة المقصودة منها مختصة بحال المرض لا مطلقا، و لو فرض عدم جواز استعمالها في غير حال المرض، فهذا النحو من تحريم الأكل و الشرب لا يوجب

بطلان بيعها و شرائها، بل الموجب له هو ما إذا كان التحريم راجعا إلى المنفعة المقصودة كما ذكرنا.

و مما ذكرنا يظهر أنه لو كانت المنفعة المقصودة من الشي ء منحصرة بالانتفاع به في خصوص حالة الاضطرار الرافع للتكليف كفت في جواز بيعه و شرائه، كما في المظلة التي يستعملها الطيار عند الاضطرار الى الهبوط لاحتراق الطائرة و نحوه، و من هذا القبيل الأدوية أو العقاقير المصنوعة لاستعمالها حالة الاضطرار إليها، مع كونها نجسة أو فيها ما لا يجوز اكله حتى طبا في غير تلك الحالة، و على ذلك فلو كانت هناك رواية دالة على أن حرمة أكل شي ء أو شربه حال الاختيار موجبة لفساد بيعه، فلا بد من رفع اليد عن عمومها في مثل العقاقير و الأدوية، فإنه لا يمكن الالتزام ببطلان المعاملات الجارية عليها و يكون كسائر الموارد التي يرفع فيها اليد عن العمومات بالسيرة الجارية على خلافها في بعض إفرادها.

(2) حاصل ما يذكره في الفرق بين الأدوية التي لا يجوز استعمالها حال الصحة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 17

لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم (1) و الجواب عنه مع ضعفه (2) اما لجواز شربه اختيارا (3)

______________________________

و بين مثل الأبوال الطاهرة التي لا يجوز شربها اختيارا ان الحرمة في الأول ثابتة لاستعمالها بعنوان أنها ضارة للجسم، و يتبدل هذا العنوان حال المرض، فيكون استعمالها صلاحا للجسم، و هذا بخلاف الأبوال، فإن حرمة شربها بعنوان أنها من الخبائث، و ليس انتفاء الحرمة عن شربها حال التداوي أو غيره لتبدل عنوان الخبيث بالطيب، بل باعتبار الاضطرار الى المحرم، فلا يوجب جواز البيع في الأدوية لثبوت المالية لها قياس الأبوال الطاهرة عليها حتى فيما

إذا استعملت للتداوي.

(1) في كون المحرم علينا خصوص أكلها لا سائر الانتفاعات من الإسراج بها و نحوه، فيكون الفرق بين الشحوم و اللحوم بأن حرمة الأكل في الأول لا توجب فساد البيع، بخلاف حرمة أكل الثاني، حيث ان اللحوم منفعتها المقصودة منحصرة بالأكل.

(2) الجواب عنه مبتدأ و خبره لزوم تخصيص الأكثر، بمعنى أن الأخذ بظاهر النبوي المذكور يلازم تخصيص الأكثر، مع أنه ضعيف سندا و دلالة، و قوله لقصورها تعليل لضعفه في جهة دلالته، و لكن تعليل ضعف دلالته به من قبيل أخذ المدعي دليلا عليه كما لا يخفى.

(3) تقدم أن صحة البيع في شي ء لا تدور مدار جواز شربه، بل اللازم كون شربه من المنفعة المقصودة منه بحيث يخرج أخذ المال بإزائه من أكله بالباطل.

و الظاهر أن الشرب حتى في بول الإبل ليس كذلك، و اما حكم الشرب اختيارا و بلا حاجة إليه فمقتضى موثقة عمار «1» عدم الجواز في بول الإبل و غيره، قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن بول البقر يشربه الرجل؟ قال: ان كان محتاجا اليه يتداوى به

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (59) من أبواب الأطعمة المباحة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 18

..........

______________________________

يشربه و كذلك أبوال الإبل و الغنم» حيث ان ظاهر التعليق على الشرط انتفاء الجواز مع عدم الحاجة، و به يرفع اليد عن إطلاق نفى البأس في مثل رواية أبي البختري «1» عن جعفر عن أبيه أن النبي (ص) قال: «لا بأس ببول ما أكل لحمه» نعم في رواية الجعفري «2» قال: «سمعت أبا الحسن موسى (ع) يقول: أبوال الإبل خير من ألبانها، و يجعل اللّه الشفاء في ألبانها» و مقتضى

الحكم بكون أبوالها خيرا من ألبانها هو جواز شربه حتى اختيارا، و بلا ضرورة، و بعد وقوع المعارضة بينها و بين المفهوم يرجع الى أصالة الحلية، و دعوى ان الرواية ناظرة إلى بيان حكم طبي لا شرعي يدفعها أن حمل كلام الشارع على بيان مجرد الحكم الطبي خلاف الظاهر، و العمدة في عدم إمكان رفع اليد بها عن المفهوم ضعفها سندا، فان في سندها بكر بن صالح و هو ضعيف، بل و لا يبعد مع فرض المعارضة الرجوع الى عموم حرمة الخبائث فإن الأبوال منها حتى من المأكول لحمه.

اللهم الا ان يقال لم يعلم شمول الخبائث للابوال الطاهرة، حيث من المحتمل كون معناها الرجس المعبر عنه بالفارسية ب (پليد) فتختص بالنجسة منها أضف الى ذلك انه يمكن القول بعدم المفهوم للشرط الوارد في الموثقة، فإن اختصاص حرمة فعل بصورة عدم الحاجة اليه و حله معها غير معهود في الشرع، و الشرط فيها باعتبار أنه لا يكون للإنسان داع الى شرب مثل البول من غير حاجة إليه كالتداوى به ثم ان جواز شرب البول مطلقا أو مع الحاجة الى التداوي به يختص بأبوال ما يؤكل لحمه، و أما الأبوال النجسة فلا يجوز شربها الا مع الاضطرار الرافع للتكليف، و لا يجوز بمجرد الحاجة، و على الجملة الأمر فيها كما في سائر المحرمات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (59) من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (59) من أبواب الأطعمة المباحة الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 19

كما يدل عليه رواية سماعة (1)

[يحرم بيع العذرة]

يحرم بيع العذرة (2)

______________________________

(1) لا دلالة لرواية سماعة «1» على عدم جواز الشرب مع عدم الحاجة

حيث ان الراوي فرض في سؤاله شربه عند الحاجة لا أنه (ع) أخذه في الجواب قيدا للجواز كما لا يخفى.

(2) المنسوب إلى الشهرة عدم جواز بيع العذرة مما لا يؤكل لحمه، و يستدل عليه برواية يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «ثمن العذرة من السحت» «2» و في سندها على بن مسكين، و لذلك لا يمكن الاعتماد عليها، مع أنها معارضة برواية محمد بن مضارب عن أبى عبد اللّه (ع) قال: «لا بأس ببيع العذرة» «3» و قد جمع الطوسي (قده) بينهما بحمل الاولى على عذرة الإنسان، و الثانية على عذرة البهائم، و ذكر المصنف (ره) في تقريب الجمع المزبور أن الرواية الأولى نص في عذرة الإنسان و ظاهرة في غيرها، بعكس الثانية، فيطرح ظاهر كل منهما بنص الأخرى، و أيد التقريب بموثقة سماعة قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه (ع) و أنا حاضر، فقال: انى رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: حرام بيعها و ثمنها، و قال: لا بأس ببيع العذرة» «4» باعتبار أن الجمع بين الحكم بعدم الجواز و الجواز في كلام واحد للمخاطب الواحد دليل على أن الموضوع لعدم الجواز غير الموضوع للجواز، فتكون هذه الموثقة قرينة على أن تعارض الروايتين الأولتين ليس باعتبار العلم بعدم ثبوت الحكمين معا، بل باعتبار دلالتهما، فلا يصح فيهما الرجوع الى المرجحات السندية أو الخارجية، كما لا يصح القول بأن الحكم بعد فقد الترجيح هو التخيير بين المتعارضين، أو التساقط، لا طرح ظهور كل منهما

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (59) من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث: (7)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (40) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

(3) وسائل الشيعة:

الجزء (12) الباب: (40) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

(4) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (40) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 20

حمل خبر المنع على التقية (1)

______________________________

كما عليه جمع الطوسي (قده).

أقول: لا يصح جعل الموثقة قرينة على ما ذكر، إذ يحتمل كونها من قبيل الجمع في الرواية، بأن سمع الراوي الحكمين في مجلسين و جمع بينهما في النقل، بل يمكن ايضا كون المخاطب في أحدهما غير المخاطب في الآخر، فتكون الموثقة من الروايتين المتعارضتين، و يؤيد ذلك تكرار (قال) و عطفه على الأول و الإتيان بالاسم الظاهر بدل الضمير، حيث أنه لو كان كلاما واحدا لكان الأنسب أن يقول:

(لا بأس ببيعها)، نعم كونها من الجمع في المروي محتمل ايضا، و لكن اختلاف صدرها و ذيلها يوجب إجمالها، هذا (أولا).

و (ثانيا) أن المتيقن في الإرادة من الخارج لا يوجب أن يكون أحد الدليلين نصا في ذلك المتيقن و ظاهرا في غيره ليجمع بينهما بالأخذ بذلك المتيقن، و طرح الظاهر، كما إذا ورد مثلا الأمر بإكرام العلماء في خطاب، و النهى عنه في خطاب آخر، فان حمل الأول على العادل، و الثاني على الفاسق، بدعوى كون ذلك متيقنا بالإرادة منهما لا يوجب كون الحمل من الجمع العرفي، و مثل الجمع المزبور حمل حرمة البيع و الثمن على الفساد، و حمل نفى البأس على الجواز تكليفا، و ذلك فإنه ليس بأولى من حمل حرمة البيع و تحصيل الثمن على التكليف فقط، و الأخذ بظاهر نفى البأس و هو الإرشاد إلى صحة البيع.

(1) لا يخفى أن الحكم بجواز بيع العذرة لا يحتاج إلى الرواية، فإن وجود المنفعة المقصودة

للعقلاء في شي ء بحيث يبذلون بإزائه المال كاف في نفوذ بيعه، و المعاملة عليه، و قد تقدم أيضا أن مجرد نجاسة شي ء لا يوجب فساد بيعه، و لذا يتعين القول بالجواز، مع أن الترجيح للخبر الدال عليه، لان معظم العامة على المنع.

و ما ذكره المصنف (ره) من أن رواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا يمكن المساعدة عليه، فان مراده بالوجوه يمكن أن يكون ضعف الرواية سندا بمحمد بن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 21

[يحرم المعاوضة على الدم]

يحرم المعاوضة على الدم (1)

______________________________

مضارب، و مخالفتها لفتوى المشهور بالمنع، و كذا مخالفتها للروايات العامة، حيث ذكر في بعضها عدم جواز بيع وجوه النجس، و لكن ضعف السند مشترك بين الرواية الدالة على الجواز و الدالة على المنع، و لم يعلم أن فتوى المشهور بالمنع هل كان لخلل في رواية الجواز غير المعارضة المزبورة، و غير ضعف سندها و خلافها للاحتياط كما أن الروايات العامة لا تصلح للاعتماد عليها كما مر، و على الجملة لا فرق بين الأرواث الطاهرة و النجسة في أن المنفعة المحللة المقصودة كالتسميد بها و استعمالها وقودا كافية في الحكم بجواز الاكتساب بها.

(1) الأظهر جواز المعاوضة عليه فيما إذا فرضت له منفعة محللة، كما في يومنا هذا بالإضافة إلى دم الإنسان، فإنه يستعمل في المعالجة بتزريقه لإنسان آخر يحتاج اليه. و الإجماع التعبدي في المقام غير حاصل، لاحتمال أن المدرك على تقدير الاتفاق بعض الروايات المتقدمة التي علم حالها، و نقل الإجماع لا يزيد على محصله، و كذا الحال في غير دم الإنسان من الدماء النجسة المستعملة للتسميد في المزارع و البساتين و أما مرفوعة أبي يحيى الواسطي «1» الدالة

على عدم جواز بيع الدم، فلضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها، قال: «مر أمير المؤمنين (ع) بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة نهاهم عن بيع الدم و الغدد و آذان الفؤاد و الطحال و الكبد.»

و ما ذكره المصنف (ره) و تبعه السيد الخوئي دام بقاؤه- من كون الرواية ناظرة إلى بيع الدم للأكل، و حرمة البيع في هذا الفرض لا تحتاج الى دليل خاص، فإنها على القاعدة- لا يمكن المساعدة عليه، لإطلاق النهي في الرواية (أولا) و (ثانيا) أن قصد المشترى و علم البائع باستعمال المبيع في المحرم لا يزيد عن بيع العنب مع علم البائع باستعماله المشترى في التخمير، و قد التزموا فيه بالجواز.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب (31) من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 22

[حرمة بيع المني]

و الظاهر أن حكمهم (1)

[يحرم المعاوضة على الميتة]

يحرم المعاوضة على الميتة (2)

______________________________

(1) أى أن الحكم بأن الولد في الحيوانات تابع للام متفرع على أن منى الحيوان لا يكون قابلا لصيرورته ملكا لأحد، و لو كان قابلا له لكان الولد- كالزرع في ملك الغير- ملكا لصاحب الفحل، و على ذلك فلو قيل بأن المنى قابل للتملك كما في منى الإنسان حيث أن الولد فيه تابع للفحل و يكون ملكا لمالك الفحل، فلا بد في الحكم بعدم جواز بيع المنى الواقع في الرحم من التشبث بنجاسته، و لكن هذا التشبث ايضا غير صحيح، و ذلك فإن المني الخارج من الباطن الى الباطن كالدم الموجود في الباطن لا دليل على نجاسته. و علل في الغنية عدم جواز بيع هذا القسم بالجهالة أو عدم القدرة على التسليم ايضا كما في المني الموجود في صلب الفحل المعبر عنه بالعسيب في مقابل الملاقيح المراد بها الواقع في الرحم. و المراد بالجهالة عدم العلم بتكون الولد منه، و يؤيد المنع في العسيب النبوي «أن رسول اللّه (ص)، نهى عن خصال تسعة: عن مهر البغي و عن عسيب الدابة يعني كسب الفحل» «1».

أقول: و لكن الأظهر جوازه، فإن المني الموجود في صلب الفحل- نظير البذر الذي لا يعلم حاله من جهة نموه و عدمه- قابل للبيع، و يكون تسليمه بإرساله للضرب، و الرواية المزبورة ضعيفة سندا، بل و دلالة، فإن ظاهر كسب الفحل إجارته للضرب، و بما أن إجارته لذلك جائزة- كما هو مدلول بعض الروايات المعتبرة- فلا بد من حمل النهى على الكراهة، و في صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قلت له: أجر التيوس، قال: ان كانت العرب لتعاير

به و لا بأس» «2» و بهذا يظهر الحال في بيع الملاقيح يعني المني المستقر في رحم الام فيما إذا كان المنى تابعا للفحل، و كان البيع قبل فساده أو استحالته الى الدم.

(2) ذكر (ره) في وجه عدم جواز بيع الميتة وجوها: (الأول)- الاخبار العامة المتقدمة كحديث تحف العقول حيث ذكر فيه عدم جواز بيع النجس و ما نهى عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (13)

(2) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (12) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 23

..........

______________________________

الانتفاع به (الثاني) أنه لا يجوز الانتفاع بالميتة مطلقا سواء كان الانتفاع بما هو مشروط بالطهارة كالأكل أو الشرب أو اللبس في الصلاة أو كان من غيره من سائر الانتفاعات، كما يظهر ذلك من الاخبار التي ذكر فيها أن الميتة لا ينتفع بها، و إذا كان الانتفاع ممنوعا فتدخل فيما لا نفع فيه، فيكون أخذ الثمن في مقابلها من اكله بالباطل (الثالث) رواية السكوني حيث عد فيها من السحت ثمن الميتة. و لكن يظهر من بعض الروايات جواز بيع الميتة، كرواية الصيقل قال: «كتبوا الى الرجل:

جعلنا اللّه فداك، انا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها، و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا، و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا؟ فكتب: اجعل ثوبا للصلاة.» «1» و ناقش (ره) في دلالتها على جواز بيع الميتة

بما أشار إليه بقوله «و يمكن أن يقال ان مورد السؤال.» و حاصله أنه لم يفرض في الرواية تعلق البيع بجلود الميتة أو غلاف السيوف مستقلا أو في ضمن بيع السيوف حتى يكون نفى البأس المستفاد من التقرير دليلا على جواز بيع الميتة، بل غايته دلالتها على جواز الانتفاع بالميتة بجعلها غمدا للسيف الذي يباع بشرط الغمد.

أقول: مورد السؤال في الرواية شراء الجلود و بيعها و مس تلك الجلود بأيديهم و ثيابهم، حيث أن الصيقل أو ولده لم يكن شغلهم شراء السيوف و بيعها، بل عملها و بيعها، كما أنه لا معنى للسؤال عن مس السيوف بأيديهم و ثيابهم و ترك السؤال عن مس الجلود كما لا يخفى، و ناقش (ره) (ثانيا) بأن دلالة الرواية على جواز بيع الميتة و شرائها بالتقرير و لا اعتبار به، فإنه غير ظاهر في الرضا خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (38) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 24

و لكن الإنصاف أنه إذا قلنا بجواز الانتفاع (1)

______________________________

و فيه أن مورد السؤال- كما ذكرنا- استعمال الجلود و بيعها و شراؤها و مسها بالأيدي و الثياب و الصلاة في تلك الثياب، و نهى الامام (ع) في الجواب عن الصلاة فيها و السكوت عن الباقي ظاهر في جواز غيرها، و هذا إطلاق مقامي، لا ترك للتعرض لما يكون في ذهن السامع و إقراره على اعتقاده، كما هو المراد بالتقرير.

و ربما نوقش في الرواية بوجه ثالث و هو أن المفروض فيها الاضطرار الى الاستعمال، و الكلام في المقام في الاختيار، و فيه أن الاضطرار المفروض فيها بمعنى الحاجة، لا الاضطرار

الرافع للتكليف، مع أن الاضطرار إلى المعاملة الفاسدة لا يصححها، و بعبارة أخرى عدم جواز بيع الميتة وضعي لا تكليفي، و الاضطرار أو الإكراه يكون رافعا للتكليف لا موجبا لصحة المعاملة.

و الصحيح في الجواب ان الرواية في سندها ضعف لجهالة الصيقل و ولده فلا يمكن الاعتماد عليها (لا يقال): (راوي المكاتبة محمد بن عيسى لا الصيقل و أولاده، و الا لكان هكذا قالوا كتبنا الى الرجل، و الحاصل أن ضمير الفاعل في قال يرجع الى محمد بن عيسى فلا يضر باعتبارها جهالة الصيقل و أولاده، (فإنه يقال) نعم راوي المكاتبة محمد بن عيسى الا أن نقل القضية الراجعة إلى الغير و منها المكاتبة (تارة) يكون بشهود الناقل و حضوره تلك الواقعة و في مثل ذلك لا يضر جهالة ذلك الغير باعتبار الرواية، و (أخرى) يكون نقلها بحسب حكاية نفس ذلك الغير، و في مثل ذلك تكون جهالة ذلك الغير موجبة لسقوط النقل عن الاعتبار. و رواية محمد بن عيسى من قبيل الثاني، كما هو مقتضى كلمة عن الداخلة على ابى القاسم الصيقل و ولده في سندها، و الا لكان المتعين أن ينقل الطوسي (ره) الرواية هكذا: (محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى، قال: ان أبا القاسم الصيقل و ولده كتبوا الى الرجل).

(1) ثم ذكر (ره) أنه لا بأس ببيع الميتة على تقدير الالتزام بجواز الانتفاع بها، كما هو الحال في الانتفاع بجلودها في غير ما هو مشروط بالطهارة، فإن حديث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 25

و مما ذكرنا يظهر قوة جواز بيع الميتة (1)

______________________________

تحف العقول لا ينافي جواز البيع في الفرض، لأن النهي عن بيع أقسام النجس معلل فيه

بعدم جواز الانتفاع، فلا يشمل النجس الذي يجوز الانتفاع به، و كذا الحال في رواية دعائم الإسلام، حيث أنها لا تشمل ما يجوز الانتفاع به. و الإجماع على عدم جواز بيع النجس في فرض عدم جواز الانتفاع، كما يظهر ذلك مما ذكروه في جواز بيع الزيت النجس للاستصباح، و في جواز بيع العبد الكافر و كلب الصيد و نحوه.

(أقول): لم يذكر (ره) وجه رفع يده عن ظاهر رواية السكوني الدالة على بطلان بيع الميتة، كما هو مقتضى كون ثمنها سحتا.

(1) الأظهر عدم جواز بيع الميتة مطلقا حتى مع جواز الانتفاع بها، أما جواز الانتفاع، فلان المنع و ان كان ظاهر بعض الروايات، الا أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها بحملها على كراهة الانتفاع، بقرينة ورود الترخيص في البعض الآخر من الروايات، و في صحيحة على بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الميتة ينتفع منها بشي ء؟ فقال: لا.» «1» و موثقة سماعة، قال: «سألته، عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ فقال: إذا رميت و سميت فانتفع بجلده، و اما الميتة فلا» «2» و صحيحة الكاهلي، قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده، عن قطع أليات الغنم؟

فقال: لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك، ثم قال: ان في كتاب على عليه السلام أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به» «3» الى غير ذلك، و ربما يحمل النهى فيها على الكراهة بشهادة رواية ابن إدريس عن جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال:

«سألته، عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء، أ يصلح أن ينتفع بما

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (34) من

أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (34) من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث: (4)

(3) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (30) من أبواب الذبائح- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 26

..........

______________________________

قطع؟ قال: نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها» «1» و رواها أيضا في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده عن على بن جعفر عن أخيه عليه السلام.

و لكن مثل هذه الرواية لا تصلح لرفع اليد بها عن ظاهر ما تقدم، فان طريق ابن إدريس إلى جامع البزنطي غير معلوم لنا، و في سند قرب الاسناد عبد اللّه بن الحسن العلوي و لم يثبت حاله، كما لا تصلح لذلك رواية الصيقل المتقدمة، لضعفها على ما تقدم، و ان كانت دلالتها على جواز الانتفاع بل على جواز البيع تامة، كما لا تصلح لرفع اليد عن ظهور ما تقدم رواية أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصلاة في الفراء؟ فقال: كان على بن الحسين (ع) رجلا صردا فلا تدفئه فراء الحجاز، لان دباغها بالقرظ، فكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك، فيقول:

ان أهل العراق يستحلون لباس الجلود الميتة، و يزعمون أن دباغه ذكاته» «2».

و الوجه في عدم صلاحها ضعف سندها (أولا)، و عدم ظهور جهة إلقاء الفرو المزبور (ثانيا)، فان الفرو المفروض باعتبار أخذه من بلد الإسلام محكوم بالتذكية، و الاحتياط لا يجري في أمثال المقام مما يعلم صحة العمل حتى مع النجاسة الواقعية أو لبس الميتة، كما هو مقتضى حديث لا تعاد، فلا يصح ما

قيل من أن الإلقاء كان للاحتياط، كما أن التعليل و الاستمرار على العمل لا يناسبان القول بأنه عليه السلام كان عالما بعلم الإمامة أن الفرو المزبور من الميتة، بل العمدة في الحمل على الكراهة صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن الماشية تكون لرجل، فيموت بعضها أ يصلح له بيع جلودها و دباغها و يلبسها؟ قال: لا، و ان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (30) من أبواب الذبائح- الحديث: (4)

(2) التهذيب الجزء (2) الباب (11) ما يجوز الصلاة فيه من اللباس، الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 27

..........

______________________________

لبسها فلا يصلى فيها» «1»، فإنها ظاهرة في جواز لبسها في غير الصلاة، و أن قوله عليه السلام و ان لبسها استثناء عن النهى، و الا لكان التعبير هكذا: (و لا يلبسها و لا يصلى فيها) ليستفاد منه حرمة اللبس و المانعية للصلاة معا، و مثلها موثقة سماعة، قال: «سألته عن جلد الميتة المملوح و هو الكيمخت؟ فرخص فيه، و قال: ان لم تمسه فهو أفضل» «2» حيث يحمل الترخيص على الانتفاع باللبس و نحوه لا ما يعم البيع بقرينة النهي عن بيع الميتة في الصحيحة المتقدمة.

و يؤيد جواز الانتفاع الروايات المتقدمة التي كان في سندها ضعف، و أما المنع عن بيع الميتة فمضافا إلى صحيحة على بن جعفر المتقدمة يقتضيه ما ورد في كون ثمن الميتة سحتا «3» و لكن في السند ضعفا، لأن السكوني و ان كان لا بأس به على ما ذكره الشيخ في العدة من أن الأصحاب قد عملوا برواياته، الا أن الراوي عنه- و هو النوفلي- فيه كلام، و لكن ليس هو على نقل

الصدوق في الخصال راويا عن السكوني، الا أن في السند موسى بن عمرو، و ليس عندي توثيق له.

و الحاصل أن الرواية مؤيدة و العمدة في المنع الصحيحة، و هي لا تشمل الأجزاء التي لا تحلها الحياة، و لا الميتة من الحيوان الذي لا يكون له دم، بل لو تم الإطلاق لما تحله الحياة، لرفع اليد عنه بمثل حسنة حريز، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام لزرارة و محمد بن مسلم: اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكى، و ان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صل فيه» «4» حيث أن ظاهرها أن مثل المذكورات محكومة بالذكاة، فيجوز أكلها أو لبسها في الصلاة، الى غير ذلك من أحكام التذكية التي

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (34) من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: (6)

(2) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (34) من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث: (8)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (5)

(4) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب (33) من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 28

لم يجز بيعه ايضا (1) مع أن المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام (2)

______________________________

منها جواز البيع.

(1) بل الأظهر جواز بيع المذكى المشتبه من غير حاجة الى دليل خاص عليه، و الوجه في ذلك أن الانتفاع من الميتة بسائر الانتفاعات غير المشروطة بالطهارة و التذكية جائز كما تقدم، سواء كانت الميتة مشتبهة أو ممتازة، كما أنه لا بأس بمثل هذه الانتفاعات من المذكى المشتبه بالميتة قطعا، و هذه المنفعة

المحللة توجب المالية، غاية الأمر أنه يرفع اليد عن ذلك في الميتة بقيام الدليل على المنع عن بيعها، و أما في ناحية المذكى المشتبه فلم يقم دليل على المنع، فيحكم بصحة بيعه أخذا بالإطلاق في مثل أحل اللّه البيع، و على ذلك فيقع البيع في الفرع المفروض على المذكى، و يسلم البائع كلا المشتبهين إلى المشتري ليقبض ما يصح بيعه من غير فرق بين إسلام المشترى و كفره. و لعل ذكر المستحل في الصحيحتين باعتبار أن المسلم لا يقدم غالبا على شراء المذكى بداعي الانتفاع بمثل تلك الانتفاعات و هذا بخلاف المستحل فإنه يشتريه، و علم البائع بأن المشتري المستحل يستعمله في الأكل لا يضر بجواز البيع، كما يأتي في مسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا.

(2) رواه في المستدرك عن الجعفريات، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: «حدثني أبى عن أبيه عن جده جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليه السلام أنه سئل عن شاة مسلوخة و أخرى مذبوحة عن عمى على الراعي أو على صاحبها، فلا يدرى التذكية من الميتة، قال: يرمى بها جميعا الى الكلاب» و ظاهرها عدم جواز الانتفاع بالميتة أصلا، فتكون من الروايات المحمولة على الكراهة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 29

فافهم (1) و يمكن حملها على صورة قصد البائع (2) و في مستطرفات السرائر (3)

______________________________

(1) لعله إشارة الى أن التفصيل بين المشتبهات و ان كان خلاف ما ذكره (ره) في الأصول من أنها لا تجري في أطراف العلم الإجمالي، سواء كانت موافقة لمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف- كما في المقام- أو مخالفة له، باعتبار أن شمولها لاطرافه يوجب التناقض في مدلول دليلها، الا أن القائل بجواز

ارتكاب بعض أطراف العلم تخييرا يلتزم بالتفصيل المزبور، فالإشكال عليه بجريان استصحاب عدم التذكية في كل منهما مبنى على ذلك المسلك.

نعم لقائل أن يقول: ان موضوع عدم جواز البيع هي الميتة، لا غير المذكى، و استصحاب عدم التذكية لا يثبت عنوان الميتة، فلا بأس باستصحاب عدم كون المبيع ميتة، بناء على عدم تساقط الأصلين المتنافيين معا، للعلم بالتكليف، بل يجري أحدهما تخييرا، و الحاصل أن مقتضى الأصل جواز بيع أحدهما.

نعم القول بجواز ارتكاب بعض الأطراف في نفسه ضعيف، و توضيحه موكول الى محله.

(2) لا يخفى عدم الموجب لذلك، فإنه لم يفرض في قوله عليه السلام:

(إذا اختلط الذكي بالميت) في صحيحة الحلبي اختلاط جميع أجزاء الحيوان أو اشتباه أحد الحيوانين بالاخر، ليقال: ان المراد منه قصد بيع الأجزاء التي لا تحلها الحياة بل الكلام المزبور يعم ما إذا كان هناك مقدار من اللحم أو الشحم بعضه مذكى و بعضه ميتة و قد اختلطا كما لا يخفى.

(3) لم يظهر وجه ذكر الرواية في اشتباه المذكى بالميتة. و لعل هذا الكلام كان بعد التعرض لرواية الصيقل و قبل قوله: (و لكن الإنصاف أنه إذا قلنا بجواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 30

مع أنها معارضة بما دل (1) لوجود المقتضى و عدم المانع (2)

[يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين]

يحرم التكسب بالكلب الهراش و الخنزير البريين (3)

______________________________

الانتفاع) حيث أنه ربما يقع الوهم بأن رواية البزنطي- مثل رواية الصيقل- منافية للأدلة المانعة عن بيع الميتة،

(1) و رواه الكليني عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن على، قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام، فقلت: جعلت فداك: ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ قال: هي حرام، قلت

فنصطبح بها؟ قال: أ ما تعلم أنه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» «1» و لا يخفى أن هذه الرواية لا تصلح لمعارضة ما دل على جواز الانتفاع بالميتة، و منه رواية جامع البزنطي، و ذلك فان ظاهر قوله عليه السلام: (و هي حرام) حرمة أكل الاليات المقطوعة، و لذا أعاد السائل السؤال عن سائر الانتفاعات، و مقتضى قوله عليه السلام في الجواب ثانيا: (أ ما تعلم) كون النهى عن الانتفاعات المزبورة إرشاديا لئلا يبتلى الشخص المستعمل تلك الاليات بنجاسة البدن و الثوب، و الا فلا يكون اصابة اليد أو مس الميتة و لو عمدا حراما تكليفا، بل على تقدير كون المنع عن الانتفاع تكليفا، يحمل على الكراهة جمعا، كما تقدم. و كون المراد بالحرام هي الكراهة ككون المراد بالوجوب الاستحباب غير عزيز في الروايات.

(2) لا يخفى أن المانع ما عد فيه ثمن الميتة من السحت، و لا عذر لمثل المصنف (ره) الذي لا يلاحظ سند الروايات في الإغماض عنها، فإن الإطلاق فيه يعم ميتة ما لا نفس له، الا أن يعتذر بعدم عمل المشهور بهذا الإطلاق.

(3) يشهد لذلك مثل صحيحة محمد بن مسلم و عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (16) الباب (32) من أبواب الأطعمة المحرمة، الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 31

..........

______________________________

معا عن ابى عبد اللّه عليه السلام قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» «1» فإن الرواية لو لم تكن ظاهرة في خصوص الكلب الهراش فلا ريب في أنها تعمه، بل في ثبوت المالية لكلب الهراش الموجبة لخروج أخذ العوض عليه عن عنوان الأكل بالباطل تأمل. نعم لا ريب في جواز التكسب

به بمثل من يكون خبرته في جمع تلك الكلاب و قتلها تحصيلا لراحة الناس، و التكسب بهذا النحو خارج عن مدلول الرواية، و ليس لدينا إجماع تعبدي يمنع عن ذلك، و أما الخنزير فيستفاد فساد بيعه من مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجلين نصرانيين باع أحدهما خمرا أو خنزيرا إلى أجل، فأسلما قبل أن يقبضا الثمن، هل يحل له ثمنه بعد الإسلام؟ قال: انما له الثمن فلا بأس أن يأخذه» «2» حيث أن ظاهر السؤال ارتكاز فساد بيع المسلم الخمر أو الخنزير، و انما سأل عن أخذ الثمن باعتبار فرض البيع حال الكفر، و ظاهر الجواب ايضا أن عدم وقوع البيع حال الإسلام و حدوث ملك الثمن حال الكفر موجب لعدم البأس بأخذه. و في مرسلة ابن ابى عمير عن الرضا عليه السلام قال: «سألته عن نصراني أسلم و عنده خمر أو خنزير، و عليه دين هل يبيع خمرة أو خنازيره و يقضى دينه؟ قال: لا» «3» نعم في حسنة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام «في رجل كان له على رجل دراهم، فباع خمرا و خنازير و هو ينظر فقضاه، فقال: لا بأس به أما للمقتضي فحلال، و أما للبائع فحرام» «4» و لكن لا بد من حملها على بيع الكافر من مثله، بقرينة ذكر الخمر المحكوم بيعه بالبطلان جزما، فيما إذا كان بايعه مسلما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (14) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (61) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (57) من أبواب ما يكتسب به-

الحديث: (1)

(4) وسائل الشيعة الجزء (14) الباب: (60) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 32

..........

______________________________

و الحاصل أنه لا يمكن الأخذ بإطلاق الرواية حتى تقع المعارضة بينها و بين ما تقدم، و مثلها صحيحة زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السلام «في الرجل يكون لي عليه الدراهم، فيبيع بها خمرا أو خنزيرا، ثم يقضى منها؟ قال: لا بأس به، أو قال خذها» «1». و على الجملة فلا بأس بالانتفاع بمثل جلد الخنزير و شعره كما هو مقتضى أصالة الحل، و لكن لا يجوز بيعه، كما تقدم نظير ذلك في الميتة، و ربما يقال أن جواز الانتفاع بمثل جلده بل جواز بيعه مقتضى بعض الروايات: (منها) رواية سليمان الإسكاف قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يخرز به؟ قال: لا بأس به، و لكن يغسل يده إذا أراد أن يصلى» «2» و رواية برد الإسكاف، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شعر الخنزير يعمل به؟ قال: خذ منه فاغسله بالماء حتى يذهب ثلث الماء و يبقى ثلثاه، ثم اجعله في فخارة جديدة ليلة باردة، فإن جمد فلا تعمل به، و ان لم يجمد فليس له دسم فاعمل به، و اغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة، قلت و وضوء؟ قال: لا اغسل يدك كما تمس الكلب» «3» و نحوها غيرها.

و لكن لا يخفى عدم الدلالة فيها على جواز البيع أصلا، فإن العمل بشعر الخنزير حتى فيما إذا كان بنحو الصنعة يمكن وقوعه بنحو الإجارة، بأن يكون الشخص أجيرا للخرازة أو صنع الحمائل من شعر الخنزير، و لا ينحصر الكسب به بالبيع، و بما

أن الروايات المشار إليها واردة في حكم العمل بشعر الخنزير، لا الكسب به، فلا يمكن دعوى إطلاقها و شمولها لبيع المصنوع من شعر الخنزير كما لا يخفى.

و هذا مع الإغماض عن ضعفها سندا بل دلالة أيضا، فإنه لو جاز الانتفاع بشعر الخنزير،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (60) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (2) الباب: (13) من أبواب النجاسات- الحديث: (3)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (58) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 33

[و كل مسكر مائع و الفقاع]

و كل مسكر مائع و الفقاع (1)

______________________________

فلا يفرق بين كون الشعر دسما أولا، و لا أظن الالتزام بالتفصيل من أحد، و ربما يقال باستفادة جواز الانتفاع من صحيحة زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: «سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستسقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟

قال: لا بأس» «1». و غير خفي أن الحكم بجواز الوضوء لا يلازم الحكم بجواز استعمال شعر الخنزير كالاستسقاء به من البئر، فإنه يمكن أن يكون الوضوء بالماء المزبور جائزا مع حرمة إخراج ماء البئر بذلك الحبل، كما هو الحال في الاستسقاء بحبل الغير، فإنه يجوز الوضوء من ذلك الماء مع أنه لا يمكن الالتزام بجواز إخراج الماء به بلا اذن مالكه، و بعبارة أخرى لا يستلزم جواز الانتفاع بالوضوء من الماء المزبور على تقدير الاستسقاء جواز استعمال نفس ذلك الشعر أو الاستسقاء به، كما لا يخفى.

(1) بلا خلاف معروف أو منقول، و قد نزل الفقاع- بل كل مسكر- منزلة الخمر في بعض الروايات المعتبرة، و مقتضى هذا التنزيل ترتيب جميع آثار الخمر، و في

صحيحة على بن يقطين عن ابى الحسن الماضي عليه السلام- قال: «ان اللّه عز و جل لم يحرم الخمر لاسمها، و لكن حرمها لعاقبتها، فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» «2».

و في موثقة ابن فضال، قال: «كتبت الى أبى الحسن عليه السلام أسأله عن الفقاع؟ فقال: هو الخمر و فيه حد شارب الخمر» «3» و قريب منهما غيرهما، و كيف كان فيستفاد من بعض الروايات حرمة المعاملة على المسكر تكليفا و وضعا، ففي موثقة زيد بن على عن آبائه عليهم السلام، قال: «لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الخمر

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (14) من أبواب الماء المطلق، الحديث: (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (19) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (1)

(3) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (27) من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 34

..........

______________________________

و عاصرها و معتصرها و بائعها و مشتريها و ساقيها و آكل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة إليه» «1» حيث أنها دالة على حرمة بيعها تكليفا، كما هو ظاهر لعن بائعها و مشتريها، و فساده وضعا كما هو مقتضى لعن آكل ثمنها، و في مقابلها صحيحة جميل التي رواها ابن ابى عمير و على بن حديد جميعا عنه قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام يكون لي على الرجل الدراهم، فيعطيني بها خمرا؟ فقال: خذها ثم أفسدها، قال على: و أجعلها خلا» «2».

و ظاهرها جواز أخذ الخمر و معاوضتها بالدراهم، و قد حملها المصنف (ره) على أحد أمرين: (الأول) إبراء المديون عما عليه من الدراهم و أخذ الخمر مجانا و الانتفاع بها بعد ذلك بجعلها خلا.

(و الثاني)- أخذ الخمر أمانة بأن ثبت الحق فيها لمعطيها، ثم يجعلها الأخذ خلا و يتملك ذلك الخل عن مالكه المديون وكالة أو تقاصا، و لكن كلا الأمرين طرح لظهورها في مقام المعارضة كما لا يخفى.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أن هذه الرواية عامة من جهة بايع الخمر، أي أنها بإطلاقها تشمل كونه مسلما أو كافرا، و خاصة من جهة المعاملة، حيث أنها بقصد التخليل. و في مقابل ذلك ما يدل على أنه لا يجوز للمسلم بيع الخمر سواء كان بقصد التخليل أو غيره، و هذا خاص من جهة البائع و عام من جهة المعاملة، فتقع المعارضة بينهما في البائع المسلم فيما إذا كان بيعه للتخليل، و بعد تساقطهما يرجع الى إطلاق قوله عليه السلام: (ثمن الخمر سحت)، و الرواية المزبورة رواية يونس في مجوسي باع خمرا أو خنازير الى أن قال: «أسلم رجل و له خمر أو خنازير، ثم مات و هي في ملكه- الى ان ذكر- و ليس له أي للمسلم أن يبيعه و هو حي و لا يمسكه» «3» و نحوها

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (55) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة، الجزء (17) الباب: (31) من أبواب الأشربة المحرمة: الحديث: (6)

(3) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (57) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 35

..........

______________________________

مرسلة ابن ابى عمير أو أبي نجران «1» و فيه أن رواية يونس ضعيفة سندا. نعم مرسلة ابن ابى عمير لا بأس بها على شهادة الشيخ (ره) في العدة من أنه لا يرسل و لا يروى إلا عن ثقة، حيث أن هذا الكلام

منه (ره) توثيق عام لمشايخ ابن ابى عمير لا يرفع اليد عنه الا في موارد علم فيها نقله عن غير الثقة، و ليس لنا علم- و لو إجمالا- بإرساله عن غير الثقة حتى يمنع هذا العلم عن الأخذ بمرسلاته، نعم بالإضافة إلى رواياته المسندة فروايته فيها عن غير الثقة معلوم إجمالا، و لكن هذا العلم ينحل بالظفر بأشخاص نحتمل انحصار غير الثقة من مشايخه بهم، و لكن سيأتي عدم تمامية ذلك و أنه لا اعتبار لمرسلاته.

و مع الإغماض عن السند فلا يتم ما ذكر، لظهور صحيحة دراج في جواز شراء الخمر مطلقا، سواء كان بقصد التخليل أو لغاية أخرى، و الأمر بجعل الخمر خلا حكم آخر في الرواية، و ليس قيدا لجواز شرائها، فإنه فرق بين قوله: (خذها و اجعلها خلا) كما في الرواية، و بين قوله (خذها إذا جعلتها خلا)، حيث إن الأول كنظائره من الأمر بتغسيل الميت و الصلاة عليه لا يوجب تقييدا في الحكم الأول، و على ذلك فظاهر الصحيحة جواز شراء الخمر وضعا و تكليفا، فتكون منافية لما دل على حرمة بيعها و فساده، و الترجيح مع الاخبار الدالة على المنع تكليفا و وضعا، لموافقتها للكتاب العزيز الدال على لزوم الاجتناب عن الخمر، باعتبار كونه رجسا، فان لزوم الاجتناب يعم بيعها و شراءها كما لا يخفى.

و ذكر الإيرواني (ره) أن تفسير الإفساد بجعل الخمر خلا من ابن ابى عمير لا من الامام عليه السلام، و لا عبرة بفهم ابن ابى عمير فيما إذا كان ظاهر كلامه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (57) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 36

..........

______________________________

عليه السلام غيره،

و ظاهر إفساد الخمر جعلها بحيث لا يرغب فيها حسما لمادة الفساد، فلا دلالة في الرواية على تجويزه عليه السلام أخذ الخمر بدلا عن الدراهم، ليكون ذلك منافيا لما تقدم من المنع عن بيعها وضعا و تكليفا.

أقول لا ينبغي الريب في عدم وجوب اهراق الخمر و جواز جعلها خلا، و يشهد لذلك غير واحد من الروايات كموثقة زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا؟ قال لا بأس» «1» و كيف كان فلا يجب إتلاف الخمر بإهراقها، بل يجوز إفسادها بجعلها خلا، و لو لم يكن ظاهر إفسادها هو التخليل كما فسره به على بن حديد، فلا أقل من حمله على ما يعمه جمعا بينها و بين مثل الموثقة مما دل على جواز أخذها و تخليلها، كما أن ظاهر قوله عليه السلام: خذها في الجواب عن السؤال عن أخذها بدل الدراهم- هو تجويز المبادلة، و الا لكان اللازم أن يقول عليه السلام خذها و لك ما عليه من الدراهم.

ثم لا يخفى أن تقييد المسكر بالمائع- في كلام المصنف (ره) ليس باعتبار أنه لا بأس ببيع المسكر الجامد، باعتبار أن الكلام في المقام في عدم جواز بيع النجاسات، و المسكر الجامد بالأصالة- باعتبار عدم نجاسته- خارج عن موضوع البحث، و داخل فيما يأتي مما يحرم التكسب به باعتبار حرمة الانتفاع.

(تنبيه)

لا يخفى أن ما ورد- من أن كل مسكر خمر حكما أو موضوعا- لا يوجب الحكم بحرمة بيع ما يعرف في زماننا هذا بالاسبيرتو (الكل صنعتي) بل المائع المزبور محكوم بالطهارة للأصل- و بجواز البيع باعتبار المنفعة المقصودة المحللة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (31) من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث:

(3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 37

[يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجسة]

يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجسة (1)

______________________________

فيه، و ليس مسكرا بالفعل لتعمه تلك الروايات، و علاجه بالماء أو غيره لتصبح مسكرا غير محرز و على تقديره فلا يضر، لظهورها في أن الموضوع للنجاسة و الحرمة هو ما يكون مسكرا بالفعل و معدا للإسكار فلاحظ.

(1) لو لم تكن للمتنجس منفعة محللة مقصودة، كما إذا كانت منفعته المقصودة الأكل أو الشرب، فحرمتهما مع عدم إمكان تطهيره توجب كون أخذ المال في مقابله من أكله بالباطل. و العجب من المصنف (ره) أنه لم يتعرض لهذا الاستدلال، بل ذكر في وجه بطلان بيعه روايات تقدم عدم صحة الاعتماد عليها، بل مع الإغماض عما تقدم، فلا يمكن الاستدلال بها على حكم المقام، فإنه لم تتعلق الحرمة في خطاب الشرع بنفس المتنجس حتى يعمه قوله: (إذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه) أو قوله في رواية دعائم الإسلام: (ما كان محرما أصله لم يجز بيعه و شراؤه) بل حرمة شرب المتنجس أو أكله مستفادة مما ورد في أبواب مختلفة، كالنهي الوارد عن شرب الماء و المضاف المتنجسين، و كالأمر الوارد بإهراق المرق المتنجس و غسل لحمه، و غير ذلك مما هو إرشاد الى عدم جواز تناول المتنجس.

(لا يقال) يكفي في تعلق النهى بنفس المتنجس مثل قوله سبحانه يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ «1» (فإنه يقال) لم يعلم أن المراد بالخبائث الأعيان ليدعى شمولها للأعيان المتنجسة أيضا، بل الظاهر أن المراد بها الأعمال القبيحة و ذوات المفاسد، كما ان المراد بالطيبات خلافها. و هذا مقتضى وصف النبي الأمي بأنه يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث، حيث أن التعرض في مقام توصيفه

لتحليله بعض المأكول و المشروب و تحريمه بعضهما الأخر دون سائر ما جاء به من الأحكام غير مناسب، و لو لم يكن ما ذكرنا ظاهرا فلا أقل من الاحتمال. كيف؟ و قد

______________________________

(1) سورة الأعراف (7) الاية (156)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 38

قيل بعدم جواز بيع المسوخ من أجل نجاستها (1)

[المستثنى من الأعيان النجسة]
[يجوز بيع المملوك الكافر]

يجوز بيع المملوك الكافر (2)

______________________________

ذكر الخبائث في قوله سبحانه نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ «1» و المراد به الفعل القبيح بلا شبهة.

و على الجملة لم يثبت أن الخبيث نفس المتنجس، بل هو أكله و شربه، هذا كله بالإضافة الى ما لا يقبل التطهير. و اما ما يقبل التطهير كالحليب المتنجس يعمل جبنا و يطهر ذلك الجبن بالغسل، فلا بأس ببيعه، و لا يكون مجرد تنجسه مانعا عنه، لان المتنجس لا يزيد على الأعيان النجسة التي ذكرنا صحة بيعها مع المنفعة المقصودة المحللة لها.

(1) قال في المبسوط لا يجوز بيع الأعيان النجسة كالكلب و الخنزير و جميع المسوخ، و في الخلاف لا يجوز بيع القرد للإجماع على أنه مسخ نجس، و ذكر في أطعمة الكتاب أن المسوخ كلها نجسة انتهى. و لكن الأظهر طهارتها فإنها مقتضى الأخبار المعتبرة الموجبة لحمل ما ورد في ترك سؤر المسوخ على التنزه، و عليه فلو قيل بعدم جواز بيعها يكون محل التعرض له القسم الثاني مما يجوز بيعه باعتبار عدم المنفعة المحللة المقصودة فيه.

(2) يجوز بيع الكافر بلا خلاف ظاهر، بل ادعى الإجماع على الجواز، و ليس الإجماع بعيدا، و يمكن تحصيله بالتتبع في الموارد المناسبة لمسألة جواز بيع العبد الكافر من جواز استرقاق الكفار و لو بأسرهم، حيث أن الكافر يملك بالاسترقاق

و جواز البيع من آثار الملك، و من جواز شراء بعض الكفار من بعضهم كما فيما إذا باع الكافر الحربي ولده، فيجوز للمسلم شراؤه، و من ان العبد إذا أسلم على مولاه الكافر يباع عليه، فإنه يستفاد من المذكور في تلك المسألة أنه يجوز للكافر بيع عبده قبل إسلامه، و يجبر على البيع بعد إسلامه، و من جواز عتق العبد الكافر

______________________________

(1) سورة الأنبياء (21) الاية (74)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 39

عدا ما يظهر من بعض الأساطين (1) و ان كان عن فطرة على اشكال (2) ثم ذكر المحارب الذي لا تقبل توبته (3)

______________________________

الموقوف على تملك العبد أولا بالشراء أو غيره، و من تجويزهم بيع المرتد، و من حكمهم بخيار الفسخ للمشتري فيما إذا ظهر كفر العبد المشترى على ظاهر الإسلام، حيث أنه لو لم يصح بيع الكافر لكان البيع باطلا لا خياريا الى غير ذلك.

(1) كأن مراد بعض الأساطين أن المرتد الفطري لا يسقط عنه القتل، و لكن إذا تاب يحكم بإسلامه أى يجرى عليه أحكام الإسلام. و من تلك الأحكام طهارته، فيجوز بيعه، و أما إذا لم نقل بقبول توبته اى بعدم جريان أحكام الإسلام عليه فلا يجوز بيعه حتى بعد توبته، لكونه نجسا كسائر الكفار.

(2) اى على اشكال في رهنه، و وجه الاشكال- على ما في جامع المقاصد- هو أن جواز بيع المرتد يوجب جواز رهنه بطريق أولى، باعتبار أن البيع من العقود اللازمة، فجوازه يوجب جواز العقد الجائز، و من أن المقصود بالبيع مجرد ملك العين. و هذا يحصل في المرتد ايضا، بخلاف الرهن، فإنها الوثيقة على الدين و المرتد في معرض القتل، اما مطلقا، كما في

الفطري، أو مع عدم توبته، كما في الملي، فلا يحصل الوثوق المعتبر في حقيقة الرهن.

(3) المراد بالمحارب المحكوم بالقتل من شهر السلاح على الناس لاخافتهم في المصر أو خارجه، سواء كان مسلما أو كافرا حرا أو عبدا، و إذا تاب هذا المحارب و أظهر الندم على فعله قبل القدرة عليه، سقط عنه الحد. و أما إظهاره الندم بعد القدرة عليه، فلا يوجب سقوط الحد، كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1».

ثم إذا كان المحارب عبدا يجوز بيعه، و لا يكون الحكم عليه بالقتل موجبا

______________________________

(1) سورة المائدة (5) الاية (34)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 40

[يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش]

من غير ظاهر إطلاق المقنعة و النهاية (1)

______________________________

لسقوطه عن الملك و المالية رأسا، حيث أن له منفعة مقصودة و أقلها عتقه في كفارة و نحوها، فيكون نظير العبد المرتد الفطري كما لا يخفى.

(1) اى ان بيع كلب الصيد من غير السلوقي جائز إلا في ظاهر الكتابين، فان المستفاد منهما عدم جواز بيع غير الكلب السلوقي، و هذا بإطلاقه يعم كلب الصيد غير السلوقي، ثم ان الإطلاقات الدالة على بطلان بيع الكلب و كون ثمنه سحتا تامة، و لا بد في رفع اليد عنها من ثبوت الحجة على تقييدها. و الصحيح ثبوتها بالإضافة إلى كلب الصيد سلوقيا كان أو غيره، كصحيحة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه و محمد ابن مسلم معا عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» «1» فان مقتضى التقييد بالذي لا يصيد جواز بيع كلب الصيد، و بمثلها يرفع اليد عن إطلاق مثل صحيحة إبراهيم

بن ابى البلاد، قال: «قلت لأبي الحسن الأول (ع): جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن أربعة عشر الف دينار، و قد جعل لك ثلثها، فقال لا حاجة لي فيها ان ثمن الكلب و المغنية سحت» «2» و نحوها غيرها.

(لا يقال): ان ما دل على جواز بيع كلب الصيد منصرف إلى السلوقي، (فإنه يقال): لا موجب لتوهم الانصراف الا غلبة الاصطياد به خارجا، و الغلبة ممنوعة أولا، و لا توجب الانصراف ثانيا، بل الموجب له كثرة الاستعمال و غلبته، بحيث توجب أنس الأذهان من المطلق به.

و ذكر المصنف (ره) أنه على تقدير الانصراف بغلبة الوجود، فلا تتم دعوى الانصراف في مثل قوله (ع) في الصحيحة «ثمن الكلب الذي لا يصيد أو ليس بكلب الصيد» مما يكون الموضوع للفساد هو الكلب الذي يصح سلب مبدأ الاصطياد عنه، فإنه لا يصح سلب المبدأ عن كلب الصيد، و لو كان من غير السلوقي، و هذا بخلاف

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (14) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (16) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 41

و يؤيد بما عن المنتهى (1)

______________________________

ما يكون فيه الموضوع لصحة بيعه هو الكلب الموصوف بالاصطياد به أو المضاف الى عنوان الصيد، فان توهم الانصراف فيهما باعتبار غلبة الوجود ممكن.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنه لا فرق بين إثبات المبدأ و الوصف و بين نفيهما، و ذلك فإنه لو كان الوصف أو المبدأ في طرف الإثبات منصرفا الى نوعه الغالب يكون في نفيه ايضا كذلك، بمعنى أنه يكون المسلوب ذلك النوع الخاص، و الحاصل

أنه يصح نفى كلب الصيد عن غير السلوقي إذا كان في طرف إثباته منصرفا إلى السلوقي.

(1) ذكر في المنتهى ما حاصله أن الموجود في كلام المفيد و الشيخ (رحمهما اللّه) جواز بيع الكلب السلوقي، و مرادهما بالسلوقي مطلق كلب الصيد، و ذلك فان غالب كلاب السلوق و هي قرية في اليمن صيود، و بهذا الاعتبار ينسب كلب الصيد الى تلك القرية، و يطلق على كلب الصيد أنه سلوقى، و يحتمل أن يكون مراد المنتهى أن المذكور في كلام المفيد و الشيخ و ان كان مطلق السلوقي، الا أن مرادهما الصيود منه لا مطلق كلاب تلك القرية، و أطلق في العبارة و لم يقيد السلوقي بالصيود باعتبار التغليب، حيث أن أكثر كلاب تلك القرية معلمة، و هذا الاحتمال في عبارة المنتهى ضعيف، و لذا ذكر المصنف (ره) أن الأظهر في عبارته هو الأول، و الوجه في ضعفه أن الأنسب- على ذلك الاحتمال- أن يكون التفريع على التعليل هكذا، فأطلق المنسوب إليها و لم يقيد بالصيود، مع أن التفريع الموجود هكذا، فنسب الكلب إليها أي نسب كلب الصيد إليها. و بعبارة أخرى عبر عن مطلق كلب الصيد بالكلب السلوقي.

ثم ان مقتضى الإطلاقات عدم جواز بيع الصغار من الكلاب التي لا تصلح فعلا للصيد و تصلح له بعد كبرها و تعليمها، و الوجه في ذلك ظهور الوصف في الروايات المقيدة في الصالح للصيد فعلا و اما الصالح بالإمكان و معلقا على الكبر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 42

و ظاهر الفقرة الأخيرة (1) لكون المنقول مضمون الرواية (2) بل ظهور الاتفاق (3)

______________________________

و التعليم، فباق في الإطلاقات المانعة و القاضية بأن ثمن الكلب سحت.

(1) المراد بالفقرة

الأولى (قوله لا بأس بشراء الكلب الصائد و الحارس للماشية و الزرع) كما أن المراد بالفقرة الأخيرة (قوله لا خير في الكلب فيما عدا الصيود و الحارس) فان كان مراد ابن الجنيد من الحارس في هذه الفقرة الأخيرة عين ما ذكره في الفقرة الأولى فلازم ذلك اختصاص جواز البيع بالحارس للماشية و الزرع، و عدم شموله الحارس لغيرهما، و ان كان مراده معناه المطلق، فيعم الجواز جميع أقسام الحارس.

(2) يريد بيان قصور دلالة المرسلة. و تقريره أن المروي على تقدير كونه منقولا باللفظ أو بما يرادفه أو ترجمته و لو بلغة اخرى يكون النقل مع ثقة الناقل حجة، لأن احتمال الاشتباه في الترجمة أو الإتيان بغير المرادف مدفوع بسيرة العقلاء الجارية في الاعتناء باخبار الثقات حتى في مثل هذه الموارد، بخلاف ما إذا كان المنقول مضمون الكلام و حاصله، فإنه لا يخلو من إظهار الرأي في كلام الغير، و لذا لو كان المخبر بالمضمون ثقة كمال الثقة لم يكن اعتبار قوله الا من باب حجية الرأي، و نقل الشيخ (ره) في المقام من هذا القبيل، فان قوله (ره) (أنه روى ذلك) لا يحتمل كونه متن الرواية، و على ذلك يكون فتوى المشهور بالجواز جائزة لقصور المرسلة في جهة دلالتها ايضا حيث يظهر من افتائهم أن تلك الرواية كانت ظاهرة في الجواز، و هذا بعد إحراز أن مستند حكمهم تلك الرواية بعينها.

(3) يعنى قصور سند المرسلة و دلالتها منجبر بالإجماع الظاهر من قول الشيخ (ره) في كتاب الإجارة و هو أن أحدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب و إجارتها مع ملاحظة الاتفاق على صحة إجارتها، و الظاهر من قول العلامة (ره) في التذكرة من

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 43

..........

______________________________

انه يجوز بيع هذه الكلاب عندنا، و الظاهر من الكلام المحكي عن الشهيد (ره) في الحواشي حيث ذكر فيها أن أحدا لم يفرق بين الكلاب الأربعة.

أقول قد ظهر مما ذكرنا الى هنا أن مقتضى الأدلة الالتزام بعدم جواز بيع غير الكلب الصالح فعلا للصيد و ما تقدم من مرسلة الشيخ (ره) لا يزيد على سائر المرسلات التي لا يمكن الاعتماد عليها.

(لا يقال) لا يمكن التمسك في إثبات بطلان بيع الكلب مطلقا بمثل صحيحة إبراهيم بن ابى البلاد، لعدم الإطلاق فيها باعتبار عدم ورودها في مقام بيان حكم بيع الكلب، بل في مقام تحقير الجارية المغنية و تسوية ثمنها مع ثمن الكلب، و كذا لا يمكن التمسك برواية السكوني عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و أجر الكاهن» «1» و الوجه في ذلك عدم الإطلاق لها ايضا باعتبار أنها لم ترد في بيان الحكم لثمن الكلب حتى يؤخذ بإطلاقه، بل في مقام تعداد السحت نظير ما ورد في تعداد الحرام من الكذب و الغيبة و التهمة و الربا و غير ذلك، أو في تعداد الواجب من أنها الصلاة و الصوم و الحج و الزكاة الى غير ذلك.

و الحاصل انه كما لا دلالة فيما ورد في تعداد الحرام على كون الربا مثلا بإطلاقه حراما أو أن الحرام قسم خاص منه و لا دلالة فيما ورد في تعداد الواجب على وجوب الحج بإطلاقه أو أن له شرطا، و لذا لا يمكن التمسك عند الشك في جزئية شي ء أو شرطيته للصلاة مثلا بالإطلاق المزبور في

نفى جزئية ذلك المشكوك فيه أو شرطيته، كذلك لا دلالة فيما ورد في تعداد السحت، على أن السحت ثمن مطلق الكلب أو ثمن كلب خاص. و على ذلك فلا يصح الحكم ببطلان بيع كلب الزرع أو الماشية أو الحارس أخذا بالإطلاقات المزبورة، و ايضا لا يمكن الحكم بفساد بيعها أخذا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 44

..........

______________________________

بمفهوم الوصف في مثل صحيحة عبد الرحمن و محمد بن مسلم معا، و ذلك فان المراد بالذي يصيد ليس هو خصوص الكلب المعلم للصيد حتى يكون المراد بالذي لا يصيد غير المعلم للصيد، بل المراد به معناه اللغوي و هو الذي يأخذ الحيوان الممتنع، سواء كان مأكول اللحم أولا، حتى إذا كان الأخذ المزبور من الكلب بمقتضى طبعه الذي من السباع، فالكلب الذي لا يصيد هو ما يكون مهملا و عاطلا عن مقتضى طبعه بالمرة بحيث لا يأخذ الحيوان الممتنع، و الحاصل أن الكلاب الأربعة كلها من كلاب الصيد و يصح بيعها كما هو مقتضى وجوب الوفاء بالعقود و إطلاق دليل حل البيع، و الفاسد بيعه هو الكلب الهراش العاطل عن مقتضى طبعه بالمرة و الساقط عن درجة كونه سبعا.

(فإنه يقال): لا بد من الحكم ببطلان بيع كلب الماشية أو الزرع أو الحارس و نحوها بمقتضى الإطلاق فيما ورد في كون ثمن الكلب سحتا و بمقتضى التقييد فيما ورد من عموم جواز بيع الكلب الذي لا يصيد، و ذلك فان الخطاب الدال على الحكم لموضوع يحمل على كون المتكلم به في مقام البيان من جهة القيود المحتملة للحكم و موضوعه الا مع القرينة

على الخلاف، و من القرينة على الخلاف ما إذا تعلق الوجوب أو الحرمة بأفعال مختلفة ثم ورد خطاب آخر في تعداد تلك الواجبات و المحرمات المبينة في الخطابات السابقة: و أما إذا كان بيان وجوبها أو حرمتها بذلك الخطاب الجامع فلا بأس بالأخذ بالإطلاق فيه في ناحية الحكم و موضوعه.

مثلا إذا ورد في الخطاب أن من الحرام الرشا في الحكم و الغيبة و الكذب و الغناء حمل على كونه بيانا لحرمة تلك الأفعال، فيؤخذ بالإطلاق في ناحية الحرمة و متعلقها، لما تقدم من أن الأصل في الخطاب الدال على الحكم و موضوعه صدوره في مقام بيان ذلك الحكم من جهة متعلق الحكم، فيؤخذ بإطلاقه من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 45

بأن الدية لو لم تدل (1)

______________________________

سائر الجهات، كما إذا كان متعلق الحكم في الخطاب من الأمور التي لا يعرفها العرف كالعبادات، مثل ما ورد في بناء الإسلام على الخمس: (الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الولاية) حيث أن عدم معرفة العرف بتلك العبادات قرينة على أنها ليست في مقام بيانها من جهة اجزائها و شرائطها، بل في مقام بيان اهميتها بالإضافة إلى سائر الوظائف و الواجبات، و لذا يمكن التمسك في إثبات كون الأهم كل الفرائض اليومية بلا فرق بين صلاة و اخرى بإطلاق المتعلق من هذه الجهة كما لا يخفى.

و الحاصل أنه لا قرينة على أن مثل رواية السكوني الواردة في أن ثمن الميتة أو الخمر أو الكلب و غيرها من السحت في مقام تعداد ما ثبت كونه سحتا بالخطابات الأخرى لنحتاج في تعيين ما هو السحت سعة و ضيقا إلى ملاحظة تلك الخطابات، بل الظاهر أن الرواية

في مقام بيان أن المذكورات محكومة بكونها سحتا، فيؤخذ بالإطلاق في ناحية الخمر و الكلب و الميتة و غيرها، كما أن صحيحة إبراهيم بن ابى البلاد ورودها في مقام الجواب عن سؤال ثمن الجارية المغنية لا ينافي كونها في مقام بيان حكم ثمن الكلب ايضا، و ايضا ليس المراد بالصيد في مثل قوله الكلب الذي لا يصيد أو يصيد مطلق صيد الحيوان، فإنه لا يقع البيع و الشراء خارجا على الكلاب المهملة الساقطة عن مقتضى طبعها بالمرة ليحتاج في المنع عن بيعها في الروايات المتعددة إلى التقييد المزبور، بل المراد بالذي يصيد هو الصالح لإرساله للصيد فعلا، نظير ما يقال عن الحيوان الصالح فعلا للركوب أنه يركب، و في مثل هذا يحتاج المنع عن بيع غيره الى التقييد فلاحظ.

(1) الصحيح أنه لا دلالة لتعيين الدية على المالية و لا على عدمها و ذلك لثبوت الدية في قتل العبد مع كونه مالا و في الحر مع عدم كونه ملكا أو مالا، نعم في الماليات مقتضى قاعدة الإتلاف ضمان القيمة في مورد لم تثبت فيه الدية، هذا مع أن في ثبوت الدية في غير السلوقي تأملا، لضعف الرواية الدالة عليها و أما الدالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 46

و أما كلام ابن زهرة فهو مختل (1)

______________________________

على أن دية السلوقي أربعون درهما فرواية معتبرة «1».

(1) و بيانه ان المصنف (ره) قد صحح فيما تقدم كلام ابن زهرة بحمل الكلب المعلم للصيد فيه على المثال و وجه التصحيح أن ابن زهرة ذكر في وجه عدم جواز بيع النجس عدم جواز الانتفاع به و استثنى عن حرمة بيعه شيئين (أحدهما)- الكلب المعلم للصيد و (ثانيهما) الزيت،

و قال بورود الترخيص في الانتفاع بالزيت المتنجس للاستصباح، و بما أن الانتفاع بكلب الماشية و نحوها ككلب الصيد جائز، فيكون مقتضى ذلك جواز بيعهما ايضا، فيحمل الكلب المعلم للصيد في كلامه على المثال، و يذكر المصنف فعلا أن التصحيح غير مفيد، و كلام ابن زهرة مختل على كل حال أى سواء حمل الكلب المعلم للصيد فيه على المثال أو لا، فإنه إذا لم يحمل على المثال فيرد عليه أنه لا وجه لتخصيص جواز البيع بكلب الصيد مع جريان وجه الجواز عنده في كلب الماشية و غيرها أيضا، و أن حمل على المثال بما يجوز بيعه من الكلاب فلا وجه لإهمال العبد الكافر و الاقتصار في الاستثناء على كلب الصيد و الزيت المتنجس.

اللهم إلا أن يدفع هذا الخلل بحمل كلب الصيد في كلامه على المثال لمطلق النجس الذي يجوز الانتفاع به، بحيث يعم العبد الكافر ايضا و يكون ذكر الزيت بعد ذلك لورود النص الخاص في جواز الانتفاع به.

أقول: يمكن أن يكون ذكر كلب الصيد للمثال للكلاب الأربعة، و إهماله العبد الكافر لعدم قوله (ره) بنجاسته، فلا بد من ملاحظة ما ذكره في مسألة نجاسة الكافر.

و المتحصل في المقام أنه لا يجوز بيع غير كلب الصيد من سائر الكلاب أخذا بالإطلاق السابق و بمقتضى التقييد في مثل صحيحة عبد الرحمن المتقدمة نعم لا بأس

______________________________

(1) وسائل الشيعة- الجزء (19) الباب: (19) من أبواب ديات النفس- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 47

[الأقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي]

الأقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي (1)

______________________________

بإجارتها اوهبتها الى غير ذلك من المعاملات التي لا تندرج في عنوان البيع كما هو مقتضى عموم الوفاء بالعقود و نفوذ الصلح و

الهبة أو نحوها كما لا يخفى، بقي في المقام أمر و هو انه ليس المراد بالصيود و الذي يصيد تلبس الكلب فعلا بالصيد بان يكون حال البيع مرسلا الى الصيد للقطع بعدم اعتبار هذا التلبس في جواز بيعه بل المراد هو الصالح للاستعمال في الصيد في مقابل مالا يصيد، و المراد بكلب الصيد اما الكلب الذي يستعمل فعلا في الصيد بحيث يكون شغله الفعلي هو الصيد نظير كلب الماشية أو الزرع حيث يكون ظاهرهما ما شغله حراسة الزرع أو الماشية، فيكون الصيود أو الذي يصيد أعم مطلقا من كلب الصيد، و يكون المراد بكلب الصيد عين المراد من الصيود، و بينهما تساو، و على كل فموضوع عدم الجواز في صحيحة عبد الرحمن هو الكلب الذي لا يصيد إى لا يصلح لاستعماله في الصيد.

و أما الصالح له فيجوز بيعه، سواء كان مع صلاحه له حارسا للزرع و نحوه أيضا أو لا، و الذي لا يجوز بيعه من كلب الماشية أو الزرع أو الحائط ما لا يكون صالحا فعلا لاستعماله في الصيد، و ايضا الكلاب القابلة للصيد، بعد كبرها و تعليمها، باعتبار أن عدم فعلية الصلاح فيها داخلة في المطلقات القاضية بأن ثمن الكلب سحت، بل يصح أن يقال إنها لا تصيد، فيعمها قوله (ع): «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت» و احتمال- كون المراد بالصيود معنى يعم ما له الاستعداد للصيد و لو لم يكن فعلا صالحا له- ضعيف: و على تقدير الإغماض يكون معنى الصيود أو الذي يصيد أو لا يصيد مجملا مرددا بين الأقل و الأكثر، فيرجع في غير الصالح فعلا إلى إطلاق ما دل على كون ثمن الكلب سحتا».

(1) لا يخفى أنه لا

يحكم بنجاسة العصير العنبي بنشيشه أو غليانه، سواء كان ذلك بالنار أو بالشمس أو بنفسه، و انما يحكم بنجاسته، فيما إذا صار خمرا، و الحكم بالطهارة مقتضى الأصل في الأشياء، و لكن المنسوب الى المشهور نجاسته بنشيشه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 48

..........

______________________________

أو غليانه، و ذلك لصحيحتين: (الأولى) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى- عبد اللّه (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): «الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العصل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر» «1».

و فيه أنه ليس مفادها أن عصير الكرم بإطلاقه خمر، بل أن الخمر المحكوم بالنجاسة و حرمة الشرب و عدم جواز بيعها تحصل منه كحصولها من الأربعة الباقية، و لذا لا يمكن الالتزام بدلالتها على كون عصير العنب خمرا حتى مع عدم غليانه، و كذا الحال في الزبيب و أنه خمر فيما إذا القى في الماء حتى يدخل الماء في جوفه و يصير نقيعا.

و الحاصل أن مفاد الرواية أن المأخوذ من غير الخمسة لا يكون خمرا و لا يختص الخمر بالمأخوذ من بعض هذه الخمسة، كما كان عليه فتاوى العامة على ما قيل (الثانية) صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج، و يقول قد طبخ على الثلث و أنا أعرفه أنه يشربه على النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ قال خمر لا تشربه» «2» حيث أن الحكم بكون العصير خمرا مقتضاه ثبوت جميع أحكامها له و منها نجاستها و عدم جواز بيعها و فيه أولا أن الموجود في رواية الكليني (فقال لا تشربه)

بلا ذكر لفظ خمر بل الظاهر أن نسخ التهذيب كانت مختلفة و كانت الزيادة في بعضها و لذا نقل في الوسائل الرواية عن الكافي أولا، ثم قال و رواه الشيخ (ره) بلا تعرض منه لزيادة لفظ خمر في رواية التهذيب:

و الحاصل أنه لم تثبت لفظة خمر في رواية الشيخ (ره)، بل على تقديره يكون خلو رواية الكافي موجبا لعدم ثبوته لا لترجيح رواية الكافي، و كون رواياته أضبط حتى يقال لا دليل على الترجيح، بعد كون كل منهما خبر عدل يدخل في دليل اعتبار

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (1) من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (7) من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 49

وجب عليه غرامة الثلثين (1)

______________________________

خبر العدل لو لا الآخر، بل باعتبار أن عدم اللفظ في أحد النقلين في المقام ليس من اختلافهما بالأقل و الأكثر في النقل حتى يؤخذ بالثاني، و يقال أن راوي الأقل لا ينفى الزائد فإن الظاهر في مثل المقام مما يوجب وجود للفظ في أحدهما اختلاف المضمون أن الراوي بلا زيادة ينفى وجودها.

أضف الى ذلك أنه على تقدير ثبوت لفظ الخمر في النقلين لا يصح الحكم بنجاسة العصير قبل ذهاب ثلثيه، و ذلك فان قوله خمر لا تشربه ليس بيانا للحكم الواقعي للعصير، بل الحكم الواقعي له كان معلوما لدى السائل، و إنما سأل الإمام عليه السلام عن الشبهة الموضوعية و اعتبار اخبار ذي اليد فيها.

و الحاصل ان الرواية غير ناظرة إلى بيان الحكم الواقعي للعصير بعد غليانه حتى يؤخذ بإطلاق التنزيل و كونه خمرا، بل هي ناظرة إلى بيان الحكم الظاهري، و أنه

عند الجهل بحال العصير لا يعتنى باخبار ذي اليد الذي لا يعتقد حل العصير بذهاب ثلثيه. و من الظاهر أن الحكم الظاهري تابع للحكم الواقعي، فإن كان التنزيل في خطاب الحكم الواقعي من جميع الجهات، كان الحكم الظاهري أيضا كذلك، و لو كان من جهة حرمة شربه فقط، فلا يمكن كون الحكم الظاهري تنزيلا مطلقا، فلا بد من ملاحظة خطاب الحكم الواقعي لا التمسك بإطلاق خطاب الحكم الظاهري فتدبر.

(1) بل الأصح ضمان تفاوت قيمتي العصير بلحاظ قبل غليانه و بعده، و ذلك فإن الأوصاف- و منها غليان العصير و عدمه، و ان لم يكن بالنسبة إليها ضمان المعاوضة بمعنى انه لا يقع بعض الثمن في مقابل وصف المبيع و بهذا- يفترق الوصف عن جزء المبيع، إلا أنها تدخل في ضمان اليد أو الإتلاف، و بعبارة أخرى كما أن تلف الشي ء، أو بعضه في يده أو إتلافهما على الآخر يوجب ضمان المثل أو القيمة، كذلك النقص في الأوصاف.

و قد اعترف المصنف (ره) بان غليان العصير في يد الغاصب ليس من تلف العين كانقلاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 50

مثل قوله (ع) و إن غلى فلا يحل بيعه (1)

______________________________

الخل خمرا حتى يكون ضامنا لأصل المال، و عليه يكون التالف هو وصف عدم الغليان، فيرجع الى التفاوت بين القيمتين لا إلى غرامة الثلثين و أجرة إذهابهما.

(1) كما في رواية أبي كهمس قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه (ع) عن العصير، فقال: لي كرم و أنا أعصره كل سنة و أجعله في الدنان و أبيعه قبل أن يغلي؟ قال:

لا بأس به، و إن غلا فلا يحل بيعه، ثم قال: هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن

نعلم أنه يصنعه خمرا، «1» و هذه لضعف سندها بعدم ثبوت توثيق لأبي كهمس لا يمكن الاعتماد عليها، مع أن ظاهرها بقرينة ما في ذيلها من قوله (ع): (نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا) ان جهة سؤال الراوي انما هو بيع العصير ممن يجعله خمرا.

و المذكور في الجواب التفصيل بين بيعه قبل غليانه و بيعه بعده بالجواز في الأول و عدم الجواز في الثاني، و مقتضى قوله: (فلا يحل) عدم الجواز حتى مع إعلام الحال للمشتري، و دعوى المصنف (ره)- أنها لا تشمل ما إذا كان البيع بقصد التطهير مع إعلام المشتري بالحال- لا يمكن المساعدة عليها.

و بهذا يظهر الحال في رواية أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن ثمن العصير قبل أن يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا! قال: إذا بعته قبل أن يكون خمرا و هو حلال، فلا بأس» «2» مع أن في سندها قاسم بن محمد الجوهري عن على ابن أبي حمزة و الظاهر أنه البطائني، و ذكر السيد الخوئي طال بقاه ان أبا بصير في نظير الرواية مردد بين ابن البختري و بين ليث المرادي و كلاهما كوفي و لم يكن في الكوفة في ذلك الزمان عنب كثير حتى يباع عصيرة ممن يجعله خمرا أو يطبخه دبسا، فالظاهر أن مراد السائل هو عصير التمر و لا ريب في جواز بيعه حتى بعد غليانه و قبل كونه خمرا فالرواية أجنبية عن المقام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (6- 2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (6- 2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص:

51

..........

______________________________

أقول لا يخفى ما فيه (أولا)- كون الراوي كوفيا بحسب الأصل لا يدل على أن سؤاله راجع الى ما يكون في بلده. و (ثانيا) أنه لا علم لنا بحال الكوفة في ذلك الزمان من قلة العنب أو كثرته فيها. و (ثالثا) أن تقييد الجواب بقوله: (و هو حلال) ظاهر في اعتبار عدم الغليان، و إلا كان تأكيدا و إطلاق العصير ينصرف الى عصير العنب. و يظهر ذلك بمراجعة ما ورد في حكم العصير. و أما مرسلة محمد بن الهيثم عن أبى عبد اللّه (ع)، قال: «سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلى من ساعته أ يشربه صاحبه؟ قال: إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه، و يبقى ثلثه» «1» فمع ضعفها بالإرسال و غيره ظاهرها السؤال عن شرب العصير، و ظاهر الجواب بنفي الخير غايته عدم جواز الشرب لا عدم جواز بيعه، فلا نظر في الرواية إلى المعاملة على العصير أصلا.

و الحاصل أن مقتضى القاعدة جواز بيع العصير بعد غليانه أخذا بمقتضى إطلاق حلية البيع و نفوذه حتى فيما إذا قيل باعتبار حديث تحف العقول الوارد فيه النهى عن بيع وجوه النجس، أو باعتبار النبوي الدال على أن تحريم الشي ء يلازم حرمة ثمنه و فساد بيعه، و ذلك فإن النجاسة في العصير أو الحرمة طارئة ترتفع بذهاب الثلثين، و هذه النجاسة المعبر عنها بقبول الشي ء للطهارة غير داخلة في مدلول الحديث كسائر الأعيان المتنجسة القابلة لها، كما أن مثل الحرمة المزبورة غير داخلة في مدلول النبوي، و لذا يصح بيع ما يحرم في حال خاص كحال الإحرام، و الحاصل أن ظاهر النبوي هو ان النهى عن شي ء مطلقا بحيث

يعم جميع أحواله يلازم فساد بيعه.

ثم إنه لا بأس بالإشارة في المقام الى حكم العصير العنبي و الزبيبي و التمري بعد الغليان من حيث الحل و الحرمة، فنقول لا ينبغي الريب في حرمة شرب العصير

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (2) من أبواب الأشربة المحرمة الحديث: (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 52

..........

______________________________

العنبي بعد غليانه سواء كان غليانه بالنار أو بنفسه أو بغير ذلك، بل لا أعرف خلافا في ذلك. و الأظهر حله حتى فيما إذا كان غليانه بنفسه بذهاب ثلثيه، سواء كان الذهاب بالشمس أو بالهواء أو بالنار (لا يقال) العصير إذا غلى بنفسه يصير خمرا و مسكرا فينحصر حله بانقلابه خلا (فإنه يقال): مجرد غليانه بنفسه لا يوجب كونه خمرا، و لو فرض بقاء العصير بعد غليانه بنفسه أو بغيره على حاله حتى صار مسكرا فهو خارج عن مفروض الكلام.

و كيف كان فيشهد لما ذكرنا مثل صحيحة حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «لا يحرم العصير حتى يغلى» «1» و في معتبرته الأخرى عنه (ع) قال: «سألته عن شرب العصير، فقال: تشرب ما لم يغل و إذا غلى فلا تشربه، قلت: و أي شي ء الغليان؟ قال: القلب» «2» و في صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه (ع): «كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «3» و المراد بإصابة النار الغليان بقرينة ما سبق و في موثقة ذريح، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول:

إذا نش العصير أو غلى حرم» «4» و المراد بالغليان فيها هو القلب بالنار و بالنشيش ما لا يكون فيه القلب عادة كالغليان بنفسه،

فيكون حاصل الموثقة أنه إذا غلى العصير بنفسه أو كان غليانه بالنار بنحو القلب فقد حرم، و يقتضي ذلك عطف الغليان على النشيش مع ملاحظة ان ما دل على اعتبار القلب ظاهره المورد الذي يمكن فيه و هو

______________________________

(1) الوسائل الجزء (17) الباب: (3) من أبواب الأشربة المحرمة- الحديث: (1- 3- 4)

(2) الوسائل الجزء (17) الباب: (3) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث: (1- 3- 4)

(3) الوسائل الجزء (17) الباب: (2) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث: (1)

(4) الوسائل الجزء (17) الباب (3) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث: (1- 3- 4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 53

..........

______________________________

الغليان بالنار.

و ما قيل من أن المراد بالنشيش هو الصوت الحاصل قبل الغليان غير ثابت، بل ظاهره هو الصوت الحاصل عند غليان الشي ء بنفسه. و يؤيد ذلك ما في موثقة عمار من قوله (ع): «فإذا كان أيام الصيف و خشيت أن ينش.» «1» و ذكرنا انه إذا ذهب ثلثا العصير بعد غليانه يصير حلالا، سواء كان الذهاب بالنار أو بغيرها، و يقتضي ذلك قوله (ع) في صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة: (حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه) فإنه ليس في البين ما يقتضي تقييد الذهاب بكونه بالنار، نعم في صحيحته الأخرى قال: «ذكر أبو عبد اللّه (ع) أن العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه فهو حلال» «2» و لكن بما أن ذهاب الثلثين يكون بالطبخ غالبا فلا يمنع ذلك عن الأخذ بإطلاق صحيحته الاولى، كما هو الحال في جميع القيود الغالبية التي لا توجب رفع اليد عن المطلقات.

و لا يخفى ان المراد بالعصير في هذه الروايات العصير العنبي فلا يشمل العصير الزبيبي فضلا عن

التمري، و الوجه في ذلك (أولا) أن العصير يطلق على ما يخرج من الشي ء إى على الماء المتكون في داخل الشي ء بعد إخراجه، فلا يشمل المخرج من الزبيب و التمر مما لا يتكون في داخلهما، و لذا ذكر في صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج في أقسام الخمر العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و النبيذ من التمر، «3» و ثانيا أن حمله على العموم غير ممكن حيث لا يصح لأحد الالتزام بحرمة كل عصير حتى مثل عصير الجزر و البطيخ بالغليان، و حمله- على خصوص الثلاثة أي عصير العنب و الزبيب و التمر بلا قرينة- غير ممكن، بل المتيقن منه العصير العنبي و العموم

______________________________

(1) الوسائل الجزء (17) الباب (5) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (2) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (7)

(3) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (1) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 54

..........

______________________________

باعتبار أفراده كما لا يخفى.

و الحاصل أنه لا يمكن التعدي عن عصير العنب الى ماء الزبيب و التمر، بل الأظهر فيهما حملها حتى بعد غليانهما، و ليس في البين ما يقتضي حرمتهما بعد غليانهما.

نعم ورد في الزبيب ما ربما يقال بظهوره في حرمة مائه بعد غليانه كموثقتى عمار «1» و لكن بما أن المذكور فيهما من الأمور الكثيرة غير دخيل في حل ماء الزبيب قطعا، و لا مجال فيها لاحتمال استحباب رعايتها، فلا بد من كون المراد دخالتها في حله مع بقائه مدة طويلة، بحيث لا ينقلب فيها الى الخمر. و يؤيد ذلك رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي التي مثلهما في ذكر تلك الأمور، و ذكر

في ذيلها و هو شراب طيب لا يتغير إذا بقي ان شاء اللّه تعالى.

و أما رواية زيد النرسي في أصله، قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن الزبيب يدق و يلقى في القدر ثم يصب عليه الماء و يوقد تحته؟ قال: لا تأكله حتى يذهب الثلثان و بقي الثلث، فان النار اصابته، قلت فالزبيب كما هو في القدر و يصب عليه الماء ثم يطبخ و يصفي عنه الماء، فقال: كذلك هو سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء فصار حلوا بمنزلة العصير، ثم نش من غير أن تصيبه النار فقد حرم، و كذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد» رواها في المستدرك فدلالتها على جريان حكم العصير العنبي في ماء الزبيب واضحة، إلا أنها لا تصلح للاعتماد عليها، حتى ما لو قيل بأن زيد النرسي موثق، باعتبار أن الراوي عنه هو محمد بن ابى عمير، و ذكر الشيخ في عدته أنه لا يروى إلا عن ثقة، و هذا توثيق عام لمشايخ محمد بن ابى عمير، و يرفع اليد عنه في مورد ثبوت الخلاف لا مع عدمه كما في المقام، و حتى ما لو قيل بأن أصل زيد النرسي معتبر كما عن النجاشي و غيره، و وجه عدم صلوحها عدم إحراز

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (5) من أبواب الأشربة المحرمة، الحديث (2- 3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 55

[جواز المعاوضة على الدهن المتنجس]
اشارة

و جعل هذا مستثنى (1)

______________________________

أن ما نقل عنه هذه الرواية و هي النسخة التي كانت بيد المجلسي (ره) هي أصل النرسي المعتبر، بل من المحتمل أنها كانت مجعولة مدسوسة، و مجرد اشتمالها على بعض الروايات التي ثبت أنها لزيد لا يدل على أنها

بتمامها رواياته.

و بعبارة أخرى النسخة التي كانت بيد المجلسي (ره) و نقل عنها هذه الرواية و كانت مصححة بخط الشيخ منصور بن الحسن الابى لم يظهر لنا وسائطها الى زيد، كما هو المألوف بين أصحاب الحديث لنعتمد عليها مع إحراز حال تلك الوسائط، و يزيد الشبهة ما عن الصدوق (ره) من ان أصل زيد النرسي و أصل زيد الزراد موضوعان وضعهما محمد بن موسى الهمداني ذكر ذلك محمد بن الحسن الوليد (ره).

(لا يقال) قد ذكر المجلسي في البحار أنه وجد في أول النسخة هكذا حدثنا الشيخ أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري أيده اللّه، قال حدثنا أبو العباس احمد بن سعيد الهمداني، قال حدثنا جعفر بن عبد اللّه العلوي أبو عبد اللّه المحمدي، قال حدثنا محمد بن ابى عمير عن زيد النرسي و النسخة المزبورة كانت مصححة بخط الشيخ منصور بن الحسن الابى، و هو نقله من خط الشيخ الجليل محمد بن الحسن القمي و كانت كتابتها سنة أربع و سبعين و ثلاثمائة، و على ذلك فالنسخة مسندة بطريق مألوف.

(فإنه يقال) لم يظهر لنا حال منصور بن الحسن الابى حتى يثبت بنقله النسخة و إسنادها الى زيد، و ما حكى عن منتجب الدين أنه عالم فاضل قرأ على الشيخ الطوسي غير المصحح للنسخة كما يشهد بذلك تاريخ التصحيح، مع أن شهادة صاحب البحار بكتابة منصور بن الحسن ليست بطريق قد وصل إلينا وسائطه كما لا يخفى.

(1) يعنى عد الدهن المتنجس في المستثنى لعدم جواز بيع الأعيان النجسة مبنى على كون الحكم المزبور للأعيان النجسة و المتنجسة بنحو العموم، كما إذا قيل بحرمة الانتفاع بالمتنجس، فيكون بيعه فاسدا باعتبار عدم ثبوت المنفعة المحللة له أو قيل

بجواز الانتفاع بهما، و لكن لا يجوز المعاملة عليهما، فان الحكم بجواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 56

و هو ظاهر غيره ممن عبر بقوله جاز بيعه للاستصباح (1) و يمكن أن يقال باعتبار قصد الاستصباح (2)

______________________________

بيع الدهن المتنجس يكون استثناء عن ذلك الحكم العام، و هذا بخلاف ما إذا قيل بعدم حرمة الانتفاع و عدم بطلان بيعهما الا فيما يحرم كل الانتفاع المقصود منهما، فإنه على ذلك لا يعم الحكم المذكور في طرف المستثنى منه الدهن المتنجس باعتبار خروجه عن موضوع ذلك الحكم من الأول.

(أقول): لم يظهر وجه تخصيص انقطاع الاستثناء أو اتصاله بالدهن المتنجس، بل يجرى ذلك في الكافر ايضا، و حتى في كلب الصيد، فان جواز بيعه و إن كان من قبيل التقييد فيما دل على ان: ثمن الكلب سحت، إلا أن جواز بيعه استثناء من عدم جواز بيع الأعيان النجسة المستفاد من حديث تحف العقول يكون بنحو الانقطاع كما مر.

(1) وجه الظهور أن قولهم للاستصباح باعتبار صحة تعلقه بالبيع لا يتعلق بالجواز كما هو مقتضى قولهم: (القريب يمنع البعيد) نعم لو كان متعلقا بالجواز كما هو تأويل المحقق الثاني لكان مقتضاه القول الثالث و هو جواز بيع الدهن المتنجس مطلقا بمعنى أنه لا يعتبر اشتراط الاستصباح و لا قصده.

(2) ظاهره التفصيل بين الدهن الذي يكون الاستصباح بالإضافة إليه من المنفعة النادرة التي لا تكون ملاكا للمالية في الأشياء، و بين الدهن الذي يكون الاستصباح به من المنفعة المتعارفة، و في الأول يعتبر قصد الاستصباح في بيعه دون الثاني، و وجه الفرق هو أن الموجب للمالية في الأول و هي المنفعة الشائعة باعتبار نجاسة الدهن تكون محرمة. و أخذ

المال في مقابله بلحاظ تلك المنفعة أكلا له بالباطل، كما أن أخذه بلحاظ منفعته النادرة المحللة كذلك، حيث أن المنفعة النادرة لا توجب المالية حتى يخرج المأخوذ من عنوان الأكل بالباطل، نعم إذا ورد دليل على جواز أخذ المال بإزاء ذلك الدهن ليصرفه في منفعته المحللة النادرة يكون هذا حاكما على خطاب حرمة أكل المال بالباطل، حيث أنه بعد تجويز الشارع الأخذ لا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 57

و تعاملا من غير قصد (1)

______________________________

بيعه بإزاء الثمن من تملك المال بالباطل. و هذا بخلاف القسم الثاني من الدهن المتنجس، فإن أخذ المال بإزائه حتى بدون قصد المنفعة المحللة جائز، و لا يدخل في العنوان المنهي عنه، باعتبار أن الإسراج من المنفعة المحللة المقصودة الغالبة على منفعة الأكل أو المساوية له يوجب المالية للدهن المزبور نعم لو اشترطا استعماله للأكل يكون بيعه باطلا، لا لان الشرط الفاسد مفسد للمعاملة حتى يمنع عنه بل البطلان يعم ما كان استعماله في المحرم من قصد المتبايعين فإنه بالقصد المزبور يكون تملك الثمن بإزائه من اكله بالباطل، كما يشعر بذلك ما ورد من أن ثمن الجارية المغنية سحت، فإن الجارية مع كونها ذات منفعة محللة مقصودة كالاستمتاع بها أو استخدامها لا وجه لفساد ثمنها، إلا إذا كان قصد استيفاء منفعة الغناء موجبا له كما لا يخفى.

(1) و ظاهر ذلك التسوية في الدهنين و عدم الفرق بينهما في مقام الثبوت بل الفرق بينهما في مقام المعاملة فقط فيما إذا التفتا الى منافعهما، ففي الأول مع عدم قصد المنفعة النادرة المحللة ينصرف العقد الى لحاظ منفعته المحرمة، فيحكم بفساده، بخلاف الثاني، و أما مع عدم التفاتهما الى منفعتهما

المحللة و المحرمة، فيمكن تصحيح المعاملة في القسمين حتى في الأول، باعتبار أن الدهن المزبور مال شرعا وقع مورد المعاملة و لم يقصد منفعته المحرمة حتى يحكم بفساد بيعه استظهارا مما ورد في ثمن الجارية المغنية.

(أقول و في كلامه موارد للنظر).

(أولا) أن المنفعة النادرة التي لا توجب المالية للشي ء هي التي لا يلاحظها العقلاء حتى مع عدم إمكان صرف ذلك الشي ء في الجهة الأخرى، مثلا قطعات الكوز المكسور لا مالية لها فإنه لا يلاحظ استعمالها في البناء نظير استعمال قطعات اللبنة، حتى مع عدم إمكان صرفها في منفعتها الغالبة اى حزن الماء فيها، و هذا بخلاف الدهن المتنجس، فان مع عدم إمكان صرفه في الأكل مثلا يلاحظ فيه جهة الإسراج به.

و بعبارة أخرى عدم لحاظ الإسراج به بلحاظ منفعته الأخرى الأهم و الأكمل و هي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 58

و ربما يتوهم من قوله (ع) (1)

______________________________

الأكل، و مثل ذلك لا يوجب سلب المالية عنه.

و (ثانيا) أنه مع قيام الدليل على جواز البيع في القسم الأول يكون الدليل المزبور كاشفا عن كون المنفعة النادرة عندنا من الغالبة عند الشارع، كما هو مقتضى حكومته على دليل حرمة الأكل بالباطل، فيكون للدهن المزبور مالية و باعتبارها يصح بيعه كما في القسم الثاني، من دون انصراف العقد الى لحاظ منفعته المحرمة و جعل العوض بلحاظها، فان انصراف العقد الى جعل العوض بلحاظ المنفعة المحرمة بلا قصد من المتعاقدين غير معقول.

و (ثالثا) أن مجرد قصد المنفعة المحرمة لا يوجب فساد البيع فيما إذا كان للشي ء مالية باعتبار منفعته المحللة، فإن الثمن في المعاملة يقع بإزاء نفس الشي ء لا منافعه، نعم ربما يكون لحاظ بعض الأوصاف

في تسعير الشي ء موجبا لفساد بيعه، فيما إذا كان المترتب على تلك الصفة هو الحرام دائما أو غالبا، كما في الجارية المغنية، و هذا غير داخل في مورد الكلام، فان المفروض في المقام مجرد قصد صرف الشي ء في منفعته المحرمة، و الدخيل في تسعير الشي ء أوصافه لا استعماله في إحدى منفعتيه.

(1) وجه الوهم أن قوله (ع): (فيبتاع للسراج) تفريع على علم المشترى بحال الدهن، و أن مع تبين نجاسته له يشتريه للسراج، فتكون الجملة بمنزلة قوله (فلا تبعه الا لمن يبتاعه للسراج) و ظاهر ذلك اعتبار قصد الإسراج في جواز شرائه، و بهذا تفترق هذه الرواية- المذكور فيها حكم واحد و هو تجويز بيعه من المشترى المزبور- عن رواية معاوية بن وهب المذكور فيها حكمان: أحدهما جواز البيع، و ثانيهما وجوب إعلام المشتري بنجاسة الدهن و لو بعد البيع ليصرفه في الاستصباح، و هذه تكون قرينة على أن الوارد في رواية الأعرج من الابتياع للسراج غاية للإعلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 59

فهل يجب مطلقا (1) لا إشكال في وجوب الاعلام (2) مثل ما دل على أن من أفتى (3)

______________________________

أيضا، لا أنه دخيل في صحة البيع. و الحاصل اعتبار المشترى المزبور باعتبار عدم لزوم محذور التسبيب الى الحرام بصرف المشترى ذلك الدهن في الأكل بسبب جهله بحال الدهن كما نذكر توضيحه في الموضع الثاني.

(1) يجب الاعلام مطلقا إى سواء قيل بكون البيع مشروطا بالاستصباح أو بقصده أو غير مشروط بشي ء منهما.

(2) لا يخفى أن قصد المشتري الإصباح بالدهن المزبور لا يلازمه إعلام البائع، بل النسبة بينهما عموم من وجه، فقد يظهر البائع حال الدهن و نجاسته و مع ذلك يكون المشترى

قاصدا صرفه في الأكل، و قد يترك الاعلام و لكن المشترى يقصد شراءه لمثل الإسراج، و ظاهر الروايات كون الاعلام تكليفا على البائع لئلا يكون جهل المشترى بحال الدهن و نجاسته منشأ لصرفه في الأكل، قال (ع) في موثقة أبي بصير: (و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته) «1»

(3) ما دل على ذلك أجنبي عن مسألة عدم جواز التسبيب الى فعل الحرام أو ترك الواجب فإن الإفتاء بغير علم حرام حيث انه من الافتراء و الكذب على اللّه سبحانه عمل بها أحد أو لم يعمل، و تحديد العقوبة بوزر من عمل بها على تقدير العمل لا يدل على أن حرمة الإفتاء بغير علم لأجل التسبيب، فان مثل الخبر يعم ما إذا لم يكن تسبيب، كما إذا كان العامل بها عالما بأن المفتي ليست له أهليته الإفتاء و مع ذلك أخذ بفتواه بداع من الدواعي النفسانية.

و أما ما ورد في تحمل الامام مع أنه معارض بما يدل على عدم ضمانه بشي ء و في صحيحة زرارة قال: «سألت أحدهما (ع) عن الامام يضمن صلاة المأموم؟ قال لا» «2» فلا يرتبط بالمقام فإنه لو فرض عدم نقص صلاة المأموم عن الصلاة الفريضة إلا في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (6) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (5) الباب (30) من أبواب صلاة الجماعة- الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 60

[التسبيب إلى الحرام]

و الحاصل أن هنا أمورا أربعة (1)

______________________________

ترك القراءة فلا ينبغي الريب في عدم بطلان تلك الصلاة بذلك، فان مقتضى حديث لا تعاد و غيره عدم بطلان الصلاة بترك القراءة فيها عن عذر، و التسبيب- في مثل

ذلك مما يكون للعلم و الإحراز دخل في حرمة الشي ء تكليفا أو عدم جوازه وضعا- لا بأس به، و لذا لا يجب على البائع إعلام الغير بنجاسة الثوب الذي يشتريه، بخلاف نجاسة المبيع المأكول، و الفرق أن نجاسة الثوب لا تكون مانعة عن صحة الصلاة إلا مع إحرازها، بخلاف نجاسة المأكول، فإنها موضوع لحرمة أكله، غاية الأمر ربما يكون الجهل عذرا في مخالفة التكليف الواقعي، نعم لو أحرز الامام ان مأمومة يأتي في صلاته بما يكون مبطلا لها حتى مع العذر، كتعدد الركوع في الركعة الواحدة الذي يكون عدم فساد الصلاة به في خصوص صلاة الجماعة في بعض الموارد، فمع علمه بهذا لا يجوز له التصدي للإمامة مع فقده شرائطها.

و العمدة في حرمة التسبيب هو الفهم العرفي من خطابات المحرمات و غيرها، فإنه إذا ورد في خطاب حرمة أكل الميتة فأهل العرف لا يفهمون الفرق بين أكلها بالمباشرة أو أكل الغير بتسبيبه جهلا أو إكراها، و هكذا ما ورد في نهى الجنب عن دخول المسجد، فإنهم لا يفرقون بين الدخول و الإدخال الى غير ذلك.

فقد ظهر مما ذكرنا أن الكلام في عدم جواز التسبيب الى الحرام فيما إذا كان ذلك الحرام مطلقا بحيث يكون مع الجهل مورد الاحتياط، و أما مدلول رواية أبي بصير فأجنبي عن ذلك، فإنه لا تكون كراهة لأكل البهيمة أو الطفل حتى يكون سقيهما أو إطعامهما من التسبيب إلى الكراهة، بل مدلولها حكم السقي أو الإطعام بما هو هو.

(1) الفرق بين إكراه الغير على المحرم و بين تقديم الطعام المتنجس الى الغير الجاهل بأن الأول من قبيل العلة التامة لصدور الحرام عن الغير، و الثاني من قبيل السبب فيه ما لا

يخفى. و الصحيح أن كلا من الإكراه و تقديم الطعام المتنجس مثلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 61

لان استناد الفعل الى السبب أقوى (1)

______________________________

إلى الجاهل المريد للأكل لا يكون موجبا لخروج الفعل عن كونه اختياريا للمكره بالفتح أو المقدم اليه، و أن حرمة الإكراه أو التقديم لا تكون الا من جهة التسبيب الى الحرام، فإن العمدة في دليل حرمته كما مر هو الفهم العرفي، بأن المنهي عنه يعم إصدار الفعل عن الغير بالإكراه أو الإغراء، بل و لو بمثل صب الخمر في حلقه.

و أما القسم الثالث فان كان ترغيبا للآخر الى ارتكاب المحرم و تحبيبا اليه لينقدح في نفسه الداعي إلى ارتكابه فيكفي في إثبات حرمته فحوى ما دل على وجوب نهى الغير عن المنكر، و كذا ما إذا كان موجبا للعناد كسب آلهة الكفار الموجب لالقائهم في سب الحق، و أما بيع مثل العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا فسيأتي الكلام فيه مفصلا، و اما إرشاد الجاهل و اعلامه في غير موارد التسبيب فلا يجب إلا في الأحكام الشرعية الكلية كما هو مقتضى ما دل على وجوب تبليغها الى الجاهلين بها، و في الجهل بالموضوعات فيما إذا وجب على المرشد التحفظ فيها على الواقع، كالتحفظ على دم مؤمن أو عرضه في مورد يريد الجاهل بإيمانه قتله أو هتكه و نحو ذلك.

(1) لا يخفى أن وجه استقرار الضمان على من قدم الطعام المملوك للغير الى الجاهل هي قاعدة الغرور لا مجرد التسبيب، و لذا يكون لمالك الطعام الرجوع الى الجاهل المتلف و لو كان من باب استناد الفعل الى السبب لم يكن له الرجوع إلا الى المقدم، و الحاصل أن مقتضى

تلك القاعدة رجوع المغرور إلى غاره و لا تجري هذه القاعدة في مورد الإكراه على إتلاف مال الغير، بل يكون الضمان فيه ابتداء على المكره بالكسر، و الوجه في ذلك أنه يستفاد من مثل ما ورد في ضمان الشاهد ما أتلف على المشهود عليه بشهادته الزور ضمان المكره بالكسر ايضا، و مقتضى حديث الرفع نفى الضمان عن المكره بالفتح، و نفيه عنه مع فرض ثبوته للمكره بالكسر لا ينافي الامتنان.

فالمتحصل ان في مورد كون السبب أقوى يكون الضمان على ذلك الأقوى ابتداء، كما إذا وضع قارورة تحت رجل نائم فانكسرت بتحريكه رجله في النوم،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 62

بأن النجاسة عيب خفي (1) عدا ما يدعى من مرسلة الشيخ (ره) (2)

______________________________

فان الضمان في الفرض على واضعها لا على النائم، باعتبار أن الإتلاف يستند اليه لا إلى النائم، و هذا بخلاف مورد تقديم الطعام، فإن الإتلاف يكون من المباشر و عليه ضمانه و المقدم بالكسر ضامن ايضا بضمان اليد، فللمالك الرجوع الى كل منهما، و إذا رجع الى المباشر فيرجع الى غاره كما مر، و لعله لذلك ذكر أن الإكراه علة تامة و تقديم الطعام سبب.

(1) ظاهر الروايات المتقدمة وجوب الاعلام حتى فيما لا يجب فيه بيان العيب كما إذا تبرأ البائع من عيوب المبيع، حيث انه يجب إظهار العيب الخفي، باعتبار أن عدم ذكره غش، و مع التبري لا غش. و أيضا لا فرق كما يذكر المصنف (ره) في وجوب الإعلام بنجاسة المأكول أو المشروب بين كونهما موردين للمعاوضة أو للهبة، و لو كان وجوبه باعتبار أن إخفاء نجاسته غش في المعاملة لاختص وجوبه بموارد المعاوضة، و لذا لا يجب بيان

العيب للمتهب، هذا مع أن تناول المتنجس منكر واقعي شرعا، فيجب اعلامه للجاهل الذي يريد تناوله حتى لو لم نقل بوجوب إظهار عيب المبيع. و وجه وجوبه حرمة التسبيب الى الحرام و إلقاء الغير فيه، و لو اختص كون الشي ء منكرا بصورة العلم بنجاسته، كما في لبس الثوب النجس في الصلاة لا يجب الاعلام، بل لا تكون نجاسته عيبا.

(2) مرسلة الشيخ (ره) هي التي ذكرها في مبسوطه بقوله روى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء، و هذه المرسلة مؤيدة بشهرة الفتوى بمضمونها، و بالإجماع المذكور في كلام ابن إدريس، و إذا انجبر ضعفها بما ذكر يكون المقام من الموارد التي يرد فيها في مقابل خطاب المطلق خطاب آخر يدور أمر ذلك الخطاب الآخر بين كونه مقيدا للمطلق أو محمولا على الاستحباب أي أفضل الافراد، و في المقام يدور أمر المرسلة بين كونها مقيدة للإطلاق في الروايات التي رخص فيها في صرف الزيت المتنجس في الاستصباح و بين ان يكون التقييد الوارد فيها محمولا على الاستحباب،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 63

..........

______________________________

بان يكون المستحب في الاستصباح بالدهن المتنجس الاستصباح به تحت السماء أو يكون الأمر المستفاد من الجملة الخبرية محمولا على الإرشاد، و أن الاستصباح تحت السماء بلحاظ ان لا يتأثر السقف بالدخان المتصاعد الذي يكون نجسا على ما ذكره الشيخ الطوسي (ره) باعتبار اشتماله على اجزاء دهنية متصاعدة معه.

ثم ان حمل الأمر بالاستصباح تحت السماء على الإرشاد و بان لا يتأثر السقف اولى من تقييد الإطلاقات الكثيرة الواردة في مقام البيان، خصوصا ان تقييد تلك الإطلاقات و اعتبار كون الاستصباح تحت السماء لا يكون الا بالالتزام بعدم جواز تنجيس السقف أو كونه

تعبدا محضا، و الأول مخالف لما عليه المشهور من طهارة دخان النجس أو المتنجس، و الثاني بعيد جدا. و لعله لذلك أفتى الشيخ (ره) في مبسوطه مع نقله المرسلة بكراهة الإسراج تحت السقف.

و الإنصاف ان الحكم في المقام لا يخلو عن اشكال لورود المطلقات في مقام البيان و عدم كون المرسلة صالحة لتقييدها، و في مقابل ما ذكر من الشهرة المحققة و الإجماع المنقول على اعتبار كون الاستصباح تحت السماء يكون الرجوع الى أصالة البراءة عن اعتبار كون الاستصباح تحت السماء بعيدا عن الاحتياط، و جرأة على مخالفة المشهور.

و عن العلامة التفصيل بين صورة العلم بتصاعد اجزاء الدهن مع الدخان و عدمه و اعتبر كون الاستصباح تحت السماء في الأول دون الثاني. و هذا التفصيل مبنى على حرمة تنجيس السقف و لكن لم يظهر له دليل، نعم من ذكر في رده بان الاستصباح تحت السماء تعبد محض لا لتنجيس السقف لان الدخان المتصاعد طاهر، ظاهره قبوله حرمة التنجيس و الا لذكر في الرد أن تنجيس السقف لا بأس به انتهى تقرير كلامه في المقام.

أقول استعمال الدهن المتنجس في الاستصباح لا يكون حكما مولويا حتى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 64

و منها قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ (1)

______________________________

يتكلم في التقييد الوارد في مثل المرسلة التي لا يمكن الاعتماد عليها، على ما ذكرناه في بحث الأصول، بل الأمر بالاستصباح به في الروايات للإرشاد الى عدم جواز استعماله في الأكل كما مر، و على تقدير كونه مولويا فهو ترخيص لا حكم إلزامي واحد ليكون المقام من موارد لزوم حمل المطلق على المقيد، و لا منافاة بين الترخيص في الإسراج بالدهن المتنجس مطلقا و

بين الترخيص في إسراجه تحت السماء، كما إذا ورد في خطاب الترخيص في شرب الخل مطلقا و في خطاب آخر الترخيص في شرب الخل في المساجد، و قد ذكر في باب المفاهيم أنه لا مفهوم للوصف حتى يوجب ذلك المفهوم تقييدا في خطاب المطلق.

(1) كان المستدل بالآية أراد ان الرجس فيها ينطبق على المتنجس ايضا و أن الأمر بالاجتناب عنه يعمه فالحكم بجواز الانتفاع به في مورد يحتاج الى دليل خاص و ذكر المصنف (ره) في الجواب أن الرجس ما يكون كذلك في ذاته لا ما عرضت له النجاسة، فيختص بالأعيان النجسة و لا يعم المتنجسات و الا لزم تخصيص الأكثر باعتبار جواز الانتفاع بأكثر المتنجسات (هذا أولا) و (ثانيا) أن المذكور في الاية كون الرجس من عمل الشيطان اى من صنعه فيختص وجوب الاجتناب بمخترعات الشيطان و مبتدعاته سواء كان قذرا ماديا كالخمر أو معنويا كالميسر.

و الحاصل أن مجرد كون عين نجسة فضلا عن المتنجس لا يوجب دخوله في صنع الشيطان و مخترعاته، و ان أريد من عمل الشيطان هو الصادر عن المكلف بإغوائه ليكون الرجس عنوانا لنفس تلك الأعمال فكون الانتفاع بالمتنجسات رجسا و عملا بإغواء الشيطان أول الكلام (أقول) لفظ الرجس بمعنى النجس في مثل قوله سبحانه (إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) و ان كان ممكنا الا أنه لا يمكن في المقام. و ذلك بقرينة حمله على الميسر، حيث انه فعل و لا يتصف بالنجاسة، فلا بد من حمله على معنى غير النجاسة المصطلحة. و صدق ذلك المعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 65

ان المراد هنا حرمة الأكل (1) غاية الأمر

التعدي من حيث غاية البيع (2) من ظهور الاستثناء (3)

______________________________

على مطلق المتنجس بل النجس ايضا ممنوع.

و (ثانيا)- أن الأمر بالاجتناب عن الرجس حتى بمعنى يعم المتنجس ظاهره الاجتناب عن استعماله المتعارف و لا يعم جميع الانتفاعات، و من هنا يظهر الحال في قوله عز من قائل وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ «1» بناء على أنه بمعنى الرجس كما قيل.

(1) لا دلالة في الآية على كون المراد بالخبائث الأعيان حتى يقال أنها تعم المتنجس ايضا، بل الظاهر منها و لا أقل من الاحتمال كما مر سابقا كون المراد الأفعال المنكرة، كما ورد ذلك في قضية قوم لوط، قال عز من قائل وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ «2» و على تقدير كون المراد بها الأعيان، فلا ريب في أن ظهور تحريمها- بمناسبة الحكم و الموضوع- حرمة الانتفاع المناسب للعين لا حرمة كل انتفاع، و ما ذكره المصنف (ره) من كون المراد من تحريم الخبائث حرمة أكلها بقرينة مقابلته لحل الطيبات، ففيه ما لا يخفى، قال سبحانه في وصف النبي الذي يؤمن به المتقون الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهٰاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰاتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ «3» و ظاهرها بقرينة المقام تحريم الأفعال المنكرة و تحليل المستحسنة منها، و لا يناسب مدحه مجرد أنه أحل المأكولات الطاهرة و حرم أكل الأشياء النجسة.

(2) أي لا يعتبر في صحة بيع الدهن المتنجس قصد الاستصباح فقط، بل يجوز بيعه لغاية أخرى من قصد طلى الأجرب أو صنع الصابون و نحوهما.

(3) هذا وجه لعدم جواز بيع سائر المتنجسات، و المراد الظهور الإطلاقي

______________________________

(1) سورة

المدثر (74) الاية (5)

(2) سورة الأنبياء (21) الاية (74)،

(3) سورة الأعراف (7) الاية (157)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 66

و مما تقدم في مسألة جلد الميتة (1) و يمكن حمل كلام من أطلق المنع (2)

______________________________

اى عدم عطف متنجس آخر على الدهن في كلماتهم حيث ان مقتضاه عدم التزامهم بجواز البيع في سائر المتنجسات حتى مع تحقق النفع لها.

(1) هذا وجه لجواز بيع سائر المتنجسات التي لها منفعة محللة كالدهن، حيث يظهر من كلماتهم في تلك المسألة أن جواز البيع دائر مدار تحقق المنفعة المحللة، إلا أن يقوم دليل خاص على عدم جواز البيع حتى مع تلك المنفعة كما في الاليات المقطوعة من الغنم، فإنه لا يجوز بيعها مع جواز الإسراج بها أو عملها صابونا، و كذا لا يجوز بيع مطلق نجس العين على كلام يأتي حتى مع جواز الانتفاع بها، و يقتضي أيضا جواز بيع سائر المتنجسات استصحاب الحكم الثابت لها قبل التنجس، حيث كان بيعها جائزا و بعد التنجس الأصل بقاؤها على حالها، و الجواز قبل التنجس مقتضى القاعدة المستفادة من رواية تحف العقول و غيرها، و هي كون المناط في جواز بيع الشي ء حصول الصلاح فيه.

(2) هذا جواب عن الوجه المتقدم لعدم جواز بيع سائر المتنجسات، و حاصله أن قولهم لفائدة الاستصباح تعليل للاستثناء لا قيد لبيع الدهن المتنجس بمعنى انه يجوز- لتحقق المنفعة المحللة و هي الاستصباح- بيع الدهن المتنجس، نظير ما يقال يجوز لتحقق الاستشفاء ببول الإبل بيعه، نعم يحتمل أن يكون لفائدة الاستصباح في كلامهم قيدا و غاية للبيع، و حيث أن الغاية تكون في القصد مقدما و في الحصول مؤخرا يكون معنى كلامهم جواز بيع الدهن

المتنجس لغاية الاستصباح و قصده و لكن يؤيد أن قولهم للاستصباح تعليل للاستثناء لا غاية و قيد لبيع الدهن ما ذكر في جامع المقاصد في شرح قول العلامة، ما حاصله أن قول العلامة للاستصباح تحت السماء خاصة تعليل للاستثناء، لا قيد للبيع لتكون في كلامه دلالة على حصر جواز البيع بفائدة الاستصباح، و أن قول العلامة خاصة راجع الى اعتبار كون الاستصباح تحت السماء، فلا يجوز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 67

و كيف كان فالحكم بعموم كلمات هؤلاء (1) فهي نفس المنفعة لا الانتفاع (2) مع احتمال أن يراد من جميع التقلب (3)

______________________________

تحت السقوف، لا أنه لا يجوز بيع الدهن لسائر المنافع.

(1) يعنى استثنى جماعة كما مر الدهن المتنجس لفائدة الاستصباح من عدم جواز بيع النجس، و الحكم بأن مقتضى اقتصارهم في الاستثناء على الدهن هو عدم جواز بيع سائر المائعات النجسة حتى مع حل الانتفاع المعتد به بها محل تأمل، و ان ذكر ذلك في المسالك و قال ان القوم لم يفرقوا في عدم جواز بيع النجس بين ما يكون له نفع أو لا. و وجه التأمل هي الملازمة بين حل الانتفاع المزبور و جواز البيع و باعتبار هذه الملازمة أورد المحقق الثاني في حاشية الإرشاد على كلام العلامة أى على قوله و لا بأس ببيع ما عرض له التنجس مع قبوله الطهارة بمثل الأصباغ المتنجسة، فإنها لا تقبل التطهير و مع ذلك يجوز بيعها باعتبار عدم توقف الانتفاع بها على طهارتها، و المحقق و ان أجاب عن إيراده بان الأصباغ بعد جفافها قابلة للتطهير، الا انه لو لم تكن ملازمة بين جواز الانتفاع و جواز البيع لما صح الإيراد

و الجواب، اللهم إلا أن يقال ان إيراد المحقق الثاني على العلامة مبنى على مختاره و هو قبول الملازمة بين الجوازين، و ليس مراده أن الحكم الذي ذكره العلامة مشكل حتى عند العلامة.

(2) يعني مراد العلامة من المتنجس الذي يقبل التطهير قبوله للطهارة قبل الانتفاع به و لا يقبل الصبغ الطهارة قبل الانتفاع به، حيث أن اللون الباقي بعد غسل الثوب منفعة لا انتفاع، و المنفعة اسم مصدر و الانتفاع مصدر. و الحاصل أن الأصباغ قابلة للطهارة بعد الانتفاع بها، بل أنها لا تقبل التطهير حتى بعد الانتفاع، حيث ان القابل للطهارة هو الثوب الذي كان متنجسا بملاقاة ذلك الصبغ لا اجزاء ذلك الصبغ.

(3) اى جميع أنواع التناول كالأكل أو الشرب بلا طبخ أو معه و مع خلطه بشي ء آخر و عدمه الى غير ذلك، كما أن المراد من إمساكه إمساكه للأكل أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 68

لكن مع تفصيل لا يرجع الى مخالفة (1) و لذا قيد هو (قده) (2) ثم ان الانتفاع المنفي في الميتة (3) و في الرواية إشعار بالتقرير (4) و يمكن ان ينزل (5) و الظاهر ثبوت (6)

______________________________

الشرب.

(1) اى لا يكون تفصيله تحريما للانتفاع بالنجس رأسا.

(2) أي حيث ان الممنوع في النصوص الانتفاع بالميتة ذكر في كلامه الانتفاع أولا ثم قيده بما يسمى استعمالا، و الا كان المناسب ان يقول كالميتة التي لا يجوز استعمالها.

(3) اى ما ورد من ان الميتة لا ينتفع بها لا يعم جعل الميتة وقودا أو سدا لساقية الماء، و ليس وجه عدم العموم انصراف الانتفاع بالميتة إلى الانتفاع بها في المنافع المقصودة منها كالأكل في المأكول و الشرب في المشروب

و نحوهما حتى يقال أن مثل النكرة الواقعة في حيز النفي أو النهي لا ينصرف الى بعض افراده، بل وجه عدم العموم عدم عد مثل سد ساقية الماء بها انتفاعا بها لا أنه انتفاع و لكنه غير مقصود كالاسراج بدهن اللوز، حيث أنه إذا ورد في خطاب أنه لا ينتفع بدهن اللوز المتنجس فلا وجه لدعوى أنه لا يعم الإسراج به.

(4) أي اشعار برضا الامام عليه السلام باستعمال العذرة و عظام الموتى في بعض المنافع كإحراق الجص.

(5) و حاصله أن ما ورد من أن الميتة أو غيرها من النجس لا ينتفع بها يراد استعمالها كاستعمال الطاهر حتى مع البناء على تطهير ما أصابها من اليد و الثياب للصلاة، و لا بعد في الالتزام بحرمة هذا الاستعمال تكليفا في الأعيان النجسة، كما يظهر ذلك من رواية الوشاء، و يشير اليه قوله سبحانه (وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ)، نعم لا بأس هذا الاستعمال في المتنجسات كاستعمال الدهن المتنجس بنحو يوجب تلويث الثوب و البدن.

(6) و حاصل ما ذكره (ره) في المقام أن من الأعيان النجسة ما ينتفع بها و لكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 69

..........

______________________________

باعتبار عدم كون ذلك الانتفاع مقصودا للعقلاء أصلا لا يوجب ماليتها، و في هذا القسم يثبت حق الاختصاص، و منشأ ثبوت هذا الحق كون العين في السابق ما لا للمالك كما في الخل المنقلب الى الخمر، أو حيازة تلك الأعيان و أخذها كما فيما إذا جمع العذرة حتى صارت من الكثرة بحيث ينتفع بها في المزارع و البساتين. و كيف كان فلا بأس بالمصالحة على ذلك الحق بعوض و لا يعد ذلك العوض ثمنا لعين النجس حتى يكون سحتا. و

اولى منها أخذ المال لرفع يده عن تلك العين، و بعد الاعراض يحوزها باذل المال، و من هذا النحو بذل المال لمن يسبق إلى الأمكنة المشتركة، كما إذا جلس في مكان من المسجد أو السوق، أو يسبق إلى غرفة في المدرسة فللآخر بذل مال له ليرفع يده عن المكان أو الغرفة حتى يسبق إليهما الباذل، و اولى من ذلك ما إذا جمع العذرة في مكانه المملوك و أخذ المال حتى يأذن للباذل بدخول ذلك المكان لأخذ العذرة مجانا.

ثم انه يعتبر في ثبوت حق الاختصاص بالحيازة ان يكون قصد الحائز الانتفاع بتلك العين كما يعتبر في ثبوت الحق بالسبق الى المشتركات الانتفاع بذلك المكان بما يناسبه، ففي السوق الانتفاع به بالكسب فيه و في المدرسة الانتفاع بها بالسكنى و في المساجد و المشاهد الانتفاع بها للعبادة و نحوها، و أما إذا كان قصده اشغال المكان في المسجد أو السوق أو المدرسة حتى يأخذ من الغير مالا ليرفع يده عنه، فلا يوجب سبقه حقا و على ذلك فان لم يكن قصد من جمع العذرة الانتفاع بها بالبساتين مثلا، فلا يثبت له حق الاختصاص، فالمتعين في حقه ما ذكر أخيرا من جمع العذرة في مكانه المملوك و أخذ المال لإذنه في الدخول فيه.

أقول: يمكن أن يقال: إن النهى عن المعاملة على الشي ء أو عد ثمنه سحتا مقتضاه سقوط ذلك الشي ء عن المالية شرعا، لا سقوطه عن كونه ملكا ايضا، و الملك أعم من المال، حيث يكون الملك من غير كونه مالا كما في الحبة و الحبتين من الحنطة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 70

..........

______________________________

أو قليل من التراب و نحوه، فيترتب عليه آثار الملك من

عدم جواز التصرف فيه بلا رضا مالكه، و لا يثبت مثل ضمان التلف في اليد أو الإتلاف فإنه من آثار كون الشي ء مالا.

و الحاصل أنه لم يعلم الفرق بين الحبة و الحبات من مثل الحنطة و بين الخمر الممكن انقلابه الى الخل في كون الأول ملكا و الثابت في الثاني حقا ليقال لا دليل على حدوث هذا الحق بعد زوال الملك و المالية، بل الظاهر و لا أقل من أن مقتضى الاستصحاب كون الموجود فعلا هو ملك من كان له في السابق، و على ذلك فلا بأس في مثل الخمر المزبور بالمصالحة على عوض أو أخذ المال للاعراض عنها، حتى يملكها باذل المال بالحيازة، حيث أن المنهي عنه بيعها و السحت ثمنها و المصالحة و الاعراض لا يكونان بيعا، و العوض فيهما لا يكون ثمنا.

اللهم إلا أن يقال مقتضى سقوط الشي ء عن المالية شرعا كونه كسائر ما لا تكون له مالية في اعتبار العقلاء، و أن أخذ المال و لو بعنوان المصالحة عليه أو الاعراض عنه أكل لذلك المال بالباطل، و ايضا لا بأس بالالتزام بحدوث الملك بالحيازة في المباحات القابلة للنقل أو المملوكة بعد أعراض مالكها عنها، و أن الأخذ في مثل ذلك يكون موجبا لدخولها في ملك آخذها، و على ذلك سيرة العقلاء، بل ربما يمكن أن يقال باستفادة ذلك من صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السلام.

قال: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت و قامت و سيبها صاحبها مما لم يتبعه، فأخذها غيره، فأقام عليها و أنفق نفقته حتى أحياها من الكلال و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها و

إنما هي مثل الشي ء المباح» «1» و لكن مفادها التملك بالاحياء لا بمجرد الأخذ، و هذه الرواية نظير ما ورد في الأراضي الميتة من كون إحيائها مملكا كما لا يخفى.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (17) الباب: (13) من أبواب اللقطة، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 71

[النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحريم ما يقصد به]
اشارة

النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم (1)

[الأول ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص إلا الحرام]
[هياكل العبادة]

______________________________

فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الاستيلاء على العذرة و جمعها بقصد تملكها موجب لكونها ملكا فيجوز المصالحة عليها أو الاعراض عنها بعوض، حتى إذا كان الغرض من جمعها ذلك، و حتى فيما إذا لم نقل بجواز بيعها. هذا ان لم نقل بما أشرنا إليه من أن مقتضى إلغاء المالية عنها كون أكل المال و لو بعنوان المصالحة عليها أو الاعراض عنها من أكله بالباطل كما في سائر ما لا يكون ما لا في اعتبار العقلاء كما لا يخفى.

(1) الكلام في النوع الأول كان في أن نجاسة الشي ء بالأصالة أو بالعرض هل تكون موجبة لعدم جواز الاكتساب به بحيث يكون الحكم بجواز البيع في مورد محتاجا الى قيام دليل عليه كما هو منسوب الى المشهور، بل نسب إليهم عدم جواز الانتفاع الا مع نص خاص فيه كالاسراج بالأدهان المتنجسة، أو ان مجرد نجاسة الشي ء أو تنجسه في موارد ثبوت المنفعة المقصودة لا يمنع عن الاكتساب به، بل يحتاج المنع الى دليل خاص، و الكلام في هذا النوع في أن ترتب المنفعة المحرمة على شي ء يكون موجبا لعدم جواز الاكتساب به، و هذا على أقسام أشار إليها:

(الأول)- أن لا تكون المنفعة المترتبة عليه بما هو هو الا الحرام، و لا يكون فيه بما هو غرض محلل آخر، كما في هياكل العبادة و آلات القمار و غيره، و لو لم يكن في هذا القسم للشي ء مالية بحسب مادته ايضا، كما في الصنم المصنوع من الجص أو الطين، حيث ان الطين و الجص الميت لا قيمة لهما فلا إشكال في بطلان المعاملة و عدم جواز أخذ المال بإزائه، لأن

انحصار المنفعة المقصودة منه بالمحرم يكون موجبا لدخول أخذ المال بإزائه في عنوان أكل المال بالباطل، و إذا كانت لمادته مالية كما في الصنم المصنوع من الخشب، فالمعاملة عليه بما هو صنم أيضا باطلة، و ذلك فإن الهيئة المزبورة في نظر العرف مقومة للمبيع، و ان كانت بنظر العقل من أوصافه، و لذا لو باع الشي ء بعنوان السرير، فبان منبرا يحكم ببطلان البيع من غير ان يثبت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 72

..........

______________________________

للمشتري خيار تخلف الوصف، فالهيئة في المقام كسائر الأوصاف المقومة للمبيع داخلة في المعاملة، و بما أنه ليس لها في مورد الكلام مالية شرعا تكون المعاملة محكومة بالبطلان باعتبار أن تملك العوض معه داخل في عنوان الأكل بالباطل.

ثم ان المعاملة المزبورة لا تكون منحلة إلى معاملتين بالإضافة إلى المادة و الهيئة بأن تكون المعاملة عليه في نظر العرف نظير بيع شيئين بصفقة واحدة حتى يحكم بفسادها بالإضافة إلى الهيئة و بصحتها بالإضافة إلى المادة، و لذا لا تكون المادة ملكا لأحد و الهيئة ملكا لآخر، و إذا صنع خشب الغير سريرا فان كان ذلك باذن منه فيستحق عليه أجرة المثل، و لا يملك هيئة السرير، فان لم يأذن فيه بل صنعه من عنده فلا يستحق عليه شيئا و لا يملك هيئته، و هذا بخلاف موارد بيع شيئين بصفقة واحدة، فإنه يمكن كون أحدهما ملكا لشخص و الآخر ملكا لآخر، نعم في هذه الصورة تكون المعاملة عليه بعنوان المادة بلا دخل للهيئة في أخذ العوض محكومة بالصحة، فإن كون المادة مالا شرعا و عرفا يكون موجبا لدخول المعاملة عليها تحت الإطلاقات المقتضية لنفوذها، نظير ما إذا باع مقدارا من الحطب

فظهر بعضه صنما مصنوعا من الخشب أو مقدارا من النحاس، فظهر بعضه آلة قمار مصنوعة منه و هكذا.

و ذكر السيد اليزدي (ره) في تعليقته وجها آخر لبطلان المعاملة في صورة وقوعها على الصنم بما هو صنم، سواء كانت لمادته مالية أو لا و هو قوله سبحانه فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ «1» فإن بيعها ينافي الاجتناب عنها انتهى.

(لا يقال) ظاهر الاجتناب في الأوثان ترك عبادتها و لا يعم ترك بيعها أو ترك إمساكها مع أن الأمر بالاجتناب تكليف لا وضع، و غاية دلالة الآية انه لو باع الوثن فعل حراما و اما فساد البيع فلا دلالة لها عليه (فإنه يقال) قد تقدم سابقا ان الأمر بالاجتناب عن الخمر يعم ترك بيعها و شرائها لعدهما من مقدمات شربها خصوصا إذا كان الشراء بقصد

______________________________

(1) سورة الحج (22) الاية (30)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 73

..........

______________________________

شربها، و عليه فلا يبعد كون الأمر بالاجتناب عن الأوثان أيضا كذلك، فيعم الأمر به ترك بيعها و شرائها خصوصا إذا كان الشراء بقصد عبادتها، ثم بما أن النهى عن المعاملة ظاهر في فسادها يكون الأمر بالاجتناب بالإضافة الى غير المعاملة من سائر الأفعال تكليفا و بالإضافة إلى البيع و سائر المعاملة وضعا و لا مانع من الجمع بين التكليف و الوضع في استعمال واحد كما لا يخفى.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاؤه في وجه بطلان المعاملة في موارد دخل الهيئة فيها أن الهيئة باعتبار كون المترتب عليها هو الحرام فقط ليست بشي ء عند الشارع، فتكون المعاملة عليها من بيع المعدوم (أقول) هذا منه طال بقاؤه التزام باعتبار المالية في المبيع، و ذلك، فإنه ان كان المراد بنفي الشي ء عن

الهيئة عدم تحققها خارجا فالمفروض أنها موجودة، و ان كان المراد أنه لا نفع محلل في تلك الهيئة فلا يكون مالا عند الشارع، فهذا التزام باعتبار المالية حتى لا يكون أخذ المال بإزاء تلك الهيئة من اكله بالباطل، هذا.

و يمكن الاستدلال على بطلان بيع الصنم و الصليب بفحوى صحيحة عمر بن أذينة، قال: «كتبت الى أبى عبد اللّه (ع) أسأله عن رجل له خشب، فباعه ممن يتخذه برابط، فقال: لا بأس به، و عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا، فقال: لا» «1» حيث ان ظهور النهي في المعاملة فسادها، و إذا كان بيع الخشب للمشتري المزبور باطلا فكيف يكون بيع الصنم أو الصليب منه صحيحا، و نحوهما معتبرة عمرو بن حريث «2» و لكن سيأتي أن مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع هو كون النهى عن بيع الخشب من المشترى المزبور تكليفا و بملاك دفع فساد الشرك و سد الطريق اليه كما لا يخفى.

بقي في المقام أمر و هو انه قد التزم المحقق الإيرواني بالصحة فيما إذا كانت لمادة الصنم مالية حتى مع فرض بيعها بعنوان الصنم، و ذكر في وجهها أن المنفعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (41) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة، الجزء (12) الباب: (41) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 74

..........

______________________________

المحرمة لا توجب بطلان البيع فيما إذا كان في المبيع منفعة محللة مقصودة ايضا، و لا فرق بين أن يكون كلتا المنفعتين مترتبتين على الهيئة فقط أو تترتب إحداهما على المادة و الأخرى على الهيئة كما في المقام، فان لمثل الصنم المصنوع من الصفر أو الخشب

منفعة محللة باعتبار مادته و محرمة باعتبار هيئته، و لا يخفى ما فيه فإنه يصح البيع فيما إذا كانت المنفعتان مترتبتين على الهيئة، و لا يصح فيما إذا كان المترتب عليها هو المحرم فقط، و ذلك فان مع ترتب المنفعتين على الهيئة تكون لها مالية شرعا، فلا يكون أخذ المال بإزائها من اكله بالباطل، بخلاف ما إذا لم يكن المترتب عليها الا الحرام فقط حيث لا يكون لها في هذا الفرض مالية، فأخذ المال بإزائها أكل له بالباطل، و الثمن و ان لم يقع بإزاء الهيئة فقط بل بإزاء مجموع المادة و الهيئة، الا أن عدم انحلال البيع بالإضافة إليهما يوجب بطلان البيع رأسا، نظير الثمن في مثل الحيوان، فإنه و ان وقع في مقابل المجموع الا أنه لا يكون البيع بالإضافة الى الاجزاء الخارجية للحيوان انحلاليا.

و يمكن الاستدلال على البطلان فيما كان لمادة الصنم بعد محو صورتها مالية بفحوى ما دل على بطلان بيع الجارية المغنية، حيث ان كون الجارية مغنية إذا أوجب بطلان بيعها باعتبار أن الوصف المزبور مادة و منشأ في الغالب للهو الذي فساده دون فساد الشرك و الوصف كما سيأتي لا يقابله الثمن، بل يكون داعيا الى زيادته، فكيف يصح بيع الصنم الذي يقابل فيه الثمن الهيئة التي منشأ فساد عظيم. و استعماله بين قوم في أمر مباح لا يخرجه عن كونه إله المشركين و معبودهم، فلا يجوز بيعه و شراؤه حتى فيما إذا عدوه من الأشياء العتيقة و ادخروه في مثل المتاحف لهذا الغرض، و لا يبعد- باعتبار كونه مادة لهذا الفساد العظيم- الالتزام بوجوب محو صورته كما يظهر من كلماتهم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 75

و حمله على الإتلاف (1) و لعل التقييد في كلام العلامة (2)

[آلات القمار و أواني الذهب و الفضة]

و يدل عليه جميع ما تقدم في هياكل العبادة (3)

______________________________

(1) بان يزيل الغاصب هيئتها أولا و يتلف مادتها بعد ذلك، و هذا الحمل تمحل أى تكلف بلا موجب.

(2) وجه المصنف (ره)- تقييد جواز بيع المادة قبل إزالة هيئتها في كلام العلامة بكون المشتري ثقة في دينه- بان دفع هيكل العبادة إلى المشترى مع عدم الوثوق بديانته تقوية لوجه من وجوه المعصية، و ظاهر حديث تحف العقول بطلان البيع معه، ثم أورد على ذلك بان بيع المادة و دفع الهيكل قبل إزالة هيئته إلى المشتري لا يزيد على الإعانة على الإثم التي بمجردها لا تكفي في الحكم ببطلان المعاملة، فإن انطباق العنوان المحرم على المعاملة لا يكون موجبا لبطلانها، مع أن الإعانة انما تكون بدفعه إلى المشتري قبل إزالة الهيئة لا ببيع مادته و لو قبل إزالة الهيئة ثم يكسر و يدفع الى المشترى و لا بأس أيضا بالكسر المزبور بعد البيع و بعد فرض دخوله في ملك المشترى، فان المشتري لا يملك الهيئة و لا تكون مالا بل لا يبعد ان يقال بوجوب إزالة الهيئة كفائيا حسما لمادة الفساد، و إذا قام به المشترى سقط عن البائع و الا يباشر بها قبل الدفع مع عدم الثقة.

(لا يقال) لعل التقييد في كلام العلامة بكون المشترى موثوقا في ديانته باعتبار عدم جواز بيع المادة قبل إزالة الهيئة تكليفا لا وضعا، فلا يرد عليه ما ذكره المصنف (ره) (فإنه يقال) ظاهر قول العلامة (يجوز بيعها من المشترى المزبور) هو صحته و نفوذه، فينتفى فيما إذا لم يكن المشترى موثوقا في دينه، و هذا ظاهر الجواز أو

عدم الجواز المضاف الى المعاملات، مع أن الحرمة تكليفا في دفع الهيكل إلى المشتري قبل إزالة هيئته لا في نفس البيع.

(أقول) لو تم الدليل على بطلان بيع الخشب فيما إذا أحرز بائعه ان المشترى يصنعه صنما أو صليبا لكان مقتضاه بطلان بيع مادة الصنم، مع العلم بأن المشتري لا يزيل الهيئة و لكن سيأتي أن عدم جواز بيعه تكليف فقط.

(3) أقول: يأتي في آلات القمار بأنواعها فيما إذا بيعت بعنوان أنها آلة القمار ما تقدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 76

و قوى في التذكرة الجواز مع زوال الصفة (1)

______________________________

من كون أكل المال في مقابلها من اكله بالباطل، فيكون بيعها فاسدا حتى فيما إذا كانت لموادها بعد إزالة هيئاتها مالية، و ذلك لما تقدم من عدم انحلال البيع بالإضافة إلى المادة و الصورة إلى بيعين حتى يحكم بصحة أحدهما و بفساد الآخر، و اما سائر الوجوه المتقدمة فلا مجرى لها في المقام. نعم لا يبعد دعوى العلم فيها ايضا بوجوب إزالة هيئتها حسما لمادة الفساد، و بما أن وجوب الإزالة في آلات القمار مجرد تكليف فلا يوجب عدم إزالتها فساد البيع حتى فيما إذا علم بان مشتريها لا يزيل الهيئة، و لو باع قبل إزالتها و دفعها الى المشتري المزبور كما هي فعل حراما، بخلاف ما إذا أزالها قبل دفعها اليه أو دفع الى المشتري الذي يثق بأنه يزيلها، لان وجوب الإزالة على تقديره واجب كفائي يكون قيام المشترى به كافيا في سقوط التكليف.

ثم ان هذا لا يجري في مثل أواني الذهب و الفضة حتى لو قيل بحرمة صنعهما و بفساد بيعهما، و أنه لا تختص الحرمة بالأكل و الشرب فيهما، و

وجه عدم الجريان عدم الدليل على وجوب إزالة هيئتهما، و لو باع أحدهما بعنوان الذهب أو الفضة و دفعه الى المشتري قبل إزالة الهيئة، فلا بأس حتى مع علمه بان مشتريه لا يزيلها، فما في كلام جملة من الأصحاب من تسوية حكمهما مع حكم آلات القمار بل مع حكم الصنم و الصليب فيه ما لا يخفى، بل الأظهر جواز بيعهما بما هي آنية ذهب أو فضة و جواز صنعهما و أخذ الأجرة عليه، لان المحرم استعمالهما في الأكل و الشرب و الطهارة لا الاقتناء و التزيين بهما. و الحاصل أن لهما منفعة مقصودة محللة و باعتبارها تكونان من الأموال و لتمام الكلام فيهما محل آخر.

(1) ان كان المراد بزوال الصفة زوالها عند البائع بأن يبيع الآلات بعد زوال هيئتها فالأمر كما يذكر المصنف (ره) من عدم قائل بعدم الجواز في الفرض، و لا ينبغي جعله مورد الخلاف بين العلامة و غيره، و ان أراد زوالها عند المشتري بأن يكسرها المشترى فكسرها غير معتبر في صحة بيعها بعنوان مكسورها كما تقدم، و الظاهر مراده الكسر عند المشترى و استفاد ذلك من كلام العلامة بحمل الثقة فيه على الطريقية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 77

مثل ما يعملونه شبه الكرة (1)

[الدراهم]

بناء على جواز ذلك (2)

______________________________

(1) الترثة اسم لما يعملونه شبه الكرة، و الصولجان هو العصا الذي يضربون به الترثة عند اللعب، و حيث لم يكن في البين رهن لا يدخل اللعب في القمار حتى يحكم بحرمته فلا بأس ببيع ما كان من هذا القبيل مما يعد للعب فقط كان هنا رهن أو لا، و لا يدخل ذلك في المعاملة على الآلات المعدة للقمار كما

لا يخفى.

(2) اى بناء على جواز مثل التزيين بها أو دفعها الى الظالم، بان يجوز إبقاؤها و لا يجب إتلافها، و لا يخفى أن مثل الدفع الى الظالم لا يكون من المنفعة المقصودة الموجبة للمالية. نعم فائدة التزيين و نحوه من المنفعة المقصودة، كما أشرنا الى ذلك في أواني الذهب و الفضة. ثم إنه يقع الكلام في الدراهم أو الدنانير المغشوشة كان غشها من جهة مادتها أو سكتها، بان كانت السكة فيها غير التي تكون بها المعاملة في جهتين (الأولى)- اقتناؤها، و (الثانية)- صحة المعاملة بها على تقديري جواز الاقتناء و عدمه.

اما الجهة الأولى فقد يقال بعدم جواز الاقتناء و يستدل عليه برواية الجعفي، قال:

«كنت عند أبى عبد اللّه (ع)، فالقى بين يديه دراهم، فألقى إلي درهما منها، فقال:

أيش هذا؟ فقلت: ستوق، فقال: و ما الستوق؟ فقال: طبقتين فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة فقال: اكسرها فإنه لا يحل بيع هذا و لا إنفاقه» «1» و ظاهر الأمر بالكسر إزالة عنوان الدرهم أو الدينار و إسقاطه عن كونه معرضا للبيع و الإنفاق، و لكن الرواية في نفسها ضعيفة و معارضة بما دل على جواز المعاملة بالمغشوش مع اعلام حاله حيث أن مقتضى جواز بيع المغشوش كذلك جواز اقتنائه، ففي صحيحة محمد بن مسلم المروية في الباب المزبور قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره، ثم يبيعها، قال: إذا بين (الناس) ذلك فلا بأس» «2» و نحوها غيرها.

و يستدل على عدم جواز الاقتناء برواية موسى بن بكر قال: «كنا عند ابى الحسن- عليه السلام-، و إذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر الى دينار فأخذه بيده ثم

قطعه بنصفين،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (10) من أبواب الصرف، الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (10) من أبواب الصرف، الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 78

بطل البيع (1) و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات (2)

______________________________

ثم قال لي: ألقه في البالوعة حتى لا يباع شي ء فيه غش» «1» و الأمر بإلقائه في البالوعة ظاهر في وجوب إزالته، و يعم الوجوب كل ما فيه غش، و لو لم يكن درهما كما هو مقتضى التعليل. هذا، و لكن لا بد من حملها على صورة عدم كون مادته مالا، و الا يكون إلقاؤه في البالوعة خصوصا بعد كسره من تبذير المال، مع أنها ايضا باعتبار ضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها في مقابل ما تقدم من المعتبرة الدالة على جواز المعاملة بالمغشوش مع بيان حاله.

(1) ظاهر كلامه صورة وقوع المعاملة على الشخص لا الكلى، و الا لكان للطرف الاستبدال لا بطلانها أو ثبوت الخيار، و إذا وقعت المعاملة على الشخص، فان وقعت بعنوان الدرهم المسكوك بالسكة الرائجة، و كان الغش في السكة يحكم ببطلان المعاملة، فإن السكة الرائجة من الأوصاف المقومة للمال، فيكون تخلفها موجبا لبطلانها، و كذا إذا كان الغش في المادة، بحيث يوجب انتفاء عنوان الدرهم عنه، و الا كان للآخر خيار العيب، و أما إذا وقعت عليه المعاملة بعنوان الذهب أو الفضة، و كان الغش باعتبار السكة، فلا يوجب التخلف خيارا لا العيب و لا التدليس، بل خيار التدليس غير خارج عن خيار العيب أو تخلف الوصف المشروط، فما يظهر من كلامه (ره)- من ثبوت خيار التدليس في الفرض (أي في صورة وقوع المعاملة على المادة و ثبوت

الخلاف في السكة)- لا يمكن المساعدة عليه.

(2) لم يظهر لي وجه ربط هذا الكلام بما قبله، حيث أن الدرهم أيضا إذا بيع بعنوان أنه درهم مسكوك بالسكة الرائجة فظهر غيره يحكم ببطلان بيعه، و لا يصح البيع بالإضافة إلى مادته من الذهب أو الفضة، و الوجه في ذلك ما ذكرناه من كونه مسكوكا بها كالهيئة في الآلات و الصنم مقوم للمبيع، و بما أن المبيع في الفرض ينظر العرف شي ء واحد لا تعدد فيه، و قد بيع بثمن، فاما يصح البيع مطلقا أو يبطل مطلقا،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (86) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 79

[القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحللة]
اشارة

القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان (1)

______________________________

و انما يكون الانحلال في موارد تعدد المبيع بنظر العرف، بحيث ينحل البيع الى بيع كل واحد من ذلك المتعدد، كما انه إذا لم يكن الوصف عنوانا مقوما للمبيع، بل كان من الأوصاف التي تكون داعية الى زيادة القيمة، فإن ظهر التخلف فيها يثبت خيار الفسخ، و لو كان الوصف أمرا فاسدا، فبطلان البيع مع اشتراطه مبنى على كون الشرط الفاسد مفسدا، نعم لا كلام في البطلان في مورد قيام دليل خاص عليه كما في بيع الجارية المغنية على ما سيأتي ان شاء اللّه تعالى.

(1) و حاصله أن في المقام مسائل ثلاث: (الاولى) ما إذا كان توافقهما على خصوص المنفعة المحرمة. (الثانية) ما إذا كان الملحوظ كلتا المنفعتين المحللة و المحرمة كما هو الحال في بذل الثمن للجارية المغنية (الثالثة)- ما إذا كانت المنفعة المحرمة و استعمال الشي ء في الحرام داعيا لهما الى المعاملة، كما إذا اشترى العنب و كان قصدهما تخميره،

و لكن بلا التزام منهما خارجا أو اشتراطه في المعاملة.

ثم إنه لا إشكال في فساد المعاملة و حرمتها في الأولى، حيث أن المعاملة مع الالتزام و الإلزام بالمنفعة المحرمة تكون إعانة على الإثم، و أخذ العوض أكلا له بالباطل، سواء ذكرا هذا الإلزام و الالتزام في العقد بعنوان الشرط أو لا.

(أقول): إثبات الحرمة للمعاملة المزبورة تكليفا و وضعا موقوف على حرمة مجرد الإعانة على الإثم، و كون أكل الثمن فيها أكلا له بالباطل، و لكن المحرم هو التعاون على المعصية و العدوان، بان يجتمع اثنان أو أكثر على تحقيق الحرام و إيجاده، و صدور الحرام عن شخص و تحقيق مقدمة من مقدماته من شخص آخر المعبر عن تحقيق المقدمة بالإعانة على الإثم لا يكون من التعاون على ذلك الحرام، و لو كان مجرد الإعانة على الإثم محرما، لكان بيع العنب ممن يعمله خمرا حراما تكليفا، حتى مع عدم اشتراط التخمير و عدم قصد البائع ذلك، و كذا لا يمكن الالتزام بالفساد، فان الثمن في المعاملة لا يقع بإزاء الشرط أو المنفعة، بل إنما يقع بإزاء نفس المبيع،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 80

..........

______________________________

و بما أن للمبيع منفعة محللة و مالية شرعا يكون الحكم بالفساد مع اشتراط المنفعة المحرمة مبنيا على كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد، هذا كله بالإضافة إلى البيع.

و أما بالإضافة إلى الإجارة فإن كان الشرط راجعا الى تضييق مورد الإجارة و تقييدها بالمنفعة المحرمة تكون باطلة باعتبار أن أخذ الأجرة بإزاء تلك المنفعة من أكل المال بالباطل، و هذا بخلاف ما إذا رجع الشرط الى التزام زائد على أصل الإجارة بحيث يكون التخلف من المستأجر في مثل الشرط موجبا لثبوت

خيار الفسخ للموجر لا المطالبة بأجرة المثل عما أتلفها عليه من المنفعة، فإن مع عدم تقييد مورد الإجارة تكون بطلانها باشتراط الحرام مبتنيا على مسألة فساد العقد بفساد الشرط، نعم في رواية جابر (صابر) قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يؤاجر بيتا فيباع فيه الخمر قال: حرام أجره» «1» و لكنها لو حملت على صورة تقييد المنفعة فهو، و الا فلا يمكن الاعتماد عليها لضعفها سندا و معارضتها بحسنة ابن أذينة، قال: «كتبت إلى أبى عبد اللّه عليه السلام أسأله عن رجل يؤاجر سفينته و دابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر، و الخنازير، قال: لا بأس» «2».

هذا مع أن الروايتين غير ناظرتين إلى صورة الاشتراط، و ما ذكره (ره)- في الجمع بين الروايتين من حمل الثانية على صورة اتفاق حمل الخمر أو الخنزير من غير أن يؤخذ ركنا أو شرطا في العقد- لا يمكن المساعدة عليه، فان كون الحرمة متيقنة- من رواية بالإضافة إلى أمر و الجواز من رواية أخرى بالإضافة إلى أمر آخر- لا يوجب كون كل منهما قرينة عرفية على التصرف في الأخرى، كما تقدم ذلك في علاج المعارضة بين ما ورد من أن ثمن العذرة سحت، و ما ورد من عدم البأس به و لعله الى ذلك أشار (ره) في آخر كلامه بقوله فتأمل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (39) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (39) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 81

..........

______________________________

و الحاصل أنه لو تم الحكم بالبطلان في المسألة الثالثة الاتية ثبت في هذه المسألة أيضا بالفحوى، و الا فلا موجب

للالتزام في المسألة بالفساد، بل و لا لحرمة المعاملة تكليفا، نعم شراء المشترى العنب للتخمير داخل في التجري، و إلزام البائع داخل في ترغيب الناس للحرام، و هذا لا يوجب حرمة نفس المعاملة كما لا يخفى. نعم لا بأس بالالتزام بالحرمة تكليفا في بيع العنب حتى فيما إذا كان التخمير مما التزم به المتعاقدان خارجا بلا اشتراطه في البيع بفحوى اللعن الوارد على غارس الخمر، و لكن الحرمة لا تقتضي فساده كما هو المقرر في محله. و ربما يقال في وجه بطلان المعاملة- في مثل بيع العنب بشرط أن يصنعه خمرا- أن هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، و وجه منافاته له أنه كما ان بيع الشي ء مع اشتراط عدم الانتفاع به أصلا مساوق لاشتراط عدم ملك المبيع للمشتري و عدم كونه مالا له، كذلك اشتراط عدم الانتفاع به انتفاعا حلالا، حيث أن هذا الشرط مع انضمام منع الشارع عن التخمير مثلا إسقاط للعنب عن كونه ملكا و مالا للمشتري من جهة التخمير و من جهة سائر المنافع، فلا يتم البيع الذي حقيقته جعل المبيع ملكا و مالا للمشتري بإزاء الثمن، و هذا الفساد لا يرتبط بالقول بكون الشرط الفاسد مفسدا، فان تلك المسألة فيما إذا لم يكن الشرط موجبا لفقد شرط أو ركن من أصل المعاملة، و الا كان أصل العقد باطلا حتى مع الالتزام فيها بعدم الإفساد.

(أقول): الموجب لبطلان الشرط بل بطلان المعاملة معه فيما إذا كان الشرط منافيا لمقتضى العقد هو عدم قصد إنشاء المعاملة مع الشرط المزبور، مثلا في قول البائع بعتك هذه العين بكذا بشرط أن لا تدخل في ملكك كان الشرط باطلا و مبطلا للبيع، لرجوعه الى عدم قصده تمليكها

للمشتري، مع أن البيع هو تمليك العين بعوض، و أما إذا كان الشرط ملائما لجعل الملك و اعتبار دخول المبيع في ملك المشترى، كما إذا قال بعتك هذا المال على ان يخرج عن ملكك، فيدخل في مسألة

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 1، ص: 82

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 82

..........

______________________________

كون الشرط الفاسد مفسدا أم لا. و هذا في المورد الذي يكون الخروج عن الملك محتاجا الى سبب، و الا فلا بأس بالشرط في مثل بيع العبد من ابنه الحر بشرط خروجه عن ملكه، و اشتراط عدم الانتفاع بالمبيع أصلا لا يلازم عدم دخول العين في ملك المشترى، بل يصح البيع و الشرط معا فيما إذا كان في الاشتراط غرض عقلائي، كما إذا باعه قطعة من الذهب و اشترط أن لا ينتفع بها أصلا، و كان غرضه بقاؤها حتى تصل إلى ورثة المشترى. و اما إذا لم يكن فيه غرض عقلائي كان الشرط باطلا، كما إذا باع العنب و اشترط عدم الانتفاع به أصلا، حيث ان الشرط- لكونه سفهائيا و العمل به تبذيرا للمال- باطل، و لكن لا ينافي هذا الاشتراط قصد دخول العنب في ملك المشترى.

(لا يقال) العنب مع الشرط المزبور لا يكون مالا، فيكون أكل الثمن بإزائه من أكل المال بالباطل (فإنه يقال) إنما لا يكون العنب مالا فيما إذا كان الشرط نافذا، و أما مع إلغائه كما هو مقتضى كون الشرط سفهائيا، فلا يدخل تملك الثمن بإزاء العنب في العنوان المزبور.

(و الحاصل) أن اعتبار الملك للمشتري لا

ينافي اشتراط عدم انتفاعه بالمبيع، بل الشرط المزبور ينافي كونه مالا مع نفوذه و لزومه، و المفروض أنه غير لازم و غير نافذ حتى في اعتبار العقلاء، فيكون المبيع ملكا و مالا للمشتري كما هو مقتضى إطلاق دليل حل البيع، و هذا فيما إذا اشترط في البيع عدم الانتفاع بالمبيع أصلا بأي انتفاع، و أما إذا كان الشرط عدم الانتفاع المحلل أو الانتفاع به بالمحرم فلا ينافي الشرط الملك، و لا كون المبيع مالا، و ذلك فان اعتبار شي ء ملكا للمشتري و مالا له في اعتبار المتعاقدين لا يتوقف على ثبوت المنفعة المحللة له، و لذا يتعاملون فيما بينهم على الخمر و غيرها مما لا منفعة محللة له. و على ذلك فبيع العنب مع اشتراط تخميره بيع في اعتبار العقلاء، و بما أن دليل إمضاء الشروط لا يعم اشتراط تخميره فالشرط المزبور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 83

[بيع العنب على أن يعمل خمرا]

و الفرق بين مؤاجرة البيت (1)

______________________________

ملغى، و بعد إلغائه لا مانع من شمول أحل اللّه البيع لبيع العنب و اعتبار كونه ملكا و مالا للمشتري، لأن المفروض أن العنب مال حتى شرعا لثبوت المنفعة المحللة له، و لو كانت تلك المنفعة ملغاة عند المتعاقدين باشتراط التخمير.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أن المعاملة مع اشتراط المنفعة المحرمة و إن كانت صحيحة، إلا أنها محرمة تكليفا، و ذكر في وجه ذلك أن إلزام الغير بالمحرم- كاكراهه عليه- حرام، فالمعاملة المشتملة على الشرط الحرام بما أنها إلزام للغير بالمحرم تكون محرمة. و لكن حرمتها بهذا العنوان كحرمتها بسائر العناوين الطارئة عليها لا تكون موجبة لفسادها.

و لا يخفى ما فيه فان الشرط في مثل التخمير من

الأعمال ليس بنفسه إلزاما للغير، بل هو التزام على نفسه للغير، و إذا تم هذا الالتزام يكون للغير حق إلزامه، فيكون الإلزام من آثار صحة الشرط لا نفس الشرط الذي لا حرمة فيه الا وضعا. نعم هو قسم من التجري، و الحاصل أن الإلزام في شرط الأعمال فعل للمشروط له و خارج عن أصل المعاملة و شرطها، و اثر لتمام الشرط فيها، فلا يترتب فيما إذا لم يتم الشرط، كما إذا كان المشروط عملا محرما.

(1) كأنه (ره) يريد دفع ما يمكن ان يقال من أنه قد ورد المنع في رواية جابر المتقدمة عن إيجار البيت ليباع فيه الخمر، و قد حمل (ره) تلك الرواية على صورة الاشتراط بان يشترط في إيجارها استيفاء منفعة البيت ببيع الخمر فيها، أو أن يجعل تلك المنفعة ركنا، بان يكون متعلق التمليك في الإجارة خصوص قابلية البيت لبيع الخمر فيه و لا يرضى (ره) ان يحمل على الاشتراط ما ورد في بيع الخشب ممن يصنعه صنما أو صليبا، فما الفرق بينهما؟ و أجاب بالفرق بينهما و ان الاشتراط في مثل بيع الخشب بعيد عن المسلم، بخلاف اجارة البيت لبيع الخمر أو إحرازها فيه، بان يجعل بيعها فيه أو إحرازها ركنا في عقد الإجارة أو شرطا فيه، فان صدور هذا النحو من الإيجار من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 84

مع أن الجزء أقبل للتفكيك بينه و بين الجزء الآخر (1)

[و يحرم المعاوضة على الجارية المغنية]

و يحرم المعاوضة على الجارية المغنية (2)

______________________________

المسلم غير بعيد، كما إذا كانت الأجرة في مقابل تلك المنفعة زائدة على أجرة سائر منافعها، و بما أن السائل يحتمل حرمة هذا الإيجار و فساده فسأل الإمام (ع) عن حكمه.

(1)

كأنه (ره) يريد بيان وجه بطلان المعاملة رأسا في مورد اشتراط صرف المبيع في الحرام، مع أن المفروض أن للمبيع منفعة محللة مقصودة. و حاصل الوجه أنه قد تقدم في بيع آلات القمار و نحوها بطلان المعاملة رأسا و عدم انحلالها إلى المعاملة على الهيئة و المعاملة على المادة، حتى تبطل الاولى و تصح الثانية، مع أن كلا من الهيئة و المادة جزء الشي ء، و انحلال المعاملة على الكل إلى المعاملة على الاجزاء أولى مما نحن فيه، مما تكون المعاملة جارية على الشرط و المشروط. و المراد بالشرط المنفعة المحرمة و بالمشروط نفس الشي ء.

و بعبارة أخرى لا يكون مع بذل الثمن على الشي ء بلحاظ منفعته المحرمة انحلال في المعاملة لتبطل بالإضافة إلى الشرط، و تصح بالإضافة إلى أصل المشروط (أقول): هذا الكلام باطل و السر في ذلك أن الثمن في البيع لا يقع بإزاء الشرط أو المنفعة من غير فرق بين المحلل منهما أو المحرم، و لذا لا يثبت مع تخلف الشرط أو المنفعة إلا الخيار لا تبعيض الثمن. و على ذلك ففي مورد بطلان الشرط الذي في نفسه التزام آخر غير أصل البيع لا موجب لبطلان نفس البيع، و هذا بخلاف صورة كون الهيئة مما لا يتمول شرعا، كآلات القمار، فإنه لا يمكن فيها تصحيح البيع بالإضافة إلى المادة بعد بطلانه بالإضافة إلى الهيئة، لما تقدم من ان الثمن في بيعها يقع بإزاء الهيئة و المادة بما هما شي ء واحد، فلا يصح البيع بالإضافة إلى أحدهما بعد بطلانه بالإضافة إلى الآخر فلاحظ و تدبر.

(2) حاصل ما افاده (ره) أنه إذا كانت في العين صفة يقصد منها الحرام ككون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 1، ص: 85

..........

______________________________

الجارية مغنية و العبد ماهرا في القمار أو السرقة فللبيع صور ثلاث.

(الاولى) ما إذا جرت المعاملة على تلك العين و لوحظ فيها الوصف المزبور بان زيد الثمن باعتباره، و يجعل ذلك الوصف شرطا في تلك المعاملة ففي هذه الصورة يحكم ببطلانها باعتبار أن تقسيط الثمن على الوصف غير متعارف، و انما يكون الوصف داعيا إلى زيادة الثمن، فيكون أخذ ذلك الثمن بإزاء تلك العين المشروط فيها الوصف المزبور من تملكه بالباطل.

(الثانية) ما إذا اشترى الجارية المغنية بما هي جارية أي لم يشترط في بيعها كونها مغنية، بحيث لو فرض عدم ثبوت الوصف فيها واقعا لم يثبت في اعتبار المتعاملين للمشتري خيار تخلف الوصف، ففي هذه الصورة يصح البيع حتى فيما إذا كان الوصف داعيا إلى شرائها، بل و بذل ثمن زائد عليها، حيث أن مع عدم اشتراط وصف كونها مغنية لا يكون أخذ الثمن بإزائها من أكله بالباطل.

(الثالثة) ما إذا جعل كونها مغنية شرطا في المعاملة و زيد ثمنها باعتبار الوصف، إلا أنه لم يقصدا الحرام من ذلك الوصف بل جعلاه شرطا باعتبار أنه وصف كمال قد يصرف في المحلل، بان يكون منشأ للحلال، كالغناء في الأعراس، ففي هذه الصورة مع كون المنفعة المحللة المترتبة على الوصف مقصودة للعقلاء و لم تكن نادرة فلا بأس بالبيع المزبور.

و أما إذا كانت نادرة فهل يكون الوصف المشروط المترتب عليه المنفعة الغالبة المحرمة مع المنفعة النادرة المحللة على الفرض، كالعين التي لها منفعة غالبة محرمة و منفعة نادرة محللة، بان لا يجوز البيع بمجرد تلك المنفعة النادرة أو أنه لا بأس باشتراط الوصف المزبور، و لا يقاس الوصف بالعين؟ ذكر (ره) ان الأقوى عدم الإلحاق

و الحكم بصحة بيع الجارية المغنية مع شرط كونها مغنية بلحاظ أنها صفة كمال تصرف في الحلال و لو نادرا. و ما ورد من أن ثمن الجارية المغنية سحت منصرف الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 86

[يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا]
اشارة

يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا (1)

______________________________

الغالب يعني إلى البيع في الصورة الاولى، و وجه القوة أن الجارية لها منفعة مقصودة محللة كالاستمتاع بها و اشتراط كونها مغنية انما توجب كون المأخوذ في مقابلها أكلا للمال بالباطل، فيما إذا كان المقصود من الصفة هو الحرام و مع عدم قصد الحرام لا توجب ذلك، و هذا بخلاف ما إذا لم يكن في العين إلا المنفعة المحللة النادرة غير الملحوظة عند العقلاء، حيث يكون أكل الثمن بإزائها من أكله بالباطل.

(أقول) إذا لم يكن الوصف من الأوصاف المقومة للمبيع يكون الثمن في المعاملة بإزاء نفس العين، حتى في صورة اشتراطه في المعاملة، و ليس شرط الوصف قيدا للمبيع، بل كما هو المقرر في محله التزام آخر غير أصل المعاملة، و حقيقة اشتراط الوصف هو جعل المشترى الخيار لنفسه في صورة تخلف ذلك الوصف، و لو فرض بطلان هذا الجعل، فلا بأس بشمول أحل اللّه البيع لأصل المبادلة، و كيف يكون أخذ الثمن بإزاء الجارية من أكله بالباطل، مع أن الجارية- المفروض وقوع تمام الثمن بإزائها في نفسها- من الأموال.

و الحاصل أن الحكم بالبطلان في المقام على خلاف القاعدة و للنص الوارد في أن ثمن الجارية سحت. و النص المزبور يعم الصورة الثالثة أيضا. و دعوى انصرافه إلى الصورة الأولى فقط بلا وجه. نعم لا يعم الصورة الثانية لظهوره في بيع الجارية المغنية بما هي مغنية، و في

تلك الصورة يكون بيعها بما هي جارية كما لا يخفى. و على ذلك، فإن أمكن الاطمئنان بعدم الفرق في الحكم بين بيع الجارية المغنية و بين مثل بيع العبد الماهر في القمار يتعدى عن مورد النص و إلا فيقتصر على مورده.

(1) تعرض (ره) أولا لما إذا باع مثلا العنب ممن يعمله خمرا و يكون داعيه الى بيعه منه تخميره، و نفى في هذه الصورة الاشكال و الخلاف في حرمة البيع، و ظاهر الحرمة عند إضافتها إلى البيع، و ان كان هو الفساد، إلا أن تعليلها يكون البيع إعانة على الإثم قرينة على كون المراد هو التكليف. ثم تعرض لما إذا باع العنب مثلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 87

..........

______________________________

ممن يعمله خمرا من غير أن يكون داعيه الى بيعه منه تخميره، بحيث يبيعه منه حتى لو لم يعمله خمرا، و ذكر أن الأكثر في هذا الفرض على الجواز لبعض الأخبار، كصحيحة عمر بن أذينة، قال: «كتبت إلى أبى عبد اللّه (ع) أسأله عن رجل له كرم، أ يبيع العنب و التمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو سكرا؟ فقال: إنما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه أو أكله فلا بأس ببيعه» «1» و رواية أبي كهمس، قال: «سأل رجل أبا عبد اللّه (ع) عن العصير، فقال: لي كرم و أنا أعصره كل سنة و اجعله في الدنان- إلى ان قال (ع)- هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا» «2» و نحوهما غيرهما و في مقابلهما صحيحة ابن أذينة و معتبرة عمرو بن حريث، و في الأولى: «كتبت الى ابى عبد اللّه (ع) عن رجل له خشب، فباعه ممن

يتخذه صلبانا قال: لا» «3» و في ثانيهما، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب و الصنم؟ قال: لا» «4» و عن بعض الجمع بين الطائفتين بحمل الناهية على صورة اشتراط المنفعة المحرمة على المشترى و المجوزة على غير صورة الاشتراط. و أورد (ره) على ذلك بأنه بعيد فإنه لا يكون للمسلم داع فيما إذا باع شيئا الى ان يشترط على مشتريه استعماله في الحرام ثم يسأل الإمام (ع) عن ذلك، فلا يمكن حمل صحيحة ابن أذينة و نحوها على ذلك، و ذكر (ره) وجهين آخرين في الجمع بينهما (الأول) حمل الناهية على الكراهة بشهادة صحيحة الحلبي عن أبى عبد اللّه (ع) أنه «سئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا، فقال بيعه ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب الى، و لا أرى بالأول بأسا» «5» حيث أن التعبير عن ترك البيع بالأحب و نفى البأس بعده قرينة على

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث (6)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (41) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

(4) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (41) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (2)

(5) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 88

فقد يستدل على حرمة البيع (1)

______________________________

الكراهة و الثاني الالتزام بالمنع و التحريم في بيع الخشب ممن يصنعه صليبا أو صنما كما هو مفاد الطائفة الثانية و بالجواز في غيرهما، و قال: إن هذا الجمع قول فصل لو لم

يكن قولا بالفصل يعنى تفصيل في المسألة لو لم يكن خرقا للإجماع المركب.

(أقول) المتعين هذا الوجه و حمل الجواز على كونه بنحو الكراهة غير ممكن و ذلك فإنه قد ورد في صحيحة رفاعة قوله (ع): «أ لسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا» «1» حيث لا يمكن الالتزام باستمراره (ع) على ارتكاب المكروه، بل لا يمكن ذلك حتى في صحيحة عمر بن أذينة فإنه ذكر (ع) فيها جواز بيع الخشب ممن يصنعه برابط ثم منع عن بيعه ممن يعمله صنما أو صليبا.

و الحاصل أن المتعين هو الوجه الأخير يعنى ان بيع الشي ء ممن يجعله هيكل عبادة صنما أو صليبا لا يجوز تكليفا كما مر، بخلاف البيع في غير ذلك فإنه جائز بلا كراهة، نعم يستحب اختيار المشتري الذي يصرف الشي ء في الحلال كما هو مقتضى التعبير بصيغة التفضيل في صحيحة الحلبي المتقدمة التي جعلها (ره) شاهدة الجمع بين الطائفتين.

(1) قد يقال: إن الاخبار المجوزة لا يمكن الأخذ بها، بل لا بد من إرجاع علمها إلى الأئمة عليهم السلام، فان جواز بيع مثل العنب ممن يعلم أنه يصنعه خمرا مخالف لحكم العقل القطعي و للكتاب المجيد. أما العقل، فإنه يستقل بقبح إعانة الغير في جرمه و تهيئة المقدمة له، و إن شئت قلت إن تهيئة المقدمة للجرم الصادر عن الغير بنفسه جرم و لذا يؤخذ الشخص بها في المحاكم الدولية و في القوانين الدارجة عند العقلاء، حتى فيما لو فرض عدم صدق التعاون على ذلك الجرم، أ لا ترى أن من أعان السارق و هيأ له الأسباب يحكم عليه في تلك المحاكم بالجزاء. و قد ورد في الشرع أيضا- فيما لو أمسك أحد شخصا و قتله

الآخر و راهما ثالث- أن القاتل يقتل،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (59) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (8)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 89

..........

______________________________

و الممسك يحبس و الناظر تسمل عيناه. و الظاهر عدم الفرق بين ما كانت تهيئة المقدمات بداعي توصل الغير الى الجرم و الحرام أو غيره، مثلا تسليم السلم الى السارق و بيعه منه قبيح، حتى و إن لم يكن التسليم بداعي وصول السارق الى جرمه. نعم القبح في صورة كون داعيه وصوله إليه أوضح.

و الحاصل أن حكم العقل بقبح تهيئة مقدمة الحرام الصادر عن الغير كاف في كشف عدم جوازه شرعا (أقول): الظاهر أنه اشتبه على هذا القائل الجليل مسألة منع الغير عن المنكر الذي يريد فعله، و مسألة إعانة الغير على الحرام يعنى فعل المكلف ما هو مقدمة للحرام الصادر عن الغير، حيث أن منع الغير عن المنكر مع التمكن منه واجب.

و يمكن الاستدلال على وجوبه بحكم العقل باستحقاق الذم فيما إذا ترك المنع مع التمكن منه و لزوم منعه عن جرمه مع التمكن منه هو المراعى في تلك القوانين الدارجة عند العقلاء، كما إذا باع السارق سلما مع علمه بان السارق يستعمله في سرقة الأموال، فلا يؤخذ على بيعه فيما إذا ثبت أنه لم يكن يترتب على ترك بيعه ترك سرقتها، كما إذا كان السارق في بلد يباع في جميع أطرافه السلم، بحيث لو لم يبع هذا السلم منه لأخذ السلم من غيره، و لو ممن لا يعرفه بأنه سارق، و في مثل ذلك لا يؤخذ البائع ببيعه بل يقبل اعتذاره عن البيع بما ذكر، مع ثبوته. و ما ذكر من الرواية ناظر الى هذه

الجهة، و إلا لم يكن وجه لتسميل عيني الناظر، فإنه لم يرتكب الجرم و لم يساعد عليه، بل إنما لم يمنع عن القتل، و لا بعد في كون الجزاء لعدم المنع مختلفا بأنحاء عدم المنع.

و على الجملة حكم العقل و المراعى في بناء العقلاء هو التمكن من منع الغير عما يريده من الجرم، و نلتزم بذلك ايضا و نقول بعدم جواز بيع الخشب أو العنب فيما لو لم يبعهما من المشترى المزبور لما يكون في الخارج خمرا أو آلة قمار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 90

..........

______________________________

و أما إذا أحرز أنه لو لم يبعه لاشترى من غيره، فمثل ذلك يدخل في مسألة إعانة الغير على الحرام. و لا دليل على قبح هذه الإعانة و لا على حرمتها إلا في مورد الإعانة على الظلم، فإنها غير جائزة شرعا، كما سيأتي.

و يظهر ايضا جوازها في غير ذلك المورد من بعض الروايات كموثقة ابن فضال قال: «كتبت الى ابى الحسن الرضا (ع) أسأله عن قوم عندنا يصلون و لا يصومون شهر رمضان، و ربما احتجت إليهم يحصدون لي، فإذا دعوتهم الى الحصاد لم يجيبوني حتى أطعمهم، و هم يجدون من يطعمهم، فيذهبون إليهم و يدعوني، و أنا أضيق من إطعامهم في شهر رمضان، فكتب بخطه أعرفه أطعمهم» «1» و حملها على صورة الاضطرار إلى الإطعام لا تساعده قرينة، فإن المذكور في الرواية احتياج المعطى الى عملهم، و الحاجة غير الاضطرار الرافع للتكليف، كما ان حملها على صورة كونهم معذورين في الإفطار يدفعه إطلاق الجواب و عدم الاستفصال فيه عن ذلك.

و أما مخالفة تلك الاخبار للكتاب المجيد، فقد قيل أنها تخالف قوله سبحانه:

وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ

وَ الْعُدْوٰانِ «2» و هذا الوجه على تقدير تماميته لا يقتضي الا حرمة البيع المزبور تكليفا لإفساده وضعا، حيث أن انطباق عنوان محرم على المعاملة مساوق لتعلق النهى بها، و لكن النهى عن المعاملة لا يقتضي فسادها. و أورد على الوجه المزبور بأمور، (الأول)- أن النهى في الآية لا يكون تحريما بل يناسب التنزيه و قد ذكر في مقابل الأمر بالتعاون على البر و التقوى و لا ريب في ان البر و التقوى غير واجبين بإطلاقهما فضلا عن التعاون عليهما (أقول): هذا الإيراد ضعيف غايته، لما ذكرنا في الأصول من أن قيام قرينة على رفع اليد عن ظهور بعض الخطاب لا يوجب رفع اليد عن ظهور بعضه الآخر، و في المقام أيضا الأمر ظاهر في الوجوب و النهى ظاهر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (7) الباب: (36) من أبواب أحكام شهر رمضان، الحديث: (1)

(2) سورة المائدة (5) الاية (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 91

..........

______________________________

في التحريم، و لكن قد علم أن متعلق الأمر في الآية غير واجب، و باعتبار القرينة نرفع اليد عن ظهوره. و اما رفع اليد عن ظهور النهي في التحريم فهو بلا وجه.

(الأمر الثاني)- و هو الصحيح كما ذكرنا سابقا أن التعاون على الإثم غير الإعانة عليه و المستفاد من الآية حرمة الأول لا الثاني، و التعاون على الإثم عبارة عن اجتماع اثنين أو أكثر على إيجاد الحرام، كما إذا اجتمع جماعة على هدم مسجد أو قتل شخص أو غير ذلك مما يكون فيه كل بعض معينا للبعض الآخر في تحقيق ذلك العمل. و أما إذا كان الحرام صادرا عن الغير فقط، و الذي يفعله هذا الشخص دخيل و مقدمة

للحرام الصادر عن ذلك الغير، كما إذا اعطى الخشب لمن يريد صنع آلة القمار أو الغناء، فهذه اعانة على الإثم و لا دلالة في الآية المباركة على حرمتها. نعم لا شبهة في حرمة إعانة الظالم على ظلمه، فان ذلك مقتضى غير واحد من الروايات ففي صحيحة أبي حمزة عن على بن الحسين: «إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين» «1» و في رواية الحسين بن زيد عن الصادق- عليه السلام- قال: «ألا و من علق سوطا بين يدي سلطان جعل اللّه ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من النار طوله سبعون ذراعا» «2».

(الأمر الثالث) ما أشار إليه المصنف (ره) بقوله: (و قد يستشكل في صدق الإعانة) و حاصله أنه يعتبر في صدق الإعانة على الإثم على فعل المكلف قصده الحرام، بأن يكون داعيه الى ذلك الفعل توصل الغير و وصوله الى الحرام. و المفروض في مثل مسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا عدم قصد البائع ذلك، بل قصده و داعيه الى البيع هو حصول ملك العنب للمشتري، سواء صرفه في الحلال أو الحرام. و ربما يضاف الى اعتبار قصد الحرام اعتبار تحقق ذلك الحرام من الغير، و إلا فلا يكون فعل الشخص إعانة للغير على الحرام، بل القصد إلى الإعانة و هو من التجري، كما

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (10)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 92

..........

______________________________

لا يخفى.

و ناقش المصنف (ره) في هذا الأمر (أولا) بأنه لا يعتبر في صدق عنوان الإعانة على الحرام على فعل الشخص تحقق الحرام من

الغير، و لو حصل الحرام منه لم يتعدد عقاب الشخص من جهة التجري و من جهة اعانة الغير على الحرام. و الحاصل ان الفعل من الشخص بقصد حصول الحرام من الغير اعانة لذلك الغير على الحرام حصل ذلك الحرام أم لا.

و (ثانيا) بأنه يظهر من كلام الأكثر عدم اعتبار القصد المزبور أيضا في صدق عنوان الإعانة على الحرام. مثلا ذكر الشيخ (ره) في المبسوط في الاستدلال على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه قوله (ص): (من أعان على قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيمة مكتوبا بين عينيه هذا آيس من رحمة اللّه) حيث ان الممسك لطعامه لا يكون داعيه الى الإمساك قتل الآخر، و ايضا استدل في التذكرة على حرمة بيع السلاح من أعداء الدين بان في البيع اعانة على الظلم أى على ظلمهم على أهل الدين، مع أن البائع لم يقصد من بيعه ذلك. و استدل المحقق الثاني على حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله بان بيعه منه اعانة على الإثم، مع ان غرض البائع من بيعه منه ليس شرب المشترى. و يظهر عدم اعتبار القصد ايضا من بعض الاخبار كما ورد في أكل الطين (من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه) مع أن داعي الإنسان إلى أكله لا يكون موته، و من هذا القبيل بعض الاخبار الواردة في أعوان الظلمة.

(أقول): لا ينبغي الارتياب في أنه يعتبر في صدق عنوان الإعانة على الحرام على عمل المكلف و إتيانه بالمقدمة صدور الحرام من الغير، و الا فيكون الإتيان بها مع اعتقاده حصول الحرام تجريا، و كيف يكون اعانة للغير على الحرام، مع أن الغير لم يفعل الحرام على الفرض. نعم في

كون التجري موجبا لاستحقاق العقاب كالعصيان كلام آخر. و أما اعتبار القصد في صدق الإعانة على الحرام على فعل المقدمة، فإن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 93

[إعانة الغير على المحرم]

و قال المحقق الأردبيلي في آيات أحكامه (1)

______________________________

أريد الإتيان بالمقدمة لتوصل الغير بها الى الحرام، فهذا غير معتبر قطعا، بل يكفي في صدقها إحراز أن الغير يتوصل بها الى الحرام.

و الحاصل أن عنوان الإعانة على الإثم لا يزيد على سائر الأفعال التي يعتبر في صدقها أو تعلق الحكم بها التعمد، كما إذا علم المكلف في نهار شهر رمضان أنه لو ذهب الى المكان الفلاني يصب الماء في حلقه، و أنه لو القى نفسه من الشاهق لارتمس في الماء يكون أكله أو ارتماسه تعمديا و مفطرا للصوم.

(1) ذكر المحقق الأردبيلي في كتابه (آيات الأحكام) أنه لا يعتبر في صدق الإعانة على الحرام على فعل شخص خصوص القصد أى كون داعيه الى ذلك الفعل وصول الغير الى الحرام، بل ربما تصدق عرفا بدون ذلك القصد، كما في إعطاء العصا للظالم فيما إذا أراد ضرب المظلوم، و لكن لا يصدق العنوان المزبور على تجارة التاجر فيما إذا علم بان العشار سوف يأخذ منه العشور، و لا على الحاج فيما إذا علم أنه يأخذ منه الظالم المال في الطريق و نحو ذلك، كما لا يصدق على بيع العنب ممن يعلم انه يصنعه خمرا أو الخشب ممن يصنعه آلة قمار، و لذا ورد في الروايات الصحيحة جواز ذلك.

و أورد عليه المصنف (ره) بأنه لا فرق في صدق الإعانة على الحرام بين إعطاء العصا للظالم مع إرادته ضرب المظلوم، و بين بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا أو بيع

الخشب ممن يصنعه آلة القمار، حيث أن في كل منهما يحصل بفعل المكلف أمر يمكن للغير صرفه في الحرام أو الحلال، مع علم المكلف بصرف ذلك الغير في خصوص الحرام، فدعوى الفرق بين إعطاء العصا في الفرض و بين بيع الخشب أو العنب ممنوعة. نعم فرق بينهما و بين مسألة تجارة التاجر أو مسير الحاج في صدق الإعانة على الأولين دون الأخيرة، و ذلك فإن داعي المكلف في الأولين إلى فعله هو تمكين الغير و الإتيان بأمر له، بخلاف تجارة التاجر، فان داعيه الى تجارته كسب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 94

فإذا بنينا على أن شرط الحرام حرام مع فعله توصلا الى الحرام (1)

______________________________

المال لنفسه لا للعشار. نعم يعلم بأنه يأخذ من ذلك المال ظلما. و بعبارة أخرى لا يكون في مثال التجارة أو السفر للحج غرض المكلف الى الفعل وصول الغير الى الحرام، و لا وصول الغير الى ما هي مقدمة لذلك الحرام، بخلاف الأولين فإن الداعي فيهما أي الغاية وصول ذلك الغير الى مقدمة الحرام كما لا يخفى.

(1) غرضه من هذا الكلام توجيه صدق الإعانة على الحرام على فعل البائع و بيعه المبيع ممن يصرفه في الحرام حتى فيما لو قيل في صدق الإعانة على بيعه باعتبار القصد اى كون الداعي الى بيعه وصول المشترى الى الحرام. و حاصل التوجيه أن تملك المشترى العنب مثلا بقصد تخميره في نفسه حرام، كما أن تخميره حرام آخر، و كذا شربه، فيكون بيع البائع لغرض تملك المشترى العنب إعانة للمشتري على شرائه المحرم. نعم لو لم يكن المشترى حال الشراء قاصدا تخميره، و لكن علم البائع بأنه يبدو له ذلك، و أنه

سوف يريد تخميره لا يكون بيع العنب منه اعانة على الشراء المحرم، لعدم حرمة الشراء في الفرض. و من هذا القبيل شراء الفساق الطعام، فإنهم لا يريدون حين شرائه التقوى به على الحرام و الفسق، بل يريدون الفسق و الفجور بعد تملكهم أو تناولهم ذلك الطعام، فلا يكون بيعه منهم اعانة على الشراء المحرم.

و لكن يرد على هذا التوجيه أنه لا يصح الا فيما إذا دل دليل خاص على حرمة الشراء بقصد التوصل الى الحرام، و لا يبعد قيامه في تملك العنب بقصد تخميره، حيث يقتضيه فحوى لعن غارس الخمر. و أما في غيره كشراء الخشب بقصد صنعه آلة القمار مثلا فليس في الشراء إلا التجري، و التجري يكون بقصد صنع آلة القمار.

و من الظاهر أن بيع البائع ليست إعانة للمشتري على تجريه اى قصده صنع آلة القمار.

(لا يقال) نفس الشراء و إن لم يكن تجريا إلا أنه مقدمة للتجري فيكون محرما باعتبار كونه مقدمة له، و يكون بيع البائع اعانة على ذلك الشراء المحرم المفروض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 95

فافهم (1) إلا أن يريد الفحوى (2) ثم انه يمكن التقصير (3)

______________________________

كونه مقدمة للتجري (فإنه يقال) إنما تكون مقدمة الحرام محرمة فيما إذا قصد الفاعل التوصل بها الى الحرام. و فيما نحن فيه لا يمكن للمشتري قصد التوصل بالشراء إلى تجربة، حيث أن لازم ذلك أن يكون تجريه أى قصده صنع آلة القمار مثلا ناشئا عن قصد آخر، و هذا يستلزم التسلسل كما هو المقرر في محله.

(1) لعله إشارة إلى أنه لو كان التجري بإرادة فرضا لما كان نفس الشراء محرما أيضا لأن متعلق الحرمة على الفرض هو الشراء مقيدا

بقصد التوصل إلى التجري، لا نفس الشراء مطلقا. و التجري ليس بمحرم، شرعا حتى تكون مقدمته محرمة، بل غاية الأمر كونه موجبا لاستحقاق الذم و العقاب، كما لا يخفى.

(2) لم يظهر وجه الفحوى، فإن حرمة الإعانة على قتل مسلم أو الإضرار به لا يلازم وجوب إنقاذ حياته أو دفع الضرر عنه، و بذل الطعام في المثال إنقاذ للحياة، فتركه يكون تركا للانقاذ، لا اعانة على الهلاك.

(3) و هذا بيان ضابط آخر لصدق عنوان الإعانة على الحرام، و حاصله: أنه إذا لم يكن داعي المكلف الى فعله- بيعا كان أو غيره- توصل الغير به الى الحرام، بل كان داعيه الى فعله تحقيق نفس ما هي مقدمة للحرام الذي يعلم بإرادة الغير إياه، كما إذا كان غرضه من بيعه تملك المشترى الخشب أو العنب، و لكن مع علمه بأنه سوف يعمل أو يصنع خمرا أو آلة القمار، ففي مثل هذا المورد مع عد الفائدة المترتبة على تلك المقدمة الأمر المحرم فقط اى المحرم الذي يريده الغير، كما في إعطاء السوط أو السيف للظالم الذي يريد ضرب الآخر أو قتله يكون الإتيان بالمقدمة إعانة للغير على المحرم، فلا يجوز. و أما إذا لم تكن الفائدة المترتبة على تلك المقدمة منحصرة بالحرام عرفا حتى حال الإتيان بها، فلا يكون مجرد الإتيان بها حتى مع العلم بأن الغير يستفيد منها الحرام داخلا في عنوان الإعانة على الإثم نعم. لو كان داعيه إليها توصل الغير بها الى المحرم لدخل في العنوان المزبور بلا كلام.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 96

..........

______________________________

و الحاصل أنه لو أحرز في مورد أن الفائدة المترتبة على المقدمة منحصرة بالحرام عرفا كان الإتيان بها محرما

باعتبار كونها إعانة على الإثم، و كذا ما إذا كان داعي الفاعل توصل الغير بها الى المحرم، و الا فلا موجب للحكم بحرمة المقدمة لعدم إحراز كونها إعانة على الإثم.

(أقول) لعل هذا الكلام عين ما تقدم عن الأردبيلي (قدس سره) فلا وجه لعده تفصيلا آخر كما لا يخفى. و الصحيح في المقام أن يقال: إن إعانة الغير على عمله عبارة عن تقليل الكلفة عنه في ذلك العمل بتهيئة مقدمته، فلا يكون الإتيان بالشي ء إعانة له على ذلك العمل فيما إذا لم يكن تقليل الكلفة عنه، كما في تجارة التاجر أو مسير الحاج، فان هذا لا يكون تقليل كلفة الظلم الصادر من العشار أو الظالم، بل فيهما تكثير لكلفته كما لا يخفى، و كذا لا تحصل الإعانة فيما إذا كان العمل الصادر عن الغير متوقفا عليه عقلا، و لكن لا يحسب ذلك الشي ء مقدمة لذلك العمل، كما في بيع الطعام و نحوه لأهل المعاصي، فإن المعصية الصادرة عن الفاسق تتوقف عقلا على قوة جسمه و سلامة بدنه، إلا أن بيع الطعام منه أو إعطاءه له مجانا لا يحسب عرفا مقدمة لفسقه، و لذا يكون الفاسق بصدد تحصيل مثل الطعام حتى فيما إذا ندم و بنى على ترك فسقه. و هذا بخلاف ما إذا عد الشي ء عرفا من مقدمات العمل الصادر عن الغير بحيث يكون في تحقيقها تقليل لكلفة ذلك العمل عنه كما في إعطاء العنب للخمار مجانا أو بعوض، حيث أن التخمير يتوقف عرفا على تحصيل العنب، و في بيعه منه تقليل لكلفة طلبه، و كما إعطاء السيف أو السوط للظالم مجانا أو بعوض، فان فيه تقليلا لكلفة تحصيلهما عنه.

ثم انه لا يكون صدق الإعانة على

الإثم على فعل المقدمة موقوفا على كون الداعي إلى فعلها توصل الغير بها الى ذلك الإثم، بل لا يعتبر العلم ايضا بتوصل الغير بها اليه، و لو احتمل توصله فمع تحقق الحرام من الغير يحصل عنوان الإعانة بفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 97

و يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشي ء ممن يعلم انه يصرف المبيع في الحرام بان دفع المنكر كرفعه واجب (1)

______________________________

المقدمة. نعم ما دام لم يحرز هذا التوصل بوجه معتبر يكون المكلف معذورا في تحقيق تلك المقدمة كسائر الموارد التي لا يحرز فيها عنوان الحرام بالشبهة الخارجية.

و مما ذكرنا ظهر أن بيع البائع العنب ممن يعمله خمرا أو الخشب ممن يصنعه آلة القمار اعانة للتخمير أو صنعة الحرام، و لو فرض الدليل على حرمة الإعانة على الإثم و العدوان تكون دلالته على حرمة الإعانة فيما إذا لم يكن الإثم ظلما على الغير نفسا أو عرضا أو مالا بالإطلاق، فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بمثل الأخبار المتقدمة الظاهرة في عدم البأس بالإعانة في مثل بيع العنب مما لم يكن الفعل الصادر عن الغير ظلما على الغير، حيث أن الخطاب المزبور لا يزيد على سائر المطلقات التي يرفع اليد عنها بالمقيدات.

(1) حاصل الاستدلال أن دفع المنكر اى الفعل الحرام الصادر عن الغير كرفعه واجب على المكلفين، و المراد برفعه قطع استمراره فيما كان له استمرار، كما إذا جعل حمام بيته بحيث يصيب غسالته في ملك الغير، و المراد بالدفع الممانعة عن أصل صدوره و الحاصل أنه إذا كان الصادر عن الغير عملا محرما يجب على السائرين منعه بقطع استمراره أو الممانعة عن صدوره، و بما أن هذا التكليف كسائر التكاليف لا

يتعلق بغير المقدور، فيكون الواجب هو المنع المقدور. و على ذلك، فلو كان المشترى المريد تخمير العنب حال شرائه بحيث لا يجد العنب على تقدير عدم بيع هذا البائع، ففي الفرض يكون البائع المزبور متمكنا على منعه عن التخمير بترك بيعه منه، فيجب. و أما لو كان بحيث لو لم يبع منه العنب لحصله من مصدر آخر و يحصل منه التخمير لا محالة، فلا يكون ترك البائع البيع منه منعا للمشتري عن التخمير حتى يجب.

(لا يقال) أنه لا فرق- على ذلك- في عدم جواز بيع العنب من المشترى بين كونه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 98

..........

______________________________

مريدا للتخمير حال الشراء أو بدا له التخمير بعد شرائه، و كما لا يجوز البيع في الأول كذلك في الثاني، (فإنه يقال) لا يجب المنع عن المنكر في الثاني، بل إنما يجب فيما إذا كان الغير مريدا له حال المنع. و أما الذي سيهم بالمنكر بعد ذلك فلا دليل على وجوب تعجيزه فعلا، حتى لا يقصد المعصية بعد ذلك، حيث أن الدليل النقلي على وجوب منع الغير عن المنكر لا يدل على أزيد من ذلك، و العقل القاضي بوجوب اللطف يحكم بلزوم فعل ما يوجب قرب العباد الى اللّه سبحانه. و مما يوجب قربهم امتناعهم عن المنكر و لا يستقل على أزيد مما ذكر.

(لا يقال) كما يحرم على البائع بيع العنب من المشترى المزبور كذلك يحرم بيعه منه على سائر الباعة فلا يصح في حكم العقل ارتكاب البائع المزبور الحرام و بيعه العنب منه معتذرا بأنه لو لم يبعه لباعه الآخر (فإنه يقال) ان هذا الكلام أى عدم صحة الاعتذار إنما يجرى فيما إذا كان العمل

الواحد حراما على كل واحد من المكلفين مستقلا، و المراد بالعمل الواحد إخراج طبيعي الفعل عن العدم المعبر عنه بصرف الوجود، (مثلا) لا يصح لمكلف هدم مسجد اعتذارا، بأنه لو لم يهدمه لهدمه الآخرون. و أما إذا كان التكليف وجوبيا و متعلقا بإخراج الفعل الى الوجود، و كان الفعل بحيث لا يحصل خارجا بفعل مكلف واحد أو تركه، بل يحصل باجتماع جميعهم على الفعل أو الترك، كما إذا وجب حمل ثقيل من مكان الى آخر، و كان الحمل موقوفا على اجتماع اثنين أو أكثر على رفعه، ففي هذه الصورة لا يجب على المكلف إلا الرفع المقدور، و الرفع المقدور له هو الرفع الضمني لا الاستقلالي، و إذا فرض عدم شركة آخر في رفعه لما وجب عليه رفعه، لان رفعه في هذا الفرض غير مقدور له، و الوجوب لا يتعلق بغير المقدور. و الأمر في المقام كذلك، فان التكليف- و هو وجوب منع الخمار عن المنكر- يحصل باجتماع جميع باعة العنب على ترك بيعه منه.

و بعبارة أخرى المقدور من المنع لهذا البائع هو ترك بيع العنب منه عند ترك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 99

..........

______________________________

السائرين بيعه منه، و على ذلك فيجوز له البيع مع إحرازه أنه لو لم يبعه لباعه الآخر، و الوجه في الجواز عدم كون بيعه في الفرض مخالفة لوجوب المنع عن المنكر.

و لو شك في قيام السائرين بالمنع بتركهم البيع منه كان مرجع الشك الى كونه متمكنا فعلا على منع ذلك المشترى عن المنكر أولا، فإن قلنا بان مورد الشك في القدرة على الواجب- كما ادعى- داخل في قاعدة الاحتياط، فلا يجوز للمكلف البيع منه. و أما لو قلنا

بأنه من موارد الشك في التكليف، و أنه تجري فيه أدلة البراءة إلا مع إحراز القدرة بوجه معتبر، و لو كان ذلك الوجه المعتبر هو الاستصحاب كان المورد من موارد البراءة. و الظاهر من أول كلام المصنف (ره) جعله من موارد الرجوع الى البراءة، حيث قال: (ثم إن هذا الاستدلال يحسن مع علم البائع بأنه لو لم يبعه لم يحصل المنكر) كما أن ظاهر آخر كلامه جعله من موارد الاحتياط، حيث قال: (فان علم أو ظن أو احتمل قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا).

(أقول): لا بأس بالالتزام بدلالة الكتاب المجيد على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و الدعوة الى فعل الخير اى فعل المعروف و ترك المنكر كفاية، قال عز من قائل وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ. «1» حيث أن ظاهر الأمر الوجوب و التعبير عن القائمين بالعمل بعدة من المسلمين لا يناسب الوجوب العيني، بل ظاهره الوجوب الكفائي، و يشمل الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و الدعوة الى الخير صورة علم المدعوين بالحكم الشرعي و عدم قيامهم بالعمل، فلا تختص الآية بوجوب تبليغ الأحكام الشرعية إلى الجاهلين بها، بل تعم المسألة المعروفة بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر.

و الحاصل أن وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و الدعوة الى الخير كوجوب تبليغ أحكام الشريعة الى الجاهلين بها كفائي، و يكون المقدار الواجب في الأمر و النهى هو المقدار المتعارف الواجب في تبليغ الأحكام، فلا يجب الفحص

______________________________

(1) سورة آل عمران (3) الاية (104)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 100

..........

______________________________

عن تعيين الفاسق و تارك الخير حتى يأمره بالمعروف

و ينهاه عن المنكر بخصوصه.

و يدل على وجوب ما ذكرنا الروايات، نعم بعضها باعتبار ضعفها سندا أو دلالة لا تصلح للاستدلال بها، و لا تصح دعوى استقلال العقل بوجوب النهى. و ما ذكره المصنف (ره) من حكمه بلزوم اللطف لا نفهمه، فإنه يكفي في إتمام الحجة على العباد تبليغ الأحكام إليهم و إعلامهم بما أوعد اللّه به الطغاة و العصاة.

هذا بالنسبة إلى المنع القولي و أما المنع الخارجي في مقابل المنع الإنشائي و القولي، فلا دليل على وجوبه لا عقلا و لا نقلا، إلا أنه ربما يقال باستفادة وجوبه من فحوى دليل النهى عن المنكر، بدعوى كون ملاك وجوب النهى عن سد طريق الفساد و المنع عن حصوله خارجا، و فيه انه لا يمكننا استفادة وجوبه فيما إذا كان المنع المزبور ملازما أو موقوفا على ارتكاب عمل لا يجوز ذلك العمل بمقتضى سائر الأدلة الشرعية، كما إذا كان منع شخص عن الإفطار في نهار شهر رمضان موقوفا على دخول بيته بدون اذنه و رضاه، أو موقوفا على ترك بعض الصناعات الواجبة و لو بنحو الكفاية، كما إذا كان المنع المزبور موقوفا على ترك بيع الطعام من جميع الناس أو غير ذلك، بل يمكن أن يقال بعدم وجوب المنع مطلقا، حيث لم يظهر من أدلة النهي عن المنكر أن تمام ملاك وجوبه دفع الفساد حتى يمكن التعدي، كما يقال بأنه لم يظهر من دليل اعتبار خبر العدل أن تمام ملاك اعتباره هو الظن الحاصل منه حتى يوجب ذلك الالتزام باعتبار سائر الظنون.

نعم بعض الأمور الفاسدة و المنكرات التي نعلم بعدم رضا الشارع بحصولها خارجا بأي حال حتى فيما إذا حصل الفساد من غير المكلف كرواج القمار

و شرب الخمور علنا و قتل النفوس و نهب الأموال و سائر أنواع الفساد مما يختل به نظام اجتماع المسلمين، فيجب منعها قولا و عملا، و فيما إذا كان منعها موقوفا على ارتكاب أمر لا يجوز ذلك الأمر بمقتضى الأدلة الشرعية يكون المقام من المتزاحمين،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 101

لتعلق النهى بما هو خارج عن المعاملة (1) و يحتمل الفساد لإشعار قوله (ع) في رواية تحف العقول (2)

______________________________

فيجب فيهما رعاية الأهم أو محتمل الأهمية.

ثم إنه على القول بوجوب النهى عن المنكر فيما إذا لم يتوقف على ارتكاب الحرام، لا فرق في وجوبه بين من يهم بالمعصية حال المنع، و بين من يهم بها بعد ذلك، حيث أن مقتضى الآية المباركة وجوب النهى عن المنكر في كلتا الصورتين، و يستفاد وجوب المنع عنه فيهما من فحواها، نعم الرواية التي أشار إليها المصنف (ره) من قوله (ع): (لو لا أن بنى أمية وجدوا من يجبى لهم الصدقات و يشهد جماعتهم ما سلبوا حقنا) لا دلالة فيها على ذلك. حيث أن كون الشخص من أعوان الظلمة في نفسه من المحرمات حتى فيما إذا لم يعد من أعوانه في ظلمة، بل في سائر أموره، فهي ناظرة الى ذلك لا الى عدم جواز العمل فيما يكون سببا لإرادة الغير المعصية بعد ذلك.

(1) لا يخفى أن النهى عن معاملة بمعنى تحريمها تكليفا لا يقتضي فسادها حتى فيما إذا تعلق النهى بنفس المعاملة، كما ذكرنا ذلك في شراء العنب بقصد تخميره أو بيعه بداعي تخمير المشترى، و لا يختص بما كان بعنوان آخر كعنوان الإعانة على الإثم أو عنوان المسامحة في المنع عن المنكر. و الوجه في عدم

اقتضائه مطلقا هو أن النهى عن المعاملة منع عن إيجادها، و صحتها بعد إيجادها أي إمضاؤها أمر آخر لا ينافي النهي عن الإيجاد.

(2) لعل مراده أن المذكور في حديث تحف العقول من ملاك فساد البيع و أن لم يعم المقام، إلا أنه لا يخلو عن الإشعار اليه (بيان ذلك): أن المراد بحرمة البيع في الحديث المزبور فساده كما هو ظاهر تحريم المعاملة، و المذكور فيه من ملاك فساده كون المبيع منهيا عنه في خطاب الشرع، كتحريم الميتة و الدم و نحوهما.

و بعبارة أخرى لا تتعلق الحرمة ثبوتا بغير الفعل، و لكن الملاك في فساد بيع الشي ء ليس مجرد حرمة الفعل و الانتفاع، بل تعلق الحرمة في الخطاب بنفس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 102

..........

______________________________

ذلك الشي ء حتى يفيد حرمة جميع منافعه أو خصوص المقصودة منه، و وجه دلالة الحديث على هذا الملاك، هو أن المراد بالضمير في قوله فهو حرام محرم بيعه و شراؤه هي العين، إذ البيع لا يتعلق بغيرها، و يكون رجوعه- الى (كل منهي عنه) في قوله:

(و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير اللّه أو يقوى به الشرك أو الكفر من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق)- قرينه على المراد من المرجع.

و الحاصل أن هذا الملاك لا ينطبق على العنب حيث لم يتعلق به النهي في خطاب، بل المنهي عنه بيعه أو شراؤه بقصد تخميره. نعم الحديث لا يخلو عن إشعار إلى كون النهى عن الشي ء موجبا لفساد بيعه لحرمة الانتفاع معه، و هذا الأمر موجود في المقام ايضا، حيث ان الانتفاع من العنب بالتخمير أو شراءه أو بيعه بداعيه حرام، بل يجري في مورد قصد

المشترى التخمير، و كان بيع البائع منه لجهله بالحال و عدم علمه بأن المشتري يعمله خمرا، حيث أن شراء المشترى باعتبار كونه انتفاعا محرما من العنب حرام، فيفسد، و بما أن البيع لا يتبعض بأن يصح من طرف البائع و يبطل من طرف المشترى فيحكم بفساده من الطرفين.

و مما ذكر يظهر أن المذكور في الحديث من ملاك فساد البيع لا يعم المقام حتى لو قيل بوجود فقرة أخرى في الحديث، كما في النسخة المطبوعة من تحف العقول الموجودة في أيدينا، و هي قوله: (أو باب من الأبواب يقوى به باب من الضلالة أو باب من أبواب الباطل) و وجه الظهور أنه سلمنا كون المراد بالباطل مطلق الانتفاع المحرم فرضا، إلا أنه ليس مجرد حرمة الانتفاع ملاكا، لفساد البيع، بل الملاك تعلق النهى بنفس العين، و العنب لم يتعلق به النهي في خطاب.

هذا مع أن وجود فقرة في مثل تحف العقول المطبوع لا يوجب الاعتماد عليها، بل لا بد من إحراز وجود تلك الجملة في رواية حسن بن شعبة الواصلة إلينا بطريق معتبر كما لا يخفى (لا يقال): لا يمكن الحكم في المقام بصحة البيع حتى مع فرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 103

[الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا]
اشارة

الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا (1)

[بيع السلاح لأعداء الدين]

______________________________

كونه محرما بعنوان الإعانة على الإثم أو المسامحة في دفع المنكر. و الوجه في ذلك أن عنوان الإعانة إنما يتم بتسليم العنب مثلا إلى المشترى، و إذا كان التسليم محرما، فلا يتم البيع، حيث لا يعمه قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بل و لا قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ باعتبار أن من شرط البيع التمكن من تسليم المبيع.

(فإنه يقال) غاية الأمر أن لا يعمه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ قبل الإقباض، و أما بعده و لو عصيانا فلا مانع من شمولهما له، فتكون النتيجة أن إقباض المبيع شرط لتمام البيع، نظير تمام بيع السلم بقبض الثمن (و بعبارة أخرى) البيع قبل الإقباض أو مع الإقباض محرم بعنوان الإعانة على الإثم أو المسامحة في دفع المنكر، و بهذا الاعتبار لا تعمه أدلة الإمضاء و دليل وجوب الوفاء بالعقود، و لكن تعمه بعد ذلك.

و إن شئت قلت إن المقام نظير ما خرج عن العام أو المطلق فرد من الأول، و دار أمره بين الخروج إلى الأبد أو في الزمان الأول فقط، حيث يرجع فيه الى العام و المطلق بالإضافة الى ما بعد ذلك الزمان، كما يذكر مثل ذلك فيما إذا باع الراهن الرهن ثم فكه. و مما ذكرنا يظهر أنه لا مانع من صحة البيع من الأول فيما إذا كان البيع بالمعاطاة أى بإقباض المبيع، و وجه الظهور هو أن النهى عن إيجاده بذلك الإقباض لا ينافي إمضاءه بعد حصوله.

(1) أى يحرم الاكتساب بالعين و بيعها باعتبار أن تلك العين قابلة لاستعمالها في الحرام، و من الظاهر أن مجرد قابلية المبيع لاستعماله في الحرام لا يوجب عدم جواز بيعه تكليفا

أو وضعا، لان غالب الأموال يمكن استفادة الحرام منها. بل لا بد- في الالتزام بعدم جواز البيع فيما يكون من هذا القبيل- من إقامة دليل على المنع، كما في بيع السلاح من أعداء الدين، حيث يكون عدم الجواز فيه باعتبار الدليل عليه.

و يقع الكلام في أن المحرم هل هو البيع حال حربهم مع المسلمين فقط أو مطلقا؟

المشهور على الأول، و المحكي عن الشهيد في حواشيه على القواعد هو الثاني، و هذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 104

[بيع السلاح من الكفار]

و صريح الروايتين اختصاص الحكم بصورة قيام الحرب (1)

______________________________

هو الأظهر كما يظهر وجهه فيما بعد.

ثم إن ما ذكرنا من أن مجرد قابلية المبيع للانتفاع المحرم لا يوجب عدم جواز بيعه فيما إذا لم يعلم البائع باستعمال المشترى العين المزبورة في الحرام، و لم يكن قصده و داعيه الى بيعها استعمال المشترى و انتفاعه المحرم، و إلا لدخل البيع في عنوان الإعانة على الإثم أو يكون قسما من التجري كما لا يخفى.

(1) لا يخفى أنه ليس بيع السلاح و نحوه من الكفار من مدلول الروايتين، بل مدلولهما البيع من المخالفين، و قد حكم فيهما بالجواز باعتبار الهدنة في البين، كزمان رسول اللّه (ص)، و لان اللّه يدفع بالمتربعين على كراسي الحكم و المسلطين على رقاب المسلمين شر الكفار عن المؤمنين. و أما الرواية الناظرة الى بيع السلاح و نحوه من الكفار فمقتضى إطلاقها عدم الجواز، حتى في حال غير الحرب، كصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (ع) قال: «سألته عن حمل المسلمين الى المشركين التجارة؟ قال إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس» «1» فإن مفهومها عدم جواز حمل السلاح إليهم حتى في غير حال

الحرب، بل لا يبعد كونها ناظرة إلى خصوص هذا الحال فان تقويتهم حال حربهم مع المسلمين و لو بإرسال مثل الطعام إليهم غير جائز لا يظن بمثل على بن جعفر السؤال عنه. و أما مكاتبة أبي القاسم الصيقل، قال: «كتبت إليه إني رجل صيقل اشترى السيوف و أبيعها من السلطان أ جائز لي بيعها؟ فكتب لا بأس به» «2» فالمراد فيها البيع من السلطان المخالف، فلا يكون مورد الكلام، مع أنه لاضمارها و جهالة حال كاتبها لا يمكن الاعتماد عليها، فالأظهر في المقام ما ذكره الشهيد (ره) في حواشيه، و لا يكون ذلك من قبيل الاجتهاد في مقابل النص. و مراده من تقويتهم إعلاء شوكتهم و تأييد القدرة القتالية فيهم، و لا يعم مثل بيع الطعام منهم،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (8) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (8) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 105

مع إمكان دعوى ظهور بعضها في ذلك (1) مثل مكاتبة الصيقل (2) كالمجن (3) فالمقصود من بيع ما يكن منهما (4)

______________________________

فان بيع مثله لا يوجب شوكة و عزة لهم و لا تقوية لهم في جهة قتالهم المحتمل مع المسلمين. نعم في حالة الحرب لا يجوز بيع الطعام ايضا. و قد ذكرنا انصراف الصحيحة الى غير حال الحرب، فلا يكون عدم تقييد نفى البأس عن حمل غير السلاح منافيا لحرمة تأييدهم حال الحرب.

(1) أى مع إمكان دعوى ظهور بعض تلك المطلقات في الاختصاص.

(2) مثال للمطلقات جوازا و منعا.

(3) بكسر الميم صفحة من فولاد يتحفظ بها عن الإصابة في القتال و يعبر عنه في لغة الفرس

ب (سپر) و الدرع منسوج مثل القميص و يتحفظ بلبسه في القتال على الجسد، و المغفر ينسج للتحفظ بلبسه في القتال على الرأس، و سائر ما يكن أي سائر ما يستتر به عند القتال.

ثم إن المنع عن بيع السلاح من الكفار كما ذكرنا باعتبار عدم إعلاء كلمتهم و زيادة شوكتهم و تأييد القدرة القتالية فيهم يعم بيع مثل الدرع مما لا يكون سلاحا، و لكن يستعمل في القتال كالسلاح، كما انه لا ينافي ما ذكر جواز بيع السلاح من الكفار، بل وجوبه فيما إذا طرأ عنوان آخر، كما إذا توقف الدفع عن حوزة الإسلام على ذلك البيع، فيما إذا هاجم عدو مشترك بلاد المسلمين و اعطى المسلمون السلاح للكفار ليشاركوا المسلمين في دفع ذلك العدو. و بعبارة أخرى بيع السلاح في الفرض مقدمة لواجب أهم و هو الدفاع عن حوزة الإسلام و بلاد المسلمين، و مثل صحيحة على بن جعفر المتقدمة غير ناظرة الى ذلك فلاحظ.

(4) يعنى المقصود من بيع ما يكن للفئتين تحفظ كل من الفئتين عن صاحبه و تترسه أى تحفظه بما يتحفظ به.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 106

ثم إن النهى في هذه الاخبار (1)

______________________________

(1) بيان ذلك أن النهى- عن حمل السلاح الى المشركين أو مثل أهل الشام عند مباينتهم لأهل الإيمان بمناسبة الحكم و الموضوع نظير النهى عن البيع عند النداء- حكم تكليفي حيث انه كما أن المفهوم من النهى عن البيع عند النداء هو التحفظ على صلاة الجمعة و إقامتها، فكذلك النهى عن حمل السلاح و بيعه منهم باعتبار أن لا تكون كلمتهم العليا و شوكتهم قصوى أو يفكروا في الهجوم على المسلمين أو محو شوكة المؤمنين،

و لذا لا حرمة فيما إذا لم يكن الأمر كذلك، كما إذا كانت طائفتان من الكفار متحاربتين و أعطاهما المسلمون سلاحا ليبيد كل منهما الآخر، حتى يبقى العزة و الشوكة للمسلمين.

(لا يقال) قد ورد في صحيحة محمد بن قيس عدم جواز ذلك، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل نبيعهما السلاح؟ فقال: بعهما ما يكنهما الدرع و الخفين و نحو هذا» «1» (فإنه يقال) المنع في الصورة التي ذكرناها غير محتمل لعدم الحرمة للطرفين، و هذه الصحيحة لا بد من حملها- كما ذكر المصنف (ره)- على طائفتين يكون كل منهما باعتبار كونهما من أهل الجزية و نحوها محقونة الدم، و بيع السلاح منهما مع كونهما في حالة حرب إعانة على ظلم كل منهما الآخر، فلا يجوز، بخلاف بيع مثل الدرع مما يتحفظ به كل منهما على نفسه من جور الآخر.

و الحاصل أن النهى عن حمل السلاح الى المشركين أو المخالفين في مورد ثبوته تكليفي ملاكه تقوية الكفر و الشرك و الباطل، و هذا القسم من النهى عن المعاملة لا يقتضي فسادها، لما تقدم من انه لا منافاة بين المنع عن إيجادها و إمضائها على تقدير حصولها حتى لو قيل بأن التقوية تحصل بتسليم المبيع الى المشركين أو سائر أهل الباطل، فإن غاية ذلك أن لا يكون البيع المزبور من الأول مشمولا لأدلة الإمضاء، و لكن تشمله بعد حصول التسليم خارجا، نظير ما ذكرنا في بيع العنب ممن يعلم أنه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (8) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 107

[النوع الثالث مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء]

و ليس كالاكتساب بالخمر و الخنزير (1)

______________________________

يعمله خمرا.

هذا

كله في بيع السلاح من الكفار أو أهل الباطل من المخالفين و أما بيعه من مثل قطاع الطريق فمع إحراز البائع استعمال المشترى ذلك السلاح في الاعتداء على الغير فلا يجوز، باعتبار كون البيع إعانة على ظلمه، و مع عدم الإحراز فلا بأس.

و كذا الحال في غير السلاح مما يستعمل في الاعتداء على الناس.

(1) أى أن المنع عن الاكتساب بهذا النوع وضعي فقط، بخلاف الخمر و الخنزير، حيث أن الاكتساب بهما ممنوع تكليفا و وضعا (أقول): المنع التكليفي بالإضافة إلى الخمر صحيح كما هو مقتضى لعن بائعها و مشتريها، و أما الخنزير فلا موجب للالتزام فيه بالتكليف. (و كيف كان) فيقع الكلام في المقام في اعتبار المالية و لكن لا ينبغي الريب فيه، فان تملك العوض بإزائه مع عدم ماليته من أكله بالباطل. و قد تقدم أن عنوان أكل المال بالباطل في الآية المباركة بنفسه موضوع للحكم و متعلق للنهى الوضعي، لا أنه أخذ عنوانا مشيرا الى ما كان متعارفا في زمان الجاهلية من أنحاء التملك بالقهر و القمار و المنابذة و غيرها، و أن كلها فاسدة، إلا التجارة عن تراض.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أنه لا تعتبر المالية في المبيع و منع عن كون أخذ الثمن بإزاء ما لا يكون بمال داخلا في عنوان الأكل بالباطل، و استشهد لعدم اعتبارها بموارد قد استعمل فيها لفظ الشراء مع عدم المالية، كقوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. «1» وَ لَبِئْسَ مٰا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ «2» الى غير ذلك و الحاصل ان المبادلة حتى مع عدم المالية فيها للمبيع داخلة في التجارة عن تراض و في العقود المحكوم عليها بوجوب الوفاء بها.

و فيه ما

لا يخفى فإن إطلاق الشراء أو البيع في مثل تلك الموارد يكون بالادعاء و العناية، كيف؟ و ليس فيها تمليك اعتباري كما هو مقتضى حقيقة البيع و الشراء،

______________________________

(1) سورة التوبة (10) الاية (111)

(2) سورة البقرة (2) الاية (102)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 108

..........

______________________________

فالاستشهاد- بمثل الآيتين على عدم اعتبار المالية في العوضين في موارد التمليك و التملك الاعتبارين كما هو المطلوب في المقام- عجيب. و آية النهي عن أكل المال بالباطل تكون مانعة عن التمسك بأوفوا بالعقود، كما أن قوله عز من قائل إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ لا يشمل موارد الأكل بالباطل، لأن التجارة هو البيع و الشراء بقصد الربح، و قد ذكرت في الآية في مقابل أكل المال بالباطل، فكيف يعم موارده.

و أما الكلام فيما يذكر مثالا لعدم المالية له من السباع و الحشرات فلا ينبغي الريب في أن لبعضها مالية عند العقلاء، و لا يكون غير الأكل في جميع الحيوانات من المنفعة النادرة، حتى لا يكون موجبا لماليتها. و يؤيد ذلك ما ورد في جواز بيع الهرة. نعم ورد في القردة المنع عن بيعها، و لكن باعتبار ضعف سنده لا يصلح لرفع اليد به عن الإطلاق أو العموم في مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «1» و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2».

و ذكر المصنف (ره) عدم المنفعة المقصودة في القرد و يدفعه ان القرد اولى بالمنفعة المقصودة من الهرة، فإنه لا ينحصر فائدتها بحفظ المتاع بل الاستمتاع برؤيتها و التفرج بحركاتها كاف في ثبوت المالية لها كما لا يخفى، بل عن السيد الخوئي طال بقاه عكس ما ذكره حيث قال بعدم المنفعة المقصودة للهرة حتى تكون لها مالية، و الرواية

الدالة على جواز بيعها شاهدة لعدم اعتبار المالية في المبيع، بخلاف القرد فان له منفعة مقصودة محللة و أي منفعة تكون أرقى و أهم من التحفظ على متاع الإنسان و ماله، و فيه ان الهرة القسم الهراش منها كما ذكره من أنه لا منفعة لها، و المعاملة على هذا القسم محكومة بالفساد، فإنها نظير بيع كلب الهراش من أوضح افراد أكل المال بالباطل. و الرواية المزبورة منصرفة عن ذلك، و ما هو محكوم بصحة بيعها هي

______________________________

(1) سورة البقرة (2) الاية (275):

(2) سورة المائدة (5) الاية (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 109

أمكن الحكم بصحة المعاوضة عليها لعمومات التجارة (1) و أخرى إلى قلته (2) و كان عليه مثله ان كان مثليا (3)

______________________________

الهرة التي تؤخذ للتحفظ بها عن الفار، أو للتفرج برؤيتها، و هذا القسم باعتبار ثبوت المنفعة المقصودة فيه يكون مالا.

روى الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن ابان عن محمد بن مسلم و عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت و لا بأس بثمن الهرة» و الرواية صحيحة و روى الكليني (ره) عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن الأصم عن مسمع عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «ان رسول اللّه (ص) نهى عن القردان يشترى و ان يباع» «1» و ضعفها باعتبار سهل و محمد بن الحسن و الأصم.

(1) لا يخفى ان التجارة هو البيع و الشراء بداعي تحصيل الربح و صدقها مع عدم إحراز المالية للشي ء عند العقلاء مشكوك فيه، فلا يمكن فيه التمسك بما دل على

حليتها أو على حل أكل المال بها. نعم لا بأس بالتمسك بأوفوا بالعقود و ما هو من قبيله كما انه لا بأس بإعطاء المال لرفع الآخر يده عن ذلك الشي ء حتى يتملكه المعطى.

(2) و ثالثة إلى كثرته كالماء في شاطئ الفرات و التراب في بعض البلاد.

(3) الوجه في تقييده بالمثلي هو أن غير المثلي يكون ضمانه بالقيمة، فيختص الضمان بمورد يكون للشي ء قيمة. و ألحق في التذكرة المثلي بغيره في عدم الضمان مع قلته، و أورد بعض على هذا الإلحاق بأن لازمه عدم الضمان فيما لو غصب صبرة تدريجا، و لكن الإيراد ضعيف، فإنه يمكن أن يلتزم في المثلي المغصوب تدريجا بما يلتزم به في القيمي المتلف تدريجا، و أنه كما يكون تلف القيمي المزبور أو إتلافه موجبا للضمان بشرط الانضمام اليه من سائر الاجزاء ما يكون مجموع التالف

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (37) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 110

..........

______________________________

مالا، بخلاف ما إذا لم ينضم، فكذلك المثلي المتلف تدريجا، و هذا لا يقتضي الضمان مع عدم الانضمام كما لا يخفى.

و عن السيد الخوئي طال بقاه ثبوت الضمان، بلا فرق بين كون الشي ء مثليا أو قيميا، غاية الأمر يكون فراغ الذمة بأداء المثل فيما كان مثليا، و في القيمي يكون الاشتغال باقيا الى يوم القيمة إلا بالتراضي مع المالك، و ذكر في وجه أن عموم على اليد يقتضي كون الشي ء في عهدة المكلف بمجرد الاستيلاء عليه فإنه لم يؤخذ في حديثه عنوان المال، فيعم كلا القسمين: و يكون أداء المثلي بأداء المثل، فتفرع به العهدة، بخلاف القيمي المفروض أنه لقلته لا قيمة له، فيبقى

في عهدته الى أن يرضى مالكه.

و هذا بالإضافة إلى ضمان التلف في اليد. و أما ضمان الإتلاف فالأمر فيه ايضا كذلك، لأن ضمان الإتلاف يستفاد من حديث على اليد بالفحوى.

(أقول): الصحيح عدم الضمان في المقام، فان حديث على اليد ضعيف، و حديث من أتلف بإطلاقه موهوم. نعم الضمان في موردي التلف في اليد و الإتلاف مستفاد من سيرة العقلاء. و النص في بعض مواردهما، و لم تحرز سيرتهم عليه فيما إذا لم يكن الشي ء لقلته مالا إلا في مورد الانضمام إلى سائر الاجزاء، من غير فرق بين المثلي و القيمي.

ثم إنه لا ينبغي الريب في عدم جواز التصرف في ملك الغير بلا رضاه حتى فيما إذا لم يكن مالا لقلته، و يكفي في ذلك ما دل على تحريم الظلم و التعدي. و أما إذا لم يكن مالا لخسته، فهل يجوز التصرف فيما يكون عليه يد الغير بلا رضاه؟ أشار إليه المصنف (ره) بقوله: (ثم إن منع حق الاختصاص.) و لكن الحديث المزبور ضعيف، و السيرة- على كون السابق أحق بمعنى ثبوت حق الاختصاص في الشي ء غير القابل للملك باعتبار عدم المنفعة له و ان كانت نادرة- ممنوعة، و مع فرض المنفعة له و ان كانت نادرة غير مقصودة للعقلاء يدخل في الملك كما تقدم سابقا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 111

[النوع الرابع مما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]
اشارة

النوع الرابع مما يحرم الاكتساب به (1)

[تدليس الماشطة]

و يظهر من بعض الاخبار المنع (2)

______________________________

(1) حرمة الاكتساب في الأعيان تكليفا لا تلازم فساد المعاملة عليها، بل ربما كانت المعاملة على العين محرمة تكليفا مع صحتها وضعا، كما في موارد انطباق العنوان المحرم عليها، و لكن الاكتساب بالأعمال لا يكون كذلك، فإن حرمة فعل تلازم الحكم بفساد المعاملة عليه. و ذلك فان مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا يمكن أن يعم المعاملة المزبورة، حيث أن الوفاء بها يكون بتسليم العمل أى الفعل. و المفروض منع الشارع عنه، و مع عدم شمول مثله لها، لا يمكن إثبات صحتها، بل يكون أخذ الأجرة على ذلك العمل من أكل المال بالباطل.

(2) لا يخفى أن الاخبار الواردة في المنع كلها ضعيفة سندا غير صالحة للاعتماد، و مع الغض عن ذلك فالممنوع عنه فيها من فعل الماشطة أمور: مسح الوجه بالخرقة، و الوصل، و النمص، و الوشم، و الوشر. و مقتضى إطلاق المنع عنها عدم الفرق بين صورتي التدليس و عدمه، مع أن التدليس لا يكون بفعل الماشطة.

و سنذكر أن مجرد فعل يوجب ظهور حسن أو خفاء عيب في المرأة لا يكون حراما، بل الحرام هو الغش في المعاملة و التستر على الواقع فيها. و هذا فعل المالك أو ولى الجارية، فلا يرتبط بالماشطة. نعم إذا علمت الماشطة أن المالك أو الولي يتستر بما تفعله على الواقع و لا يبين الحال للطرف، يكون فعلها من الإعانة على الإثم، نظير ما تقدم في بيع العنب ممن يعمله خمرا، و ذكرنا أنه لا دليل على حرمتها في غير مورد الإعانة على الظلم.

و الحاصل أن التدليس محكوم بالحرمة باعتبار كونه غشا في المعاملة، و يحصل مع اعتقاد

الطرف بصفة كمال أو فقد عيب في الشي ء باعتبار فعل الغاش. و أما مجرد كون الشي ء موهما لوجود صفة فيه مع علم الطرف بالحال، و أنه ليس للوهم حقيقة، فلا يكون من الغش ليحكم بحرمته، و عدم تحقق الغش غالبا في تمشيط الماشطة لا يكون موجبا لتعميم التدليس في المقام. و ذلك فان الدليل على حرمة فعلها هي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 112

..........

______________________________

الأدلة العامة الدالة على حرمة غش المسلم في المعاملة أو غيرها، لا روايات الباب، فإنه لم يتعلق فيها نهى بتدليس الماشطة، بل تعلق بالأفعال الخمسة المتقدمة، و لا بد من الالتزام بكراهة مسح الوجه بالخرقة، و لا تختص كراهته بالمرأة و لا بفعل الماشطة، بل هو في نفسه عمل مكروه كما يدل عليه ما ورد في آداب الحمام من النهى عنه معللا بأنه يذهب ماء الوجه «1» و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّه (ع) قال «قال رسول اللّه (ص) لأم عطية إذا أنت قنيت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة فإن الخرقة تشرب ماء الوجه» «2».

و لا ينبغي الريب في أن التعليل يناسب الكراهة و لا ربط له بالتدليس و لا يختص بالأمة التي يراد بيعها و لا بالجارية التي يراد تزويجها، و اما النمص أى نتف شعر الوجه فالأظهر أنه لا بأس به بل لا يكون مكروها أصلا و في رواية على بن جعفر أنه «سأل أخاه موسى بن جعفر عن المرأة التي تحف الشعر عن وجهها؟ قال: لا بأس به» «3» نعم في رواية معاني الاخبار عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: «لعن رسول اللّه (ص) و آله النامصة و

المنتمصة و الواشرة و الموتشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و الموتشمة» «4».

و ربما يقال: ان مقتضى الجمع بينها و بين رواية على بن جعفر هو الالتزام بكراهة النتف و فيه أن رواية معاني الأخبار غير قابلة للحمل على الكراهة، فإن اللعن الوارد فيها لا يناسبها، فلا بد من طرحها أو تأويلها بما في رواية سعد الإسكاف قال:

«سئل أبو جعفر (ع) عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه بشعورهن؟

فقال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها، قال: قلت: بلغنا أن رسول اللّه (ص)

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (1) الباب: (13) من أبواب آداب الحمام، الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (1)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (8)

(4) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 113

..........

______________________________

لعن الواصلة و المستوصلة، فقال ليس هنالك إنما لعن رسول اللّه (ص) الواصلة التي تزني في شبابها فلما كبرت قادت النساء الى الرجال فتلك الواصلة و الموصولة» «1».

و أما وصل الشعر بالشعر فقد ورد النهى عنه في مرسلة ابن ابى عمير عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «دخلت ماشطة على رسول اللّه (ص) فقال لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟- الى ان قال. و لا تصلى الشعر بالشعر» «2» و في مرسلة الصدوق في ذلك الباب قال قال (ع): «لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطى، و تصل شعر امرأة بشعر غيرها، و أما شعر المعز فلا بأس أن توصله بشعر المرأة» «3» و على

ذلك فالمتعين الالتزام بكراهة وصل شعر امرأة بشعر مثلها بتقييد المرسلة الأولى بالثانية، و حمل النهي في الأولى على الكراهة بقرينة رواية سعد الإسكاف الواردة في حكم القرامل، حيث أن ظهورها- في عدم البأس بما يكون من زينة المرأة لزوجها حتى إذا كان من وصل الشعر بالشعر- غير قابل للإنكار.

و أما الوشم و الوشر و المراد بالأول ما يعبر عنه في لغة الفرس ب (خال كوبى) و بالثاني ترقيق الأسنان و جعلها حادة، فقد ورد النهى عنهما في رواية معاني الأخبار التي ذكرنا أنها لا تناسب الحمل على الكراهة، فالمتعين طرحها أو تأويلها بقرينة رواية الإسكاف المتقدمة. و على ذلك فلا كراهة إلا في مسح الوجه بالخرقة و في وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخرى. و كراهة الثاني مبنى على الإغماض عن أمر السند، و الا فلا تصلح روايتا معاني الاخبار و عبد اللّه بن الحسن و مرسلتا ابن ابى عمير و الصدوق للاعتماد عليها.

(لا يقال): لا بأس بالاعتماد على مرسلة ابن ابى عمير في الحكم بكراهة وصل شعرها بشعر امرأة أخرى، و تأييدها بغيرها مما ورد النهى فيه عن ذلك. و وجه الاعتماد

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3).

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2).

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (19) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 114

نعم قد يشكل الأمر في وشم الأطفال (1) بناء على ان لا مصلحة فيه (2) دلت على كراهة كسب الماشطة (3)

______________________________

شهادة الشيخ (ره) بأن ابن ابى عمير لا يروى و لا يرسل إلا

عن ثقة، و هذا منه (ره) توثيق عام لمشايخ ابن ابى عمير، (فإنه يقال): و إن ذكرنا سابقا احتمال الاعتماد على مراسيله لتلك الشهادة، الا أنه أشرنا إلى ضعف الاعتماد، و ذلك، فان في مشايخ ابن ابى عمير من ضعفه الشيخ و غيره، و هذا التضعيف يكون كالاستثناء من التوثيق العام، كما أن في مشايخه من ضعفه غير الشيخ (ره) مع سكوت الشيخ (ره) عن تضعيفه، و يكون التوثيق العام فيه معارضا بتضعيف غيره كالنجاشي مثلا، فيسقط التوثيق العام في ذلك الراوي عن الاعتبار للمعارضة. و عليه فيحتمل ان يكون الراوي الذي أرسل ابن ابى عمير هذه الرواية عنه هو ذلك الشخص الذي سقط فيه التوثيق العام عن الاعتبار للمعارضة أو الاستثناء، فلاحظ و تدبر.

(1) لا يخفى ما فيه، فإنه إذا فرض أن ذلك دخيل في ظهور جمال الطفل خصوصا في الأنثى، فللولي فعل ذلك لما فيه المصلحة، كما في تزيين شعر الطفل، فإنه ربما يوجب إيذاء الطفل و بكاءه، و مع ذلك لوليه فعل ذلك، لما فيه صلاحه من نظافته أو ظهور جماله.

(2) أي إذا كانت المرأة متزوجة، ففي الوشم لها صلاح، و يكون الوشم في غيرها تدليسا أى موهما لما ليس في البدن واقعا من البياض و الصفاء (أقول): التدليس بهذا المعنى لا دليل على حرمته، بل و لا على كراهته كما مر آنفا.

(3) و بعبارة أخرى المراد من قوله: (و قبلت ما تعطى) عدم مناقشتها في أجرة عملها بعده، كما أن المراد بالمشارطة المناقشة فيها قبل عملها، و بما أن الكراهة أو غيرها من الأحكام التكليفية لا تتعلق بالعمل بعد تحققه خارجا، ضرورة أن الحكم لأجل أن يكون داعيا للمكلف الى الفعل

أو الترك، فلا بد من حمل قوله: (و قبلت ما تعطى) على قصدها و بنائها على ترك المناقشة في أجرتها حيث أنه لو كان الشرط في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 115

..........

______________________________

عدم الكراهة نفس ترك المناقشة خارجا، فلازمه تعلق الكراهة بالعمل بعد تحققه.

(أقول) هذا إذا كان ترك المناقشة في أجرتها بعد عملها شرطا في ارتفاع الكراهة بنحو الشرط المقارن. و أما إذا أخذ بنحو الشرط المتأخر، فلا محذور.

ثم إن المصنف (ره) ذكر في وجه استحباب ترك المشارطة احتمالات ثلاثة:

(الأول) أن ما يعطى لها لا يكون في الغالب أقل من أجرة المثل، فتكلمها- في أجرتها قبل عملها أو بعده- باعتبار توقعها ممن تعمل له الزيادة على تلك الأجرة، و ربما تعطى لها صيانة للعرض أو حياء، و المأخوذ كذلك لا يخلو عن شبهة، فأمرت بالقناعة على المقدار المعطى لها، و ترك مطالبة الزائد. و هذا الأمر لا ينافي امتناعها عن قبول المعطاة فيما إذا كانت أقل من أجرة المثل.

(الثاني)- أن مناقشة مثلها في أجرة عملها لا يناسب المروة و شرافة الأشخاص فإن مما كستهم في إعطاء ما تتوقع مثلها ربما لا تناسب المروة، و المسامحة لا تكون صلاحا باعتبار زيادة مقدار توقعها، فالذي تعمل له مكلف وجوبا بأداء أجرة المثل، و هي مكلفة ندبا بقبول ما تعطى، و ان كان أقل من أجرة مثلها على الوجه الثاني لا على الوجه الأول.

(الثالث)- أن الراجح في حقها ترك الأجرة و العمل للناس تبرعا، و قبول ما يعطى لها تبرعا، و على ذلك فلا يكون لها حق المطالبة فيما إذا لم تعط عوضا، و الفرق بين هذا الوجه و سابقيه أن هذا الوجه لا ينافي

ما ورد من قوله: (و لا تستعملن أجيرا حتى تقاطعه كما في بعض الروايات» «1» بخلاف الأولين فإنهما ينافيانه، فلا بد من رفع اليد عن إطلاق ذلك النهى، كما أن هذا الوجه لا يناسب ظاهر المرسلة، فإن مدلولها نفى البأس عن كسب الماشطة، و كسبها عملها بالأجرة، و إلا لم يكن عملها كسبا، كما لا يكون ما يعطى لها اجرة. و ما ذكره (ره)- في الوجه الأول من قوله (و هذا لا يخلو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (13) الباب: (3) من أبواب أحكام الإجارة- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 116

[تزيين الرجل بما يحرم عليه]

تزيين الرجل بما يحرم عليه (1)

______________________________

عن شبهة)- ضعيف، فان المحرم وضعا أخذ المال و تملكه بإكراه مالكه. و أما مع عدم الإكراه، فلا مانع من أخذه.

و ما يقال من أن المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا لا شاهد له، فان الرضا المعتبر في المعاملات هو عدم الإكراه لا طيب النفس واقعا، و إلا لاتجه الحكم بفسادها في موارد الاضطرار إليها أو مورد الاستحياء، كما إذا اشترى متاعا بثمن زائد حياء من أصدقائه أو من بائعه في المناقشة في ثمنه أو المماكسة في شرائه.

(1) لا يخفى أن المحرم على الرجال ليس التزيين بالحرير المحض، بل لبسه بلا خلاف ظاهر، سواء كان بنحو التزيين أم لا، كما إذا لبسه تحت ثيابه و بين التزيين و لبس الحرير عموم من وجه، فلا يكون الدليل على حرمة أحدهما دليلا على حرمة الآخر. و في موثقة سماعة بن مهران، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن لباس الحرير و الديباج؟ فقال: أما في الحرب فلا بأس به، و ان كان فيه تماثيل» «1» و في موثقة إسماعيل

بن الفضل عن أبى عبد اللّه (ع) «في الثوب يكون فيه الحرير، فقال: إن كان فيه خلط فلا بأس» «2» الى غير ذلك مما ظاهره حرمة لبس الحرير المحض، كما أن التزين بالذهب لم يتم على حرمته دليل، بل مدلول الروايات المعتبرة و ظاهر الأصحاب عدم جواز لبسه، سواء كان تزينا أم لا و في موثقة عمار بن موسى عن أبى عبد اللّه (ع)، قال: «لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلى فيه، لانه من لباس أهل الجنة» «3» و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع): «سألته هل يصلح للرجل ان يتختم بالذهب؟ قال: لا» «4» و ظاهر النهي في الثاني هو التحريم و هو كاف في

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب (12- 13) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب (12- 13) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (4)

(3) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (30) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (4)

(4) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (30) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (10)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 117

و في دلالته قصور (1)

______________________________

المقام، حتى لو نوقش في دلالة الأول بدعوى ان التعليل المزبور يمنع عن ظهور النهي في التحريم.

(لا يقال): لا بد من حمل النهي في الثانية ايضا على الكراهة بقرينة صحيحة عبيد اللّه بن على الحلبي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «قال على (ع): نهاني رسول اللّه و لا أقول نهاكم عن التختم بالذهب و عن ثياب القسي.» «1» (فإنه يقال) نفى على (ع) القول من نفسه لا يدل على انتفاء قول النبي (ص)، حيث أن مثل هذا التعبير في

مقام النقل متعارف، يقول أحد أولاد الرجل لإخوته نهاني ابى عن فعل كذا، و لا أقول نهاكم عنه، و إلا لو كان النهى لا يعم غير على (ع) لقال روحي له الفداء و لم ينهكم عنه، مع أن نهيه (ص)- و ان كان بعنوان الكراهة- مسلم لا ينبغي الريب فيه.

و اما تعليل النهى بما في موثقة عمار غايته أن لا يكون النهى معه ظاهرا في التحريم، لا أنه يوجب ظهوره في الكراهة الاصطلاحية، حتى ينافي ظاهر النهي في صحيحة على بن جعفر فتدبر.

(1) وجه قصور دلالته «2» كما ذكر (ره) ان المراد بتشبه الرجال بالنساء و تشبه النساء بالرجال ليس مجرد لبس أحدهما لباس الآخر، بل المراد بالأول تأنث الرجل، و بالثاني تذكر المرأة بأن يكون غرض الرجل و داعيه الى لبس لباس المرأة التأنث، فيكون اللبس المزبور تشبها بالمرأة، و هكذا العكس. ثم أيد ذلك بالرواية المحكية عن العلل «أن عليا (ع) رأى رجلا به تأنث في مسجد رسول اللّه (ص ع)، فقال له اخرج من مسجد رسول اللّه، فانى سمعت رسول اللّه يقول لعن اللّه.» و برواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة و الوجه في جعلهما تأييدا لا قرينة هو احتمال كون المذكور في الروايتين أقوى مراتب التشبه لإتمام مراتبه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (30) من أبواب لباس المصلى الحديث: (7)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (87) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 118

نعم في رواية سماعة (1) بأن الظاهر عن التشبه صورة علم المتشبه (2)

[التشبيب بالمرأة المعروفة]

التشبيب بالمرأة المعروفة (3)

______________________________

(1) هذه معتبرة سندا «1» الا أنه لا دلالة لها على المراد من

النبوي كما لا دلالة لها على التحريم لو لم نقل بظهورها في الكراهة. نعم ظاهر الرواية الثانية حرمة لبس أحدهما لباس الآخر، و لا يصغى الى ما ذكره المصنف (ره) من عدم ظهورها في الحرمة، فإن إطلاق الزجر كإطلاق النهى مقتضاه التحريم، إلا أنها باعتبار ضعف سندها غير صالحة للاعتماد عليها، حيث رواها في مكارم الأخلاق مرسلا كما في الوسائل «2».

(2) و يكفي في تحقق عنوان التشبه العلم الإجمالي المزبور.

(3) هذا العنوان لم يتعلق به النهي في شي ء من الخطابات، و إنما يكون الوجه في حرمته انطباق بعض العناوين المحرمة عليه، و ايضا لم يظهر وجه صحيح لاعتبار قيد الاحترام بعد اعتبار كونها مؤمنة فان المتجاهرة بالفسق لا يجوز ايضا تشبيبها لجريان الوجوه الاتية فيها كلا أو بعضا كما لا يخفى.

ثم إن المصنف (ره) ذكر في عبارته وجوها ثمانية لحرمته، و لكن الظاهر عدم تمامية شي ء منها:

(الأول) كون التشبيب هتكا و تفضيحا للمرأة، و فيه أن النسبة بين التشبيب و الهتك عموم من وجه، فإنه قد لا يكون هتك فيه، كما إذا أنشأ شعرا في محاسن امرأة بين النساء أو أقاربها العارفين بحالها و جمالها، و قد يكون ذكر محاسنها هتكا لها بلا تشبيب، كما إذا ذكرها بين الأجانب بالنثر بلا إنشاء شعر.

(الثاني) كون التشبيب إيذاء لها، و فيه أن الإيذاء- بنحو يوجب تأثر الغير و تألمه بالتصرف في مال ذلك الغير أو ما يتعلق به- حرام، و كذا فيما إذا كان تصرفه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (23) من أبواب أحكام الملابس- الحديث: (4)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب: (13) من أبواب أحكام الملابس- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص:

119

نعم لو قيل بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة (1) و اما المعروفة عند القائل (2)

______________________________

في مال نفسه أو ما يتعلق به و لكن كان غرضه منه تأثر ذلك الغير فتألمه و اما إذا كان تصرفه في مال نفسه أو ما يتعلق بداع صحيح يترتب عليه تألم الغير و تأثره، فلا يكون من الإيذاء المحكوم بالحرمة. و على ذلك فإذا كان لذاكر محاسنها للغير غرض صحيح يترتب عليه تألمها و تأثرها فلا يكون من الإيذاء حتى يحكم بحرمته.

(الثالث) إغراء الجهال بها، و فيه ان التشبيب لا يكون ملازما للاغراء و هذا واضح.

(الرابع)- إدخال النقص عليها و على أهلها، و فيه ان الفرق بين ذلك و بين هتكها غير ظاهر.

(الخامس)- كون التشبيب من اللهو و الباطل، و فيه أنه لا إطلاق في دليل حرمة اللهو كما سيأتي حتى يعم مثل التشبيب.

(السادس) كون التشبيب من الفحشاء، فيعمه مثل قوله سبحانه المتضمن لتحريم الفحشاء و فيه ان كونه من الفحشاء أول الكلام.

(السابع)- كونه منافيا للعفاف، و فيه ان اعتبار العفاف- بمعنى الاجتناب عن المحرمات- في العدالة ظاهر، و أما غيره فلا.

(الثامن) استفادة حرمته من بعض الآيات و الروايات الواردة في بعض المحرمات و المكروهات، و فيه أن غاية ما يمكن استظهاره من الآية و الروايات المشار إليها في المتن كون تهييج القوة الشهوية حكمة فيها، لا أن التهييج المزبور علة حتى يمكن التعدي إلى مثل المقام.

(1) قد ذكرنا ان التشبيب بعنوانه غير محرم، بل يحرم فيما إذا انطبق عليه عنوان محرم آخر، بلا فرق في ذلك بين المخطوبة أو من يراد تزويجها أو غيرهما.

(2) يمكن كون المرأة معينة عند القائل و مجهولة عند السامع، و هذا تارة مع علم

السامع إجمالا بقصده امرأة من بيت فلان أو من بلد فلان مثلا، و أخرى لا يدرى ذلك ايضا، و لكن لم يظهر وجه الإشكال في الجواز، خصوصا في الفرض الثاني.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 120

و اما التشبيب بالغلام (1)

[تصوير صور ذوات الأرواح حرام]
اشارة

تصوير صور ذوات الأرواح حرام (2)

______________________________

(1) إذا كان غرض قائله إظهار كمال الغلام و جماله المنعم له من خالقه، نظير ما يذكر قارئ العزاء في وصف على بن الحسين الأكبر سلام اللّه عليه و على أبيه، فلا دليل على حرمته. و أما إذا كان للاشتياق الى ما فيه فساد الديار و نزول عذاب الجبار الى أهلها، فلا فرق في الحرمة بين إنشاء الشعر أو ذكر محاسنه بغيره، فإنه من الترغيب الى المنكر المستفاد حرمته من فحوى دليل وجوب النهى عنه كما لا يخفى.

(2) يحرم تصوير ذوات الأرواح بنحو المجسمة، بلا خلاف ظاهر، و في حرمته إذا كان بنحو النقش كلام. و ظاهر جماعة أو صريحهم عدم الجواز، كما أن ظاهر بعضهم جوازه، و هو الأظهر، كما هو مقتضى الأصل بعد عدم تمام الدليل على المنع. و ما قيل في وجه عدم جوازه أمور:

(الأول) رواية الحسين بن زيد عن الصادق (ع) عن آبائه في حديث المناهي:

«و نهى عن التختم بخاتم صفر أو حديد، و نهى ان ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم» «1» و فيه مضافا الى ضعف سندها يحتمل أن يكون النهى راجعا الى التختم بخاتم يكون فيه نقش الحيوان. بل مع تعلق النهى بنقش الحيوان على الخاتم يكون المحرم أو المكروه نقش الحيوان على الخاتم، لا مطلق تصوير الحيوان بنحو المجسمة، فضلا عن كونه بنحو النقش على الحائط أو مثل القرطاس.

(الثاني)

موثقة أبي بصير عن ابى عبد اللّه (ع) قال قال رسول اللّه (ص):

«أتاني جبرئيل، قال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام و ينهى عن تزويق البيوت، قال أبو بصير فقلت و ما تزويق البيوت؟ فقال: تصاوير التماثيل» «2» و فيه أنه لم يظهر كون متعلق النهى هو المعنى المصدري للتصوير بل من المحتمل جدا أن يكون متعلقة اتخاذ الصور في البيوت نقشا أو مجسمة، و لا بد من حمل هذا النهى على الكراهة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (94) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6)

(2) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 121

..........

______________________________

لما سيأتي من الترخيص فيه في الروايات الأخرى.

(الثالث)- ما تقدم من تحف العقول من أنه لا بأس بصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني، و فيه أنها و ان كانت ظاهرة في عدم جواز تصوير الحيوان بنحو النقش أو التجسيم، الا أن دعوى انصراف الصورة و المثال بقول مطلق الى المجسمة لا يمكن المساعدة عليها، كما يظهر وجهه بملاحظة الروايات و اللغة، و لكنها باعتبار ضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها كما ذكرنا ذلك عند التعرض لها.

(الرابع) ما في الروايات المستفيضة، و (منها) ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن رجل عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «من مثل تمثالا كلف يوم القيمة ان ينفخ فيه الروح» و في حديث المناهي المتقدم و قال رسول اللّه من صور صورة كلفه اللّه يوم القيمة أن ينفخ فيها، و ليس بنافخ» و ربما يناقش في دلالتها بعد الإغماض عن سندها بان مقتضى الأمر

بالنفخ ان تكون الصورة مجسمة، و يجاب عن ذلك تارة بإرجاع الأمر بالنفخ الى الأمر بالتجسيم أولا، ثم النفخ فيه، و هذا الجواب كما يذكر المصنف (ره) خلاف الظاهر، و أخرى بأن النقش باعتبار محله أو باعتبار الأجزاء اللطيفة من الصبغ قابل للنفخ، و كذا إذا كان من قبيل أمر الإمام (ع) الأسد المنقوش على بساط الخليفة بأخذ الساحر في ذلك المجلس، و لعله في الحقيقة من تعلق إرادته (ع) بمحو الصورة عن البساط و حضور أسد يكون صورته موافقا لما كان في البساط.

(أقول) التكليف الوارد في هذه الاخبار بالنفخ اعتذاري لا يعتبر تعلقه بالممكن أو المقدور، فلا يكون في الأمر قرينة على اختصاص الصورة بالمجسمة، كما لا حاجة الى فرض إمكان النفخ في النقش. اللهم إلا أن يقال: إن الأمر بالنفخ يقتضي كون الصورة مجسمة، لا لأن الأمر يتعلق بالممكن أو المقدور حتى يجاب عنه بان الأمر به اعتذاري، بل لأن الأمر بالنفخ ظاهره نقص الصورة من الحيوان أو الإنسان في جهة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 122

..........

______________________________

الروح فقط.

(الخامس)- صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان» «1» و ذكر المصنف (ره) أن هذه أظهر ما في الباب من حيث شمولها للصورة بنحو النقش، و ذلك بقرينة تمثال الشمس و القمر الذي يكون بالنقش عادة، و فيه أن هذه الصحيحة لا دلالة لها على عدم جواز التصوير بمعناه المصدري، حيث ان من المحتمل رجوع السؤال فيها الى اقتناء الصور، (لا يقال) على تقدير كون المراد منها السؤال عن الاقتناء تكون دالة على

حرمة التصوير ايضا، حيث ان حرمة الاقتناء لازمها حرمة عملها، إذ لا يحتمل حرمة اقتناء الصورة و جواز عملها. و الحاصل ان حرمة عملها تثبت بالصحيحة على كل تقدير، إما بدلالتها المطابقية، كما إذا كان السؤال راجعا الى العمل أو بالالتزام بناء على كونها ناظرة إلى حكم الاقتناء (فإنه يقال) إذا كان النهى فيها عن الاقتناء فيحمل على الكراهة لا محالة، لما يأتي من القرينة الواضحة عليها.

و كراهة الاقتناء لا تلازم حرمة العمل.

(السادس) ما في المحاسن عن أبيه عن ابن سنان عن ابى الجارود عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع)، قال: «من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام» و وجه دلالته ان التصوير و المثال كما حكى كاشف اللثام عن أهل اللغة مترادفان، و الغالب خارجا من تصوير الحيوانات نقشها، و لو لم تكن الرواية مختصة بالغالب فلا أقل من شمولها له. و ربما يقال: إن المراد بتمثيل المثال فيها صنع الصنم بقرينة خروج الفاعل عن الإسلام، كيف؟ و لا يكون التصوير أشد من الزنا و نحوه من المعاصي الكبيرة التي لا يخرج فاعلها بفعلها عن الإسلام.

(أقول): هذا خروج حكمي عن الإسلام نظير قوله سبحانه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أحكام المساكن- الحديث: (17)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 123

و يؤيده ان الظاهر ان الحكمة في التحريم (1)

______________________________

وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ «1» و الا فصنع الصنم ايضا لا يوجب الخروج عن الإسلام.

و الحاصل أن التصوير لا يقل وزرا عن تجديد القبر و تعميره، و قد ذكر في الحديث خروج فاعلهما عن الإسلام. و العمدة ضعف السند و عدم ثبوت الترادف

بين التصوير و التمثال كما لا يخفى.

(1) يعني يؤيد حرمة تصوير الحيوان- و لو كان بنحو النقش- حكمة هذا الحكم و هو تشبه المصور بالخالق تعالى. و فيه (أولا) أنه لا سبيل لنا إلى إحراز أن حكمة الحكم هو التشبه بالخالق، و الا لجرى في تصوير الأشجار و غيرها كما سنذكر. و (ثانيا) ان التشبه لا يكون بمجرد النقش، بل بإبداع الجسم الشامل على تمام وسائل الحياة و ابزارها. و دعوى أنه لا دخل للمادة في التشبه لا يمكن المساعدة عليها كما لا يخفى.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا عدم تمام الدليل على حرمة التصوير بنحو النقش و لا بنحو التجسيم، و ان كان التجسيم باعتبار عدم ظهور الخلاف في حرمته موردا للاحتياط.

(لا يقال) قد ورد في روايات مستفيضة من صور صورة كلف يوم القيمة ان ينفخ فيها و ليس بنافخ، و دلالتها على حرمة التصوير بنحو المجسمة تامة، و ضعف سندها منجبر بعمل المشهور، بل بعدم ظهور الخلاف بين الأصحاب، (فإنه يقال) لم يعلم استناد كلهم أو جلهم في حكمهم بعدم الجواز الى تلك الروايات، و لعلهم استفادوا الحكم من صحيحة محمد بن مسلم أو موثقة أبي بصير المتقدمين. و بما أنا ناقشنا في دلالتهما على حرمة إيجاد الصورة و عملها، فيكون المقام نظير قولهم بنجاسة ماء البئر استنادا الى اخبار النزح. و كيف كان فلا يمكننا الإفتاء بالحرمة، بل غاية الأمر الالتزام بالاحتياط كما ذكرنا.

ثم لا يخفى أن ما دل على حرمة التصوير و لو نقشا على تقدير تمامه لا يعم التصوير المتعارف في زماننا المعبر عنه بالفارسية (عكس گرفتن)، و ذلك، فان ظاهر ما تقدم

______________________________

(1) سورة آل عمران (3)- الاية

(97).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 124

و ان كان ما ذكره لا يخلو عن نظر (1) و لكن العمدة في اختصاص الحكم (2) فبها يقيد بعض ما مر من الإطلاق (3)

______________________________

حرمة إيجاد الصورة و عملها نقشا أو مجسمة. و أما العمل على بقاء الصورة الواقعة من الشي ء في شي ء آخر كما في هذا التصوير المتعارف، فغير داخل في مدلولها، كما إذا صب المكلف مائعا على المرآة الواقعة عليها صورة إنسان، فثبتت في المرآة تلك الصورة بصبه، فإنه لا يسمى ذلك تصويرا بالمعنى الوارد عليه الاخبار.

(1) و وجهه كما سيذكر (ره) أن روايات المنع ظاهرها قصد حكاية الشي ء و تمثيله. و أما فعل ما تدعوه اليه حاجته و يكون شبيها بشي ء من خلق اللّه من غير قصد تصويره و الحكاية عنه، فلا تعمه تلك الروايات، و ثياب ذوات الاعلام أو الثياب المحشوة مع شبه طرائقها بالأخشاب من هذا القبيل. و الحاصل أن حرمة نقش غير الحيوان من سائر المخلوقات لا تلازم حرمة خياطة الثياب المحشوة و غيرها.

(2) و لكن لا تصل النوبة إلى أصالة الإباحة في مقابل ما يدل على جواز تصوير غير الحيوان.

(3) اى أنه بهذه الرواية الدالة على جواز تماثيل الشجر و غيره بنحو النقش و التجسيم، يرفع اليد عن إطلاق مثل قوله: (و نهى عن تزويق البيوت) بحمله على تزويقها بصورة الحيوان أو الإنسان نقشا أو مجسمة.

ثم ان من الأقوال في المسألة المنع عن تصوير ذي الروح و غيره بنقش أو تجسيم أخذا بالإطلاق المتقدم اللازم تقييده بما ذكر، و المنع عن التصوير بنحو المجسمة، سواء كانت صورة حيوان أو غيره. و التفصيل في المنقوش بين الحيوان و غيره مما

لا حياة له، فلا يجوز الأول و يجوز الثاني.

و الوجه في هذا التفصيل دعوى انصراف الروايات المجوزة إلى بيان حكم النقش، و أن المنقوش لا بأس به إذا لم يكن حيوانا، و لكن مقتضى الدعوى المزبورة هو الحكم بكراهة التصوير مطلقا، سواء كان بنحو المجسمة أو النقش أم كان حيوانا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 125

فلا يقدح نقص بعض الاجزاء (1) و لو اشتغل بتصوير حيوان فعل حراما (2)

______________________________

أو غيره، و ذلك لما ذكره المصنف (ره) من ان التصوير و التمثال على تقدير انصرافه الى النقش باعتبار كون الغالب خارجا هو المنقوش لكان هذا الانصراف في كلتا الطائفتين أي في الروايات المانعة عن التصوير و المجوزة له، فلا بد من حمل المانعة على الكراهة باعتبار ورود الرخصة في الثانية، فلا يكون في البين دليل على حرمة التصوير بالمجسمة في الحيوان و غيره، فتكون مكروهة إلحاقا لها بالنقش. و هذا الاشكال من المصنف (ره) مبنى على التزام القائل المزبور بعدم الفصل بين الحيوان و غيره، و الا لكانت النتيجة حرمة نقش الحيوان و الإنسان و جواز نقش غيرهما، و ذلك لثبوت الترخيص في نقش غير الحيوان و الإنسان، فيحمل المنع في الطائفة الأولى على نقشهما و يلحق تصوير الإنسان أو الحيوان بنحو المجسمة بنقشهما بالفحوى كما لا يخفى.

(1) بان يصدق على الناقص أنها صورة إنسان أو حيوان، كما في الحيوان المقطوع اذنه أو رجله، و ليس فيما ورد من تغيير الصورة بقلع عينها أو بغيره دلالة على جواز تصوير الناقص، لان القلع موجب لارتفاع كراهة اقتناء الصورة لا جواز تصويره كذلك.

(2) يعنى لو قصد تصوير الحيوان مثلا بتمامه و شرع فيه، يكون

بشروعه مستحقا للعقاب حتى فيما لو بدا له بعد ذلك فلم يتمه. و هل هذا الاستحقاق على مخالفة النهي عن التصوير أو للتجري؟ وجهان: وجه كونه تجريا أنه قصد الحرام و اشتغل ببعض مقدماته، و وجه كونه محرما من حيث التصوير أن معنى حرمة الفعل الذي من قبيل المركب ليس عرفا الا الاشتغال به بداعي تحقيقه و ان لم يتمه. و الفرق بين تحريم المركب و إيجابه مع أن موافقة الإيجاب لا تكون إلا بإتمام ذلك المركب قضاء العرف.

(أقول) فيه ما لا يخفى، فان العنوان المحرم إذا كان بحيث لا يصدق الا على المجموع كما هو المفروض، لأن المنهي عنه تصوير الحيوان أو الإنسان و عمل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 126

[بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله]

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله (1)

______________________________

تمثالهما، و هذا يكون بنقشهما أو تجسيمهما من قرنهما الى قدمهما، فيكون اتصاف الجزء الأول بكونه حراما مشروطا بتحقق الجزء الآخر كما في الواجبات الارتباطية، فالتفرقة بين الواجبات و المحرمات في ذلك بلا وجه. و لو اشتغل اثنان بتصوير حيوان بان قصد هذا تصوير بعضه و الآخر تصوير بعضه الآخر، و كان ذلك بعلم كل منهما بفعل صاحبه، فلا يبعد الالتزام بحرمة تصوير البعض في الفرض أخذا بقوله سبحانه:

وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ حيث أن مقتضى الأدلة الأولية عدم جواز تصوير كل مكلف تمام الحيوان، و مقتضى الآية حرمة الاشتراك في تحقيق ذلك الحرام كما لا يخفى و ليس المحرم بحسب الأدلة هو إتمام الصورة كما إذا قصد أحد تصوير جسد الحيوان مثلا بلا رأس، بلا علم منه ان الآخر يكمله، و أكمله الآخر برسم الرأس له، فلا يكون

فعل الثاني حراما باعتبار كونه إتماما لتلك الصورة، فإن المحرم هو تصوير كل مكلف الحيوان أو الإنسان لا إتمام صورتهما، و تصويرهما لا يصدق على مجرد إتمامهما، كما انه لا يصدق على تصوير بعضهما. و قد تقدم دلالة صحيحة محمد بن مسلم على عدم البأس بتصوير لا يكون حيوانا، كما ان المستفاد من روايات التكليف بالنفخ اعتبار المنهي عنه بنحو يكون بالنفخ إنسانا أو حيوانا. و تصوير بعض أعضائهما لا يكون كذلك فتدبر.

(1) لا يخفى أن جواز اقتناء الصورة ملازم لجواز المعاملة بها، فان اقتناءها لزينة البيوت و غيرها منفعة مقصودة يوجب جوازه جوازها، و لا يقاس اقتناؤها باقتناء الخمر مثلا، حيث أن جواز اقتنائه للتخليل لا يكون موجبا لجواز بيعه، فإن المنفعة المقصودة من الخمر شربها و هو محرم، بخلاف الصور. هذا مع ورود النهى عن بيع الخمر و شرائها وضعا و تكليفا كما مر. و أما لو قيل بحرمة اقتناء الصورة أو وجوب محوها فلازمه الحكم بفساد المعاملة عليها، باعتبار عدم المنفعة المحللة فيها، فيكون أكل المال بها أكلا بالباطل. و لذا ذكر في جامع المقاصد جواز إبقاء الصور و اقتنائها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 127

..........

______________________________

فيجوز بيعها. و عن المقنعة و النهاية و السرائر عدم جواز التجارة بها، و لازمه عدم جواز اقتنائها. و كيف كان فذكر المصنف (ره) في عدم جواز اقتنائها وجوها:

(الأول) ان الدليل على حرمة شي ء حدوثا دليل على حرمة إبقائه، باعتبار ان ذلك مقتضى مبغوضيته، و أجاب عن ذلك فيما بعد ان ظاهر الدليل هي حرمة عمله.

و اما إبقاؤه بعد عمله فلا يستفاد حرمته. نعم لو كان حرمة عمل الشي ء بحيث يعم بقاءه بان

تكون دلالته على حرمة الإبقاء بالملازمة العرفية كما في حرمة تنجيس المسجد باعتبار احترامه، و عدم جواز هتكه، فيعم الحكم الإبقاء، و يكون الدليل على حرمة تنجيسه دالا بالملازمة على وجوب تطهيره.

(الثاني) صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر؟ قال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان» «1» بدعوى رجوع السؤال عن الأعيان إلى الفعل المناسب لها، و المناسب للتماثيل اقتناؤها لزينة البيوت و غيرها لا عملها، كما إذا سئل عن الخمر و أجيب بالحرمة يكون ظاهره حرمة شربها، فإنه المتعارف في الخمر لا عملها، بل ما نحن فيه يمتاز عن مثل الخمر بأن عمل الخمر يقع من كل انسان يريد عمله، بخلاف التصوير، فإنه لا يقع الا من البعض، فيمكن رجوع السؤال عن الخمر الى عملها بخلاف التماثيل.

و أجاب (ره) عن هذا الوجه برجوع السؤال إلى عملها، فان عمل التصاوير مرتكز في أذهان عامة الناس، و يكون السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حكم عملها، إذ لا يحتمل عدم جواز اقتناء ما يجوز عمله.

(أقول) لم يظهر من الصحيحة رجوع السؤال إلى عمل التماثيل، فإنه لو لم تكن ظاهرة في حكم الاقتناء فلا أقل من عدم ظهورها في عملها. و ما ذكره المصنف (ره) في وجه رجوع السؤال إلى عملها ضعيف، فإنه يمكن ان لا يعلم السائل حكم عملها:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (17)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 128

..........

______________________________

و مع ذلك يسأل عن حكم اقتنائها باعتبار خروج عملها عن ابتلائه، لعدم معرفته بالتصوير أو عدم قصده، بخلاف اقتنائها كما يمكن علمه بحرمة عملها

أو كراهته من قبل و يسأل فعلا عن حكم اقتنائها.

و ما ذكر- في وجه رجوع السؤال إلى الاقتناء من أن السؤال عن الخمر لا ينصرف الى عملها، مع أن عملها يقع من كل واحد فكيف بالتصوير، فإنه عمل مختص بالنقاش- غير تام، بل الأمر أشبه بالعكس، فإنه لا يعرف كل انسان عمل الخمر، بخلاف التصوير و لو بصورة ما كما لا يخفى.

(الثالث) الحصر المذكور للصناعة في حديث تحف العقول حيث ذكر فيه أن الصناعة المحرمة هي التي يجي ء منها الفساد المحض، و لا يكون فيها جهة صلاح، و يحرم جميع التقلب فيها و إذا حرم تصوير الحيوان كما هو الفرض يكون فيه الفساد المحض، بمقتضى الحديث كما يحرم جميع التقلب فيه الذي منه بيع الصورة و شراؤها و اقتناؤها. و أجاب (ره) عن هذا الوجه بأن المذكور في الحديث من الصناعة قسمان: (الأول)- ما يكون فيه الصلاح و الفساد معا. (الثاني)- ما يكون فيه الفساد المحض، و مدلوله أن المحرم من هذين القسمين هو الثاني الذي يحرم فيه جميع التقلب. و أما أنه ليس للصناعة قسم ثالث، و هو ما إذا كان الفساد المحض في عمله فقط لا في إبقاء المصنوع، فيكون المحرم عمله فقط، فلا يكون الحديث نافيا لذلك، فان الحصر الوارد فيه إضافي أى ناظر الى القسمين المذكورين، و أن المحرم منهما الثاني لا الأول. و على ذلك فيمكن كون التصوير من القسم الثالث الخارج عن مدلول الحديث، بان كان عمل الصورة محرما دون اقتنائها.

(أقول) حمل الحصر فيه على الإضافي لا يناسب وروده في بيان ضابط الحلال و الحرام من الكسب.

(الوجه الرابع)- ما رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي

عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 129

..........

______________________________

السكوني عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول اللّه (ص) الى المدينة، فقال لا تدع صورة الا محوتها، و لا قبرا الا سويته، و لا كلبا الا قتلته» «1» و أجاب (ره) عن هذا الوجه بأن الأمر فيه محمول على الاستحباب أو على كراهة إبقاء الصورة، بقرينة الأمر بتسوية القبور و قتل الكلاب. و فيه أن قرينة السياق- بأن يكون رفع اليد عن ظهور الطلب بالإضافة إلى فعل موجبا لرفع اليد عن ظهوره بالإضافة إلى الفعل الآخر ايضا- لا أساس لها. و لذا لا تكون القرينة على استحباب غسل الجمعة موجبا لرفع اليد عن الظهور بالإضافة إلى غسل الجنابة أيضا، كما في مثل قوله (اغتسل للجمعة و الجنابة) فضلا عن مثل (اغتسل للجمعة و اغتسل للجنابة) نعم نلتزم بحمل النهى عن إبقاء الصورة على الكراهة، لكن لا بقرينة السياق، بل للروايات الآتية الظاهرة في الترخيص في اقتنائها.

(الوجه الخامس) صحيحة على بن جعفر المحكية عن المحاسن عن موسى قاسم عنه عن أخيه (ع) أنه «سأل أباه عن التماثيل؟ قال: لا يصلح أن يلعب بها» «2» و رواها عن قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر (ع)، قال: «سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها؟ قال: لا» و هذه على النقل الأول مؤيدة لما تقدم من أن السؤال عن التماثيل لا يكون ظاهرا في السؤال عن صنعها و عملها.

(الوجه السادس) تصديه سلام اللّه عليه للدفاع عن سليمان النبي (ع)، بان المصنوع له كانت صورة الشجر، فإنه لا مورد للدفاع عنه بالجواب

المزبور الا مع عدم مناسبة اقتناء الصورة لمثله (ع)، و لو كان المنافي صنعها فقط لم يكن للاعتراض وجه، حيث ان عمله (ع) كان الاقتناء لا الصنع. و فيه أن الاعتراض باعتبار مشية

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (17)

(2) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (15)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 130

..........

______________________________

سليمان صنع الصور، و هذا لا يجتمع مع حرمة التصوير، فدافع سلام اللّه عليه بان المصنوع له كانت صورة شجر، بل لو كان الاعتراض و الدفاع راجعين الى الاقتناء لما كانت ايضا فيها دلالة على حرمة اقتناء صورة الحيوان. و ذلك فان الدفاع و الاعتراض يصحان على تقدير كون الاقتناء مكروها، لان المكروه لا يليق بشأن النبي، فدافع (ع) بأن الصورة لم تكن حيوانا حتى يكره اقتناؤها.

(الوجه السابع) صحيحة زرارة بن أعين عن ابى جعفر (ع)، قال: «لا بأس بأن يكون التماثيل في البيوت إذا غيرت رؤوسها منها و ترك ما سوى ذلك» «1» فان مفهومها ثبوت البأس بها مع عدم التغيير و ثبوت البأس في شي ء مطلقا مقتضاه حرمته.

و فيه أنه لا بد من حمل البأس في الرواية و مثلها على الكراهة كما هو مقتضى الجمع بينهما و بين الاخبار المجوزة لاقتناء التماثيل في البيت و الصلاة فيها. و ذكر المصنف (ره) أن في هذه الصحيحة دلالة على جواز اقتناء الصور و عدم وجوب محوها، و لعله باعتبار أن تغيير رأس الحيوان لا يخرجه عن كونها صورة حيوان و لو في بعض موارد التغيير. نعم مثل حذف رأس الحيوان يخرجه عن صورة الحيوان.

(الوجه الثامن) حسنة المثنى عن ابى

عبد اللّه (ع) «أن عليا (ع) كره الصور» بضميمة ما ورد من أنه (ع) لا يكره الحلال كما في بعض الروايات الواردة في الربا.

و فيه أن المراد بالحلال هو المباح المساوي طرفاه لا المقابل للحرام، ضرورة أنه (ع) يكره المكروهات في الشرع، «2».

(الوجه التاسع) ما رواه الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الأخلاق عن الحلبي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «و قد أهديت الى طنفسة (ثوب أو بساط) من الشام عليها تماثيل طائر، فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر» «3» و فيه أن الرواية مرفوعة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب: (4) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (3) الباب: (3) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (3)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (3) الباب: (4) من أبواب أحكام المساكن- الحديث: (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 131

فهي معارضة بما هو الأظهر و الأكثر (1) مثل صحيحة الحلبي (2) و عن قرب الاسناد عن على بن جعفر (3)

______________________________

و فعله (ع) أو أمره بالتغيير لا يدل على حرمة الإبقاء حيث يحتمل كونه لأجل الكراهة

(1) لا يخفى ظهور بعض الاخبار المعتبرة في جواز إبقاء الصور في البيوت تكليفا، و عدم كونها موجبة لبطلان الصلاة، كصحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن التماثيل في البيت؟ فقال: لا بأس إذا كان عن يمينك و عن شمالك و عن خلفك أو تحت رجليك، و إن كانت في القبلة فالق عليها ثوبا» «1» حيث أن مقتضى إطلاق نفى البأس جواز إبقائها تكليفا و وضعا، و الأمر بإلقاء الثوب عليها فيما إذا كانت في القبلة لا يصلح لكونه قرينة على اختصاص السؤال

و الجواب بالوضع، كما أن عدم الاستفصال في الجواب بين كونها بنحو المجسمة أو النقوش مقتضاه عدم الفرق بينهما في الحكم، و الأمر بإلقاء الثوب- أو تغيير الرأس أو قلع العين و نحوه- حكم غير إلزامي، بقرينة مثل صحيحة على بن جعفر عن أخيه (ع) قال: «سألته عن البيت فيه صورة سمكة أو طير و شبهها يعبث به أهل البيت. هل تصلح الصلاة فيه؟

فقال: لا حتى تقطع رأسه و يفسد، و إن صلى فليست عليه اعادة» «2» حيث أن نفى الإعادة قرينة على حمل النهى على الكراهة، بل لا يبعد أن يقال: إن عدم أمره سلام اللّه عليه بمحو تلك الصورة مطلقا قرينة على جواز اقتنائها.

(2) هذه الرواية دلالتها على جواز الاقتناء واضحة «3»

(3) و في السند عبد اللّه بن الحسن. و حاصل ما ذكره (ره)- في كون هذه الرواية قرينة على عدم حرمة اقتناء الصور- هو أن الأمر بالكسر فيها ليس باعتبار

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (45) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (32) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (12).

(3) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (32) من أبواب لباس المصلى- الحديث: (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 132

أو المراد اتخاذه كسبا (1) يدل عليه الأدلة (2)

______________________________

وجوب محو الصورة تكليفا، و إلا لم يكن وجه للتفرقة بين الصورة في البيت و بين الصورة في الستر بالأمر بالكسر في الأول، و بالنزع في الثاني، بل كان الواجب إزالة الصورة، حتى التي كانت في الستر. و احتمال أن يكون المراد بكسر رؤوس التماثيل شاملا لما في الستر ايضا، و الأمر بنزع الستر لكونه مقدمة للتغيير فيه ما

لا يخفى، بل الظاهر أن الحكم بالكسر و النزع لرعاية الصلاة.

(أقول): قد تحصل مما ذكرنا الى هنا جواز اقتناء الصور، سواء كانت بنحو المجسمة أو النقوش، حتى على القول بحرمة التصوير، و يلازم جواز اقتنائها جواز المعاملة عليها، حيث أن اقتنائها لتزيين البيوت بها منفعة مقصودة توجب ماليتها.

و هذا فيما إذا باع الصور بما هي مجسمة و صور. و أما إذا باعها بعنوان موادها، فجوازه لا كلام فيه، حيث ان بيعها كذلك لا يزيد على بيع مادة الصنم. و قد تقدم جوازه.

(1) بأن يؤجر نفسه للكيل بنحو التطفيف، حيث أنه في الفرض يدخل في الأفعال المحرمة التي يؤخذ عليها الأجرة، فيكون أكلها بالباطل.

(2) لا يخفى أنه لا يمكن في المقام إحراز الإجماع التعبدي الذي يكون أحد الأدلة، بل الإجماع في مثل المقام مدركي، فإنه إذا علم أو احتمل المدرك لاتفاق العلماء، فلا بد من ملاحظته، فان تم لزم القول بما قالوا لا لقولهم، بل لذلك المدرك و إن لم يتم، فلا يكون اعتبار في اتفاقهم. و هذا بخلاف الإجماع التعبدي الكاشف عن حجة معتبرة، بحيث لو كانت واصلة إلينا لكانت تامة عندنا ايضا. و في المقام مع دلالة الكتاب المجيد على حرمة البخس في المكيال أو الميزان، و كونه من الكبائر كما هو مقتضى قوله سبحانه وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ و دلالة الاخبار و حكم العقل بأنه ظلم و أكل لمال الغير عدوانا لا مجال لدعوى الإجماع التعبدي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 133

[ثم ان البخس في العد و الذرع]

ثم ان البخس في العد و الذرع (1) و لو وازن الربوي بجنسه فطفف في أحدهما (2)

______________________________

(1) لا يخفى أن البحث في معنى التطفيف، و كونه البخس في المكيال أو

الميزان فقط أو مطلق البخس، حتى في العد و الذرع لا يترتب عليه ثمرة عملية.

و ذلك لدخول البخس في العد و الذرع فيه حكما بلا شبهة، و لا يحتمل الفرق بين النقص في الكيل أو الوزن، و النقص في العد و الذرع. و ظاهر المصنف (ره) اختصاص معنى التطفيف بالكيل و الوزن فلاحظ.

(2) تعرض (ره) لصور ثلاث: (الاولى)- وقوع المعاملة على الكلى المعين وزنا، فيكون دفع الناقص في مقام الوفاء بتلك المعاملة، و يبقى مقدار النقص في عهدته (الثانية) وقوع المعاملة على المدفوع خارجا بلا شرط المقدار، و يكون النقص في هذه الصورة موجبا لفساد المعاملة كما هو مقتضى لزوم الربا.

(لا يقال): ظاهر كلام المصنف (ره) في هذه الصورة الحكم بصحة المعاملة مع عدم كون العوضين متجانسين، حيث انه علل فسادها بلزوم الربا (فإنه يقال):

نعم مع عدم كونهما متجانسين يحكم بصحتها، بل و عدم الخيار للطرف، لأن المفروض وقوع المعاملة على الشي ء بلا اشتراط المقدار و الغرر مندفع باعتقاد المشترى و إحرازه مقدار المبيع، و كذلك البائع، بل لو فرض علم البائع بالحال، و أنه ناقص عما يعتقده المشترى، فلا تكون حرمة تطفيفه موجبة لفساد المعاملة.

(الثالثة) وقوع المعاملة على المدفوع خارجا بشرط كونه بالمقدار المساوي للعوض الآخر، فان قيل: إن اشتراط المقدار لا يزيد على سائر الشروط الموجب تخلفها الخيار للطرف، فيحكم بفساد المعاملة باعتبار لزوم الربا ايضا. و أما بناء على أن شرط المقدار في حكم الجزء، فتكون المعاملة منحلة، فتصح بالإضافة إلى الموجود، و تبطل في مقدار النقص. و إلى ما ذكرنا من الانحلال و عدمه أشار (ره) بقوله: (و يمكن ابتناؤه على ان اشتراط المقدار) و الظاهر ان اشتراطه لا يكون كسائر

الشروط التي لا يوجب تخلفها إلا الخيار للطرف، بل يكون البيع بالإضافة إليه منحلا، و لذا لو اشترى بعشرة دنانير مقدارا من الكتب بشرط كونه خمسين عددا، فلو سئل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 134

..........

______________________________

المشترى عن سعر الشراء و أجاب بشراء الواحد بخمس الدينار كان صحيحا و لو ظهر النقص في العد فنقص لكل ناقص خمس الدينار لما كان للبائع حق المطالبة به.

و مما ذكرنا ظهر فساد ما ذكره المحقق الإيرواني في تعليقته على الكتاب من فساد المعاملة في الصورة الثالثة، باعتبار أنه ليس المبيع هو الموجود الخارجي مطلقا، بل بعنوان انه كذا مقدارا، و لم يحصل هذا العنوان، و يكون الفرض كما إذا باع فلزا بعنوان أنه ذهب، فظهر مذهبا، و وجه الظهور أن عنوان الذهب عنوان مقوم للمبيع، و مع تخلفه لا يكون للمبيع تحقق، بخلاف اشتراط المقدار فإنه مع انحلال المبيع، كما هو المفروض يكون بعض المبيع موجودا. و لذا يحكم بالفساد في المقدار الزائد من أحد العوضين. و تقدم سابقا أن تخلف عنوان المبيع لا يوجب انتفاءه مطلقا، بل فيما إذا كان عنوانا مقوما. و تفصيل ذلك في باب الشروط ان شاء اللّه تعالى.

ثم إن البخس في المكيال في القسمين الآخرين تطفيف في مقام المعاملة و تعيين العوضين فيها كما لا يخفى. و مما ذكرنا يظهر حكم التطفيف في غير موارد المعاملة الربوية، فلو كان التطفيف في مقام الوفاء بالمعاملة الجارية على الكلى، فيبقى المقدار الناقص على العهدة. و لو جرت المعاملة على ما في الخارج، فان كان من الصورة الثانية، فتصح، و ربما يثبت للمشتري خيار الغبن، كما إذا اعتقد كون الخارج كذا مقدارا، و اشتراه

بقيمته السوقية، ثم ظهر أنه ناقص من ذلك المقدار، و لا يساوى الموجود ذلك الثمن. و أما إذا جرت المعاملة على الخارج بشرط كونه كذا مقدارا، فبناء على انحلال المعاملة مع هذا الشرط، كما تقدم تبطل المعاملة بالإضافة إلى المقدار الناقص مثلا، إذا اشترى صبرة من حنطة بعشرة دنانير، بشرط كونها عشرة أمنان، و ظهرت تسعة، يحكم بصحة المعاملة في تسعة أمنان بتسعة دنانير، و تبطل بالإضافة إلى دينار واحد، و بناء على عدم الانحلال، و كون هذا الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 135

[في التنجيم]

و هو كما عن جامع المقاصد الاخبار عن أحكام النجوم (1)

______________________________

كسائر الشروط يثبت للآخر خيار تخلف الشرط فقط.

(1) المراد بالأحكام الحوادث السفلية و إضافتها إلى النجوم، باعتبار أن لها ربطا ما بالأوضاع الفلكية الحاصلة للنجوم بسير بعضها و سكون بعضها الآخر، ثم لا يخفى عدم اختصاص التنجيم بما إذا أخبر الناظر إليها و الى أوضاعها الفلكية بالحادثة، بل يعم ما إذا كان النظر إليها لمجرد الاستعلام بالحادثة، و إن لم يخبر بها أحدا، و يكشف عن ذلك مثل رواية القاسم بن عبد الرحمن «أن النبي (ص) نهى عن خصال منها مهر البغي، و منها النظر في النجوم» «1» و رواية عبد الملك بن أعين، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه (ع): أنى قد ابتليت بهذا العلم، فأريد الحاجة، فإذا نظرت الى الطالع، و رأيت الطالع الشر جلست و لم اذهب فيها، و إذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة، فقال لي: تقضى؟ قلت: نعم، قال أحرق كتبك» «2» بناء على أن المراد بالقضاء هو الاعتقاد بنحو الجزم، و البت لا الاخبار و الحكم للمراجعين و كيف ما كان

فينبغي في المقام ذكر أمرين.

(الأول) أن الاخبار عن نفس الأوضاع الفلكية للنجوم، كالاخبار عن كون القمر فعلا في البرج الفلاني أو حدوث الخسوف في القمر في الليلة الفلانية أو حصول رؤية الهلال في زمان كذا، و غير ذلك لا يكون داخلا في اخبار الباب الناطقة بالمنع عن التنجيم، فان كان اخبارهم عن الأوضاع مستندا الى مقدمات موجبة لعلمهم بهذه الأمور، فيجوز لهم الاخبار عنها بتا، و ان كان مستندا الى ما يحتملون فيه الخطأ، فيجوز لهم الاخبار عنها لا على سبيل الجزم، بل بنحو الظن و التخمين، حتى لا يكون اخبارهم داخلا في الكذب، أو القول بغير علم. هذا بالإضافة إلى المنجم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (24) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب: (14) من أبواب آداب السفر الى الحج و غيره- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 136

..........

______________________________

و أما سائر الناس فلا يكون اخبار المنجم حجة و طريقا شرعيا لهم بالإضافة إلى مثل رؤية الهلال و وقوع الخسوف أو الكسوف مما وقع موضوعا في الخطابات الشرعية، لاحتمال خطأهم في الحساب و سائر ماله دخل في أخبارهم. نعم لو حصل لأحد الاطمئنان بصحة اخبارهم فذلك أمر آخر، حيث أن العلم أو الاطمئنان حجة للمكلف من أى مصدر كان، فيجوز للمكلف الإفطار فيما إذا حصل له الاطمئنان بصحة اخبارهم برؤية الهلال و نحو ذلك. و ما ذكره المصنف (ره)- من أنه يمكن الاعتماد في مثل ذلك بشهادة العدلين منهم، كما إذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين و نحوه- غير صحيح على إطلاقه، فإنه إذا باع مثلا متاعا الى حلول الشهر الفلاني، و أخبر المنجم برؤية

الهلال في الليلة الفلانية، فلا يصح للبائع مطالبة المشتري بالدين في ذلك الزمان بمجرد الاخبار المزبور، حتى فيما إذا كان عدلا و وافقه فيه منجم عادل آخر، و ذلك لعدم دخول أخبارهم في الشهادة برؤية الهلال و البينة المعتبرة في ثبوت رؤية الهلال أو غيرها هي الاخبار عن الرؤية أو غيرها بالحس لا بالحساب و الكتاب كما لا يخفى.

(الثاني) ان الاخبار عن الحوادث السفلية- المعبر عنها بأحكام النجوم باعتبار كون أوضاعها مجرد علامات لتلك الحوادث و لا تأثير لها لا بنحو العلية و لا بنحو الاقتضاء- ان كان بنحو الجزم و البت بحيث لا يحتمل أو لا يمكن عدم وقوع الحادثة التي كشف عن وقوعها الوضع الفلكي حتى بالتضرع و الدعاء الى اللّه سبحانه و التوسل الى أوليائه أو بالصدقة و نحوها فهو باطل، و يكفي في بطلانه و عدم جوازه الأدلة القاطعة من الكتاب و السنة على الترغيب في الدعاء و التوسل و الصدقة و غيرها مما يتضرع العبد إلى بارئه في دفع ملماته و كشف نوائبه. و يدل ايضا على ذلك مثل خبر المنجم الذي أتاه (ع) عند مسيره الى أهل النهروان، حيث لم يسأل سلام اللّه عليه- على ما في الخبر- عن كون اخباره بما ذكر باعتقاد أن للطالع تأثيرا و أنه كاشف، بل إنما أنكر عليه إخباره البتي بقوله: (و من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 137

..........

______________________________

و بما ذكرنا ظهر أن ما ذكره المصنف (ره) من أنه لا حرج قطعا على من حكم قطعا بنزول المطر في هذه الليلة لا يمكن المساعدة عليه بإطلاقه. و الحاصل أن هذا القسم من الاخبار

داخل في التنجيم المنكر في الاخبار، و ان كان المخبر بالحوادث كذلك غير جازم بها، و مع ذلك أخبر بها جزما يكون اخباره محرما من جهة الكذب ايضا. و لو أخبر بها احتمالا ظنا أو تخمينا مع التزامه بأن الأمور بيد اللّه يمحو ما يشاء و يثبت و عنده علم الغيب، لما كان به بأس، كما يظهر وجهه بالتأمل فيما ذكرنا. و ليس في البين خبر معتبر يكون مقتضاه عدم جواز ذلك ايضا، بل في بعض الاخبار ما يقتضي جوازه.

و يلحق بهذا القسم ما إذا اعتقد بان لأوضاع الكواكب دخلا و تأثيرا في الحوادث السفلية، إلا أنه بنحو الاقتضاء، و بان اللّه مختار لا مغلول اليدين يمحو ما يشاء و يثبت بحيث يمكن التخلف بمثل التضرع و التوسل و الصدقة و غيرها مما أشير في الآيات و الاخبار الى الاهتمام بها. و يظهر هذا النحو من الاقتضاء من بعض الاخبار كالتي أوردها المصنف (ره) في الوجه الثالث من وجوه ربط الحركات الفلكية بالكائنات، إلا أنها لضعفها سندا لا تصلح للاعتماد عليها في القول و الاعتقاد كما لا يخفى.

(لا يقال) يلزم ان يكون اخبار المنجم عن الأوضاع الفلكية كخبره عن رؤية الهلال في الليلة الفلانية معتبرا، فان الرجوع الى أهل الخبرة مما جرى عليه سيرة العقلاء من أهل الملل و غيرهم (فإنه يقال): لو سلم أن المنجم من أهل الخبرة بالإضافة إلى مثل رؤية الهلال فلا اعتبار بقوله ايضا، للردع عن السيرة المشار إليها في الاخبار المتعددة و أمرهم عليهم السلام بالصوم للرؤية و بالإفطار لها، و في الصحيحة عن مولانا أمير المؤمنين (ع): «لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين» الى غير ذلك، بل لم

يحرز السيرة على الاعتناء بإخبار الثقة من أهل الخبرة في الأمور التي يمكن لعامة الناس معرفتها عن حس، بلا حاجة الى إعمال النظر، كمعرفة الخسوف أو الكسوف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 138

و معلوم من دين الرسول (ص) ضرورة (1) ثم انه لا فرق في أكثر العبارات (2) الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق الثلاث (3)

______________________________

و نحوهما كما لا يخفى.

(1) اى تكذيب المنجمين في دعاويهم و الاستهانة بهم و نسبتهم الى العجز، و أنهم لا يتمكنون من دفع شر عن إنسان أو جلب خير اليه معلوم بالضرورة من الدين، و التكذيب و الاستهانة بهم و التعجيز لهم في الاخبار لا تحصى.

(2) ذكر في هذا الوجه من وجوه اعتقاد الربط خمس فرق.

(الاولى) من أنكر الصانع جل ذكره و يعتقد استقلال تأثير الحركات.

(الثانية) من التزم بوجود الصانع جل ذكره مع تعطيله عن التصرف في الحوادث السفلية بعد خلق الأجرام العلوية القديمة زمانا و المدبرة لتلك الحوادث.

(الثالثة) من التزم بما ذكر، و لكن تكون الأجرام حادثة عنده زمانا.

(الرابعة) من اعتقد بكون الأجرام العلوية تابعه في حركاتها لإرادة اللّه تعالى، و ان اللّه يفعل ما في العالم الأسفل، و تلك الأجرام بحركاتها كالآلة بالإضافة الى مشية اللّه.

(الخامسة) من اعتقد بما ذكر، غير أنه يعتقد ان تلك الأجرام في حركاتها مختارة باختيار يكون عين اختياره تعالى. ثم إنه (قده) ذكر في الوجه الثاني من وجوه الربط أن الأوضاع الفلكية تفعل الآثار المنسوبة الى اللّه، و اللّه سبحانه هو المؤثر الأعظم.

و لم يظهر فرق بين الربط المذكور في الوجه الثاني، و بين الفرقتين الرابعة و الخامسة من هذا الوجه، فلاحظ.

(3) لم يظهر أن مجرد الاعتقاد بتفويض التدبير

إلى الأجرام العلوية موجبا للكفر، سواء قيل بحدوثها زمانا أو بقدمها كذلك، و الا لكان القائل باستغناء الشي ء في بقائه عن العلة محكوما بالكفر، باعتبار عدم التزامه باستناد الحوادث الى اللّه سبحانه و تعالى. نعم بطلان تأثير الأجرام العلوية في الحوادث السفلية من الواضحات، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 139

و منه يظهر ان ما رتبه (ع) على تصديق المنجم (1).

______________________________

تأثيرها فيها بنحو العلة التامة خلاف الآيات و الروايات الدالة على الترغيب في الدعاء و التضرع الى اللّه سبحانه في دفع الملمات و البلايا، و نزول البركات، فان لازم ما ذكر كون اللّه تعالى مغلول اليدين لا يفعل شيئا و لا يفيد الدعاء و التضرع إليه أمرا، و إنكار اضافة الحوادث الى اللّه تعالى مع الالتفات الى وضوحها بحسب الآيات و الروايات يكون موجبا للكفر، باعتبار انتهائه إلى إنكار الكتاب العزيز و على ذلك فالأولى من الفرق الخمس محكومة بالكفر، باعتبار إنكارها الصانع جلت قدرته.

و اما الأربعة الباقية فلا يحكم بكفرها الا مع التفاتها الى أن اعتقادها على خلاف الكتاب و السنة حتى ينتهى ذلك الى إنكار النبوة، كما في إنكار سائر الأحكام الثابتة في الشريعة و كيف كان فإن أراد المصنف (ره) بقوله: (إذ الظاهر عدم الإشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفار) الكفر حتى مع عدم الالتفات الى ما ذكر من دلالة الكتاب المجيد على استناد الحوادث الى اللّه سبحانه، فيمكن التأمل فيه بالإضافة إلى الفرقة الثانية و الفرقة الثالثة كما مر.

(1) أى كما أن ما في بعض الاخبار من كون المنجم بمنزلة الساحر، و الساحر كالكافر لا يدل على كفر المنجم بمعناه الحقيقي، كذلك ما رتب في

بعض الروايات على تصديق المنجم. من كون تصديقه تكذيبا للقرآن و استغناء عن اللّه سبحانه لا يقتضي كفر المصدق للمنجم أو كون المنجم كافرا، بل يراد منه إبطال قول المنجم، و أن قوله مخالف للقرآن المجيد الداعي إلى الاستعانة باللّه في دفع المكاره و جلب الخير، و سائر الأمور.

و بعبارة أخرى كون تصديق المنجم تكذيبا للقرآن من قبيل الاستدلال على بطلان الشي ء بإنهائه إلى التالي الباطل و من الظاهر أن الالتزام بشي ء مع ترتب باطل عليه و لو كان ذلك التالي تكذيب القرآن أو دلالته لا يوجب الكفر، إلا مع التفات ذلك الملتزم الى الترتب، و التزامه به معه. مثلا إذا أفتى بما يخالف ظاهر القرآن،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 140

[حفظ كتب الضلال حرام في الجملة]
اشارة

حفظ كتب الضلال حرام في الجملة (1).

______________________________

مع عدم التفاته إلى ان هذا الحكم وارد فيه أو عدم التفاته الى دلالته لا يكون إفتاؤه هذا موجبا لكفره و من هذا القبيل قوله من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما انزل على محمد، فإنه ليس مدلوله كفر المنجم، بل المراد كذبه و ترتب الباطل على تصديقه، حيث ان الشارع عد المنجم كاذبا، فتصديقه يكون تكذيبا للشارع. و القرينة على أنه لا يراد ترتب الكفر على مجرد تصديقه، هي عطف الكاهن عليه، حيث أن الكهانة فضلا عن تصديقه لا يوجب كفرا بلا ارتياب.

(1) المراد بحفظ كتب الضلال ما يعم اقتناءها و استنساخها و استدل (ره) على حرمته بوجوه.

(الأول) حكم العقل يعنى استقلاله بقبح التحفظ على مادة الفساد و الضلال فيحكم بحرمته بقاعدة الملازمة و فيه أن حكم العقل غير مسلم و الا لاستقل العقل بإزالة كل ما فيه أو منه الفساد، كالهجوم

على أهل الكفر و الشرك و محو شوكتهم و معابدهم و كتبهم، فإنهم و ما معهم منشأ الفساد على الأرض، و لا استقلال للعقل بذلك و وجوب الجهاد حكم شرعي تعبدي لا لحكم العقل بلزوم قهر الناس على الايمان، مع أن الدنيا دار امتحان يكون فيها الخيار بين الهدى و الضلال و الكفر و الايمان.

(الثاني) قوله سبحانه وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَهٰا هُزُواً أُولٰئِكَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ «1» و لا يخفى أنه على تقدير كون المراد بالاشتراء ما يعم مطلق الأخذ و الاقتناء، فلا تكون في الآية دلالة على الحرمة فيما إذا لم يكن غرضه إضلال الناس و ميلهم عن الهداية، كما إذا جعل الكتاب المزبور في مكتبته حتى يكون فيها من كل باب كتاب.

(الثالث) (قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. «2» أى الباطل، و فيه أن الأمر بالاجتناب عن قول الزور تركه و عدم إيجاده بان لا يكذب و لا يفتري. و أما إبقاء قول

______________________________

(1) سورة لقمان (31) الآية: (6)

(2) سورة الحج (22) الآية: (30)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 141

..........

______________________________

الزور و عدم محوه فيما إذا كان بإيجاد الغير و احداثه فلا ظهور في الآية بالإضافة الى حكمه و على الجملة القول ظاهره المعنى المصدري، فيكون النهى عنه نهيا عن إيجاده.

(الرابع) قوله في تحف العقول: (انما حرم الصناعة التي يجي ء منه الفساد محضا) بل قوله قبل ذلك: (ما يقوى به الكفر) و فيه أن رواية تحف العقول لا يمكن الاعتماد بها مع أنها لا تعم ما إذا كانت في استنساخ كتب الضلال و اقتنائها مصلحة مباحة غير نادرة.

(الخامس) قوله (ع)

في رواية عبد الملك حيث شكا الى الصادق (ع) (انى ابتليت بالنظر الى النجوم، فقال أ نقضي؟ قلت نعم قال أحرق كتبك) و فيه أن المطلوب في المقام إثبات وجوب محو الكتب المزبورة نفسيا، بأن كان أحد الوظائف الشرعية محو كتب الضلال، فان كان الأمر بالإحراق في الرواية ظاهرا في الإيجاب النفسي يتعدى الى المقام، باعتبار أن كتبه لو لم تكن أكثر فسادا من كتب النجوم فلا أقل من مساواتها لها. و أما إذا كان الأمر المزبور ظاهرا في الإرشاد إلى الخلاص من القضاء المحرم، فلا يمكن في المقام إلا إثبات الأمر الإرشادي، مع إحراز ترتب الحرام على الحفظ. و لا ريب في أن ظهور الأمر بالإحراق هو الثاني. و على كل حال فلا يثبت بالرواية مع الإغماض عن سندها وجوب محو كتب الضلال و عدم جواز إبقائها حتى مع الاطمئنان بعدم ترتب الحرام عليها. و الأظهر في المقام أن يقال بناء على وجوب دفع المنكر كما لو استفدناه من أدلة النهي عن المنكر يتعين في المقام الالتزام بوجوب محو كتب الضلال التي لا يترتب عليها إلا الإضلال. و أما إذا لم نقل به فيمكن القول بعدم جواز الاستنساخ و الحفظ، فيما إذا كان المترتب عليها الإضلال بآية النهي عن شراء اللهو. و أما وجوب المحو فلا دليل عليه كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 142

نعم المصلحة الموهومة (1) قبل نسخ دينهما (2)

______________________________

(1) بمعنى أنه لا يجوز إبقاء كتب الضلال فيما إذا كان ذلك معرضا لترتب الفساد عليها، و لا اثر لاحتمال ترتب مصلحة أقوى على إبقائها، فيما إذا كان الاحتمال موهوما و كذا لا يجوز إبقاؤها فيما إذا كان

ترتب الفساد عليها قطعيا و المصلحة المترتبة من قبيل المنفعة النادرة التي لا يتعد بها و أما إذا لم يكن الأمر كذلك، بأن كان ترتب الفساد موهوما أو كانت المصلحة المترتبة أقوى من الفساد أو أقرب احتمالا من ترتب الفساد، ففي جميع ذلك لا دليل على حرمة حفظها كما هو مقتضى الميزان الوارد في رواية تحف العقول، و الاستفصال المذكور في رواية عبد الملك المتقدمة فإنه لو تم الإطلاق في ناحية مثل قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ فلا بد من رفع اليد عنه بدلالة حديث تحف العقول و الرواية، اللهم الا ان يدعى الإجماع على حرمة الإبقاء مطلقا أو يلتزم بإطلاق معقد نفى الخلاف، و مع هذه الدعوى أو الالتزام فلا عبرة بترتب الفساد و عدمه، بل لا بد من تنقيح العنوان الذي وقع مورد الإجماع أو نفى الخلاف، و ان المراد بكتب الضلال فيه الكتب التي تكون مطالبها باطلة و ان لم توجب ضلالا، أو أن المراد بها الكتب التي تكون موجبة للضلال، و ان كانت مطالبها حقة، كبعض كتب العرفاء و الحكماء المشتملة على ظواهر مضلة، و يدعون أن المراد غير ظاهرها.

(أقول) ما ذكره من دعوى الإجماع و استفادته من نفى الخلاف غير صحيح فإن الإجماع لا يحرز إلا في مسألة تعرض لحكمها معظم الفقهاء أو جميعهم مع اتفاقهم على ذلك الحكم، و نفى الخلاف يكفى فيه اتفاق جماعة قليلة تعرضوا للمسألة فكيف تكون دعوى نفى الخلاف كاشفة عن الإجماع مع ان الإجماع في المقام محصله لا قيمة له فضلا عن منقوله، حيث ان الظاهر- و لا أقل من الاحتمال- كون المدرك في حكمهم بحرمة الحفظ ما ذكر من حكم العقل الموهوم

أو دلالة الآية.

(2) التقييد بما قبل نسخ دينهما باعتبار أن اليهود و النصارى بعد نسخ دينهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 143

إذ ما من كاغذ الا و له قيمة (1) و لو كان باطلا في نفسه خارجا عن المالية (2)

______________________________

في ضلال، باعتقاد هما ببقاء الدين المنسوخ فلا يوجب لهم التحريف في كتابهما ضلالا آخر.

(1) اى ان إحراقها إتلاف للكاغذ المفروض استيلاء المسلمين عليه و له قيمة فلا يجوز الإتلاف و كيف كان فيظهر من كلام الشيخ (ره) أن التوراة و الإنجيل من كتب الضلال فيجب تمزيقهما و الانتفاع بكاغذهما و أورد عليه المصنف (ره) بأنه لا دليل على وجوب المحو الا فيما إذا كان موجبا للضلال، و مع عدم إيجابه له، فمع بطلان مطالبه لا يجوز بيعه باعتبار عدم كونه مالا و أما محوه فلا دليل عليه.

(أقول) مجرد بطلان مطالب كتاب لا يوجب خروجه عن المالية شرعا حتى لا يجوز المعاوضة عليه، كما في الكتب التي تؤلف من مجموع قضايا جعلية لغاية تفريج الهم عن قارئها و مثل هذه يجوز بيعها و شراؤها، لكونها مالا شرعا باعتبار ترتب المصلحة المقصودة المباحة عليها حتى مع عدم إظهار مؤلفها بأن هذه القضايا الواردة في الكتاب جعلية و سيأتي إن شاء اللّه تعالى أن الموجب لكون المكتوب أو الكلام كاذبا قصد الكاتب أو المتكلم لا اعتقاد المطالع و المسامع.

(2) يعنى لو كان بعض الكتاب باطلا و خارجا عن المالية الشرعية و ان لم يكن موجبا للضلال و باعه بعوض، فتبطل المعاوضة بالإضافة الى ذلك البعض.

(أقول) لا يكون بيع كتاب منحلا الى بيوع متعددة بالإضافة إلى أبعاضه خارجا، فان المعيار في الانحلال و عدمه نظر

العرف كما مر، و لذا لو باع كتابا بعنوان أنه الكتاب الفلاني و ظهر مشتملا على بعض الأوراق من ذلك الكتاب يحكم ببطلان البيع رأسا و بالجملة فبما أن البيع في الفرض لا يصح بالإضافة إلى الكتاب تعين بطلانه على قرار ما تقدم في بيع الصنم مع كون مادته مالا.

ينبغي في المقام التعرض لحكم اللحية فنقول ذكر صاحب الحدائق (ره)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 144

[تذييل حلق اللحية]

______________________________

في آداب الحمام الظاهر كما استظهره جماعة من الأصحاب كما عرفت تحريم حلق اللحية، لخبر المسخ المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه لا يقع الا على ارتكاب أمر محرم مبالغ في التحريم انتهى و ربما يقال أن تعبيره (ره) بالظاهر لا بالأظهر فيه إشارة إلى تسالم الأصحاب على الحكم، و لكن ملاحظة تعبيرات الحدائق في المسائل كافية في الجزم بأن مثل هذا التعبير منه (ره) لا يشير الا الى اجتهاده و ذكر صاحب الجواهر (ره) في باب الإحلال من إحرام الحج بحلق الرأس أنه ليس للنساء حلق، لنهى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ان تحلق المرأة رأسها في الإحلال لا مطلقا، فان الظاهر عدم حرمته لها في غير المصاب المفضي إلى الجزع، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر اللهم الا أن تكون الشهرة بين الأصحاب تصلح جابرة لنحو المرسل المزبور بناء على إرادة الإطلاق فيكون كحلق اللحية للرجال انتهى.

و حاصل مرامه أنه لا يجوز للمرأة حلق رأسها عند إحلالها من إحرام حج أو غيره و كذا للجزع عند المصيبة، و يجوز في غير ذلك و حرمته عند الإحلال لنهي رسول اللّه (ص ع) أن تحلق المرأة رأسها المحمول على الإحلال و أما جوازه

في سائر الأحوال فلأصالة الحلية السالمة عن المعارض المعتبر، إلا ان يقال بحرمته عليها مطلقا أخذا بإطلاق هذه المرسلة المنجبر ضعفها بالشهرة على تقدير إرادة الإطلاق فيكون حرمته عليها كحرمة حلق اللحية على الرجال، و هذا- كما ترى- لا يدل على ثبوت الشهرة على الحرمة في حلق الرجل لحيته بل مقتضاه حرمته عند صاحب الجواهر.

و الحاصل أنى لم أظفر على ما يدل على الشهرة بين الأصحاب في حرمة حلق اللحية و اما ما استدل به على الحرمة فأمور (منها) قوله سبحانه حكاية عن إبليس عليه اللعنة وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ «1» بدعوى ان ما يأمر به إبليس لا يكون الا فعلا

______________________________

(1) سورة النساء (4) الاية (119)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 145

..........

______________________________

محرما، و حلق اللحية من تغيير خلق اللّه، و لكن لا يخفى أن مثل حلق اللحية لو كان تغييرا لخلق اللّه و محرما باعتبار ذلك لكان شق الطرق في الجبال، و حفر الابار و زرع الأشجار و غيرها تغييرا لخلقة اللّه تعالى، و الالتزام بحرمتها غير ممكن و حليتها بتخصيص الآية باعتبار كونه من تخصيص الأكثر غير ممكن، فلا بد من حمل الآية على مثل الفطرة المخلوق جميع الناس عليها على ما يشير إليها قوله سبحانه فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا لٰا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّٰهِ «1» و المراد من تغييرها إفسادها بجعل النفس مركزا لطرح الشرور و مولدا لنيات السوء أو على غيرها مما لا قرينة في الآية على تعيينه.

الثاني أن الروايات الواردة في حف الشوارب و إعفاء اللحية كمرسلة الصدوق (ره) قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: حفوا الشوارب و أعفوا اللحى و لا

تشبهوا باليهود) «2» و في الأخرى قال: (قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ان المجوس جزوا لحاهم و وفروا شواربهم، و أما نحن نجز الشوارب و نعفي اللحى و هي الفطرة) «3» و فيه أن مثل هذه الروايات حتى مع الإغماض عن أسانيدها لا دلالة لها على حرمة حلق اللحية، فإن الحف عبارة عن الجز و القطع، و الإعفاء التوفير، و من الظاهر أن توفير اللحية غير واجب قطعا، بل الواجب على تقديره رؤية الشعر في الوجه، فلا بد من حملها على الاستحباب و المراد بعدم التشبه باليهود عدم تطويل اللحية بما هو خارج عن المتعارف أو زائد على القبضة، كما كان يفعل اليهود على ما قيل في رواية حبابة الوالبية، قالت: «رأيت أمير المؤمنين عليه السلام في شرطة الخميس، و معه درة لها سبابتان يضرب بها بياع الجري و المارماهي و الزمار، و يقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل و جند بنى مروان، فقام إليه

______________________________

(1) سورة الروم (30) الاية (30)

(2) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (67) أبواب آداب الحمام الحديث: (1).

(3) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (67) أبواب آداب الحمام الحديث: (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 146

..........

______________________________

فرات بن أحنف فقال يا أمير المؤمنين و ما جند بنى مروان؟ قال فقال له أقوام حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب فمسخوا» «1» و ظاهرها مع الإغماض عن سندها عدم جواز حلق اللحية مع تفتيل الشوارب لا مطلقا كما لا يخفى.

(الثالث) ما رواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلا عن كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن ابى نصر البزنطي صاحب الرضا (ع)، قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له ان

يأخذ من لحيته؟ قال: أما من عارضيه فلا بأس، و أما من مقدمها فلا» «2» و لكن ظاهره عدم جواز الأخذ من مقدم اللحية، و هذا لا يمكن الالتزام به، و حمله على جواز حلق العارضين دون مقدم اللحية بلا قرينة غير ممكن، و اسناد ابن إدريس إلى جامع البزنطي غير معروف لنا و لكن رواه ايضا على بن جعفر في كتابه. و قد ذكرنا أن طريق صاحب الوسائل الى كتابه ينتهي إلى الشيخ (ره) و سند الشيخ (ره) الى الكتاب المزبور صحيح. و في معتبرة سدير الصيرفي، قال: «رأيت أبا جعفر (ع) يأخذ عارضيه و يبطن لحيته» «3» و في دلالتها على الاستحباب أيضا تأمل، لاحتمال كون ذلك من اختياره (ع) أحد أفراد المباح كما لا يخفى.

(الوجه الرابع) أن رواية الجعفريات (حلق اللحية من المثلة، من مثل فعليه لعنة اللّه) و أورد على الاستدلال بها على الحرمة بأن مجرد اللعن على فعل لا يدل على حرمته، و قد ورد اللعن في ترك بعض المستحبات، مثل قوله (ع):

«ملعون من أخر الصلاة» و أجاب عنه السيد الخوئي طال بقاه- كما في تقريراته- بأن اللعن على فعل غير الاخبار بكون الشخص ملعونا فإن الاخبار بكونه ملعونا و بعيدا عن اللّه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (67) من أبواب آداب الحمام- الحديث: (4).

(2) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب (63): من أبواب آداب الحمام، الحديث: (5).

(3) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب (63): من أبواب آداب الحمام، الحديث: (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 147

..........

______________________________

ربما يكون منشأه ارتكاب المكروهات، و هذا بخلاف إنشاء اللعن على المؤمن، فإنه لا يكون الا مع ارتكابه فعلا محرما و قوله

(ع) (و من مثل فعليه لعنة اللّه) من قبيل إنشاء اللعن على فاعل المثلة بخلاف قوله: (ملعون من أخر الصلاة).

و لا يخفى ما في الاشكال و الجواب، فان اللعن ليس هو البعد مطلقا بل البعد الناشئ عن الطرد و الغضب، و هذا لا يكون إلا مع حرمة الفعل، و لا يفرق في ذلك بين إنشائه أو الاخبار بكون الفاعل لكذا ملعونا و مطرودا، حيث انه لو لم يكن فعله محرما فلا موجب لطرده و لعنه، و اللعن في مثل تأخير الصلاة عن وقتها محمول على مثل ما إذا كان التأخير للاستخفاف بها.

ثم ان المعتبر في تحقق عنوان المثلة أمران. (أحدهما) إيقاع النقص بالغير و (ثانيهما) كون الإيقاع بقصد هتكه و تحقيره، فلا يتحقق العنوان فيما إذا حلق الإنسان لحيته بداعي تجميله أو نحوه، كما هو موضوع البحث. و المستفاد من الرواية أن حلق لحية الغير بقصد هتكه و التنقيص به مثله حكما أو موضوعا.

هذا مع أن رواية الجعفريات لا تكون حجة على الحكم و لا على حرمة المثلة، فإنه لم يثبت ان النسخة المأخوذة منها هذه بعينها كتاب موسى بن إسماعيل بن موسى (ع) و وصل الى سهل بن احمد بن سهل، و منه الى الحسين بن عبيد اللّه بواسطة محمد بن محمد الأشعث.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا بأس بقطع عضو الميت الكافر في العملية المتعارفة في زماننا، و جعله مكان العضو الفاسد من انسان آخر، كما لا بأس بخرق جسده لغرض الاطلاع على أوضاع الجسد المعبر عن ذلك بالتشريح للطبابة. نعم لا يجوز ذلك بالإضافة إلى أعضاء الميت المسلم باعتبار وجوب دفنها و حرمة هتكه حيا، و ميتا.

و المتحصل في المقام ان الاخبار

الدالة على اعفاء اللحية و تطويله مع ضعف إسنادها لا تصلح للاعتماد عليها و الحكم بوجوب تطويلها، حتى في فرض تقييد تلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 148

[الرشوة حرام]

الرشوة حرام (1)

______________________________

الاخبار بما ورد في بعض الروايات «1» من تحديد اللحية بالقبضة، بأن يقال الواجب تطويلها الى القبضة، حيث انه مع الإغماض عن سند المقيد لم يعهد من أحد الإفتاء بوجوب تطويلها كذلك، سواء التزم بحرمة تطويلها بعد الحد المزبور كما هو ظاهر بعضها حيث ذكر فيها، و ما زاد عن القبضة ففي النار أو قيل بكراهته و استظهارها من مرسلة يونس عن ابى عبد اللّه (ع) في قدر اللحية قال: «تقبض بيدك على اللحية و تجز ما فضل» أو من ذيل مرسلة الصدوق المتقدمة من قوله (و لا تشبهوا باليهود) و مع ذلك فلا يمكن الإفتاء بجواز حلق اللحية و عدم وجوب رعاية الاحتياط، و ذلك لأن المرتكز في أذهان المتشرعة عدم جواز حلقها، و ان كان في انتهاء هذا الارتكاز الى عصر الشارع المقدس تأمل، لاحتمال حدوثه أخيرا بالرجوع إلى جماعة أفتوا بحرمته و اللّه سبحانه هو العالم و لا يخفى ان حرمة حلق اللحية على تقدير القول بها من جهة الروايات أو دعوى سيرة المتدينين أو ارتكاز الحرمة تكون كسائر المحرمات ساقطة عند الاضطرار أو الإكراه أو المزاحمة بتكليف آخر مساو أو أهم، و لو لم يمكن رعاية التكليف الآخر الأهم بل المساوي إلا مع حلقها جاز.

(1) و عليه إجماع المسلمين كما في جامع المقاصد و المسالك و يدل عليه قوله عز من قائل وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوٰالِ

النّٰاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ «2» و ظاهرها عدم جواز إعطاء المال للحكام لغاية أكل أموال الناس، مع العلم بالحال، سواء كان الأكل المزبور غرضا أوليا، أو كان من غاية الغاية، بأن كان الإعطاء لجلب ميل الحاكم و حبه اليه حتى يحكم له و يتعدى الى ما إذا كان الحكم له شرطا في الإعطاء، أو كان المال عوضا عن ذلك الحكم بالفحوى. نعم لا دلالة فيها على ما إذا كان الإعطاء لغاية الحكم بما هو الواقع، و ما هو على

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (1) الباب: (65) من أبواب آداب الحمام- الحديث: (3)

(2) سورة البقرة (2) الاية: (188)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 149

و في المستفيضة (1) و في رواية الأصبغ بن نباتة (2) و عن الخصال في الصحيح (3) و هذا المعنى هو ظاهر تفسير الرشوة (4)

______________________________

قوانين القضاء، بأن لا يميل نفس القاضي إلى خصمه و يذهب بحقه.

(1) كموثقة سماعة عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «الرشا في الحكم هو الكفر باللّه» «1» و كصحيحة عمار بن مروان قال: «سألت أبا جعفر (ع)- الى ان قال (ع)-:

فاما الرشا في الحكم، فان ذلك هو الكفر باللّه» «2» و في صحيحة الأخرى عن ابى- عبد اللّه (ع) «كل شي ء غل من الامام فهو سحت، و السحت أنواع كثيرة: (منها) ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، و (منها) أجور القضاة و أجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ المسكر و الربا بعد البينة. و أما الرشا في الأحكام يا عمار فهو الكفر باللّه العظيم» «3» و قوله كل شي ء غل من الامام أي أخذ منه خيانة و ظاهر التعبير بالكفر هي الحرمة تكليفا و

يستفاد الوضع من عد الرشوة من السحت.

(2) ضعيفة سندا و الغلول بمعنى السرقة. و الخيانة و الرشوة المذكورة فيها لا تناسب الرشا في الحكم، حيث أن القضاء لا يكون من شأن الوالي كما لا يخفى.

(3) هذه هي الصحيحة المتقدمة عن ابى عبد اللّه (ع)، و مدلولها عدم جواز أخذ الأجر على القضا، سواء كان معطيه أحد المتخاصمين أو غيره ممن يهمه قضاؤه، كأخذ الأجرة من الوالي، و كذا عدم جواز أخذ الرشا بلا فرق بين كونه للحكم له باطلا أو للحكم بما هو الواقع أو للحكم له باطلا كان أو حقا، و سواء كان ذلك غرضا و داعيا إلى الإعطاء أو شرطا فيه.

(4) الاحتمالات في معنى الرشوة أربعة: (الأول)- ما يعم مقابل الحكم الصحيح، سواء جعل عوضا عن نفس الحكم أو عن مقدماته كالنظر في أمر المترافعين

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: (8) من أبواب آداب القاضي- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (5) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 150

..........

______________________________

و هذا ظاهر القاموس و يساعده ظاهر كلام المحقق الثاني و صريح الحلي، حيث ذكر أنه لا يجوز للقاضي أخذ الرشا مطلقا، أى سواء كان عوضا عن حكمه الصحيح أم لا. نعم لا يحرم على المعطى فيما إذا كان عوضا عن الحكم الصحيح، و يحرم في غيره.

(الثاني)- ما يعطى للقاضي للحكم له في الواقعة بالباطل، و بقضاء الجور، كما هو ظاهر مجمع البحرين.

(الثالث)- إعطاء المال لغاية الوصول الى غرضه من الحكم له أو أمر آخر يفعله الغير له كما عن المصباح

و النهاية.

(الرابع)- إعطاء المال للقاضي للحكم له حقا أو باطلا. و أما الاحتمال الأول فالظاهر أن عوض الحكم و تعيين الأجر له لا يكون من الرشوة فيما إذا كان ذلك الحكم هو الحكم على موازين باب القضاء، و لذا جعل الرشوة في الحكم في صحيحة عمار ابن مروان مقابل أجر القضاة.

(بعبارة أخرى) لا يجوز للقاضي أخذ الجعل و الأجرة على حكمه الصحيح أو على ما هو من مقدماته، كالنظر في أمر المترافعين إما مطلقا، كما هو الصحيح، و عليه المشهور، بل في جامع المقاصد دعوى الإجماع عليه، و هو مقتضى كون أجر القضاة سحتا، و إما مع تعين القضاء عليه كما هو ظاهر المصنف (ره) و جمع آخر، و لكن عد الرشا في الحكم في مقابل أجر القاضي مقتضاه عدم شمول الرشا له، فلا يجرى عليه سائر أحكام الرشا، ككون إعطائه حراما تكليفا، بل يكفي في عدم جريانها فيه الشك في كونه داخلا في معنى الرشا كما لا يخفى. و كذا لا يمكن المساعدة على الاحتمال الثاني، فإنه لا ينحصر به الرشوة، بل يعم معناها ما إذا كان الغرض من الإعطاء هو الحكم له، سواء كان حقا أم باطلا. و أما إعطاء المال في غير موارد القضاء ففي كونه رشوة حكما أو موضوعا فسيأتي التعرض له. و الصحيح في معناها هو الاحتمال الرابع،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 151

..........

______________________________

و هو إعطاء المال للحكم له مطلقا حقا أو باطلا.

ثم ان المعدود من السحت- في صحيحة الخصال و هو أجر القضاة بظاهره- يعم ما إذا كان العوض لنفس الحكم أو على مقدماته. و الالتزام- بان المحرم هو العوض لنفس الحكم- لا وجه له، فإنه

فرق بين كون السحت هو الأجر على القضاء أو أجر القضاة، فالمناسب للالتزام المزبور هو الأول. و المذكور في الصحيحة هو الثاني الشامل له و للآخر على ما هو شؤون القضاء، كالنظر في أمر المترافعين أو غيره من مقدماته. نعم في البين رواية يوسف بن جابر قال: «قال أبو جعفر (ع): لعن رسول اللّه (ص) من نظر الى فرج امراة لا تحل له، و رجلا خان أخاه في امرأته، و رجلا احتاج الناس اليه لتفقهه فسألهم الرشوة» «1».

و ربما يستظهر منها حرمة أخذ الأجرة في خصوص صورة تعين القضاء، حيث ان حمل الاحتياج فيها على الحاجة الى نوعه خلاف ظاهرها، بل ظاهرها الاحتياج الى الشخص، و لكن لا يخفى ما في الاستظهار، لان صدق الحاجة في مورد يكون الرجوع فيه الى الشخص من التخيير في الرجوع بين المجتهدين ظاهر، بل على تقدير تسليم الظهور فلا تصلح- لضعف سندها- لرفع اليد بها عن إطلاق الصحيحة المعدود فيها أجر القضاة من السحت كما مر. نعم حملها على سؤال الرشا للحكم للراشي حقا كان أو باطلا خلاف ظاهرها. و ظاهرها سؤال الأجر على فقهه و قضائه و إطلاق الرشوة عليه للتأكيد في حرمته.

و ربما يستدل على عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء بصحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن قاض بين قريتين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق؟

فقال: ذلك السحت» «2» و أورد عليه المصنف (ره) بأن الرواية غير ناظرة إلى أخذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب (8) من أبواب آداب القاضي حديث: (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (18): الباب (8) من أبواب آداب القاضي- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1،

ص: 152

خلافا لظاهر المقنعة (1)

______________________________

العوض و الأجر، بل ظاهرها ارتزاق القاضي من السلطان، فلا بد من حملها على صورة عدم كونه أهلا للقضاء بقرينة كونه منصوبا من قبل السلطان الجائر، و الا فلا مناص من ارتزاق القاضي من بيت مال المسلمين، سواء أخذه من السلطان العادل أو الجائر و فيه ان ذكر قيد على القضاء في الرواية قرينة على كون المراد بالرزق هو الأجر على الحكم، و إلا كان ذكر القيد لغوا، و لا حاجة ايضا الى حمل كونه من غير بيت المال كما ذكر المصنف (ره) في آخر كلامه.

(1) ثم إن في أخذ الأجر على القضاء بالحق قولين آخرين: (أحدهما) الجواز مطلقا كما هو ظاهر المقنعة و المحكي عن القاضي، باعتبار ان القضاء عمل محترم، فيصح أخذ المال عليه، كما هو مقتضى مثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» المعبر عنه بالأصل و رواية حمزة بن حمران قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: من استأكل بعلمه افتقر، قلت ان في شيعتك قوما يتحملون علومكم و يبثونها في شيعتكم، فلا يعدمون منهم البر و الصلة و الإكرام، فقال ليس أولئك بمستأكلين، إنما ذاك الذي يفتي بغير علم و لا هدى ليبطل به الحقوق طمعا في الدنيا» «2» و لكنها لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها، بل لا دلالة فيها على جواز أخذ الأجر على القضاء بالحق و الإفتاء به، و غاية مدلولها حصر المستأكل بعلمه في من يفتي بغير علم و يبطل حقوق الآخرين لغاية وصوله الى مال الدنيا و حطامها، فلا يكون من يفتي بعلم و لا يبطل حقوق الآخرين مستأكلا بعلمه بالصلة و بالبر و الإكرام لهم و أما أخذهم الأجر على

قضائهم و افتائهم جائز أم لا، فلا دلالة لها على ذلك و على تقدير الإطلاق في جواز الاستيكال فتقيد بمثل صحيحة عمار بن مروان المتقدمة، و أما العمومات الدالة على نفوذ العقد أو صحته فلا يمكن الأخذ بها في مقابل الخصوصات الواردة

______________________________

(1) سورة المائدة (5) الاية: (1)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (18) الباب: (8) من أبواب آداب القاضي- الحديث: (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 153

للغاية أو للعاقبة (1) و فصل في المختلف (2)

______________________________

في المقام فلاحظ.

(1) بطلان الحق و ذهابه على صاحبه يترتب على القضاء بغير علم و لا هدى، و يكون البطلان غاية له، كما أنه يترتب على اعداد الشخص نفسه للقضاء بغير علم بطور العاقبة، حيث ان عاقبة هذا الاعداد ذهاب الحقوق من أربابها، فاللام في قوله ليبطل به الحقوق إما للغاية كما إذا كان متعلقا بقوله يفتي المراد به الإفتاء فعلا، أو للعاقبة كما إذا كان متعلقا به بمعنى اعداد نفسه للإفتاء، و على الأول تكون الرواية دالة على حرمة الإفتاء بغير علم و أخذ المال عليه، و على الثاني تدل على حرمة إعداد نفسه للإفتاء، بداعي أخذ المال مع عدم عرفانه الحق و موازين الإفتاء و القضاء.

(2) و هذا ثاني القولين الآخرين، و حاصله عدم جواز أخذ الأجرة على القضاء مع تعينه أو عدم فقره و جواز أخذها مع حاجة القاضي و عدم تعين القضاء عليه اما عدم جواز أخذها مع تعين القضاء عليه فباعتبار عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات، و اما اعتبار فقره فيستظهر من روايتي يوسف و عمار، و لعل وجه الاستظهار أن المذكور في رواية عمار أجر القضاة، و من الظاهر ان القضاة في

ذلك الزمان كانوا من المرتزقة من بيت مال المسلمين و منصوبين من قبل من كان يدعى أن له ولاية على المسلمين، و لم يكن لهم حاجة الى أخذ المال من المترافعين كما ان المذكور في رواية يوسف من يكون مرجعا للناس في فقهه، و يبعد فرض الحاجة في مثله.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان الحكم الوارد في الصحيحة لا يختص بالقضاة المنصوبين في ذلك الزمان ليقال بعدم الحاجة لهم و حاجة الناس الى شخص لفقهه لا تلازم غناه، خصوصا فيما إذا كان الناس المراجعون إليه جماعة من الفقراء فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الأظهر بحسب الروايات عدم جواز أخذ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 154

و اما الهدية (1) و هل يحرم الرشوة في غير الحكم (2)

______________________________

الجعل و الأجر على القضاء أو ما هو من شئونه بلا فرق بين حاجة القاضي و عدمها و تعين القضاء عليه و عدمه و يتعدى الى أخذ الجعل و الأجر على الإفتاء و بيان الأحكام الشرعية الكلية باعتبار عدم احتمال الفرق بينهما في ذلك.

(1) قد ذكرنا دلالة الآية المباركة على عدم جواز إعطاء المال للحكام و القضاة لغاية أكل أموال الناس، بلا فرق بين ان يكون هذا الأكل غرضا أوليا أو كان الغرض الاولى جلب مودة الحاكم و محبته اليه حتى يحكم له، و كما أن الإعطاء على المعطى و الأخذ على الحاكم في الأول حرام و سحت، كذلك في الفرض الثاني، حيث ان النهى- عن إيصال المال الى الحاكم وسيلة إلى أكل أموال الناس في الآية المباركة- يناسب التحريم فيهما، كما أن الروايات- الدالة على كون الرشا كفرا باللّه و على عدم صيرورة

الرشوة ملكا للحاكم كما هو ظاهر السحت- تعمهما و على ذلك فالهدية إى ما يهبه الشخص للقاضي لغاية جلب مودة القاضي إليه حتى توجب الحكم له حقا أو باطلا داخلة في عنوان الرشوة، فلا يجوز للمعطى الإعطاء و لا للقاضي أخذها و لو نوقش في شمول معناها لها، فلا ريب في أنها لاحقة بها حكما من حيث الإعطاء و عدم صيرورتها ملكا للقاضي، باعتبار عدم احتمال الفرق بينهما في هذه الجهة. و اما ما استشهد به المصنف (ره) من الروايات فهي لا ترتبط بالهدية المعطاة للقاضي كما لا يخفى.

(2) المال المعطى للغير كالاعطاء لإصلاح أمره عند الأمير أو قضاء حاجة له عنده له صور ثلاث: (الأولى)- إعطاؤه للأمر المحرم (الثانية)- إعطاؤه لإصلاح أمره حلالا أو حراما (الثالثة)- لإصلاح أمره حلالا. و ذكر المصنف (ره) أن المال في الصورتين الأولتين لا يصير ملكا للأخذ، لكونه من اكله بالباطل، و لكن ليس فساده فيهما لأجل الرشا حتى يحرم الإعطاء و الأخذ تكليفا أيضا، لأنه ليس في البين ما يدل على حرمة الرشا مطلقا إلا بعض ما ينصرف الى الرشا في الأحكام. و أما الصورة الثالثة فلا بأس بها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 155

..........

______________________________

وضعا و تكليفا كما هو مقتضى مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

و يدل عليه ايضا ما ورد في الرجل يبذل الرشوة ليتحرك الآخر من منزله حتى يسكن فيه المعطى. و المراد المنزل المشترك كالمدرسة و السوق، و كذا تدل عليه رواية الصيرفي، قال: «سمعت أبا الحسن (ع) و سأله حفص الأعور، فقال: عمال السلطان يشترون منا القرب و الادواة. فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه منا، فنرشوه حتى لا يظلمنا، فقال، لا بأس بما تصلح

به مالك، ثم سكت ساعة، ثم قال: إذا أنت رشوته يأخذ منك أقل من الشرط، قلت: نعم، قال فسدت رشوتك» «1».

أقول لعل المراد بنفي البأس في هذه الرواية بيان عدم حرمة الإعطاء على المعطى، حيث أنه يدفع بالإعطاء إلى الوكيل ظلمه عن أمواله، و لكن ما يأخذه الوكيل على ارتداعه عن ظلمه أكل للمال بالباطل فلا يجوز. و على الجملة ان مضمون الرواية غير مربوط بالصور الثلاث.

(لا يقال): إذا كان متعلق الإجارة عملا يتحقق حلالا و حراما، فما الوجه في كون الإجارة باطلة، و لا تدخل الأجرة في ملك الأجير كما هو ظاهر المصنف (ره) (فإنه يقال) إذا كان متعلق الإجارة عملا يتحقق حلالا و حراما، فلا بد من تقييد مورد الإجارة في عقدها بتحققه حلالا، لئلا يكون الأمر بالوفاء بها منافيا لما دل على حرمة العمل، و يعمه وجوب الوفاء بها على كل تقدير، و مع إطلاق الإجارة فضلا عن التصريح بالإطلاق لا يمكن أن يعمها، كما هو المقرر في البحث عن اجتماع الأمر و النهى. و لو استأجره على غسل ثيابه فغسلها في إناء مغصوب بماء مغصوب لم يستحق اجرة، بل يحكم بانحلال الإجارة بانتفاء موردها، كما إذا آجره لقلع سنه فوقع السن، و هذا إذا تعلقت الإجارة بالغسل المباح، و الا كانت باطلة من الأول. و على تقدير البطلان ففي صورة العمل مباحا يستحق اجرة المثل لتضمن الإجارة الاذن في

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (37) من أبواب أحكام العقود حديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 156

و يلحق بها المعاملة المشتملة على المحابات (1)

______________________________

العمل الموجب للضمان. و على تقدير العمل حراما فلا يستحق شيئا، فإن أخذ المال

في مقابل الحرام أكل له بالباطل. و أوضح من ذلك ما إذا استأجره للجامع بين قراءة القرآن أو الغناء، فعلى تقدير قراءة القرآن يستحق اجرة المثل لقاعدة الضمان المستفاد من الأمر بالعمل و الاذن فيه، و على تقدير التغني لا يستحق شيئا. و لا يخفى أنه إذا أجريا العقد على عمل يحكم بصحته و تعلقه بالفرد الحلال حملا لفعلهما على الصحيح و هذا غير ما ذكرنا مما يعلم فيه تعلق قصدهما بالفعل حلالا و حراما.

(لا يقال) كما إذا ورد الأمر بفعل في خطاب مطلقا و ورد النهى عن بعض أفراده في خطاب آخر يكون الجمع بين الخطابين بتقييد متعلق الأمر و الالتزام بتعين الإتيان به في ضمن فرده الحلال، كذلك فيما كانت الإجارة على العمل مطلقا، فإنه يكون الجمع بين الأمر بالوفاء بالعقود و بين النهى عن بعض الافراد هو الالتزام بتعين الوفاء بها في ضمن الفرد الحلال (فإنه يقال) لا تنحل الإجارة بالإضافة إلى متعلقها حلالا أو حراما إلى إجارتين، ليقال بشمول أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لإحداهما دون الأخرى، بل هي عقد واحد لا يمكن ان يعمه عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فلاحظ.

(1) أى يلحق بالرشوة المعاملة المشتملة على المحاباة، و هو تنزيل الثمن عن القيمة السوقية و جعله أقل منها و قد ذكر المصنف (ره) للمعاملة كذلك مع القاضي صورا ثلاث.

(الاولى)- عدم تعلق غرض البائع بأصل البيع، بل يكون غرضه الأصلي هو حكم القاضي له باطلا أو مطلقا حقا أو باطلا، بحيث لو لا ذلك لم يقدم على بيع ماله أصلا.

(الثانية)- ان يكون له في أصل البيع غرض و يكون تقليل الثمن للقاضي بغرض حكمه له باطلا أو مطلقا، بحيث لو لا ذلك كان يبيع المال، و

لكن بلا تقليل الثمن.

(الثالثة) ان يكون غرضه من البيع كذلك جلب ميل القاضي و حبه اليه حتى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 157

كالجعل و الأجرة (1)

______________________________

يحكم له، و المعاملة في جميع الصور محرمة تكليفا، و لكن ربما يقال أنها محكومة بالصحة على الإطلاق أي سواء قيل بفساد الشرط أو لا، ففي الصورة الثالثة باعتبار عدم الشرط فيها على القاضي و في الصورتين الأولتين بناء على عدم تقسيط الثمن على الشرط، و أن المعاملة المحاباتية فيهما ترجع الى بيع الشي ء للقاضي بثمن معين مع الاشتراط عليه بالحكم للبائع، و هذا الشرط فاسد، لان العمل به بل اشتراطه كفر باللّه العظيم، و لكن بطلان الشرط بناء على عدم تقسيط الثمن عليه لا يضر بتمام البيع المزبور، و بناء على التقسيط يحكم بالبطلان بالإضافة إلى الشرط، نظير ما إذا باع الخل و الخمر بصفقة واحدة.

(أقول) الأظهر الحكم بالبطلان في جميع الصور، فإن الرشوة في الحكم هو المال المعطى للقاضي للحكم له، بحيث لا يعطى المال لو علم بعدم الحكم له، بلا فرق بين إعطائه ذلك المال مجانا أو مع جعل عوض له. و ما تقدم- من اعتبار كون الإعطاء مقابل الحكم له باطلا أو مطلقا- يراد به الأعم من جعل الحكم له شرطا أو عوضا أو داعيا إلى الإعطاء. و بما أن إعطاء المبيع في الصور الثلاث للقاضي بداعي الحكم له أو باشتراطه عليه، فيدخل في عنوان الرشوة في الحكم و يكون سحتا، بل إذا باعه من القاضي بثمن المثل، و لكن كان البيع بداعي الحكم له، بحيث لو لا حكمه له أمسك على متاعه و لم يبعه لا منه و لا من غيره،

كما يتفق ذلك في بعض أزمنة عزة وجود المبيع كان المبيع محرما و سحتا.

(1) كما في المال المجعول عوضا للحكم له بنحو الجعالة، و الثاني كما إذا كان عوضا له في الإجارة، ثم ان ضمان اليد فيما إذا كان المال جعلا أو أجرا على الحكم واضح، و كذا ما إذا كان الحكم له شرطا في إعطائه بأن يكون الإعطاء المزبور من الهبة المشروطة، حيث أن المال في صورة الاشتراط، و أن لا يكون عوضا عن الحكم، إلا أن المدرك لضمان تلف المال في اليد و هي السيرة الجارية من العقلاء تعم موردها،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 158

في اختلاف الدافع و القابض (1)

______________________________

كما يعمه حديث على اليد ما أخذت، و لكنه لضعفه سندا لا يصلح إلا للتأييد. و أما إذا كان الحكم له داعيا الى تمليك المال بلا أخذه عوضا أو شرطا، يكون التمليك المزبور من الهبة الفاسدة مجانا، فلا ضمان فيها كما لا ضمان في صحيحها.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 1، ص: 158

ثم إن رضا صاحب المال بتصرف القاضي في الرشوة أو في الجعل و الأجرة لا يوجب جواز التصرف له، لان رضا صاحبه بعنوان الرشوة، و هذا العنوان لا يوجب جواز أكل المال و لا جواز التصرف، و لم يرض المالك بالتصرف فيه بعنوان آخر كما هو الفرض.

(1) تعرض (ره) لصور ثلاث من الصور المفروضة في المقام: (الاولى)- أن يكون اتفاقهما على تمليك المال بعنوان الهبة، و اختلافهما في دعوى الدافع بأنها كانت بداعي الحكم له، فباعتبار كونها

رشوة فاسدة، و دعوى الآخذ أنها كانت بداع آخر يكون الدفع معه لازما، كقصد التقرب فيه، و في مثل هذا يقدم قول مدعى الصحة. و لا مجال لاحتمال الضمان، فإنه لا ضمان في الهبة صحيحة كانت أم فاسدة. نعم بناء على ما قيل من الضمان في الرشوة مطلقا فمقتضى قاعدة اليد و لو كان ثبوته، إلا أن أصالة الصحة في الهبة تنفي موضوع الضمان، باعتبار إثباتها التسليط الذي لا يكون فيه ضمان.

(الثانية)- ما إذا لم يتفقا على نوع التمليك، كما إذا كانت دعوى الدافع أنها بعنوان الأجرة على الحكم، و الآخذ كانت دعواه الهبة الصحيحة، و في مثل ذلك لا مجال لأصالة الصحة، لأنها مختصة بما إذا كان الاتفاق على نوع خاص من المعاملة.

و الخلاف في صحتها و فسادها، بل الأصل في الفرض عدم تحقق الناقل أي الهبة الصحيحة فيجوز للدافع أخذ المال مع بقائه و بدله مع تلفه، لأصالة الضمان، فان الموضوع له تلف مال الغير في يده مع عدم تسليطه مجانا، و بضم الوجدان إلى أصالة عدم التسليط كما ذكر يتم موضوع الضمان، و أصالة عدم دفعه بعنوان الأجرة لا تكون مثبتة للهبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 159

[سب المؤمنين حرام]

سب المؤمنين حرام (1)

______________________________

المجانية، و لا اثر آخر في البين لها كما لا يخفى.

(الثالثة) ما إذا كان اتفاقهما على فساد التمليك، و دعوى الدافع أنه كان بنحو يوجب الضمان، و القابض نحوا آخر لا يوجبه، كما إذا كانت دعوى الدافع كونها أجرة على الحكم أو رشوة، بناء على الضمان في تلف الرشوة، و دعوى القابض أنها هدية فاسدة، و تكون ثمرة خلافهما بعد تلف المال، فإنه قبله يكون للدافع أخذها،

لاتفاقهما على فساد التمليك، و مقتضى ما ذكرنا في الصورة الثانية هو الضمان في الفرض، كما هو مقتضى ضم الأصل إلى الوجدان.

(1) لا يخفى أن الإذلال يكون بالتعدي على عرض الغير و كرامته، فيكون ظلما. و أما الإيذاء فهو أمر آخر، و ربما يكون في مورد السب، كما إذا اطلع عليه المسبوب، و كان الساب قاصدا إدخال الأذى عليه و لو بعلمه ببلوغ السب اليه، فيتأثر به، و هذا محرم آخر يكون الساب معه مستحقا لعقابين، لحرمة كل من الظلم و الإيذاء. و أما إذا لم يلتفت الى اطلاع المسبوب على سبه، يكون عقابه على سبه الذي هو مرتبة من الظلم و العدوان.

و يستدل على حرمته من الكتاب بقوله عز من قائل وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ «1» بدعوى أن قول الزور هو الكلام القبيح. و من أظهر أفراده سب المؤمن، و فيه أن الزور ظاهره الباطل، فيكون قول الزور هو الكلام الباطل، و اتصافه بالبطلان يكون باعتبار معناه لا محالة، فينطبق على الكذب و ما هو متضمن له. و أما الإنشاءات التي لا تتضمن الاخبار الكاذبة فلا يكون فيها بطلان، كما إذا قال- بمسمع من الناس لإنسان غير حاذق (يا حمار) فان الكلام المزبور باعتبار كونه هدرا لكرامة ذلك الإنسان و تنقيصا له سب، و لكن لا يكون من الباطل، نظير ما إذا قال للشجاع أنه أسد، فإنه مع فرض كونه شجاعا لا يكون من الباطل، و قوله سبحانه

______________________________

(1) سورة (الحج)- الاية (30)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 160

ففي رواية أبي بصير (1) و في رواية أبي بصير (2) و في رواية ابن الحجاج (3)

______________________________

لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ

«1».

و فيه أن الظاهر- و لا أقل من الاحتمال- أن يكون قوله سبحانه مِنَ الْقَوْلِ بيانا للجهر بالسوء لا للسوء، و المراد أنه عند ارتكاب انسان سوءا يكون إظهاره جهرا بالسوء، سواء كان المظهر بالكسر هو المرتكب أم غيره، و ان اللّه لا يحب هذا الإظهار و الجهر إلا من المظلوم، فإنه يجوز له التظلم، و إظهار ما فعله الغير في حقه من السوء، و هذا لا يرتبط بالسب أصلا. و على ذلك فارتكاب الشخص للحرام معصية، و إظهار ارتكابه الناس معصية أخرى.

(1) سندها معتبر، فإن الكليني رواها عن العدة عن احمد بن محمد عن الحسين ابن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عبد اللّه بن بكير عن ابى بصير عن ابى جعفر (ع)، و سند رواية السكوني على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني «2» و في بعض النسخ كالشرف على الهلكة، و عليه يكون السباب مصدرا، كما في رواية أبي بصير.

و أما على نسخة كالمشرف فالسباب صيغة مبالغة.

(2) رواها أيضا في الباب المزبور، و سندها معتبر، و لكن لا دلالة فيها على خصوص سب المؤمن، بل ظاهرها النهى عن السب مطلقا، باعتبار أن السب كسب لعداوة الناس، و المناسب للعاقبة كون النهي إرشاديا.

(3) سندها معتبر و الرواية على ما في الوسائل، و النسخة الموجودة عندي من الكافي (في الرجلين يتسابان، قال البادي منهما أظلم، و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الى المظلوم) و ذكر (ره) أن معنى كونه أظلم أن مثل وزر صاحبه عليه.

و فيه أنه ربما لا يكون على صاحبه وزر و عقاب أصلا، كما إذا كان سبه ثانيا

______________________________

(1) سورة النساء (4) الاية: (148)

(2) وسائل الشيعة

الجزء (8) الباب: (158) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (4- 1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 161

و ثالث ان تصف الشخص بما هو إزراء و نقص (1) فالنسبة بينه و بين الغيبة عموم من وجه (2)

______________________________

دفاعا عن عرضه و كرامته و جزاء على البادي بمثل ما اعتدى عليه، فان السب كذلك جائز كما هو مقتضى آية الاعتداء «1» و التعبير- في الرواية عن البادي بالأظلم- لا يدل على أن الآخر أيضا ظالم، فإنه يمكن كونه أظلم بالإضافة إلى الساب الذي لا يوجب سبه إيقاع الغير في الجواب، أو كان التعبير به لمجرد كون سبه موجبا للعقاب عليه مطلقا، بخلاف سب الآخر، فإنه قد لا يوجب عقابا. و يشير الى ذلك- التعبير عنه بالمظلوم نعم تقييد الوزر في الرواية، بما إذا لم يعتذر الى الآخر لا يمكن الأخذ بظاهره، فان الاعتذار- الى المظلوم عن سبه و إيقاعه إياه في السب- لا يوجب ارتفاع الوزر، بل ارتفاعه موقوف على التوبة، إلا أن يكون الداعي إلى اعتذاره توبته.

(1) الإزراء هو ذكر العيب، و لم يظهر الفرق بين هذا و ما ذكره في جامع المقاصد، ليجعل هذا في مقابل ذاك.

(2) أى ان النسبة بين قصد الإهانة و الغيبة عموم من وجه (أقول): سيأتي ان شاء اللّه تعالى أن الغيبة- على ما هو مقتضى الروايات- ذكر الشخص و إظهار سوئه و عيبه الذي ستر اللّه عليه، فلا تعم ما إذا ذكره بعيوبه الظاهرة، كما إذا ذكر زيدا و أراد رفع الإبهام عنه فوصفه بالأعمى، فإن مثل هذا الذكر إذا لم يكن بقصد التنقيص و التحقير لا بأس به. نعم إذا كان بقصدهما كان محرما من جهة حرمة

الإهانة و السب، و إذا أظهر عيبه المستور بلا قصد الإهانة كان غيبة، و يجتمعان فيما إذا كان إظهاره للإهانة.

ثم إن حرمة السب أى سب المؤمن للتحفظ على كرامته، فلا يكون حراما فيما إذا لم يكن للمسبوب كرامة و احترام، كالمتجاهر بالفسق على ما سيأتي في الغيبة، فإن مقتضى جواز اغتيابه جواز سبه. و أما وجوبه من جهة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فمشروط بشروطه المذكورة في ذلك الباب، و يلحق بالمتجاهر بالفسق

______________________________

(1) سورة البقرة (2) الاية: (194)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 162

و يمكن ان يستثني من ذلك ما إذا لم يتأثر (1)

______________________________

المبدع، بل الجواز فيه اولى. و يكفي أيضا في ذلك مثل صحيحة داود بن سرهان عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص): إذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي، فأظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة» «1».

(1) يجوز للسيد ضرب عبده للتأديب، و فحواه جواز سبه تأديبا. و أما في غير ذلك المقام، فمقتضى موثقة أبي بصير المتقدمة عدم الجواز، و كذا الحال بالإضافة إلى الوالد و ولده، فإنه يجوز له سبه تأديبا، كما يجوز له ضربه لذلك، و أما في غير مقام التأديب فلا، إلا إذا لم يعد الكلام المزبور من المولى أو الأب سبا و اهانة، كما إذا تكلم به حبا لولده، فيكون نظير ما إذا قال للزوجة ما يستقبح ذكره للغير في عدم كونه هدرا للكرامة، و

التمسك- في جواز سب الوالد ولده مطلقا، حتى فيما إذا لم يكن للتأديب، بقوله (ص): (أنت و مالك لأبيك)- لا يخفى ما فيه، فان الولد لا يحكم شرعا بأنه مملوك والده، نظير ملك العبد أو الحيوان للمولى، و المالك ليجري على الولد ما يجرى على مال الوالد، و لذا لو لم يكن للوالد حاجة لما جاز له الأخذ من مال ولده بلا رضاه، و كذا لا يجوز ترتيب سائر أحكام الملك، و الحكم الوارد في الرواية أخلاقي ذكره (ص) لئلا يتصدى الابن لمخاصمة أبيه في المحاكم الشرعية لأجل ماله، بل على تقدير كونه مالا لوالده كالعبد بالإضافة إلى مولاه، فلا يثبت جواز ضربه مطلقا كما لم يثبت ذلك في العبد. و أما المعلم و المتعلم، فلا يجوز للأول سب الثاني في مورد الهتك و التنقيص، كما لا يجوز ذلك في مورد الإيذاء و تأثر المتعلم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (39) من أبواب الأمر و النهى و ما يناسبهما- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 163

[في السحر و حكمه]

و كان آخر عهده بربه (1) هو ما لطف مأخذه و دق (2)

______________________________

و (بعبارة أخرى) كما لا يجوز للمعلم سبه مع التفاته الى أن سبه نقص للمتعلم في أنظار الناس، كذلك لا يجوز له مع التفاته الى ان سبه موجب لتأثره. و توهم جوازه بالسيرة الموهومة ضعيف. نعم يجوز للمعلم سب الولد الصغير إذا كان ذلك تأديبا، مع فرض كونه مأذونا في تأديبه عن وليه.

(1) أى أن اللّه يبرأ منه بعد تعلمه السحر و الرواية «1» سندها معتبر و مثلها الأخرى.

(2) المراد باللطيف و الدقيق هو الخفي أى ان السحر هو ما يكون سببه و

مأخذه خفيا. و هذا كتعريف الزرافة مثلا بأنه حيوان شرح اسمى، و بيان للمعنى بالوجه العام، و إلا لصح إطلاق السحر على كل ما يكون سببه خفيا كالرؤيا الصادقة التي لا نعرف منشأها.

ثم إن هذا التعريف لا ينافي أن يكون للسحر حقيقة، كما عن بعض، بخلاف التفاسير المذكورة عن أهل اللغة بعد هذا التعريف، فان مقتضاها عدم ثبوت الحقيقة له، كما عن بعض آخر، منهم المحقق الإيرواني. و يستدل عليه بقوله سبحانه في قضية سحرة فرعون فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعىٰ «2» و قوله فَلَمّٰا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النّٰاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ «3» و بما أن السحر أمر خيالي لا حقيقة له، فعبر سبحانه عن السحر بالكيد في قوله فَتَوَلّٰى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ نعم لا يلتفت الغير غالبا الى فعل الساحر، و أنه أمر خيالي، فيرتب عليه أثر الواقع، فيركض بعد خياله أن في أطرافه نارا تحرقه بالمكث، و يفترق عن زوجته بعد تخيله أنها عدوته الاولى و الأخيرة، و هكذا.

و لكن لا يخفى انه لا دلالة في الآية على أن السحر على الإطلاق أمر خيالي،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: (3) من أبواب بقية الحدود- الحديث: (2)

(2) سورة طه (20) الاية: (66)

(3) سورة الأعراف (6) الاية: (116) سورة طه (20) الاية (60)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 164

أو رقية (1) يؤثر في بدن المسحور (2) و في محكي الدروس أن المعتبر في السحر الإضرار (3)

______________________________

بل الحل و العقد يكونان بالسحر، و يبعد كونهما بالخيال. هذا مع ما ورد في سحر بعض الناس على النبي (ص) و الالتزام- بالتخيل بالإضافة إلى الرسول الأكرم- كما ترى.

(لا يقال) ما الفرق

بين السحر و بين المعجزة، بناء على القول بان للسحر حقيقة و لو في الجملة (فإنه يقال) يكون في المورد الذي للسحر حقيقة تحقق الشي ء بالسبب، و لكن السبب خفي لا يدركه عامة الناس، و هذا بخلاف المعجزة، فإنه يكون فيها تحقق الشي ء بلا سبب عادى كالإرادة، كما يفصح عن ذلك الكتاب المجيد إِذْ قٰالَ اللّٰهُ يٰا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَ عَلىٰ وٰالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النّٰاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ إِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتٰابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْرٰاةَ وَ الْإِنْجِيلَ وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهٰا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتىٰ بِإِذْنِي «1» و المراد بالاذن هو التكويني أي إعطاء السلطنة نظير قوله سبحانه مٰا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهٰا قٰائِمَةً عَلىٰ أُصُولِهٰا فَبِإِذْنِ اللّٰهِ «2» حيث لا معنى للإباحة و الترخيص الشرعي في مثل المقام. و على الجملة فالأفعال المنسوبة إلى عيسى على نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام، نظير الأفعال المنسوبة إلينا صادرة منه كصدورها منا، غاية الأمر السلطنة عليها بإرادة اللّه و مشيته على ما ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الطلب و الإرادة.

(1) المراد بها العوذة كالتي تعلق على الرقبة أو يشد على اليد أو غيرها للوقاية من الإغماء و الصداع أو غيرهما من العاهات.

(2) قيد لجميع ما تقدم من قوله كلام يتكلم به.

(3) و هل يعتبر في تحقق عنوان السحر أو حرمته الإضرار بالنفس أو بالغير

______________________________

(1) سورة المائدة (5) الاية: (110)

(2) سورة الحشر (59) الاية: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 165

..........

______________________________

أو لا يعتبر، و أنه حرام

مطلقا؟ ظاهر الآية الواردة في قضية هاروت و ماروت أنه كان الحرام هو المضر فقط، مع كون النافع ايضا سحرا، و لكن لا دلالة فيها على بقاء النافع على الجواز في غير ذلك الزمان و الروايات الواردة في حرمة السحر بعضها مطلقة تعم المضر و غيره كموثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه أن عليا (ع) كان يقول: «من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه و حده القتل) إلا ان يتوب» «1» و ليس في البين ما يوجب رفع اليد عن إطلاقها. و مرسلة إبراهيم بن هاشم و ان كانت ظاهرة في جواز النافع، لكن إرسالها مانع عن الاعتماد عليها فإنه روى على بن إبراهيم عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين قال: «دخل عيسى بن ثقفي على ابى عبد اللّه (ع)، و كان ساحرا يأتيه الناس و يأخذ على ذلك الأجر، فقال له: جعلت فداك انا رجل كانت صناعتي السحر و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي، و قد حججت منه و من اللّه على بلقائك، و قد تبت الى اللّه عز و جل، فهل لي في شي ء من ذلك مخرج؟ فقال أبو عبد اللّه (ع) حل و لا تعقد» «2» و الصحيح أن يقال: العمل الذي أحرز أنه سحر يحكم بحرمة تعليمه و تعلمه و عمله، سواء كان ضارا أم لا أخذا بإطلاق مثل موثقة إسحاق بن عمار. و أما ما لم يحرز كونه سحرا كالتسخيرات و العزائم فإن كان مضرا، بحيث يكون ذلك الإضرار محرما، سواء كان بالنفس أم بالغير، فلا يجوز مع خوفه، و إلا فلا يمكن الحكم بحرمته، لعدم إحراز عموم السحر له: و مجرد ذكر

العزائم أو التسخيرات في بعض الكلمات من أقسام السحر لا يثبته، خصوصا بملاحظة أنه عد ايضا منها النميمة. و دعوى الشخص بأنه يعلم علم الكيميا لجلب قلوب الناس اليه.

و رواية الاحتجاج الحاكية لقصة زنديق لا تزيد على الرواية المرسلة، و ذلك للجهل بطريق الطبرسي كما لا يخفى. و ما في كلام بعض الأصحاب- من جواز دفع

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (3) من أبواب بقية الحدود حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: 25 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 166

ثم ان الشهيدين عدا من السحر (1)

______________________________

السحر بالسحر حتى نسب الى الصدوق (ره) من أن توبة الساحر أن يحل و لا يعقد- لا يخلو عن تأمل. نعم مرسلة إبراهيم بن هاشم ظاهرة بإطلاقها في جواز إبطال السحر و الحل و لو بالسحر، و لكنها كما ذكرنا لا يمكن الاعتماد عليها، و لكن لا بأس بتعلم السحر و العمل به لإبطال مثل الدعوى من المدعى للنبوة، و نحوه ممن يكون غرضه إفساد عقائد الناس بالسحر أو غيره، بل لا يبعد وجوب ذلك كفائيا.

ثم إن ظاهر بعض الروايات كرواية السكوني جواز قتل الساحر حتى فيما إذا لم يكن مستحلا له، قال جعفر بن محمد عليهما السلام فيها: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ساحر المسلمين يقتل و ساحر الكفار لا يقتل» «1» و مثلها إطلاق غيرها كموثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة، و حملها- على صورة الاستحلال كما هو ظاهر جمع- لا يمكن المساعدة عليه. نعم توبته توجب سقوط حد القتل، كما ذكر في الموثقة، و بها يرفع اليد عن إطلاق غيرها، و لا بعد في

جواز قتله، بل وجوبه تحفظا على مصالح المسلمين ليكونوا على أمن من كيده. و دعوى أن السحرة في عصر الأئمة عليهم السلام كانوا غالبا من الكفار و يعتقدون تأثير الكواكب و الأجرام العلوية لا يخفى ما فيها، مع أن رواية السكوني دالة على قتل خصوص الساحر من المسلمين، فكيف تحمل على صورة كونه كافرا.

(1) أى ان الشهيدين جعلا تسخير الملائكة و الشياطين و الأجنة و إحضارهم من أقسام السحر و يكون استخدام الملائكة و الشياطين و تسخيرهم في مثل كشف الغائبات و علاج المصاب، كما يكون إحضارهم لغاية الكشف عن الغائبات بتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة و بعبارة أخرى تسليطهم على بدنهما بحيث يكون تكلم الصبي أو المرأة بتلقين الملائكة و الشياطين.

______________________________

(1) الكافي: الجزء (7) باب حد الساحر: الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 167

و الظاهر ان المسحور فيما ذكراه (1) و قال في الإيضاح انه استحداث الخوارق (2) و اما ما كان على سبيل الاستعانة (3) روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة (4)

______________________________

(1) كأن مراده بيان أن التسخير أو الإحضار يكون من السحر حتى بناء على أخذ الإضرار في تحقق عنوان السحر، و ذلك فان المعتبر في السحر الإضرار بالمسحور و المسحور في التسخيرات و الاحضارات هي الملائكة و الجن و الشياطين، و الإضرار بهم يحصل بتسخيرهم و تعجيزهم عن المخالفة و الجائهم إلى الخدمة و الطاعة.

(2) اى ان السحر هو إيجاد ما يعد خرقا للعادة، و يكون إيجاده بمجرد تأثير نفس الساحر أو باستعانة الساحر بالفلكيات بدعوتهم، و يسمى بدعوة الكواكب أو بتمزيج الساحر القوى السماوية بالقوى الأرضية، كان يلاحظ أن الكوكب الفلاني في أي برج و

يعمل في ذلك الزمان في الصفر أو غيره من الفلزات عملا يوجب حدوث ذلك الخارق للعادة و يسمى بالطلسمات أو يستعين الساحر بالأرواح الساذجة في إيجاد ذلك الأمر، و استعانته يكون باستخدامهم و يدخل فيه النيرنجات (أقول:) لعل المراد بالنيرنجات تسخير الشياطين و الأجنة و لكن فسرها في الدروس بدعوة الكواكب و الطلسمات، و يبقى على الإيضاح بيان الفرق بين المعجزة و القسم الأول من السحر.

(3) المراد أن ما يحدث بالاستعانة بخواص الأجسام السفلية فقط، كما في الاثرات الحادثة من تناول الأدوية من المبلدة و غيرها، فإنه لا يسمى سحرا، كما لا يسمى به ما يحدث بالاستعانة بالنسب الرياضية، كما إذا جعل قطعة حديد بحيث يرفع بها ثقيلا، و يسمى بعلم الحيل و جر الأثقال.

(4) الرواية لا تخلو عن المناقشة لوقوع النوفلي في سندها، بل لو كانت في أعلى مراتب الصحة لكانت ايضا مطروحة، باعتبار مخالفتها للكتاب العزيز، فان ظاهرها عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 168

و يدخل في ذلك تسخير الحيوانات (1)

[الشعبدة حرام]

الشعبدة حرام (2)

[الغش حرام]

الغش حرام (3) فعن النبي (4) قوله (ره) و في رواية العيون بأسانيد (5) و في عقاب الأعمال (6) و في مرسلة هشام عن ابى عبد اللّه (7)

______________________________

قبول توبة الساحر، و من المقطوع به أن السحر ليس بأعظم من الكبائر و من الارتداد مع قبول التوبة من المرتد و مرتكبها. و دعوى عدم فرض التوبة في الرواية يدفعها قوله: (فصامت المرأة نهارها، و قامت ليلها، و حلقت رأسها و لبست المسوخ) حيث أن ظهوره في التوبة غير قابل للإنكار.

(1) لم يظهر كون مجرد التسخير سحرا، و عليه فلا بأس به حتى فيما إذا كان ذلك إضرارا بالحيوان، فإن إضراره لا يزيد على ضرب الحيوان و الركوب أو حمل الثقل عليه كما لا يخفى، بل لا دليل على حرمة الإضرار بالأجنة فضلا عن الشياطين.

(2) فيه تأمل بل منع، حيث لا دليل على حرمة مطلق اللهو، بل دخول الشعبذة في اللهو ممنوع ايضا، و الشعبذة إيجاد الشي ء بأسبابه العادية، و لكن بما أن الإيجاد سريع تكون السرعة موجبة لتخيل وجوده بلا سبب عادى.

(3) الغش بالفتح مصدر و بالكسر اسم.

(4) كما في صحيحة هشام بن سالم «1».

(5) تعرض لتلك الأسانيد في الوسائل في باب إسباغ الوضوء و هي ثلاثة طرق عن الرضا (ع) كلها ضعاف لما فيها عدة مجاهيل فراجعها.

(6) تعرض لسنده في الوسائل في باب استحباب عيادة المريض و فيه ايضا مجاهيل.

(7) بل مرسلة عبيس بن هشام و رواها الشيخ عن عبيس عن ابى عبد اللّه (ع) و الظاهر انه ايضا اشتباه، فان عبيس- على ما ذكر- تاريخ وفاته سنة (220) و تاريخ

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (86) من أبواب ما يكتسب

به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 169

و فيه غش جملة ابتدائية (1) ثم إن ظاهر الاخبار (2)

______________________________

وفاة ابى عبد اللّه (ع) سنة (148) مع أن الشيخ (ره) عد الرجل في فهرسته ممن لم يرو عن الامام (ع).

(1) اى ان الدينار لا يباع بشي ء، و يتعين أن تكون جملة فيه غش ابتدائية موضع التعليل، و يحتمل رجوع الضمير في لا يباع إلى سائر الأموال. و المراد بشي ء هو الدينار و فيه غش (وصف للشي ء) أي لا يباع أموال الناس بشي ء مغشوش. و لكن الظاهر هو الأول، لأن إرجاع الضمير الى غير المذكور في الكلام مع وجود ما يصلح له في الكلام خلاف الظاهر، و ليس المراد من البيع بناء على الجملة الابتدائية هو الاشتراء ليقال أنه ايضا خلاف الظاهر، بل المراد البيع و تعلقه بالدراهم- كما في بيع الصرف- متعارف.

(2) فرق (قدس سره) أولا بين الغش في مثل مزج اللبن بالماء، و مزج الدهن الجيد بالردي ء، و وضع الحرير في المكان البارد لكسب الثقل، مما يكون العيب و النقص فيه خفيا لا يعرف غالبا، إلا من قبل بايعه، و بين النقص الذي لا يخفى على من يلاحظ المبيع و لا يتسامح في التعرف على حاله، كما في مثل خلط الحنطة الجيدة بالرديئة. و ذكر أن مثل هذا الخلط جائز كما يشهد له صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): «أنه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض، و بعضه أجود من بعض؟

قال: إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغط الجيد الردي ء» «1» و مثلها صحيحة الحلبي الثانية عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الرجل يكون عنده لونان من طعام

واحد سعرهما بشي ء، و أحدهما أجود من الآخر فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد؟

فقال: لا يصلح له أن يغش المسلمين حتى يبينه» «2».

و ظاهرهما و إن كان جواز الخلط، و لكن عدم بيان ذلك للمشتري الغافل

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (9) من أبواب أحكام العيوب- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (9) من أبواب أحكام العيوب- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 170

..........

______________________________

غش محرم، فيجب الاعلام به. و يستفاد ذلك من رواية سعد الإسكاف «1» فإن النقص في موردها و ان كان يظهر بملاحظة المبيع و عدم التسامح في معرفته، إلا ان عدم الإظهار عد فيها غشا. و يمكن حمل هذه الروايات الظاهرة في الغش بالنقص غير الخفي على صورة كونه بفعل البائع، بقصد تلبيس الأمر على المشترى، فلا يجب عليه الإعلام إلا في هذه الصورة. و أما إذا كان بداع آخر أو بفعل شخص آخر، كما إذا اشترى طعاما مختلطا من الجيد و الردي ء، و أراد بيعه من آخر ثانيا، فلا يجب عليه الاعلام. و أما المخفي و ان كانت الحرمة فيه ايضا ببيع المغشوش مع جهل المشترى بالحال، إلا أنه لا فرق فيه بين كون الغش بفعله أو بفعل آخر أو لغرض آخر، ففي جميع ذلك يجب الاعلام.

ثم إنه (ره) ساوى بين النقصين، و ذكر أنه لا يجب عليه الإعلام إلا في مورد قصد التلبيس. و أما ما هو ملتبس في نفسه فلا يجب. نعم لا يجوز إظهار سلامة المبيع و عدم وجود النقص فيه، بلا فرق في ذلك ايضا بين النقص الخفي و غيره، فالعبرة في حرمة الغش بقصد التلبيس على المشترى. و قال (ره):

(ان في التفصيل الوارد في صحيحة الحلبي الأولى شهادة لذلك) قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يشترى طعاما، فيكون أحسن له و أنفق ان يبله، من غير أن يلتمس زيادته، فقال: إن كان بيعا لا يصلحه إلا ذلك و لا ينفقه غيره، من غير أن يلتمس فيه زيادة، فلا بأس، و إن كان انما يغش به المسلمين، فلا يصلح» «2» فإنه سلام اللّه عليه جوز بل الطعام بدون الاعلام مع عدم قصد الزيادة، لأن الرواية لو كانت ناظرة إلى صورة الإعلام لم يكن وجه للتفصيل في الجواب بين قصد الزيادة و عدمه، فإنه مع الاعلام يجوز البل مطلقا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (86) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (8)

(2) و رواها في الوسائل الجزء (12) الباب: (9) من أبواب أحكام العيوب- حديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 171

ثم إن في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفى (1)

______________________________

(أقول): لم يظهر من صحيحة الحلبي جواز السكوت، فيما إذا كان في المبيع ما لا يعرف إلا من قبل البائع، و لو لم يكن ذلك بفعله كحيوان أكل ما يوجب موته، بل يكون ترك الاعلام في بيعه غشا، فيعمه ما دل على حرمة الغش.

(لا يقال) النقص في المبيع إذا كان من قبيل العيب فعلى البائع الإعلام به مطلقا سواء كان العيب خفيا أم لا، لان بيعه بالتزام الصحة مع علمه بالعيب يعد غشا، كما لو صرح بأنه يبيعه على شرط الصحة، و الحيوان الذي أكل ما يوجب موته من بيع المعيوب على شرط السلامة، (فإنه يقال): الموجب لصدق الغش عدم إعلام البائع بالعيب مع علمه به، حتى فيما لو تبرأ

من عيوب المبيع، حيث يعد بيع الحيوان المزبور غشا، حتى مع التبري منها، و إلا فليس الالتزام بالصحة إخبارا عنها ليقال ان الالتزام بها مع العلم بالعيب غش، بل معناه جعل الخيار للمشتري على تقدير العيب، كما سيأتي في بحث الخيارات ان شاء اللّه تعالى.

نعم إذا كان النقص مما يعرفه الناظر في المبيع، فلا يجب إعلام المشتري بالحال إلا فيما إذا كان فعله بقصد التلبيس، لعدم صدق الغش على ترك الاعلام، حيث إن الغش بمعناه المصدري ضد النصيحة لا ترك النصيحة مطلقا ليتحقق بمجرد ترك الاعلام. نعم إذا أظهر ما يكون إغراء أو موجبا لوقوع الآخر في خلاف الواقع كان ذلك غشا في المعاملة.

(1) يقع الكلام في حكم المعاملة، فنقول: الغش أما بإخفاء الأدنى في الأعلى، كمزج الجيد بالردي ء، أو بإخفاء غير المراد في المراد، و نعني بالمراد ما ينطبق عليه عنوان المبيع، و من غيره ما لا ينطبق عليه، أو بإظهار الصفة الجيدة في المبيع مع عدمها واقعا، و يعبر عنه بالتدليس، أو بإظهار ما لا ينطبق عليه عنوان المبيع بصورة ما ينطبق عليه، كمبيع المموه و ما يكون مصبوغا بماء الذهب بعنوان أنه ذهب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 172

و ما ذكر من وجهي الصحة و الفساد (1)

______________________________

ثم إن الغش و ان كان محرما، لكن النهى عنه لا يقتضي فساد المعاملة فيما إذا لم يخرج المغشوش بالغش عن عنوان المبيع، كما في مزج الماء باللبن، مع استهلاك الماء باعتبار قلته، فيكون البيع صحيحا، غاية الأمر يثبت للمشتري خيار العيب مع جهله بالحال، و نظيره ما إذا كثر التراب في الحنطة، فإن كثرة التراب فيها لا يخرج المبيع عن عنوان الحنطة،

بل تعد معيوبة. و ما ذكره المصنف (ره) في الفرق بين المثالين لا يرجع الى محصل، و إذا خرج المبيع بالغش عن عنوان المبيع، بحيث لم يصدق ذلك العنوان على الموجود، كما في بيع المموه كان البيع باطلا، باعتبار أن عنوان المبيع يكون بنظر العرف مقوما للبيع، و مع فقده لا يكون بيع، و هذا بخلاف ما إذا صدق عليه عنوانه، و لكن خرج بالغش عن الوصف الملحوظ فيه، فإنه مع فقد الوصف يكون المورد تارة من تخلف الوصف المشترط، و من تخلف الداعي أخرى و إذا لم يستهلك غير المراد في المراد، بان كان الموجود هو المبيع و غيره، فيتبعض البيع، و يكون بالإضافة إلى المراد صحيحا، كما إذا خلط دهن النبات بدهن الحيوان بلا استهلاك أحدهما في الآخر، و باعه بعنوان دهن الحيوان و بالإضافة إلى غيره باطلا باعتبار عدم القصد الى بيعه.

(1) أى أن ما ذكر في جامع المقاصد- في وجه الصحة في بيع اللبن الممزوج بالماء و في وجه فساده- يجري في سائر موارد عيب المبيع، فيتردد أمر البيع فيها بين الصحة و الفساد، حيث أن المبيع فيها أيضا عين متمول. و هذا وجه الصحة و كون المقصود فيها هو الصحيح، كإرادة البصير في بيع العبد، و هو غير متحقق و هذا وجه الفساد، مع انه لا ينبغي الريب في أن العيب في المبيع لا يوجب بطلان البيع، بل يثبت معه خيار العيب، و ذلك فإن أوصاف الصحة- حتى في مثل شوب اللبن بالماء- ليست مقومة للمبيع عرفا. و يتعلق البيع بالموجود الخارجي بعنوان أنه يطلق عليه اللبن، و يكون خلوصه شرطا، بمعنى أنه يثبت للآخر الخيار على تقدير

إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 173

و اما وجه تشبيه مسألة الاقتداء (1) ثم انه قد يستدل على الفساد (2)

______________________________

شوبه. و عليه، فلا يكون في البين وجه لبطلان البيع.

نعم إذا كان العنوان مقوما للمبيع، كما إذا كان مثل عنوان الفرس و باع الحيوان بعنوانه، فبان حمارا حكم ببطلان البيع، لان قصد البيع يتعلق بعنوان الفرس، و لذا قالوا في بيع الصرف أنه لو ظهر أحد العوضين معيبا، و لكن من غير الجنس المذكور في العقد بطل البيع.

(1) و اما الصلاة في مسألة الاقتداء فمحكومة بالصحة، حتى فيما إذا كان ناويا لأحد الشخصين بنحو التقييد، حيث أن الفرادى لا تنقص عن صلاة الجماعة إلا في القراءة الساقطة حال العذر، كما هو مقتضى حديث لا تعاد و المفروض ان تركها كان لتوهم أنه مأموم. نعم لو كان المراد من التفصيل بين التقييد و غيره هو الحكم ببطلان الجماعة في الأول لا في الثاني، فهو صحيح، و لكن لا يساعد على ذلك ظاهر كلماتهم.

(2) قد تقدم ان المعاملة- بلحاظ النهى عن غش المؤمن فيها لا تفسد و قد ذكر في محله ان النهى عن معاملة تكليفا لا يقتضي فسادها، و لم يرد في خطاب- النهى عن بيع المغشوش بهذا العنوان ليقال بظهور النهي في فساده، على ما ذكرنا سابقا من كون الفساد هو الظهور الاولى للنهى عن المعاملة. و أما النهي عن بيع الدرهم المغشوش في مرسلة موسى بن بكر «1» فمحمول على صورة عدم المالية، و كون بيع الدرهم من التمويه في الجنس، بقرينة الأمر بإلقائه في البالوعة، فإنه لو كان مالا كما إذا كان الغش في سكتة فقط، لكان الإلقاء المزبور تبذيرا خصوصا بعد كسره.

بقي

في المقام أمران: (الأول)- أن ما ذكر الشهيد (ره) من التردد في صحة بيع هذا بعنوان الفرس فبان حمارا، و أنه يبتنى على تقديم الإشارة- على العنوان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (86) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 174

[الغناء]

الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة (1)

______________________________

فهو ايضا غير صحيح، فان مثل عنوان الفرس من العناوين المقومة للمبيع، فيكون مقدما على الإشارة بلا ريب، حيث ان البيع يتعلق بالعين الخارجية بما انه ينطبق عليها ذلك العنوان و يقصد المشترى شراء الفرس و البائع يريد بيعه. و اسناد البيع الى المشار اليه باعتبار اعتقادهما أنه فرس و هذا بخلاف مسألة الاقتداء، فإنه يمكن فيها ان يقصد المأموم الاقتداء بزيد، و إشارته إلى الحاضر باعتبار اعتقاده انه زيد، و هذا معنى تقديم الوصف، و يمكن ان يقصد الاقتداء بالحاضر زيدا كان أو غيره، و لكن توصيفه بزيد باعتبار اعتقاده أن الحاضر فعلا هو لا عمرو، كما هو تقديم الإشارة و بما ان القصد من الأمور الوجدانية، و لا يمكن فيها الشك حال حصولها، فيمكن للمأموم حصول التردد بعد فراغه عن العمل.

(الثاني) ذكر المحقق الإيرواني رحمة اللّه عليه أن الذي يظهر لي من الاخبار أن الغش بعنوانه لا يكون محرما، بل هو محرم بعنوان الكذب. و فيه أنه لم يعلم وجه هذا الظهور، سواء كان الغش في المعاملات أو غيرها، بعد ما ذكرنا من أن أخذ عنوان- موضوعا في خطاب الشرع، و ان احتمل كونه مشيرا الى عنوان آخر- يكون هو الموضوع واقعا إلا ان هذا خلاف ظاهر الخطاب، فان مقتضى أصالة تطابق مقام الإثبات مع مقام

الثبوت أن يكون الموضوع في خطاب هو الموضوع للحكم واقعا، بل القرينة- في المقام على أن الغش بعنوانه موضوع للحكم لا بعنوان الكذب- ظاهرة، حيث أن الأحكام المتقدمة من التكليف و الوضع تترتب، حتى فيما إذا كان غش البائع مثلا بعنوان التورية لا الكذب، و لذا يتعدد العقاب في فرض الغش بالكذب فلاحظ و تدبر.

(1) لا خلاف في حرمة الغناء في الجملة و يستدل عليه بالروايات المستفيضة الواردة «1» في تفسير قول الزور من قوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ و الواردة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (99) من أبواب ما يكتسب به.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 175

..........

______________________________

في تفسير لهو الحديث، من قوله سبحانه وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ و الواردة في تفسير الزور من قوله سبحانه وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ و ذكر المصنف (ره) بما حاصله أن المطلوب في المقام إثبات حرمة الغناء بمعناه الظاهر المتعارف الذي هو عبارة عن كيفية الصوت الذي يكون بها مطربا. و ما ورد في تفسير قول الزور لا يدل على حرمة ذلك حيث أن تطبيق قول الزور على الغناء قرينة على كون المراد به الكلام الباطل لا الكيفية في الصوت مطلقا و يؤيد كون المراد بالغناء فيها هو الكلام الباطل، صحيحة حماد بن عثمان عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن قول الزور؟ قال منه قول الرجل للذي يغني أحسنت» «1» فإن قوله أحسنت باعتبار تضمنه مدح الفاعل على فعله الحرام باطل، اللّهمّ إلا ان يقال: أن قول الزور في قوله سبحانه عام يعم الباطل في معناه أو في جهة قراءته و لعله

لذلك عده تأييدا. نعم في مرسلة الصدوق، قال: (سأل رجل على بن الحسين عليهما السلام عن شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها، فذكرتك الجنة بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التي ليست بغناء و أما الغناء فمحظور» «2» فان التعبير- عن الكلام الصحيح و الفضائل الحقة بعدم الغناء- دليل على كون المراد بالغناء و لو في بعض استعمالاته هو الكلام الباطل، و كذا ناقش (ره) في ما ورد في تفسير لهو الحديث، بناء على كون اضافة اللهو الى الحديث من إضافة الصفة إلى موصوفها، حيث ان كون الحديث لهوا عبارة أخرى عن بطلان معناه نعم لو كانت إضافته إليه من اضافة المظروف الى ظرفه المعبر عن ذلك في علم الأدب بكون الإضافة بمعنى (في) فيعم الغناء في الكلام الصحيح، بل اجرى (ره) المناقشة فيما ورد في تفسير الزور في قوله سبحانه وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ و ذكر أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (99) من أبواب ما يكتسب به، الحديث: (21)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (16) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 176

و فيها ابن فضال (1)

______________________________

المدح فيه لمن لا يحضر مجالس التغني يعنى الأباطيل من الكلام.

أقول لم يظهر وجه صحيح للخدشة فيما ورد في تفسير الزور، فإنه لا قرينة في البين على ان تطبيق الامام (ع) عنوان الزور على الغناء باعتبار الكلام، كما كانت في الوارد في تفسير الآية الاولى بل الثانية أيضا. و بعبارة أخرى صحيحة أبي الصباح عن ابى عبد اللّه (ع) «1» دالة على كون الغناء بنفسه زورا و باطلا، و ظاهر الغناء هي الكيفية في

الكلام الحق أو الباطل. و ما ذكر (ره) ايضا من دلالة المرسلة على استعمال الغناء في الكلام الباطل ضعيف، لاحتمال ان يكون قوله فيها و التي ليست بغناء راجعة إلى القراءة لا قيدا للفضائل نعم مجرد المدح على الحضور في مجلس اللهو و الباطل المستفاد من قوله سبحانه وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ لا يكفي في الحكم بالحرمة كما لا يخفى.

(1) كأن مراده أن وجود بنى فضال في سند الرواية كاف في اعتبارها للأمر بالأخذ برواياتهم و قد روى محمد ابن الحسن في كتاب الغيبة عن ابى الحسين التمام عن عبد اللّه الكوفي خادم الحسين بن روح عن الحسين بن روح عن ابى محمد الحسن ابن على (ع)، أنه «سئل عن كتب بنى فضال؟ فقال: خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا» «2» و فيه أنه لا سبيل لنا إلى إحراز أن رواية عبد الأعلى مروية عن كتب بنى فضال، بل على تقديره ايضا لا يكون الرواية معتبرة، فإن الأمر بالعمل برواياتهم إرشاد الى أن مجرد فساد اعتقادهم لا يوجب طرح رواياتهم بان لا يصح الاعتماد على رواية يكون أحد منهم في سندها لا أن وجودهم في سند رواية يكون تمام الموضوع لاعتبارها، بحيث لا تضر جهالة باقي رواتها حتى مع كون بعضهم كذابا و جعالا. و لذا لا يصح عند معارضة رواية

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (99) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: (11) من أبواب صفات القاضي- الحديث (13).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 177

مما يصف (1) و رواية يونس (2)

______________________________

صحيحة مع رواية أخرى في سندها منهم طرح الصحيحة و الأخذ بالرواية

بدعوى أنه مقتضى الأمر بالأخذ بكتبهم. هذا مع أن الأمر بالأخذ غير ثابت، و منشأه الرواية التي نقلناها كما لا يخفى. نعم دلالة الرواية- و ظهورها في كون الغناء المحرم عبارة عن الكيفية في الصوت- واضحة، فإن الكلام الذي يزعم فيه ترخيص رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ليس من الباطل من جهة المعنى، و لعل وجه الاستشهاد بالآية كون المحكي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله هو تجويزه القول المزبور مطلقا بان يقال عنده صلى اللّه عليه و آله ايضا. و هذا نوع من اتخاذه صلى اللّه عليه و آله اللهو أو أن حكاية تجويز القول المزبور عنه صلى اللّه عليه و آله كانت افتراء عليه (ص) نظير افتراء الكفار على اللّه سبحانه من أخذه تعالى مريم و ابنها صاحبة و ولدا، فيعم الحاكين لترخيصه ما ذكر في حق هؤلاء الكفار من الويل.

ثم ان الظاهر كون الرواية موثقة، لأن عبد الأعلى هو ابن أعين و قد وثقه المفيد في رسالته الإعدادية، كما يعمه التوثيق العام من على بن إبراهيم، حيث روى في تفسيره عنه. و وجه كونه في هذه الرواية هو ابن أعين رواية يونس بن يعقوب الذي روى بعض الروايات الأخر عنه بعنوان ابن أعين فلاحظ.

(1) يعنى مما يذكر و يحكى، و قوله- رجل بدل عن فلان و لم يحضر المجلس- وصف للرجل، أى ويل للذي لم يحضر مجلس رسول اللّه (ص) و لم يسمع ترخيصه من حكايته عنه (ص).

(2) لا يخفى أنه ليس في الرواية تعيين المراد من الغناء، و قد طبق عليه فيها عنوان الباطل، نظير الرواية الواردة في تفسير قوله سبحانه (وَ الَّذِينَ لٰا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) و

على المصنف (ره) بعد إشكاله- في دلالة ما ورد في تفسيره و استظهاره أن المراد به الكلام الباطل- بيان الفرق بينها و بين رواية يونس، و وجه قبوله دلالة هذه على حرمة الكيفية للصوت، سواء كانت في كلام باطل أو صحيح. و على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 178

و رواية محمد بن ابى عباد (1) و في رواية الأعمش (2) و قوله عليه السلام قد سئل عن الجارية (3)

______________________________

كل فالرواية لا بأس بالاعتماد عليها، فإنها مروية في قرب الاسناد عن الريان بن صلت عن الرضا (ع) بل و هذه هي العمدة في الحكم بحرمة الغناء، و إلا فما ذكره المصنف (ره)- من اشعار الروايات المتقدمة بأن المحرم هو عنوان اللهو و الباطل و ان كان ذلك في كيفية الصوت- لا يمكن المساعدة عليه، فان الاعتبار بالظهور لا بالاشعار، مع أن لازم ما ذكر كون مطلق اللهو و الباطل محرما حتى ما لم يكن في البين غناء، كما إذا قرأ الاشعار الراجعة إلى العشق و نحوها بلا ترجيع صوت أصلا.

(1) و لكن مضافا إلى ضعف سندها لا دلالة لها على الحرمة، لما تقدم من أن المدح لفعل لا يكشف عن كونه واجبا.

(2) و باعتبار ضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها.

(3) و في رواية الحسن بن على الوشاء، قال (سئل أبو الحسن الرضا (ع) عن شراء المغنية؟ قال قد يكون للرجل الجارية تلهيه، و ما ثمنها إلا ثمن الكلب، و ثمن الكلب سحت» «1» و في صحيحة إبراهيم بن ابى البلاد «ثمن الكلب و المغنية سحت» «2» و مثل هذا كاشف عن حرمة الغناء، فإنه لا يكون بطلان المعاملة على الجارية بما أنها

مغنية إلا مع حرمته، و الا فكونها مغنية ككونها خياطة أو كاتبة من الأوصاف التي توجب زيادة ماليتها.

(لا يقال): نعم، و لكن لا يكون مثلهما كاشفا عن حرمة الغناء مطلقا، حتى فيما إذا كان في الكلام الصحيح، (فإنه يقال) بطلان بيعها كاشف عن حرمة الغناء حتى فيما إذا كان في الكلام المزبور، و الا فكونها مغنية ككونها كاتبة من الأوصاف التي تكون منشأ للحلال و الحرام، و لا يوجب مثلها بطلان البيع فتدبر. و

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (16) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6).

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (16) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 179

أنه مد الصوت (1).

______________________________

نظيرها ما ورد في حرمة الاستماع الى الغناء، فإنه كاشف عن حرمة نفس الغناء حيث لا يحتمل حرمة الاستماع و الجلوس الى الحلال و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام، قال «سألته عن الرجل يتعمد الغناء يجلس اليه قال: لا» «1».

فقد ظهر مما ذكرنا أن الغناء و ان كان بإطلاقه محرما إلا أنه لا يمكن الحكم بكونه من الكبائر، إلا فيما إذا كان في ضمن كلام باطل كالكذب. و ما يوجب إضلال الناس عن الدين الحق و إفساد عقيدتهم، و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع)، قال: «سمعته يقول: الغناء مما أوعد اللّه عليه النار» «2» و تلا هذه الآية وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ إلخ، فإن الآية ناظرة إلى شراء لهو الحديث الموجب لإضلال الناس. و ما في رواية الأعمش أيضا لا يدل على أنه بإطلاقه من الكبائر، حيث أن المذكور

فيها الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه، و الملاهي جمع ملهي بمعنى اللهو، بقرينة التمثيل بالفعل، و مدلولها كون الغناء الموجب لنسيان اللّه كبيرة، فلا تعم ما يكون في ضمن الاشعار المتضمنة للوعظ و الإرشاد و نحوهما.

(1) لا ينبغي التأمل في كون الغناء عرفا هي الكيفية للصوت، و لا دخل في صدقه لبطلان معنى الكلام و عدمه، و لذا من سمع من بعيد صوتا يكون فيه الترجيع الخاص المناسب للرقص و ضرب الأوتار يحكم بأنه غناء، و ان لم يتميز عنده مواد الكلام و لعل هذا هو المراد من قولهم بأنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطلوب، بان يكون مرادهم تطويل الصوت بنحو خاص اى تطويله بترجيعه و ترديده في الحلق، بنحو يقتضي الطرب أى يناسبه، و الطرب حالة تعرض النفس من شدة الفرح أو الحزن و حقيقته خروج النفس عن اعتدالها و لذا ربما يفعل الإنسان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (99) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (32).

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (99) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (6).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 180

ان الرجل المتستر (1) و ربما يبكي في خلال ذلك (2) أما الأول فلأنه حكى عن المحدث الكاشاني (3).

______________________________

في ذلك الحال ما لا يفعله في غيره، و على كل- فإن أحرز في مورد كون الكيفية غناء فهو، و الا فمقتضى الأصل الإباحة، و يكون الشك في المقام من الشبهة المفهومية حيث يكون المفهوم مجهولا من حيث سعة دائرته و ضيقه كما لا يخفى. و يشهد على ما ذكرنا- من كون الغناء هي كيفية الصوت من غير دخل لمعنى الكلام فيه- موثقة عبد الأعلى

المتقدمة، حيث أن الكلام المنكر الوارد فيها ليس باطلا. من جهة المعنى.

(1) أى الرجل الجالس مكان الخلوة.

(2) و يظهر ذلك بملاحظة مثل الأب الذي مات ولده المحبوب له الشاب، فإنه يقرأ عنده تعزية سيد الشهداء و ولده الأكبر سلام اللّه عليهما، و يبكي أشد البكاء، مع أنه لم يكن يبكي من قبل بمثل هذه التعزية، فان بكاءه حقيقة لموت ولده ثم ان الوجه في هلاك الرجل المتستر المفروض ما أشرنا إليه من أن الجهل بحرمة هذا النحو من كيفية القراءة في التعزية أو غيرها شبهة حكمية منشأها الجهل بعموم مفهوم الغناء و شموله لها، و الجهل في تلك الشبهة لا يكون عذرا الا بعد الفحص و عدم الظفر بما يكون دليلا على حرمة تلك الكيفية كما لا يخفى.

(3) المنسوب الى المحدث الكاشاني و صاحب الكفاية جواز الغناء و أن الحرام ما يقترن به من المزمار، و دخول الرجال على النساء و نحوهما، و ان الاخبار الناهية عن الغناء ناظرة إلى المتعارف في ذلك الزمان، و هو الغناء المقترن بالأباطيل و المحرمات، و لعله يشير الى ذلك قوله عليه السلام في صحيحة أبي بصير «أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، و ليست بالتي يدخل عليها الرجال» «1»

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (15) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 181

..........

______________________________

و يمكن دعوى ظهور الجواز من بعض الروايات الأخرى، كخبر ابى بصير قال:

«سألت أبا عبد اللّه (ع) عن كسب المغنيات؟ فقال: التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس، و هو قول اللّه عز و جل:» «1» و خبر على ابن

جعفر عن قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن قال: «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحى و الفرح؟ قال: لا بأس به ما لم يعص به» «2» و رواه على بن جعفر في كتابه إلا أنه قال: ما لم يزمر به، و في بعض النسخ ما لم يؤمر به، و الصحيح هو الأول. و ظاهر هذه ايضا جواز الغناء في نفسه، حيث لا يحتمل جوازه في الأعياد و الأفراح كلها و حرمته في غير ذلك.

(أقول): ما ذكر من نظر الأخبار الناهية إلى الغناء المتعارف في ذلك الزمان و كان مقارنا بالأباطيل و المحرمات الأخر فاسد، فإنه- مضافا إلى أن النهى عن عنوان ظاهره كونه المنهي عنه، لا كونه إشارة إلى عنوان آخر يكون مقارنا له أو متحدا معه بعضا أو غالبا- أن إنكار الترخيص راجع في موثقة عبد الأعلى إلى نفس القول و الغناء، لا الى استعمال الملاهي أو غيره من المحرمات. و أما صحيحة أبي بصير فلا بد من حمل قوله (ع) بالتي يدخل عليها الرجال على العنوان المشير يعني إلى التي تغني في غير الزفاف، و لعل دخول الرجال عليها كان متعارفا في غنائها في غير الزفاف. و يحتمل ان يكون قوله. (و ليست إلخ) حالا أي التي تزف العرائس لا بأس بكسبها حال عدم دخول الأجانب عليها، و عدم دخولهم من باب المثال و المراد عدم ارتكاب محرم آخر. و لا بأس بالالتزام بجواز الغناء في الأعراس ما لم يقترن بمحرم آخر، حيث أن حل الكسب بعمل يلازم جواز ذلك العمل.

و يدل عليه روايتان لأبي بصير ايضا، و في إحداهما- و لا يبعد كونها معتبرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء

(12) الباب: (15) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (15) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 182

..........

______________________________

فإنه ليس في سندها غير حكم الخياط، و الظاهر انه ثقة باعتبار كونه من مشايخ ابن ابى عمير- «قال أبو عبد اللّه (ع): المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها) و الوجه في اعتبار عدم الاقتران بحرام آخر مضافا الى ما استظهرناه من صحيحته المتقدمة إطلاق أدلة حرمة استعمال الملاهي و نحوه، فإنها تعم الزفاف و غيره. و ظاهر الرواية المجوزة تجويز الغناء دون المحرم الآخر. و دعوى أن المتعارف من الغناء في الزفاف كان مقترنا باستعمال الملاهي لم تثبت، بل هذه نظير دعوى أن المتعارف من الغناء في الزفاف كان مقترنا بشرب الخمور كما لا يخفى. و أما ما رواه في قرب الاسناد- عن على بن جعفر فلضعف سنده- ساقط عن الاعتبار، فان في سنده عبد اللّه بن الحسن و لم يثبت له توثيق. نعم روايته عن كتابه معتبر، و لكن دلالته على جواز الغناء الذي لا يزمر به قابل للخدشة، فإنه يحتمل ان يكون المراد بالغناء مطلق مد الصوت، و قيد ما لم يزمر به إشارة الى عدم البلوغ الى حد الغناء المعروف. و هذا الاحتمال و ان كان خلاف الظاهر الا أنه لا بأس به في مقام الجمع، و لو فرض عدم تمامية ما ذكرنا في هذه الصحيحة و صحيحة أبي بصير المتقدمة و وقعت المعارضة بين هذه الطائفة الموافقة للعامة و الطائفة المانعة المخالفة لهم، فالمتعين الأخذ بالمانعة باعتبار ان مخالفة العامة هو المرجح الثاني في باب المعارضة فتدبر.

ثم إنه

لا يسعنا الحكم بحرمة الباطل و اللهو ما لم يدخل في عنوان الغناء أو غيره من المحرمات، و لكن نسب التحريم الى بعض الأصحاب. و يستدل عليه (تارة) بمثل قوله سبحانه وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «1» و فيه ما تقدم، من أن المدح بفعل لا يدل على وجوب ذلك الفعل، و (اخرى) بروايات واردة في وجوب التمام في سفر الصيد تنزها، و في موثقة أبي بكير «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يتصيد اليوم و اليومين! و الثلاثة أ يقصر الصلاة؟ قال: لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين،

______________________________

(1) سورة المؤمنون (23)- الاية: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 183

..........

______________________________

فان الصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه» «1» و في موثقة زرارة عن ابى جعفر (ع) قال:

«سألته عمن يخرج عن أهله بالصقورة و البزاة و الكلاب يتنزه الليل و الليلتين و الثلاثة، هل يقصر في صلاته أم لا؟ قال: إنما خرج في لهو لا يقصر» «2» و لكن لا يخفى عدم دلالتهما على حرمة اللهو و الباطل بالسفر فضلا عن غيره ايضا، بل مدلولهما عدم تشريع القصر في ذلك السفر المقصود به اللهو و التنزه و الباطل. و المراد بالباطل عدم غرض مطلوب فيه، كالتكسب و تشييع الأخ، و غاية الأمر الالتزام بالتمام في السفر كذلك، مع عدم كونه من افراد السفر للمعصية. و يناسب ذلك عطف سفر الصيد تنزها في كلام الأصحاب على السفر للمعصية، فلاحظ. و أما موثقة عبد الأعلى فقد تقدم أن مدلولها عدم اتخاذ اللّه تعالى أو رسوله لنفسه اللهو.

و أما أن اللهو بإطلاقه محرم على الإنسان المكلف، فلا دلالة لها على ذلك أصلا،

بل ذكرنا احتمال أن يكون الاستشهاد بالآية باعتبار ما في ذيلها من الويل للمفترى و في صحيحة الريان بن صلت، قال: «سألت الرضا (ع) عن الغناء و أن العباسي ذكر منك انك ترخص في الغناء؟ فقال: كذب الزنديق ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء، فقلت إن رجلا أتى أبا جعفر (ع) فسأله عن الغناء، فقال: إذا ميز اللّه بين الحق و الباطل، فأين يكون الغناء؟ فقال: مع الباطل، فقال: قد حكمت» فان صدرها ظاهر في نفى الترخيص في الغناء لا انه حرام و قول ابى جعفر (ع) لا يدل على خصوص الحرمة، كما لا يدل على الجواز بنحو الكراهة، حيث أن الباطل جامع بينهما، و يناسب كلا منهما، و بهذا الاعتبار ذكر سلام اللّه عليه كذب الزنديق. و بهذا يظهر الحال في موثقة زرارة عن ابى عبد اللّه (ع)، أنه «سئل عن الشطرنج و عن لعبة شيث التي يقال لها لعبة الأمير، و عن لعبة الثلث، فقال: أ رأيتك إذا ميز اللّه الحق و الباطل مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (5) باب: (9) من أبواب صلاة المسافر- الحديث: (7)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (5) باب: (9) من أبواب صلاة المسافر- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 184

فان مرجع أدلة الاستحباب (1)

______________________________

أيهما تكون؟ قال: مع الباطل، قال: فلا خير فيه» «1» حيث أن نفى الخير لا يدل على الحرمة، بل يناسب الكراهة أيضا، و إن كان المراد منه بالإضافة الى بعض مورد السؤال أو كله الحرمة، و لكنها بقرينة خارجية، و لو كنا و هذه الرواية لما أمكن الحكم بالحرمة حتى في مورد السؤال، و كيف كان فلا دلالة في الروايتين على

حرمة الباطل أصلا.

(1) و حاصله أن المحرم قد يكون له وجود آخر و يحسب مقدمة للمستحب أو المكروه أو المباح، و قد يكون متحدا مع العنوان المستحب أو المكروه أو المباح في الوجود، و لا بد في كلا القسمين من تقديم خطاب التحريم و لو مع كون النسبة بين الخطابين العموم من وجه، فان هذا التقديم مقتضى الجمع العرفي بين الخطابين، حيث ان المستفاد عرفا من خطاب استحباب الشي ء مع ملاحظة كون بعض سببه محرما استحباب إيجاده بسبب مباح، كما أن المستفاد من خطابه مع ملاحظة خطاب النهي في مورد اتحاد العنوانين كون الاستحباب اقتضائيا بالإضافة إلى العنوان المحرم بمعنى انه يثبت الاستحباب لو لم يكن في البين ذلك العنوان الحرام. و كذا الحال في مورد اتحاد العنوان المحكوم بالإباحة مع العنوان المحرم، و لذا لا يستفاد من خطاب حل أكل لحم مثل الغنم حله حتى فيما إذا كان الغنم مغصوبا أو موطوءا، و لعل الوجه في هذا الجمع العرفي هي القرينة العامة، و هي ملاحظة الفاعل الجهة الأهم و الملاك الملزم في مورد مزاحمته بغيره.

و قد تحصل مما ذكرنا أنه لا يمكن دعوى المعارضة بين خطاب النهى عن الغناء و بين خطاب استحباب قراءة القرآن أو المراثي، فيما إذا كانت القراءة أو المرثية بنحو الغناء ليرجع بعد تساقط الإطلاق من الجانبين إلى أصالة الحلية، أو تقديم جانب الاستحباب ببعض الروايات القاصرة في دلالتها أو في سندها ايضا عن إثبات استحباب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (102) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 185

الحداء بالضم كدعاء (1)

______________________________

الغناء في القرآن، نظير قوله: (أقروا القرآن بألحان العرب)

و كقوله: (لكل شي ء حلية و حلية القرآن الصوت الحسن) و غيرهما من المرويات في أبواب قراءة القرآن.

(1) قيل بجواز الغناء للسير بالإبل. و يستدل عليه بما روى عن النبي (ص) انه قال لعبد اللّه بن رواحة: «حرك بالنوق، فاندفع يرتجز، و كان عبد اللّه جيد الحداء، و كان مع الرجال، و كان أنجشة مع النساء، فلما سمعه تبعه، فقال (ص) لأنجشه:

رويدا رفقا بالقوارير).

و فيه أن الحديث نبوي مجهول السند و قاصر الدلالة، حيث أن الرجز لا يلازم الغناء، كما أنه لم يعلم كون الحداء مساويا للغناء، مع أنه (ص) لم يأمر رواحة بالحداء حتى يستظهر منه أنه تجويز للغناء للسير بالإبل، و برواية السكوني عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن آبائه قال قال رسول اللّه (ص): «زاد المسافر الحداء و الشعر منه ليس فيه جفاء» «1» و في بعض النسخ ليس فيه خناء، و هذه الرواية ضعيفة سندا و دلالة، أما دلالة فلما تقدم أنه لم يعلم كون الحداء مساويا للغناء، بل من المحتمل قريبا أنه مطلق مد الصوت و ترجيعه فيقيد بما لم يصل الى حد الغناء كما هو مقتضى الجمع بينها و بين روايات حرمة الغناء على ما مر. و أما سندا فان في سندها الحسين ابن يزيد النوفلي، فيه كلام أشرنا إليه آنفا.

و ما يقال- من أنه موثق فان الشيخ (ره) وثقه في العدة، حيث قال فيها (و لأجل ما قلنا عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، و غياث بن كلوب، و نوح بن دراج، و السكوني و غيرهم من العامة.) و وجه كون هذا الكلام توثيقا للنوفلي، هو أن الراوي عن السكوني هو النوفلي غالبا، فعمل الأصحاب بروايات

السكوني يكون عملا برواية النوفلي- لا يخفى ما فيه، فان ظاهر الكلام المزبور هو توثيق السكوني، و أن كونه عاميا لا يضر باعتبار روايته عند الأصحاب. و أما سائر شرائط العمل بالخبر

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (37) من أبواب آداب السفر- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 186

[في الغيبة و حكمه]
اشارة

فجعل المؤمن أخا (1)

______________________________

الواحد فليس ذلك الكلام ناظرا إليها، و لذا لا يمكن دعوى اعتبار كل رواية يكون في سندها أحد هؤلاء الجماعة. هذا مع أن رواية غير النوفلي عن السكوني غير عزيز فلاحظ الروايات. الكثيرة المتفرقة في أبواب الفقه و في أسانيدها السكوني أو إسماعيل بن مسلم.

(1) أى انه سبحانه و تعالى شبه عرض المؤمن بلحم الأخ، و جعل التعرض لعرضه و إظهار سوئه أكلا للحم الأخ، و شبه عدم حضوره عند التعرض لعرضه بموته، و قال عز من قائل أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ و أورد على ذلك الإيرواني (ره) بأنه لا يناسب العرض مع اللحم، و التعرض له مع الأكل، و عدم الحضور مع الموت. و أي مناسبة تقتضي التشبيه المزبور، و فيه اشمئزاز الطباع.

و بعبارة أخرى لا يكون في البين تشبيه في ناحية الاجزاء المفروضة في قوله عز من قائل وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بل التشبيه ناظر الى الوزر، و أن وزر الغيبة كوزر أكل لحم الميت. و هذا الوزر إما من قبيل العقاب على العمل حيث يكلف المغتاب بالكسر في الآخرة بأكل لحم الموتى؟ أو من باب تجسم الأعمال، حيث تكون الغيبة في الدار الآخرة أكل لحم الميت. و قد ورد في رواية نوف البكالي عن أمير المؤمنين (ع) «اجتنب عن

الغيبة فإنها إدام كلاب النار» «1».

أقول: لم يظهر اشمئزاز الطباع بالإضافة إلى التشبيه في الأجزاء، كيف و قد عبر في بعض الروايات المعتبرة عن الغيبة بأكل لحوم الناس، كما في صحيحة أبي بصير عن ابى جعفر (ع) قال قال رسول اللّه (ص): «سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية، و حرمة ماله كحرمة دمه) «2» فإن إطلاق أكل اللحم على الغيبة في قوله (و أكل لحمه معصية) بالنظر الى الدنيا، حيث انها دار المعصية

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (16)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 187

و قوله تعالى وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) و قوله إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ (2) بل أشد من بعضها (3)

______________________________

و وعاء العصيان، و رواية نوف البكالي- مضافا الى ضعف سندها- لا دلالة لها على تعيين غذاء المغتابين بالكسر يوم القيمة. و لعل كلاب النار غيرهم.

(1) لا يخفى أن الهمز أو اللمز ذكر العيب و تنقيص الآخر في حضوره أو غيابه و الغيبة- على ما سيأتي- إظهار عيب أخيه المستور عليه، فتكون النسبة بينها و بين المراد من الهمز أو اللمز العموم من وجه، فإنه ربما يكون التنقيص بذكر عيبه الظاهر، فلا تكون غيبة. و ربما يكون إظهار عيبه المستور عليه بداع آخر غير هتكه و تنقيصه، فلا يكون همزا و لمزا، و قد يجتمعان و لا يصح جعل الدليل على حرمة أحد العنوانين كذلك دليلا على حرمة الآخر.

(2) لا يخفى أن إضافة الشياع إلى شي ء قابل للكثرة و التكرار، ظاهرها كثرته وجودا لا

بيانه و إظهاره، فالآية المباركة ظاهرها حرمة دعوة المؤمنين و تحريصهم الى الفواحش في مقابل نهيهم عن المنكرات. نعم في صحيحة محمد بن حمران دلالة على عموم الآية للغيبة أيضا، حيث قال فيها أبو عبد اللّه (ع)، من قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه، فهو من الذين قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «1» و لكن الاعتماد عليها خارج عن الاستدلال بالآية.

(3) لا يخفى كون الغيبة أشد من كبيرة في الوزر، و إن كان مقتضاه أنها ايضا من الكبائر، إلا أن كونها أشد من كبيرة في التخلص عن وزرها لا يقتضي ذلك، كما إذا كانت الغيبة من حقوق الناس و حرمة شرب الخمر من حقوق اللّه، فالتخلص عن وزر شرب الخمر يكون بمجرد التوبة، بخلاف وزر الغيبة، فمثل هذه الأشدية لا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 188

فيجوز اغتياب المخالف (1).

______________________________

تقتضي أن تكون الغيبة من الكبائر و المروي- عن النبي (ص) بعدة طرق (أن الغيبة أشد من الزنا)- ناظر إلى مرحلة التخلص عن الوزر، كما هو مفاد ذيله من قوله: (إن الرجل يزني فيتوب.).

نعم روى أن الغيبة أشد من ستة و ثلاثين زنية، و ذكر العدد ظاهره النظر الى العقاب، و إلا لكان الأنسب أن يقول (الغيبة أشد من الزنا) و لكنه نبوي مرسل لا يمكن الاعتماد عليه، بل لو كان حديثا صحيحا، لكان اللازم تأويله لو لم يمكن طرحه، للجزم بأن الغيبة لا تكون أشد حرمة و وزرا من زنية واحدة، فضلا عن الثلاثين. و

لذا لو اكره على الزنا أو الغيبة تعين اختيار الثاني، و ذكرنا نظير ذلك فيما ورد من أن درهم ربا أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم.

نعم يستفاد كون الغيبة كبيرة من صحيحة محمد بن حمران المتقدمة، حيث أن ظاهرها شمول ما أوعد اللّه عليه العذاب للغيبة أيضا، و ذكر المصنف (ره) وجها آخر لكونها كبيرة، و هو اندراجها في الخيانة. و فيه ان كون الغيبة من الخيانة ممنوع، كيف؟ و لو لم يكن في البين دليل على حرمتها بعنوان الغيبة، فباعتبار دخولها في الخبر الصدق كانت جائزة، بل على تقدير كونها خيانة، لما أمكن الحكم بكونها من الكبائر حيث لا دليل على كون الخيانة بمعناها العام من الكبائر. و العجب منه (ره) حيث أغمض في الاستدلال على كونها كبيرة عن آية وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ و عن قوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ مع استدلاله بهما على حرمتها، مع أن الويل و الوعيد بالعذاب على عمل في الكتاب المجيد ملاك كون ذلك العمل من الكبائر.

(1) لا ينبغي التأمل و الريب في جواز اغتياب المخالف و سائر فرق الشيعة فيما إذا كان خلافهم أو مخالفتهم الحق بنحو التقصير، و لو بتركهم الفحص عن الحق، فإنهم في هذه الصورة من أظهر أفراد الفساق و المتجاهرين بفسقهم،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 189

و عدم جريان أحكام الإسلام عليهم (1) ثم الظاهر دخول الصبي المميز (2)

______________________________

إذ التجاهر بترك الولاية الحقة لا يقصر عن التجاهر بترك سائر الواجبات و ارتكاب المحرمات الموجب لجواز الاغتياب على ما سيأتي، كيف؟ و أن الولاية من عماد الدين، و أهم ما بنى عليه السلام، على ما في الروايات

المعتبرة و بعضها مروية في الباب الأول من أبواب مقدمات العبادات، بل لا يبعد اندراج المخالفين و سائر الفرق في أهل البدع و الريب، مع تقصيرهم أو مطلقا، حيث ينسبون إلى الشريعة و الرسول الأكرم ما يبرأ منه الرسول (ص)، فيعمهم مثل صحيحة داود بن سرحان، عن ابى عبد اللّه (ع)، قال قال رسول اللّه (ص): إذا رأيتم أهل البدع و الريب من بعدي، فأظهروا البراءة منهم، و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم، كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام الحديث «1».

(1) أى انه لا يترتب على المخالفين إلا قليل من أحكام الإسلام، و ترتب هذا القليل لأجل توقف نظام معاش المؤمنين عليه، و من ذلك حكم الشارع بعدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة، و حل ذبائحهم، و حل مناكحتهم، و حكمه باحترام دمائهم. و هذا الاحترام لأجل أن لا يوقعوا المؤمنين في الفتنة، و كحكمه بحرمة نسائهم، باعتبار أن الشارع امضى لكل قوم النكاح المرسوم عندهم.

(أقول) كل حكم ترتب في لسان الأدلة على الإسلام أو عنوان المسلم يترتب عليهم، كما يترتب على المؤمنين، و هذا ليس بقليل، فيثبت التوارث بينهم و بين المؤمنين، و يجب علينا تجهيز موتاهم، و هكذا. نعم الخلود الى الراحة بعد الموت و الدخول في الجنة في الدار الآخرة و غير ذلك من آثار الإطاعة و الايمان لا يثبت في حقهم، لبطلان أعمالهم باعتبار عدم التزامهم بالولاية التي شرط صحة الأعمال على الأظهر و هذا أمر آخر.

(2) لا يبعد شمول المراد من البعض في قوله سبحانه لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (39) من أبواب الأمر و النهى- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 1، ص: 190

الغيبة اسم مصدر (1).

______________________________

الصبي المميز أيضا، غاية الأمر أن ما دل على رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم يقتضي خروجه عن المراد بالبعض الأول، و ليس في البين ما يدل على تساوى البعضين في المراد، بل يكون في البين ما يقتضي عدمه، حيث أن المتجاهر بالفسق خارج عن المراد من البعض الثاني، و داخل في المراد من الأول كما لا يخفى. نعم في شمول الآيات و الروايات للمجنون بل الصبي غير المميز تأمل، و لا يبعد انصرافهما عنهما.

(1) بقي في المقام أمور: (الأول) أن الغيبة اسم مصدر لاغتاب، أو مصدر لغاب و المستفاد مما ذكر في المصباح أنها (ذكر الإنسان بما يكرهه من العيب الموجود فيه) كما أن المستفاد من القاموس أنها (ذكر العيب للإنسان مع كونه فيه) و ذكر المصنف (ره) أن ظاهر تعريفهما- خصوصا تعريف القاموس، حيث عد غابه مرادفا لعابه- هو كون ذكر العيب لغاية الانتقاص، أى نسبة النقص الى المغتاب بالفتح، و قد صرح باعتبار هذا القصد الشهيد الثاني (ره) في كشف الريبة، حيث قال: (إن الغيبة ذكر الإنسان في غيابه بما يكره نسبة اليه مما يعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص و الذم) و على ذلك فلا يكون من الغيبة ذكر العيوب في غير مقام الانتقاص، كما إذا ذكرها في مقام المعاملة على الجارية، أو ذكرها في المعرف للشخص.

(لا يقال) يكون قصد الانتقاص بمجرد ذكر النقائص، فيحصل قصد الانتقاص في المثالين ايضا، فلا يكون المثالان خارجين عن عنوان الغيبة حتى على تعريف الشهيد (ره) (فإنه يقال): لو كان قصد الانتقاص حاصلا بمجرد ذكر العيب و النقص لكان اعتبار قيد قصد الانتقاص في تعريفه لغوا و الحاصل

أنه لا يلزم ان تكون الغاية في ذكر النقائص هو الانتقاص.

(أقول) على ذلك لم يتضح وجه استظهار قصد الانتقاص من كلام المصباح أو القاموس بعد إمكان كون الغاية في ذكر العيب و النقص أمرا آخر غير الانتقاص.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 191

..........

______________________________

و أما ما في المصباح من اعتبار كون العيب مما يكرهه المغتاب بالفتح، فالمراد كراهة ظهوره أو كراهة ذكره، و الأول كما في العيب المخفي، حيث أن المغتاب بالفتح كثيرا ما يكره ظهوره، و الثاني كما في العيب الظاهر، حيث أن الإنسان كثيرا ما يكره ذكره بذلك العيب تعييرا له أو في مقام ذمه. و الوجه في كون المراد ذلك هو أن الإنسان يجد في الغالب ما يرتكبه من القبائح موافقا لقواه الشهوية، فلا يكرهها، و إنما يكره ظهورها للناس أو ذكرها كما ذكرنا. و هذا كله فيما إذا كان المراد بما الموصولة هو العيب. و أما لو كان المراد به هو الكلام لكان معنى ما في المصباح اغتابه إذا ذكره بكلام يكره ذلك الكلام، و كراهة الكلام ايضا إما لكونه إظهارا لعيبه المستور عليه، أو لكونه متضمنا للذم و التعيير. و كيف كان، فهذا التعريف موافق لما رواه في المجالس و الاخبار من قوله (ص) لأبي ذر- بعد سؤاله بقوله يا رسول اللّه و ما الغيبة؟- «ذكرك أخاك بما يكره» «1» و نحوه نبوي آخر و لكن النبوي الأول كالثاني ضعيف سندا لا يمكن الاعتماد عليهما، مع أن في النسخة الموجودة عندي (ذكرك أخاك بما يكره) أى ما يكون مكروها. و هذه عبارة أخرى عن العيب، غاية الأمر يقيد بما إذا كان مستورا كما سيأتي.

و بعبارة أخرى لا دخل

لكراهة المغتاب بالفتح و عدم كراهته في صدق الغيبة على إظهار عيبه و لا في حرمتها، فإنه إذا فرض انسان له عيب مستور عليه، و لكن لا يكره ظهوره للناس بالاغتياب، لاعتقاده أن الاغتياب يوجب انتقال حسنات المغتاب بالكسر اليه، و انتقال سيئاته اليه. و لذا يرضى بفعل ذلك المغتاب، فلا إشكال في كون الفعل المزبور اغتيابا.

و على كل- فان ما ورد في تفسير الغيبة- و منها، حسنة عبد الرحمن بن سيابة- كاف في إثبات المراد بها، و أنها عبارة عن كشف عيب مستور على المؤمن. و يستفاد

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 192

..........

______________________________

من الآية المباركة أيضا ذلك، و أنه لا يجوز إظهار ما فيه نقص عرض المؤمن و سقوطه عن أعين الناس. و لا يفرق في ذلك بين إظهار عيبه في حضوره أو في غيابه، حتى و لو فرض أن الغيبة بمعناها الظاهر لا تشمل الأول، فإن العبرة بالملاك لكون حرمتها للتحفظ على كرامة المؤمن و عرضه و عدم سقوطه عن أعين الناس. و في موثقة أبي بصير عن ابى جعفر (ع)، قال قال رسول اللّه (ص): «سباب المؤمن فسوق، و قتاله كفر، و أكل لحمه معصية و حرمة ماله كحرمة دمه» «1» فان دلالتها على حرمة أكل لحم المؤمن و تنقيص عرضه واضحة. و في رواية أخرى لعبد الرحمن ابن سيابة، عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «إن من الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه، و إن من البهتان أن تقول في أخيك ما ليس فيه» «2» و ربما يستظهر منها عدم انحصار الغيبة

بإظهار عيب مستور على مؤمن، حيث ان ظاهر لفظة (من) هو التبعيض.

و لكن لا يخفى ان المراد في الرواية التبعيض بحسب المصداق، بمعنى أن قولك المزبور مصداق، و قول الآخر ذلك القول ايضا مصداق آخر، و هكذا. و الشاهد لكون التبعيض بحسب المصداق قوله بعد ذلك (و إن من البهتان) حيث أن من الظاهر عدم تعدد نوع البهتان، و في رواية داود بن سرحان، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الغيبة؟ قال: هو أن تقول لأخيك في دينك ما يفعل، و تبث عليه أمرا قد ستره اللّه عليه لم يقم عليه فيه حد «3».

و ربما يقال مقتضى ظهورها اختصاص الغيبة المحرمة بإظهار ما يكون في ارتكابه حد، و يجاب عن ذلك كما عن السيد الخوئي بأنه يرفع اليد عن القيد ببركة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (158) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (158) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (3)

(3) وسائل الشيعة الجزء (8): الباب (154) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 193

..........

______________________________

حسنة عبد الرحمن بن سيابة، قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره اللّه عليه»، و أما الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا. و اما البهتان أن تقول فيه ما ليس فيه» «1» و فيه أن مقتضى الجمع العرفي هو رفع اليد عن إطلاق الثانية بالقيد الوارد في الرواية الأولى. هذا، و لكن الصحيح أنه لا دلالة في الرواية الأولى على التقييد، فان عدم قيام الحد بمفاد ليس التامة يصدق على ما إذا لم يكن في ارتكابه حد، و لعل ذكر ذلك

باعتبار أن مع قيام الحد يكون الارتكاب ظاهرا عند الناس، فلا يكون في البين غيبة. و كشف عيب مستور، هذا مع ضعف سندها بمعلى بن محمد، فلا تصلح لرفع اليد بها عن إطلاق الحسنة.

(لا يقال) كيف تكون رواية عبد الرحمن حسنة، مع عدم التوثيق له (فإنه يقال) يعمه التوثيق العام الذي ذكره الشيخ (ره) في العدة، فإنه من مشايخ ابن ابى عمير.

ثم إن الظاهر صدق الستر و كون العيب مما ستره اللّه حتى لو علمه واحد أو اثنان أو ثلاثة، و إنما لا يصدق فيما إذا علمه جل معاشريه أو جماعة، بحيث يصح أن يقال: إنه مما عرفه الناس، و في رواية يحيى الأرزق، قال قال لي أبو الحسن (ع) «من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه، و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه، و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته» «2» و لو كان عيب إنسان مستورا عند طائفة و ظاهرا عند الأخرى، فهل يجوز إظهار ذلك العيب عند الطائفة الأولى؟ قد يقال بعدم جواز الإظهار، باعتبار أنه و إن لم يكن إظهاره عندهم اغتيابا، و أنه عيب لم يستره اللّه على ذلك الإنسان، إلا أنه يعمه ما في موثقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (154) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (154) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 194

ثم ان الظاهر المصرح به في بعض الروايات (1)

______________________________

ابى بصير المتقدمة من قوله (ع) (و أكل لحمه معصية للّه) فإن الإظهار المزبور أكل للحمه و إسقاط له عن

أعين الطائفة الأولى بلا كلام. و لكن الأظهر جوازه، فإنه لا ينبغي التأمل في جواز إظهار ذلك العيب عند الجاهل به من الطائفة الثانية، كما هو ظاهر الروايات الواردة في تحديد الغيبة و تفسيرها، و إذا جاز إظهار عيبه عنده، مع أنه إسقاط لعرضه عنده، جاز عند الطائفة الأولى أيضا، باعتبار عدم احتمال الفرق و بعبارة أخرى عدم احتمال الفرق موجب لرفع اليد في المورد عن إطلاق الموثقة المزبورة كما لا يخفى.

(1) قد تقدم أن حد الغيبة كشف ما ستره اللّه على المؤمن من عيبه، فلا يكون اغتياب في إظهار ما لا يكون من العيب، كما إذا قال انه ليس بمجتهد، أو ليس بأعلم، فان نفى الكمال لا يعد من إثبات العيب، حتى فيما إذا كان المنفي عنه مدعيا لذلك الكمال، كما لا يكون اغتياب في العيوب الظاهرة، أي في العيوب التي شأنها الظهور كالعور و الحول و القصر و سوء الخلق و نحوها، أو كان من الممكن ستره و لكن اللّه لم يستره على صاحبه، كما إذا علم الناس به.

و يدل على ذلك مضافا الى ما تقدم ما في حسنة عبد الرحمن بن سيابة المتقدمة من قوله عليه السلام: (و اما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا) و على ذلك فلا بأس بإظهار العيوب الظاهرة لمن لا يعلم بها نعم يجب أن لا يكون بعنوان الإهانة و قصد هتكه، بل بداع آخر و لو كان ذلك مجرد اطلاع الطرف عليه، فإنه سيأتي عدم جواز إهانة المؤمن غير المتجاهر بفسقه.

ثم إنه ليس المراد بالعيب في المقام خصوص الفسق، بل كل ما يكون مستورا على الإنسان و في إظهاره مهانة لكرامته و أكل للحمه، فاظهاره

اغتياب له، كما إذا قال: (إنه حال صباه فعل كذا أو كان أبوه كذا) نعم في رواية داود بن سرحان (هو إن تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل، و تبث عليه) إلا أنها مع ضعف سندها يمكن المناقشة في دلالتها أيضا كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 195

و ان كان بحيث يكره كلهم (1) مقتضى كونها من حقوق الناس (2).

______________________________

(1) لا يخفى أنه مع عدم تعيين المغتاب بالفتح و إن لا يكون كشف لعيبه المستور عليه، فلا يصدق على الإظهار المزبور عنوان الغيبة، إلا أن ملاك حرمتها و هو إيراد النقص على مؤمن، و إسقاطه عن أعين الناس بل عنوان أكل لحمه الوارد في موثقة أبي بصير المتقدمة موجود بالإضافة الى كل منهما، فإنه بذلك يكون كل منهما معرضا للتهمة. و أما كراهة كل منهما و عدمه، فقد تقدم أنه لا دخل لكراهة الطرف في تحقق عنوان الغيبة، بل و لا في حرمة الإظهار و عدمها. و من ذلك يظهر حال ما إذا قال أهل هذه القرية أو البلدة كذا، و كان عليه غالبهم، حيث أنه إن أراد الكل كان بهتانا و ان أراد الغالب و كان الموجود ما ستره اللّه عليهم فهو اغتياب حكما، و إلا فلا بأس بذلك القول.

(2) بعض الروايات المتقدمة دالة على وجوب الاستحلال، و مقتضى إطلاقها كون وجوبه تعيينيا، كما أن رواية حفص بن عمر «1» المعبر عنها في كلام المصنف (ره) برواية السكوني دالة على لزوم الاستغفار للمغتاب بالفتح، و مقتضى إطلاقها أيضا تعيينه، فقيل برفع اليد عن كلا الإطلاقين بحمل الوجوب فيهما على التخييري، كما هو مقتضى الجمع العرفي بين الأمر بفعل

في خطاب و الأمر بالفعل الآخر في خطاب آخر، و فيه ان هذا النحو من الجمع في المقام غير ممكن، لما ورد من كون الغيبة أشد من الزنا في التخلص عن وزرها، و مع التخيير بين الاستحلال و الاستغفار لا يكون في البين ما يوجب كون التخلص من وزرها أشد، مع ان الجمع بحمل الفعل في كل من الخطابين على التخييري يختص بما إذا علم بعدم وجوب كلا الفعلين معا، كما في مسألة دلالة إحدى الروايتين على وجوب صلاة الجمعة، و الأخرى على وجوب صلاة الظهر، حيث يعلم بعدم وجوب كلتا الصلاتين معا.

و أما فيما احتمل وجوب كل منهما تعيينا، فيؤخذ بإطلاق الوجوب في كل منهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب: (155) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 196

..........

______________________________

(لا يقال): ظاهر كل من الروايتين عدم وجوب الفعل الآخر، فان مقتضى رواية حفص بن عمر كون الاستغفار للمغتاب بالفتح كافيا في تكفير ذنب الاغتياب فلا حاجة معه الى الاستحلال، كما أن ظاهر النبوي كون الاستحلال كافيا، و لا حاجة معه الى الاستغفار له.

(فإنه يقال) نعم هذا الظهور إطلاقي و من باب السكوت في مقام بيان كفارة الاغتياب، فينتفى هذا الإطلاق عن كل من الطائفتين بقرينة الأخرى، فإن مدلول رواية حفص عدم الحاجة الى غير الاستغفار من سائر الأفعال، و منها الاستحلال، فيرفع اليد عن الإطلاق بالإضافة إلى الاستحلال و كذا الحال في ناحية النبوي، حيث ان مدلوله ايضا عدم الحاجة الى غير الاستحلال من سائر الأفعال، و منها الاستغفار للمغتاب، فيرفع اليد بالإضافة إلى الاستغفار.

و الحاصل أن مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين هو الالتزام بوجوب كلا الأمرين، و

هذا يناسب ايضا كون الغيبة أشد من الزنا كما لا يخفى. نعم يبقى في البين أن هذا الجمع فرع اعتبار كل من الطائفتين، و مع ضعف سندهما لا يمكن الاعتماد عليهما حتى يجمع بينهما بما ذكر، و ربما يجمع بينهما بحمل لزوم الاستحلال على صورة التمكن، و عدم الفتنة في الاستحلال، و الاستغفار على صورة عدم التمكن أو احتمال وقوع الفتنة.

و يقال إن رواية السكوني شاهدة لذلك، قال أبو عبد اللّه (ع) على ما في الرواية «قال رسول اللّه (ص): من ظلم أحدا وفاته فليستغفر اللّه فإنه كفارة له» «1» و فيه (أولا) ان الرواية ضعيفة بالنوفلي كما تقدم بيان ذلك سابقا، و (ثانيا) انه لا دلالة فيها على الاستغفار للمظلوم، و (ثالثا) كون الغيبة ظلما على المغتاب بالفتح أول الكلام، و لذا لو لم يكن في البين أدلة تحريم الغيبة و أكل لحم المؤمن لما كانت أدلة تحريم الظلم كافية لإثباتها، مع انه ليس الظلم مطلقا من حقوق الناس كما في الزنا فإنه لا يجب على الزاني مثلا في توبته الاستحلال من أب البنت أو زوج المرأة ممن يكون

______________________________

(1) الوسائل الجزء (11) الباب (78) الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 197

[موارد جواز الغيبة]
اشارة

فاعلم ان المستفاد من الاخبار المتقدمة (1).

______________________________

عرضه مع ظهور الزنا مورد المناقشة بين الناس، و من هنا يظهر عدم الدلالة في الدعاء المنقول عن السجاد سلام اللّه عليه على كون الغيبة من الظلامة التي يجب الاستحلال منها.

و الأظهر أنه بعد ملاحظة ضعف الأخبار الدالة على كونها من حقوق الناس، و أنه يتوقف التخلص عنها على الاستحلال أو الاستغفار، أو بعد تساقط كلتا الطائفتين بالمعارضة كما مر يرجع الى

إطلاق ما دل على كون التوبة مكفرة للسيئات، و أن التائب عن ذنبه كمن لا ذنب له، و أنه كفى في التوبة الندم فراجع. و لا تصل النوبة مع هذا الإطلاق الى الأصل العملي، ليقال أن مقتضى حكم العقل في مثل المقام هو الجمع بين الأمور التي يحتمل دخلها في التخلص عن الوزر الثابت على المكلف، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

(1) و حاصله أنه يستفاد من الاخبار أن ملاك حرمة الغيبة حصول انتقاص المؤمن بها و سقوطه عن أعين الناس و لأنه يتأذى بها، و إذا فرض أن مصلحة رعايتها راجحة على رعاية ملاك الغيبة كانت جائزة، و لا فرق بين كون تلك المصلحة راجعة إلى المغتاب بالكسر، كما إذا كانت غيبته مانعة له عن المنكر، أو الى المغتاب بالفتح كما إذا كانت غيبته تظلما و موجبا لاسترداد حقه، أو إلى شخص ثالث، كما في نصح المستشير، حيث ان المصلحة ترجع الى ذلك المستشير. و المراد بالجواز معناه الأعم، فلا ينافي كونها واجبة كما في الموارد التي تكون المصلحة المترتبة عليها لازمة الرعاية. و هذا- أي رعاية المصلحة الراجحة- لا يختص بالمقام، بل يجري في كل مورد ثبت فيه ملاكان سواء كان ذلك المورد من حقوق اللّه فقط أو حقوق الناس ايضا، و يشير الى ذلك ما في جامع المقاصد من أن ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن أو التفكه به أو إضحاك الناس منه.

و أما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم، كنصح المستشير و التظلم و سماع التظلم و الجرح و التعديل، ورد من ادعى نسبا ليس له، و القدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين.

(أقول) ان

كون الملاك في حرمة الغيبة سقوط المغتاب بالفتح عن أعين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 198

..........

______________________________

الناس صحيح، و لكن لا يكون تأذيه ملاكا، فإنه ربما لا يكون في البين تأذ، كما إذا لم يسمع المغتاب ما قيل في غيابه أو في وجهه، و يكون تأذيه ناشئا عن بلوغ ما قيل في غيابه اليه. و هذا الإبلاغ الذي يحصل معه تأذيه فعل شخص آخر غير المغتاب بالكسر، و لذا ربما يقول المغتاب بالفتح لمن أبلغها اليه لم أخبرتني بها، فإن إخبارك إيذاء لي.

ثم إن ما ذكر من رعاية المصلحة الراجحة موقوفة على الاطلاع على الملاكات، و أين لنا ذلك، بل هذه الرعاية المصلحة الراجحة موقوفة على الاطلاع على الملاكات، و أين لنا ذلك، بل هذه الرعاية من وظيفة الشارع في مقام جعل الأحكام، فإنه إذا كانت مع المفسدة في الفعل جهة أخرى مقتضية لخلاف حرمته، ففي مثل ذلك يكون الجعل تابعا لاقوى الملاكين، أو يثبت حكم ترخيصي مع عدم تمامية الملاك الإلزامي. هذا في مقام الثبوت، و أما في مقام الإثبات، فإذا طرأ على غيبة المؤمن عنوان يحتمل معه تبدل فسادها، و لم يكن ذلك العنوان الطارئ مورد الأمر أو الترخيص في شي ء من الخطابات الشرعية، فيؤخذ بإطلاق دليل حرمة الغيبة، و مع تعلق الأمر أو الترخيص بذلك العنوان في خطاب، تلاحظ النسبة بينه و بين خطاب النهى عن الغيبة، على تفصيل مذكور في بحث التعارض. نعم إذا كان التزاحم بين حرمة الغيبة و تكليف آخر من قبيل التزاحم بين التكليفين، بأن لم يتمكن المكلف من الجمع بين امتثال النهى عن الغيبة و موافقة التكليف الآخر المتعلق بفعل آخر، فيلاحظ الأهم منهما

أو محتملة.

و ما ذكره في جامع المقاصد- من ان ضابط حرمة الغيبة قصد هتك المؤمن و إضحاك الناس منه، فلا يكون في غير ذلك حرمة- لا يمكن المساعدة عليه، فان القصد المزبور لا دخل له في صدق الغيبة، و لا في ملاك حرمتها و مقتضى الإطلاق هو الحكم بها بأي قصد تحققت، إلا إذا كان في البين انصراف أو دليل مقيد لحرمتها. و لا بأس بالتعرض للموارد التي ذكرها في جامع المقاصد، فنقول لا ريب في جواز الغيبة فيما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 199

[أحدهما ما إذا كان متجاهرا بالفسق]

أحدهما ما إذا كان متجاهرا بالفسق (1)

______________________________

إذا كانت المقالة الباطلة من قبيل البدعة في الدين، و دعوة الناس الى الضلالة. و قد تقدم استفادة جواز الغيبة في مثل هذا الفرض من صحيحة داود بن سرحان «1» بل البدعة كذلك تجاهر بالفسق فلا يكون لصاحبها حرمة. و أما التعديل و الجرح، فإن الأول لا بأس به فإنه إظهار جلال الشخص و كماله، و كذا لا بأس بالثاني فيما إذا كان المغتاب كذابا جعالا أو متجاهرا بفسقه، كما إذا كان فطحيا أو واقفيا أو عاميا، حيث أن الراوي الكذاب يدخل في المبدع في الدين حتى فيما إذا كان متسترا بكذبه، بل و لا يبعد أن يقال بانصراف أدلة حرمة الغيبة عن الاخبار بالفسق في مقام الشهادة، كما كان على ذلك سيرة المسلمين، حيث كانوا يشهدون بفسق الناس عند دعوتهم إليها.

هذا مع أنه قد يمكن للرجالى- فيما إذا علم فسق الراوي- أن يترك توثيقه، فان هذا يكفي في سقوط روايته عن الاعتبار، و لا يلزم التعرض لفسقه المستور (فتأمل)، و كذا الحال في مدعى النسب، فإنه يمكن رد دعواه

بنحو لا يكون ظاهرا في كون دعواه من قبيل التعمد الى الكذب، كما إذا قال انك على خطأ و ليس لك هذا النسب. و أما الغيبة في مقام النصح، ففي جوازها تأمل، حيث ان النسبة- بين ما دل على استحباب نصح المؤمن و ما دل على حرمة الغيبة- العموم من وجه، و لا بد في مورد الاجتماع من تقديم قوله سبحانه وَ لٰا يَغْتَبْ كما هو الحال في كل مورد تعارض الخبر و الآية بالعموم من وجه، مع ان دلالة الآية على العموم وضعي، فيقدم على الإطلاقي حتى فيما إذا كان الإطلاقي في الآية أيضا، و تفصيل ذلك في الأصول. و على كل فيمكن نصح المؤمن في ذلك المورد بنحو لا يدخل في عنوان الاغتياب، كما إذا قال لأخيه المؤمن أنى لا أرى صلاحا في تزويج ابنتك من فلان، و لا يلزم ان يظهر أنه شارب الخمر مثلا.

(1) و يستدل على جواز اغتياب المتجاهر بفسقه بأمور: (الأول)- رواية هارون ابن الجهم عن الصادق (ع) قال: «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة» «2»

______________________________

(1) الوسائل الجزء (11) الباب: (39) من أبواب الأمر بالمعروف الحديث (1)

(2) الوسائل الجزء (8) الباب: (154) من أبواب العشرة الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 200

..........

______________________________

و في سندها احمد بن هارون و لم يوثق. نعم روى الصدوق (ره) عنه مترضيا عليه، و لعل ذلك لا يخلو عن الإشعار إلى حسن حاله، و لكن لاعتبار بالاشعار.

(الثاني)- مرسلة المفيد (ره) في الاختصاص عن الرضا (ع)، قال: من القى جلباب الحياء فلا غيبة له على ما رواها في المستدرك.

(الثالث)- ما رواه عبد اللّه بن جعفر الحميري عن السندي

بن محمد، عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: «ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوى مبتدع، و الامام الجائر، و الفاسق المعلن بالفسق» «1» و الرواية ضعيفة بأبي البختري، فإنه وهب بن وهب، و قال الفضل بن شاذان في حقه أنه أكذب البرية.

(الرابع)- موثقة سماعة عن ابى عبد اللّه (ع) قال: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت أخوته» فإن مفهومها انتفاء حرمة الغيبة مع انتفاء الشرط، و لكن المفهوم جواز غيبة الفاسق المحرز فسقه، سواء كان متجاهرا أو متسترا، حيث أن المذكورات في الشرط بمجموعها طريق إلى عدالة الشخص، فيكون إحرازها إحرازا لعدالته و خلافها إحرازا لفسقه، و ترتب حرمة الاغتياب على صورة ثبوت الطريق الى عدالته مقتضاه عدم الحرمة في الصورة الثانية، كان متجاهرا بفسقه أم لا، و المفهوم المزبور أخص مما دل على حرمة اغتياب المؤمن، فيرفع اليد عن إطلاقه بالمفهوم، فيختص ما دل على حرمة الاغتياب بما إذا لم يظهر فسق المغتاب. و لا فرق في جوازها مع ظهوره بين كونه متجاهرا أو لا.

و لكن الصحيح أنه يرفع اليد عن إطلاق المفهوم بالتقييد الوارد في صحيحة ابن ابى يعفور التي هي الأمر الخامس في المقام قال أبو عبد اللّه (ع) فيها بعد السؤال

______________________________

(1) الوسائل- الجزء (8) الباب: (154) من أبواب العشرة الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 201

..........

______________________________

عن العدالة في الرجل: «تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان- الى ان قال:- و الدلالة على ذلك أن يكون ساترا لجميع

عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من تفتيش عثراته و عيوبه، فان ظاهرها اعتبار الستر في حرمة الفحص، عن عيوبه فيجوز مع عدم الستر، و لا يحتمل الفرق في الجواز و عدمه بين التفتيش عن سائر عيوبه و بين إظهارها بعد العلم بها. و هذه الصحيحة مع رواية هارون ابن الجهم تكون قرينة على رفع اليد عن إطلاق المفهوم في الموثقة.

(السادس) رواية علقمة المحكية عن المحاسن «من لم تره بعينك يرتكب ذنبا و لم يشهد عليه شاهدان، فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة، و إن كان في نفسه مذنبا، و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية اللّه تعالى داخل في ولاية الشيطان» و ظاهرها أن حرمة الاغتياب متفرعة على كون الشخص من أهل الستر، و قبول شهادته على كونه من أهل العدالة. و مقتضى هذا التفريع جواز اغتيابه عند عدم كونه من أهل الستر. و دعوى- أن قوله (ع): (و من اغتابه بما فيه) جملة مستأنفة مستقلة و غير متفرعة على كونه من أهل الستر، فتكون دلالتها على جواز اغتياب غيره ممن لا يكون ساترا لعيوبه من قبيل مفهوم اللقب- يدفعها أنها خلاف ظاهرها. نعم يمكن أن يقال بدلالتها على عدم جواز الاغتياب مع عدم إحراز فسق الشخص، كما إذا لم تره منه و لم تقم عليه شهادة. و على جوازه مع علمه به أو قيام الشهادة عليه، بلا فرق بين المتجاهر و غيره، نظير الإطلاق المتقدم في الموثقة. و ما رفعنا به اليد عن الإطلاق المزبور نرفع اليد به عن إطلاق هذه الرواية أيضا.

و قد يقال: إن مفهوم رواية علقمة سالبة بانتفاء الموضوع، فان مفهومها من ترى

بعينك عصيانه أو قام عليه شهادة، فليس من أهل العدالة و الستر، فلا تكون شهادته مقبولة و غيبته محرمة. و المراد أنه لا يكون ذكره عندك غيبة، فإنها كشف أمر مستور، و مع العلم به لا يكون كشف للمستور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 202

و هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به (1)

______________________________

و فيه ما لا يخفى، فإنه لم يفرض في الرواية ذكر ذلك الذنب حتى يقال لا يكون ذكره عند العالم به اغتيابا، بل المراد نفى الحرمة عن ذكر سائر عيوبه التي لا يعلم بها الشخص، و يكون ذكرها من الغيبة، فلا بد من حملها على المتجاهر كما تقدم.

ثم إني لا أظن أن يتوهم دلالة الموثقة على وجوب الوفاء بالوعد و ذلك، لما ذكرنا من ان المذكور فيها طريق إلى عدالة الشخص، و يمكن جعل الالتزام بالمستحب الواحد طريقا إلى عدالة الشخص، فضلا عن جعل عدة أمور يكون الالتزام به أحدها.

نعم ربما يقال بأن مدلول الموثقة ترتب مجموع الأحكام المذكورة في الجزاء على الشرط المذكور، فيكون مفهومها انتفاء المجموع بانتفاء الشرط، و هذا لا ينافي ثبوت بعض تلك الأحكام أي حرمة الغيبة في فرض انتفاء الشرط. و يدفعه ظهور القضية في ترتب كل واحد من الأحكام المزبورة على الشرط.

ثم إن مفاد رواية علقمة كون الأصل في المؤمن العدالة، فيكفي في ترتيب آثارها عدم إحراز الفسق، هذا هو المنسوب الى الصدوق (ره)، و لكن الاعتماد- في ذلك على هذه الرواية مع ضعفها سندا و معارضتها لما دل على اعتبار إحراز العدالة في ترتيب آثارها، كصحيحة عبد اللّه بن أبى يعفور- غير ممكن.

(1) الأظهر جواز ذلك، كما عليه جماعة، و تقتضيه

صحيحة ابن ابى يعفور، حيث أن ظاهرها جواز تفتيش سائر عيوب المتجاهر، فيجوز أيضا إظهار تلك العيوب بعد العلم بها، على ما تقدم من عدم احتمال الفصل بين الجوازين، و يدل عليه أيضا رواية هارون بن الجهم المتقدمة، حيث أن ظاهرها عدم الاحترام للمتجاهر حتى يتحفظ عليه بترك غيبته و عدم إظهار عيوبه المستورة عليه، بل المراد من نفى الغيبة له تجويز إظهار تلك العيوب خاصة، و الا فبالاضافة الى عيبه المتجاهر به لا تتحقق الغيبة أصلا.

و الحاصل أن هذه الرواية- و ما بعدها باعتبار ضعف إسنادها- مؤيدة، و العمدة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 203

نعم لو تأذى من ذمه بذلك دون ظهوره (1)

[الثاني تظلم المظلوم]

الثاني تظلم المظلوم و إظهار ما فعل به الظالم (2)

______________________________

في المقام الصحيحة و الموثقة. و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا كان متجاهرا في بلد دون آخر، فإنه يجوز بيان عيوبه حتى في البلد الآخر لعين ما ذكر. نعم إذا كان ساترا لعيوبه و معتذرا عن عيبه المتجاهر به بارتكابه للاضطرار أو الإكراه أو التزاحم بينه.

و بين التكليف الآخر، أو بدعوى أنه يرى جوازه تقليدا أو اجتهادا، فان كان بطلان اعتذاره واضحا عند الناس فلا يعد الاعتذار سترا، و ان احتمل العذر و لو كان معلوم البطلان عند البعض الآخر، فلا يكون بارتكابه جاهرا بفسقه.

ثم إن ظاهر الأدلة كون الحكم ما دام كونه جاهرا، نظير قوله (ع): «لا تصل خلف الفاسق» فلا يجوز الاغتياب بعد ما صار الشخص ساترا لعيوبه، حتى بإظهار عيبه الذي كان عليه زمان تجاهره كما لا يخفى.

(1) يعنى لو تأذى بالذم لا بظهور عيبه، بان لا يكون مجرد ظهوره مكروها له، فلا بأس

باغتيابه بإظهار ذلك العيب و في فرض كراهته له يجوز سبه بما لا يكون كذبا، و لكن لا يجوز اغتيابه حيث ان مناط السب المذمة و التنقيص، فيجوز و مناط الغيبة إظهار عيبه، فلا يجوز الا مع الرخصة أو عدم الكراهة (أقول): هذا الكلام عجيب منه (ره) حيث تعرض سابقا لسب المتجاهر بفسقه و استظهر جوازه من دليل جواز اغتيابه، و هنا فصل بين غيبة المتجاهر و ذكر عدم جوازها فيما إذا كان ظهور عيبه مكروها و بين سبه و ذكر جوازه بما لا يكون كذبا حتى مع تأذية.

(2) يستدل على جواز تظلم المظلوم عن ظالمة بقوله سبحانه وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولٰئِكَ مٰا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ «1» و لكن لا يخفى ما فيه، فان ظاهرها جواز انتقام المظلوم عن ظالمة، كما يؤيده ملاحظة ما قبلها من قوله عز و جل وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِ إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الظّٰالِمِينَ «2» و اما جواز

______________________________

(1) سورة (شورى) الاية (40)

(2) سورة (شورى) الاية (39)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 204

..........

______________________________

الاغتياب من ظالمة بإظهار ظلمه أو حتى سائر عيوبه المستورة عليه، فلا دلالة لها عليه، بل مقتضى قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ المماثلة في الانتقام. نعم لو كان ظلمه هو الاغتياب و التنقيص المسقط للمغتاب بالفتح عن أعين الناس، فيجوز للمغتاب الانتقام من ظالمة بإظهار عيوبه، و قوله سبحانه لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ فإنه في نفسه دال على جواز إظهار المظلوم مساوئ ظالمة، بلا حاجة الى الرواية أو قول بعض المفسرين، لان قوله سبحانه

مِنَ الْقَوْلِ كما مر سابقا بيان للجهر بالسوء و إظهاره.

و الحاصل ان ظاهر الآية حرمة إظهار الإنسان المساوئ و القبائح التي ارتكبها هو أو غيره، إلا إذا كان الجاهر بها مظلوما يجهر بمساوئ ظالمة، و مناسبة الحكم و الموضوع مقتضاها دخل الظلم في جواز الاغتياب، بحيث لو لا ظلمه لما جاز اغتيابه و أما اختصاص الجواز بخصوص ظلمه بحيث لا يجوز إظهار سائر عيوبه، فلا تقتضيه المناسبة، بل مقتضاها بيان جميعها حتى يحصل للناس إمكان التصديق بظلمه.

ثم ان المصنف (ره) أيد جواز التظلم بأن في منع المظلوم عنه حرجا عليه، حيث ان التظلم نوع من التشفي. و لا يخفى ما فيه، فإنه ليس في البين الحرج الرافع للتكليف، خصوصا فيما إذا كان للمظلوم حجة على ظالمة تمكنه من طرح دعواه في المحاكم للأخذ بحقه، و بان في جواز التظلم و تشريع الجواز مظنة ردع للظالم. و فيه ان هذا على تقدير تماميته لا يختص بالمظلوم، لعدم اختصاص منع الغير عن المنكر بشخص دون شخص. و بهذا يظهر الحال فيما استظهره مما ورد في اغتياب الإمام الجائر، حيث أن جواز اغتيابه لا يختص بخصوص المظلوم، بل يعم كل شخص، فيجوز لهم ذكر عيوبه. نعم في النبوي لصاحب الحق مقال، و ظاهره جواز إظهار المظلوم حقه و بيان ما اصابه من الظلم و لو كان البيان إظهارا لعيب الآخر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 205

مع أن المروي عن الباقر (ع) في تفسيرها (1) و يظهر من بعض الاخبار جواز الاشتكاء (2) و يمكن الاستدلال عليه (3).

______________________________

و الحاصل أن قوله سبحانه لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ بنفسه كاف في إثبات جواز بيان المظلوم عيوب ظالمة،

بلا فرق بين كون عيبه ظلما أو غيره، و بلا فرق بين ان يكون في إظهارها مظنة ازالة الظلم عنه، كما إذا أظهرها عند من يمكن له إزالته، أو لم يكن في إظهارها إلا بيان عيوبه و إسقاطه عن أعين الناس، كما هو مقتضى إطلاق الاستثناء و عدم تقييده بمقام مظنة دفع الظلم. و ما في كلام المصنف (ره) من عدم العموم في الآية، فإن أراد نفى الإطلاق فقد ذكرنا ثبوته كما هو مقتضى أصالة ورودها في مقام البيان من جهتي المستثنى و المستثنى منه و إن أراد عدم العموم الوضعي فإثبات عموم الجواز لا يحتاج اليه كما مر.

(1) لا يخفى أن قوله سبحانه لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ بنفسه ظاهر في أنه يجوز للمظلوم اغتياب ظالمة، و يكون الانتصار باغتيابه مما يجوز الانتصار به في الدين، فالرواية لا تنافي الآية، بل الآية حاكمة على مفادها مع أنه لا يمكن رفع اليد عن ظاهرها بمثل تلك المرسلة.

(2) و هي رواية حماد بن عثمان «1» و في سندها ضعف بمعلى بن محمد، و على رواية الشيخ (ره) بمحمد بن يحيى الصيرفي، و مرسلة ثعلبة بن ميمون «2» و لا دلالة لهما ايضا على جواز الاغتياب بترك الأولى فإن الشكوى لا يكون من الاغتياب دائما و لعل الشكوى المفروضة في الروايتين لم تكن اغتيابا.

(3) أى على جواز الاغتياب في مقام الاستفتاء مع توقفه عليه (لا يقال) كما يمكن الاستفتاء بإظهار السائل عيب أمه و سوئها، كذلك يمكن بطرح السؤال بنحو الفرض و التقدير، بان يقول لو ارتكبت أم أحد الفعل الفلاني فما وظيفة ابنها، و طرح السؤال

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (16) من أبواب الدين-

الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (56) من أبواب العشرة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 206

مدفوع بالأصل (1) مضافا الى أدلة النهي عن المنكر (2)

______________________________

في الرواية بنحو الاغتياب و عدم ردع النبي (ص) دليل على جواز الاستفتاء بنحو الاغتياب حتى مع عدم توقفه على ذكر الفاعل بالخصوص (فإنه يقال) لا إطلاق في الرواية، فإنها ناظرة إلى قضية شخصية، و لعل السائل كان غافلا عن طرح السؤال فيها بالنحو الآخر.

و الحاصل ان المتيقن هو الجواز في صورة توقف الاستفتاء كما لا يخفى.

(1) الرجوع في المقام الى الأصل من الغرائب، فإن أم السائل جاهرة بفسقها أو لا لا يكون له أثر شرعي بالإضافة إلينا، حتى نرجع الى الأصل، بل ظاهر الرواية انه لم يردع رسول اللّه (ص) الولد عن اغتياب أمه أو قذفها، و عدم ردعه (ص) يكون كاشفا عن جواز فعل الولد، إما لكونها مشهورة بالزنا أو لكون ذكرها للغفلة أو لغيرها، و ليس في البين ما يعين شيئا من ذلك.

(2) و لكن مجرد عموم أدلتها لما إذا توقف النهى على الاغتياب أو على محرم آخر لا يوجب تقديم النهى عن المنكر، بل وجوبه مع حرمة الاغتياب أو محرم آخر من المتزاحمين يراعى جانب الأهم أو محتمله، و لا يبعد ان يستفاد الأهمية في جانب التكليف بالردع في مورد تزاحمه مع حرمة الغيبة أو مثل الضرب أو الشتم من مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان المتضمنة لأمر الولد بحبس أمه لردعها عن محارم اللّه.

و الحاصل انه لا ينبغي التأمل في جواز الاغتياب فيما إذا توقف عليه الأمر بالمعروف أو الردع عن المنكر، فإنه على تقدير عدم استفادة تعين رعايتهما عن

الصحيحة فلا ريب في استفادة جوازهما، فإن غاية الأمر ان وجوب الردع مع حرمة الاغتياب في مورد التوقف من المتزاحمين، و تكون الأهمية في كل منهما محتملة، و الحكم مع احتمالها في كل من المتزاحمين هو التخيير اللهم الا ان يقال بان الأمر بالمعروف و الردع عن المنكر لا يجبان مع انحصار مقدمتهما بالمحرم.

ثم إن التزاحم إنما يكون في فرض توقف النهى عن المنكر على الاغتياب بأن توقف ردع المغتاب عن الفعل المنكر على الاغتياب أولا ثم نهيه عنه حتى يؤثر في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 207

[و يحرم استماع الغيبة]

و يحرم استماع الغيبة (1).

______________________________

الارتداع. و أما إذا كان الاغتياب بنفسه كافيا في ارتداعه، كان خطاب وجوب نهى الغير و ردعه عن ارتكاب المنكر مع خطاب النهى عن الاغتياب من المتعارضين يجتمعان في الفرض، و بما أن الكتاب المجيد دال على كلا الحكمين يسقط الإطلاق من الخطابين، فيحكم في الفرض بجواز الاغتياب بأصالة البراءة عن حرمته كما لا يخفى (لا يقال): دلالة النهي عن الاغتياب في الكتاب المجيد بالعموم، كما هو مقتضى وقوع الجنس في حيز النهي أو النفي، و دلالة الكتاب على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر بالإطلاق و مع وقوع المعارضة بالعموم من وجه يقدم العموم على الإطلاق، كما هو المقرر في محله (فإنه يقال): نعم، و لكن يستفاد جواز الاغتياب في الفرض من صحيحة عبد اللّه بن سنان، و ذلك فان قوله سبحانه فَلٰا تَقُلْ لَهُمٰا أُفٍّ دلالته على حرمة إيذائها بحبسها أو ضربها بالعموم و دلالة الكتاب على أمرها بالمعروف و نهيها عن المنكر بالإطلاق. و مع ذلك ذكر سلام اللّه عليه فيها أن منعها عن المنكر

بما ذكر من أفضل الصدقة. و لا يحتمل الفرق بين جواز ضربها و حبسها و بين اغتيابها.

و على الجملة ما ذكر في محله من تقديم العموم على الإطلاق فيما لم تكن قرينة أخرى على الجمع، و الصحيحة في المقام قرينة عليه و لكن لا يخفى أنه لا يستفاد منها وجوب منعها عن المنكر بما ذكر، بل غاية مدلولها جواز المنع أو استحبابه في مورد توقف المنع على مثل الضرب و الحبس أو اتحاده معهما، و عدم إمكان المنع بغيرهما كما لا يخفى.

(1) و حاصله أن الاستماع و الإصغاء إلى الاغتياب محرم بلا خلاف، و يدل عليه بل على كونه من الكبائر ما ورد من أن السامع للغيبة أحد المغتابين، فإنه ان كان لفظ المغتابين بصيغة التثنية يكون ظاهرا في ان السامع للغيبة كصاحبه الذي أظهر سوء الآخر و عيبه، فان كان المغتاب بالكسر عاصيا بإظهاره كان السامع ايضا كذلك، و إن لم يكن عاصيا كما إذا كان المغتاب بالفتح متجاهرا بالفسق لم يكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 208

..........

______________________________

عصيان للسامع ايضا، و إذا لم يعلم السامع جواز فعل المتكلم، كما إذا احتمل كون المغتاب بالفتح مستورا، فالاستماع اليه- على ما قيل- جائز لحمل فعل المتكلم على الصحة.

قال في كشف الريبة: (إذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا يعلم أن المغتاب بالفتح يستحق الغيبة أو لا، قيل لا يجب نهى القائل، لإمكان استحقاق المغتاب بالفتح فيحمل فعل القائل على الصحة ما دام لم يعلم فساد قوله و حرمته، و ايضا منع القائل و نهيه عن قوله يستلزم انتهاك حرمة القائل، و يجب على السامع التحفظ على حرمة القائل، كما يجب عليه

التحفظ على حرمة المغتاب بالفتح بترك اغتيابه) ثم قال:

(الاولى التنزه عن ذلك حتى يخرج المخرج منه، لعموم الأدلة أى أدلة وجوب رد الغيبة و انتصار المؤمن و عدم الاستفصال فيها عن إحراز كون القائل ممن لا يجوز له الاغتياب، فيجب معه رد الغيبة و نهيه عنها و عن احتمال جوازه له، فلا يجب ردها و نهيه عنها، و لانه لو لم يجب رد الغيبة في فرض احتمال جواز الاغتياب للقائل لم يجب ردها فيما إذا أحرز أن المغتاب بالفتح انسان مستور لا يجوز اغتيابه، فإنه في الفرض ايضا يحتمل ان يكون عند القائل مجوز لاغتيابه لم نعثر عليه و الالتزام بالجواز في ذلك هدم لقاعدة النهي عن الغيبة) انتهى.

و لا يخفى ان عدم وجوب ردع القائل كما في كلام كشف الريبة غير جواز الاستماع، و يمكن أن يقال بعدم وجوب الرد على القائل في مورد احتمال جواز اغتيابه، و لكن لا يجوز الاستماع اليه، و هذا ظاهر قوله (ع) السامع للغيبة أحد المغتابين على تقدير قراءته بصيغة الجمع، حيث أن مقتضى قراءته بصيغة الجمع أن يكون السامع للغيبة كالمتكلم بها، و كما لا يجوز الاغتياب و إظهار سوء الغير مع عدم إحراز كون فاعل المنكر متجاهرا، كذلك لا يجوز السماع مع عدم هذا الإحراز، و لكن يظهر التسالم أو عدم الخلاف في حرمة استماع الغيبة بما هو استماع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 209

..........

______________________________

إليها و ليس في البين رواية على تحريمه غير مثل ما عن تفسير ابى الفتوح من أن السامع للغيبة أحد المغتابين، و لا يمكن الاعتماد على مثلها في الحكم بحرمة استماعها، فضلا عن الحكم بكون الاستماع من الكبائر.

نعم رد الغيبة واجب على سامعها كما هو ظاهر غير واحد من الروايات كموثقة إبراهيم بن عمر اليماني عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «ما من مؤمن يخذل أخاه المؤمن و هو يقدر على نصرته الا خذله اللّه في الدنيا و الآخرة «1»» و المراد بالخذلان ترك النصرة بقرينة المقابلة.

و قريب منها بل أظهر منها غيرها فراجع، و مقتضاها عدم الفرق في وجوب الرد بين علم السامع بان المغتاب بالفتح ممن لا يجوز اغتيابه أو احتمل جوازه. نعم في الفرض الثاني لا يجوز الرد بنحو يكون هتكا للمغتاب بالكسر و منافيا لحمل فعله على الصحيح، بمعنى عدم صدور المعصية منه، فيجب عليه الرد بنحو يحفظ فيه كرامة المغتاب بالفتح و الحمل على الصحة.

و المتحصل أن هنا أمورا ثلاثة: (الأول) نهى القائل عن الاغتياب باعتبار أن نهيه عنه داخل في عنوان النهى عن المنكر، فيجب، و يختص بما إذا أحرز صدور الحرام عن القائل، و كون اغتيابه معصية للّه سبحانه. و أما إذا احتمل صدوره حلالا، فمقتضى أصالة حمل فعله على الصحة عدم وجوب نهيه، بل لا يجب النهى حتى مع الإغماض عن أصالة الصحة، حيث أن التمسك بدليل وجوب النهى عن المنكر مع عدم إحراز المنكر من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(الثاني) الاستماع الى الاغتياب، فهذا جائز عندنا على الإطلاق، و لكن المنسوب الى المشهور، بل ادعى كما عن المصنف (ره) عدم الخلاف في حرمته.

و الاستماع عندهم جائز فيما إذا أحرز جواز الاغتياب، و أما إذا احتمل جوازه فيمكن لهم القول بالجواز، حيث أن مفاد الروايات كون حكم المستمع في الوزر و عدمه حكم المغتاب بالكسر، و مع جريان أصالة الصحة في فعل المغتاب بالكسر

يحرز عدم الوزر له.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب (146) من أبواب العشرة- الحديث: (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 210

..........

______________________________

(لا يقال) حمل فعل القائل على الصحة ينافي أصالة عدم كون المغتاب بالفتح متجاهرا حتى يجوز اغتيابه، بل الأصل أنه لم يرتكب حراما أصلا (فإنه يقال) أصالة الصحة في فعل القائل لا ينافي تلك الأصول، فإن أصالة الصحة معناها عدم إسناد المعصية إلى القائل، كما هو مفاد قوله سبحانه قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً و يمكن أن يكون القائل معذورا لم يعص اللّه في اغتيابه، بان كان معتقدا بصدور الحرام من الغير، و كون ذلك الغير متجاهرا مع خطأه في اعتقاده، و لا يكون ذلك الغير ايضا عاصيا في الواقع، كما هو مفاد أصالة عدم كونه متجاهرا، بل و لا مرتكبا للحرام، و لكن الصحيح كما ذكرنا عدم تمام الدليل على حرمة الاستماع، حتى في فرض إحراز ان القائل يعصى اللّه باغتيابه، و ذلك فان الروايات الواردة في المقام كلها ضعيفة سندا، غير قابلة للاعتماد عليها.

(لا يقال): لا يمكن احتمال كذب تمام تلك الروايات و عدم صدور شي ء منها عن الامام (ع) بل دعوى الوثوق بصدور بعضها عنهم (ع) قريبة جدا (فإنه يقال) على تقدير تسليم ذلك، فيمكن أن يكون الصادر عنهم (ع) مقترنا بقيد لم ينقل إلينا ذلك القيد، و هو الاستماع الى الاغتياب مع السكوت عليه، و عدم رده، و لا يعتبر السند في شي ء من تلك الروايات. ليقال مقتضى اعتبار خبر الثقة أو العدل هو الإطلاق، و عدم صدور القيد عنه (ع).

(لا يقال) كيف لا يكون الاستماع محرما و قد ورد في غير واحد من الروايات أن عورة المؤمن على المؤمن

حرام، و فسرت بإذاعة سره، و أيضا قد تقدم أن الغيبة معناها كشف ستر المؤمن، و الكشف و الإذاعة- كما يكون بفعل القائل- كذلك يكون بفعل السامع، حيث أنه مع استماعه إلى الغيبة يحصل الكشف و الإذاعة، (فإنه يقال): ربما يكون حصول فعل من أحد موقوفا على فعل الآخر، كما في ضرب زيد عمرا، فان وقوف عمرو و عدم فراره من يد زيد دخيل في تحقق الضرب، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 211

ثم انه قد يتضاعف عقاب المغتاب (1) و يمكن القول بتعدد العقاب (2) روى في الوسائل (3) يرحم عبرته (4)

______________________________

حصول عنوانه، إلا أن الضرب يستند صدورا الى زيد، لا الى عمرو، فلو فرض دليل على حرمة ضرب أحد مؤمنا، فهذا الدليل يشمل فعل زيد لا عمرو، و هنا ايضا استماع السامع دخيل في حصول كشف سر المؤمن و اذاعة عيبه، إلا أن الكشف و الإذاعة يستند إلى القائل أي إلى المغتاب بالكسر لا الى السامع كما لا يخفى.

(و الأمر الثالث) رد الغيبة و انتصار أخيه المؤمن أى المغتاب بالفتح، و هذا الانتصار كما تقدم واجب إلا فيما إذا لم يكن للمغتاب بالفتح احترام، كما إذا كان متجاهرا بالفسق، و هذا الرد غير النهى عن المنكر، فيمكن الجمع بين حمل فعل القائل على الصحة، بمعنى عدم اسناد الحرام اليه، و بين التحفظ على كرامة المغتاب بالفتح برد غيبته و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) كما تشهد له موثقة عمرو بن خالد عن زيد بن على عن آبائه عن على (ع) قال قال رسول اللّه (ص): «يجي ء يوم القيامة ذو الوجهين والعا لسانه في قفاه، و آخر من قدامه يلتهبان نارا

حتى يلهبا جسده ثم يقال كان في الدنيا ذا وجهين و لسانين يعرف بذلك يوم القيمة» «1»، و نحوها غيرها.

(2) هذا إذا كانت الغيبة بمعنى ذكر ما يكرهه الإنسان، و الا فهي بالمعنى الذي ذكرناه و هو كشف العيب المستور على المؤمن لا تجتمع مع البهتان أصلا.

(3) الرواية سندها ضعيف «2».

(4) أى يترحم لدمعته و حزنه و يتلطف عليه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب: (143) من أبواب أحكام العشرة- الحديث (5).

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب (122) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (24).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 212

يقيل عثرته (1) و يرعى ذمته (2) يستنجح مسألته (3) و يبر انعامه (4) و يصدق اقسامه (5) قوله (ره) لا يسلمه (6).

______________________________

(1) الإقالة بمعنى الفك و منه قوله يا مقيل العثرات، كأن المراد فكه عن الزلة و خلاصه عن خطأه.

(2) أى يرعى العهد إليه بأن لا ينقضه.

(3) أى يسعى في تحقيق حاجته إليه.

(4) أي يقبله و لا يرده.

(5) أى يحسبها صادقة على ما يقتضيه حمل فعل المسلم على الصحة بمعنى عدم صدور الحرام منه.

(6) من باب الأفعال أي لا يخذله، فيكون عطف لا يخذله عليه من التفسير.

ثم إنه ذكر المصنف (ره) ظهور الرواية في ثبوت الحقوق لكل مؤمن على أخيه المؤمن إلا انه لا بد من حملها على المؤمن العارف بحقوق الآخرين، و الراعي لها بحسب إمكانه، و ذكر في وجه الحمل أمورا:

(الأول) المقاصة فيها باعتبار وقوع التهاتر في الحقوق، كوقوعه في الأموال، فإن من لا يراعى حقك عليه، لا يلزم عليك، أداء مثل ذلك الحق إليه، حيث أن التهاتر كذلك أمر ارتكازي عند العقلاء في الأموال و غيرها، و يدل عليه ما

عن الصدوق في الخصال و كتاب الاخوان و الكليني بسندهما عن ابى جعفر (ع) قال: «قام الى أمير المؤمنين (ع) رجل بالبصرة، فقال أخبرنا عن الاخوان، فقال (ع): الاخوان صنفان إخوان الثقة و اخوان المكاشرة، فأما إخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك و يدك و صاف من صافاه، و عاد من عاداه، و أكتم سره و عيبه، و أظهر منه الحسن. و اعلم أيها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر، و أما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم، و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 213

[القمار]
اشارة

و هنا مسائل أربع (1)

______________________________

و حلاوة اللسان» «1» فان المراد بكونه على ثقة من أخيه، الثقة من رعاية الحقوق، و مقتضاها أن من لا يراعى تلك الحقوق و لا يبذل لك غير طلاقة الوجه عند الملاقاة كما هو ظاهر المكاشرة، فليس عليك الا مثل ما بذله، دون الحقوق، و السند على رواية الكليني معتبر.

(أقول) ليس مقتضى هذه الرواية ان لا يجب مثل رد الغيبة على الشخص فيما إذا لم يراع المغتاب ردها في حقه، لما تقدم من أن ردها واجب على السامع، و ليس في البين ما يدل على كونه من الحقوق الساقطة بالتهاتر.

(الثاني)- ما دل على نفى الصداقة عمن لا يراعى حقوقها، و إذا لم يكن الشخص صديقا لك لا يكون أخا، و فيه الصداقة أخص من الأخوة، فلا يكون نفيها نفيا للاخوة حتى تنتفي الحقوق الثابتة لها.

(الثالث) ما دل على نفى

الأخوة عمن لا يواسي أخاه المؤمن، و فيه أن المراد نفى الأخوة الكاملة لا الأخوة في مجرد الايمان، و الا لجاز اغتيابه بمجرد تركه المواساة، و الحقوق في الرواية ثابتة للإخوة في الايمان، فلاحظ.

و لا يخفى ان المذكور في الرواية من الحقوق كسائر المستحبات التي لا يوجب عدم التمكن من رعايتها بالإضافة الى جميع المؤمنين إلا وقوع التزاحم بينها، لا سقوط استحبابها، فلا يقال بان عدم التمكن على جميعها باعتبار عدم سعة وقت الإنسان لأدائها قرينة على عدم استحبابها، و بعبارة أخرى عدم التمكن على الجمع بينها في الأداء لكل مؤمن، يوجب كونها كسائر المستحبات المتزاحمة، لا سقوط استحبابها.

(1) (الاولى) اللعب بالآلات مع العوض، و لا ينبغي الريب في حرمته و حرمة العوض، و يكفي في إثبات حرمة اللعب قوله عز من قائل إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ.

حتى إذا قلنا بأن المراد بالميسر هو الآلات لا نفس المقامرة، حيث أن تحريم تلك الآلات

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (3) من أبواب العشرة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 214

..........

______________________________

معناه المنع عن اللعب بها بالعوض أو مطلقا كما لا يخفى، كما يكفي في حرمة العوض و عدم صيرورته ملكا للغالب، قوله سبحانه لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ* حيث أن ظاهر الأكل كما تقدم التملك و وضع اليد، و مقتضى النهى عنه- كالنهي عن سائر المعاملات- هو الفساد و الحاصل أن اللعب بآلات القمار بداعي تملك العوض أمر محرم، و يكون أخذ العوض بإزاء غلبته في اللعب أكلا له بالباطل.

(الثانية) اللعب بآلات القمار بلا عوض، و الأظهر في هذه الصورة حرمة اللعب، كما هو مقتضى ظاهر صحيحة زيد الشحام قال: «سألت أبا عبد

اللّه (ع) عن قول اللّه عز و جل فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ قال: الرجس من الأوثان الشطرنج، و قول الزور الغناء» «1» و رواية السكوني عن ابى عبد اللّه (ع)، قال:

«نهى رسول اللّه (ص) عن اللعب بالشطرنج و النرد» «2» و نحوهما غيرهما. و دعوى- انصراف مثلهما الى ما إذا كان في اللعب عوض- لا يمكن المساعدة عليها، حيث أن اللعب بهما من غير عوض ليس بأمر نادر. لتكون ندرته منشأ له. نعم لا يمكن الاستدلال على حرمة هذا اللعب بما ورد في حرمة القمار، لا من جهة الانصراف الذي ذكره المصنف (ره) فإنه قابل للمنع، بل لعدم إحراز صدق القمار على اللعب بها من دون تعيين عوض للغالب.

ثم انه (ره) فرق بين رواية السكوني و بين رواية أبي الربيع الشامي عن ابى- عبد اللّه (ع) قال: «سئل عن الشطرنج و النرد، فقال: لا تقربوهما» «3» و ذكر أن دعوى الانصراف في الأولى قريبة، و في هذه بعيدة، و لكن لا يخفى ما فيه، فإنه إذا كانت كثرة الافراد موجبة للانصراف في الطبيعي، لكانت كثرة افراد القرب الى الآلات المزبورة أيضا موجبة للانصراف في لفظ معنى القرب المضاف الى تلك الآلات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (102) ما يكتسب به- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (102) ما يكتسب به- الحديث: (9)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (102) ما يكتسب به- الحديث: (10)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 215

و يؤيد الحكم (1)

______________________________

و ذكر بعد ذلك أن الاولى الاستدلال على حرمة اللعب في هذه الصورة برواية تحف العقول من قوله: «ما يجي ء منه الفساد محضا لا يجوز التقلب

فيه من جميع وجوه الحركات» و بما في تفسير القمي عن ابى الجارود في قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قال: «أما الخمر فكل مسكر من الشراب- الى ان قال:- اما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر.

و اما الأنصاب فالأوثان التي كان يعبدها المشركون. و اما الأزلام، فالأقداح- الى ان قال:- كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام من اللّه و هو رجس من عمل الشيطان».

(لا يقال) القمار في هذه الرواية منصرف الى ما إذا كان في اللعب رهن (فإنه يقال) ليس المراد معناه المصدري لتتم دعوى الانصراف، بل المراد آلاته بقرينة قوله. و كل هذا بيعه و شراؤه و بقرينة قوله قبل ذلك: (أما الميسر فهو النرد) حيث أن النرد اسم للالة، كما أن البيع، و الشراء يتعلق بالآلات لا باللعب.

(أقول) لا يخفى ما فيه، فان رواية تحف العقول- كما ذكرنا مرارا- لا تصلح للاعتماد عليها، مع أن كون الآلات مما يجي ء منها الفساد المحض أول الكلام، فإنه إذا جاز اللعب بها بلا عوض و رهن لا يكون فيها الفساد المحض. و أما رواية القمي فمع الإغماض عن ضعف سندها بالقطع، فيأتي فيها ما ذكره في الروايات السابقة من دعوى الانصراف، لا في قوله: (و كل قمار ميسر) حتى يقال أن القمار فيه ليس بمعناه المصدري، بل الانصراف في قوله: (و الانتفاع بشي ء من هذا حرام) حيث أن الانتفاع بها ينصرف الى فرده الشائع و هو اللعب مع العوض.

(1) لا يخفى أن الرهن و العوض و ان لم يكن دخيلا في كون اللعب بالآلات لهوا و باطلا،

إلا أنه لا دلالة لتلك الروايات على الحرمة، لأن مطلق الباطل و الاشتغال عن ذكر اللّه لا يكون محرما، و لذا جعلها (ره) مؤيدة للحكم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 216

المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدة للقمار (1)

______________________________

(1) (الثالثة) ما إذا كان اللعب بغير الآلات المعدة، و لكن مع الرهن على اللعب، و يظهر من كلمات جماعة في باب السبق و الرماية عدم الخلاف في حرمة هذا اللعب تكليفا كما يكون فاسدا، حيث قالوا: إنه لا خلاف. في حرمة السبق بغير المنصوص إذا كان في البين عوض. و أما إذا لم يكن عوض ففي حرمة السبق خلاف و ظاهر ذلك أن مورد الخلاف هنا- أى فيما إذا لم يكن في البين عوض و هي الحرمة تكليفا- مورد الوفاق هناك، أى فيما إذا كان في البين عوض، فان الفساد يعنى الحكم الوضعي لا يمكن كونه مورد الخلاف مع فرض عدم العوض في البين. و كيف كان فيلتزم في المقام- كما عن المصنف (ره) و غيره- بحرمة اللعب تكليفا و فساده وضعا، أى عدم صيرورة العوض ملكا للغالب، و يقال في وجهه أمور.

(الأول) ان اللعب مع الرهن قمار، كما يفصح عن ذلك رواية العلاء بن سيابة عن ابى عبد اللّه (ع) «أن الملائكة تحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش، و ما سوى ذلك فهو قمار حرام» «1» و فيه ان الرواية لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها. و الأخذ بإطلاق القمار في بعض الروايات يحتاج إلى إثبات عدم دخل الآلات في صدقه.

(الثاني) مرسلة الصدوق (ره) قال: «قال الصادق (ع): إن الملائكة لتنفر عند الرهان، و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الريش

و النصل» «2».

(الثالث) بما في تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الرضا (ع)، قال: «سألته عن الميسر قال: الثقل من كل شي ء، قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم» «3» و لا يخفى أن مفاده حرمة العوض في كل رهان لا حرمة نفس الرهان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (3- 1) من أبواب السبق- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (3- 1) من أبواب السبق- الحديث: (6)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) باب: (104) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 217

فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار (1).

______________________________

و اللعب تكليفا، أضف الى ذلك ضعفه سندا و عدم كونه صالحا للاعتماد عليه.

(الرابع) صحيحة معمر بن خلاد عن ابى الحسن (ع)، قال: «النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كل ما تقومر عليه فهو ميسر» «1» و لا يخفى أن العموم فيها ايضا باعتبار العوض في القمار.

(الخامس) رواية جابر عن ابى جعفر (ع)، قال: «قيل يا رسول اللّه ما الميسر؟

فقال كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز» «2» (لا يقال) ضعف السند في بعض هذه الروايات منجبر بالشهرة و نفى الخلاف على ما تقدم، (فإنه يقال) لم يعلم استناد المشهور في التزامهم بالحرمة و الفساد الى هذه الروايات، بل لعلهم استفادوا الحكم مما ورد في حرمة الميسر و القمار تكليفا و وضعا أو استفاد بعضهم مما ورد من نفى السبق في غير الثلاثة، بدعوى ان المستفاد من النفي المزبور في غيرها، حرمته.

(1) الأظهر في المقام حرمة اللعب تكليفا و فساده وضعا، بمعنى عدم دخول العوض في ملك

الغالب في اللعب و يشهد لذلك ما رواه الصدوق (ره) بإسناده عن العلاء بن سيابة، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن شهادة من يلعب بالحمام؟ قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق، قلت: من قبلنا يقولون، قال عمر هو شيطان، فقال: سبحان اللّه أ ما علمت ان رسول اللّه (ص) قال: إن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل، فإنها تحضرها الملائكة.» «3» و سند الصدوق الى العلاء بن سيابة- كما ذكر في مشيخة الفقيه- صحيح، و العلاء ايضا لا بأس به،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (104) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (33) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (18) الباب: (33) من أبواب الشهادات- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 218

لا معنى لاستحباب الوفاء به (1)

______________________________

فإنه من مشايخ ابن ابى عمير، و ذكر الشيخ (ره) في عدته أنهم ثقات. و أما دلالتها على حرمة اللعب مع العوض فلأنها مقتضى لعن الملائكة صاحب الرهان، فان اللعن و ان أمكن ان يراد منه معنى يناسب كراهة الفعل ايضا، كما في لعن رسول اللّه (ص) آكل زاده وحده، و النائم في بيته وحده، و الراكب في الفلاة وحده، إلا أن ظاهره مع عدم القرينة على الخلاف حرمة الفعل، و إذا كان نفس اللعب مع الرهن محرما، كان أخذ الغالب العوض فاسدا، حيث أنه من أخذ العوض على اللعب المحرم. هذا مع أنه لا يبعد صدق القمار على اللعب المزبور، حيث ان اسناد الآلات الى القمار كإسناد سائر الآلات إلى سائر

الأفعال، كآلات القتل و الفتح و القرض الى غير ذلك و كما أنه لم تؤخذ الآلات في مفاهيم تلك الأفعال، كذلك لم تؤخذ الآلة في مفهوم القمار. و يؤيد ذلك ملاحظة كلام اللغويين. و ما تقدم مثل رواية جابر الدالة على أن الميسر كل ما تقومر به حتى الكعاب و الجوز، حيث لا يعد الكعاب و الجوز من آلات القمار. نعم لا بد في صدق القمار من كون الفعل الذي عين العوض على الغالب فيه لعبا، فلا يطلق القمار بمعناه الظاهر عند العرف على بعض الأفعال التي لا تعد من اللعب، حتى فيما إذا عين للغالب فيها عوض كالمسابقة على النجارة أو البناية أو الكتابة و نحوها من الصناعات، و لكن عدم صدقه عليها لا يمنع عن الالتزام بحرمة الرهان فيها ايضا، على ما استظهرناه من رواية العلاء ابن سيابة.

(1) أي إذا كانت المعاملة فاسدة، فالعهد الذي قطعه العاقد على نفسه لا يستحب الوفاء به، فان استحبابه ينافي فسادها، فان الوفاء في المقام عبارة عن تسليم العوض المفروض في المراهنة إلى الغالب بعنوان أنه ماله، و مع الفساد لا يكون مالا له.

نعم لو أريد صورة الوفاء بان يملكه المال بتمليك جديد مجانا، و مع الإغماض عن تلك المعاملة فلا فرق في جوازه بين القمار المحرم و اللعب الفاسد، غاية الأمر يكون التمليك الجديد مستحبا مع فساد اللعب. و لا يستحب في القمار المحرم (أقول)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 219

نعم عن الكافي و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس (1)

______________________________

لا فرق في الوفاء الصوري بين الصورتين، و الفرق باستحباب التمليك الجديد في اللعب الفاسد و عدم استحبابه في القمار بلا وجه.

(1) سندها

صحيح «1» و كلمة (آكل) في قوله (رجل آكل) من باب المفاعلة بمعنى المعاهدة على الأكل، و ربما يقال بظهورها في جواز المعاهدة المزبورة تكليفا من جهة سكوت الامام (ع)، و عدم ردعه، و من الظاهر أن المعاهدة على الأكل من قبيل الرهن على اللعب بغير الآلات، كالمراهنة على رفع الحجر الثقيل و المصارعة و الطفرة، نعم دلالتها على فسادها تامة، كما هو مقتضى منع الغرامة المفروضة في صورة عدم أكل الشاة بتمامها، و لكن لا يخفى أن دلالتها على الجواز بالإطلاق و السكوت في مقام البيان، و مع ورود النهي في سائر الروايات لا يتم الإطلاق، و أجاب المصنف (ره) عن الإطلاق بأن الإشكال في الرواية بعدم ردع الامام (ع) وارد، حتى على تقدير جواز المعاهدة المزبورة تكليفا، و ذلك فإن أكل الشاة بالمعاهدة الفاسدة كتصرف الطرف في مال صاحبه في سائر المعاملات الفاسدة محرم، مع أنه لم يذكر في الرواية ردعه (ع) عن أكلها. ثم أمر في آخر كلامه بالتأمل، و لعله لأجل الفرق بين المقام و سائر المعاملات الفاسدة، فإن التصرف في مثل المقام من قبيل إذن المالك في ماله، فإن أكل الشاة المفروضة باعتبار اباحة المالك و اذنه فيه حلال، حتى مع فساد المؤاكلة، حيث أن معنى فسادها عدم ترتب الضمان المزبور، و هذا بخلاف سائر المعاملات التي يكون تصرف الطرف فيها بعنوان كونه مالكا و ليس يملك مع فسادها حتى يجوز له التصرف. و أما الضمان فالظاهر أن أكل الشاة بتمامها شرط في اذن مالكها في أكلها مجانا، و لو بنحو الشرط المتأخر، فيكون أكلها ناقصا موجبا لضمانها بالقيمة كسائر القيميات، و على ذلك فالمراد في الرواية من نفى الغرامة

هي الغرامة المعينة في المؤاكلة كما هو معنى فسادها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (5) من أبواب الجعالة- الحديث-: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 220

ثم ان حكم العوض من حيث الفساد (1)

______________________________

(1) و يجب رد عين العوض مع بقائه، و بدله مع تلفه، كما في جميع المعاملات الفاسدة المفروض فيها ضمان المال. و أما ما ورد من قي ء الامام (ع) البيض عند ما قيل له: إن الغلام قامر به، فهو لا ينافي ما ذكرنا من ضمان البدل مع التلف، فإن القي ء لأجل أن لا يصير البيض المزبور جزءا من بدنه الشريف، لا من جهة رده الى مالكه.

و هذه الرواية في سندها عبد الحميد بن سعيد و هو من مشايخ صفوان بن يحيى. و قد وثقهم الشيخ (ره) في عدته، قال: بعث أبو الحسن (ع) غلاما يشترى له بيضا فأخذ الغلام البيضة أو بيضتين فقامر بها، فلما أتى به اكله، فقال له مولى له إن فيه من القمار، قال فدعا بطشت فتقيأ فقاءه» «1».

و فيها إشكال من جهة ارتكاب المعصوم (ع) ما هو حرام واقعا، لكنه ضعيف فإن الإمام (ع) لا يمكن غفلته أو جهله بالأحكام المجعولة، في الشريعة حيث ان ذلك ينافي كونه هاديا و دليلا على الحق و مبينا لاحكام الشرع. و أما الموضوعات الخارجية فعلمه (ع) بجميعها مطلقا أو عند إرادته الاطلاع عليها فلا سبيل لنا الى الجزم بشي ء حتى نجعله منشأ الاشكال في مثل الرواية، و ذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أن الاشكال على أكله (ع) البيض المفروض يتم بتسليم أمرين: (أحدهما)- عدم إمكان جهله عليه السلام بالموضوعات أصلا. (ثانيهما) كونه (ع) مكلفا بالعمل حتى بعلمه الحاصل له

بالإمامة. و أما إذا قيل بكونه مكلفا بالعمل بالحجة المتعارفة عند الناس من قاعدة اليد و أصالة الصحة و أصالة الحل و غيرها، فلا بأس بالأكل المزبور أخذا بالحجة الشرعية.

ثم إنه إذا علم (ع) الحال بالطريق المتعارف يعني أخبار مولى له بكون البيض من الحرام، تقيأ تنزها لئلا يصير الحرام الواقعي جزءا من بدنه الشريف، مع عدم كون هذا حكما إلزاميا. و فيه أنه لا يمكن إجراؤه (ع) أصالة الصحة أو غيرها في عمله

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (35) من أبواب ما يكتسب به حديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 221

إلا أن يقال بأن مجرد التصرف من المحرمات العلمية (1). الرابعة المغالبة بغير عوض (2)

______________________________

مع علمه بالواقع، فان المقوم لموضوع الحكم الظاهري الجهل بالواقع و المفروض انتفاؤه في حقه (ع)، فدعوى كونه (ع) مكلفا بمقتضى الحجج الظاهرية الثابتة للجاهل بالواقع، مع علمه (ع) بالواقع كما ترى، فإنه من قبيل ثبوت الحكم بدون موضوعه.

(1) كيف لا تثبت الحرمة للأكل مع الجهل، مع أن الموضوع لها مال الغير من غير تجارة أو من غير رضاه. و بعبارة أخرى مفسدة أكل الحرام و ترتبها عليه حتى حال الجهل به يوجب إنشاء الحرمة حتى مع الجهل، غاية الأمر الجهل بكونه مال الغير عذر في مخالفة الحرمة الواقعية، كما في جميع المحرمات الواقعية، فإنه تثبت عند الجهل بها أحكام ظاهرية، بخلافها، حيث إن الحكم الظاهري لا ينافي الحرمة الواقعية حتى يوجب تقييدا في إطلاق خطاب تلك الحرمة. و الحاصل أنه لو كانت العصمة منافية لارتكاب الحرام الواقعي و لو مع عدم تنجزه، لما كان ما ذكره المصنف (ره) صالحا لدفع المنافاة.

(2) الصورة الرابعة المغالبة

بغير الآلات بلا عوض، و لا ينبغي التأمل في جوازها، فإنه مقتضى الأصل، بعد عدم شمول ما دل على حرمة القمار و الرهان للفرض، حيث أن المأخوذ في معناهما بحسب المتفاهم العرفي العوض. و يطلق عليهما المراهنة بهذا الاعتبار، كما أنه لم يقم دليل على حرمة مطلق اللهو و الباطل، حتى تدخل فيه المغالبة في هذه الصورة. و لا يمكن ايضا استظهار الحرمة من حسنة حفص عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل» «1» اى النصال، حيث ان من المحتمل كون السبق بفتح الباء- كما نسبه في المسالك الى المشهور- بمعنى العوض، و نفيه في غير الثلاثة عبارة أخرى عن عدم صيرورة العوض ملكا للغالب في المسابقة، بل على تقدير كونه بسكون الباء، فيحتمل أن يكون المراد

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (13) الباب: (3) من أبواب أحكام السبق- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 222

كما يدل عليه ما تقدم من إطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد أو الشطرنج بدون العوض قمارا (1) و يشهد له إطلاق آلة القمار (2).

______________________________

نفى استحباب المسابقة في غير الثلاثة. نعم ما ذكره المصنف- (ره) من انصراف السبق بسكون الباء إلى صورة الرهن، و يكون ظاهر نفيه، فساده كما هو مقتضى النهى عن المعاملة- لا يمكن المساعدة عليه، فإنه لا وجه للانصراف بعد كونه بمعناه المصدري عاما يشمل المسابقة مع الرهن و بدونه، و المسابقة بلا رهن كثيرة لا نادرة حتى يتوهم أن ندرتها موجبة له.

(1) ذكر في بعض الروايات أن الشطرنج و النرد ميسر و قمار، و ظاهره كون اللعب بهما ميسرا، حتى فيما لم يكن في البين عوض،

لان كونهما مع العوض قمارا لا يحتاج الى البيان، إلا أن هذا الحكم تعبدي. و الغرض بيان حرمة اللعب بهما و لو بلا عوض، و اما لان القمار بمعناه العرفي يصدق عليهما بدون العوض، فلا معين له، و لا يمكن التمسك بأصالة الحقيقة، لإثبات عدم دخالة العوض، لانه لا اعتبار بها مع العلم بالمراد كما لا يخفى.

(2) قد ذكرنا سابقا أن لفظ القمار بمعناه المصدري لا يزيد على سائر الألفاظ الدالة على المعاني الحدثية في أن الآلة لا تكون مقومة و داخلة في مفاهيمها، بخلاف العوض، فإنه داخل في مفهومها. و الشاهد لذلك الاستعمالات العرفية. و أما ما ذكره المصنف (ره)- من أن إطلاق آلة القمار عليها موقوف على عدم دخول الآلة في مفهوم القمار، أو ما ذكره السيد الخوئي طال بقاؤه من أن لازم دخول الآلة في معنى القمار عدم صدقه على المراهنة بالآلات المخترعة جديدا و لزوم الدور- فلا يمكن المساعدة على شي ء من ذلك، فإنه يمكن أن لا يكون المأخوذ في معنى القمار خصوص الآلات في ذلك الزمان، بل الأعم منها بحيث يعم الآلة المخترعة فعلا، و- أخذ الآلة كذلك في اللعب بحيث يكون نفس الآلة خارجا عن دائرة المعنى و التقييد بها داخلا- لا يوجب أى محذور لا الدور و لا غيره، فإنه على ذلك يكون معنى لفظ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 223

[بقي في المقام أمران]

______________________________

القمار الحصة من المراهنة لا مطلقا، و اضافة تلك الآلات الى القمار تكون بمعنى في، كما في قولنا، العوض و الرهن في القمار.

بقي في المقام أمران: (الأول) ان حكم المبارأة المتعارفة المسماة بكرة القدم و الطائرة أو السلة) و غيرها التي يعين فيها

الجائزة من الحكومات أو الأندية للفائزين، و لا يكون اللعب فيها بآلات القمار، و الأظهر جوازها تكليفا و وضعا، فتكون الجائزة للفائز كأسا كانت أو غيره، و ذلك فان المحكوم عليه بالحرمة هو القمار و المراهنة و اللعب بالآلات المعدة للقمار. و المفروض عدم كون المبارأة لعبا بآلات القمار، كما ان عنوان القمار أو المراهنة لا ينطبق عليها، حيث أن المعتبر فيهما كون المال من المغلوب، و لا يعمان ما إذا كانت هبة من شخص ثالث للفائز، كما صرح بذلك بعض أهل اللغة، و يظهر أيضا بمراجعة الاستعمالات العرفية، و ان لم يكن هذا جزميا، فلا أقل من احتماله، و هذا يمنع عن الرجوع الى إطلاق خطاب حرمة القمار أو المراهنة، و إذا جاز اللعب صح تملك الجائزة أخذا بإطلاق دليل الهبة أو الجعالة أو غيرهما.

(الثاني): في حكم شراء الأوراق المرسومة في عصرنا المسماة بأوراق اليانصيب (بليط بخت آزمايى) و لا ينبغي الريب في بطلان بيعها و شرائها، حيث ان الأوراق لا تكون بنفسها أموالا، نظير الأوراق النقدية و الطوابع المالية و البريدية، ليكون أخذها من شراء الشي ء المحكوم عليه بالحلية تكليفا و وضعا، بل يكون إعطاء المال و بذله باعتبار الرقم الموجود في كل ورقة، لاحتمال وقوع الجائزة على ذلك الرقم، و لذا لو تلفت الورقة بان احترقت عند من يحتجزها، و ثبت ذلك عند المؤسسة، فإنها ربما تعطى الجائزة للشخص المزبور بوقوعها على ذلك الرقم. و الحاصل ان المبادلة واقعا بين المال و تلك الجائزة المحتمل وقوعها على الرقم، و الورقة سند لها، و هذا لا يكون بيعا صحيحا، فان المعتبر فيه وجود المبيع و العلم به، فيكون المقام نظير الشبكة المطروحة المحتمل

وقوع الصيد فيها، فإنه لا يصح تملك العوض بإزاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 224

[القيادة حرام]

القيادة حرام (1)

______________________________

الصيد المحتمل، بل هذا أشبه بالقمار، و يكون نظير القطعات من الخشب أو غيرها التي يكون في كل منها رقم، و يعين لبعض تلك الأرقام بعض الأموال و تطرح في الكيس، و يعطى انسان درهما أو أكثر و يخرج منها قطعة بداعي وقوع المال على الرقم فيها.

و الحاصل ان شراء الأوراق مندرج في البيع الفاسد فلا تكون الجائزة به ملكا لمشتري الورقة، و لو أخذها وجب المعاملة معها معاملة الأموال المجهول مالكها.

نعم مجرد شراء تلك أوراق لا يكون محرما تكليفا، لاعتبار اللعب في صدق القمار قطعا أو احتمالا، و معه لا يمكن الجزم بانطباق عنوان القمار عليه. هذا إذا لم يكن بذل المال لوكلاء المؤسسة بداعي التعاون في بناء المستشفيات و الجسور و غير ذلك من المصالح العامة، و الا فلا إشكال في جواز الإعطاء تكليفا و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) لا ريب في حرمة الوساطة و السعى بين الشخصين لجمعهما على الوطء المحرم، و يكون أخذ المال بذلك أكله بالباطل، كما لا ينبغي الريب في كونها من الكبائر في الجملة، لقوله سبحانه إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا. و أن للحاكم تعزير الساعي بما يراه مصلحة لنظام البلاد، و مناسبا لتأديبه.

و أما ثبوت الحد الشرعي- و نفيه عن المصر الذي هو فيه فضلا عن حلق رأسه و إشهاره- فلم يثبت. نعم ذكر الحد و النفي في رواية الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن سليمان عن عبد اللّه بن سنان، إلا أن الرواية- لضعفها سندا- لا يمكن

الاعتماد عليها، و إن وصفها المصنف (ره) بالصحيحة، فإن الراوي عن عبد اللّه بن سنان لو لم يكن محمد بن سليمان الديلمي الضعيف، فلا أقل من كونه محتملا، ثم انه على تقدير اعتبار الرواية فلا يختص المذكور فيها بالرجل، بل يعم المرأة أيضا، لظهورها في كون المراد بالقواد فيها الجنس الشامل لها. و قد ذكرنا نظير ذلك في بعض ما ورد في محظورات الإحرام، و قلنا أن المحرم في الرواية باعتبار ظهوره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 225

[القيافة]

و في المصباح هو الذي يعرف الآثار (1) و في المحكي عن الخصال (2)

______________________________

في الجنس يعم المرأة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أخبرني عن القواد ما حده؟

قال: لا حد على القواد، أ ليس انما يعطى الأجر على ان يقود؟ قلت: جعلت فداك إنما يجمع بين الذكر و الأنثى حراما: قال: ذاك المؤلف بين الذكر و الأنثى حراما فقلت هو ذاك، قال يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفى من المصر الذي هو فيه» «1».

(1) يعني القائف من يعرف آثار الإنسان و علاماته كما إذا نظر الى آثار القدم الباقية على الأرض بعد المشي، فيعرف أنها منسوبة الى أى شخص، و زاد في مجمع البحرين و أنه يعرف شبه الإنسان بأخيه و أبيه الى غير ذلك، و اقتصر في الإيضاح و الميسية على الثاني، و ذكرا أنها عبارة عن إلحاق بعض الناس ببعض. و كيف كان فيقيد حرمتها بما إذا رتب عليها الأثر الحرام، و الا فلا حرمة بالظن بنسب شخص أو العلم به، و لذا نهى في الاخبار عن الإتيان و الأخذ بقول القائف. و ظاهر الأخذ هو

ترتيب الأثر، كما أن ظاهر الإتيان ذلك كما لا يخفى.

(أقول) نذكر في التعليقة الآتية فساد هذا الاستشهاد، و ان تعلق النهي بالإتيان و الأخذ باعتبار كون النهى طريقيا لا حكما نفسيا، و مع الإغماض فغاية ما يستفاد هو اعتبار ترتيب الأثر لا ترتيب الأثر المحرم كما هو المدعى.

(2) ما ذكره (ره) في وجه حرمتها من رواية الخصال «2» لا يمكن الاعتماد عليه، فإنه رواها عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن ابى عمير عن على بن أبي حمزة، عن ابى بصير عن ابى عبد اللّه (ع). و على بن أبي حمزة البطائني ضعيف، و مع ذلك لا دلالة لها على الحرمة، فإن عدم الحب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: (5) من أبواب حد السحق و انقياده- الحديث (5)

(2) الخصال الباب: (1) من أبواب الصفات المحمودة و المذمومة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 226

[الكذب حرام]
اشارة

الكذب حرام (1).

______________________________

لا يلازمها ما لم يكن في البين قرينة عليها من مناسبة الحكم و الموضوع و نحوها. و كذا ما ذكره عن مجمع البحرين، مع أنه لا يزيد على الرواية المرسلة. نعم في صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر (ع) «كان أمير المؤمنين (ع) يقول: لا تأخذ بقول عراف و لا قائف و لا لص و لا أقبل شهادة فاسق الا على نفسه» «1» و لكن النهي في أمثال ذلك ظاهر في الطريقي المقتضي لعدم اعتبار قول القائف، فلا يكون مما يحرز به نسب الشخص شرعا، و لا يكون موجبا لرفع اليد عن مثل قاعدة (الولد للفراش و للعاهر الحجر) أو غير ذلك. و أما فعل القيافة باخبار القائف،

فإن كان اعتقاده جزميا، فلا يكون الاخبار موجبا لفسقه على فرض عدم حصول حرام آخر، كالقذف، و إن كان اعتقاده ظنيا كان اخباره الجزمى عن نسبه كذبا و قولا بغير علم، و هذا الحرام لا يوجب حرمة القيافة أيضا بأن يكون اعتقاده الظني حراما آخر.

ثم ان المصنف (ره) حكى عن العامة افتراءهم على رسول اللّه بأخذه بقول القافة، و ذكر أن ذلك قد أنكر عليهم في الاخبار بشهادة ما عن الكافي عن على بن إبراهيم عن أبيه و على بن محمد القاساني جميعا عن زكريا بن يحيى بن النعمان الصيرفي قال: «سمعت على بن جعفر.» و زكريا بن يحيى مجهول، و مع ذلك لا دلالة فيها على نفى رجوع النبي (ص) الى قول القائف، أضف اليه ان الرواية لا تخلو عن شي ء و هو رد مثل على بن جعفر على امامه (ع) في نفى ولده، حتى على تقدير عدم كون النفي من القذف، و كذا اشتمال الرواية لكشف أخوات الإمام (ع) وجوههن للقافة، و لا أظن تصديق أحد بمناسبة ذلك لمنزلتهن.

(1) لا يكون الإجماع التعبدي في مثل المقام مما يعلم فيه مدرك المجمعين، بل يكون الإجماع مدركيا، و هو ليس أحد الأدلة. و أما العقل فلا استقلال له بقبح مطلق الكذب، و حتى مع عدم ترتب فساد عليه من تلف عرض أو مال أو غيره من المفاسد ليكون حكمه به كاشفا بقاعدة الملازمة عن حرمته. نعم حرمته مطلقا مستفادة من

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (14) من أبواب آداب السفر- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 227

..........

______________________________

الكتاب العزيز و الاخبار.

و كيف كان فالكلام فيه يقع في جهتين: (الاولى) في كونه

من الكبائر مطلقا أو في الجملة (الثانية)- في مسوغاته اما الجهة الأولى، فقد ذكر في وجه كونه من الكبائر أمور:

(الأول)- رواية الصدوق (ره) في عيونه عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيشابوري العطار، عن ابى الحسن على بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (ع) و رواه ايضا عن الحاكم ابى جعفر محمد بن نعيم بن شاذان عن عمه ابى عبد اللّه محمد بن شاذان، قال: «قال الفضل بن شاذان.».

(الثاني) رواية الأعمش «1» و لكن رواية الأعمش ضعيفة باعتبار جهالة سند الصدوق (ره) اليه، و في سند رواية العيون ايضا ضعف باعتبار عدم ثبوت التوثيق لعبد الواحد، و نقل الصدوق (ره) عنه مترضيا لا يدل على توثيقه، و ذلك فان الصدوق لا ينحصر مشايخه بالثقات و العدول، و الدعاء لا دلالة له على التوثيق، و كذا لم يثبت توثيق للحاكم محمد ابن نعيم.

(الثالث) موثقة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع)، قال: ان اللّه عز و جل جعل للشر أقفالا، و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، و الكذب شر من الشراب «2» و كونها موثقة باعتبار وقوع عثمان بن عيسى في سندها و هو واقفي، و مقتضى كون الكذب شرا من شرب الخمر المعدود من الكبائر، و تعيين الحد على شاربها كون الكذب ايضا مثله.

(أقول) لازم كون الكذب كذلك اختيار شرب الخمر عند دوران الأمر بينهما بالإكراه عليه أو على الكذب، اللهم إلا أن يقال بجواز الكذب في هذا الحال، لانه يدفع

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (46) من أبواب جهاد النفس- الحديث: (36)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (138) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 1، ص: 228

..........

______________________________

به الضرر، و لا يكون من مورد التزاحم ليكون جواز دفع الإكراه به دليلا على عدم كونه أهم من شرب الخمر و لا مثله. و مما ذكرنا يظهر الحال في المرسل الوارد فيه أن الكذب يعادل سبعين زنية أهونها كمن يزني بأمه، و قد تقدم الكلام في مثل هذه الروايات المعلوم عدم مطابقة ظاهرها للواقع، و ان اللازم الإغماض عنها على تقدير صحة إسنادها، فضلا عن المرسلة و نحوها.

(الرابع)- قوله عز من قائل إِنَّمٰا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ باعتبار أن نفى الايمان عن المفتري و جعله بمنزلة الكافر مقتضاه كون الكذب كبيرة (أقول) لا دلالة في الآية على كون مطلق الكذب كذلك، فان الافتراء أخص منه، نعم دعوى اختصاص الآية بالافتراء في أصول الدين لا وجه لها، فان مورد النزول لا يكون مخصصا أو مقيدا لعموم الحكم أو إطلاق الآية.

و يمكن الاستدلال على حرمة الكذب و كونه كبيرة بقوله سبحانه وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ و وجه الاستدلال على الحرمة ما ذكرنا سابقا من ظهور الزور في البطلان و اتصاف القول بالباطل يكون باعتبار بطلان معناه، و عدم تطابقه مع الخارج كما هو المراد بالكذب. و ظاهر الأمر بالاجتناب عن فعل حرمته، كما في الأمر بالاجتناب عن الخمر و الميسر و عبادة الأوثان إلى غير ذلك. و أما كونه كبيرة، فلان الامام (ع) استشهد في صحيحة عبد العظيم الحسنى «1» لكون شرب الخمر كبيرة بان اللّه عز و جل نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان. و مقتضى الاستشهاد المزبور ان يكون الكذب ايضا من الكبائر لأن اللّه نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان بقوله عز من قائل

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ.

و الحاصل أن المتفاهم العرفي من الصحيحة المباركة أن الموجب لكون شرب الخمر كبيرة نهى اللّه عز و جل عنه في الكتاب المجيد، نظير النهى عن عبادة

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (46) من أبواب جهاد النفس- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 229

و يؤيده ما روى عن النبي (ص) (1) نعم في الاخبار ما يظهر منه عدم كونه على الإطلاق كبيرة (2)

______________________________

الأوثان. و هذا التنظير في التعبير يجري في الكذب ايضا كما لا يخفى. و مما ذكرنا يظهر وجه كون القمار كبيرة و ان ذلك باعتبار النهى عنه في الكتاب المجيد نظير النهى عن عبادة الأوثان.

و بعبارة أخرى الاستشهاد الوارد في الصحيحة بيان لكون الكذب و القمار كبيرة فلا يصح التمسك بالإطلاق المقامى لسائر الروايات، لنفى كونهما كبيرتين، حيث أنه لا يتم الإطلاق فيها بعد ورود البيان و القيد، كما أنه لا يصح الأخذ بإطلاق هذه الصحيحة لنفى بعض ما ورد في سائر الروايات أنها كبيرة. و الحاصل أن الإطلاق بمعنى السكوت في مقام البيان لا يدل على شي ء، مع ورود البيان في رواية أخرى أو خطاب آخر.

(1) أى انه يؤيد كون الكذب على الإطلاق كبيرة سواء ترتب عليه فساد أم لا، المروي عن النبي (ص) في وصيته لأبي ذر «1» و وجه التأييد أن الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها مفسدة كبيرة، بل لا يترتب على بعضها أي مفسدة.

(2) و سندها «2» لا يخلو عن ضعف. و ما ذكر المصنف (ره)- من حملها على كون الخاص من الكبائر الشديدة- لا يمكن المساعدة عليه، فان اعتبار هذا النحو من الحمل إبطال لقانون حمل

المطلق و المقيد. و الصحيح ان يقال انه لا يجرى التقييد في موارد استغراق الحكم و انحلاله مع توافق المطلق و المقيد و عدم اختلافهما في النفي و الإثبات، كما في المقام، بل يؤخذ بكل من المطلق على المقيد. نعم لو قيل بمفهوم الوصف لكان المورد من موارد حمل المطلق و المقيد. و دعوى دلالتها على المفهوم بالعدد لا يخفى ما فيها، فان المذكور في الرواية من قبيل التعداد لا ذكر العدد، مع أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (7) الباب: (140) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (139) من أبواب أحكام العشرة- الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 230

فان قوله ما من أحد يدل على ان الكذب (1) و عن الحارث الأعور عن على (ع) (2)

[الوعد و حكمه]

لا بد ان يراد به النهى عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء (3).

______________________________

في دلالة العدد على المفهوم تأملا بل منعا.

(1) لم يظهر منه كون مجرد الكذب لمما أو صغيرة حتى يوجب التقييد في إطلاق ما دل على كونه من الكبائر، بل ظاهره أن مجرد الكذب أمر يبتلى به عامة الناس، فلا يجرى على الإنسان بمجرده ما ذكر في حق الكذاب في مثل قوله سبحانه:

إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّٰابٌ حيث أن أعراض اللّه عن انسان و إضلاله مجازاة لا يترتب على مجرد الكذب، بل على من يكون مطبوعا عليه، بحيث لو أراد أن يخبر فيكذب، و هذا لا ينافي كون الكذب مطلقا من الكبائر.

(2) و ظاهره عدم حرمة الكذب في نفسه، بل الحرمة للفجور، و هو الاستمرار على الكذب، كما هو ظاهر قوله: (و ما يزال أحدكم يكذب

حتى يقال كذب و فجر، و إذا استمر على الكذب حتى يغلب الكذب على حكاياته و إخباراته، يقال عند اللّه أنه كذاب) «1» و الظهور المزبور خلاف المتسالم عليه من حرمة الكذب في نفسه، أضف الى ذلك ضعف السند.

(3) أقول ربما يحكى المتكلم عن عزمه الموجود حال تكلمه، فيكون المحكي قصده المتعلق بفعله الاستقبالي، كما إذا قال مخاطبا يا زيد، انى عازم على بناء مسكن لك في الشهر الآتي، و كلامه هذا اخبار عن أمر نفساني يكون صدقه و كذبه باعتبار ذلك الأمر. و هذا كما لا يكون إنشاء لا يكون متضمنا له ايضا، و من يرى وجوب الوفاء بالوعد الذي هو من قسم الإنشاء لا يعم عنده الوجوب لهذا الفرض، و ربما يحكى عن نفس فعله الاستقبالي، و يكون اخباره عن الحصول فيما بعد كالاخبار عما مضى، و في هذه الصورة يكون صدق خبره أو كذبه دائرا مدار تحقق ذلك الأمر

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب (140) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 231

..........

______________________________

في المستقبل و عدمه، و لو كان معتقدا بفعله استقبالا، و أخبر بوقوعه، فلا بأس به.

و لا يجب عليه جعل خبره صادقا بفعله في المستقبل.

فان مع ترك الفعل و ان يتصف خبره السابق بالكذب الا ان دليل حرمة الكذب لا يعمه.

فان ظاهره حرمة جعل الكذب و إيجاده بمفاد كان التامة لا جعل الخبر الصادر سابقا كاذبا، و لذا ذكرنا في باب موانع الصلاة أن المبطل لها من الزيادة جعل الزائد بمفاد كان التامة لا جعل ما كان من الصلاة زائدا كما في العدول من سورة أو ذكر أو غيرهما إلى سورة أو

ذكر أو غيرهما، حيث انه بعدوله يحصل وصف الزيادة للمعدول عنه، و هذا لا دليل على مانعيته.

و الحاصل أن هذه الصورة أيضا خارجة عن الوعد الذي هو قسم من الإنشاء فلا يجب الفعل فيها لو قيل باختصاص وجوب الوفاء بالوعد الذي هو من قسم الإنشاء. نعم لو أنشأ العهد و الالتزام بالفعل للغير كان العهد المزبور بإنشائه و إظهاره من حقيقة الوعد، و يمكن أن يقال بوجوب الوفاء به للاية و الرواية. و المراد بالآية قوله سبحانه كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» و لكن ظاهرها حرمة القول بلا عمل، لا وجوب العمل بالقول، فلا يجوز الوعد لمن لا يفي بوعده، لا أنه بعد الوعد يجب الوفاء به، و لا يلتزم القائل بوجوب الوفاء بحرمة نفس الوعد مع عدم الوفاء، فالمراد بالآية صورة الاخبار عن فعله الاستقبالي، مع عدم قصد الفعل أو أمر الناس و ترغيبهم الى ما لا يفعله، من قبيل قوله سبحانه أَ تَأْمُرُونَ النّٰاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ «2» و على تقدير دلالتها على ذلك فلا يختص الوجوب بالوعد الذي هو من قسم الإنشاء بل تعم الصورة الثانية من الاخبار.

______________________________

(1) سورة الصف (61) الاية: (3).

(2) سورة البقرة (2) الاية: (44)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 232

ثم ان ظاهر الخبرين الآخرين خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتى في الهزل (1)

______________________________

و أما الروايات فظهورها في لزوم الوفاء بالوعد كالسند في بعضها تام الا أنه لا بد من رفع اليد عنها، فان مثل الوعد مما يبتلى به عامة الناس، و لو كان وجوب الوفاء به ثابتا لكان من الواضحات، و المتسالم عليه، مع ان المعروف عند العلماء عدم وجوب

الوفاء به، و لذا عنوان الباب في الوسائل بالاستحباب، و في حسنة هشام بن سالم قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن اخلف فبخلف اللّه بدء، و لمقته تعرض، و ذلك قوله تعالى. يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّٰهِ أَنْ تَقُولُوا مٰا لٰا تَفْعَلُونَ «1» و ظاهر تنزيل الوعد منزلة النذر وجوب الوفاء بالأول أيضا، غاية الأمر انه ليس في مخالفتها كفارة (أي كفارة مخالفة النذر) و في حسنة شعيب العقرقوفي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليف إذا وعد» «2» ثم إن ما ذكرنا من الأقسام في الوعد يجري في الوعيد ايضا، غير أنه لا يستحب الوفاء به، بل لا يجوز في بعض الموارد.

(1) خلاصة الكلام في المقام أنه لو كان الهازل قاصدا للحكاية و كان غرضه من تلك الحكاية إضحاك الناس، فكلامه كذب حقيقة، حيث ان الداعي لا دخل له في حرمته، و ظاهر كذب الهزل في الخبرين أي في مرسلة سيف بن عميرة و رواية حارث الأعور «3» هو هذا. و أما إذا كان تكلمه بلا قصد الحكاية، بل من ترديد ألفاظ لها صور و معان في الأذهان، و كان غرضه من ترديدها اضحاكهم، فهذا غير داخل في الكذب، و لا يعمه ما ورد في كذب الهزل، حيث انه لا يكون اخبارا حتى يكون كذبا

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (109) من أبواب أحكام العشرة- الحديث (2).

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (109) من أبواب أحكام العشرة- الحديث (3).

(3) وسائل الشيعة

الجزء (11) الباب: (140) من أبواب أحكام العشرة حديث:

(1 و 3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 233

ثم انه لا ينبغي الإشكال (1)

[التورية و حكمها]

و اعترض جامع المقاصد على قول العلامة (2)

______________________________

هزلا أو جدا (و بعبارة أخرى) ذكر الكذب في الخبرين و في النبوي الوارد في وصيته (ص) لأبي ذر قرينة على كون المراد من الهزل و إضحاك الناس صورة الحكاية، و كذا الحال في الخبرين. نعم لا بأس بالالتزام بكراهة الهزل في غير صورة الحكاية، باعتبار أن المؤمن لا يشتغل بالهزل و الباطل.

(1) إذا كان غرض المتكلم من ذكر الاستعارة إظهار ما في المستعار له من الوصف كالحسن و القبح و غيرهما من الخصوصيات و الاعتبارات، بأن يكون غرضه حكايتها، كان صدق كلامه أو كذبه دائرا مدار تلك الخصوصيات أو عدمها، و كذا في المبالغة في الكم و المقدار، بأن كان غرضه من ذكر العدد بيان القلة أو الكثرة و عدمهما.

(2) قال العلامة في القواعد في مسألة الوديعة (إذا طالبها ظالم بأنه يجوز الحلف كاذبا، و يجب التورية على العارف بها) انتهى. و ظاهر ذلك وجوب التورية مع الحلف كاذبا على العارف بها. و هذا بظاهره التزام باجتماع الكذب و التورية، و لذا ذكر في جامع المقاصد عند شرح العبارة ان العبارة لا تخلو عن مناقشة، حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية.

و الحاصل أن المناقشة مبينة على عدم كون التورية كذبا كما هو الصحيح، فلا يعمها ما دل على حرمة الكذب، و ذلك فان المتكلم لا يكون في مواردها قاصدا لحكاية أمر على خلاف الواقع، بل يكون قصده الى ما هو حاصل في الواقع، و لكن السامع لا ينتقل اليه من كلامه، بل

ينتقل الى ما هو ظاهره، و يتخيل أنه بصدد حكاية حصول ذلك الظاهر، و من هنا أنه لا يكون من التورية ما إذا أراد المتكلم ظاهر كلامه، و كان ذلك الظاهر مطابقا للواقع، و لكن لم يفهم السامع الظاهر، و تخيل أمرا آخر لا يطابق الخارج، كما إذا قال للسائل: ليس عندي مال، و فهم السائل أنه فقير لا يملك مالا. و وجه عدم كون ذلك تورية أنه يعتبر في التورية كون مراد المتكلم خلاف ظاهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 234

و يدل على سلب الكذب عن التورية (1)

______________________________

الكلام، و ما ربما يقال من ان مناط حرمة الكذب و هو إغراء السامع موجود في التورية أيضا- لا يمكن المساعدة عليه، فإنه لم يعلم أن تمام ملاك حرمته هو الإغراء. نعم لو انطبق على التورية عنوان محرم آخر كعنوان غش المؤمن في المعاملة و نحوها تكون محرمة بذلك العنوان.

(1) و ربما يورد على ما ورد في قضية إبراهيم على نبينا و على آله و عليه السلام ان التعليق المزبور لا يخرجه إلى التورية حتى يكون صادقا، حيث أن قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ. إِنْ كٰانُوا يَنْطِقُونَ «1» جملة شرطية يكون الصدق و الكذب فيها دائرين مدار ترتب الجزاء على الشرط لا على حصول الطرفين خارجا أو عدمه، و الترتب في الكلام المزبور مفقود، فإنه لو كان الأوثان تنطق فرضا، لما كان ايضا الكسر مستندا الى كبيرهم، فالقضية الشرطية غير صادقة.

و أجاب عن ذلك السيد الخوئي طال بقاه بأن الشرط في القضية قيد للحكاية لا لاستناد الكسر الى كبيرهم، و المفهوم أنه حكايتى عن استناد الكسر الى كبيرهم معلقة على تكلم الأوثان. و المفهوم

أنه على تقدير عدم تكلمهم لا حكاية لي عن استناد الكسر إليهم حتى تتصف بالصدق أو الكذب. و فيه ما لا يخفى، فان مفاد القضية الشرطية ترتب مضمون الجزاء على حصول مضمون الشرط، و كما أن حصول النهار- في قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود- بنفسه معلق على طلوع الشمس لا أن حكاية وجودها معلق على طلوعها، بأن لا يكون للمتكلم حكاية على تقدير عدم طلوعها، كذلك في المقام نفس استناد الكسر الى كبيرهم معلق على تكلم الأوثان.

هذا أولا و (ثانيا) أنه لا يخرج الكلام المزبور عن الكذب بإرجاع الشرط الى الادعاء و الحكاية، حيث أن مقتضى التعليق المزبور أنه على تقدير تكلم الأوثان فرضا، فالكسر منتسب الى كبيرهم، مع أنه على تقدير النطق ايضا لم يكن في البين ذلك

______________________________

(1) سورة الأنبياء (21) الاية: (63)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 235

..........

______________________________

الانتساب. و (ثالثا)- أنه قد ورد ما يظهر منه أن نفى الكذب عن قول إبراهيم و يوسف على نبينا و آله و عليهما السلام من قبيل الحكومة و الادعاء. و المراد نفى حرمته حيث وقع في مقام الإصلاح و الهداية، فيكون من قبيل نفى الربا بين الوالد و الولد، فراجع روايتي الحسن الصيقل و عطاء «1».

و الظاهر أنه على تقدير صحة رواية الاحتجاج و صدورها عن المعصوم (ع) يراد من الشرطية الشرطية الاتفاقية لا الحقيقية، و يكون الغرض من تلك الاتفاقية مجرد نفى المقدم لانتفاء التالي، و لهذه القضية الشرطية نظائر في العرف فلاحظها، مثلا يقول أحد الفاسقين للآخر في مقام تذكية نفسه انى انسان خير لا مورد في، للقدح، و يقول ذلك الآخر إن كنت عادلا فانا معصوم، فإنه

ليس غرضه إثبات العصمة لنفسه حتى على تقدير كون المادح عادلا، بل غرضه نفى عدالته بنفي عصمة نفسه. و قد يقال: إن التورية كذب، حيث ان العبرة في كون الكلام كذبا بظهوره لا بمراد المتكلم. و فيه أن الصدق و الكذب من أوصاف الاخبار و الحكاية، و لا قوام للحكاية إلا بالقصد، كما هو الحال في جميع الأمور الإنشائية و القصدية. نعم يكون ظاهر الكلام عند الجهل بمراد المتكلم طريقا اليه، فينسب السامع الى المتكلم الكذب بهذا اللحاظ، حيث يرى مراده المكشوف بأصالة الظهور غير مطابق للواقع، فيقول إنه قد كذب، كما قد يقال إن الكذب عبارة عن عدم مطابقة المراد لاعتقاد المتكلم، و الصدق مطابقته له، كما نسب ذلك الى النظام و مال اليه بعض الأعاظم.

و يستدل على ذلك بمثل قوله سبحانه إِذٰا جٰاءَكَ الْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّٰهِ، وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَ اللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ «2» حيث لو كانت العبرة في الصدق و الكذب مطابقة مضمون الكلام للخارج و عدمها، لما كان ما قال المنافقون

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (141) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (4 و 7)

(2) سورة المنافقون (63) الاية (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 236

..........

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 1، ص: 236

______________________________

كذبا، و بأنه لا ينسب الكذب الى مثل ما يذكره الفقيه في رسالته العملية من الأحكام حتى فيما إذا كان المذكور فيها اشتباها و مخالفا للأحكام الواقعية. فلا يقال ان إخباراته كذب، و انه قد كذب،

بل يقال إنه أخطأ و اشتبه، و ذلك باعتبار أن ما يذكره فيها مطابق لما يعتقده الى غير ذلك و لكن لا يخفى ما فيه حيث أن الشهادة إظهار للعلم بالشي ء و الإفتاء عبارة عن إظهار نظره و اجتهاده في الواقعة، فقول القائل أشهد بذلك هو بمنزلة قوله ان لي علما و يقينا به، فيكون الخارج الذي يقاس اليه مطابقة المراد و عدمها هو الاعتقاد و العلم فمع تطابقهما يكون كلامه صادقا و في عدمه كاذبا، و كذا قول المفتي بأن الواقعة الفلانية حكمها كذا، إظهار لفتواه و نظره في تلك الواقعة، و يكون خبره صادقا مع كون خبره مطابقا لنظره و اجتهاده، حتى فيما إذا اشتبه و أدى الى خلاف الحكم الواقعي و هكذا و هكذا.

بقي في المقام أمر، و هو أن الواقع إذا كان من الأمور الراجعة إلى الدين اعتقاديا أو عمليا، فالأخبار به من غير علم محرم كما يستفاد ذلك من قوله سبحانه آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ «1» و بعبارة أخرى لا ينحصر المحرم بما كان الاخبار به على خلاف الواقع، بل يعم إسناد شي ء الى اللّه سبحانه من غير حجة على انتسابه اليه تعالى بل إذا أظهر نظره في حكم الواقعة من غير حجة عليه يكون إظهاره إفتاء من غير علم فهو في نفسه محرم حتى فيما إذا أصاب الواقع اتفاقا. و يدل عليه غير واحد من الروايات: (منها)- صحيحة أبي عبيدة قال قال أبو جعفر (ع): «من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و العذاب و لحقه وزر من عمل بفتياه» «2» و نحوها غيرها و أما إذا كان الواقع من

غير تلك الأمور فالأخبار به مع الشك، من الشبهة المصداقية للكذب، لما تقدم من أن الميزان في اتصاف الخبر بالكذب

______________________________

(1) سورة يونس (1) الاية: (95)

(2) وسائل الشيعة الجزء (18) الباب: 4 من أبواب صفات القاضي- الحديث:- (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 237

[مجوزات الكذب]
[أحدهما الضرورة إليه]

أحدهما الضرورة إليه (1).

______________________________

مخالفة مضمونه للواقع، لا مجرد عدم العلم بمطابقته له. و لا يمكن الحكم بحرمة الاخبار مع الشك و استظهارها مما ورد في حرمة الافتراء على اللّه و رسوله، فإن حرمة الثاني لا تلازم حرمة الأول، و لكن مع ذلك لا تصل النوبة عند الشك إلى أصالة الحلية، لدلالة بعض الروايات على حرمته، كرواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن آبائه في حديث قال: «ليس لك أن تتكلم بما شئت، لأن اللّه عز و جل يقول لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» «1» فان ظاهرها عدم جواز الاخبار بشي ء مع عدم العلم به، و لا يبعد اعتبارها سندا. و في صحيحة هشام بن سالم، قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

ما حق اللّه على خلقه؟ قال: أن يقولوا ما يعلمون و يكفوا عما لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك أدوا الى اللّه حقه» «2» و ظاهرها ايضا لزوم كف الإنسان عما ليس له به علم، بل لو لم تكن في البين مثل الروايتين لكان مقتضى استصحاب عدم حدوث الشي ء عدم جواز الاخبار بحدوثه.

(لو قيل): على ذلك فيجوز مع الشك في الحدوث الاخبار بعدم حدوثه أخذا بالاستصحاب المزبور (قلنا)- نعم و لذا ذكروا في بحث تعارض البينة على طهارة شي ء مع اخبار ذي اليد بنجاسته، تقديم البينة على أخباره، إلا إذا كانت البينة مستندة الى

الأصل، ثم ان باستصحاب عدم حدوثه ينحل العلم الإجمالي بحرمة الاخبار إما عن ثبوته أو عن عدمه، لما تقرر في محله من ان جريان الأصلين المثبت و النافي في طرفي العلم يوجب انحلاله، فلا يكون بالاخبار عن النفي بأس.

(1) لا ينبغي الريب في كون الكذب كسائر المحرمات في ارتفاع حرمته بالإكراه و الاضطرار، كما هو مقتضى حديث رفع الإكراه و الاضطرار، و قوله (ع)

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (18) الباب: (4) من أبواب صفات القاضي- الحديث: (36)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (18) الباب: (4) من أبواب صفات القاضي- الحديث: (10)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 238

..........

______________________________

ما من شي ء إلا و قد أحله اللّه لمن اضطر اليه. و ذكر المصنف (ره) في جوازه للضرورة قوله سبحانه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» فان مقتضاه عدم البأس بإنكار الحق و إظهار خلافه عند الإكراه و لكن دلالة الآية على ارتفاع حرمة الكذب عند الإكراه بالفحوى فان عدم جواز الإنكار في موردها باعتبار حرمة الشهادة بالكفر و وجوب الإقرار و الشهادة باللّه و رسوله لا باعتبار حرمة الكذب و بهذا يظهر الحال في قوله سبحانه لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ «2» فإن عدم جواز أخذ الكافر وليا ليس من حرمة الكذب، بل هو محرم آخر يرتفع حرمته بالإكراه.

ثم انه و ان اعتبر في تحقق الاضطرار الى الكذب عدم التمكن من التورية، فإن الاضطرار الى الجامع بين الكذب و التورية من قبيل الاضطرار الى شرب أحد ما يعين لرفع عطشه المهلك، و أحدهما متنجس و الآخر طاهر في أن الاضطرار الى الجامع- باعتبار إمكان إيجاده في ضمن فرده الحلال- لا يكون من الاضطرار الى الحرام، إلا

أنه في في المقام روايات يستفاد منها عدم اعتبار العجز عن التورية في جواز الكذب.

(منها)- صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن ابى الحسن (ع) (عن رجل يخاف على ماله من السلطان، فيحلف لينجو به منه، قال: لا جناح عليه، و سألته هل يحلف الرجل على مال أخيه كما يحلف على ماله؟ قال: نعم» «3» و موثقة زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع): «نمر بالمال على العشار، فيطلبون منا أن نحلف لهم و يخلون سبيلنا، و لا يرضون منا الا بذلك؟ قال: فاحلف لهم فإنه أحل من التمر و الزبد» «4» فإنه و ان لم يذكر كذب الحلف فيهما، إلا أنه المراد، فان السؤال عن جواز الحلف صادقا لدفع الضرر بعيد، خصوصا بقرينة الجواب بأنه أحل من

______________________________

(1) سورة النحل (16) الاية: (106).

(2) سورة آل عمران (3) الاية: (28).

(3) وسائل الشيعة الجزء (61) الباب: (12) من أبواب الايمان- الحديث: (1)

(4) وسائل الشيعة الجزء (61) الباب: (12) من أبواب الايمان- الحديث: (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 239

..........

______________________________

التمر و الزبد، و في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن على (ع)، قال قال رسول اللّه (ص): «احلف باللّه كاذبا و نج أخاك من القتل» «1» الى غير ذلك.

و مقتضى إطلاق مثل هذه عدم الفرق في جواز الحلف لدفع الضرر، بين التمكن من التورية و عدمه، و في مقابل ذلك رواية سماعة عن ابى عبد اللّه (ع) قال:

«إذا حلف الرجل تقية لم يضره إذا هو أكره أو اضطر اليه، و ليس شي ء مما حرم اللّه الا و قد أحله لمن اضطر إليه» «2» فإن مقتضى مفهومها عدم جواز الكذب مع عدم الاضطرار و

الإكراه، كان في البين دفع ضرر أولا، و النسبة- بينها و بين الروايات المجوزة للكذب لدفع الضرر- العموم من وجه، فإنه يشمل مفهوم هذه ما إذا لم يكن في الكذب دفع الضرر، كما تشمل تلك الروايات ما إذا كان دفع الضرر منحصرا بالكذب كما في فرض الغفلة عن التورية، و يجتمعان فيما إذا لم ينحصر دفع الضرر بالكذب كما في فرض التمكن من التورية، فإن مقتضى المفهوم عدم جوازه لعدم الاضطرار اليه، و مقتضى تلك الروايات جوازه و بما ان دلالة كل منهما بالإطلاق فيسقط الإطلاق من الجانبين، و يرجع الى إطلاق دليل حرمة الكذب.

(لا يقال) لا وجه لسقوط الإطلاق منهما فيما إذا كانت في البين قرينة على دخول مورد الاجتماع في مدلول أحدهما، فإن لزوم حمل الروايات المجوزة على الصورة النادرة و هي عدم التمكن من التورية قرينة على التحفظ بإطلاقها، (فإنه يقال) لا يكون عدم التمكن من التورية و لو باعتبار غفلة المتكلم عنها نادرا. اللهم إلا يقال: إن مفهوم رواية سماعة أخص مطلق بالإضافة إلى الروايات المتقدمة، فإن قوله (ع) فيها (إذا حلف الرجل تقية) لا يعم غير موارد دفع الضرر، فيكون تعليق جواز الكذب فيه على الاضطرار بالقضية الشرطية ظاهرا في عدم جواز دفعه به، مع

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (12) من أبواب الايمان- الحديث: (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (12) من أبواب الايمان- الحديث: (18)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 240

..........

______________________________

عدم الاضطرار، و يقيد به إطلاق الروايات السابقة، و لعله لذلك أمر المصنف (ره) بالتأمل، و لكن الأظهر عدم اعتبار العجز عن التورية في جواز الكذب، فان بعض روايات الحلف كاذبا قد وردت في

دفع الضرر المالي عن الغير، كما في صحيحة إسماعيل المتقدمة، و مثل هذه لا تكون من مورد الاضطرار، لان دفع هذا الضرر عن الغير لا يكون واجبا ليتحقق عنوان الاضطرار اليه. و مقتضى إطلاق الصحيحة جواز هذا الحلف مع التمكن من التورية و عدمه، و بهذا يرفع اليد عن إطلاق مفهوم رواية سماعة، فيقال: لا يجوز الكذب من غير اضطرار الا الكذب لدفع الضرر المالي عن الغير، فإنه جائز مع التمكن من التورية و عدمه، و إذا جاز الكذب لدفع الضرر المالي عن الغير مع التمكن منها جاز لدفع الضرر عن نفسه ايضا، لعدم احتمال الفرق في الجواز و عدمه بين دفع الضرر عن نفسه و غيره.

هذا مع أن رواية سماعة ضعيفة سندا لا يمكن الاعتماد عليها. و ذكر الإيرواني (ره) في وجه جواز الكذب لدفع الضرر مع التمكن من التورية و عدمه ان الكذب عبارة عن التلفظ بألفاظ و القصد الى معنى منها لا يطابق الواقع و الإكراه على الكل كما يكون رافعا لحرمة الكل كذلك الإكراه على الجزء يكون رافعا لحرمته التبعية، و بما أن الألفاظ المزبورة جزء من الكذب بل عمدته، و باعتبار الإكراه أو الاضطرار إليها ترتفع حرمتها التبعية فيجوز قصد المعنى منها لان مجرد قصد المعنى بدون التلفظ ليس بحرام، و التلفظ في الفرض باعتبار ارتفاع حرمته كالعدم، فيكون الفرض كما إذا كان في البين القصد المجرد.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان مجرد التلفظ بالألفاظ لا يكون محرما و لو تبعا حتى ترتفع حرمته بالإكراه أو الاضطرار، كما هو حال الجزء في سائر الموضوعات المحرمة المركبة و إنما يكون الجزء حراما ضمنا مع حصول الكل، فتكون الألفاظ محرمة في

خصوص فرض قصد معنى منها لا يطابق ذلك المعنى الواقع، و مع التمكن من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 241

ثم ان أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز الكذب (1)

______________________________

التورية يكون الاضطرار أو الإكراه على الجامع بين الحلال و الحرام، فيعود الكلام السابق.

(1) هذا اشكال على أكثر الأصحاب المعتبرين في جواز الكذب العجز عن التورية. و حاصله أنهم فرقوا بين الكذب في الحلف و الخبر، و بين المعاملات و سائر الأقوال المحرمة كالسب و التبري، حيث اعتبروا العجز عن التورية في جواز الأول دون الثاني، فإنه لا تصح المعاملات المكره عليها، و لا يكون السب أو التبري محرما مع الإكراه حتى مع التمكن من التورية، فيقال عليهم بأن المكره بالفتح على البيع مثلا مكره على التلفظ لا على إرادته، فإذا اراده مع تمكنه على التورية يكون البيع باختياره و رضاه، فاللازم الحكم بصحته و دافع عنهم المصنف (ره) بان المجوز للكذب في الحلف أو في الاخبار طرو عنوان الاضطرار، و تحقق هذا العنوان موقوف على العجز عن التورية، بخلاف المعاملات و سائر الأقوال، فإن الطاري عليها عنوان الإكراه، و لا يعتبر في تحققه العجز عنها، كما إذا أمره الجائر ببيع ماله أو بالتبري عن دينه فباع أو تبرأ للتخلص من وعيده يكون فعله مكرها عليه و محكوما في الأول بالفساد و في الثاني بالجواز.

(أقول) لازم ما ذكر (ره) الحكم بجواز شرب الخمر فيما إذا أمر به الجائر مع تمكنه على التفصي من شربها بالتورية، و لو بشرب مائع يوهم الجائر انه خمر و لا احتمل الالتزام بذلك منه (ره) أو من غيره. و الصحيح عدم الفرق بين الاضطرار و الإكراه في عدم تحقق

عنوانهما، مع إمكان التفصى بالتورية أو بسائر المحللات، بلا فرق بين المعاملات و غيرها، و أنه لا يرتفع بمجرد الإكراه، الرضا المعتبر في المعاملات، كما لا يرتفع ذلك الرضا في موارد الاضطرار، و أن الوجه في صحة المعاملة مع الاضطرار إليها و الحكم ببطلانها مع الإكراه عليها، هو ان الحكم بفسادها في مورد الاضطرار خلاف الامتنان، فلا يشملها حديث الرفع بخلاف مورد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 242

و يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف (1)

______________________________

الإكراه، فإن الرفع فيه موافق له فيعمها حديث الرفع، و إذا أمره الجائر بالمعاملة و أمكن التفصي عنها بالتورية أو بغيرها، و مع ذلك أنشأ المعاملة بقصدها حكم بصحتها أخذا بإطلاق دليل نفوذها، و لا يكون في البين حكومة لحديث الرفع، و هذا بخلاف الحلف أو الاخبار كذبا، فإنه جائز في مورد دفع الضرر حتى مع إمكان التورية أو إمكان التفصي بغيرها، لما تقدم من دلالة الروايات الخاصة على هذا الجواز، و و يترتب على ذلك أنه لو أراد الذهاب الى بلد يكون له طريقان، و علم انه لو سلك الطريق الفلاني يتعرض له الجائر، فلا بد في التخلص عن ضرره من الحلف كذبا دون ما إذا سلك الطريق الآخر، فلا يتعرض له، فإنه يجوز سلوك الطريق الأول و الحلف له كذبا. و ما في الكلام المصنف (ره)- من اعتبار العجز عن التفصي بغير التورية في جواز الكذب- لا يمكن المساعدة عليه.

(1) يطلق الضرر على النقص في المال أو العرض أو النفس، و على عدم النفع و ظاهر الروايات المتقدمة و حديث رفع الإكراه جواز الكذب في مورد الضرر بالمعنى الأول دون الثاني، فإنه لا مقتضى

لارتفاع حرمة الكذب فيه. و الضرر في كلام مولانا أمير المؤمنين (ع): (علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك) بالمعنى الثاني بقرينة مقابلته للنفع، مع أن الروايات المرخصة في دفع ضرر الغير بالكذب أخص مطلق بالإضافة الى هذا الكلام الشامل لمطلق الضرر فيرفع اليد بها عن إطلاقه على تقدير تماميته.

نعم يمكن الاستدلال على استحباب تحمل الضرر المالي بما ورد في الحلف باللّه صادقا من استحباب تحمل الضرر و الإغماض عن الحلف، و إذا كان تحمله و ترك الحلف الصادق مستحبا يكون تحمله و الإغماض عن الحلف الكاذب كذلك بالأولوية، الا أن التعدي إلى مطلق الاخبار كذبا مشكل، لما يظهر من بعض الروايات من كون ملاك الاستحباب إجلال اللّه سبحانه بترك الحلف باسمه صادقا أو كاذبا، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 243

ثم ان الأقوال الصادرة عن أئمتنا (1)

______________________________

في رواية السكوني عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص): من أجل اللّه ان يحلف به أعطاه خيرا مما ذهب منه» «1» و نحوها غيرها.

ثم انه لا يخفى ان جواز الكذب لدفع الضرر مختص بما إذا كان الضرر من الظلم و التعدي عليه، و لا يجوز لمطلق دفعه كالضرر في المعاملة، فإذا توقف بيع ماله بلا خسارة على كذبه في رأس المال، فلا يجوز الكذب، لان جوازه إما لرفع الاضطرار أو الإكراه، و المفروض انتفاؤهما، حيث أن الاضطرار يتوقف على وجوب دفع الضرر المزبور، و الضرر المالي يجوز تحمله، و حديث لا ضرر لوروده مورد الامتنان لا يعم المقام، بل يختص بما إذا كان في رفع التكليف الضرري امتنانا، و لا امتنان في تجويز الكذب لمؤمن الموجب

لاغراء المؤمن الآخر، بل لا يجوز التورية في مثل أخباره برأس المال باعتبار كونه غشا كما مر سابقا.

(1) (أقول) لا بأس بالحمل على الاستحباب لو كان الحمل عليه أخذا بالظهور كما إذا ورد في رواية اغتسل الجمعة، و علمنا أن غسل الجمعة غير واجب، و دار أمر الرواية بين الحمل على مثل التقية أو الاستحباب، فتحمل على الاستحباب، و ذكرنا في الأصول من ان خصوصية الاستحباب أو الوجوب غير داخلة في مدلول الصيغة، بل مدلولها البعث نحو الفعل و ينتزع الوجوب من عدم ثبوت الترخيص في الترك، كما ينتزع الاستحباب من ثبوت ذلك الترخيص. و إذا انضم المستفاد من الصيغة أى البعث الى الاغتسال إلى ما هو معلوم من الخارج من جواز تركه ثبت الاستحباب.

و أما إذا لم يكن الحمل على الاستحباب أخذا بالظهور، كما إذا ورد في رواية ان المذي ناقض، و دار أمرها بين ان يراد بالناقض فيها ما هو ظاهره من بطلان الوضوء بالمذي للتقية، و بين استحباب الوضوء بعد خروجه، فلا يكون مجرد النسب بشأنهم قرينة عرفية على ارادة الاستحباب، و يترتب على ذلك انه لا يتيسر لنا الحكم باستحباب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (16) الباب: (1) من أبواب الايمان- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 244

[الثاني من مسوغات الكذب إرادة الإصلاح]

الثاني من مسوغات الكذب إرادة الإصلاح (1)

______________________________

الوضوء بعد خروج المذي بمجرد العلم بان ظاهر الكلام المزبور غير مطابق للحكم الواقعي، مع أنه إذا جاز الاخبار عن خلاف الواقع لرعاية التقية كما هو الفرض، فلا تكون ارادة مثل الاستحباب أليق بحالهم و ما ورد في بعض الموارد لا يدل على الضابط لما يصدر عنهم عليهم السلام في جميع موارد التقية، و

لا يبعد أن يكون الأمر بالوضوء بعد خروج المذي من هذا القبيل، حيث ان ظاهر ذلك الأمر الإرشاد إلى ناقضية المذي، و مجرد العلم بعدم كونه ناقضا لا يكون قرينة على حمل ذلك الأمر على الاستحباب.

(1) يدل عليه غير واحد من الروايات (منها) صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «المصلح ليس بكذاب» «1» و رواية المحاربي عن جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي (ص)، قال: «ثلاثة يحسن فيهن الكذب، المكيدة من الحرب، و عدتك زوجتك، و الإصلاح بين الناس» «2» الى غير ذلك. و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين التمكن من التورية و عدمه، فيكون هذا تخصيصا آخر في أدلة حرمة الكذب على قرار تخصيص الكذب لدفع الضرر، و بعض الاخبار- و منها رواية المحاربي- متضمنة لجواز الكذب في الوعد للزوجة أو الأهل، و لكنها بحسب الظاهر ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها في رفع اليد عن إطلاق دليل حرمة الكذب، بل عن السيد الخوئي (طال بقاه) عدم دلالة تلك الاخبار على جواز الكذب في الوعد الذي يكون من قبيل الاخبار، كالأخبار عن فعله الاستقبالي مع علمه بتركه في ذلك الزمان، و إنما مدلولها ترك الوفاء بوعده الإنشائي يعنى التعهد للعيال أو الزوجة بالفعل، و هذا لا يتصف بالصدق أو الكذب ليكون حراما، و لا بأس بالتعهد و ترك الوفاء به ما لم يكن في ضمن المعاملة. نعم لو قيل بوجوب الوفاء بالعهد الابتدائي

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (141) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (141) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 245

[الكهانة حرام]

الكهانة حرام

(1)

______________________________

يكون الوعد للزوجة أو العيال مستثنى. و فيه أن عد الوعد للأهل في الرواية من افراد الكذب قرينة على كون المراد به الوعد الاخبارى، و حمل الكذب فيها على البناء على عدم الوفاء بالوعد الإنشائي خلاف ظاهرها، خصوصا بملاحظة أن جواز الخلف في الوعد الإنشائي الابتدائي لا يختص بالوعد للزوجة أو الأهل كما تقدم.

(1) يقع الكلام أولا في حكم الكهانة و اخرى في اخبار الكاهن عن الحوادث و ثالثة في رجوع الغير الى الكاهن في الاطلاع على الحادثة. أما الكهانة فهو الاعتقاد بالحوادث في الكون المستقبلة منها و الماضية بإلقاء جن يكون تابعا للكاهن أو اطلاع الكاهن عليها من مقدمات يكون الاستدلال بها على تلك الحوادث محتاجا إلى فطنة النفس و زكائها كالانتقال إليها من كلام السائل أو حاله أو فعله. و قد يطلق على المطلع عليها من نحو هذه المقدمات اسم العراف، كما يطلق على التابع من الجن اسم الرأي بفتح الراء، و قد يكسر اتباعا للهمزة مأخوذ من الرأي أي النظر و الاعتقاد، فيقال فلان رئي القوم أى صاحب رأيهم.

و لعله يظهر واقع الكهانة و حقيقتها من رواية الطبرسي في الاحتجاج في جملة الأسئلة التي سئلها الزنديق أبا عبد اللّه (ع)، قال الزنديق: «فمن أين أصل الكهانة؟

من أين يخبر الناس بما يحدث؟ قال (ع): إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون اليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم، فيخبرهم بأشياء تحدث، و ذلك من وجوه شتى فراسة العين، و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فطنة الروح، مع قذف في قلبه، لان ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه

إلى الكاهن و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف. و أما اخبار السماء، فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع، إذ ذلك، و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم، و إنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سيب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 246

..........

______________________________

ما جاءهم عن اللّه تعالى لإثبات الحجة و نفى الشبهة، و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث اللّه في خلقه، فيختطفها، ثم يهبط بها الى الأرض، فيقذفها الى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به هو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من الباطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة، و اليوم إنما تؤدى الشياطين الى كهانها اخبار الناس بما يتحدثون، و الشياطين تؤدى الى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق، و من قاتل قتل، و هم بمنزلة الناس صدوق و كذوب.

ذكر المصنف (ره) احتمالين في قوله مع قذف في قلبه: (الأول)- كونه قيدا لفطنة الروح، فيكون الحاصل أن المنشأ لخبر الكاهن عن الحوادث أمور شتى، (منها) ما يرجع الى نفسه فقط، كفراسة عينه و ذكاء قلبه و وسوسة نفسه، و (منها) ما يرجع الى المجموع من فطنة روحه و قذف الشيطان في قلبه، و يساعد هذا الاحتمال ما عن النهاية من قوله و قد كان في العرب كهنة، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقى اليه الاخبار، و منهم و من

كان يزعم أنه يعرف الأمور (الحوادث) بمقدمات و أسباب يستدل بها (بالمقدمات) على مواقعها (على موارد الحوادث و مواضعها) من كلام من سأله أو فعله أو حاله (بيان للمقدمات) فان ظاهر هذا الكلام إمكان كون المنشأ في اخبار الكاهن الأمر الراجع الى نفسه فقط.

(الاحتمال الثاني) كونه قيدا لجميع ما ذكر فيكون الحاصل ان منشأ اخبار الكاهن هو المجموع من الأمر الراجع الى نفسه و قذف الشيطان، و جعل (ره) قوله- فيما بعد (فإذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل)- قرينة على هذا الاحتمال، و كان هذا باعتبار أن المستفاد من قوله (فإذا قد زاد) أن الكاهن يزيد في خبره كلمات من عنده، فيكون الخطاء فيه باعتبار هذا الخلط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 247

..........

______________________________

و لكن لا يخفى أن ظاهر قوله: (فإذا قد زاد) ظاهره بيان وجه خطأ خبر الكاهن بالحوادث المستقبلة، و أن الخطأ فيه باعتبار ما زاده الكاهن من عنده، لا الكلمة التي ألقاها اليه شيطانه من خبر السماء، و لا يرجع الى بيان وجه خطائه في مطلق اخباره حتى بالحوادث الماضية التي يمكن أن يكون منشأ خبره بها فراسة عينه أو ذكاء قلبه، و يكون إطلاق الكاهن عليه باعتبار أن الاخبار بتلك الحوادث فقط مرتبة من الكهانة في مقابل الكهانة الكاملة المنتفية، بعد منع الشياطين عن استراق السمع، لان وقوع الخطأ في اخباره بهذه الحوادث يمكن أن يكون لكذب الشياطين، فإنهم بمنزلة الناس منهم صدوق و كذوب.

و كيف كان فقد يذكر في المقام عدم الخلاف في حرمة الكهانة بمعنى تحصيل الاعتقاد أو الاطلاع على الحوادث بما تقدم، كما لا خلاف في حرمة الاخبار بها و الرجوع فيها الى

الكاهن، و في رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «من تكهن أو تكهن له فقد بري من دين محمد (ص)» «1» و في سندها على بن أبي حمزة البطائني و هو ضعيف، و مع ذلك لا دلالة لها على حرمة مجرد اخباره بالحوادث احتمالا أو ظنا، مع عدم عنوان آخر معه، كاتهام مؤمن و نحوه و في رواية ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب المشيخة للحسن ابن محبوب عن الهيثم، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه (ع): إن عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق أو شبه ذلك، فقال قال رسول اللّه (ص): من مشى الى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل اللّه من كتاب» و ذكر المصنف ره ظاهر هذه الصحيحة حرمة الاخبار عن الغائبات بالجزم سواء كان بالكهانة أو بغيرها لدلالتها على ان المخبر بها ساحر أو كاهن أو كذاب و الكل حرام.

و فيه أن الرواية ضعيفة لا صحيحة، فإن رواة كتاب الحسن بن محبوب لابن إدريس مجهولون لنا، (ثانيا) ان ظاهرها حرمة تصديق قول الكاهن، و التصديق في الأمارات الموهومة أو المعتبرة ظاهره التصديق العملي أي ترتيب الأثر على قوله،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (26) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 248

[اللهو حرام]

اللهو حرام (1).

______________________________

كاتهام شخص بالسرقة أو بالقتل و نحوهما. و أما نفس اخبار الكاهن فلا دلالة للرواية على حكمه أصلا.

و الحاصل أنه لا اعتبار باخبار الكاهن و لا يثبت به كون فلان سارقا أو كون شي ء ملكا لفلان، أو غير ذلك و لا يجوز اتهام مؤمن به.

و أما غير ذلك كالأخبار بحادثة ماضيا أو مستقبلا فان حصل الاعتماد بها جزما أو ظنا فيصح الاخبار بها جزما أو ظنا، و مع عدم الاعتقاد يدخل الاخبار بها في الكذب موضوعا أو حكما على ما تقدم، من غير فرق بين كون المنشأ للاعتقاد الحدس أو الرمل أو الجفر أو غير ذلك. و ما يظهر من المصنف (ره)- من حرمة النظر و التأمل لاستظهار الحوادث في غير الرمل و الجفر- كما ترى.

(1) يظهر من جماعة حرمة اللهو مطلقا، و يستدل على ذلك بوجوه: (الأول) إيجاب التمام على من يكون سفره للصيد تنزها، و قد ذكر في بعض ما يدل عليه من الروايات (إنما خرج في لهو لا يقصر) و لكن هذا الوجه غير تام، لعدم الملازمة بين وجوب التمام و حرمة السفر. و قد تقدم الكلام في ذلك سابقا، و قلنا انه يظهر من بعض الأصحاب أن السفر للصيد تنزها و بطرا من أفراد السفر للمعصية، و لكنه غير صحيح.

(الوجه الثاني) رواية الأعمش الواردة في الكبائر «1» فإن من الوارد فيها الملاهي التي تصد عن ذكر اللّه عز و جل كالغناء و ضرب الأوتار، و ذكر الغناء مثالا للملاهي قرينة على أنها جمع الملهى مصدر ميمي أو الملهي وصف من باب الأفعال، لا جمع الملهاة اسم الإله فتكون ظاهرة في حرمة اللهو، و حملها- على جمع اسم الآلة و تقييد الغناء بكونه مقارنا باستعمال تلك الآلات حتى يصح مثالا للجمع من اسم الآلة بلا قرينة- غير ممكن. نعم الرواية ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها.

(الوجه الثالث) رواية العيون «2» حيث عد فيها من الكبائر الاشتغال بالملاهي

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (46) من أبواب

جهاد النفس و ما يناسبه- الحديث: (36)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (46) من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه- الحديث: (33)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 249

[مدح من لا يستحق المدح]

مدح من لا يستحق المدح (1)

______________________________

و فيه أن ظاهر الملاهي بلا قرينة هو الجمع من اسم الآلة، و الاشتغال بها عبارة عن اللهو بها، و لا شبهة في حرمة استعمال تلك الآلات. و إنما الكلام في المقام في حرمة مطلق اللهو، هذا مع أن في سند الرواية ضعف كما تقدم سابقا.

(الوجه الرابع) ما ورد في بعض روايات حرمة القمار من قوله كل ما الهى عن ذكر اللّه فهو الميسر) و لكن هذا العموم بظاهره لا يمكن الأخذ به، فان لازمه حرمة الاشتغال بالافعال التي لا يكون الإنسان مع الاشتغال بها متذكرا للّه تعالى و حمله على غير ظاهره يحتاج إلى قرينة معينة، و كذا لا دلالة فيما ورد في أن لهو المؤمن من الباطل، فإنه لا ظهور للباطل في الحرمة.

و المتحصل انه ليس في البين ما يمكن الاعتماد عليه في تحريم مطلق اللهو نعم لا كلام في حرمة اللهو باستعمال الآلات المعدة له من ضرب الأوتار و غيرها.

هذا بالإضافة إلى اللهو و أما اللعب فقد تقدم أنه ايضا بإطلاقه غير محرم، بل المحرم اللعب بالآلات المعدة للقمار أو بغير تلك الآلات. و لكن مع الرهن. و لا يبعد ان يعم اللعب مثل أفعال الأطفال الناشئة عن غير القوى الشهوية، بخلاف اللهو، فإنه يختص بالأفعال التي يكون الداعي إليها تلك القوى، و لذا ذكر سبحانه في قوله أَنَّمَا الْحَيٰاةُ الدُّنْيٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفٰاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكٰاثُرٌ فِي الْأَمْوٰالِ اللعب أولا و

اللهو ثانيا و الزينة و التفاخر بالأموال و الأولاد ثالثا، و نظير اللهو اللغو، بل لا يبعد ترادفهما، و أنه لا حرمة فيه حتى يندرج في أحد العناوين المحرمة كالغناء و القمار و نحوهما كما لا يخفى.

(1) ذكر العلامة في المكاسب المحرمة مدح من لا يستحق المدح، و ذكر المصنف (ره) في وجه حرمته حكم العقل بقبحه المستكشف منه حرمته شرعا بقاعدة الملازمة.

(أقول) لم يحرز حكم العقل بالقبح على مجرد المدح، كما لا دلالة على حرمته في آية النهي عن الركون الى الظالم، لان مجرد المدح ليس من الركون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 250

[و معونة الظالمين في ظلمهم حرام]

و معونة الظالمين في ظلمهم حرام (1)

______________________________

اليه، و إن كان يظهر ذلك من صاحب الوسائل (ره)، حيث أورد في باب حرمة مدح الظالم ما يكون متضمنا للاية، بل لو كان مجرد المدح ركونا لكان محرما و لو كان الجائر مستحقا له ببعض أعماله، و أما النبوي «من عظم صاحب الدنيا و أحبه طمعا في دنياه سخط اللّه عليه و كان في درجته مع قارون في التابوت الأسفل من النار «1» فضعيف سندا و باطل مضمونا لجواز تعظيم المزبور و عدم كونه موجبا لعقاب فضلا عن العقاب الوارد فيه. و اما النبوي الآخر «من مدح سلطانا جائرا و تخفف أو تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار «2»» فمدلوله حرمة التواضع و التخاذل للسلطان الجائر طمعا فيه و أن كان مستحقا للمدح ببعض اعماله و لعل حرمته باعتبار كون التواضع له ترويجا له و تشييدا لسلطانه.

و كيف كان فلو انطبق على مدح من لا يستحق مدحا عنوان محرم كعنوان الكذب، كما إذا سرد له اشعارا تتضمن

مدائح على خلاف الواقع كان محرما و أخذ المال بها أكلا له بالباطل، و كذا فيما انطبق عليه عنوان ترويج الباطل و نحوه كما لا يخفى.

(1) ذكره (ره) في المقام أمورا ثلاثة: (الأول) إعانة الظالم على ظلمه (الثاني) كون الشخص من أعوان الظلمة، و كل منهما محكوم بالحرمة، بل قيل إن اعانة الظالم على ظلمه من الكبائر، كما هو ظاهر رواية ورام بن أبي فراس، قال «قال عليه السلام: من مشى إلى ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم، فقد خرج عن الإسلام «3» و لكن ضعفها بالإرسال، و عدم دلالتها على خصوص الإعانة على

______________________________

(1) الوسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (14).

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب. (43) من أبواب ما يكتسب به الحديث (1)

(3) الوسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (15).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 251

..........

______________________________

الظلم، و شمولها لإعانة الظالم- و لو على فعله المباح- مانع عن الاعتماد عليها نعم ورد كونها كبيرة في روايتي الأعمش و الفضل بن شاذان الواردتين في تعداد الكبائر «1» و فيهما ايضا ضعف كما تقدم، و لكن حرمتها مسلمة و تدل عليها الروايات الكثيرة.

(منها) صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: من أعان ظالما على مظلوم لم يزل اللّه عليه ساخطا حتى ينزع من معونة «2» و قريب منها غيرها. و ما ذكرناه- في مسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يصنعه خمرا من عدم الحرمة لمجرد اعانة الغير على الحرام الصادر منه، بل المحرم هو التعاون على الحرام، بان يجتمع اثنان أو أكثر على إيجاد

الحرام بان، يصدر ذلك الحرام عن مجموعهم، بخلاف الإعانة التي لا يقصد المعين الا عمله الذي يمكن للغير التوصل به الى الحرام، و بعبارة أخرى الحرام يصدر عن ذلك الغير، و الصادر عن المعين مقدمة من مقدمات ذلك العمل- لا يجري في إعانة الغير على ظلمه، فان الإعانة هذه بنفسها محرمة كمن وضع سوطا بين يدي ظالم يريد ضرب الآخر، و في النبوي «و من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعله اللّه حية طولها سبعون الف ذراع فيسلطه اللّه عليه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا» «3» و كذا لا ينبغي الريب في حرمة كون الشخص من أعوان الظلمة على تفصيل يأتي في بحث الولاية من قبل الجائر.

(الأمر الثالث) اعانة الظالم على فعله المباح و قد يظهر من بعض الأخيار حرمتها، كرواية يونس بن يعقوب، قال: «قال لي أبو عبد اللّه (ع) لا تعنهم على بناء مسجد» «4» و في معتبرة ابن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «إذ دخل عليه رجل

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (4) من أبواب جهاد النفس- الحديث: (33 و 36)

(2) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (80) من أبواب جهاد النفس- الحديث: (5)

(3) الوسائل (الجزء 12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث (10)

(4) الوسائل (الجزء 12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث (8)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 252

..........

______________________________

فقال. جعلت فداك إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة، فيدعى إلى البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟ قال: ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين

لابتيها و لا مدة بقلم، إن أعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من نار حتى يحكم اللّه بين العباد» «1» و وجه اعتبارها سندا أن بشيرا من مشايخ ابن ابى عمير، فيعمه التوثيق العام المذكور في عدة الشيخ (ره) و المسناة ما يبنى على وجه السيل و يقال له السد، و الوكاء ما يشد به رأس القربة، فقوله و وكيت لهم وكاء، أى أشد لهم رباط القربة و الواو- في قوله: (و ان لي ما بين لابتيها)- حالية بمعنى أنى لا أحب ما ذكر و إن كان لي في مقابله ما بين لابتي المدينة، و اللابتين تثنية اللابة، و هي أرض ذات أحجار سود، و كأن المراد بهما الجبلان في ناحيتي المدينة. و قوله: (و لا مدة بقلم) أى لا أحب أخذ المداد بالقلم لهم مرة، و السرادق الخيمة.

و الحاصل أن المذكور في الرواية من قبيل إعانة الظالم على الفعل المباح أو على ما يعمه. و في معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه، قال: «قال رسول- اللّه (ص): إذا كان يوم القيمة فنادى مناد أين أعوان الظلمة، و من لاق لهم دواة، أو ربط كيسا، أو مد لهم مدة قلم؟ فاحشروهم معهم» «2».

و رواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: «قال أبو عبد اللّه (ع): يا عذافر نبئت أنك تعامل أبا أيوب و الربيع، فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة؟ قال: فوجم أبى، فقال أبو عبد اللّه (ع)- لما رأى ما أصابه-: أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني اللّه عز و جل، قال محمد فقدم أبى، فما زال مغموما مكروبا حتى مات».

و رواية صفوان بن مهران الجمال، و لا يبعد كونها

موثقة، قال: «دخلت على

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: 42 من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (6)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (11)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 253

..........

______________________________

ابى الحسن الأول (ع)، فقال لي: يا صفوان كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، قلت جعلت فداك أي شي ء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعنى هارون، فقال: و اللّه ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا للصيد و لا للهو، و لكني أكريته لهذا الطريق، اى طريق مكة، و لا أتولاه بنفسي، و لكن أبعث معه غلماني، فقال لي:

يا صفوان أ يقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم جعلت فداك، قال فقال لي: أ تحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت: نعم، قال من أحب بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم ورد النار.»

و لكن ظاهر هذه جواز المعاملة و إعانتهم على الفعل المباح، و ذلك فإنه لو كانت معاملة الجائر حراما، لم يكن وجه لقوله (ع) أ يقع كراؤك عليهم و أ تحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك، بل كان المتعين أن يقول (ع): إن الإكراء منهم حرام حتى فيما إذا لم يكن للهو و البطر، و عدوله (ع)- عن ذلك إلى ما في الرواية- قرينة واضحة على أن وجه النهى عن المعاملة هو حب الشخص بقاءهم. و من الظاهر أن هذا النحو من الحب- الذي هو في الحقيقة حب لاستيفاء حقه منه- لا يكون محرما، خصوصا فيما إذا علم أنه على تقدير ذهاب هذا الظالم يخلفه ظالم آخر مثله أو أخبث منه و كيف كان فالمستفاد من الرواية كون التجنب عن الجائر

أولى.

(لا يقال) ينافيه قوله (ع): «و من أحب بقاءهم فهو منهم، و من كان منهم فقد ورد النار» حيث ان مقتضاه كون هذا القسم من الحب ايضا محرما (فإنه يقال) ذكر ذلك في الرواية باعتبار إمكان كون الحب المفروض فيها منشأ للحب الذي يسلك الشخص به في عداد الجائرين، فيدخل النار. و مثل ذلك ما في معتبرة ابن ابى يعفور، حيث أن التعبير فيها بقوله (ع): «ما أحب» لا دلالة فيه على الحرمة، و ما في ذيلها- من أن أعوان الظلمة يوم القيمة في سرادق من النار- لا يصلح أن يكون قرينة على الحرمة، لأن الشخص لا يدخل بالمفروض في الرواية في عنوان أعوان الظلمة، فيكون ذكره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 254

[النجش]

النجش بالنون المفتوحة (1)

______________________________

باعتبار أنه ربما يترتب- على التقرب الى أبوابهم بمثل ما ذكر من الأعمال- الدخول في ذلك العنوان الموجب لاستحقاق النار. و ما في معتبرة السكوني: «إذا كان يوم القيمة نادى مناد أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواة أو ربط كيسا» محمول بقرينة رواية صفوان و غيرها على كون ربط الكيس و نحوه من إعانتهم على الظلم، كما إذا كان ما في الكيس من أموال الجور: و يحمل مثل رواية يونس بن يعقوب الوارد فيها النهى عن إعانتهم على بناء المسجد على صورة ترويج أمرهم و تشييد سلطانهم، فلا يمكن التعدي إلى مثل بيع الطعام منه لسد جوعه و جوع عياله، فان جواز مثل هذه المعاملة و الإعانة لعله من الضروريات.

(1) النجش- بفتح النون و سكون الجيم أو فتحها أيضا- هي الزيادة في ثمن المتاع ممن لا يريد شراءه لغرض إيهام السامع المريد لشرائه

حتى يزيد بزيادته، كان ذلك بالمواطاة مع البائع أو بدونها. و ذكر المصنف (ره) أن حرمته مقتضى حكم العقل و النقل، فإنه قد ورد النهى عنه بقوله (ص): «و لا تناجشوا» كما ورد اللعن في النبوي الآخر على الناجش و المنجوش له. و استقلال العقل بقبحه باعتبار كونه غشا و تلبيسا و إضرارا. فتتم حرمته بالملازمة.

و فيه أنه لا دليل على حرمة مجرد التلبيس ما لم يكن غشا في المعاملة أو كذبا.

و أما الإضرار فلا يكون الا بشراء المشترى لا بفعل الناجش. نعم فعله يوجب غفلة المشتري عن قيمة المبيع، فيوقع نفسه في الضرر بشرائه، فيكون فعله غشا، و تختص حرمته بما إذا كان المشترى مسلما. و بذلك يظهر أنه لا مجال لدعوى الإجماع، فإنه على تقديره يمكن أن يكون مدركه ما دل على حرمة الغش، لا النبوي، كي يدعى أنه جابر لضعفه، هذا مع أن النبوي مختص بصورة المواطاة بقرينة اللعن فيه على المنجوش له، حيث انه لا موجب له إلا مواطاته مع الناجش.

ثم ان حرمة النجش حتى في صورة المواطاة لا توجب بطلان المعاملة، لعدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 255

[النميمة محرمة]

النميمة محرمة بالأدلة الأربعة (1)

______________________________

اقتضاء النهى عن المعاملة تكليفا فسادها، و كذا الحال في مدح السلعة كذبا أو لإيقاع الغير في الضرر من جهة الغش، فان هذا و إن كان محرما، الا أنه لا يوجب بطلان المعاملة و أما إذا كان المدح صدقا فلا وجه لحرمته، خصوصا فيما إذا لم تكن في البين مواطاة، بل لو أغمض عن سند النبوي، فشمول معنى النجش لذلك غير محرز كما لا يخفى.

(1) ذكر (ره) أن النميمة من الكبائر، كما هو مقتضى

ورود اللعن و الوعيد عليه بالعذاب في الكتاب المجيد، قال عز من قائل وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّٰارِ «1». و النمام قاطع لما أمر اللّه به ان يوصل من تأليف قلوب المؤمنين و بسط المحبة فيما بينهم. و فيه أن ظاهر أمر اللّه بصلته وجوبها. و من الظاهر عدم وجوب الصلة مطلقا، فلا دلالة للاية على حرمة النميمة في غير مورد الصلة الواجبة.

و بعبارة أخرى غاية ما يستفاد من الآية حرمة النميمة بين شخصين أو أشخاص يكون كل منهما أو منهم مكلفا بالصلة مع الآخر أو الآخرين، بل يمكن أن يقال:

ظاهر الآية حرمة قطع الصلة بأن يترك الصلة مع ذي رحمه، و لا نظر لها إلى النميمة أصلا، كما أن مجرد النميمة لا تكون فسادا في الأرض، كما إذا أوقع الخلاف بين المتحابين من غير أن يترتب على التفرقة بينهما فساد آخر، فان هذا الإيقاع نميمة، و لكن لا يصدق عليه أنه فساد في الأرض، و كذا الحال في الآية الثانية، فإن ظاهرها- بملاحظة صدرها- إيقاع الفتنة بين المؤمنين و تفريق صفوفهم في مقابل الكفار، فان هذا أكبر من قتل المؤمن. و لا يترتب ذلك على كل نميمة حتى تقتضي حرمتها مطلقا، قال عز من قائل:

______________________________

(1) سورة الرعد (13) الاية: (25).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 256

و قيل إن حد النميمة (1)

[النوح بالباطل]

النوح بالباطل (2)

______________________________

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ، قُلْ قِتٰالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ إِخْرٰاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّٰهِ وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ «1».

و

بتعبير ثالث لا يكون مطلق إيقاع الخلاف بين اثنين أكبر من قتل المؤمن و التعبير بأنها أكبر من القتل قرينة واضحة على ان المراد بها الفتنة الخاصة، و هي إيقاع الخلاف و التشتت في صفوف المسلمين، بداعي تضعيفهم في مقابل الكفار و يستدل ايضا على حرمتها بقوله سبحانه هَمّٰازٍ مَشّٰاءٍ بِنَمِيمٍ «2» و عن السيد الخوئي طال بقاه أن مدلولها حرمة المبالغة في النميمة و لا تدل على حرمة أصلها و فيه أنه لا دلالة لها على حرمتها أصلا لا مع المبالغة و لا بدونها، بل هي واردة في بيان حكم آخر، و هو عدم جواز الاتباع و الطاعة للحلاف الهماز المشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم.

نعم لا ينبغي الريب في حرمتها مطلقا و يكفي في إثباتها الروايات: كصحيحة على بن جعفر عن أبى الحسن عليه السلام، قال: «حرمت الجنة على ثلاثة مدمن خمر، و النمام، و الديوث و هو الفاجر «3» و صحيحة محمد بن قيس عن ابى، جعفر عليه السلام، قال: «الجنة محرمة على القتاتين المشائين بالنميمة «4»

(1) لا عبرة في صدق النميمة بكراهة الكشف، بل المعيار في صدقه نقل ما يكون وقيعة بين المنقول عنه و المنقول اليه.

(2) لا ينبغي الريب في جواز النياحة على الميت ما لم تكن باطلة أى مدحا كذبا، فإنها مع كونها مقتضى الأصل فيجوز أخذ الأجرة عليها، نظير سائر الأعمال المحللة، يدل عليه ما ورد في جواز أخذ الأجرة عليها، و في صحيحة أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السلام: لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت» «5»

______________________________

(1) سورة البقرة (2)- الاية (217).

(2) سورة القلم (68)- الاية (11)

(3) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (166)

من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (9)

(4) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (166) من أبواب أحكام العشرة- الحديث: (2)

(5) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 257

..........

______________________________

و المراد النياحة التي لا تكون كذبا فإنه لا يحتمل جواز الكذب تكليفا، و جواز أخذ الأجرة عليه وضعا، بل مرسلة الصدوق قال: «قال عليه السلام: لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا» «1» و هذه لضعف سندها تصلح للتأييد. و في خبر عذافر قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام، و سئل عن كسب النائحة؟ فقال: تستحله بضرب احدى يديه على الأخرى» «2» و ظاهرها عدم جواز أخذ الأجرة على نفس النياحة، بل تكون الأجرة بإزاء عملها أى ضرب احدى يديه بالأخرى عند نياحتها و هذا لضعف سنده غير صالح لمعارضة صحيحة أبي بصير.

و في صحيحة حنان بن سدير، قال «كانت امرأة معنا في الحي، و لها جارية نائحة، فجاءت الى أبى، فقالت: يا عم أنت تعلم أن معيشتي من اللّه، ثم من هذه الجارية، فأحب أن تسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن ذلك، فان كان حلالا، و إلا بعتها و أكلت من ثمنها، حتى يأتي اللّه بالفرج، فقال لها أبى: و اللّه أنى لأعظم أبا عبد اللّه عليه السلام أن أسأله هذه المسألة قال فلما قدمنا عليه أخبرته أنا بذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: تشارط؟ فقلت: و اللّه ما أدرى تشارط أم لا، قال: قل لها لا تشارط و تقبل ما أعطيت «3» و هذه الصحيحة في نفسها ظاهرة في كراهة المقاطعة، فإنه مع كون النياحة مباحة، فلا بأس بالمشارطة، و

لا أقل من حملها عليها جمعا بينها و بين صحيحة أبي بصير المتقدمة.

و الحاصل أنه لا ينبغي التأمل في جواز النياحة و أخذ الأجرة عليها، و في صحيحة يونس بن يعقوب عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: قال لي أبي يا جعفر أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى» «4»

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (9)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(4) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (17) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 258

[الولاية من الجائر]
اشارة

الولاية من الجائر (2).

______________________________

(2) التصدي للعمل من قبل الجائر حرام بلا خلاف ظاهر. و يستدل عليه بقوله سبحانه وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا «1» و لكن لا يخفى أن التولي من قبيل ركون الظالم اليه، لا من ركونه الى الظالم. نعم مقتضى غير واحد من الروايات عدم جوازه. و في معتبرة ابن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه عليه السلام:

«ان أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من النار حتى يحكم اللّه بين العباد» «2» و موثقة السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه، قال: «قال رسول اللّه: إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين أعوان الظلمة، و من لاق لهم دواة أو ربط كيسا أو مد لهم مدة قلم، فاحشروهم معهم» «3» و في موثقة الأخرى إياكم و أبواب السلطان و حواشيها، فإن أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها أبعدكم من اللّه عز و جل،

و من آثر السلطان على اللّه أذهب اللّه عنه الورع و جعله حيرانا» «4» و في رواية الكاهلي عن ابى عبد اللّه (ع) «من سود اسمه في ديوان ولد سابع، حشره اللّه يوم القيامة خنزيرا» «5» الى غير ذلك.

و في مقابلها ما يظهر منه أن حرمته من جهة الحرام الخارجي، و أنه لا بأس به ما لم يكن منه التصدي لعمل محرم أو ارتكاب حرام آخر أثناء كونه عاملا للجائر، كرواية داود الزربي، قال: «أخبرني مولى لعلى بن الحسين (ع)، قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد اللّه (ع) الحيرة، فأتيته فقلت جعلت فداك: لو كلمت داود بن على أو بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت افعل- الى ان قال-: جعلت فداك ظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم، و أن كل امرأة لي طالق، و كل مملوك لي حر و على و على إن ظلمت أحدا أو جرت عليه، و أن أعدل، قال: كيف

______________________________

(1) سورة يونس (10) الاية: (13)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (6)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (11)

(4) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (13)

(5) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (42) من أبواب ما يكتسب به الحديث: (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 259

..........

______________________________

قلت؟ فأعدت عليه الأيمان، فرفع رأسه الى السماء، فقال: تناول السماء أيسر عليك من ذلك» «1» بناء على أن ذلك إشارة الى ما تعهد به السائل من عدم ظلمه أحدا بل استمراره على العدل، فتكون الرواية ظاهرة في جواز التولي لو لا

محذور الجوز على الناس أو نحوه من سائر المحاذير.

و لكن الرواية ضعيفة سندا و إن وصفها المصنف (ره) بالصحة، و وجه ضعفها أن داود بن زربي و ان كان من مشايخ ابن ابى عمير، إلا أن الراوي له- و هو مولى على بن الحسين- مجهول. و احتمال رجوع اسم الإشارة إلى ترخيص الامام عليه السلام و تكلمه في دخوله في بعض الولايات- لئلا تكون لها دلالة على جواز الدخول لو لا ارتكاب المحرمات- ضعيف. و وجه ضعفه عدم مناسبة ذلك لقوله (ع) كيف قلت؟ و لا لإعادته الايمان المغلظة.

و ذكر الإيرواني (ره) انه لا دلالة في الرواية على جواز الدخول في ولايتهم، بل و لا اشعار حتى بناء على رجوع لفظ ذلك إلى ترك الظلم و العدل، لأن السائل كان من العامة كما هو مقتضى حلفه بالطلاق و العتاق. و عليه فلا يمكن للإمام (ع) التصريح ببطلان حكومتهم، و حرمة كون الشخص معينا. و لهذه الجهة عبر عن عدم الجواز بذلك التعبير.

و فيه ان حمل الكلام على رعاية التقية خلاف الأصل، و الحلف بالطلاق و العتاق لا تكون قرينة على ذلك، كما يظهر ذلك لمن راجع الروايات الواردة في ذلك الحلف، حيث يظهر منها أن بطلانه لم يكن في ذلك الزمان ظاهرا كظهوره في زماننا.

و الحاصل أن مجرد الحلف في ذلك الزمان لم يكن قرينة على كون الحالف عاميا. و صحيحة أبي بصير قال: «سألت أبا جعفر (ع) عن أعمالهم؟ فقال لي: يا أبا-

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (45) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 260

[المجوزات لقبول الولاية عن الجائر]
[القيام بمصالح العباد]

القيام بمصالح العباد (1)

______________________________

محمد لا و لا مدة قلم،

إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله» «1» حيث أن ظاهرها أن محذور كون الشخص عاملا ما يترتب عليه من ارتكاب الحرام، أو كون الشخص معينا على ظلمهم.

و صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «و سألته عن رجل مسكين خدمهم رجاء أن يصيب معهم شيئا فيعينه اللّه به، فمات في بعثهم، قال: هو بمنزلة الأجير، إنه انما يعطى اللّه العباد على نياتهم» «2» و فيه أن هذه الصحيحة تدل على جواز العمل لهم مع الحاجة إلى المال لقوت نفسه و عياله، سواء كان ذلك بالدخول في ولايتهم أو العمل لهم بدونه، فيحمل على الثاني بقرينة ما ورد في حرمة كون الشخص في ديوانهم، مع أن في جواز الدخول في ديوانهم عند الضرورة لتأمين المعاش كلام تأتي الإشارة اليه.

و أما صحيحة أبي بصير فلا دلالة لها على الجواز، حيث أن أصابتهم من دينه كما يكون بارتكابه الحرام كذلك يكون بمجرد كونه معدودا من أعوانهم. و الحاصل أنه لا دلالة لها على كون المراد من أصابتهم الدين ارتكاب الشخص الحرام الخارجي كما لا يخفى.

(1) يجوز التولي من قبل الجائر فيما إذا كان في توليه نفع المؤمنين أو دفع الضرر عنهم. و يشهد لذلك مثل صحيحة على بن يقطين قال: «قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: إن اللّه تبارك و تعالى مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه» «3» فإن مع كون المتولي من أولياء اللّه لا يحتمل حرمة التولي. و في صحيحة زيد الشحام، قال: «سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: من تولى

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به-

الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (48) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2)

(3) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (46) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 261

..........

______________________________

امرا من أمور الناس، فعدل و فتح بابه و رفع ستره و نظر في أمور الناس، كان حقا على اللّه عز و جل ان يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة» «1».

و من الظاهر أن تولى الأمر في مثل زمانه (ع) كان من قبل الخلفاء و ولاتهم، و ذكر المصنف (ره) ظهور بعض الاخبار في عدم جواز الدخول في الولايات، و لكن إيصال النفع المؤمنين كفارة له. و في مرسلة الصدوق (ره) «قال الصادق (ع): كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان» «2» و في رواية أبي سلمة «فإن وليت شيئا من أعمالهم، فأحسن إلى إخوانك، فواحدة بواحدة» «3».

و فيه انه لا يمكن الالتزام بأن التولي- حتى في فرض نفع المؤمنين- محرم و لكن الشخص لا يعاقب عليه، فإنه ينافي ذلك مثل صحيحة زيد الشحام، و ايضا ليس عدم جواز التولي مع إيصال النفع إلى المؤمنين من المتزاحمين، لان إيصال النفع على إطلاقه لا يكون واجبا لتقع المزاحمة بين وجوبه و حرمة التولي، فلا بد من الالتزام بأن نفع المؤمنين أو دفع الضرر عنهم عنوان يكون معه التولي محكوما بالجواز، بل بالوجوب في بعض الأحيان.

و في رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «سمعته يقول: ما من جبار الا و معه مؤمن يدفع اللّه عز و جل به عن المؤمنين، و هو أقلهم حظا في الآخرة يعني أقل المؤمنين حظا في الآخرة» «4» و مقتضى إطلاقها عدم الفرق

بين كون الداعي إلى دخوله في ديوان الجبار إيصال النفع إليهم أو غيره، كما لا يبعد كونها معتبرة، فإن مهران بن محمد بن ابى نصر من مشايخ ابن ابى عمير.

و عن النجاشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن ابى الحسن الرضا (ع) قال: «فان للّه في أبواب الظلمة من نور اللّه به البرهان، و مكن له البلاد ليدفع بهم عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (46) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (7)

(2) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (46) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

(3) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (46) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (9)

(4) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (44) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 262

و لو أمن من ذلك (1)

______________________________

أوليائه و يصلح اللّه بهم أمور المسلمين، إليهم ملجأ المؤمنين من الضر، و إليهم مرجع ذوي الحاجة من شيعتنا، بهم يؤمن اللّه روعة المؤمنين في دار الظلمة، أولئك المؤمنون حقا، أولئك أمناء اللّه في أرضه، أولئك نور اللّه في رعيته يوم القيمة تضي ء منه القيامة، خلقوا و اللّه للجنة، و خلقت الجنة لهم، فهنيئا لهم، ما على أحدكم ان لو شاء لنال هذا كله، قال قلت بما ذا جعلني اللّه فداك؟ قال: يكون معهم يسرنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد» «1».

و مقتضى الجمع بين هذه الرواية و رواية أبي بصير حمل رواية أبي بصير على ما لم يكن الداعي إلى التولي مجرد نفع المؤمنين، كما إذا تولى لتنظيم معاشه، و يكون من قصده نفع المؤمنين أو دفع الضرر عنهم خلاله. و وجه

الحمل أن رواية النجاشي ظاهرها الترغيب الى الدخول في صحبة الجبار بداعي الوصول الى الثواب الموعود، فيرفع بها اليد عن إطلاق رواية أبي بصير كما لا يخفى.

(1) أى أنه لو أمن من الاعتماد على الحرام و الاستمرار على ارتكابه. و تمكن من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر استحب له قبول الولاية. و بما ان مقتضى وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وجوب قبول الولاية في الفرض، فوجه في المسالك الاستحباب بأن كون المتولي بصورة النائب عن الجائر، و شمول النهى عن الدخول في ديوانهم له لو لم يقتضيا المنع في الفرض، فلا أقل من اقتضائهما عدم وجوب التولي.

و فيه أنه لو جرى محذور ترويج الجائر و النهى عن الدخول في ديوانهم، فمقتضاهما عدم جواز التولي، لا أنه يستحب، و مع عدم جريانهما لا مانع من وجوبه مقدمة للأمر بالمعروف و النهى عن المنكر الواجبين.

______________________________

(1) رجال النجاشي- (ص 255)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 263

و يمكن توجيهه بان نفس الولاية (1) و يمكن توجيه عدم الوجوب (2)

______________________________

(1) أى توجيه عدم وجوب التولي بأن مقتضى أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وجوبهما، حتى في الفرض، كما أن ما دل على حرمة ترويج الظلمة و تسويد الاسم في ديوانهم حرمتها كذلك، فيكون وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر مع حرمة التسويد من المتزاحمين.

و لا معين لترجيح أحدهما على الآخر، فيكون المكلف مخيرا بينهما، مع استحباب رعاية الأصلح منهما.

أقول لا يخفى ما فيه، فان مقتضى ذلك سقوط وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و بقاء حرمة التولي، و ذلك فإنه- مع فرض شمول دليل النهى عن الدخول في ديوانهم للمورد-

لا يتمكن المكلف من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، حيث أن كل تكليف مشروط بالقدرة، و مع حرمة مقدمة الشي ء لا يكون ذلك الشي ء مقدورا. و هذا غير ما ذكر في الكفاية، لجريانه حتى فيما إذا قيل بأن القدرة المأخوذة في وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر عقلية.

و الحاصل ان إطلاق النهي عن التسويد في ديوانهم حاكم على أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و هذا يجري في كل متزاحمين يكون المحرم منهما مقدمة للآخر، و لم تحرز الأهمية أو لم تحتمل في خصوص جانب ذلك الآخر. نعم على تقدير الإتيان بالمقدمة عصيانا، يجب ذلك الآخر على ما هو المقرر في بحث الترتب

(2) كان هذا القائل جعل المقام من موارد تعارض الدليلين بالعموم من وجه، حيث أن مقتضى أدلة تحريم الدخول في ديوان الظلمة حرمته في الفرض أيضا، كما أن ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وجوبهما، فيرفع اليد عن إطلاق كل منهما، فتكون النتيجة تخيير المكلف بين ترك الدخول في ولايتهم أو القيام بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر.

و بعبارة أخرى يرفع اليد عن ظهور كل منهما في عدم جواز تركه بقرينة الآخر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 264

..........

______________________________

و يقال باستحباب الدخول في ولايتهم أخذا بظهور الترغيب، و بذلك يرتفع الاشكال عن جواز مقدمة الواجب بالمعنى الأخص. و وجه الارتفاع: هو سقوط المقدمة عن وجوبها، باعتبار وقوع المعارضة بين ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و بين دليل حرمة الدخول في ديوان الظلمة.

و أورد عليه المصنف (ره) بوجوه: (الأول) أن الحكم- في تعارض الدليلين بالعموم من وجه-

هو سقوطهما، و الرجوع الى الأصول أي إلى الأدلة الأخرى لا التخيير بينهما، و مقتضى الأصول في الفرض اباحة الدخول في ولايتهم، لأصالة الإباحة، و وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، لاستقلال العقل بوجوبهما كما هو المقرر في محله.

(أقول): لو كان العقل مستقلا بوجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر حتى في الفرض، لكان قرينة قطعية على جواز التولي، و تقييد إطلاق دليل التحريم و لم تصل النوبة في إثبات الجواز إلى أصالة الحل.

(الثاني) أن التخيير- على تقديره في تعارض الدليلين حتى بالعموم من وجه- هو التخيير الظاهري لا الواقعي. و المراد بالتخيير الظاهري الأخذ بأحد الدليلين لا التخيير الواقعي كما هو ظاهر الأصحاب في المقام (الثالث) أنه لا يمكن في المتعارضين بالعموم من وجه إبقاؤهما على ظاهرهما في موردي افتراقهما، بان يراد من الأمر الوجوب، و من النهى التحريم، و يرفع اليد عنهما بالإضافة إلى مورد اجتماعهما، بان يراد من الأمر الترخيص في الفعل، و من النهى الترخيص في الترك فان هذا يستلزم استعمال كل من الأمر و النهى في الإلزام و الترخيص. و هذا من استعمال اللفظ في معنيين.

(أقول) استفادة الجواز من دليل حرمة التولي ليس من جهة استعمال النهي في الإلزام و الترخيص، بل برفع اليد عن إطلاق النهى و تقييده بصورة عدم القيام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 265

..........

______________________________

بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، كما أن استفادة الجواز من دليل وجوب الأمر بالمعروف بتقييده بما إذا لم يكن في البين محذور التولي من الجائر، و أين هذا من استعمال النهي أو الأمر في الإلزام و الترخيص.

(الرابع) أن ما دل على استحباب التولي و إيصال النفع إلى

المؤمنين و الدفع عنهم أخص مطلق بالإضافة الى ما دل على حرمة الدخول في ولايتهم، فيرفع اليد به عن إطلاق دليل التحريم، و يلاحظ دليل الترخيص مع أدلة وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر. و من الظاهر أن دليل استحباب التولي يثبت الاستحباب بما هو هو، فلا ينافي وجوبه مقدمة للأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، كما هو الحال في سائر المستحبات التي قد تقع مقدمة للواجب.

و بعبارة أخرى ما دل على حرمة التولي مخصص في صورة نفع المؤمنين، فلا يشمل ذلك الدليل صورة الدخول في ولايتهم و القيام بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر أو غيرهما من مصالح المسلمين. و على ذلك فيعم الفرض ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، على ما هو المقرر في بحث انقلاب النسبة.

(أقول) هذا الوجه الأخير هو الصحيح في تقديم ما دل على وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، لا لأن المقام من المتعارضين بالعموم من وجه، بل لان المقام- مع قطع النظر عن هذا الوجه- من موارد التزاحم، و أن ما دل على تحريم التولي موجب لانتفاء القدرة على الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، إلا أن مع ورد التخصيص لأدلة حرمة التولي في صورة نفع المؤمنين لا يكون في البين تزاحم، حيث أن الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر من نفع المؤمنين أو أولى منه.

ثم انه لا يختص جواز التولي عن الجائر بالجائرين في ذلك الزمان، بل يعم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 266

[الثاني مما يسوغ الولاية الإكراه عليه]
اشارة

الثاني مما يسوغ الولاية الإكراه عليه (1)

______________________________

الجائرين في كل زمان، فإنه- مع بعد الاختصاص، لجريان مصلحة الدفع عن المؤمنين و إيصال النفع إليهم

في جميع الأعصار- يقتضيه إطلاق صحيحة زيد الشحام المتقدمة فلاحظ.

ثم إنه يظهر من بعض الاخبار جواز التولي و الدخول في أعوان الظلمة، فيما إذا لم يتمكن المكلف من تأمين معاشه من طريق آخر و في موثقة عمار عن ابى عبد اللّه (ع) «سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا إلا أن لا يقدر على شي ء يأكل و يشرب، و لا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء، فليبعث بخمسه الى أهل البيت» «1» (لا يقال): ينافي ذلك ما تقدم من الروايات الدالة على اعتبار نفع المؤمنين و دفع الضرر عنهم (فإنه يقال): مقتضى الجمع بين هذه و بين مثل صحيحة زيد الشحام المتقدمة هو كون كل من نفع المؤمنين و الضرورة إلى مؤنة نفسه و عياله مستثنى من حرمة كون الشخص من أعوان الظلمة، لأن الصحيحة تدل على جواز التولي مع إيصال النفع إلى المؤمنين، و الدفع عنهم، و عدم جواز غير ذلك، كما أن الموثقة تدل على جواز الدخول مع الضرورة، و على عدم جوازه في غيرها، فيرفع اليد عن إطلاق عدم جواز في كل منهما بالجواز الوارد في الأخرى.

و كيف كان فالجواز في فرض الضرورة لتأمين معاشه غير مذكور في كلماتهم، و إلا لكان الإفتاء به في محله، و حمل عدم التمكن فيها على الاضطرار الرافع للتكليف و الموجب لحل أكل الميتة فيه ما لا يخفى، فلاحظ و تدبر.

(1) يحصل الإكراه بأمر الجائر الشخص بكونه عاملا له، مع إيعاده على تركه بما يكون ضررا عليه نفسا أو عرضا أو مالا، أو إضرارا بمن يعد ضرره ضررا عليه. و استدل المصنف (ره) على جواز قبول الولاية من الجائر مع الإكراه

بقوله سبحانه:

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (48) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 267

[ينبغي التنبيه على أمور]
[الأول كما يباح بالإكراه نفس الولاية المحرمة، كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الأخر]

كما يباح بالإكراه (1)

______________________________

إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً بعد قوله لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ «1».

و العجب أنه (ره) لم يستدل على حرمة كون الشخص من أعوان الظلمة و تسويد الاسم في ديوانهم بالآية، مع تمسكه بالاستثناء فيها على جوازه مع الأكرة، فإن لازم هذا تسليم دلالتها بصدرها على حرمة قبول الولاية من الجائر. و لكن لا يخفى ما فيه فان مدلول الآية عدم جواز اختيار المسلم الكافر وليا له، سواء كان ذلك الكافر ظالما أو عادلا بحسب دينه، فلا يجوز للمسلم أن بجعل الكافر قيما لاطفاله الصغار، لدلالة الآية بصدرها على ذلك. و الكلام في مسألة عدم جواز كون الشخص من أعوان الظلمة عدم جواز قبول الولاية من قبلهم، سواء كان الظالم مسلما أو كافرا. و الحاصل أنه لا يستفاد حرمة كون الشخص من أعوانهم من الآية المباركة ليدل الاستثناء فيها على ارتفاع حرمته عند الإكراه عليه.

(1) لا يكون نفع المؤمنين إلا موجبا لجواز كون الشخص من أعوان الظلمة.

و أما يلزمه في بعض الموارد في فعل سائر المحرمات، فلا يجوز به، بل لو كان نفعهم أو دفع الضرر عنهم واجبا، لكان مع المحرم الآخر من المتزاحمين، فيجري عليهما أحكام التزاحم. و هذا بخلاف الإكراه على الولاية المحرمة، فإنه كما تجوز الولاية بالإكراه كذلك ترتفع حرمة ما يلازمها من سائر المحرمات على حد سواء. نعم إذا كان ما يلازمها من قبيل الإضرار بالغير ففي شمول حديث الرفع له إشكال، و وجهه أن الحديث وارد في الامتنان على الأمة، فيختص الرفع بمورد

يكون الرفع فيه امتنانا. و في المقام ليس كذلك، فان نفى حرمة الإضرار بالغير و إن كان امتنانا على المكره بالفتح، و لكنه خلافه على الآخر المتضرر به.

هذا و اختار المصنف (ره) جواز قبول الولاية و جواز الإضرار بالغير، و ذكر في وجهه أمورا: (الأول)- عموم رفع ما استكرهوا عليه. و قد ظهر عدم صحة هذا

______________________________

(1) سورة آل عمران (3) الاية: (28)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 268

..........

______________________________

الوجه، و أن حديث الرفع لا يعم مثل المقام، بلا فرق بين ما إذا توجه الضرر بإرادة المكره بالكسر الى الغير أو لا و ذلك فان توجه الضرر الى الغير بحسب إرادة الجائر لا يقاس بتوجه الضرر اليه تكوينا الذي لا يجب فيه دفع الضرر عنه بتحمل الضرر و ذلك فان مع توجهه بإرادة المكره بالكسر الى الغير يكون الإضرار بمباشرة المكره بالفتح. و يضاف إليه الإضرار، فلا يجوز، بخلاف توجه الضرر الى الغير تكوينا.

و دعوى ضعف نسبة الإضرار إلى المكره بالفتح، ضعيفة و إلا لم يسند القتل ايضا الى المباشر المكره كما لا يخفى.

و على ذلك فنفى حرمة الإضرار لا يكون مدلولا لحديث الرفع، حيث ذكرنا أن الرفع في مثل المقام لا يناسب الامتنان على الجميع. هذا مع أن توجه الضرر في الفرض الى الغير بحسب إرادة الجائر محل تأمل بل منع، فان المفروض رفع الجائر يده عن الغير بتحمل المكره بالفتح الضرر، و هذا كاشف عن تعلق إرادة الجائر بالجامع بين الضررين.

و الحاصل أنه لا يجوز الإضرار بالغير في فرض جواز تحمل الضرر، نعم إذا كان الضرر المخوف على نفسه هو القتل، و إضرار الغير ماليا يتعين الإضرار، لدلالة ما ورد في

التقية على ذلك، و كون المقام من المتزاحمين.

ثم انه (ره) قد أورد على نفسه بأنه كيف الفرق بين ما إذا توجه إرادة الجائر بإضرار الغير، فلا يجب على المكره بالفتح دفع الضرر عنه بتحمله، بل تجوز له المباشرة في الإضرار، و بين ما إذا توجه إرادة الجائر بإضراره، فلا يجوز له دفعه عن نفسه بإضرار الغير.

و بعبارة أخرى لو كان مقتضى رفع الإكراه الجواز في الأول لكان مقتضى رفع الاضطرار جواز الإضرار في الثاني أيضا، فيكون الإضرار بالغير كسائر المحرمات التي يدفع المكلف بها الضرر عن نفسه.

و أجاب بأن رفع حرمة الإضرار بالغير في الصورة الأولى موافق للامتنان،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 269

..........

______________________________

بخلاف رفع الإضرار بالغير في الصورة الثانية، فإنه ينافيه.

و فيه أنه قد ظهر فساد الجواب مما سبق، فلا حاجة الى الإعادة، كما ظهر منه فساد التشبث في إثبات الجواز في الصورة الأولى بحديث نفى الضرر، و وجه الظهور أن نفى الحكم الضرري كنفي الحكم الإكراهي للامتنان. و لا امتنان في نفى ضرر عن مكلف بتجويز الإضرار بمكلف آخر.

(الأمر الثاني)- أن حرمة قبول الولاية في الفرض أو حرمة ما يلازمها من الإضرار بالغير تكليف حرجي يرتفع بدليل نفى الحرج. و هذا الوجه ايضا غير صحيح، فان رفع التكليف الحرجي ايضا للامتنان على المؤمنين، و لا امتنان في رفع تكليف يكون نتيجته جواز الإضرار بالغير.

(الأمر الثالث)- قوله (ع): «انما جعلت التقية لتحقن به الدماء، فإذا بلغت الدم فلا تقية» «1» باعتبار أن مفهوم القضية الشرطية جواز التقية بغير اراقة الدم من سائر المحرمات، و منها الإضرار بالغير مالا.

و فيه أن المراد بالتقية فيه التقية بمرتبتها العليا، و هو التحفظ على النفس

من التلف، بقرينة التعليل، فمفهوم الشرطية أن التقية اى التحفظ على النفس من التلف موجبة لجواز كل محرم حتى الإضرار بالغير مالا أو عرضا، و إنما لا تجوز التقية و التحفظ على النفس من التلف بإراقة الدم و إتلاف نفس آخر، و التحفظ على الضرر المالي و نحوه خارج عن مدلوله منطوقا و مفهوما.

ثم إنه مع جواز الإضرار بالغير مالا في مقام المزاحمة لا يرتفع ضمان إتلاف ذلك المال كما في سائر موارد الإتلاف نعم لو قلنا بجواز الإضرار بالغير مالا باعتبار عدم وجوب تحمل الضرر عنه بدعوى شمول حديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج، فلا يكون في البين ضمان، فإن إيجاب التدارك و الضمان مرادف لا يجاب

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب (31) من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 270

..........

______________________________

تحمل الضرر المتوجه الى الغير. و قد فرض نفى وجوب تحمله بحديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج.

قد يقال انه يرتفع عند الإكراه حرمة ما يكون من قبيل الإضرار بالغير لوجه آخر، و هو أن المستفاد من قوله سبحانه إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1» مع الانضمام الى الروايات الواردة في التقية عموم التقية و شمولها للتحفظ على النفس و المال و العرض و أن الشارع قد جوزها، إلا إذا كانت بإراقة الدم، أ لا ترى انه يجوز التقية بتكذيب النبي و سبه و التبري منه، مع أن التكذيب و السب تنقيص و تعرض لعرض النبي (ص)، و كذا سب الامام و التبري منه (ع) و عرضهما أعظم الاعراض.

فما الظن بعرض زيد و عمرو و غيرهما من الافراد.

و في

معتبرة مسعدة بن صدقة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أن الناس يروون أن عليا قال على منبر الكوفة أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم تدعون إلى البراءة منى، فلا تبرأوا منى، فقال ما أكثر ما يكذب الناس على على (ع)، ثم قال: انما قال إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني و إني لعلى دين محمد و لم يقل و لا تبرأوا منى، فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة فقال: و اللّه ما ذلك عليه و ما له الا ما مضى عليه عمار بن ياسر، حيث أكرهه أهل مكة.» «2» حيث لم يقيد (ع) جواز السب و التبري بخصوص ما كان الضرر المخوف على تركها هو القتل.

و لا يخفى أن مثل هذه المعتبرة حاكمة على بعض ما ورد في نهيه (ع) عن التبري منه، لانه مع شمول دليل الاعتبار لهذه الرواية لا يبقى موضوع لدليل الاعتبار في تلك الروايات الوارد فيها النهى عن التبري من على (ع)، حيث يعلم بعدم صدورها

______________________________

(1) سورة النحل الآية (106)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (29) من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 271

بالفرق بين المثالين في الصغرى (1)

______________________________

عنه (ع) و كونها كذبا.

(أقول): لا بأس بالتمسك بحديث رفع الإكراه أو نفى الضرر في الحكم بجواز تكذيب النبي و الوقيعة فيه عند الإكراه، حيث أن رفع حرمته عند الإكراه عليه لا ينافي امتنان على الأمة، و لا يكون إضرارا بهم، و جوازه عند الإكراه مستفاد من الآية قبل الحديث، بل يستفاد مما ورد في جواز الإفتاء تقية، فإنه في

معنى تجويز الافتراء على اللّه سبحانه في تلك الحال، و مما ورد في جواز الكذب و الحلف باللّه كاذبا لدفع الضرر عنه أو عن غيره من المؤمنين، و كذا لا بأس بدفع الضرر على نفسه أو عن غيره بالكذب على الآخرين أيضا، فإنه لا يزيد على الكذب و الافتراء على اللّه و على سب الامام و التبري منه. و قد تقدم دلالة معتبرة مسعدة و نحوها على جواز السب أو التبري. و أما الإضرار بالغير بنحو آخر كالتعرض لعرض شخص بالزنا مع زوجته أو بنته أو نحوه لدفع الضرر المالي أو العرضي عن نفسه أو الإضرار بالغير مالا لدفع الضرر المالي عن نفسه، كل ذلك لا دليل على جوازه، بل لا بد من ملاحظة التزاحم و رعاية جانب الأهمية أو محتملها.

و لو اضطر الى نهب مال الغير للتحفظ على نفسه من الهلاك أو القتل، فإنه يجوز، للتزاحم. و لكن يكون ضامنا لذلك المال، لعدم حكومة حديث رفع الاضطرار أو الإكراه في المقام، حتى يرفع الضمان ايضا. و يترتب على كون هذه الموارد من التزاحم أنه لو اضطر إلى أكل طعام الغير لا يجوز قهر المالك فيما إذا كان المالك ايضا مضطرا اليه، بخلاف ما إذا قيل بحكومة حديث دفع الاضطرار و نفى الضرر، اللهم إلا أن يدعى استفادة عدم جواز القهر مما ورد في عدم مشروعية التقية بإراقة دم الغير، فان القهر على المالك في الفرض اراقة لدمه كما لا يخفى.

(1) و الفارق هو الذي بشير اليه بقوله (بان الضرر في الأول) المراد بالأول ما إذا توجه الضرر الى شخص و أراد دفعه عن نفسه بالإضرار بالغير. و هذا الفرض صغرى للكبرى المتقدمة، بخلاف الثاني،

و هو ما إذا توجه الضرر ابتداء الى الغير،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 272

[الثاني ان الإكراه يتحقق بالتوعد بالضرر على ترك المكره عليه ضررا متعلقا بنفسه أو عرضه أو عرضه أو بأهله]

الثاني ان الإكراه يتحقق (1)

______________________________

فإنه لا تكون صغرى لتلك الكبرى.

(1) قد ظهر مما تقدم أن الموجب لجواز قبول الولاية بل جواز ارتكابه سائر المحرمات هو الخوف من مخالفة الجائر فيما أمر به من ترتب الضرر على نفسه أو ما يتعلق به نفسا أو عرضا أو مالا. و أما مع الخوف من ترتب الضرر على بعض المؤمنين فلا يتحقق عنوان الإكراه. نعم يجوز له معه قبول الولاية لما ورد من جواز قبولها لإيصال النفع إليهم و الدفع عنهم، و هل يجوز الدفع عنهم بارتكاب سائر المحرمات التي لا تكون من قبيل الإضرار بالغير المعبر عنها في كلام المصنف (ره) بالمحرمات الإلهية؟ ظاهر كلامه (ره) ذلك، حيث ذكر أنه لو خاف على بعض المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة، بل غيرها من المحرمات الإلهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين، و تمسك في ذلك بخير الاحتجاج.

و لا يخفى ما فيه فإنه لا دليل على تقييد إطلاقات المحرمات لمجرد دفع الضرر المالي مثلا عن بعض المؤمنين، و كيف يمكن الالتزام بجواز شرب الخمر في مجلس الجائر أو غيره أو اللواط معه و غير ذلك من الموبقات لدفع الضرر المالي بل العرضي عن زيد؟ و أما التبري فهو- نظير الكذب و الافتراء و الحلف كاذبا لدفع الضرر عن المؤمن- جائز، و جوازه لا يلازم جواز ارتكاب سائر المحرمات، فلا دلالة في مثل خبر الاحتجاج «1» على ذلك، حيث أن المذكور فيه و هو التبري صورة مع التولي قلبا ليس من أعظم المحرمات حتى يؤخذ بالفحوى.

نعم لو كان الضرر المخوف على بعض

المؤمنين مثل تلف النفس كان جواز ارتكاب سائر المحرمات باعتبار وقوع التزاحم بينها و بين وجوب احياء النفس المحترمة، فيجوز في ذلك الإضرار ببعض المؤمنين مالا للتحفظ على نفس الآخرين،

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (29) من أبواب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر- الحديث: (11)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 273

و اما الإضرار بالعرض بالزنا و نحوه (1)

______________________________

و يكون ذلك مع الضمان كما مر آنفا.

قال في القواعد: (و تحرم الولاية من الجائر إلا مع عدم التمكن من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، أو مع الإكراه بالخوف على النفس أو المال أو الأهل، أو على بعض المؤمنين، فيجوز ايتمار ما يأمره إلا القتل) و قد شرح هذه العبارة بعض الأساطين، فقال: (الا مع الإكراه بالخوف على النفس من تلف أو ضرر في البدن أو المال المضر بحال الشخص تلفه أو حجبه أو العرض من جهة النفس أو الأهل أى بالخوف على عرض نفسه أو عرض أهله أو الخوف فيما عد الوسط على بعض المؤمنين، فيجوز حينئذ ايتمار ما يأمره) انتهى.

و المراد ما عد الوسط في عبارة القواعد، و الوسط في تلك العبارة الضرر المالي، فيكون ما عداه الضرر على النفس أو الأهل، و بما أن الضرر على أهل بعض المؤمنين داخل في الضرر على المؤمنين، لأن عنوان بعض المؤمنين يعم أهلهم أيضا، يكون حاصل عبارة القواعد- على ما ذكره الشارح- أنه يجوز الإضرار بالغير أو ارتكاب سائر المحرمات غير القتل، فيما إذا خاف على نفسه أو ماله أو عرضه، أو خاف على نفس مؤمن آخر.

(1) أى انه لو كان دفع الضرر عن بعض المؤمنين نفسا بالإضرار بعرض ذلك البعض أو البعض

الآخر بالزنا و نحوه، ففي جواز هذا الإضرار لدفع ضرر تلف النفس عن الغير تأمل، و وجهه انه لا دليل على وجوب دفع الضرر النفسي عن الغير بمثل الزنا.

(أقول) لو كان ارتكاب محرم آخر كالزنا مقدمة لدفع الضرر النفسي عن مؤمن كما هو الفرض، فان لم يحرز أهمية وجوب الإنقاذ، بأن احتمل الأهمية في كل منهما، كان إطلاق دليل حرمة تلك المقدمة حاكما على ما دل على وجوب إنقاذ النفس المحترمة، حيث أنه بإطلاق دليل حرمتها يثبت عدم التمكن من الإنقاذ. و أما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 274

و ان كان متعلقا بالمال (1) و ان كان متعلقا بالعرض (2)

[الثالث ذكر بعض مشايخنا المعاصرين أنه يظهر من الأصحاب أن في اعتبار عدم القدرة على التفصي من المكره عليه و عدمه]

الثالث ذكر بعض مشايخنا (3).

______________________________

إذا أحرز الأهمية لأنقاذها، أو احتمل الأهمية له لا للمحرم الآخر تعين الإنقاذ، للعلم بسقوط الإطلاق عن خطاب حرمة المقدمة كما لا يخفى.

(1) عطف على قوله ان كان متعلقا بالنفس، أي إذا كان الدفع عن بعض المؤمنين دفعا للضرر المالي عنهم، فلا يجوز هذا الدفع بالإضرار بالغير حتى بالمال اليسير، فان ارتفاع حرمة الإضرار بالغير يحتاج الى رافع، و هو غير موجود فإنه لا يكون المورد من موارد الاضطرار أو إكراه، باعتبار عدم توجه الضرر الى الشخص أو الى من يتعلق به على الفرض.

(2) عطف على قوله ان كان متعلقا بالنفس بمعنى أنه إذا كان الضرر المدفوع عن بعض المؤمنين هو الضرر العرضي، ففي جواز دفعه بالإضرار به أو مؤمن آخر مالا أو بالعرض الأخف تأمل، و لكن دفعه بالإضرار بالنفس أو بالعرض الأعظم غير جائز بلا تأمل.

(3) يجوز قبول الولاية مع الإكراه، و كذا يباح معه ما يلازمها من سائر المحرمات على تفصيل قد تقدم في

الأمر السابق، و لا يتحقق الإكراه إلا مع خوف الضرر في مخالفة المكره بالكسر، و إذا أمكن مخالفة أمره واقعا بلا خوف ضرر فيها، لما كان في البين إكراه، و يعبر عن ذلك بإمكان التفصي، و العجز عنه بهذا المعنى مقوم لعنوان الإكراه، و ليس شرطا زائدا على تحققه، و على ذلك فلا فرق بين قبول الولاية و فعل سائر المحرمات في عدم ارتفاع حرمتهما مع إمكان التفصي.

نعم إذا فرض من قبولها نفع المؤمنين و الدفع عنهم، جاز قبولها، لان ذلك بنفسه موجب لجواز الدخول في الولايات، و لكن في إباحة سائر المحرمات و عدمها تفصيل قد مر و لا حاجة الى إعادته.

قال في الشرائع: (إذا أكرهه الجائر على الولاية، جاز له الدخول و العمل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 275

..........

______________________________

بما يأمره مع عدم القدرة على التفصي منه، الا الدماء المحترمة، فإنه لا تقية فيها) و الظاهر ان فرض الإكراه شرط في جواز الدخول في الولاية، و عدم القدرة على التقضي شرط في جواز العمل بما يأمره الجائر، و أن المراد بالإكراه و عدم إمكان التقضي واحد كما فهمه المصنف (ره).

و ذكر في المسالك في شرح العبارة ان المستفاد منها أمران: (أحدهما)- اعتبار الإكراه (ثانيهما)- عدم إمكان التفصي، و موردهما مختلف، فان مورد اعتبار الإكراه قبول الولاية، و مورد عدم إمكان التفصي سائر المحرمات. ثم أورد على العبارة بأنه لا وجه لاعتبار عدم إمكان التفصي أصلا، بل المعتبر تحقق الإكراه بالإضافة إلى سائر المحرمات. و أما قبول الولاية فلا يعتبر في جوازه حتى الإكراه.

(أقول الموجب لجواز قبول الولاية من قبل الجائر أمران: إيصال النفع إلى المؤمنين و الإكراه، و إذا فرض

انتفاء الأول تعين اعتبار الإكراه، فلا وجه لما ذكره من عدم اعتبار الإكراه في جواز قبولها، و كأنه (ره) توهم أن مراد المحقق من عدم القدرة على التفصي هو انتفاء القدرة و الاختيار رأسا المعبر عنه بالإلجاء فذكر أن هذا أخص من الإكراه، و لا يعتبر في ارتفاع الحرمة عن المحرمات أصلا و قد توهمه ايضا صاحب الجواهر الذي نسب الخلاف فيه الى الأصحاب، و أن لهم في اعتباره ثلاثة أقوال و الشاهد لذلك ما ذكره أخيرا من أنه على القول باعتبار عدم إمكان التفصي لو توقف المخالفة على بذل مال كثير لزم البذل، ثم قال:

(و هو أحوط بل أقرب) و وجه الشهادة أن وجوب البذل على ذلك القول لا يتم إلا إذا أريد بعدم إمكان التفصي الإلجاء و عدم القدرة على الترك أصلا.

ثم لا يخفى أنه لو قيل بجواز الدخول في الولاية من الجائر للضرورة أى لتأمين المعاش لنفسه و عياله، فهو فيما إذا لم يكن الدخول فيما ملازما لارتكاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 276

[الرابع قبول الولاية مع الضرر]

الرابع قبول الولاية مع الضرر المالي (1)

[الخامس لا يباح بالإكراه قتل المؤمن]

الخامس لا يباح بالإكراه (2)

______________________________

محرم آخر، بأن كان عاملا له في عمل مباح، و الا فلا موجب لارتفاع حرمة ذلك العمل الآخر فتدبر.

(1) ذكر (ره) أن قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضر بالحال جائز بمعنى الإباحة لا بمعنى الوجوب، فإنه يجوز للإنسان تحمل ذلك الضرر، فان الناس مسلطون على أموالهم.

(أقول) تقييد الرخصة في كلامه بالضرر المالي الذي لا يضر بالحال مقتضاه وجوب قبول الولاية مع الخوف من الضرر المضر بالحال، و هذا لا يمكن المساعدة عليه، فان الناس مسلطون على أموالهم.

(لا يقال) انه لا يجوز تمكين الجائر من المال، سواء كان قليلا أو كثيرا فإن أخذه المال باعتبار كونه غصبا و عدوانا على الغير محرم، و لذا يجب عليه رد ذلك المال، و يكون تلفه عليه، و إذا كان وضعه اليد على المال محرما، يكون تحمل المكره بالفتح الضرر المالي اعانة له على ظلمه (فإنه يقال) نعم تسليم المكره بالفتح المال اليه اختيارا غير جائز كما ذكر، و أما إتلافه أمواله قبل وصول الجائر إليها حتى لا يكون له مال فغير لازم، لما ذكرنا سابقا في بحث الإعانة على الحرام أن التجارة و نحوها ليستا من قبيل الإعانة على أخذ العاشر. و اما الفرار عن الجائر فيما إذا أراد قتله فهو باعتبار وجوب التحفظ على النفس من الهلاك، و هذا التحفظ غير واجب بالإضافة إلى الأموال كما لا يخفى، بل قبول الولاية- مع عدم المضر بالحال و كذا ارتكاب محرم آخر مع كونه يسيرا يتعارف تحمله- مشكل فان مثل هذا الضرر لا يكون موجبا لارتفاع التكليف بقاعدة نفى الضرر أو حديث الرفع.

(2) ذكر (ره) في هذا

الأمر أن الإكراه على قتل مؤمن لا يكون موجبا لجواز قتله، حتى فيما إذا كان الضرر المخوف على نفسه هو القتل، بلا خلاف ظاهر، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 277

..........

______________________________

مقتضى حديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج و ان كان هو الجواز، و كون الإكراه على قتل مؤمن مثل الإكراه على سائر المحرمات، الا أن النص الصحيح قد دل على عدم مشروعية التقية بإراقة دم الغير، و ذلك النص بالإضافة إلى حديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج من قبيل الخاص الى العام، حيث لا يحتمل عدم جواز قتل المؤمن للتقية و جوازه في مقام الإكراه عليه.

(أقول) قد ذكرنا أنه لا يجري في مثل المقام لا حديث رفع الإكراه و لا قاعدة نفى الحرج أو نفى الضرر، لان تجويز الإضرار بالغير مالا أو عرضا أو نفسا خلاف الامتنان على ذلك الغير. و أما نفى مشروعية التقية بإراقة الدم ففي روايتين (إحداهما) صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام (انما شرعت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فلا تقية) «1» و (ثانيتهما) موثقة أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام: «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقية الدم فلا تقية» «2» و يطلق التقية على ستر الإنسان مذهبه للتحفظ على نفسه أو غيره من إضرار المعتدى مالا أو نفسا، و يطلق على ستر مذهبه تحفظا على نفسه أو غيره من خصوص ضرر القتل. و المراد بالتقية في الروايتين هو الثاني، و مدلولها أنه لا يشرع التحفظ على نفسه أو نفس غيره بإراقة دم مؤمن، و لكن لا بأس به بفعل سائر المحرمات.

و ذكر الإيرواني (ره) (أن

التقية عبارة عن تحفظ المتقى بالكسر على دمه و مفاد الروايتين أمر ارتكازي، و هو أنه إذا لم تثمر التقية في حفظ دم المتقى بالكسر بأن علم أنه يراق على كل تقدير فلا تقية بل لا بد من إظهار الحق و الواقع قولا أو فعلا) و أجاب السيد الخوئي طال بقاه بأن لهذا الاحتمال مجالا في الصحيحة و أما الموثقة فالمذكور فيها بلوغ التقية يعني التحفظ على نفسه من التلف إلى اراقة

______________________________

(1) رواهما في الوسائل في الباب: (31) من أبواب الأمر بالمعروف

(2) رواهما في الوسائل في الباب: (31) من أبواب الأمر بالمعروف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 278

و لو كان المؤمن مستحقا لحد (1) مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف (2).

______________________________

الدم، فيكون المراد اراقة دم الغير لا محالة.

(أقول) لا مجال لذلك الاحتمال حتى في الصحيحة، لأنه لو كان المراد البلوغ الى دم المتقى بالكسر لكان قوله عليه السلام فلا تقية من قبيل السماء فوقنا من توضيح الواضح، بخلاف ما كان المراد به دم غيره، فإنه يكون من الحكم التعبدي و بعبارة أخرى الظاهر اتحاد الروايتين في المفاد.

(1) بناء على أن اجراء الحدود من وظيفة الحاكم يكون قتل سائر الناس نظير قتل غير أولياء المقتول، إلا إذا أذن لهم الحاكم أو كان الحد نظير حد سب النبي (ص) أو الإمام عليه السلام مما يجوز لكل مكلف القيام به.

(2) لازم ما ذكره (ره) جواز قتل المخالف فيما إذا أكره عليه، و لو كان الضرر المخوف على تركه الضرر المالي غير المضر بالحال، لان مقتضى حديث رفع الإكراه جواز الإضرار بالغير و لو بالقتل. و المفروض عدم دلالة الروايتين بالإضافة

إلى المخالف. و لا أظن التزامه (ره) أو التزام غيره بجواز قتله في الفرض. نعم ذكر في آخر كلامه أن حكم كل دم غير محترم بالذات حكم سائر المحرمات، و المراد أن لا يكون فيه الاحترام الثابت لدم المؤمن.

و الحاصل أنه بناء على ما ذكرنا من عدم شمول دليل رفع الإكراه أو الضرر للموارد التي يكون الرفع فيها مخالفا للامتنان على الأمة، يحكم في الفرض بعدم الجواز، و لكن لا يرتبط ذلك بالناصب و الكافر ممن لا حرمة لدمه أصلا، أو ليس له احترام دم المسلم كالذمي. و لو توقف التحفظ على دم مؤمن على اراقة دم المخالف كان المقام من موارد التزاحم بين وجوب احياء النفس و حرمة القتل. و ربما يقال بعدم التفصيل في الدماء، لان المسلمين متكافئون في الدم، كما يدل على ذلك مثل صحيحة عبد اللّه بن ابى يعفور عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «قال رسول اللّه (ص)- حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 279

..........

______________________________

خطب الناس في مسجد الخيف- نضر اللّه عبدا سمع مقالتي فوعاها- الى ان قال-:

و المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمتهم أدناهم» «1» و دعوى اختصاصها بموارد القصاص- كما عن السيد الخوئي طال بقاه- يدفعها ملاحظتها، فإنه ليس في صدرها أو ذيلها ما يشير الى فرض القصاص.

و كيف كان فلو لم يتعين قتل المخالف و احياء المؤمن فلا يبعد جواز ذلك كما هو مقتضى عدم احتمال الأهمية في ترك قتل المخالف. اللّهمّ إلا أن يقال لا دليل في الفرض على وجوب احياء نفس المؤمن، بل مقتضى إطلاق الآية حرمة قتل المسلم و اراقة دمه. و قد مر أنه مع احتمال عدم الجواز

في ناحية المقدمة يكون إطلاق دليل حرمتها حاكما على وجوب ذيها و يمكن ان يكون الدليل عليه النهى عن الإيقاع في التهلكة.

(لا يقال): إن مقتضى قوله (ع) (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم) جواز ارتكاب كل محرم بالتقية إلا إراقة دم المؤمن، فأراقه دم المخالف باقية في المستثنى منه (فإنه يقال): المراد بالتقية في مثل الروايتين التقية عن المخالفين، كما يجده من راجع الأخبار الواردة في مشروعيتها و لزوم رعايتها، و لا يتصور رعاية هذه التقية بإراقة دم المخالف ليقال بأن مقتضى الروايتين جوازها. و إذا جاز عم الجواز صورة الإكراه أيضا باعتبار عدم احتمال الفرق بين صورتي الإكراه و التقية كما لا يخفى.

ثم إن ظاهر قوله (ع) في الروايتين: (ليحقن بها الدم) الدم المبقي للحياة، فلا يعم المستثنى ما إذا توقفت التقية أى التحفظ على الدم المبقي لحياة مؤمن على الإضرار بمؤمن آخر بإيراد النقص على أعضائه، بل يكون هذا الإضرار داخلا في المستثنى منه، فيحكم بجوازه للتقية. و إذا جاز عند التقية جاز عند الإكراه أيضا، باعتبار عدم احتمال الفرق بين صورتي الإكراه و التقية. و بهذا يظهر الحال فيما إذا توقفت التقية أى التحفظ على الدم المبقي على الإضرار بمؤمن آخر عرضا أو مالا،

______________________________

(1) الكافي المجلد الأول: الصفحة (403) الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 280

[هجاء المؤمن حرام]

هجاء المؤمن حرام (1)

______________________________

فإنه جائز بمقتضى عموم الروايتين، لجواز التقية لحقن الدم، و إذا جاز هذا الإضرار بالتقية جاز عند الإكراه عليه ايضا، باعتبار عدم احتمال الفرق بين الصورتين كما ذكرنا. و على الجملة فالحكم- بجواز الإضرار بالمؤمن أو غيره مالا أو عرضا أو في بدنه عند الإكراه عليه- يستفاد من الروايتين

بضم ما ذكرنا من عدم احتمال الفرق بين صورتي التقية و الإكراه، لا من حديث رفع الإكراه أو دليل نفى الحرج أو نفى الضرر ليقال أنها لا تشمل صورة عدم كون الرفع امتنانيا. و اللّه سبحانه هو العالم.

ثم إن المصنف (ره) جعل للبحث عن قبول ولاية الجائر خاتمة ذكر فيها ما رواه الشهيد الثاني (ره) في رسالته المسماة بكشف الريبة عن أحكام الغيبة، بإسناده عن الشيخ الطوسي عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد بن عيسى عن أبيه محمد بن عيسى الأشعري عن عبد اللّه بن سليمان النوفلي، و الرواية متضمنة لقصة على عليه السلام و تجسم الدنيا له، فلا بد من حمل ذلك على كونه بعد وفاة النبي صلى اللّه عليه و آله و قبل أخذ فدك من فاطمة سلام اللّه عليها مع أن عبد اللّه بن سليمان النوفلي مجهول فراجع.

(1) الهجاء ككساء الشتم بالشعر، كما عن بعض، و تعداد معايب قوم و ذكر معايبهم، كما عن بعض آخر. و يظهر من المصنف (ره) أن هجاء المؤمن ليس بعنوانه من المحرمات، بل حرمته باعتبار كونه همزا أو لمزا و أكل لحم و تعييرا و اذاعة سر، و لا يبعد اتحاد عنوان الهمز أو اللمز مع التعيير، و اتحاد أكل لحمه مع اذاعة سره، و ربما ينطبق عليه عنوان البهتان، بناء على أن الهجاء ضد المدح فيعم ذكر المعايب الموجودة في الشخص و التي ليست فيه، فيكون ذكرها بهتانا.

و الحاصل أنه تختلف الموارد، ففي بعضها ينطبق على الهجاء بعض العناوين المشار إليها، و في بعضها الآخر ينطبق عليه بعضها الآخر، و لو كان

ذكر شخص بعيب ظاهر للإهانة و الاستخفاف أ نطبق عليه عنوان التعيير لا عنوان الغيبة، و هكذا. و احترز بالمؤمن عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 281

[الهجر]

الهجر بالضم و هو الفحش (1)

______________________________

المخالف فإنه قد تقدم في البحث عن حرمة الغيبة أن جواز اغتيابه باعتبار كونه ممن القى جلباب الحياء لتظاهره بالفسق بإنكاره قولا و عملا ما هو عماد الدين، و أهم أركانه يعنى ولاية أهل البيت سلام اللّه عليهم. و لا يبعد جواز هجوه ايضا، فيما إذا كان قاصرا، فإنه على ما تقدم من الفاسق المبدع.

و يظهر من المصنف (ره) أنه يقتصر في هجو الفاسق المبدع بذكر المعايب الموجودة فيه. و حمل ما ورد من قوله (ع): «باهتوهم لكيلا يطمعوا في اضلالكم» على سوء الظن بهم و اتهامهم بما يحرم اتهام المؤمن به، بأن يقال: لعله سارق أو زان و لا يخفى ما فيه، فان هذا بالإضافة إلى دليل حرمة الكذب من الخاص أو المقيد بالإضافة إلى العام أو المطلق، فيرفع اليد عنهما بالقرينة على التقييد أو التخصيص أضف الى ذلك أن جواز هذا الكذب مستفاد من فحوى ما دل على جواز الحلف كاذبا لدفع ضرر المعتدى عن مال أخيه المؤمن، حيث ان ضرر المعتدى على دينه اولى بالدفع منه.

(1) الهجر بضم الهاء هو الفحش، و يظهر من المصنف (ره) أن البذاء بفتح الباء مرادف له، حيث استدل على حرمة الفحش بصحيحة ابى عبيدة عن ابى عبد اللّه (ع) قال: «البذاء من الجفاء و الجفاء في النار» «1» و يظهر من صاحب الوسائل (ره) أنه غير الفحش، حيث جعل لحرمة الفحش بابا و لحرمة البذاء بابا آخر، و كأن البذاء

عنده عدم مبالاة الشخص بما يقول أو يقال فيه، و الفحش هو ذكر نفسه أو غيره ببعض الأفعال التي يقبح ذكرها، كقوله: يا ديوث و يا زاني و نحوهما. و تؤيد ذلك الروايات التي وصف الفحاش فيها بكونه بذيا، و في رواية سليم بن قيس: «أن اللّه حرم الجنة على كل فحاش بذي ء قليل الحياء لا يبالي ما قال و ما قيل له» «2» و كيف كان فلا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (72) من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه- الحديث: (3)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (72) من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 282

[النوع الخامس مما يحرم الاكتساب به ما يجب على الإنسان]

الخامس مما يحرم الاكتساب به ما يجب على الإنسان (1)

______________________________

إشكال في حرمة الفحش و عدم مبالاة الشخص في قوله، و لكن كونها بمرتبة ما في رواية سليم و نحوها لم تثبت. و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) المنسوب إلى الشهرة عدم جواز الأجرة على العمل الواجب، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه، قال في الشرائع: (الخامس)- مما يحرم الاكتساب به ما يجب على الإنسان، كتغسيل الموتى و تكفينهم و تدفينهم و نسب في المسالك هذا المنع إلى الشهرة. و الظاهر أن مراده شهرة حرمة الاكتساب بتجهيز الموتى، حيث جواز السيد (ره) أخذ الأجرة عليه بدعوى أن التجهيز تكليف على الولي، و لا يجب على غيره.

و الحاصل أن المنع عن أخذ الأجرة على التجهيز مبنى على مسلك المشهور القائلين بتوجه التكليف به الى عامة المكلفين، لا أن دعوى الشهرة راجعة إلى أصل مسألة عدم جواز الاكتساب بالعمل الواجب، لتكون مشعرة بالخلاف فيها.

ثم إن مورد الكلام في المقام ما إذا

كانت في الواجب منفعة عائدة إلى باذل الأجرة، كما لو كان كفائيا و أراد سقوطه منه كتعليم صيغة النكاح أو إلقائها على طرفي النكاح، فان تعليمها كإلقائها على طرفيه من الواجب الكفائي، و باعتبار انتفاع باذل الأجرة تخرج المعاملة عن عنوان أكل المال بالباطل.

و بعبارة أخرى الكلام في المقام فيما إذا اجتمع الشرائط المعتبرة في الاستيجار.

و يقع البحث في أن وجوب عمل على المكلف مانع عن جواز أخذه الأجرة عليه من المنتفع بذلك العمل أم لا، فمثل صلاة الظهر لا يجوز أخذ الأجرة عليها، لا لوجوبها، بل لأن أخذ الأجرة عليها من أكل المال بالباطل.

و يستدل على عدم الجواز بأمور (الأول)- منافاة أخذ الأجرة للإخلاص المعتبر في العبادة، و لكن هذا لا يثبت المدعى، لاقتضائه عدم جواز أخذ الأجرة على العبادة و لو مع ندبها، و جواز أخذ الأجرة على غيرها و لو كان واجبا. و أجيب أيضا عنه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 283

..........

______________________________

بأن تعدد الوجوب المتعلق أحدهما بالفعل ابتداء و الثاني بعنوان الوفاء بالعقد يؤكد الإخلاص، و لا ينافيه.

و أورد المصنف (ره) على هذا الجواب بان لازمه التفصيل في أخذ العوض على العمل، فيجوز بعنوان الإجارة، و لا يجوز بعنوان الجعالة، فإنه بالاستيجار يجب العمل على الأجير وفاء بالمعاملة، فيتضاعف وجوبه، فيتأكد الإخلاص، بخلاف الجعالة، فإنه لا يجب فيها العمل، فيكون العوض بها منافيا للإخلاص المعتبر.

(أقول): لا مجال لهذا الإيراد، فإنه إذا فرض أن تضاعف الوجوب و لو بعنوان الوفاء بالمعاملة يؤكد الإخلاص، فلازمه عدم منافاة أخذ العوض على العمل للإخلاص المعتبر فيه، فيكون أخذه بعنوان الجعالة أيضا جائزا. غاية الأمر أنه لا يكون في فرضها تأكد الإخلاص باعتبار عدم

وجوب الوفاء بالجعالة.

و أورد (ره) على الجواب (ثانيا) بأنه إن أريد ان تضاعف الوجوب يوجب تأكد اشتراط العبادة بقصد القربة فهو غير صحيح، لان وجوب الوفاء بالمعاملة توصلي فكيف يوجب تأكد اشتراط قصد القربة في العمل، و إن أريد أن قصد القربة من المكلف مع تعدد الوجوب في الفعل، و لو مع الاختلاف في التوصلية و التعبدية يكون آكد، فهو خلاف الوجدان، فإنه شاهد بان العمل الذي لا يترتب عليه الأجرة من الغير، بل يصدر عن المكلف مجانا يكون القربة فيه أخلص.

و أورد عليه (ثالثا) بأن وجوب الوفاء بالمعاملة و إن كان توصليا يسقط بالإتيان بذات العمل، إلا أن الثواب على موافقة هذا الوجوب موقوف على قصد القربة الحاصل بالعمل بما أنه ملك للغير، و يستحقه عليه، و قصد القربة في الوجوب التعبدي المتعلق به ابتداء هو العمل بما أنه حق للّه تعالى، فلا يجتمع قصد القربة في الوجوب التعبدي مع قصد الامتثال الى وجوب الوفاء بالمعاملة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 284

و أما تأتي قصد القربة (1)

______________________________

(أقول): هذا الإيراد أيضا غير صحيح، و ذلك فان مجرد العمل- بقصد أنه ملك الغير و يستحقه عليه ذلك الغير- لا يصحح الإخلاص المعتبر في استحقاق الثواب، بل لا بد من كون العمل المعنون بالعنوان المزبور بداعي أمر الشارع بالوفاء و تسليم العمل، فيستحق الثواب على هذا الفرض، و لا يعم تسليم ملك الغير إليه بسائر أغراضه الدنيوية. و يوضح ما ذكرنا ما إذا ندم الأجير بحيث لو لا أمر الشارع بالوفاء بالعقد لم يعمل، و يترك للطرف الأجرة، و لكن دعاه الى العمل مع هذا الندم خوفه من مخالفة أمر الشارع بتسليم ملك الغير.

و مع تسليم ملك الغير اليه بالعمل كذلك تحصل القربة المعتبرة في العبادة، فأين المنافاة بين القربتين.

(1) أخذ (ره) في تقريب إمكان قصد القربة في العبادات المستأجر عليها، و أن جواز أخذ الأجرة على النيابة فيها لا يلازم جواز أخذها على نفس العبادات. و ذكر ما حاصله: أن الصادر- في موارد تلك العبادات عن المكلف- أمران (أحدهما)- النيابة أي تنزيل الأجير نفسه منزلة المنوب عنه (ثانيهما) عمله العبادي، و يكون أخذ الأجرة على الأول- حيث أنه مستحب نفسي توصلي، باعتبار كونه إحسانا إلى المنوب عنه.

(أقول): إن أراد (ره) ان تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه فعل خارجي، و الصلاة مثلا فعل آخر و لا يرتبط أحدهما بالآخر أصلا، و أن الإجارة في موارد الاستيجار على العبادة تقع على الأول، فيرده أن لازم ذلك فراغ ذمة الأجير و استحقاقه المطالبة بالأجرة بمجرد قصده النيابة أي اعتبار نفسه منزلة المنوب عنه.

(لا يقال): تنزيل نفسه منزلته و إن يكون مورد الإجارة إلا أن الفعل المفروض كونها عبادة مأخوذ في متعلق الإجارة بنحو القيدية، فتكون الصلاة مثلا خارجة عن متعلق الإجارة، و لكن تقيد النيابة بكونها فيها داخل فيه، و على ذلك فلزوم الإتيان بالصلاة و عدم فراغ ذمة الأجير بدونها باعتبار توقف متعلق الإجارة عليها (فإنه يقال) قد تقرر في محله أن الداعي إلى الإتيان بالمقدمة واقعا يكون هو الداعي إلى ذيها،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 285

فان قلت يمكن للأجير (1)

______________________________

و الصلاة- على ما ذكر مقدمة- لمتعلق الإجارة، فيكون الداعي إلى المتعلق و هو استحقاق الأجرة داعيا إلى الصلاة أيضا فهذه هي المنافاة الموهومة.

و إن أراد أن الموجود خارجا شي ء واحد، غاية الأمر ان فيه

جهتان و عنوانان (أحدهما) متعلق الإجارة و لم يؤخذ فيه قصد القربة (ثانيهما) ما أخذ فيه قصدها، و لكن لم تتعلق به الإجارة، كما يظهر ذلك من قوله فيما بعد: (فان قلت): الموجود خارجا من الأجير ليس إلا الصلاة) فلا يمكن المساعدة عليه أما (أولا) فلا ان الاستيجار على العبادة صحيح حتى فيما إذا لم يقصد الأجير النيابة بالمعنى المتقدم، كمن يقضى ما على الميت و يأتي بالعبادة إفراغا لذمته، و ان شئت قلت قضاء ما على ذمة الغير من العبادة كقضاء ما على ذمته من الدين، و كما أن أداء دينه لا يتوقف على قصد النيابة عنه، كذلك أداء ما على ذمته من العبادة و أما (ثانيا): فلان تعدد العنوان مع الاتحاد بحسب الوجوب لا يفيد في رفع المنافاة الموهومة بين أخذ الأجرة على العمل و الإخلاص فيه، و ذلك فان المطلوب في العبادات و الغرض منها لا يحصل الا بكون الداعي إلى إيجادها أمر الشارع و طلبه، فلا بد من تحقق العبادة بداعي أمر الشارع بها، و إذا فرض الاتحاد خارجا فكيف يكون ذلك الوجود مع أخذ الأجرة عليه بداعي القربة.

(1) و هذا جواب آخر عن الاستدلال على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات، باعتبار أن أخذها مناف لقصد التقرب المعتبر في العبادة. و حاصل الجواب عدم المنافاة بينهما، فإنه يمكن أن يكون داعي المكلف إلى العبادة أمر الشارع بها، بحيث لو لا أمر الشارع و طلبه لم يأت بها، حتى مع بذل الأجرة عليها، و إذا فرض الإتيان بها كذلك يحصل قصد التقرب و يستحق الأجرة عليها، فأين المنافاة.

و ناقش (ره) في هذا الجواب بقوله: (قلت: الكلام في أن مورد الإجارة) و

حاصله أنه يعتبر في صحة الإجارة- أي في دخول الأجرة في ملك الأجير بإزاء العمل المستأجر عليه- أن يكون العمل بحيث يمكن للأجير الإتيان به بداعي أنه ملك المستأجر،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 286

فإن قلت يمكن ان يكون (1)

______________________________

فان العمل كذلك تسليم لذلك العمل اليه، و لا يتحقق هذا الشرط فيما استوجر على العبادة، لأن الصلاة على ميت مثلا بداعي أنها ملك لباذل الأجرة لا تجتمع مع الإتيان بها بداعي أمر الشارع بها.

(أقول): ليس في البين ما يقتضي هذا الاعتبار في نفس الإجارة، بل القصد المزبور دخيل في حصول عنوان الوفاء بالمعاملة، و لكن لا بخصوصه، بل بنحو يعم كون قصد الوفاء بها داعيا أو توصيفا للعمل، بأن يقصد الأجير العمل المملوك للغير، و يأتي به بداع آخر. و بعبارة أخرى لا يلزم ان يكون قصد الوفاء بالمعاملة محركا نحو العمل، بل يكفى كونه بنحو التوصيف، و على ذلك فيمكن للمكلف قصد العمل المملوك للغير بداعي أمر الشارع بذلك العمل ابتداء. نعم لقائل أن يقول أن مع فرض حصول الشي ء بدون الإجارة- كما هو مقتضى عمل المكلف بداعي الأمر به ابتداء- يكون أخذ العوض عليه من أكل المال بالباطل، باعتبار عدم غرض عقلائي في أخذه و إعطائه، و هذا غير دعوى منافاة أخذ العوض مع التقرب كما لا يخفى، و سيأتي التعرض لذلك إن شاء اللّه تعالى.

(1) و هذا ايضا جواب عن الاستدلال المتقدم أي منافاة أخذ الأجرة على العمل للإخلاص المعتبر فيه. و تقريره أن قصد الأجرة على العمل كقصد التخلص من الفقر أو المرض في بعض العبادات، فإنه كما يكون في مثل ذلك غرضه من عمله هو التقرب الى

اللّه سبحانه، و غرضه من تقربه اليه سبحانه بعمله هو الوصول إلى الغني أو الشفاء أو غير ذلك من المقاصد الدنيوية، كذلك يكون في المقام غرضه من عمله التقرب الى اللّه سبحانه، و غرضه من تقربه اليه بالعمل المفروض الوصول إلى الأجرة المقررة في المعاملة.

و الحاصل أن استحقاق مطالبة الأجرة من قبيل الداعي إلى الداعي، أى غرض الغرض، كما كان الغني أو الشفاء كذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 287

..........

______________________________

و أورد (ره) على هذا الجواب بالفرق بين المقامين، و أن سائر المقاصد الدنيوية المترتبة على بعض العبادات أحيانا لا تنافي القربة المعتبرة في العبادة، باعتبار أن طلبها من اللّه تعالى في نفسه محبوب له سبحانه، بخلاف طلب الأجرة عن الغير، فإنه لا يلائم قصد القربة في العمل، بل ينافيه كما مر. و بهذا يظهر أن عبادة جل الخلائق للّه سبحانه تخلصا من عذاب الآخرة أو وصولا إلى الجنة لا تنافي قصد القربة فيها، فان قصد التخلص من عذاب الجحيم أو الوصول إلى الجنة من قبيل الداعي غير المنافي للقربة، و كل ذلك مطلوب للّه سبحانه.

(أقول) إيراده (ره) غير تام، فان غرض الأجير من تقربه الى اللّه سبحانه بعمله هو استحقاق أخذ الأجرة في حكم الشارع، لا مجرد أخذ المال. و المنافي لقصد القربة في العمل هو الثاني دون الأول، و لذا يأتي بالعمل في غياب المستأجر، و بعد أخذه الأجرة منه خوفا من عذاب ربه و حسابه في حقوق الناس. و المقام يشبه بيع الإنسان داره في مورد الاضطرار، فإنه يقصد بيعها حقيقة لغاية الوصول الى غرضه الأصلي أي التمكن من قضاء حاجته.

فتحصل مما ذكرنا أنه لا منافاة بين العمل للآخر بالاستيجار،

و بين قصد القربة في ذلك العمل، سواء كان واجبا تعبديا أو مستحبا كذلك، و أن تحسين المصنف (ره) الاستدلال على عدم جواز أخذ الأجرة بالمنافاة بين قصد القربة و بين الأخذ المزبور غير صحيح، بل بناء على ما ذكرناه في الأصول من أن قصد التقرب المعتبر في العبادة ليس خصوص الفعل بداعي الأمر المتعلق به، بل مطلق اضافة العمل الى اللّه سبحانه، فتكون الصلاة على ميت بداعي الاستحقاق الأجرة المقررة بإزائها شرعا عبادة، لحصول القربة المعتبرة فيها بفرض الداعي، و هو استحقاق الأجرة شرعا، و على ذلك فلو لم يلتفت الأجير إلى استحباب الصوم أو الصلاة عن الميت، بل صام أو صلى بغرض استحقاقه شرعا الأجرة المقررة لهما، حكم بصحة عمله و وقوعها عبادة، بلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 288

نعم قد استدل على المطلب بعض الأساطين (1)

______________________________

حاجة الى حديث الداعي إلى الداعي ليقال أنه لا يجري في صورة الغفلة عن استحباب نفس العمل أو وجوبه كما لا يخفى.

(1) استدل على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب بوجه آخر، و هو المنافاة بين وجوب العمل ابتداء و تمليكه للآخر بالإجارة و نحوها، بدعوى أن إيجاب الشارع الفعل على مكلف بمعنى تمليك ذلك الفعل للّه تعالى، فيما إذا كان من قبيل حقوق اللّه، و بمعنى تمليكه للغير فيما إذا كان من حقوق الناس، بأن يكون ذلك العمل ملكا لذي الحق، كما في أمر الشارع بتجهيز الميت، فإنه يثبت بذلك للميت حق على الأحياء، و مع الإيجاب كذلك لا يمكن للمكلف تمليك ذلك العمل من آخر بالإجارة و نحوها، فإنه يكون نظير ما إذا آجر نفسه لدفن ميت من شخص، و أراد

إيجار نفسه ثانيا من شخص آخر لدفن ذلك الميت. و هذا الوجه ايضا ضعيف، فإن الإيجاب و ان كان أمرا اعتباريا على الصحيح كالملكية، إلا أن سنخه غير سنخ الملكية في الأموال، فلا يمتنع اجتماعه معها.

و ذكر المصنف (ره) أن هذا الوجه باعتراف الخصم يختص بالواجب العيني.

و أما الكفائي فاستدل على عدم جواز أخذ الأجرة عليه بأن الفعل متعين أى واجب عليه، فلا يدخل في ملك آخر، و بأن المستأجر لا ينتفع بالعمل الذي يملكه أو يستحقه غيره بإيجاب الشارع، فإنه بمنزلة أن يقول للأجير استأجرتك لغاية أن أتملك منفعتك المملوكة لك، كما في الواجب من حق اللّه أو لغيرك كما في الواجب من حق الناس انتهى.

(أقول) هذا بعينه هو الوجه السابق، و لم يظهر الفرق بينهما، كما أنه لم يظهر وجه اعتراف المستدل باختصاص ما ذكره أولا بالواجب العيني. نعم يظهر من السابق أن مرجع إيجاب الشارع العمل الذي ليس من حقوق الناس الى كون ذلك العمل مملوكا للّه سبحانه، و في حقوق الناس مرجعه الى كونه مملوكا لذلك الغير، و ذكر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 289

عد الإجماع الذي لم يصرح به الا المحقق الثاني (1) فالذي ينساق اليه النظر (2)

______________________________

في الكفائي أن إيجاب الشارع بمنزلة كون ذلك العمل مملوكا لنفس الأجير أو غيره، و لذا أورد المصنف (ره) على الأخير بأن العمل بعد وقوع الإجارة عليه لا يكون ملكا لنفس الأجير، بل يدخل في ملك المستأجر إلى آخر ما ذكره. و الحاصل أن هذا الفرق ايضا بلا موجب كما لا يخفى.

(1) الأمر الثالث- في عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات- دعوى الإجماع، فهو على تقدير تحققه غير صالح

للاعتماد، فضلا عن عدم ثبوته، و ذلك لاحتمال كون مدركهم في عدم الجواز الأمرين المتقدمين أو غيرهما مما لم يتم شي ء منها عندنا.

و ذكر النائيني (ره) في المقام وجها رابعا لعدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات و ان كانت توصلية، و هو أن من شرط الإجارة أن يكون متعلقها مقدورا يمكن للمكلف فعله و تركه، و مع إيجاب الفعل لا يمكن له تركه، حيث ان الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي.

و فيه أن الدخيل في تمامية الإجارة تمكن المكلف من تسليم العمل الذي هو مورد الإجارة، لا التمكن بمعنى آخر، و إيجاب الفعل لا ينافي هذا التمكن، و لذا لو وقع شرطا في ضمن عقد لازم صح و ترتب عليه أثره. نعم مع التحريم لا يمكن تسليمه، فلا يعمه مثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حيث لا يمكن الأمر بالوفاء بالإجارة مع النهى عن الفعل كما لا يخفى.

(2) ذكر (ره) (أولا) انه لا ملازمة بين صحة الإجارة و صحة العمل أى كونه مسقطا للتكليف، و (ثانيا) أن في جواز أخذ الأجرة على الواجبات تفصيلا.

و حاصل كلامه (أولا)- انه ربما تكون الإجارة صحيحة مع حصول الامتثال كما إذا كان الواجب تعبديا كتغسيل الميت، و قيل بعدم منافاة أخذ الأجرة للإخلاص في العمل أو مع سقوط التكليف بالعمل من دون حصول الامتثال، كما في الواجب التوصلي المأخوذ عليه الأجرة، بناء على عدم منافاة وجوب الفعل لأخذ الأجرة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 290

..........

______________________________

عليه، و قد يسقط التكليف عند العمل، من غير أن يكون مصداقا للواجب، كما إذا كان فيه ملاكه من غير تعلق التكليف به لمانع. و ربما تكون الإجارة صحيحة مع بطلان العمل، سواء بقي

التكليف المتعلق به بحاله أو سقط لأمر آخر، كما إذا استأجره للصلاة على ميت بغرض تعلم صلاة الموتى، و قيل بمنافاة أخذ الأجرة للإخلاص المعتبر في العبادة، فإنه إذا صلى على ذلك الميت استحق الأجرة، و لكن يحكم ببطلانها، فتجب الصلاة عليه مع الإخلاص.

و حاصل كلامه (ثانيا)- انه لو كان الواجب عينيا تعيينيا لم يجز أخذ الأجرة عليه، سواء كان توصليا أم تعبديا، فإنه مع وجوب الفعل كذلك يكون المكلف مقهورا عليه من جانب الشارع، فيجبر عليه في صورة امتناعه، فلا تكون لعمله حرمة حتى يصح له أخذ الأجرة. و حاول (ره) دفع ما ربما يمكن أن يذكر في المقام بصورة النقض، و هو تجويز الشارع للوصي و قيم الأطفال أخذ أجرة المثل على عملهما «1» مع أن إنفاذ الوصية أو القيام بمصالح الأيتام واجب عيني تعييني عليهما.

و وجه الدفع أن ذلك التجويز حكم شرعي نظير حكم الشارع للمار بجواز اكله من ثمار الأشجار الواقعة في طريقه، و ليس من قبيل المعاوضة على العمل ليستظهر منها عدم منافاة أخذ الأجرة مع وجوب الفعل على المكلف كما ذكر.

(أقول): إذا فرض أن في فعل المكلف غرضا للآخرين، و أن الواجب عليه هو الفعل مطلقا لا الفعل مجانا و بلا عوض، فلا يكون أخذ العوض و تمليك عمله للغير من الأكل بالباطل، فان الموجب لصدقه أخذ قيد المجانية في متعلق الأمر. و المفروض خلافه. و القهر عليه من باب الأمر بالمعروف لا يوجب سقوط عمله عن المالية، كما أن القهر على بيع ماله في المخمصة لا يوجب سقوطه عنها. نعم إذا كان تعبديا فقد يتبادر الى الذهن منافاة أخذ الأجرة عليه للإخلاص المعتبر فيه، و لكن قد مر

دفعه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (72) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 291

..........

______________________________

و أن مع كون الغرض هو استحقاق الأجرة شرعا يحصل التقرب المعتبر في العبادة.

و ما ورد في جواز أخذ الوصي أو القيم من مال اليتيم كصحيحة هشام «1» مقتضاها عدم منافاة وجوب الفعل تعيينا مع أخذ الأجرة عليه، فان ظاهرها الأخذ بعنوان اجرة المثل لا مجرد تجويز الأكل منه، نظير تجويز الأكل للمار من ثمرة طريقه. نعم قد ذكر الأكل بالمعروف في الآية و الروايات الأخر، و لكن تكون صحيحة هشام حاكمة عليها و محددة لذلك المقدار فراجع.

ثم قال (ره): (و إن كان الواجب تخييريا فمع كونه توصليا، فلا بأس بأخذ الأجرة على خصوص أحد فرديه، لعدم كونه مقهورا عليه، بل مخيرا بينه و بين فرده الآخر، و كذا الحال فيما إذا كان تعبديا، و قلنا بما أن خصوصية الفرد غير مأخوذة في متعلق الأمر فالإتيان بالقدر المشترك بداعي الأمر به لا ينافي أخذ الأجرة على تلك الخصوصية، و يوضح ذلك ملاحظة ما إذا كان المكلف بحيث لا يأتي بالقدر المشترك في ضمن أى فرد و لو اعطى له الأجرة على بعض الافراد، و إنما يكون أمر الشارع بالقدر المشترك داعيا له إلى الإتيان به، و بما أن خصوصية الافراد خارجة عن متعلق الأمر فيأتي بالقدر المشترك في ضمن خصوصية معينة لأخذه الأجرة عليها. و لا يقاس ذلك بالإتيان بخصوصية العمل رياء، حيث أن العمل يبطل حتى فيما إذا كان الرياء في خصوصية ذلك العمل. و وجه عدم القياس ما دل على أنه سبحانه خير شريك لا يقبل عملا يكون له و

لغيره، بل يتركه للغير، و هذا فيما إذا كانت الخصوصية التي أتى بها رياء متحدة مع العمل خارجا، كالصلاة في أول الوقت أو في المسجد، فإنه يحكم ببطلانها حتى فيما إذا كانت أصل الصلاة للّه و اختيار المسجد أو أول الوقت للرياء. و أما إذا كان لها وجود آخر، كما إذا صلى للّه و أتى بتعقيباتها رياء، فلا يوجب ذلك بطلان أصل الصلاة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (72) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 292

ثم انه يفهم من أدلة وجوب الشي ء (1)

______________________________

(أقول): مقتضى هذا الكلام عدم الفرق بين الواجب التخييري الشرعي و بين الواجب التعييني الذي يكون التخيير بين افراده عقليا في أنه يجوز فيها أخذ الأجرة على خصوص بعض الافراد، و تعرض (ره) للواجب الكفائي، و قال لا بأس بأخذ الأجرة عليه مع كونه توصليا، فإنه مع الاستيجار يملك المستأجر ذلك العمل و يستند اليه و يكون عملا له، فيستحق ثوابه و يسقط التكليف عن الأجير و عن غيره، لقيام المستأجر به و لو بغير المباشرة. و من هذا القبيل الاستيجار لتطهير المسجد أو للجهاد و نحوهما. و أما إذا كان الواجب الكفائي تعبديا، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه لا لوجوب الفعل عليه، و إلا لم يجز أخذ الأجرة على التوصلي أيضا بل باعتبار منافاة أخذ الأجرة للإخلاص المعتبر فيه. و ما ذكر- في وجه جوازه أخذ الأجرة على خصوص بعض افراد الواجب التخييري من خروجه عن متعلق الأمر- لا يجري في الكفائي نعم لو كان الواجب الكفائي التعبدي قابلا للنيابة، بأن ينزل الأجير نفسه منزلة الغير، فيأتي بالفعل عن ذلك الغير، فيكون المقام

من قبيل الاستيجار على النيابة في العبادات. و قد تقدم جوازه، و لكن مشروعية النيابة محتاجة إلى دليل خاص، و على تقدير قيامه في مورد يكون خارجا عن محل الكلام. فان الكلام في المقام في جواز العمل عن نفسه، و تمليك ذلك العمل للغير بالإجارة و نحوها، كالخياط تكون خياطته عن نفسه، و لكنها ملك الغير.

و حاصل البحث في المقام أن إيجاب عمل على مكلف يوجب سقوطه عن المالية شرعا، لا يجوز تمليكه للغير بالأجرة أو أن وجوبه عليه لا يوجبه ما لم يجب عليه ذلك العمل مجانا. و في مورد النيابة يأتي العامل بالعمل عن الغير، و مشروعية هذه تحتاج الى دليل. و الا فالأصل عدم احتساب عمله عملا للغير.

(1) بأن يستفاد أن الغير يستحق الفعل عليه بحكم الشارع و إيجابه، ففي مثل ذلك يكون أخذ الأجرة عليه من أكلها بالباطل، فإن إيجاب الفعل كذلك بمعنى إيجابه مجانا و لعله من هذا القبيل تجهيز الميت و إنقاذ الغريق و معالجة الطبيب المرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 293

ثم إن في المقام اشكالا مشهورا (1)

______________________________

المهلك.

(أقول) مجرد استحقاق الغير الفعل لا يقتضي المجانية، حتى لا يجوز أخذ العوض على المعالجة و الإنقاذ و نحوهما، و إلا لم يجز أخذ العوض لمن يطعم الناس في المخمصة، بل يجب عليه بذله مجانا و ذلك لان البذل واجب تعييني لا يقبل أخذ العوض عليه، و الطعام مورد حق للمضطرين، و لذا يجوز لهم بل يجب وضع اليد عليه في صورة امتناع مالكه عن بذله.

(1) الإشكال في وجه جواز أخذ الأجرة على الصناعات التي يتوقف عليها نظام البلاد فان تلك الصناعات من الواجب الكفائي، بل من

الواجب العيني عند عدم قيام من تكون بقيامه كفاية، فكيف يجوز أخذ الأجرة عليها. و أجيب عن ذلك بوجوه.

(الأول) الالتزام بتخصيص القاعدة المتقدمة أي قاعدة عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب، و رفع اليد عنها باعتبار الإجماع و سيرة العقلاء المتدينين منهم و غيرهم.

(الثاني) إنكار تلك القاعدة في غير العبادات. و يظهر ذلك من كل من ذكر جواز أخذ الأجرة على القضاء، بلا تقييد بصورة عدم تعينه على القاضي.

(الثالث) جواز أخذ الأجرة على تلك الصناعات بعد سقوط وجوبها بقيام من به الكفاية عليها، فإنه يكون أخذها على غير الواجب- و فساد هذا الوجه أوضح، فإن لازمه الحكم بفساد أخذ الأجرة على الجماعة القائمة بها قبل سقوط وجوبها، مع جريان السيرة القطعية على القيام بها بالأجرة في كل عصر، من غير نظر الى سقوط وجوبها بفعل الآخرين و عدمه.

(الرابع) الالتزام بعدم جواز أخذ الأجرة على عمل يكون بعنوانه محكوما بالوجوب، كتجهيز الموتى و تعليم الأحكام و أما العمل المحكوم عليه بالوجوب بعنوان حفظ النظام لا بعنوان نفسه، فلا مانع من أخذ الأجرة عليه. و هذا الوجه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 294

..........

______________________________

ايضا بلا موجب، فإنه لم يظهر الفارق بين العمل الواجب بعنوانه و بين الواجب بعنوان آخر.

(الخامس) الفرق بين تلك الصناعات و غيرها من الواجبات، بدعوى أن عدم جواز أخذ الأجرة على الصناعات يوجب اختلال النظام، فان كل واحد يختار من تلك الصناعات ما هو أسهل، و يترك الصعب أو الأصعب على الآخرين لأن الداعي إلى الإقدام على الأعمال الشاقة الصعبة هو الطمع في الأجرة فتسويغ أخذ الأجرة عليها لطف، أى تقريب للعباد إلى موافقة التكليف بإقامة النظام، لا أنه ينافي هذا

التكليف.

و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بعدم انحصار وجه الاقدام على الأعمال الصعبة بالطمع في الأجرة، بل ربما يكون اقدام الشخص باعتبار عدم معرفته بغيرها أو كونه ناشئا في ذلك العمل الشاق، كالفلاح. و لكن لا يخفى ما فيه.

(السادس) دعوى أن تلك الصناعات من قبيل الواجب المشروط فيكون وجوبها مشروطا ببذل العوض عليها، سواء كانت الصنعة الواجبة من الواجب العيني باعتبار انحصار من به الكفاية، أو من الواجب الكفائي كما في صورة تعدده و عدم انحصاره، و على كل فلا تكون تلك الصنعة واجبة على المكلف قبل إعطاء العوض بعنوان الإجارة أو الجعالة، بل بإعطائه يحصل شرط وجوبها عينا أو كفاية.

و بعبارة أخرى لا تكون الصنعة- حال قرار الأجرة لها بالإجارة أو الجعالة- واجبة حتى تكون تلك الأجرة على العمل الواجب، و الجواب عن هذا الوجه ظاهر، فان الواجب على الطبيب مثلا احياء النفس و انقاذها من الهلكة، سواء بذل على طبابته العوض أم لا.

(السابع) أن وجوب تلك الصناعات غيري باعتبار توقف اقامة النظام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 295

فهو من قبيل رجوع الوصي بأجرة المثل (1) فهو بوصف كونه مستحبا على المكلف لا يجوز أخذ الأجرة عليه (2).

______________________________

عليها و من الظاهر عدم توقف إقامته على العمل مجانا ليجب العمل كذلك، بل الموقوف عليه بذل النفس للعمل و لو مع العوض.

ثم ذكر هذا القائل أنه إذا بذل المريض الأجرة للطبيب وجب عليه المعالجة و ان لم يبذل مع أداء ترك العلاج الى هلاكه أجبره الحاكم حسبة على بذلها. و الفرق بين هذا الوجه و الوجه الرابع هو أن الصناعات على هذا الوجه واجبات غيرية، بخلاف الوجه الرابع فإنها عليه واجبات نفسية،

و لكن ليس وجوبها بعناوينها الأولية، بل بالعنوان الطارئ عليها، و هو عنوان التحفظ على النظام.

و كيف كان فهذا الوجه ايضا فاسد، فإنه لا يجب على المريض بذل الأجرة حتى يجبر عليه مع امتناعه، بل الطبابة واجبة على الطبيب، بذل له الأجرة أم لا، و على ذلك فيكون للمريض و غيره إجبار الطبيب على الطبابة من باب الأمر بالمعروف.

و الحاصل أن هذا الوجه على تقدير تماميته يدل على جواز أخذ الأجرة و بذلها، لا على وجوبهما، مع ان التفرقة- بين الواجب الغيري و النفسي بجواز أخذ الأجرة على الأول دون الثاني- غير تامة.

(1) ظاهر قوله سبحانه فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «1» جواز أخذ المرأة الأجرة على إرضاعها، سواء كان باللباء أو غيره، فان تمت دعوى منافاة أخذ الأجرة لوجوب الفعل، فلا بد من تقييد الآية بالإرضاع بغير اللبأ. و التعبير بالأجر فيها ظاهر في ثبوته من جهة المعاوضة، لا أنه حكم شرعي و تعبد خاص كجواز أكل المار من ثمرة طريقه، حتى لا يمكن التعدي، كما لا يخفى.

(2) قد تقدم عدم منافاة أخذ الأجرة على عمل مع قصد التقرب في ذلك

______________________________

(1) سورة الطلاق (65) الاية (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 296

..........

______________________________

العمل، و أنه لو كان سائر شرائط الإجارة حاصلة لما كان اشتراط قصد التقرب فيه موجبا لبطلانها، حيث أن الأجير لو أتى بالعمل- بداعي استحقاق الأجرة شرعا لئلا يبقى الدين على عهدته و يبتلى يوم القيمة بحسابه- كان هذا بنفسه نحو تقرب الى اللّه سبحانه، لا أنه ينافي التقرب في ذلك العمل، و على ذلك فلو استأجر من يصلح للإمامة لإعادة صلاته حتى يقتدى به، صح الاستيجار، و لا

ينافي قصد التقرب المعتبر في أصل الصلاة و إعادتها.

نعم الاستيجار للعبادة للّه سبحانه- أصالة و إهداء ثوابها للآخر- يحتاج الى دليل على المشروعية. لا مشروعية الاستيجار فقط، بل مشروعية إهداء الثواب و نفوذه و قد قام الدليل عليها في الصلاة و الحج و الصدقة و نحوها في الجملة و بعد الدليل على المشروعية يجوز المعاملة على الإهداء بنحو الهبة المشروطة، حيث أن المعاملة عليه بنحو الاستيجار لا يخلو عن مناقشة، كما أن النيابة تحتاج الى دليل على المشروعية في الأفعال التي لا تنتسب الى غير الفاعل، و لا تقبل التوكيل كالصيام و الاغتسال و نحوهما، لا في مثل الحلق و الذبح و نحوهما من الأفعال التي تنتسب الى غير المباشر بالتوكيل، فإن النيابة فيها مقتضى الإطلاق في خطاب الأمر بتلك الأفعال.

ثم انه ليست النيابة منحصرة بتنزيل النفس منزلة الغير كما يظهر من المصنف (ره) بل النيابة في مثل الصلاة و الصوم عن الميت كأداء دين الغير. فكما أن من تقوم بأداء دين غيره لا ينزل نفسه منزلة المدين، بل يقصد الأداء بما في ذمته كذلك المصلى عن الغير يقصد الصلاة التي في ذمة الميت، و تلك الصلاة لم يؤخذ فبها قيد المباشرة، كما أخذ هذا القيد في الصلاة التي في عهدة الحي، كما هو ظاهر خطابات التكاليف. و لذا لا تصح النيابة عن الحي في الصلاة و نحوها.

و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: «سألته عن رجل أدركه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 297

..........

______________________________

رمضان و هو مريض، فتوفي قبل أن يبرأ قال: ليس عليه شي ء، و لكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت قبل أن يقضى» «1» فإن

ظاهرها اشتغال عهدة الميت، و فعل الآخرين قضاء عنه، و لا يكون ذلك الا لعدم اعتبار المباشرة فيما يعتبر في عهدة الميت و يترتب على كون النيابة هي التنزيل أو ما ذكرناه إمكان الاستدلال- على عدم منافاة أخذ الأجرة على عمل مع التقرب المعتبر فيه- بما ورد في جواز الاستيجار للحج و العمرة، فإنه بناء على إنكار التنزيل تكون الأجرة بإزاء نفس الحج و العمرة و أما بناء على التنزيل، فقد تقدم عن المصنف (ره) دعوى أن الأجرة بإزاء التنزيل لا الحج و العمرة. و التنزيل أمر مستحب توصلي، فلاحظ.

(لا يقال) و يترتب ايضا أنه إذا ارتكب النائب عن الغير في الحج حال إحرامه موجب الكفارة كانت الكفارة على المنوب عنه (فإنه يقال): بل تجب على النائب على التقديرين، فان المنزل منزلة فعل المنوب عنه هو نفس الإحرام و سائر أعمال الحج لا ما يرتكبه النائب في أثنائها كما لا يخفى. و فيما إذا لم يكن على المنوب عنه اشتغال أصلا، كما في الحج أو الصلاة ندبا عن الميت، فيمكن في مثلهما القول بالتنزيل كما لا يخفى.

و الحاصل أنه ورد في النيابة عن الغير في الحج و العمرة بنحو الاستيجار بعض الروايات، و حملها على الاستيجار على المقدمات خلاف ظاهرها، بل مقتضى الحمل المزبور يعنى وقوع الإجارة على نفس المقدمات هو استحقاق الأجرة بالإتيان بها، و ان لم يترتب عليها ذوها. و في موثقة عمار بن موسى الساباطي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «سألته عن الرجل يأخذ الدراهم ليحج بها عن رجل، هل يجوز أن ينفق منها في غير الحج؟ قال إذا ضمن الحجة، فالدراهم له يصنع بها

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (7) الباب:

(23) من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 298

ثم انه كما يستحق الغير بالإجارة (1)

______________________________

ما أحب و عليه حجة» «1» حيث أن ظاهرها وقوع المعاملة على نفس الحج كما هو معنى ضمانه، و بما انه لا يحتمل الفرق بين الحج و سائر العبادات التي قد أحرزت مشروعية النيابة فيها، كقضاء الصلاة و الصوم و نحوهما عن الميت، فيكون الاستيجار عليها كالاستيجار للحج.

(1) ذكر (ره) أنه كما لا يجوز تمليك العمل الواجب عليه للغير بالأجرة، كذلك لا يجوز صرف ما يملكه الغير عليه لنفسه، بأن يأتي لنفسه بعنوان العبادة ما استحقه الغير عليه، كما إذا استوجر لإطافة صبي أو مغمى عليه، فلا يجوز أن ينوي الإطافة طوافا لنفسه أيضا، و كذا فيما إذا استوجر لحمل الغير في طواف ذلك الغير فلا يجوز أن ينوي لنفسه الطواف في تلك الأشواط. و هذا هو المراد من الاستيجار للحمل مطلقا، و جوز بعضهم الطواف لنفسه فيما إذا استوجر لحمل الغير في طواف نفسه، و هذا هو المراد من الاستيجار للحمل في طوافه، و وجه الجواز في هذه الصورة عدم كون الأشواط للغير، بل ما يملكه الغير عليه هو نفس الحمل فيها، نظير ما إذا استوجر لحمل شي ء آخر فيها بخلاف الصورتين الأولتين، فإن الأشواط فيهما مستحقة للغير.

(أقول): الصحيح هو عدم الفرق بين الصور الثلاث، فيجوز أن ينوي فيها الطواف لنفسه، و ذلك فان كون شخص أجيرا في عمل لا يقتضي إلا تمليك ذلك العمل فقط للمستأجر، لا بمقدماته و مقارناته، و لذا يجوز اجارة نفسه لآخر فيهما، و على ذلك فالحركة المخصوصة مقدمة لإطافة الغير، أى جعل الغير طائفا، كما أنها

مقدمة لحمل الآخر في طواف ذلك الآخر، فيجوز صرفها لنفسه بقصده الطواف لنفسه.

نعم لو استوجر للحمل لا في طوافه بأن يكون أجيرا لحمل المستأجر بشرط

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (8) الباب (10): من أبواب النيابة في الحج- الحديث: (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 299

قال في المسالك هذا إذا كان الحامل (1).

______________________________

أن لا يكون الحامل طائفا حال الحمل. و هذه صورة رابعة، فقصد الحامل فيها الطواف لنفسه مخالفة للشرط، و باعتبارها يكون منهيا عنه فيفسد. و يحتمل أن يكون هذا الاشتراط تقييدا لمتعلق الإجارة، بأن يملك المستأجر الحمل عليه حال عدم طوافه لنفسه و بقصد كل من الحامل و المحمول الطواف ينتفي مورد الإجارة فلا يستحق على المستأجر شيئا، و ترك الحامل مورد الإجارة و ان كان محرما، إلا أن طوافه لنفسه لا يكون منهيا عنه حتى يفسد، و وجه عدم النهى عنه عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده الخاص، فلا بد في الحكم من ملاحظة أن العقد على الاشتراط أو على التقييد.

ثم إنه ليس مما تقدم ما إذا حج الأجير لنفسه ندبا في سنة الإجارة، و ذلك فان تركه الحج عن المنوب عنه و إن كان من ترك الواجب، لوجوب تسليم العمل المملوك للغير اليه، إلا أن الحج لنفسه في تلك السنة ضد خاص لما وجب عليه بالإجارة، و الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، بل يمكن شمول الاستحباب لذلك الضد بنحو الترتب.

ثم إنه لو قيل بأن مقتضى الإجارة على عمل تمليكه بمقدماته، فلا بأس أيضا بقصد الطواف لنفسه في الصورة الثلاث المتقدمة، باعتبار أن قصد الأجير الطواف لنفسه بحركته الاستقلالية فيها من قبيل الانتفاع بملك الغير، لا

التصرف فيه، و الانتفاع بملك الغير ما لم يمكن تعديا و تصرفا فيه غير ممنوع، كالاستظلال بظل الغير أو الاستنارة بنوره و هكذا و هكذا.

(1) أى جواز احتساب حركته المخصوصة و قصده بها الطواف لنفسه يختص بالموارد التي لا يملك المحمول فيها تلك الحركة، كما إذا كان الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة، حيث لا يملك في الجعالة باذل العوض العمل على الآخر، أو كان أجيرا للحمل في طوافه، بمعنى أنه آجر نفسه للغير لحمله حال الطواف لنفسه، فإنه يمكن في جميع ذلك أن ينوي كل من الحامل و المحمول الطواف لنفسه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 300

..........

______________________________

و أما إذا استؤجر للحمل مطلقا، أى أنه آجر نفسه لحمل الغير، و لم يقيد في الإجارة بكون الحمل حال الطواف لنفسه، فلا يصح ان ينوي الحامل الطواف لنفسه، لان حركته المخصوصة مستحقة للغير في صورة الإطلاق، باعتبار توقف طواف المحمول عليها، فلا يصح صرف تلك الحركة لنفسه.

و أورد الإيرواني (ره) على الفرق و ذكر أنه لا يختلف الحكم بين كونه أجيرا لحمل الغير في طواف نفسه، و بين كونه أجيرا لحمل الغير بلا تقييد، بكون الحمل حال طواف نفسه، و وجه عدم الاختلاف أنه لو كان أجيرا لحمل الغير على نحو الاشتراط و التعليق، بمعنى انه على تقدير طوافه لنفسه كان عليه أن يحمل الغير، فهذا من التعليق في الإجارة، و ان كان أجيرا لحمله لا على نحو الاشتراط و التعليق استحق المستأجر عليه الحركة المخصوصة باعتبار توقف الحمل عليه، و لا يجوز للأجير أن ينوي بتلك الحركة الطواف لنفسه.

و لكن الصحيح كما ذكرنا عدم دخول مقدمات الحمل في متعلق الإجارة، فإن إطافة الصبي أو

المغمى عليه هي جعل الصبي أو المغمى عليه طائفا فيعتبر فيهما شرائط الطواف من الطهارة و غيرها.

و بعبارة أخرى يكون طواف الصبي أو المغمى عليه هي الحركة التبعية، و حركة الأجير مقدمة لطوافهما، و كذا الحال في اشتراط حمله في طوافه أو مطلقا و إلزام الأجير- بالمقدمة على تقدير امتناعه- لا يقتضي دخول تلك المقدمة في ملك المستأجر، ليكون صرفها على نفسه من التصرف في ملك الغير، فيكون منهيا عنه.

و مما ذكرنا يظهر أنه ليس الجواز لبعض الروايات الواردة في إطافة الصبي أو غيره في طواف نفسه، و وجه الظهور عدم فرض الاستيجار في موردها لتصلح جوابا عن المناقشة بأن صرف الأجير الحركة المخصوصة على نفسه من التصرف فيما يستحقه الغير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 301

ثم إنه قد ظهر مما ذكرناه (1)

______________________________

(1) قد بنى (ره) على أن أخذ الأجرة على عمل لا يجتمع مع قصد التقرب بذلك العمل، سواء كانت عبادة واجبة أو مستحبة، و فرع على ذلك عدم جواز أخذ الأجرة على الأذان، فإنه لانتفاع الغير به كإحراز دخول الوقت، أو الاكتفاء به في الصلاة، يقع مورد الإجارة، و لكن بما أنه من قبيل العبادة، فلا يصح أخذ الأجرة عليه، حتى فيما إذا كان للاعلام فقط، بناء على أن أذان الإعلام ايضا كأذان الصلاة من العبادة، بمعنى أن الاعلام بدخول الوقت مستحب كفائي، و لا يحصل هذا الإعلام إلا بالأذان الواقع بنحو العبادة.

و بعبارة أخرى لا يصح الاعتماد عليه في دخول الوقت إلا فيما وقع على نحو العبادة، و لا يكون طريقا معتبرا الى دخولها في غير هذه الصورة، و يذكر في المقام روايات يستظهر منها عدم جواز أخذ الأجرة

عليه، كموثقة زيد بن على عن آبائه عن على عليهم السلام «أنه أتاه رجل، فقال له: و اللّه إني أحبك للّه، فقال له: و لكني أبغضك للّه، قال: و لم؟ قال: لأنك تبغي في الأذان و تأخذ على تعليم القرآن أجرا» «1» و في سندها عبد اللّه بن منبه و الظاهر أنه اشتباه من النساخ.

و الصحيح منبه بن عبد اللّه. و قد ذكر النجاشي أن حديثه صحيح، و وجه الصحة كون الراوي عنه محمد بن الحسن الصفار الذي يروى عن المنبه في سائر الروايات و لكن في دلالتها على عدم الجواز تأمل، فإن بغضه عليه السلام يمكن لاستمراره على الكراهة، و يشهد لها ما في ذيلها (و سمعت رسول اللّه (ص) يقول من أخذ على تعليم القرآن اجرا كان حظه يوم القيمة: فإن التعليل يناسب الكراهة كما لا يخفى.

و عن السيد الخوئي طال بقاه أن دلالتها على المنع بضميمة ما ورد من أنه عليه السلام لا يبغض الحلال، و فيه أنه لم أظفر على رواية معتبرة يكون ظاهرها ذلك. نعم ورد في روايات الربا أنه عليه السلام كان لا يكره الحلال، و ظاهرها خلاف

______________________________

(1) وسائل الشيعة الباب: (30) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 302

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام (1)

______________________________

المقطوع، فإنه عليه السلام كان يكره المكروهات الشرعية قطعا، مع كونها محللة. و حسنة حمران الواردة في فساد الدنيا و فيها قال (ع): «و رأيت الأذان بالأجر و الصلاة بالأجر «1».

و فيه انه لا دلالة لها ايضا على المنع، بل و لا دلالة على الكراهة، فإنها في مقام بيان علامة فساد

الأرض، لا بيان موجبات فسادها، و يمكن كون الحلال المخصوص علامة لفسادها، كقوله عليه السلام فيها «و رأيت المؤمن صامتا لا يقبل قوله» فان صمت المؤمن مع عدم قبول قوله لا يكون حراما، بل و لا مكروها. و روايتي محمد ابن مسلم و العلاء بن سيابة عن ابى جعفر عليه السلام، قال: «لا تصل خلف من يبتغى على الأذان و الصلاة أجرا، و لا تقبل شهادته» «2» و لا بأس بدلالتهما على المنع فان الحكم بفسق آخذ الأجر على الأذان أو الصلاة المراد بها الإمامة لا يكون الا مع حرمة الفعل أو بطلان المعاملة، إلا أنهما ضعيفتان سندا. و إن وصف السيد اليزدي (ره) رواية محمد بن مسلم بالصحيحة، و الأظهر أنه لا بأس بأخذ الأجرة على الأذان و تعليم القرآن، لعدم المنافاة بين أخذ الأجرة على عمل، و كونها عبادة مع أن تعليم القرآن ليس من العبادة و الروايات، كما مرت ضعيفة سندا أو دلالة، و لكن الأحوط الترك و اللّه. سبحانه هو العالم.

(1) الوجه هو ذكر الصلاة في حسنة حمران و قد تقدم ظهورها في الأجر على الإمامة، و لكن ذكرنا عدم دلالتها على المنع. و أما ما ذكره (ره)- من أن الانتفاع بالإمامة موقوف على تحققها بقصد الإخلاص إذ المأموم لا يجوز له الاقتداء إلا بإمام تكون صلاته صحيحة، و قصد الإخلاص لا يجتمع مع أخذ الأجرة- فلا يمكن المساعدة عليه، فان ما يفيد الغير في المقام هي صحة صلاة الإمام، حتى يقتدى بصلاته.

و أما كون إمامته بالقربة، فلا يعتبر في جواز الاقتداء و على ذلك فلو كان المكلف

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الباب (41) من أبواب الأمر بالمعروف الحديث (6)

(2) وسائل الشيعة

الجزء الباب (32) من أبواب الشهادات- الحديث (602)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 303

تحمل الشهادة (1)

______________________________

بحيث يأتي بالصلاة بداعي الأمر بها و لو منفردا، و لا يأتي بها حتى مع إعطاء الأجرة عليها لو لا أمر الشارع بها، فيكون أخذ أجرته على خصوصية صلاته لا على أصلها، و تلك الخصوصية لم تؤخذ في متعلق الأمر بالطبيعة، فلا بأس بذلك الأخذ غاية الأمر لا يثاب على إمامته فتدبر.

(1) تعرض (ره) لأخذ الأجرة على تحمل الشهادة، و ذكر عدم جوازه بناء على وجوب التحمل عند الدعوة إليه، كما هو مقتضى الصحيح الوارد في تفسير قوله سبحانه وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا «1» و كذا لا يجوز أخذ الأجرة على أدائها و الوجه في عدم الجواز هو كون كل من الأداء و التحمل حقا للمشهود له، فيستحقهما على الشاهد، فيكون أخذ الشاهد الأجرة على الأداء أو التحمل من مبادلة حق شخص بمال ذلك الشخص. و هذا أكل المال بالباطل، بل ينطبق عنوان الأكل بالباطل حتى فيما لو أخذ المال عن آخر يجب عليه أيضا الأداء أو التحمل كفاية، حيث أن طلب المال لأداء حق الغير اليه، سواء كان المطلوب منه المال، صاحب الحق أو غيره أكل لذلك المال بالباطل.

(أقول) في كون الاستجابة للتحمل أو الأداء مجانا حقا للمشهود له تأمل. و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن الوجه في عدم جواز أخذ الأجرة استفادة المجانية من دليل وجوبهما، فان قوله سبحانه:- وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا مع الإغماض عن الرواية أيضا يعم الدعوة الى التحمل و الأداء. و مقتضى إطلاق النهي عدم جواز الإباء حتى مع عدم بذل الأجرة.

و فيه أنه

يمكن دعوى كون متعلق النهي الدعوة المتعارفة و إذا كانت الدعوة المتعارفة الى التحمل أو الشهادة بالأجر كانت الدعوة إليها كالدعوة إلى الخياطة أو البناء في أن وجوب استجابتهما لا يقتضي المجانية. و يشهد لذلك ملاحظة صدر الآية، فإن قوله

______________________________

(1) سورة البقرة (2) الاية (282).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 304

بقي الكلام في شي ء (1)

______________________________

سبحانه وَ لٰا يَأْبَ كٰاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمٰا عَلَّمَهُ اللّٰهُ- لا يقتضي وجوب الكتابة على الكاتب مجانا.

(لا يقال) ان بينهما فرقا فإن الكتابة في الدين مستحبة، فلا بأس بأخذ الأجرة عليها، بخلاف الاستجابة لأداء الشهادة أو تحملها (فإنه يقال): الاستجابة إلى الكتابة مثل الاستجابة للتحمل أو الأداء واجبة، مع أن مقتضى الإطلاق عدم جواز المطالبة بالأجرة للتحمل و الأداء، لا عدم جواز أخذها مع إعطائها كما هو المطلوب في المقام و في مثل الأجرة على القضاء، كما لا يخفى.

هذا و يمكن أن يقال بعدم تعارف أخذ الأجرة على تحمل الشهادة أو أدائها، و ليس لهما مالية، فيكون أخذها من أكل المال بالباطل نعم لو توقف التحمل أو الأداء على بذل المال لقطع المسافة و نحوه، لم يجب البذل من كيسه، و الوجه في ذلك: أن مقتضى قاعدة نفى الضرر عدم وجوب التحمل أو الأداء في الفرض، حتى فيما إذا قال المشهود له: اصرف المال و على تداركه، فان مجرد التزامه بالعوض لا يوجب انتفاء الضرر، حيث انه ربما لا يصل اليه العوض، لعدم وفاء المشهود له بالتزامه.

(1) ذكر جماعة من الأصحاب في الواجبات و المستحبات التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها أنه يجوز ارتزاق مؤديهما من بيت المال، و ليس المراد أخذ الأجرة و العوض من بيت

المال على عملهم، فإنه لا فرق في عدم الجواز بين الأخذ من بيت المال أو من غيره، بل يكون إعطاء العوض من بيت المال، باعتبار عدم كونه ملكا شخصيا للمعطى، اولى بعدم الجواز، فليكن مرادهم أنه إذا قام المكلف بتلك الأعمال التي لا يمكنه- مع القيام بها- الكسب المناسب، فيقرر له من بيت المال ما يكفيه من مؤنة نفسه و عياله مع فقره، زاد على اجرة عمله أم نقص بعنوان المساعدة، و أما مع غناه، فان كان ذلك العمل واجبا عليه، فلا يجوز لولي المسلمين الإعطاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 305

[خاتمة تشتمل على مسائل]
[الأولى: بيع المصحف]

صرح جماعة (1)

______________________________

من بيت المال، فإن عدالة القاضي تمنعه عن ترك القضاء الواجب عليه، فيكون إعطاؤه مع غناه من إتلاف بيت المال. و هذا بخلاف البذل لمثل المؤذن و الامام الراتب ممن يقوم بالمستحبات، فإنه يجوز فيما إذا كان تركه موجبا لترك الأذان و الإمامة و نحوهما، و لا يكون من إتلاف بيت المال بلا جهة، بل القاضي فيما إذا أراد الارتحال من البلد الى الآخر للقضاء في ذلك البلد، و كانت الحاجة إليه في البلد أشد، فإنه لا بأس بالبذل له، فإنه من صرف بيت المال في سبيل صلاح المسلمين.

(1) ذكر جماعة من القدماء و المتأخرين عدم جواز بيع المصاحف، و مرادهم- كما أوضح في الدروس- بيع خطه، و كانت حرمة بيعه مشهورة بين الصحابة على ما هو ظاهر نهاية الأحكام، حيث تمسك في إثباتها باشتهارها بين الصحابة، و يدل عليه ظاهر جملة من الروايات.

(منها)- رواية سماعة عن الشيخ (ره) بإسناده عن محمد بن احمد ابن يحيى عن ابى عبد اللّه الرازي عن الحسن بن على بن أبي

حمزة عن زرعة عن سماعة بن مهران قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) يقول: لا تبيعوا المصاحف، فان بيعها حرام، قلت: فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف، و إياك أن تشترى منه الورق، و فيه القرآن مكتوب» «1» و هي ضعيفة، و ليست بالموثقة، فإن أبا عبد اللّه الزراري هو محمد بن أحمد الجاموراني الزراري، و قد استثناه ابن الوليد عن روايات محمد بن احمد بن يحيى، و في استثنائه دلالة على ضعفه، كما ان ضعف الحسن بن على بن أبي حمزة أظهر من أن يذكر، فتوصيف المصنف (ره) الرواية بالموثقة غير تام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (11)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 306

..........

______________________________

و (منها)- رواية عبد الرحمن بن سيابة عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «سمعته يقول: أن المصاحف لن تشترى، فإذا اشتريت، فقل إنما اشترى منك الورق، و ما فيه من الأديم، و حليته، و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا» «1» و في موثقة سماعة عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «سألته عن بيع المصاحف و شرائها؟ قال: لا تشتر كتاب اللّه، و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين، و قل: أشترى منك هذا بكذا و كذا» «2».

و لكن في مقابلها ما يظهر منه الجواز، كصحيحة أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها؟ فقال: إنما كان يوضع عند القامة و المنبر، و قال: كان بين الحائط و المنبر قدر ممر شاة أو رجل، و هو منحرف، فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة، و يجي ء آخر، فيكتب

السورة كذلك كانوا، ثم إنهم اشتروا بعد ذلك، فقلت: فما ترى في ذلك؟ قال: أشتريه أحب الى من أن أبيعه» «3» و نحوها موثقة روح بن عبد الرحيم، و زاد فيها «قلت: فما ترى أن اعطى على كتابته أجرا؟ قال: لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون» «4».

و مقتضى الجمع بين الطائفتين هو حمل المانعة على الكراهة. و لكن ذكر المصنف (ره) أن صحيحة أبي بصير لا تصلح ان تكون قرينة على صرف النهي في سائر الروايات إلى الكراهة، فإن مدلولها أنه لم يكن في الصدر الأول تحصيل المصاحف بالشراء، و انما حدث ذلك أخيرا. و أما كيفية بيعها و شرائها و هل هو مثل سائر الكتب أم لا؟ فلا دلالة لها على المماثلة الا بالإطلاق أى السكوت في مقام البيان فيرفع اليد عن ذلك بمثل رواية عبد الرحمن المتقدمة الدالة على الكيفية المعتبرة في بيع المصاحف و شرائها، بل هذا الإطلاق أيضا يمكن منعه بعدم كون الرواية

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1).

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2).

(3) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (8).

(4) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 307

بقي الكلام في المراد من حرمة البيع (1).

______________________________

في مقام البيان من جهة الكيفية ليمكن دعوى إطلاقها.

و بهذا يظهر الحال في رواية عنبسة الوراق، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع)، فقلت: إني رجل أبيع المصاحف، فإن نهيتني لم أبعها، فقال أ لست تشترى ورقا و تكتب فيه؟

فقلت: بلى و أعالجها، فقال لا بأس بها» «1» فان ظهور هذه في جواز بيع المصاحف كسائر الكتب بالإطلاق و بالسكوت في مقام البيان، فيرفع اليد عنه بالبيان الوارد في الروايات المتقدمة.

(أقول): لا بد من رفع اليد عن الاخبار المانعة بحملها على الكراهة، فإنه قد ورد في موثقة روح بن عبد الرحيم المتقدمة نفى البأس عن الكتابة بالأجر، و لو لم يكن لخط القرآن مالية، باعتبار عظمته لم تكن كتابته من الأعمال التي لها قيمة.

و الحاصل أنه لا يحتمل الفرق بين الأجر على كتابة القرآن و بين بيعه، و جواز الأول كاشف عن جواز الثاني. هذا مع أن ظاهر السؤال في مثل صحيحة أبي بصير بقوله (فما ترى في شرائها) هو السؤال عن جواز شراء المصاحف بالنحو المتعارف في سائر الكتب، فيكون جوابه عليه السلام بالجواز راجعا الى ذلك النحو، و هذا من الظهور الوضعي لا الإطلاقي ليتوقف على تمامية مقدماته، و ذلك فإن دلالة اللفظ الموضوع للكتاب عليه بالوضع و اضافة البيع اليه ظاهرة بمقتضى وضع الإضافة، في تعلقه بعنوان ذلك الكتاب كما لا يخفى.

(1) لا يخفى أن المصحف كسائر الكتب تكون خطوطه وصفا مقوما له، و لا يمكن كون الوصف مطلقا مقوما كان أم غيره ملكا لشخص، و موصوفه ملكا للآخر. بل لو كان الوصف في الشي ء حاصلا بعمل الآخر، و كان بأمر من مالك

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) باب: (31) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 308

..........

______________________________

ذلك الشي ء أو باستئجاره فيستحق العامل الأجرة عليه، و الا فلا احترام لفعله، و لا يكون له على مالكه أجرة أصلا، و على ذلك فلو كان

النهى عن بيع المصاحف لزوميا كان المراد بمتعلق النهى، ملاحظة خطوطها في أخذ العوض عليها، على ما تقدم سابقا في النهي عن بيع الجارية المغنية، و في النهي عن بيع آلات اللهو.

و الحاصل ان المراد بالنهي عن بيع المصاحف هو المنع عن بيع الأوراق بملاحظة كونها موصوفة بالكتابة القرآنية. و بهذا يظهر أن ما ذكره المصنف (ره)- من أن النقوش ان لم تعد من الأعيان المملوكة عرفا، بل من صفات المنقوش الذي تتفاوت قيمته بوجودها و عدمها، فلا حاجة الى النهي عن بيع الخط، فإنه لا يقع بإزائه جزء من الثمن ليقع في حيز النهى- لا يمكن المساعدة عليه، لما ذكرنا من كون الخطوط وصفا مقوما، نظير بيع آلات اللهو، و ان النهى مقتضى عدم جواز لحاظ هذا الوصف في مقام المبادلة، على ما تقدم في بيع الآلات.

نعم ذكرنا أنه لا بد من حمل النهى على الكراهة أى على كراهة إيقاع المعاملة على المصحف بما هو مصحف، و أن اللازم في التخلص من هذه الكراهة جعل الثمن بإزاء الأوراق بما هي أوراق، و الثمن المأخوذ و ان كان زائدا على ثمن الأوراق، و الزيادة بداعي اتصاف تلك الأوراق بالكتابة القرآنية، الا أنه لا يذكر هذه الجهة في العقد، بل يذكر فيه عنوان الأوراق و الحديد، و بعد انتقال الأوراق إلى المشتري يكون مالكا لها بما هي مصحف، حيث تقدم تبعية الخطوط، و انه لا يمكن كونها ملكا لشخص، و الأوراق ملكا لآخر.

(لا يقال) لا فرق بين النهي في المقام و بين النهى عن بيع آلات اللهو، غاية الأمر عدم المالية في تلك الآلات باعتبار خستها، و في المصحف باعتبار عظمته، كما يرشد الى ذلك، قوله

في مضمرة عثمان بن عيسى: «لا تشتر كلام اللّه» و على ذلك يكون النهى عن بيع المصحف نظير النهى عن بيع تلك الآلات حقيقيا، لا راجعا الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 309

ثم ان المشهور بين العلامة (1)

______________________________

صورة العقد كما تقدم، نعم يجوز بيع الأوراق و الحديد من المصحف نظير بيع المواد من الآلات.

(فإنه يقال) ان تجويز بيع المصحف في صحيحة أبي بصير المتقدمة و تجويز أخذ الأجرة على كتابته في موثقة روح بن عبد الرحيم قرينة على اختلاف الحكم في المقام، و أن إيقاع المعاملة على المصحف كايقاعها على سائر الكتب مكروه، و لا بد من التخلص عن الكراهة من إيقاعها على الأوراق و الحديد، فيكون هذا حكما راجعا إلى صورة العقد، و لا يتعين بيع المصحف بقيمة الأوراق و الحديد، كما كان يتعين ذلك في بيع الآلات، على تأمل كما لا يخفى.

و أما ما ذكره المصنف (ره)- من فرض كون خطوط المصحف من الأعيان في مقابل أوراقه- فغير صحيح، و على تقديره فيرد عليه ما أورده (ره) من انه لو قيل ببقاء تلك الخطوط على ملك البائع بعد بيعه الأوراق، لزم شركة البائع و المشترى في المصحف بالقيمة، و لا يمكن الالتزام بها. و ان انتقلت إلى المشترى، فان كان انتقالها بجزء من الثمن فهو عين بيع المصحف، و لا يكون للنهى عنه معنى الا الحمل على الكراهة، و ان كان انتقالها قهرا تبعا للاوراق، فهو خلاف مقصود المتبايعين، فان قصدهما إعطاء العوض و أخذه في مقابل المصحف المركب من الأوراق، و الخطوط، فلا بد من إرجاع النهي إلى التكليف الصوري أى التكليف الراجع إلى صورة المعاملة، بأن يجعل

الخطوط فيها بعنوان الشرط في البيع، لا الجزء من المبيع.

(1) المشهور بين العلامة و المتأخرين عنه- على ما قيل- عدم جواز بيع المصحف من الكافر، حتى بالوجه الذي يجوز بيعه من المسلم بذلك الوجه، و احتمل المصنف (ره) أن يكون مستندهم في عدم الجواز أمرين (الأول) فحوى ما دل على عدم جواز تملك الكافر المسلم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 310

..........

______________________________

(أقول) الفحوى ممنوعة، فإنه لو كان أصل الحكم ثابتا بان لا يصح تملك الكافر العبد المسلم، فهو باعتبار أن- ملك الكافر المسلم و عدم تمكن المسلم على تصرفاته و أفعاله إلا برخصة منه- ولاية للكافر على المسلم، و لا يجرى ذلك في ملك الكافر المصحف، و بعبارة أخرى لو لم يكن هذا هو الملاك جزما فلا أقل من احتمال كونه الملاك، و معه لا يمكن دعوى الفحوى. و أما أصل الحكم فإنه روى الشيخ (ره) في نهايته عن حماد بن عيسى عن ابى عبد اللّه عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام أتى بعبد ذمي قد أسلم، فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين و ادفعوا ثمنه الى صاحبه، و لا تقروه عنده «1» فيقال ظاهر هذه الرواية عدم سلطان للكافر على إقرار المسلم في ملكه.

و فيه أنه لا بد في المسألة من الاعتماد على وجه آخر، فان هذه الرواية لضعف سندها بالرفع لا يمكن الاعتماد عليها (لا يقال): سند الشيخ الى حماد مذكور في المشيخة، و ليس فيه ضعف (فإنه يقال) لم يحرز أن الشيخ رواها في النهاية عن كتاب حماد، و ملاحظة المشيخة تنفع فيما إذا أحرز أن روايته عن كتابه، و الإحراز بالإضافة إلى روايات التهذيب و الاستبصار فقط، لذكره في

أول التهذيب ببدء الرواية باسم صاحب الكتاب الذي يروى عنه، و بدؤه- (ره) في التهذيب بمحمد بن يحيى مرفوعا عن حماد- قرينة على عدم أخذه الرواية من كتاب حماد و الا لكان المناسب بدء السند به لا بمحمد بن يحيى و لعل قوله سبحانه لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «2» كاف في ذلك الحكم، فتأمل.

(الأمر الثاني) قوله (ع): (الإسلام يعلى و لا يعلو عليه) أقول هذا نبوي مرسل، و لا يمكن الاعتماد عليه، و مدلوله إن كان إثبات العلو للإسلام بحسب مقام الإثبات و البرهان، فهذا صحيح، و لكن لا يرتبط بالمقام، و إن كان علوه بحسب

______________________________

(1) الوسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (28) من أبواب عقد البيع- الحديث (1)

(2) سورة النساء (4) الاية: (141)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 311

المحترم لاسمائه (1) الدراهم المضروبة (2)

[الثانية جوائز السلطان و عماله]
اشارة

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 1، ص: 311

جوائز السلطان و عماله (3)

[الأولى ما لا يعلم بأن في جملة أموال هذا الظالم مالا محرما يصلح لكون المأخوذ منه]

______________________________

تشريع الأحكام، فهذا لا يقتضي عدم جواز بيع المصحف للكافر، فان مجرد تملكه لا يكون علوا للكفر على الإسلام، كما أن مجرد تملك مسلم الإنجيل لا يكون علوا للإسلام على الكفر. نعم لا يجوز إعطاء المصحف بيد الكافر، فيما إذا كان الإعطاء تعريضا للمصحف الشريف للنجاسة الموجبة لهتكه، و هذا غير بحث الملكية الحاصلة بالبيع و نحوه.

(1) بصيغة الفاعل أى الكافر الذي يرى الحرمة لاسمائه تعالى.

(2) بناء على تسرية الحكم، فلا يجوز بيع الدراهم من الكافر، حتى فيما إذا لم تكن مالية للسكة الموجودة عليها، كالدراهم المأخوذة للتبرك و المكتوب عليها اسم النبي (ع) أو غيره من المعصومين عليهم السلام، فان بيعها باعتبار موادها أى الذهب و الفضة و إن كان نظير بعض الحلويات أو الصابون المصنوع بصورة الحيوان، فيباع في السوق باعتبار موادها، إلا ان المفروض في المصحف عدم جواز بيعه من الكافر، حتى باعتبار أوراقه و حديده، و لازم التعدي إلى الدراهم المفروض التبرك بسكتها عدم جواز بيعها حتى باعتبار مادتها.

(3) للمال المأخوذ من الجائر أو عماله مجانا أو معاوضة صور أربع: (الاولى) عدم العلم تفصيلا و لا إجمالا بوجود الحرام في أمواله (الثانية) عدم العلم لا تفصيلا و لا إجمالا بالحرام في المأخوذ منه مع العلم الإجمالي بالحرام في أمواله (الثالثة) العلم تفصيلا بحرمة المأخوذ منه، و أنه ليس للجائر (الرابعة) العلم إجمالا بوجود الحرام في المأخوذ منه، و أنه مشتمل على مال الغير.

أما الصورة الأولى فقد ذكر

المصنف (ره) فيها جواز الأخذ و التصرف، للأصل و الإجماع و الاخبار الآتية، و ينبغي أن يراد بالأصل قاعدة اليد، فان مقتضاها كون الجائر مالكا لما في يده، فيكون تصرفاته فيه نافذة. و أما أصالة الصحة فلا يمكن إجراؤها مع الإغماض عن قاعدة اليد، فإنها لا تجري فيما إذا لم تحرز سلطنة الشخص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 312

..........

______________________________

شرعا على التصرف، كما في المقام، فإنه لا دليل على اعتبارها غير السيرة الجارية على حمل المعاملات الصادرة عن الغير على الصحة، و المقدار المحرز من السيرة موارد إحراز السلطنة، و على ذلك فمن المحتمل ان لا يكون الجائر سلطانا على تمليك المال المفروض باعتبار عدم كونه مالكا له. و أما الاستصحاب، فمقتضاه عدم جواز الأخذ، و عدم كون المال ملك الجائز و الإجماع لا يصلح للاعتماد عليه، فإنه لا يكون إجماعا تعبديا، بل من المحتمل- لو لم يكن من المقطوع به- أن المدرك لافتائهم بالجواز قاعدة اليد أو غيرها، كما لا حاجة في هذه الصورة الى الاخبار، فإن الجواز على القاعدة، إلا أن يراد أن في الأموال المأخوذة من السلطان الجائر أو عماله شبهة حرمة تكليفا، حتى فيما إذا أحرز باليقين بأن المأخوذ ملكه شخصا، و هذه الشبهة مدفوعة بأصالة الحل و الاخبار الآتية.

ثم ذكر المصنف (ره) أنه ربما يوهم بعض الاخبار أن حل المال في هذه الصورة مشروط بثبوت مال حلال للجائر، كرواية الاحتجاج عن الحميري أنه «كتب الى صاحب الزمان عجل اللّه فرجه يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف، مستحل لما في يده، و لا يتورع عن أخذ ماله، ربما نزلت في قرية هو فيها أو أدخل منزله، و

قد حضر طعامه، فيدعوني إليه، فان لم آكل عاداني عليه، فهل يجوز لي ان آكل طعامه و أتصدق بصدقة، و كم مقدار الصدقة؟ و إن أهدى هذا الوكيل هدية الى رجل آخر، فيدعوني إلى أن أنال منها، و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل على فيه شي ء إن أنا نلت منه؟ الجواب إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده، فاقبل بره و الا فلا «1» و لا يخفى أن ظاهر الخبر صورة العلم بحرمة مال الجائر، و فرض مال حلال

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (15)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 313

[اما الثانية ما يعلم ثبوت الحرام في أمواله و يحتمل كون الجائزة منه]

اما الثانية (1)

______________________________

له فيها، باعتبار أن لا يكون حرمة المأخوذ محرزة تفصيلا، لا أن وجود مال حلال له شرط تعبدي في جواز المأخوذ منه.

(1) (الصورة الثانية) و هي ما يعلم ثبوت الحرام في الأموال التي بيد الجائر و يحتمل كون الجائزة من ذلك الحرام، فيجوز في هذه أيضا أخذ الجائزة تكليفا و وضعا، لجريان قاعدة اليد في الجائزة، و لا تكون معارضة باليد على سائر أمواله، سواء احتمل الآخذ الابتلاء بها بعد ذلك، أم لا، و ذلك فان عدم جواز التصرف بالإضافة إلى سائر الأموال محرز تفصيلا، فإنها إما ملك الجائر واقعا، و باعتبار عدم إذنه في التصرف فيها تكون حراما. و أما ملك لغيره، فلا يجوز التصرف فيها بدون اذن ذلك الغير، و أما بالإضافة إلى الجائزة، فلا علم بحرمتها، فتكون موردا لقاعدة اليد بلا معارض. نعم في مثل ما إذا خيره الجائر في أخذ أحد أثوابه المعلومة حرمة بعضها إجمالا،

يدخل الفرض في الصورة الرابعة.

(لا يقال): ان العلم الإجمالي في هذه الصورة منجز، و ذلك فان العلم التفصيلي بحرمة سائر أموال الجائر، لكونها ملك الغير أو انها ملكه، و باعتبار عدم إذنه يحرم التصرف فيها، لا يوجب جريان قاعدة اليد في المأخوذ، لسقوطها بالعلم الإجمالي بحرمة المأخوذ أو عدم جواز الاخبار و الشهادة على كون سائر أمواله ملكا له.

و الحاصل أن ليده على سائر أمواله أثرا فعليا، و هو جواز الاخبار و الشهادة على كونه مالكا له (فإنه يقال) إذا علم وجود الحرام في سائر أمواله، و احتمل كون المأخوذ أيضا حراما، فلا بأس بإجراء قاعدة اليد في المأخوذ. نعم إذا علم حرمة بعض أمواله و تردد ذلك البعض بين كونه جائزة أو ما هو عند الجائر، فلما ذكر من دعوى العلم الإجمالي بحرمة المأخوذ أو عدم جواز الاخبار بملكية سائر ما في يده وجه، فإنه يكون ايضا ليده على سائر أمواله أثر، و هو جواز الاخبار بكونها ملكا له.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 314

..........

______________________________

ثم إن هذا الوجه كما ترى يجرى حتى في الشبهة غير المحصورة، و التي لا يمكن عقلا فيها ابتلاء المكلف بتمام أطرافها، فلا يحل المأخوذ فيها، لسقوط قاعدة اليد، و يكون عدم الجواز مقتضى استصحاب الفساد.

ثم انه قد صرح جماعة بكراهة أخذ الجائزة من الجائر، و عن العلامة الاستدلال عليها باحتمال كونها حراما في الواقع، و للنهى عن ارتكاب المشتبه في مثل قولهم:

(دع ما يريبك) و للترغيب في تركها في مثل قولهم: (من ترك الشبهات نجى من المحرمات) و بعضهم زاد على هذا الاستدلال وجوها.

(منها) أن أخذ المال من الجائر و عماله سبب لمحبتهم، فان القلوب مجبولة

على حب من أحسن إليها.

و (منها) أنه تترتب على أخذ المال من الجائر أو عماله مفاسد لا تخفى، كما يفصح عن ذلك ما في صحيحة أبي بصير من قوله عليه السلام: «إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله» «1».

و (منها) رواية عبد اللّه بن الفضل عن أبيه عن الكاظم موسى بن جعفر سلام اللّه عليه: «و اللّه لو لا انى أرى من أزواجه بها من عزاب بني أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها أبدا» «2» فإنها ظاهرة في مرجوحية أخذ المال لو لا الجهة المذكورة.

و لكن لا يصلح شي ء من ذلك لإثبات الكراهة، و ذلك فان ظاهر اخبار الاحتياط و التوقف في الشبهات هو الإرشاد إلى موافقة التكاليف الواقعية، و الترغيب في إدراك ثواب طاعتها، و التحرز عن محذور مخالفتها. و هذا لا يختص بخصوص الجائزة، بل يعم كل الشبهات حتى المال المأخوذ من العدول. و أما أن أخذ المال من الجائر يوجب حبه فليس كذلك، فان بين المحبة لهم و أخذ المال منهم العموم من وجه،

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (42) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 315

ثم انهم ذكروا ارتفاع الكراهة بأمور (1) و منها إخراج الخمس (2)

______________________________

فقد يأخذه عوضا عن متاعه في معاملة اضطر إليها. و أما ترتب المفسدة فلا شهادة له في صحيحة أبي بصير، فإنها ناظرة إلى إعانة الظالم، و كون الشخص من أعوان الظلمة على ما تقدم سابقا.

و رواية قبول الامام عليه السلام هدية هارون، لا يمكن الاعتماد عليها، لضعفها

سندا و دلالة، فإنها واردة في مورد خاص، فلعل المال المفروض كان من المجهول مالكه، و مورده التصدق به عن مالكه، و لو لم يكن صرف ذلك المال في تزويج عزاب بني أبي طالب بعنوان الصدقة عن مالكه، لم يكن يأخذه الإمام عليه السلام، و مثل هذا لا يرتبط بالمقام.

و الوجوه التي زادوها على استدلال العلامة مقتضاها- على تقدير تماميتها- كراهة الأخذ حتى مع إحراز كون المال ملك الجائر واقعا، كما أن ما ذكره العلامة مقتضاه كراهة الأخذ حتى مع إحراز كون المال ملك الجائر واقعا، و كراهة الأخذ و التصرف في مطلق المال المشتبه من دون خصوصية للمأخوذ من الجائر.

(1) (الأول) أخبار الجائر بأن المال ملكه واقعا، و لكن قد ظهر مما تقدم أن الكراهة- على تقديرها- لا ترتفع بذلك، فان الموجب لها إما اشتباه المال، و لا يرتفع الاشتباه باخبار العدل، فضلا عن الجائر، و ما ذكره المصنف (ره)- من أن الموجب للكراهة هو كون المال مظنة الحرمة، و مع اخبار الجائر الثقة بكونه ملكا له يخرج المال عن كونه مظنة الحرمة- لا يمكن المساعدة عليه، فان أخبار الاحتياط و التوقف عند الشبهات لا تختص بصورة كون المال مظنة الحرام، بل تعم مطلق ما يحتمل حرمته واقعا. و اما الوجوه المذكورة فقد ذكرنا أن مقتضاها ثبوت الكراهة حتى مع العلم بحلية الجائزة.

(2) (الثاني) إخراج الخمس عن المال المأخوذ من الجائر و لا يخفى أن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 316

..........

______________________________

إخراج الخمس في المال المختلط حكم إلزامي لا حكم استحبابي حتى يتعدى الى المقام.

و ثانيا أن الخمس في المال المختلط ثابت بعنوان التصدق بالمال المجهول مالكه، فيما إذا لم يعلم

قدر المال و صاحبه، و ليس من الخمس المعروف كما عليه المشهور. و على كل تقدير، فالحكم، باستحباب إخراج الخمس- في المقام المفروض فيه احتمال كون جميع المال حراما واقعيا، نظرا الى ثبوته في المال المختلط- قياس مع الفارق، فان التصدق بمقدار الخمس في المال المختلط باعتبار أن عين ذلك إن كان مال الغير فيكون الواجب إيصاله الى صاحبه بالتصدق عنه، و إن كان مال الغير غيره، فيجوز لمن في يده، المال المجهول مالكه، تبديل ذلك المال، و التصدق بالبدل، فالتصدق بالخمس إيصال لمال الغير اليه على كل تقدير، بخلاف المقام المحتمل فيه كون المأخوذ بتمامه مال الغير كما لا يخفى.

و اما الموثقة المسئول فيها عن عمل السلطان- «يخرج فيه الرجل، قال عليه السلام: لا إلا أن لا يقدر على شي ء يأكل و يشرب، و لا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الى أهل البيت عليهم السلام» «1»- فلا يمكن الاستدلال بها على استحباب الخمس. و الوجه في ذلك أنه يدور الأمر فيها بين رفع اليد عن إطلاقها و حملها على لزوم بعث الخمس في المقدار الزائد على المئونة، بقرينة مثل صحيحة على بن مهزيار الدالة على كون الخمس بعد مؤنة الرجل و عياله، و بين إبقاء الإطلاق على حاله، و حمل الأمر بالبعث على الاستحباب و المتعين هو التقييد كما هو المقرر في بحث الإطلاق و التقييد.

و بهذا يظهر الحال فيما دل على وجوب الخمس في الجائزة، و أنه بقرينة أن المال الواحد لا يخمس مرتين، يحمل على كونه بالإضافة إلى الزائد على المئونة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) باب (48) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (3).

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 317

و ان كانت الشبهة محصورة (1)

______________________________

(1) قد ذكرنا أن العلم الإجمالي يكون في الصورة الثانية منجزا للحرام الواقعي (تارة) و غير منجز له (أخرى) و الجائزة فيها مع عدم منجزيته محكومة لقاعدة اليد، بأنها كانت ملك الجائر، و قد انتقلت الى الآخذ، بخلاف ما إذا كان العلم الإجمالي منجزا، كما إذا أراد أخذ شي ء من تلك الأموال مقاصة، أو أذن الجائر في أخذ شي ء منها بنحو التخيير، فإنه لا يجوز مع ذلك العلم الإجمالي.

قال في الشرائع: (جوائز السلطان الجائر إن علمت حراما بعينها فهي حرام و ذكر في المسالك في شرح العبارة: (ان التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها، و إن علم أن في أمواله مظالم، كما هو مقتضى حال الظالم، و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع، للنص على ذلك) فيقع الكلام في مراده من النص، فإن أراد الروايات الدالة على الترخيص و البراءة في الشبهات نظير قوله (ع): (كل شي ء حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه) فقد ذكر المصنف (ره) أن المقرر في محله حكومة قاعدة الاحتياط عليها.

و فيه ما لا يخفى، فان دليل البراءة بشموله لمورد يكون واردا على قاعدة الاحتياط دون العكس، فان الموضوع في قاعدة الاحتياط احتمال العقاب، و مع ثبوت الترخيص في ارتكاب مشتبه لا يكون احتمال عقاب أصلا. و الصحيح عدم جريان الروايات الدالة على الترخيص في موارد العلم الإجمالي بالتكليف، لاستقلال العقل بكفاية العلم الإجمالي في وصول ذلك التكليف، و لا يمكن الترخيص القطعي في مخالفة التكليف الواصل، فتكون تلك الروايات مقيدة عقلا، و على من جوز أخذ الجائزة في صورة العلم الإجمالي المنجز الالتزام بأن

الشبهة المحصورة كالشبهة البدوية في عدم تنجز التكليف أصلا، كما عليه شرذمة من متأخري المتأخرين، إلا ان لا يكون كلامه ناظرا إلى صورة العلم الإجمالي المنجز، و شي ء من هذين لا يناسب تفسير المسالك، فان ظاهره أن لجائزة السلطان خصوصية مستفادة من النص، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 318

..........

______________________________

باعتبارها تفترق عن سائر موارد العلم الإجمالي بالحرام. و لا يجرى فيها وجوب الاحتياط الثابت في المال المختلط.

و إن أراد من النص صحيحة أبي ولاد، فقد ذكر المصنف (ره) فيها ثلاثة احتمالات، و ليس عليها خصوصية لجوائز السلطان، قال أبو ولاد: «قلت لأبي عبد اللّه (ع)، ما ترى في رجل يلي أعمال السلطان، و ليس له مكسب إلا من أعمالهم و انا أمر به و انزل عليه، فيضيفني و يحسن الى و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدري من ذلك؟ فقال: خذ منها فلك المهنأ و عليه الوزر» «1» و الاحتمالات (أولها) كون الواصل الى الشخص من العامل مالا مشتبها بالشبهة البدوية، فإن العامل المفروض باعتبار حرمة عمله، يكون كسبه محرما، و حلية طعامه أو هديته للغير، باعتبار احتمال كونهما من أمواله الشخصية. بالاقتراض أو الشراء في الذمة، لا من أجرة عمله.

و (ثانيها)- ان يعلم الآخذ بكون المأخوذ من أجرة عمل العامل. و بما أن الأجرة تكون من الخراج أو المقاسمة المباحة للشيعة، فيجوز للأخذ تملكها و التصرف فيها، فله المهنأ، بخلاف العامل، فإنه لا يحل له، فيكون عليه وزرها، إذ لو فرض أن المال من غير الخراج و المقاسمة، يكون محرما على الآخذ ايضا، باعتبار كونه إما ملكا شخصيا للسلطان و قد أعطاه للعامل اجرة على عمله

الحرام، أو ملكا لسائر الناس وقع بيد العامل جورا، فلا يكون الإطعام به أو هديته من المالك الشرعي، حتى يحل للأخذ.

و (ثالثها) كون الواصل من الأموال الموجودة عند العامل المعلوم إجمالا حرمة بعضها، و حلية المأخوذ باعتبار أصالة الصحة الجارية في إطعام العامل

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 319

..........

______________________________

و إحسانه، و لا تعارض بأصالة الصحة في سائر الأموال التي عنده، لأن أصالة الصحة فيها لا تكون ذات أثر بالإضافة إلى السائل.

(أقول) قد مر أنه لا مجرى لأصالة الصحة في أمثال المقام من موارد الشك في السلطنة على التصرف، فإن العمدة في وجه اعتبارها هي السيرة التي لم يحرز جريانها في موارد الشك في سلطنة الفاعل. نعم لا بأس بالأخذ بقاعدة اليد بالإضافة إلى المأخوذ من مثل العامل المفروض، و لا تعارض باليد على سائر الأموال التي عنده على ما مر، كما يمكن أن يكون وجه حل المأخوذ للسائل كونه من المال المجهول مالكه، و قد أجاز عليه السلام تصرف السائل فيه بالتملك أو غيره صدقة عن مالكه، فيكون المال وزرا على العامل لجوره في أخذه، و مهنا للأخذ كما لا يخفى.

و مما ذكرناه يظهر الحال في رواية أبي المغراء أو غيرها قال: «أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم، و قلت أحج بها؟ قال: و حج بها» «1» فان المفروض كون المأخوذ مجرى لقاعدة اليد، و مقتضاها جواز تملك ذلك المال و صحة التصرفات الجارية عليه.

(لا يقال): لا بد من حمل الجواز في هذه الاخبار على الحلية الواقعية. و (بعبارة أخرى) تكون مثل صحيحة زرارة و محمد بن

مسلم جميعا عن ابى جعفر عليه السلام، قال: «جوائز السلطان لا بأس بها» «2» خاصة يرفع بها اليد عن عموم ما دل على حرمة أكل مال الغير بلا رضاه، و يكون المورد نظير ما ورد في لقطة الحيوان: من جواز تملكها مطلقا، و في لقطة غيره، من جواز تملكها بعد تعريف سنة، و ما ورد في جواز أكل المار من الثمار من طريقه، حتى مع إحراز عدم رضا صاحبه.

______________________________

(1) الوسائل باب: (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (2).

(2) الوسائل باب: (52) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 320

..........

______________________________

(فإنه يقال) المراد بالحلية في الروايات المشار إليها هي الظاهرية، بشهادة مثل صحيحة ابى عبيدة الحذاء، قال عليه السلام فيها في جواب السؤال عن الشراء من السلطان: «و ما الإبل إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه» «1» فإنها شاملة للجائزة. و عدم البأس فيها مقيد بعدم عرفان الحرام، نظير سائر الخطابات المتضمنة للاحكام الظاهرية. و يلزم على القائل بالحلية الواقعية الالتزام بها حتى في صورة العلم تفصيلا بحرمة الجائزة، أخذا بإطلاق نفى البأس عن الجائزة.

و ربما يظهر الالتزام بذلك من المحقق الإيرواني، و لكن مع عدم عرفان مالكه، نعم يمكن دعوى الحلية الواقعية في موردين: (أحدهما) ما إذا أخذ الربا مع جهله بحرمته، بلا فرق بين كون ذلك الربا مخلوطا بغيره أو متميزا و (ثانيهما) إذا وصل مال الى يد الوارث، مع علمه بأن فيه ربا، فان جميع المال يكون حلالا للوارث، مع اختلاطه، و في صحيحة أبي المغراء عن أبى عبد اللّه عليه السلام، قال:

«كل ربا أكله الناس

بجهالة، ثم تابوا، فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة، و قال: لو أن رجلا ورث من أبيه مالا، و قد عرف أن في ذلك المال ربا، و لكن اختلط في التجارة بغير حلال كان حلالا طيبا، فليأكله، و إن عرف منه شيئا أنه ربا فليأخذ رأس ماله، و ليرد الربا و أيما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه الربا، فجهل ذلك ثم عرفه، فأراد أن ينزعه فما مضى له، و يدعه فيما يستأنف» «2».

و مثلها صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: «أتى رجل أبا عبد اللّه عليه السلام، فقال انى ورثت مالا، و قد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) باب: (52) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (5) من أبواب الربا- الحديث: (2- 3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 321

و أوضح ما في الباب (1)

[الثالثة أن يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه]

فلا إشكال في حرمته حينئذ على الآخذ (2)

______________________________

يربى، و قد عرف ان فيه ربا، و استيقن ذلك، و ليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، و قد سألت فقهاء العراق و أهل الحجاز، فقالوا لا يحل اكله؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: إن كنت تعلم بان فيه مالا معروفا ربا، و تعرف اهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا، فإن المال مالك و اجتنب ما كان يصنع صاحبه.» «1»

و قريب منها غيرها، و لكن الحكم في الوارث خلاف المشهور، بل لم يحضرني الآن قول به من الأصحاب، غير ما ربما يستظهر من كلام ابن الجنيد، حيث قال في جملة كلام له:

(أو ورث مالا يعلم ان صاحبه يربى، و لا يعلم الربا بعينه فيعزله، جاز له اكله و التصرف فيه إذا لم يعلم فيه الربا) فتأمل و كيف كان فلا يجرى ذلك في سائر المال المختلط بالحرام.

و بهذا يظهر أن ما عن السيد اليزدي (ره)- من استشهاده على عدم وجوب الاجتناب عن المال المختلط بالحرام بهذه الروايات- لا يمكن المساعدة عليه.

(1) أى أن الأوضح- من جهة الدلالة على أن جوائز السلطان ليست بخارجة عن قاعدة الشبهة المحصورة لأجل النص- عبارة السرائر، حيث قال: (إذا كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا، إلا أنه غير متميز العين، بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها على جهة الخراج، فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته، لأنها صارت بمنزلة المستهلك، لانه غير قادر على ردها بعينها) انتهى.

و وجه كونها أوضح عدم استناد ابن إدريس في تجويز الجائزة إلى النص، بل اعتمد فيه على قاعدة الاستهلاك و عدم إمكان رد المال بعينه.

(2) اى أنه لا إشكال في أن وقوع المال بيد الجائر لا يكون موجبا لحله على الآخذ و يقع الكلام في فروض.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (5) من أبواب الربا- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 322

..........

______________________________

(الأول)- ما إذا علم بحرمة المال قبل أخذه و ذكر المصنف (ره) عدم جواز الأخذ في ذلك بغير نية الرد الى المالك، بلا فرق بين أخذه اختيارا أو تقية. و الوجه في عدم الجواز أن الأخذ بغير تلك النية تصرف لم يعلم رضا صاحبه به، كما أن الشارع لم يأذن فيه، بل قد منع عن التصرف في مال الغير، و رفع الاضطرار أو مشروعية التقية

لا يوجب جواز ارتكاب محرم لم يطرأ الاضطرار على خصوصه، بل على الجامع بينه و بين ما هو محلل، كما إذا اضطر الى شرب أحد ماءين لرفع عطشه المهلك أحدهما طاهر و الآخر متنجس، فإنه لا يجوز له شرب المتنجس بعنوان الاضطرار اليه، حيث إنه لم يطرأ على شربه، و لذا يجب على المصلى مع المخالفين تقية السجود على الأرض مع تمكنه عليه، بلا محذور، كما إذا كان المكان مفروشا بما يصح السجود عليه.

و ذكر المحقق الإيرواني (ره) عدم جواز الأخذ حتى بنية الرد الى المالك، فيما إذا أحرز عدم رضاه بأخذه مطلقا، بل لا يجوز مع الشك في رضا المالك بأخذه بنية الرد اليه، حيث أنه يحرز بالاستصحاب عدم رضاه بالأخذ، و لا يكون وضع اليد على المال بنية الرد الى المالك مع عدم رضاه، إحسانا إليه ليقال بحكومة قوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «1» على أدلة عدم حل التصرف في مال الغير بلا رضاه، و لذا لو باع الأجنبي مال أحد بثمن أغلى مما يريد المالك بيعه به، لا يحكم بصحته أخذا بقوله مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ و كذا لو أراد تزويج بنته من أحد، و زوجها الأجنبي من آخر، مع كون تزويجها منه أصلح بمراتب، فإنه نكاح فضولي.

(أقول) لو أحرز رضا المالك بالبيع المزبور أو رضا الأب بذلك النكاح حكم ايضا بكونهما من العقد فضولا، فيحتاج في نفوذه إلى الإجازة، و ذلك فان قوله سبحانه- مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ- لا يصحح استناد البيع الى المالك أو استناد

______________________________

(1) سورة التوبة (10) الاية: (91)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 323

..........

______________________________

النكاح إلى الزوجة أو وليها لتعمها أدلة

الإمضاء.

و عن السيد الخوئي طال بقاه التفرقة بين صورة إحراز عدم رضا المالك بالأخذ و لو مع نية الرد اليه، و بين الشك في رضاه، و أنه لا يجوز الأخذ في الأول و يجوز في الثاني، بدعوى أنه مع إحراز عدم الرضا يكون مقتضى (الناس مسلطون على أموالهم) عدم الجواز، حيث ان الأخذ معه معارضة لسلطنة المالك و عدوان على ملكه، و لذا لا يجوز دق باب الغير مع منعه عن دقة. و هذا بخلاف صورة عدم منعه، فإنه لا بأس به، و لا يكون فيه أى معارضة لسلطنة المالك و عدوان على ماله.

(أقول): الصحيح ما يظهر من المصنف (ره) من جواز الأخذ بنية الرد الى المالك حتى في صورة إحراز عدم رضا المالك بالأخذ، فإن الأخذ مع تلك النية إحسان إلى المالك، و إنقاذ لماله، فلا ينافي احترام المال، ا لا ترى أنه لا يكون إنقاذ المال الغريق عدوانا على مالكه، حتى فيما إذا لم يرض بإنقاذه من التلف، و لا يكون عدم رضاه به بداع غير عقلائي مانعا عن صدق الإحسان على أخذه، و التحفظ عليه من التلف، كذا الحال في فرض دق باب الغير فيما إذا كان ذلك لإنقاذ مالهم من الهلاك، و إخماد النار الواقعة على بيتهم، و هكذا و هكذا.

و الحاصل أن ما دل على حرمة مال الغير و عدم جواز التصرف فيه بلا رضا مالكه منصرف عن مثل هذه التصرفات التي تكون انقاذا لمال الغير، فيكون مثل قوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ حاكما بلا معارض. و بهذا يظهر أن الجواز في الفرض باعتبار إذن الشارع في ذلك التصرف، و بما أن أخذ المال إحسان إلى المالك، فيكون

في يد الآخذ أمانة شرعية يترتب عليه أحكامها الآتية.

هذا كله فيما إذا علم بكون المال ملك الغير قبل أخذه و أما إذا علم ذلك بعد أخذه بنية التملك، فان كان هذا العلم بعد تلفه، فلا إشكال أيضا في ضمانه، كالصورة التي أخذه بنية التملك مع علمه بالحال، و إنما الفرق بينهما في استحقاق العقاب على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 324

..........

______________________________

الأخذ فيها، بخلاف صورة علمه بالحال بعد تلفه، فإنه لا استحقاق مع الحلية الظاهرية.

و أما إذا علم بالحال و قصد الرد الى المالك ثم تلف المال في يده، فقد ذكر المصنف (ره) أن مقتضى حدوث الضمان عند الأخذ أن يكون المورد من موارد استصحاب الضمان، عكس ما ذكره في المسالك من أن المستصحب هو عدم الضمان، بل الحكم بعدم الضمان مناف لما ذكره- في مسألة تعاقب الأيدي على مال الغير- من عدم الفرق في إيجاب اليد الضمان بين وضعها على مال الغير، مع العلم بالحال أو مع الجهل، فان هذا الكلام كما ترى يقتضي كون اليد في المقام، حين حدوثها موجبه للضمان، فيستصحب.

و ذكر السيد اليزدي (ره) في تعليقته على المقام: (أنه بعد علمه بالحال و قصده رد المال الى مالكه، يرتفع عنوان العدوان عن اليد، و ينطبق عليها عنوان الإحسان المنافي للضمان) ورد عليه الإيرواني و السيد الخوئي بان طرو عنوان الأمانة الشرعية على اليد فيما بعد لا يوجب ارتفاع الضمان كما إذا تاب الغاصب و ندم عن عدوانه، و أراد رد المال الى مالكه، فتلف في طريق رده، فان المشهور أن عليه ضمان المال. و كذا فيما إذا وضع اليد على مال بقصد تملكه، جهلا بالحال. و أخذا بالحكم

الظاهري، كما إذا اشترى متاعا، ثم انكشف كونه غصبا و أراد إرجاعه إلى مالكه فتلف، فان وضع يده على المال لكونه تصرفا في مال الغير بلا رضاه حرام واقعا، و ارادة رده بعد كشف الحال لا تزيد على ارادة الرد في الغاصب النادم، كما هو المقرر في بحث تعاقب الأيدي على مال الغير. و السر في ذلك أن الأمانة الشرعية لا تثبت على المكلف الضمان، و (بعبارة أخرى) تلك الامانة لا تقتضي الضمان، فلا ينافي ثبوته بوجه آخر، و الوجه الآخر كون اليد حين حدوثها على المال موجبة للضمان. و هذا الضمان يبقى الى رد المال الى مالكه، كما هو ظاهر حديث (على اليد) نعم لو أخبر المالك بان عنده ماله، فاذن المالك في الإمساك به يكون هذا ردا للمال الى مالكه أي تخلية بينه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 325

..........

______________________________

و بين المال، فيرتفع الضمان.

(أقول) الظاهر الفرق بين المثالين و بين المقام، و أنه لا بد من الالتزام بارتفاع الضمان في المقام دونهما، فان وضع اليد فيهما على مال الغير حرام بحسب الواقع فعلا أو ملاكا، كما هو المقرر في مسألة التوسط في الأرض المغصوبة و الندم بعده، فإنه بالندم و ارادة الخروج، لا يكون التوسط فيها بالخروج حلالا، بل هو حرام ملاكا و لو بحسب الواقع، بخلاف المقام فإن أخذ المال من الجائر بقصد الرد الى مالكه باعتبار كونه انقاذا لذلك المال حلال واقعا، فان كان قصد الرد من الأول يكون المال في يد الآخذ أمانة شرعية من الأول، و لا ضمان فيها لقوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ و إن كان قصد الرد بعد العلم بالحال كان الإمساك

بذلك المال الى رده الى مالكه حلالا واقعا، من حين القصد كما تكون يده عليه أمانة شرعية و بما أن عموم على اليد مخصص في موارد الأمانة المالكية أو الشرعية، سواء كان المال امانة من الأول أو في الأثناء، فلا مجال للأخذ به، و لذا لا أظن أن يلتزم أحد بالضمان، فيما إذا أعلن المالك بأن من كان ماله بيده فليمسك به الى رده اليه، و إذا كان هذا حال إذن المالك كان اذن الشارع واقعا كذلك. و قوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ينفى الضمان لا أنه لا يثبته حتى لا يكون منافيا لإثبات الضمان باليد حين حدوثها.

و مما ذكرنا ظهر الفرق بين المقام و بين ما وضع يده على مال الغير عدوانا، ثم خرج من يده بعدوان شخص آخر، و تلف في يد ذلك الآخر، فان للمالك الرجوع الى كل منهما، و وجه الظهور أن اليد الحادثة توجب الضمان، و خروج المال عن يده بعد ذلك لا يمنع الضمان، بخلاف المقام، حيث ان طرو الامانة على اليد يقتضي عدم ضمانه، كما لا يخفى ايضا الفرق بين المقام و بين فرض اشتراء المتاع، ثم ظهور كونه غصبا في مسألة تعاقب الأيدي، حيث أنه لم يفرض فيها كون أخذ ذلك المال من البائع الفضولي انقاذا لذلك المال عن التلف، و لذا يكون أخذه أو إمساكه محرما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 326

و على أى حال فيجب على المجاز رد الجائزة (1)

______________________________

واقعا، و كانت الحلية ظاهرية، بخلاف المقام، فإن إمساكه مع قصد الرد حلال واقعا، كما مر.

ثم إنه على تقدير تسليم عموم على اليد للمقام و معارضته بقوله سبحانه مٰا عَلَى

الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ تصل النوبة بعد سقوط الإطلاق من الجانبين إلى أصالة البراءة عن الضمان، لعدم المجال للاستصحاب في الشبهات الحكمية. هذا مع الإغماض عن أن حديث على اليد ضعيف سندا، فلا يصلح للاعتماد عليه، و العمدة في ضمان التلف في اليد، هي السيرة العقلائية التي لم تحرز ثبوتها في مثل المقام.

(1) ذكر (ره) الأحكام المترتبة على المأخوذ في الصورة الثالثة، منها وجوب رده الى مالكه فورا، و ذلك فان المقدار الزائد على المتعارف في الإمساك تصرف لم يعلم رضا مالكه به، و الشارع قد أذن في إمساكه بعنوان الإحسان إلى مالكه بإنقاذه كما تقدم. و الزائد على المتعارف لا يكون إحسانا اليه و لا دخيلا في إنقاذ ماله.

و (منها)- أن الواجب في الرد وجوب الإقباض، و يحتمل كفاية التخلية بين المال و مالكه.

(أقول) اللازم في موارد الأمانة هي التخلية بين المال و مالكه، و لو بإعلامه بكون المال عنده، و انه لا مانع من قبله في أخذه. و أما إيصال المال الى مالكه بحمله اليه، فلا دليل عليه. و المحرم حبس المال عن مالكه و الحيلولة بينهما، و لا يكون قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ، الآية «1» و كذا الروايات الظاهرة في هذه التخلية. نعم في مورد الاستيلاء على الأموال المنقولة عدوانا يجب إيصالها إلى مالكها، فإن إمساكها و لو مع التخلية تصرف لا يرضى به صاحبها و لا الشارع، و كذا الحال في موارد أخذ المال من مالكه لا للإحسان إليه، بل لمصلحة نفسه، كما في موارد العارية أو العين المستأجرة، فإن إبقاء العين فيهما تصرف لا يرضى به صاحبه.

______________________________

(1) سورة النساء (4) الاية. (580)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 1، ص: 327

..........

______________________________

و المتحصل أن وجوب إيصال المال الى مالكه بالإقباض في هذه الموارد باعتبار أن الإمساك بالمال يعد تصرفا في مال الغير و منافيا لاحترامه. و هذا بخلاف الإمساك في مثل الوديعة أو المجهول مالكه، فإن الإمساك بالمال فيهما مع التخلية لا يعد تصرفا منافيا لاحترام المال. و لا يبعد أن تكون السيرة العقلائية ايضا على هذا القرار فلاحظ.

و (منها)- لزوم الفحص عن مالك المال في صورة احتمال الظفر به، فان لزومه باعتبار كون الفحص مقدمة للرد الواجب في مثل قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا مع ورود الأمر بالفحص في بعض روايات الدين، و العين المجهول مالكها، بحيث يظهر منها أن لزومه حكم المال المجهول مالكه، كمعتبرة يونس ابن عبد الرحمن، قال: «سأل أبو الحسن الرضا (ع) و أنا حاضر- الى ان قال- رفيق كان بمكة فرحل منها إلى منزله، و رحلنا الى منزلنا، فلما أن سرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأي شي ء نصنع به؟ قال: تحملونه إلى الكوفة، قال لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟ قال: إذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه، قال:

على من جعلت فداك؟ قال: على أهل الولاية» «1» فإن مقتضى مفهوم الشرطية في قوله: (إذا كان كذا) عدم جواز التصدق بالمال مع احتمال الظفر بمالكه و لو بالفحص.

و قريب منها صحيحة معاوية بن وهب عن ابى عبد اللّه (ع) «في رجل كان له على رجل حق، فقده و لا يدرى أين يطلبه، و لا يدرى أ حي أو ميت، و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، قال: اطلب، قال: إن ذلك قد

طال فأتصدق به؟ قال: اطلبه» «2» فان دعوى أن المستفاد منهما و من غيرهما حكم المال المجهول مالكه بحيث يعم الجائزة المأخوذة من الجائر قريبة جدا. و على ذلك فلا مجال لما ذكره المصنف (ره) من

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (7) من أبواب اللقطة- الحديث (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب (6) من أبواب ميراث الخنثى- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 328

..........

______________________________

أنه يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص عن مالك المال المأخوذ من الجائر، بأن يجوز التصدق به، أخذا بإطلاق بعض الاخبار الواردة في التصدق مع عدم معرفة صاحبه، كرواية أبي حمزة عن ابى عبد اللّه (ع)، و فيها: «فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم، فمن عرفت رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدقت به» «1».

(أقول): قد ذكرنا ظهور الروايات في لزوم الفحص، و عليه فلا بد من رفع اليد عن إطلاق مثل هذه بحملها على صورة عدم الظفر على مالك المال بعد الفحص مع أن هذه لضعف سندها غير صالحة للاعتماد عليها.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن رواية على بن أبي حمزة يعارضها قوله سبحانه:

إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا و المعارضة بالعموم من وجه، لشمول الآية للأمانات المالكية و الشرعية، و لكنها مختصة بصورة التمكن على الرد الى المالك، كما هو مقتضى الأمر بالرد اليه، و رواية أبي حمزة مختصة بالأمانات الشرعية، و لكنها مطلقة من جهة التمكن من الرد الى المالك و عدمه، فان مدلولها وجوب التصدق بالمال، سواء كان متمكنا من رده الى صاحبه بالفحص أم لا، ففي صورة التمكن من الرد بالفحص عنه تقع المعارضة بينهما، و بعد

تساقطهما يرجع الى ما دل على عدم جواز التصرف في مال الغير بلا رضاه، و أن حرمة ماله كحرمة دمه.

و فيه أنه لا تجتمع الآية و رواية أبي حمزة بحسب المورد أصلا، حتى يقال بتساقط إطلاقي وجوب أداء المال الى مالكه، و وجوب التصدق به و لو مع احتمال التمكن من الرد اليه بالفحص، حيث أن المال- المحكوم عليه في الرواية بوجوب التصدق به مع عدم عرفان مالكه- لا يكون من قسم الأمانات لا المالكية و لا الشرعية لتعمه الآية، فالصحيح في الجواب ما تقدم.

و (منها)- أنه لو ادعى المال شخص، ففي سماع دعواه سواء كانت مع توصيفه

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (47) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 329

..........

______________________________

المال أولا، حيث أنه تقبل دعوى المالكية فيما إذا كانت بلا معارض، أو مع توصيفه المال، تنزيلا للمقام باللقطة، أو يعتبر إحراز المالكية بطريق معتبر كالبينة أو الاطمئنان؟

وجوه الأظهر هو الأخير، كما هو مقتضى قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا و قوله (ع) في موثقة أبي بصير: «حرمة مال المؤمن كحرمة دمه» «1» فان مقتضاها ايضا لزوم رد المال الى مالكه، و لا دليل على أن مجرد دعوى المالكية طريق شرعي إلى إحراز المالك، حتى مع توصيف المال، و حتى في باب اللقطة. و أصالة الصحة في دعواه لا تثبت أن المال ملكه، بل مدلولها عدم نسبة الكذب اليه بتلك الدعوى، كما هو مقتضى حمل فعل المسلم على الصحيح، بمعنى عدم صدور الحرام منه. نعم إذا لم يكن الشخص واضعا يده على المال حتى يجب عليه رده الى مالكه، فلا يبعد

أن يجوز له المعاملة مع مدعيه معاملة المالك، و في رواية منصور بن حازم عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «قلت عشرة كانوا جلوسا في وسطهم كيس فيه الف درهم، فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقال كلهم: لا، و قال واحد منهم هو لي، فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه» «2» و ظاهرها سماع دعوى الملكية، و لكنها ضعيفة سندا، فان محمد بن الوليد الواقع في سندها هو الخراز المعتبر أو الصيرفي الضعيف، كل محتمل، إلا أنها تصلح لتأييد ما ذكرنا، لان سماع الدعوى في الفرض مقتضى السيرة العقلائية كما لا يخفى.

ثم إنه إذا لم يكن الشخص مستوليا على مال الغير كما في الحيوان إذا دخل داره أو الثوب جاءت به العاصفة، فلا يبعد القول بعدم لزوم الفحص عن مالكه، بل يجب الرد إليه إذا عرفه و لو بعد حين، كما يشهد لذلك ذيل صحيحة أبي نصر، قال:

«سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة، و

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب: (152) من أبواب أحكام لعشرة- الحديث: (12)

(2) وسائل الشيعة الجزء (8) الباب (17) من أبواب كيفية الحكم- الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 330

..........

______________________________

هو مستوي الجناحين، و هو يعرف صاحبه ا يحل له إمساكه؟ فقال: إذا عرف صاحبه رده عليه، و إن لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له، و إن جائك طالب لا تتهمه رده عليه» «1» و ظاهر عدم اتهامه الوثوق بقوله، و لكن في دلالتها على ما ذكرنا تأمل كما لا يخفى.

و (منها) أنه لو احتاج الفحص عن المالك الى بذل المال، فهل يجب الفحص و البذل على الآخذ

أم لا؟ لا ينبغي التأمل في وجوب الفحص على الآخذ، سواء كان الفحص موقوفا على صرف المال أو عدمه، و يقتضيه إطلاق الأمر بالطلب في مثل صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة، و إطلاق وجوب الرد في الآية المباركة، و صرف المال من كيس المالك المجهول بالاستدانة عليه أو بيع بعض المال، و يكون المتصدي للبيع و الاستدانة الحاكم الشرعي أو وكيله و لكن لا دليل على شي ء من ذلك في موارد كون الأخذ بعنوان العدوان أو للجهل، بحيث لا يكون الآخذ معه محسنا إلى المالك. و حديث نفى الضرر لا ينفى وجوب الرد في تلك الموارد، لان صرف المال من كيس المالك أو عدم وجوب الرد الى المالك ضرر على المالك. و يختص جريان نفى الضرر بموارد كون النفي للامتنان.

نعم لو كان الأخذ إحسانا إلى المالك كما في موارد إنقاذ المال من التلف، يكون مقتضى آية نفى السبيل عدم وجوب صرف المال من كيس الآخذ، فتعين الاستدانة أو بيع بعض المال، و يباشر بذلك الحاكم أو وكيله من باب الحسبة، و بهذا يظهر الحال في اللقطة أيضا، فإن أخذها في موضع التلف يوجب كونه محسنا، فلا يجب عليه تحمل مؤنة إيصالها إلى مالكها أو أجرة تعريفها، بخلاف ما التقطها في موضع يؤمن عليها من التلف كما لا يخفى.

و (منها) أن الفحص عن المالك في المقام لا يقيد بالسنة، بل الجاري عليه حكم مطلق المال المجهول مالكه و هو وجوب الفحص، حتى يحصل الاطمئنان بعدم

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (15) من أبواب اللقطة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 331

..........

______________________________

إمكان الظفر بالمالك المعبر عنه في بعض الكلمات باليأس. و ما

دام لم يحصل هذا اليأس، لا يجوز التصرف في المال بالتصدق، سواء كان ذلك قبل تمام السنة أو بعدها بخلاف اللقطة، فإنه يجوز التصرف فيها بالتصدق أو بالتملك بعد تمام سنة الفحص، و لو مع عدم اليأس عن الظفر بمالكها.

و بعبارة أخرى الاطمئنان بعدم الظفر بالمالك طريق معتبر الى عدم التمكن من رد المال الى صاحبه، فيسقط معه وجوب رده اليه بطلبه. و لا دليل على تنزيل المقام باللقطة. نعم ربما يذكر على ذلك رواية حفص بن غياث عن ابى عبد اللّه (ع) «عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم و متاعا، و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: لا يرده، فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل، و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها، فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه، و الا تصدق بها، فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الأجر و العزم.» «1»

و لكنها باعتبار الخدشة في سندها غير صالحة للاعتماد عليها، و لعله لذلك ألحقا في النهاية و التحرير الوديعة بمطلق المجهول مالكه، خلافا لما عن المصنف و غيره من التعدي من اللص الى مطلق الغاصب و الظالم، و عدم التعدي من الوديعة إلى غيرها.

نعم في السرائر فيما نحن فيه يعني في جوائز السلطان روى أنها بمنزلة اللقطة و لعل هذا مبنى على التعدي من مورد الرواية، لا أن في البين رواية أخرى واردة في جوائز السلطان، و دالة على أنها مع العلم بحرمتها بمنزلة اللقطة كما لا يخفى.

و (منها)- أن حكم المال فيما نحن فيه بعد اليأس عن الظفر بمالكه قبل الفحص أو بعده هو التصدق به عن مالكه، كما في سائر المال المجهول مالكه، و

الحكم بالتصدق هو المشهور، و في السرائر (أن الجائزة مع العلم بحرمتها ترد إلى أربابها

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (17) الباب: (18) من أبواب اللقطة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 332

..........

______________________________

فان لم يعرفهم و اجتهد في طلبهم فقد روى أصحابنا أنه يتصدق بها) و ذكر المصنف (ره) أن هذه المرسلة يجبر ضعف سندها بالشهرة المحققة، و يؤيد مضمونها أن التصدق أقرب طريق للإيصال إلى المالك. و لا يبعد دعوى كون التصدق بالمال عن مالكه مما يعلم رضا المالك به بشهادة الحال. و ما في السرائر- بعد نقل المرسلة من أن الأحوط حفظ المال و الوصية به- فهو إيقاع للمال في معرض التلف.

(أقول): من المحتمل قريبا أن يكون قول ابن إدريس انه قد روى أصحابنا (إلخ) من جهة استفادته من رواية على بن أبي حمزة المتقدمة، فلا مجال للقول بأنها رواية مرسلة مؤيدة باخبار اللقطة و بالخبر الوارد في كسب المال في ديوان بنى أمية و غيره، بل لا بد من ملاحظة تلك الاخبار و الإغماض عن دعوى وجود المرسلة كما لا يخفى.

و من العمدة في الباب معتبرة يونس المتقدمة المؤيدة ببعض الاخبار الوارد فيها الأمر بالتصدق كرواية على بن أبي حمزة المتقدمة، و بها يرفع اليد عن إطلاق الأمر بالطلب في صحيحة معاوية بن وهب الآمرة بطلب المالك، بأن يحمل وجوب الطلب على صورة عدم اليأس عن المالك، فلا تنافي وجوب التصدق بعد ذلك.

و ذكر المصنف (ره) تأييد الحكم بالأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين و قد ورد ذلك الأمر في روايتين لعلى بن ميمون الصائغ، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عما يكنس من التراب فأبيعه فما اصنع به؟

قال: تصدق به، فاما لك و اما لأهله، قلت: فان فيه ذهبا و فضة و حديدا، فبأي شي ء أبيعه؟ قال بعه بطعام، قلت: فان كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم» «1» و في الأخرى، قال: «سألته عن تراب الصواغين و أنا نبيعه قال: أ ما تستطيع ان تستحله من صاحبه؟ قال: قلت لا، إذا أخبرته اتهمني، قال: بعه، قلت بأي شي ء نبيعه، قال بطعام، قلت: فأي شي ء أصنع به؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (16) من أبواب الصرف- الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 333

..........

______________________________

قال تصدق به، أما لك و إما لأهله، قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا أصله، قال:

نعم» «1».

و لكنهما ضعيفتان سندا: و دلالة أما سندا، لعدم ثبوت وثاقة على بن ميمون الصائغ، نعم ذكر الكشي رواية في مدحه، الا أن راويها نفس على بن ميمون، و لا يصح إثبات وثاقة شخص أو مدحه برواية نفسه، و أما دلالة، فلان التصدق في الروايتين استحبابي فكيف تصلحان للتأييد، و الوجه في كونه استحبابيا ان المفروض فيها ملك للصائغ كلا أو بعضا، فلا يجب عليه التصدق بماله. و احتمال كون التصدق واجبا بالإضافة إلى حصة الآخرين فقط خروج عن ظاهرهما، فان ظاهرهما كون جميع المال محكوما بالتصدق به.

ثم إن في الرواية الثانية شبهة اخرى، و هي سقوط احترام مال الغير و جواز التصدق به بمجرد كون إيصاله اليه أو الاستحلال منه مورد التهمة. و هذا لا يمكن الالتزام به. و برواية ابى على ابن راشد، قال: «سألت أبا الحسن (ع)، قلت:

جعلت فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفرت المال خبرت أن الأرض وقف، فقال: لا يجوز

شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك، ادفعها الى من أوقفت عليه، قلت: لا اعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها» «2» و المراد بالغلة أما ثمرة البستان أو أجرة الأرض. و أما الزرع فإنه لمالك البذر لا لمالك الأرض حتى يتصدق به عنه. و الرواية لا بأس بها من حيث السند، لأن أبا على من الممدوحين على ما ذكر الشيخ ره و محمد بن جعفر روى عنه على بن إبراهيم في تفسيره، و لا تقصر في الدلالة على لزوم التصدق بمجهول المالك عن معتبرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (16) من أبواب الصرف- الحديث (2)

(2) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (6) من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 334

..........

______________________________

يونس المتقدمة. و في مقابل ذلك كله ما يستظهر منه عدم وجوب التصدق بالمال المجهول مالكه، كصحيحة على بن مهزيار، حيث ذكر فيها من الغنيمة التي يجب فيها الخمس مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب «1» و استظهر منه المحقق الهمداني جواز تملك مجهول المالك و كونه ملكا لمن يقع بيده، و أصر عليه الإيرواني (ره).

و لكن الصحيح أن الرواية في مقام بيان ما يجب فيه الخمس بعد فرض تملكه أو صيرورته ملكا، و انه مما يجب فيه الخمس هو المال المجهول مالكه، لا في مقام بيان صيرورة المال ملكا لمن يقع بيده، و على ذلك فيمكن أن يختص جواز تملك المال المجهول مالكه بمورد خاص، كاللقطة بعد تعريفها سنة، أو كون الآخذ فقيرا و نحو ذلك. و لذا لا يمكن الأخذ بالإطلاق في سائر ما ذكر فيها، كقوله (ع): «و مثل عدو يصطلم، فيؤخذ

ماله» حيث لا يجوز الحكم بجواز تملك مال العدو مطلقا، حتى فيما إذا كان مسلما، و موثقة هشام بن سالم، قال: «سأل حفص الأعور أبا عبد اللّه عليه السلام و أنا عنده جالس، قال: إنه كان لأبي أجير كان يقوم في رحاه. و له عندنا دراهم، و ليس له وارث؟ قال، أبو عبد اللّه (ع): تدفع الى المساكين، ثم قال رأيك فيها ثم أعاد عليه المسألة، فقال له مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة، فقال أبو عبد اللّه (ع) تطلب وارثا، فان وجدت وارثا و الا فهو كسبيل مالك» «2» و ظاهر هذه عدم وجوب التصدق بالمال المتعذر الوصول الى مالكه أو المجهول مالكه، بل يجوز إبقاؤه الى ان يجي ء له طالب. و لذا جمع السيد اليزدي (ره) بينهما و بين ما تقدم بحمل الأمر بالتصدق على الواجب التخييري.

و الحاصل أن المكلف بعد الفحص عن المالك و عدم الظفر به يكون مخيرا

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (6) الباب: (8) من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (22) من أبواب الدين و القرض- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 335

..........

______________________________

بين التصدق بالمال و بين إبقائه و الوصية بأن المال المزبور من المجهول مالكه.

و هذا مع احتماله الظفر به بعد ذلك- و لو باحتمال ضعيف- كما هو مقتضى الأمر بإبقاء المال لطالبه.

أقول لا يبعد أن يكون المال المسئول عن حكمه فيها من الكلى على الذمة، و الحكم فيه بالتصدق لا يكون لزوميا، بل يجوز تركه و الوصية به، و لا يكون على المكلف شي ء مع عدم مجي ء طالبه، غاية الأمر يتقيد ذلك بما بعد الفحص و الطلب

و اليأس، جمعا بينهما و بين مثل صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة.

(لا يقال) قول السائل و له عندنا دراهم يحتمل الدين و العين، فإنه فرق بين قول القائل له علينا دراهم و قوله له عندنا دراهم، فالأول يختص بالدين و الثاني يعم العين و الدين و المذكور في الرواية هو الثاني (فإنه يقال): نعم و لكن هذه الرواية رواها الكليني بطريق آخر، و ظاهرها اختصاص الواقعة بالدين.

و الحاصل أن ظاهر ما تقدم وجوب التصدق بالعين المجهول مالكها بعد الفحص و اليأس عن الظفر به، و لا تصلح هذه الصحيحة لرفع اليد عنه، لعدم إحراز ظهورها في غير موارد الدين كما لا يخفى. و رواية نصر بن حبيب صاحب الخان، قال:

«كتبت الى عبد صالح (ع) لقد وقعت عندي مأتا درهم و أربعة دراهم، و انا صاحب فندق، و قد مات صاحبها و لم اعرف له ورثة، فرأيك في إعلامي حالها، و ما اصنع بها فقد ضقت بها ذرعا، فكتب اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا، حتى يخرج» «1» و ظاهرها تجويز للتصرف في المال المفروض فيها، و التصدق بمقداره قليلا قليلا من منافعه، و لكن الرواية ضعيفة سندا، و لا أعلم الإفتاء بمضمونها من أحد، و لعل المال كان لمن لا وارث له و انتقل الى الامام (ع) بالإرث، فاذن لمن بيده في التصرف فيه

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (17) الباب: (6) من أبواب ميراث الخنثى- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 336

..........

______________________________

بالنحو المزبور، و رواية الهيثم بن ابى روح صاحب الخان، قال: «كتبت الى عبد صالح إني أتقبل الفنادق، فينزل عندي الرجل فيموت فجأة و لا أعرفه و لا اعرف

بلاده و لا ورثته، فيبقى المال عندي كيف اصنع به؟ و لمن ذلك المال؟ قال: اتركه على حاله» «1» و هذه أيضا ضعيفة سندا، و مع الإغماض عن سندها فيقيد إطلاق وجوب إبقاء المال بما لم يحصل اليأس عن صاحبه، و الا يتصدق به كما هو مقتضى الجمع بين هذه و ما تقدم. و يظهر من بعض الاخبار أن المال المجهول مالكه ملك للإمام (ع) فيجري عليه ما يجرى على سائر ماله (ع). و في رواية داود بن ابى يزيد عن ابى- عبد اللّه (ع) قال: «قال رجل: إني قد أصبت مالا و انى قد خفت فيه على نفسي، و لو أصبت صاحبه دفعته اليه و تخلصت منه؟ قال: فقال أبو عبد اللّه (ع): و اللّه لو أن أصبته كنت تدفعه اليه؟ قال: اى و اللّه، قال: فانا و اللّه ما له صاحب غيري، قال: فاستحلفه أن يدفعه الى من يأمره، قال: فحلف، فقال: اذهب فاقسمه بين إخوانك و لك الأمن مما خفت منه، فقال فقسمته بين إخواني» «2».

و ذكر المصنف (ره) أنه مع الإغماض عن الاخبار الواردة في حكم المال المجهول مالكه أو المتعذر الوصول اليه، يتعين على من يقع المال بيده دفعه الى الحاكم، لان له على المالك الغائب أو المجهول ولاية، و إذا دفعه اليه ينظر الحاكم إلى شهادة الحال، فلو أحرز رضاه بالتصدق أو الإمساك له فعل ذلك، و إذا لم يحرز رضاه بأحدهما جاز له كل منهما، كما هو الحال في جميع موارد دوران الفعل بين الوجوب و الحرمة، و لا يكون عليه ضمان، سواء أمسك المال أو تصدق به كما هو مقتضى تصرف الولي في المال لمصلحة المولى عليه،

و لكن يختص التخيير في

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (6) من أبواب ميراث الخنثى- الحديث: (4)

(2) الوسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (7) من أبواب اللقطة- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 337

..........

______________________________

موارد دوران أمر الفعل بين الوجوب و الحرمة بما إذا لم يكن في البين أصل معين لأحد التكليفين. و في المقام أصالة الفساد في التصدق أو أصالة عدم رضا المالك بغير الإيصال إليه، تعين وجوب الإمساك. و أما بملاحظة تلك الاخبار فظاهرها عدم جواز الإمساك و وجوب التصدق، فيكون الإمساك تصرفا لا يعلم رضا صاحبه به و لا رضا الشارع.

ثم إنه بملاحظة الأخبار يجب التصدق على من يكون المال بيده، غاية الأمر لا تعتبر المباشرة في التصدق، بل يجوز له إيكاله إلى الحاكم، لأنه أعرف بموارد التصدق، و له على الفقراء ولاية، بأن يأخذ ما يجب دفعه إليهم من الصدقات الواجبة و غيرها. و يحتمل أن لا يجوز له التصدق، بل يجب دفع المال الى الحاكم أو الاستئذان منه، لان التصدق وظيفة الحاكم، و منشأ ذلك أن المذكور في الاخبار- و هو وجوب التصدق بالمال- هل هو من قبيل بيان وظيفة من يكون المال بيده، أو أن الأمر بالتصدق فيها باعتبار كون أمره (ع) توكيلا في التصدق، أو تكون الأخبار ناظرة إلى مصرف ذلك المال. و يؤيد كونها لبيان المصرف، أن جملة من الأفعال التي يكون القيام بها موقوفا على اذن الحاكم، مذكورة في الاخبار بطريق الحكم العام، أى لم يذكر أنها مختصة بما إذا كان باذن الحاكم، ككون إقامة البينة وظيفة المدعى، و الحلف وظيفة المنكر، و المقاصة من الممتنع للحق جائز و غير ذلك.

و الحاصل انه

لم يتم ظهور الاخبار في بيان وظيفة من يكون المال، بيده، بل يحتمل كون الوارد فيها توكيلا من الامام (ع) أو بيانا لمصرف المال. و عليه فالأحوط الاقتصار على المتيقن بالرجوع الى الحاكم الشرعي بالدفع اليه، أو الاستئذان منه، خصوصا بملاحظة رواية داود بن ابى يزيد الدالة على ان المجهول مالكه ملك الإمام المحمولة على ولايته (ع). و يتأكد هذا الاحتياط فيما كان المجهول مالكه من قبيل الكلي في الذمة، فإنه لا يتعين في العين الخارجية، إلا بقبض المستحق أو وكيله أو وليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 338

ثم إن مستحق هذه الصدقة (1)

______________________________

(أقول) نظير المقام ما ورد في التصدق باللقطة، و لو صح حمل الاخبار في المقام على التوكيل أو بيان المصرف لجرى ذلك في اخبار اللقطة أيضا، مع أنه لا أظن أن يلتزم بذلك المصنف (ره) أو غيره. و أما رواية داود بن ابى يزيد الظاهرة في كون مجهول المالك ملك الامام (ع)، فلضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها أو حملها على الولاية.

و الحاصل أنه مع ظهور الاخبار في أن وظيفة من بيده المال، التصدق به ليست للحاكم ولاية بالإضافة الى ذلك المال، فإن ولاية الحاكم على الغائب مستفادة من الحسبة، و مع ولاية غيره- على الإمساك بذلك المال و التحفظ به ما دام يحتمل الظفر بمالكه و بالتصدق بعده- لا مجال لإثبات الولاية له و مجرد كونه اعرف لا يصلح لإثبات الولاية، و الا لزم ولاية الأعرف على الفقراء و ان لم يكن حاكما.

(1) و حاصله أنه يعتبر في مستحق هذه الصدقة أيضا الفقر، لأن الأمر بالتصدق بمال ظاهره الأمر بإعطائه للفقير (أقول): يمكن ايضا استظهار اعتباره من قوله

سبحانه إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ بدعوى عدم انصرافها إلى الزكاة الواجبة فتأمل.

و ذكر (ره) في وجه جواز إعطائه للهاشمي أن التصدق بالمال المجهول مالكه صدقة مندوبة من مالكه، و من يكون المال بيده، نظير الوكيل و الوصي مباشر لتلك الصدقة المندوبة، فلا بأس بتمليكه للهاشمي.

و في وجه عدم جواز إعطائه له أنه فرق بين المباشر في المقام و الوكيل و الوصي، حيث أن الوكيل و الوصي يقومان بالعمل بأمر الموكل و الموصى، فيستند عملها إليهما، بخلاف المقام فان قيام من بيده المال بالتصدق بحكم الشارع، فلا ينتسب هذا التصدق الى مالك المال، بل لا يحرز وقوعه عنه، فإنه ربما لا يرضى به بعد ظهوره، فيقع التصدق عن المباشر.

و فيه أن الممنوع إعطائه للهاشمي هي الزكاة المفروضة على الناس فقط،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 339

ثم إن في الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق (1)

______________________________

و لا يكون منها الصدقة الواجبة في المقام، سواء قلنا بانتسابها الى مالك المال أو الى من بيده المال. و في معتبرة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصدقة التي حرمت على بنى هاشم ما هي؟ فقال: هي الزكاة، قلت فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال: نعم» «1» و في صحيحة جعفر بن إبراهيم الهاشمي عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «قلت له: أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال: إنما الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، و أما غير ذلك فليس به بأس» «2» فإن تقييد الواجبة بالظرف أى على الناس، ظاهره الإشارة إلى الواجبة في مثل قوله عز من قائل أَقِيمُوا الصَّلٰاةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ.*

ثم إنه يعتبر في استحقاق هذه الصدقة

ايضا الايمان، كما هو ظاهر صحيحة يونس المتقدمة.

(1) لو ظهر المالك و أظهر عدم رضاه بالتصدق، ففي ضمان المال وجوه:

(الأول) الضمان مطلقا (الثاني) عدمه مطلقا (الثالث) عدم الضمان فيما لم يترتب على المال يد ضمان من الأول، كما إذا أخذ المتصدق المال من الجائر بعنوان إنقاذه و إيصاله إلى مالكه المعبر عن ذلك بالأخذ حسبة، و الضمان في غيره، و وجه عدم الضمان مطلقا استصحاب براءة عهدة المتصدق، حيث لم يكن له ضمان قبل ظهور المالك و عدم رضاه بالتصدق.

و ذكر (ره) في الإيراد على ذلك (أولا) أن استصحاب البراءة يختص بما إذا لم يسبق يد ضمان الى المال، و الا فيستصحب الضمان لا عدمه و (ثانيا) ان الأوجه الضمان مطلقا، لاستصحاب الضمان فيما إذا كان حاصلا قبل التصدق، و يقدم هذا الاستصحاب على أصالة البراءة عن الضمان في سائر الموارد، باعتبار عدم القول

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (32) من أبواب المستحقين للزكاة:

- الحديث (5)

(2) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (31) من أبواب المستحقين للزكاة:

- الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 340

..........

______________________________

بالفصل بين الموارد في الضمان، و كان جميع موارد التصدق بالمال المجهول مالكه كالمورد الواحد الذي يجري فيه استصحاب الضمان.

(أقول): غاية الأمر أن يكون في البين إجماع على عدم الفصل بين موارد التصدق بالمال المجهول مالكه بحسب حكمها الواقعي من الضمان و عدمه. و أما الحكم الظاهري، فيلاحظ تحقق الموضوع لأي أصل في كل مورد من موارد الشك، من استصحاب البراءة أو استصحاب الضمان أو غيرهما من الأصول هذا (أولا).

و (ثانيا) يمكن العكس بان يحكم بعدم الضمان في جميع الموارد إلحاقا لموارد استصحاب الضمان بموارد استصحاب عدم ثبوت

المال على العهدة بعدم القول بالفصل.

و (ثالثا) ان المراد بالضمان في المقام- ثبوت المال في العهدة بإظهار المالك عدم رضاه بالتصدق على قرار الضمان في اللقطة، و ليس لهذا الضمان حالة سابقة، فالضمان السابق قد انقطع بالتصدق، و حدوث غيره بعد ذلك مشكوك فيه.

و المتحصل أنه لو وصلت النوبة الى الأصل العملي في المقام فمقتضاه عدم الضمان مطلقا. نعم قد يقال بالضمان مطلقا أخذا بقاعدة إتلاف مال الغير.

(لا يقال): الإتلاف في المقام يكون باذن الشارع و أمره، و الإتلاف باذنه كالإتلاف بإذن المالك لا يوجب الضمان، كالإذن في أكل المار من الثمرة في طريقه: (فإنه يقال) يحتمل أن يكون اذنه في المقام في الإتلاف نظير اذنه في التصرف في اللقطة، و في إيداع الغاصب مال الغير عنده، فإنه لا يجوز له رده الى الغاصب، بل يجب عليه- بعد تعريف المال سنة كاملة- التصدق به مع الضمان، كما دلت عليه الرواية، بل ليس في المقام رواية دالة على التصدق بالمال ساكتة عن ذكر الضمان، مع ظهور المالك حتى يستظهر عدم الضمان من السكوت في مقام البيان.

(أقول): قد ذكرنا أن الضمان المطلوب في المقام- نظير الضمان المطلوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 341

..........

______________________________

في مورد التصدق باللقطة- لا يثبت بقاعدة الإتلاف، فإن مقتضى تلك القاعدة ثبوت المال بالتصدق، على عهدة المتلف و قد عبر المصنف (ره) عن ذلك بكون الإتلاف علة تامة للضمان. و المطلوب في المقام ثبوت المال على العهدة بإظهار المالك عدم رضاه بالتصدق، و قد عبر (ره) عن ذلك بالضمان المراعى بعدم اجازة المالك، و هذا الضمان يحتاج الى دليل آخر غير قاعدة الإتلاف، نظير ما قام عليه في اللقطة. و

الالتزام- في المقام ايضا بالضمان بمجرد التصدق و ارتفاعه بإجازة المالك لقاعدة الإتلاف- غير ممكن، لاستلزامه ثبوت المال على العهدة و عدم انتقال جميع التركة إلى الورثة، حتى فيما إذا لم يظهر المالك بعد التصدق ليظهر رضاه أو عدمه. و ما تقدم من عدم ثبوت رواية في المقام ساكتة عن الضمان عجيب، فإنه لم يكن من الضمان في الروايات المتقدمة، ذكر و لو كان في البين ضمان لورد ذكره في تلك الروايات، نظير وروده في اخبار باب اللقطة.

و الحاصل أنه لو لم يكن عدم الضمان مقتضى الإطلاق في الروايات المتقدمة فلا ينبغي الريب في أنه مقتضى الأصل. بل ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن ثبوت الضمان في المقام بقاعدة الإتلاف غير ممكن، فان القول به يستلزم التسلسل، فإنه إذا تصدق بالمال المجهول مالكه يثبت بدله في ذمته. و بما أن البدل ايضا مالكه مجهول، يجب التصدق به ايضا. و يجرى الكلام في بدل هذا البدل، و هكذا.

و لا يقاس المقام باللقطة، فإن الثابت على الذمة لا تكون لقطة حتى يجب التصدق به ايضا.

و لا يخفى ما فيه، فان وجوب التصدق لا يكون حكما لأي مال مجهول مالكه نظير الأحكام العقلية حتى يوجب الالتزام به ذلك المحذور أو غيره بل حكم ورد في بعض الموارد، و تعدينا منها الى موارد اخرى من الأموال الخارجية، و الى الديون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 342

[و اما الصورة الرابعة ما علم إجمالا اشتمال الجائزة على الحرام]

و اما الصورة الرابعة (1)

______________________________

التي تثبت على الذمة من غير ناحية التصدق. و الصحيح أن الضمان بقاعدة الإتلاف مختص بموارد الإتلاف على المالك، كمن يأكل طعام الغير للاضطرار و إنقاذ حياته، و لا تعم القاعدة موارد الإتلاف إحسانا إلى

المالك، كما في المقام، و الضمان بنحو آخر نظير الثابت في موارد اللقطة لم يقم عليه دليل. و الأصل عدمه و اللّه العالم.

(1) و هي ما إذا علم إجمالا باشتمال المأخوذ من الجائر على الحرام، و ذكر المصنف (ره) فيها فروضا: (الأول):- حصول الشركة بنحو الإشاعة بامتزاج الحلال و الحرام بنحو لا يمكن التمييز بينهما، كما في مزج أحد المائعين بالآخر مع العلم بقدر الحرام و مالكه (الثاني)- حصول الشركة كما ذكر و لكن مع الجهل بقدر الحرام و مالكه (الثالث) حصول الشركة مع العلم بقدر الحرام و جهل مالكه (الرابع) حصولها مع عرفان المالك، و جهالة مقدار الحرام (الخامس)- عدم إيجاب الاشتباه في الفرض الشركة، كما إذا كان المالان قيميين، و الحكم في الفرض الأول هو كون المأخوذ فيه ملكا للأخذ، و ذلك الغير، بنحو الإشاعة بالنسبة المعلومة، فلا يجوز لأحدهما التصرف فيه بدون رضا الآخر، و لكل منهما مطالبة الآخر بالقسمة.

و الحكم في الفرض الثاني، إخراج خمس المال على ما ذكر في كتاب الخمس، و في الفرض الثالث ما مر في الصورة الثالثة من صور الجائزة، فإن الفرض داخل فيها حقيقة، و في الفرض الرابع يجب التخلص من الحرام بالمصالحة مع مالكه، و في الفرض الخامس يكون تعيين المال الحرام بالقرعة، أو بيع جميع المال، فتحصل الشركة في ثمنه.

(أقول): ما ذكره- في الفرض الرابع من لزوم المصالحة مع مالك المال الحرام- غير صحيح، بل يحكم بان السهم المشاع في ذلك المال هو الأقل، أخذا بمقتضى يد الجائر الجارية على جميع المال، فإنه لم يعلم عدم مالكيته للمال إلا بالإضافة إلى السهم الأقل، و كذا لا يمكن المساعدة على ما ذكره في الفرض الخامس،

لأنه إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 343

اعلم أن أخذ المال (1)

______________________________

كان الحرام و مالكه مجهولين يجرى فيه ما ذكروه في إخراج الخمس من المال المختلط، حيث أن المذكور يعم ما إذا لم يكن الاختلاط موجبا للشركة بنحو الإشاعة، و إذا كان مالكه معلوما و قدر الحرام مجهولا، كما إذا أخذ من الجائر ثلاث شياه، و علم بأن بعضها مال زيد، و ذلك البعض مردد بين كونه شاة أو شاتين، ففي مثل ذلك لا علم بمخالفة مقتضى يد الجائر الجارية عليها، إلا بالإضافة إلى الواحدة، فيكون تعيين تلك بالقرعة. و بهذا يظهر الحال فيما إذا كان القدر و المالك معلومين، فإنه باعتبار الاشتباه و عدم حصول الإشاعة يكون التعيين بالقرعة.

(1) إن أخذ ما بيد الظالم من المال يجرى عليه الأحكام الخمسة، و باعتبار نفس المال يكون فيه الكراهة و الوجوب و الحرمة. و الظاهر أن مراده تعلق الأحكام الخمسة بأخذ المال من الجائر باعتبار انطباق العناوين المختلفة على نفس ذلك الأخذ، ككونه مقدمة للإنفاق الواجب أو التوسعة لعياله، أو كونه ترويجا للباطل و الجور. و هكذا فيكون الأخذ متعلقا للاحكام الخمسة، حتى في فرض إحراز كون المال ملك الجائر واقعا. و مراده من نفس المال تعلق الحرمة أو الوجوب أو الكراهة بالأخذ من جهة المال، ككونه من المال المشتبه أو مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ، أو كون أخذه انقاذا للمال المحترم من التلف، حيث يجب الأخذ معه حسبة، و الا فلا يتعلق حقيقة، الأحكام التكليفية التي منها الحرمة و الوجوب و الكراهة بغير الفعل.

و أما ما ذكره (ره) من أن استنقاذ حقوق السادة و الفقراء و لو بعنوان المقاصة من

موارد وجوب الأخذ من جهة المال، و يجوز هذا التقاص لآحاد الناس عند تعذر الاستيذان من الحاكم، (ففيه) بأن جواز التقاص لآحادهم يتوقف على ولايتهم على تلك الأموال، و لو عند تعذر الحاكم، و في ثبوت الولاية لهم تأمل، و لا يكفي في جوازه مجرد وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر، و الا لجاز التقاص و لو عند التمكن من الاستيذان، لعدم اشتراط وجوب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 344

من جملة ديونه (1)

______________________________

بالاستيذان، و لجاز لزيد ايضا التقاص من مال عمرو لشخص آخر من باب النهى عن المنكر. و لا أظن أن المصنف (ره) أو غيره يلتزم بذلك.

(1) حاصله أنه لا فرق في الدين الثابت في ذمة الجائر، بين ثبوته بالاقتراض أو شراء شي ء بذمته، أو تلف ما وضع عليه يده من أموال الناس عدوانا، أو إتلافها، فإن جميع ذلك دين يترتب عليه أحكامه.

و ذكر بعض الأساطين- و هو كاشف الغطاء على ما قيل- أن بدل متلفاته غصبا من المثل و القيمة و ان كان دينا حقيقة، نظير سائر ما عليه من الديون، إلا أنه لا يجرى بعد موت الجائر على ذلك البدل حكم الدين، بأن يكون خارجا عن التركة قبل الوصايا و الميراث، و ذلك لأمرين: (أحدهما) انصراف الدين عنه في مثل قوله عز من قائل مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ* «1» و (ثانيهما)- السيرة الجارية إلى يومنا هذا من عدم المعاملة مع ذلك البدل معاملة الدين، و على ذلك فلو أوصى الجائر بإخراجه كان كسائر وصاياه محسوبا من الثلث.

و فيه أنه لا وجه لدعوى الانصراف، فانا لم نجد فرقا بين

الثابت على ذمته بدلا عما أتلفه نسيانا أو غفلة من مال الغير، و بين ما أتلفه عدوانا، بأن يعم الأول، الدين في مثل قوله سبحانه، و لا يعم الثاني، و كذا لا نجد فرقا بين ما يتلفه الجائر عدوانا و ما يتلفه شخص آخر، و لو كان الدين منصرفا عنه لما جرى على البدل حكم الدين، حتى حال حياة الجائر، فإن انصراف الدين، لا يختص بآية الإرث، مع أنه لا ينبغي الريب في جريان أحكام الدين عليه حال حياته، كجواز التقاص عن البدل، كما يدل على ذلك موثقة داود بن زربي (رزين)، قال: «قلت لأبي الحسن موسى (ع) انى أخالط السلطان، فتكون عندي الجارية و الدابة الفارهة، فيبعثون فيأخذونها، ثم يقع لهم عندي المال، فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه» «2» فان

______________________________

(1) سورة النساء (4)- الاية (11)

(2) وسائل الشيعة الجزء (7) الباب (61) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 345

[الثالثة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة من الأراضي باسمها]
اشارة

الثالثة ما يأخذه السلطان (1)

______________________________

الحكم فيها بالأخذ من غير استفصال عن بقاء العين التي أخذها الجائر أو أتلفها مقتضاه شمول الحكم لكلتا الحالتين، و كعدم تعلق الخمس بما زاد عن مؤنة سنته، فيما إذا كان البدل بمقدار الزائد عليها، و عدم حصول الاستطاعة للحج، فيما إذا كان البدل مساويا لما عنده من المال الكافي لمصارف حجه، الى غير ذلك.

و أما ما ذكره من السيرة، فلم يحرز أنها من المتشرعة المبالين للشرع الملتزمين به، و السيرة من غير المبالين لا قيمة لها. و يشهد لكونها من غير المبالين أنا لم نجد فرقا عندهم بين البدل المزبور و بين الثابت على ذمته

بسائر موجبات الضمان، كما أنهم لا يفرقون في المظالم الثابتة عليه بين عرفان المظلومين تفصيلا أو إجمالا. و من تتبع أحوال الظلمة و توريث أموالهم التي قد لا تكفي لأداء تلك المظالم المجتمعة عليهم طيلة حياتهم يعرف ذلك.

(1) تعرض (ره) في المسألة الثالثة من مسائل الخاتمة لما يؤخذ من السلطان المستحل للخراج و المقاسمة و الزكاة، و أنه يجوز أخذ هذه الأموال منه مجانا أو معاوضة. و ذكر أن مقتضى القاعدة عدم جواز الأخذ، لأن الجائر لا ولاية له على تلك الأموال، فتراضيه- مع من عليه الخراج أو الزكاة نظير تراضى الظالم مع مستأجر دار الغير في دفع مال اليه بعنوان الأجرة- فاسد، إلا أنه لا بد من رفع اليد عن هذه القاعدة و الالتزام بجواز الأخذ لما يأتي.

و المراد من الخراج ما عين للأرض أجرة من النقود أو غيرها، و من المقاسمة المعاملة مع الزارع بحاصل الأرض و البستان بالثلث أو بالربع أو نحوهما، و لا يخفى أنه لا وجه لتخصيص جواز أخذ الزكاة من الجائر بالإنعام، كما هو ظاهر عبارة المصنف (ره) بل يعم جميع أقسامها، كما أن ما ذكر (ره)- من أن ما يأخذه الجائر باق على ملك المأخوذ منه، و مع ذلك يجوز أخذه من الجائر- لا يمكن المساعدة عليه، و ذلك فان المال بأخذ الجائر يتعين في عنوان الخراج أو المقاسمة أو الزكاة،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 346

..........

______________________________

و لا يتوقف تعينه فيها بأخذ الآخر من الجائر، و إلا لوجب على الزارع، الخراج أو المقاسمة أو الزكاة ثانيا مع تلف المال في يد الجائر، بل مع تلفه قبل وصوله الى يد المشتري أو المستحق. و هذا لا

يناسب الروايات الآتية في براءة ذمة الزارع و تعين الزكاة في المأخوذ بمجرد أخذ عامل السلطان.

ثم إن في المقام جهات: (الاولى) تقبل الزارع أو الفلاح الأرض من السلطان الجائر (الثانية)- في المال الذي يأخذه الجائر من الزارع أو الفلاح أو غيرهما بعنوان الخراج أو المقاسمة أو الزكاة (الثالثة) أخذ الآخرين تلك الأموال من الجائر مجانا أو بعنوان الشراء أو غيره من المعاملات. و الأظهر بحسب الروايات الحكم بالجواز في الجهات الثلاث، بمعنى أنه يجوز للزارع و الفلاح التصرف في تلك الأراضي و لو مع المعاملة مع السلطان الجائر أو عماله، على ما يأتي، و يكون ما يأخذه الجائر معنونا بعنوان الخراج أو المقاسمة أو الزكاة، و يدخل ما يأخذه الغير من الجائر من الخراج أو المقاسمة أو الزكاة، مجانا أو بعنوان الشراء و نحوه في ملكه، و كأن الوجه في جميع ذلك إمضاء الشارع تلك التصرفات، و ليس المراد جعل الولاية للجائر بالإضافة إليها، فإن الروايات غير ظاهرة في ولايته عليها، بل في مجرد إمضائها تسهيلا للأمر على الآخرين.

و الحاصل أنه لو كانت للجائر ولاية على تلك التصرفات، لما كان عليه وزر بالإضافة إليها، و إنما الوزر في إشغاله ذلك المنصب الذي لا يستحقه، بخلاف الالتزام بمجرد إمضاء الشارع تلك التصرفات تسهيلا للأمر على الآخرين، فإنه لا يكون في ذلك الإمضاء نفى وزر عن الجائر، نظير ما نذكر في تحليل الشارع الخمس للشيعة فيما إذا وقع بيد أحدهم المال الذي تعلق به الخمس عند غيره، كما إذا اشترى متاعا غير مخمس، فإنه يدخل ذلك المتاع بتمامه في ملك المشترى، كما هو مقتضى اخبار التحليل، و مع ذلك لا يجوز للبائع ذلك البيع تكليفا، و ينتقل

الخمس الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 347

و ان لم يعلم مستنده (1) و الاولى ان يقال (2)

______________________________

الثمن، و لو كان تمليك ذلك المتاع مجانا كان على الجائر ضمان إتلافه فلاحظ.

(1) المراد بالمستند حكمة الحكم و سره.

(2) الوجه في كونه اولى عدم كون الخراج و المقاسمة أو الزكاة ملكا للإمام (ع)، بل له ولاية بالإضافة إليها. ثم إن الأمور التي استند (ره) إليها في حكمه بالحل أربعة: (الأول)- الإجماع المنقول المؤيد بالشهرة المحققة (الثاني) لزوم الحرج بل اختلال النظام في الاجتناب عن الأموال المزبورة (الثالث) الروايات الواردة في جواز جائزة السلطان لآخذها، فإنه لا يحتمل عادة كونها من غير تلك الأموال (الرابع) الروايات الواردة في المعاملة مع السلطان أو عماله على تلك الأموال.

(أقول): اما الأمر الأول فقد تكرر في كلماتنا حال الاستناد إلى الإجماع في أمثال المقام مما يعلم أو يحتمل استناد المجمعين الى ما في أيدينا من الأدلة. و أما دعوى اختلال النظام، فلم يظهر وجه لزوم الحرج الشديد، فضلا عن لزوم الاختلال، و ذلك فان لزوم الاجتناب عن هذه الأموال على تقديره يوجب كونها كسائر الأموال المأخوذة من الرعية ظلما، و حيث أن الآخذ لا طريق له غالبا إلى إحراز الحرام أو تعيين مالكه، يكون من المال المشتبه أو المجهول مالكه، فيمكن للمالك التصرف فيها فيما إذا كان موردا لصرفه، و لو بالمعاملة مع مستحقيه. نعم عدم فراغ ذمة المكلف- من الحق الواجب عليه زكاة أو أجرة للأرض التي يعمل عليها و هي ملك المسلمين- يوجب الحرج عليه، و لكن مجرد لزومه لا يوجب الحكم بالبراءة و فراغ ذمته، لان رفع الحرج حكم امتنانى، و لا امتنان في التوسعة

لمكلف بتفويت حق أو مال على الآخرين. و تعين ما يأخذه الجائر زكاة أو خراجا، يوجب غالبا صرف الزكاة أو الخراج في غير موردهما، من فقراء الشيعة و مصالح المسلمين. و على تقدير تسليم شمول رفع الحرج فمقتضاه عدم وجوب الزكاة أو الخراج عليه ثانيا، لا ان المأخوذ أولا زكاة أو خراج.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 348

..........

______________________________

و الحاصل أن ما يأخذه الجائر زكاة أو خراجا ليس إلا كأخذ العشر في مثل زماننا من التجار و الكسبة و غيرهما، و كما أن لزوم الاجتناب عن العشور و بقاءها في ملك المأخوذ منهم لا يوجب حرجا على سائر الناس، لما أشرنا إليه من عدم عرفان مالكها غالبا، فتدخل في عنوان المجهول مالكه، فكذلك المأخوذ من الرعية زكاة أو خراجا كما لا يخفى.

(الأمر الرابع) و هي العمدة الروايات الواردة في شراء الخراج و المقاسمة و الزكاة من السلطان و عماله.

(منها)- صحيحة ابى عبيدة، قال: «سألته عن الرجل منا يشترى من السلطان من إبل الصدقة و غنم الصدقة، و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ قال فقال. و ما الإبل إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به، حتى تعرف الحرام بعينه، قيل له فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا، فنقول بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه، فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك، فلا بأس بشرائه

منه من غير كيل» «1».

و ذكر المصنف (ره) (أولا) أنها دالة على ان جواز أخذ الصدقات من السلطان و عماله، كان مفروغا عنه عند السائل، و لذا وجه سئواله الى خصوصيات الشراء من علم المشتري بأخذ العامل زائدا على الزكاة الواجبة على الرعية، و شراء الشخص الصدقة التي أخرجها أو شراء الحنطة و الشعير من القاسم بلا كيل، و ذكر (ثانيا)- أن في الرواية سئوالا و جوابا إشعارا إلى انه كان جواز أصل الشراء مفروغا عنه عند السائل و إلا لكان السؤال عن جواز أصل الشراء أولى، حيث ان الشراء بحسب القاعدة الأولية

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (52) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 349

و في وصفه (ع) للمأخوذ بالحلية (1) هو مزارع الأرض (2) و زاد عليه ما سكت (3)

______________________________

كان محكوما بالفساد، كما أن التصرف في الأموال المزبورة باعتبار بقائها في ملك المأخوذ منهم يكون محرما تفصيلا. و قوله (ع)- في الجواب عن السؤال الأول لا بأس بالشراء حتى تعرف الحرام- كاف في الدلالة على جواز أصل الشراء، فإنه لو لم يكن الشراء جائزا لما صح الجواب المزبور.

(أقول) لم يعلم وجه العدول عن الدلالة التي ذكرها أولا إلى التعبير بالاشعار ثانيا.

(1) أى أن تعلق نفى البأس- بالإبل و الغنم و غيرها من الأعيان- ظاهره عدم البأس بأخذها عن الجائر مجانا أو شراء أو بمعاملة أخرى، كما في سائر الأموال التي تضاف إليها الحلية، حيث أن الحلية لكونها حكما تكليفيا أو وضعيا يكون متعلقها الفعل أو المعاملة، و إضافتها في الخطاب الى العين باعتبار أن تعم جميع الأفعال أو المعاملات المناسبة لتلك العين، فلا

وجه لما قيل من اختصاص الحلية في الصحيحة بالشراء.

(2) أى ان المراد بالقاسم مالك الأرض أو وكيله الذي زارعها من العامل عليها.

(3) و حاصل ما ذكره الأردبيلي (ره) أن الفقرة الاولى من الرواية ظاهرة في جواز شراء الزكاة من عامل السلطان، و لكن لا بد من طرح هذا الظهور بقرينة حكم العقل و النقل بل الإجماع أيضا. و أما الفقرة الثانية و الثالثة، فلا ظهور لها في جواز شراء الزكاة أصلا، و ذلك فان المراد من قوله (ع): (و ما الإبل و الغنم الا مثل الحنطة و الشعير) كون جنس الإبل و الغنم كجنس الحنطة و الشعير و غير ذلك في جواز شرائها من بائعها، مع عدم إحراز أنها لغيره. و هذا مفاد قضية حقيقة لا تتكفل لإثبات موضوعها أو نفيه، و الصدقة المفروضة في السؤال يعلم حكم شرائها جوازا أو منعا من الكبرى، بعد إحراز حالها، و أنها مال مأخوذ من الزارع و الرعية بلا ولاية للعامل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 350

..........

______________________________

على أخذها فتكون باعتبار العلم بأنها مال الغير حراما، و الحاصل أن المراد بالإبل في السؤال و إن كان خصوص إبل الصدقة الا أن المراد منه في الجواب جنسه، و التفكيك و إن كان خلاف الظاهر، حيث أن ظاهر الرواية تعلق نفى البأس في الجواب بالمفروض في السؤال، و أن المراد من الحرام هو المقدار الزائد على الحق، إلا أن هذا الظهور يرفع اليد عنه بالحمل على بيان الكبرى و القضية الحقيقية بقرينة العقل و النقل و الإجماع. و بيان الجواب بهذا النحو لرعاية التقية، حيث لا يمكن (ع) المنع عن المعاملة مع سلاطين ذلك الزمان و عمالهم

بالتنصيص به.

و أما السؤال الثاني فلا ظهور له في رجوعه الى شراء الزكاة من عامل السلطان بل راجع الى حكم شراء المكلف مطلق الزكاة التي أخرجها إلى مستحقها، و كذا السؤال الثالث، فإنه لا قرينة فيها على قسمة عامل السلطان مع زارع الأرض الخراجية بل من المحتمل كون المراد بالقاسم مالك الأرض أو وكيله الذي زارعها، و قوله (ره) في آخر كلامه فتأمل، لعله إشارة الى عدم مخالفة ظهور الفقرة الأولى للإجماع فإن المسلم عند الكل، حرمة المال المأخوذ بعنوان الزكاة على السلطان و عماله، لا على المشترى منهما و الجواز المستفاد من قوله عليه السلام، لا بأس به، راجع الى المشتري فقط.

(أقول): ما ذكره من قرينة العقل و النقل لا يمكن المساعدة عليه، فإنه ليس في العقل ما يمنع أن تكون الصحيحة أو غيرها ناظرة إلى إمضاء الشارع تصرفات الجائر للتوسعة على الآخرين، نظير تحليل الخمس للشيعة، كما أنه ليس في النقل ما يمنع عن ذلك، غير العمومات التي يرفع اليد عنها بالخصوصات.

و مما ذكرنا يظهر أن ما ذكره السيد الخوئي طال بقاه- من صراحة الفقرة الاولى في جواز شراء الصدقة من السلطان و عماله- غير تام، و أن دلالتها على الجواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 351

و منها رواية إسحاق بن عمار (1) رواية أبي بكر الحضرمي (2).

______________________________

لا يتجاوز حدود الظهور و معه لا حاجة أي إتعاب النفس في الفقرتين الأخيرتين و لو ان ظهور القاسم في من يكون شغله القسمة تام. و هذا لا ينطبق إلا على عامل السلطان كما لا يخفى.

(1) و هي مضمرة قال: «سألته عن الرجل يشترى من العامل، و هو يظلم؟

قال: يشترى منه ما

لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا «1» و ظهورها في الشراء من عامل السلطان ما هو عامل فيه غير قابل للخدشة و حملها على السؤال عن معاملة الظلمة و الفسقة بعيد غايته.

(2) و سندها معتبر، فإن أبا بكر الحضرمي موثق بتوثيق عام باعتبار كونه من مشايخ ابن ابى عمير، و واقع في اسناد تفسير على بن إبراهيم و كامل الزيارة، قال (دخلت على ابى عبد اللّه (ع) و عنده إسماعيل ابنه، فقال: ما يمنع ابن ابى السماك أن يخرج شباب الشيعة.» «2» و المراد إخراجهم للعمل حتى يعملون له ما يعمل له سائر الناس.

و ذكر الأردبيلي (ره) عدم دلالة هذه ايضا على جواز أخذ الخراج و نحوه من السلطان و عامله، فإنه يمكن أن المراد من بيت المال في الرواية ما يجوز أخذه بأن يكون منذورا أو وصية لجماعة، منهم شباب الشيعة و أبو بكر الحضرمي. و كان إنفاذ الوصية أو النذر على ابن ابى السماك بحسب الوصية اليه أو النذر.

و لا يخفى ما فيه لظهور بيت المال فيما كان متعارفا في ذلك الزمان من الأموال المأخوذة خراجا أو مقاسمة أو زكاة أو جزية، و حملها على غير ذلك بلا قرينة بلا وجه، و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن الرواية دالة على جواز أخذ المستحق بمقدار نصيبه، بل مقتضاها عدم جواز الأخذ لغير المستحق. و المدعى جواز الأخذ مطلقا.

و فيه أن الاستدلال بالرواية في مقابل صاحب الرسالة و الأردبيلي، حيث منعا عن الأخذ

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (53) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (2)

(2) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 1، ص: 352

منها الأخبار الواردة في أحكام تقبل الرجل الأرض (1)

______________________________

حتى فيما إذا كان الآخذ مستحقا للخراج أو الزكاة اللهم إلا أن يقال جواز الأخذ المستحق لا يحتاج إلى الرواية، لأن المال بوصوله الى يده يصير خراجا أو زكاة، و إنما المحتاج إليها جواز الأخذ لغير المستحق، و لا دلالة في الرواية لا على جوازه و لا على منعه.

(لا يقال): هذه الرواية بفقرتها الاولى ظاهرة في جواز كون الشخص من أعوان الظلمة مع فقره، (فإنه يقال) لم يتوجه في الرواية طلب الدخول في ولايتهم الى شباب الشيعة حتى يتمسك بإطلاقه، بل الوارد فيها اللوم لابن ابى السماك بعدم استعماله شباب الشيعة، و لازم ذلك جواز عملهم له و لو في الجملة، فلا إطلاق لها من هذه الجهة، و لعل الجائز هو الدخول للعمل المباح مع نفع المؤمنين أو مع الاضطرار اليه لتامين معاشه على ما تقدم.

(1) ذكر السيد الخوئي طال بقاه أن ما دل- على جواز تقبل الأراضي الخارجية من السلطان- لا يكون دليلا على جواز أخذ الخراج أو الزكاة منه مجانا أو معاملة، فان الأراضي الخراجية الموجودة في أيدي الشيعة يدور أمرها بين أن تترك بحالها بلا انتفاع منها، حتى يكثر الغلاء و الفقر و الجوع فيهم، أو ان يعطى الشيعي خراجين خراجا للسلطان و خراجا للمستحق، و هذا إجحاف، أو يكتفى بالخراج الواحد للسلطان بإجازة معاملته، و هذا الأخير هو المتعين.

و فيه أنه يمكن أمر رابع و هو تحليل تلك الأراضي بمعنى إسقاط خراجها عن الشيعة، لئلا يكون إجحاف بهم. و إذا فرض اجازة معاملة السلطان على تلك الأراضي فيتعدى الى معاملته على خراجها، باعتبار عدم احتمال الفرق، مع أن الأراضي

قد عطف عليها أهلها، كما في صحيحة الحلبي، حيث قال (ع) فيها: «لا بأس أن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان» «1» و تقبل أهل أراضي الخراج، هي المعاملة على جزية

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (13) الباب: (18) من أبواب المزارعة، الحديث. (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 353

و منها الصحيح عن إسماعيل بن الفضل (1) لا يخلو عن قصور في الدلالة (2)

[ينبغي التنبيه على أمور]
[الأول ان ظاهر عبارات الأكثر مختص بما يأخذه السلطان]

ان ظاهر عبارات الأكثر (3)

______________________________

رؤوسهم أو ما يكون عليهم من الخراج.

(1) و دلالتها- على جواز شراء جزية الرؤوس و الخراج من السلطان- واضحة و لا يضر بها اشتمالها على خراج الطير و السمك و نحوهما مما لا خراج عليه، بل لعل المراد به أجرة الأرض التي قد تزيد، بلحاظ كون الأرض صالحة لصيد الطير و السمك و غيرهما.

(2) حيث أنه لم يعلم أن المراد بتمر عين ابن ابى زياد في رواية جميل بن صالح التمر المأخوذ من تلك العين بعنوان الخراج أو الزكاة، مع أن الرواية في سندها ضعف، حيث أن الراوي عن الامام (ع) و هو مصادف ضعيف فتدبر. و لم يعلم أن المراد بالطعام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الطعام المأخوذ بعنوان الخراج أو الزكاة، و لعله من عائد الوقف المجهول أربابه أو نحوه كما لا يخفى.

(3) هل يختص جواز أخذ الخراج من السلطان الجائر بما يكون في يده أو يد عماله، بان تجري المعاملة عليه بعد وقوع الخراج بيدهما، أو أن الجواز يعم المعاملة، و هو على عهدة مستعمل الأرض؟

ذكر المصنف (ره) أن ظاهر أخبار جواز قبالة الأرض و جزية الرؤوس هو الثاني، و لكن لا يخفى أن ما دل على جواز تقبل الأرض

من السلطان لا يرتبط بجواز تملك ما على ذمة مستعملى الأرض بالشراء أو الحوالة، بمعنى جواز شراء ما عليهم من السلطان أو حوالة السلطان متقبل الأرض إلى مستعمليها، بأن يستوفى من هؤلاء المستعملين ما أعطاه للسلطان قرضا، بل يكون مدلولها جواز تملك منفعة الأرض بعنوان الإجارة أو غيرها. و إذا كانت منفعتها للمتقبل يكون ما يأخذه من مستعمل الأرض عوضا لتلك المنفعة المملوكة له، نظير الأرض التي يستأجر من مالكها الخاص، ثم يوجرها لثالث.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 354

..........

______________________________

و الحاصل ان جواز ما على ذمة مستعمل الأرض من الخراج لمتقبل الأرض بذلك لا يكون ملازما لجواز معاملة السلطان على الخراج قبل أخذه. نعم ما ورد في جواز تقبل جزية الرؤوس و تقبل خراج الأرض كاف في الدلالة على العموم.

(لا يقال): يعارضه ما في صحيحة أبي عبيدة المتقدمة، فإن فيها ما ظاهره اعتبار القبض و العزل، قال «فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا فنقول بعناها فيبيعناها:، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس، قيل له فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم، فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قد قبضه بكيل، و أنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه منه بغير كيل» و الفرق- بين الزكاة و الخراج بأن الزكاة مجعول الهى و لا تتعين في شي ء إلا بالأخذ و العزل، بخلاف الخراج، فإنه يكون على الذمة و يتعين بالجعل و القرار مع السلطان أو ولاته، فيمكن أن يعتبر الأخذ في المعاملة على الزكاة، و لا يعتبر في المعاملة على الخراج-

لا يخفى ما فيه، فان الزكاة تثبت في النصاب بنحو الإشاعة في المالية أو بنحو الكلي في المعين، و يجوز لولي الزكاة بيعها قبل أخذها أو عزلها من مالك النصاب أو غيره، و لو كانت معاملة الجائر عليها كمعاملة السلطان العادل نافذة، فلا يحتاج الى القبض أو العزل و اعتبار الأخذ و القبض في إمضاء معاملة الجائر عليها، و عدم اعتباره في معاملته على الخراج بعيد غايته.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاه في الجواب عن المعارضة: أن المفروض في الصحيحة كون البائع عاملا للسلطان، و العامل بمنزلة الوكيل، و لم تحرز وكالته إلا في جمع الزكاة، لا في بيعها ايضا، و مع عدم الإحراز لا يحكم بصحة بيعه لعدم جريان أصالة الصحة في موارد عدم إحراز سلطنة الشخص على المعاملة. و إذا وصل المال الى يده فبقاعدة اليد يحكم بسلطانه على البيع ايضا، بناء على ما هو الصحيح من عدم اختصاص القاعدة بمورد احتمال ملك العين، بل يعم احتمال ملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 355

الظاهر من الأصحاب في باب المساقاة (1)

______________________________

التصرف ايضا.

و الحاصل أن التفصيل في الرواية بين أخذ الزكاة أو عزلها و بين عدمهما على القاعدة.

(أقول) هذا ايضا غير تام، لان السلطان الجائر ليس له ولاية المعاملة على الزكاة أو الخراج، حتى يعتبر في نفوذ معاملة عماله إحراز وكالتهم عنه بقاعدة اليد أو غيرها، و لا يختص إمضاء المعاملة تسهيلا للأمر على الآخرين بمعاملة السلطان ليلزم إحراز انتساب معاملة عماله اليه، بل الموضوع للجواز في الروايات معاملة السلطان و عماله، أحرزت وكالتهم عنه في معاملتهم أم لا.

و إن شئت قلت صحيحة الحذاء تشمل في اعتبار القبض، صورة العلم من

الخارج بأن العامل مفوض إليه أمر الزكاة في بيعها و نقل عينها. و لا يبعد أن يقال فرض الأخذ في الصحيحة باعتبار تعيين مقدار الزكاة و رفع الغرر عن بيعها، و كذا في دلالتها على أخذ الحنطة بالكيل، و حضور المشترى عنده، و لو لم تكن الرواية ظاهرة في ذلك فتحمل عليه جمعا، باعتبار عدم احتمال الفرق بين المعاملة على الخراج و المعاملة على الزكاة كما مر.

(1) إذا كان خراج الأرض على الساقي دون مالك الأشجار، كان دفع مالكها- الخراج إلى الجائر و سقوطه بذلك عن الساقي- من قبيل المعاملة مع السلطان على الخراج قبل وصوله الى يده، و لكن الأظهر كون الخراج على مالك الأشجار ابتداء، فإنه يستعمل الأرض و يستوفى منفعتها بأشجاره، فدفعه الخراج الى السلطان دفع لما عليه، لا عوض عما على الغير، حتى يقال: هذا الدفع شاهد لجواز المعاملة مع السلطان على ما بعهدة الغير من الخراج قبل أخذه. و من هذا القبيل المزارعة، و أنه يكون الخراج يعني أجرة الأرض على من تملك منفعتها بتقبلها من السلطان، و قوله (ره) و ظاهر الأصحاب مبتدأ و خبره إجراء ما يأخذه الجائر أى ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 356

و اما المأخوذ فعلا (1)

[الثاني يختص حكم الخراج من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل إليه]

الثاني يختص حكم الخراج (2) مع أن في بعض الاخبار ظهورا في جواز الامتناع (3)

______________________________

ظاهر الأصحاب تنزيل ما يأخذه الجائر من مالك الأشجار منزلة ما يأخذه السلطان العادل في كونه عوضا عما على مستعمل الأرض أي الساقي. و هذا في معنى جواز معاملة السلطان على ما بذمة مستعمل الأرض قبل أخذه.

(1) أى ان الوجه في ذكر العلماء المأخوذ فعلا باعتبار أن هذه المسألة في

كلماتهم ذكرت بعنوان الاستثناء عن مسألة حرمة الجائزة، مع العلم بأربابها، و بما أن الجائزة لا تتحقق الا بالقبض فرضوا الأخذ في هذه المسألة أيضا.

(2) ذكر (ره) في هذا الأمر أنه ليس للجائر ولاية أخذ الخراج أو المقاسمة أو الزكاة، بحيث يجب على من عليه الحقوق دفعها اليه تعيينا أو تخييرا بينه و بين الدفع الى الحاكم الشرعي، بل الثابت من الروايات أن أخذ الجائر تلك الحقوق ممن عليه يوجب فراغ ذمته منها و أن المعاملة عليها مع الجائر محكومة بالصحة، و لا يستفاد منها أزيد من ذلك. نعم يظهر من جماعة منهم بعض الأساطين (كاشف الغطاء) خلاف ذلك، حيث قال: (و يقوى حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع عن تسليمها، أو تسليم ثمنها بعد شرائها إلى الجائر، و إن حرمت عليه، و دخل تسليمها في الإعانة على الإثم بالبداية أو الغاية لنص الأصحاب على ذلك.

و لعل مراده بقوله و دخل تسليمها إلخ أن الأصل حرمة تسليم الحصة إلى الجائر، فإن تسليمها اليه ان كان دخيلا في تسلطه على رقاب المسلمين، فالدفع إليه إعانة على الإثم بحسب الحدوث، و ان لم يكن دخيلا فيه، كما إذا كان تسلطه عليهم من قبل بفعل الآخرين يكون الدفع إليه اعانة على الإثم بحسب الغاية، لأن الجائر يصرفها في غير مواردها، و قوله لنص الأصحاب تعليل للحكم في قوله: و يقوى حرمة سرقة الحصة.

(3) الرواية بحسب السند معتبرة، و دلالتها، باعتبار أن الثمن بعد فرض صحة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 357

مخالف لظاهر العام (1)

______________________________

المعاملة المفروضة فيها يكون معنونا بعنوان المقاسمة، و تجويز الامام (ع) الامتناع عن تسليمها إلى الجائر يكون قرينة على عدم

ولايته على الخراج، فلا يكون حاله كحال السلطان العادل، و لكن لم يعلم أن الأرز المفروض كان من المقاسمة، فإنها في واقعة خارجية لم تعلم خصوصياتها، فلعله كان من مال الناصب، كما ذكره في الحدائق، و لم يظهر من أصحابنا التسالم على عدم اجراء حكم مال الكافر على أموال الناصب، بل الناصب على ظاهرهم محكوم بالكفر، فلا حرمة لنفسه و لا لماله. و إخراج الخمس من المال المأخوذ منه يكون بالإضافة إلى الزائد على مؤنة السنة، كما مر سابقا.

(1) و لعل مراده بالعام مدلول لفظ الشيعة، و المال المضاف إليهم هو المأخوذ من كل واحد منهم. و هذا المال هو الخراج و المقاسمة، فإن ما يؤخذ من جميع الشيعة فقيرهم و غنيهم و كبيرهم و صغيرهم هي أجرة الأرض التي كانوا يسكنون بها من الأراضي الخراجية، بخلاف المجعول عليهم ظلما، فإنه لا يعم جميع الشيعة حتى الزكوات، فإنها لا تؤخذ إلا ممن له نصاب المال الزكوي. و على ذلك فمقتضى العام حمل الأموال الواردة في الرواية على الخراج و المقاسمة. و هذا الحمل هو الاحتمال الثاني في كلام المحقق الكركي (ره).

نعم الزكوات و إن أدرجها المحقق المزبور في الاحتمال الثاني، إلا أنها داخلة في الاحتمال الأول، فإنها مأخوذة من بعض الشيعة ظلما، و ذلك فإنه لو قيل باجزاء المدفوع إلى الجائر عن الزكاة الواجبة كان الظلم على مستحقيها من فقراء أهل الولاية، حيث أن الجائر لا يخصهم بالزكاة، و إن لم نقل باجزائه عنها كانت الظلامة على مالك النصاب، لانه يجب عليه دفعها ثانيا. و هذا الظلم أظهر من الأول، لاحتمال أن يقال في فرض الاجزاء بأن الزكاة لا تكون ملكا للفقراء من أهل الولاية،

حتى تكون الظلامة عليهم، بل هم أحد الموارد الثمانية التي يصرف عليها الزكاة، و لذا ذكر (ره) خصوصا بناء على عدم الاجتزاء بها عن الزكاة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 358

و فيما ذكر المحقق من الوجه الثاني (1)

______________________________

و كيف كان فليست الزكاة مالا مأخوذا من جميع الشيعة، بل أخذها ظلامة من الجائر على بعضهم (أقول): ينبغي أن يقال بالاجتزاء بالإضافة إلى الزكاة أيضا، كما يظهر ذلك مما دل على تجويز شراء الصدقة من السلطان و عماله و في صحيحة عيص بن قاسم عن ابى عبد اللّه (ع) في الزكاة، قال: «ما أخذ منكم بنو أمية، فاحتبسوا به و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فان المال لا يبقى على هذا ان يزكيه مرتين «1» فان قوله- فان المال لا يبقى تعليل للاجزاء و جواز الاحتساب، لا لعدمه، كما يظهر من المصنف (ره)، و بها و بمثلها يرفع اليد عن الدلالة على عدم الاجزاء بحملها على استحباب الإعادة.

(1) أى ان ما ذكره المحقق- في بيان المراد من أموال الشيعة الواردة في رواية على بن يقطين من احتمال كونه الخراج و المقاسمة و الزكوات- فيه دلالة على أنه (ره) لا يرى وجوب دفع الخراج أو المقاسمة إلى السلطان، و لا يكون له ولاية كولاية السلطان العادل. و وجه الدلالة أنه لو كانت له هذه الولاية بحيث وجب دفع تلك الأموال إليه، لما أمكن أمر الإمام (ع) على بن يقطين بالاجتناب عن أخذها و لا أخذها علانية و استردادها سرا. و ربما يستظهر هذه الولاية من كلام مشايخه، و لكن لا يبعد كون مرادهم الامتناع عن أداء الخراج و جحوده رأسا حتى عن الحاكم العادل.

و وجه

عدم البعد تعليلهم حرمة الامتناع، بأن ذلك حق واجب عليه، فإنه ليس مقتضى هذا التعليل وجوب الدفع إلى الجائر، و لعل هذا الاحتمال بعينه ما فهمه المحقق من الكلام المنقول عن مشايخه. و يؤيد ذلك أنه بعد ما ذكر الاحتمالين في المراد من أموال الشيعة الواردة في الرواية نقل كلام مشايخه، و لم يشر الى أن ما ذكره- من الاحتمال الثاني في الرواية- مخالف لظاهر كلامهم و يؤيد أيضا ان هذا المحقق

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (6) الباب: (20) من أبواب المستحقين للزكاة:

- الحديث: (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 359

و من تأمل إلخ فهو استشهاد (1) فلو احاله بها و قبل الثلاثة (2) يحرم على المالك المنع (3) و قد عرفت أن هذا مسلم نصا و فتوى (4).

______________________________

تعرض بعد نقل كلامهم لتولى الفقيه أمر الخراج في زمان الغيبة و ذكر أنه ليس عنده من الأصحاب تصريح في ذلك، و وجه التأييد أنه لو كان قد علم من كلامهم عدم جواز منع الخراج عن الجائر و ثبوت الولاية له، لذكر أنه لا يجوز عند مشايخه للفقيه المتصدي لأمر الخراج، و أن أمره عندهم راجع الى الجائر. و حمل كلامه (ره)- على صورة فقد السلطان الجائر، حتى لا ينافي ذلك ثبوت الولاية للجائر- حمل على فرض بعيد.

(1) هذا رفع لما يتوهم من التنافي في كلام المحقق، و ذلك فإنه (ره) أجاب عن السؤال (أولا) بقوله لا أعرف للأصحاب في ذلك تصريحا، ثم ذكر (و من تأمل في أحوال كبرائنا و هذا الأخير نوع تصريح من الأصحاب. و وجه الدفع أن قوله- و من تأمل في أحوال كبرائنا- استشهاد على أصل الحكم في المسألة،

و هو جواز المعاملة مع السلطان على الأراضي و خراجها، و غير مرتبط بالسؤال و الجواب أصلا.

(2) المراد بالثلاثة المحال و المحيل و المحال عليه، و هذا مبنى على اعتبار رضا المحال عليه في صحة الحوالة، و الا لكفى رضا المحيل و المحال.

(3) أى انه يحرم على من عليه الحقوق المزبورة الامتناع عن دفعها الى من تملكها بالمعاملة مع السلطان.

(4) (أقول): لم يعلم التسالم على ما ذكر، و مقتضى بعض الروايات المعتبرة تجويز للتصرف في الأراضي الخراجية للشيعة مجانا، و في صحيحة مسمع بن عبد الملك عن ابى عبد اللّه (ع): «يا أبا سيار الأرض كلها لنا، مما اخرج اللّه منها من شي ء فهو لنا- الى ان قال- كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون و محلل لهم، ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم، و ترك الأرض في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 360

ما ذكره من الوقف لا يناسب (1) و أما مع عدم استيلائه (2)

[الثالث: أن ظاهر الأخبار و إطلاق الأصحاب حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الأراضي]

و هو الذي يقتضيه نفى الحرج (3)

______________________________

أيديهم. و أما ما كان في أيدي غيرهم، فان كسبهم من الأرض حرام.» «1» فان هذه لو لم تكن ظاهرة في خصوص أرض الخراج، بقرينة فرض الخراج المعبر عنه بالطسق فلا ينبغي الريب في شمولها لها، حتى لو فرض وقوع المعارضة بينها و بين ما دل على ثبوت الخراج على مستعمل ارض الخراج بالعموم من وجه، لكان المرجع بعد تساقطهما في مورد اجتماعها و هو استعمال الشيعي أرض الخراج أصالة عدم اشتغال الذمة بالبدل. و قد نقل ذلك القول في المستند، و اختاره فراجع.

ثم إن الظاهر من قوله (ع): (الأرض كلها

و ما اخرج اللّه منها لنا) هو ثبوت الولاية لهم لا الملك، بقرينة مالكية غيرهم بعض الأرض، و ما يخرج منها كما لا يخفى.

(1) لا يخفى أنه يجوز وقف بعض المأخوذ من الجائر، كابل الصدقة، و ليس في كلام الشهيد (ره) عموم بالإضافة إلى وقف الأرض التي يتقبلها من السلطان، حتى يستشكل بأنه لا يصح وقفها باعتبار أنها لا تدخل في ملك الآخذ، بل لا يصح هذا الوقف من الجائر أيضا، فإنه لم يظهر من الاخبار المتقدمة إمضاء الشارع تصرفه في الأرض بوقفها أو تمليك قطعة منها لشخص معين فلاحظ.

(2) قد ورد النهي في صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة عن إعطاء الزكاة للجائر و ظاهره عدم الاجتزاء به عن الزكاة الواجبة فيما إذا كان الإعطاء اختياريا، لقصور يد الجائر أو غيره. و بما أنه لا يحتمل الفرق بينها و بين الخراج، فلا يجوز إعطاء الخراج له ايضا اختياريا، بل يدخل الخراج بناء على عدم سقوطه عن الشيعي في الأموال التي يتصرف فيها حسبة. و القدر المتيقن من الجواز تصرف الحاكم مباشرة، أو الصرف في موارده بالاستيذان منه فتدبر.

(3) قد تقدم سابقا أن دليل نفى الحرج لا يصحح المعاملة، و لذا لو لم تكن في البين الأخبار الظاهرة في إمضاء معاملات الجائر على الأراضي و خراجها، لم يمكن

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (4) من أبواب الأنفال- الحديث (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 361

و هذا الدليل و ان كان فيه ما لا يخفى (1) نعم بعض الاخبار (2)

[الرابع: ظاهر الأخبار و منصرف كلمات الأصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله]

مسوقة لبيان حكم آخر (3)

______________________________

تصحيحها بدليل نفيه، كما لا يمكن تصحيح معاملات سائر الغاصبين به.

(1) (أولا) بأن الخراج أجرة الأرض، فيثبت على الذمة،

و ما يحصل بالزرع ملك في المزارعة لمالك الأرض و الزارع معا، و في مورد الإجارة ملك للزارع.

و (ثانيا) أن الخراج حق للمسلمين، فإنه بدل منفعة الأرض التي يملكونها. و (ثالثا) أن دفع حق اللّه الى غير مستحقه لا يوجب فراغ الذمة، فيكون الدفع إلى الجائر كدفع الزكاة الى غير مستحقها. و الكلام المزبور من العلامة- و ان كان فيه الخلل- إلا أن ظاهره اختصاص الحكم بصحة المعاملة بالأراضي الخراجية عندنا. و أما الأنفال فالثمرة و الزرع فيها للزارع و مالك الأشجار، و تملك الأرض بالإحياء على ما يأتي.

(2) فإنه لا يبعد شمول مثل قوله (ع): «لا بأس بأن يتقبل الأرض و أهلها من السلطان.» للأراضي التي تكون من الأنفال و المجهول مالكها مما يتصرف فيها السلطان، بخلاف الأراضي المملوكة للأشخاص، كما في الأراضي التي أسلم أهلها طوعا، فإنها ملك لأربابها الذين أسلموا طوعا حتى عند المخالفين.

و الحاصل ان تصرفه فيها- كتصرفه في ملك شخصي لمسلم في كونه جورا و عدوانا- خارج عن موضوع الأخبار الواردة في قبالة الأرض و المعاملة على خراجها.

(3) أى ان الروايات المشار إليها ليست في مقام بيان إمضاء الشارع معاملة السلطان على الأرض أو خراجها، حتى يتمسك بإطلاق السلطان فيها في الحكم بعموم الجواز، و انه لا فرق في الإمضاء بين السلطان المخالف الذي يدعى لنفسه الزعامة الشرعية على عامة المسلمين، و بين المخالف أو الموافق الذين لا يدعون تلك الزعامة و الخلافة، فإن صحيحة الحلبي ناظرة- بعد الفراغ عن جواز قبالة الأرض من السلطان- الى جواز إدخال تقبل جزية الرؤوس في تقبل الأراضي التي يسكنها أهل الذمة، و أنه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 362

لأن

المراد بشبهتهما (1)

______________________________

لا بأس بهذا الإدخال، فيرفع اليد بها عن ظاهر ما دل على عدم جواز ذلك.

و أما رواية الفيض بن مختار فهي ناظرة إلى بيان انه بعد تقبل الأرض من السلطان لا بأس بإعطائها لساكنيها بأكثر مما تقبل به. و بعبارة أخرى ليس فيها بيان جواز تقبل الأرض من السلطان، بل بيان حكم آخر بعد الفراغ عن الأول.

و أما صحيحة محمد بن مسلم و ابى بصير معا عن ابى جعفر (ع)، فهي ناظرة الى عدم ثبوت الزكاة على الزارع فيما يأخذه السلطان منه بعنوان الخراج. و أما أن أخذه بذلك العنوان أو معاملته عليه بعد أخذه ممضاة أم لا، فلا دلالة لها على ذلك أصلا، قال (ع) فيها: «كل ارض دفعها إليك السلطان، فما حرثته فيها فعليك مما اخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما اخرج اللّه منها العشر، إنما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك» «1».

(1) أى أن مرادهم بالشبهة في قولهم: (ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة و الزكاة) هي شبهة استحقاق أخذهما الحاصلة من رعاية مذهب العامة، نظير شبهة استحقاقه سائر الأموال التي يأخذه من الرعية بعنوان كونه ولى الأمر، و هذه الشبهة لا تتصور في حق الموافق، لان مذهبه أن ما يأخذه من الرعية باسم الخراج أو الزكاة كسائر الأموال التي يؤخذ منهم ظلما، و لو كانت له شبهة فهي اعتقاده الشخصي: بأن له الأخذ من أموال الناس للتحفظ على نظام الحكومة و أمن البلاد، و لو كان هذا الاعتقاد بسبب صحيح كالاجتهاد و التقليد، فيجوز له الأخذ و التحفظ على ذلك النظام.

و الأمن، و الا لكان باطلا لا يصح لأحد ترتيب الأثر على

تصرفاته.

(أقول) لا يعتبر في السلطان أو عماله شبهة الاستحقاق بحسب المذهب، بل الروايات ظاهرة في إمضاء تصرفات السلطان و عماله في الأراضي الخراجية، و خراجها و مقاسمتها و الزكوات و جزية الرؤس، و ليس لنا سبيل إلى إحراز أن الزعماء في ذلك

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (7) من أبواب زكاة الغلات- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 363

فسر صاحب إيضاح النافع (1)

[الخامس لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ ان يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الأخذ للأخذ]

لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ ان يكون (2)

______________________________

الزمان كانوا معتقدين باستحقاقهم شرعا لتلك التصرفات. و لعل كان بعضهم- كما قيل- في هارون و مأمون على اعتقاد بأنهم ليسوا أهلا لها، و انما لم يتركوها لأهلها، لان حلاوة الزعامة كانت تمنعهم عن ذلك.

و الحاصل أن المتيقن من تلك الاخبار أن من كان له دعوى الزعامة الشرعية على عامة المسلمين، فتصرفاته و تصرفات عماله في الأموال المزبورة ممضاة، سواء كانت التصرفات لشبهة الاستحقاق أم لمجرد دعوى الولاية عليها. نعم قد تقدم عدم ورود الروايات لبيان هذا الإمضاء حتى يتمسك بإطلاقها بالإضافة الى غير هذا السلطان و عماله، كما لا يخفى.

(1) يعنى أنه فسر الجائر في كلام النافع بمن تقدم على أمير المؤمنين (ع)، و من تبع اثر أولئك الثلاثة. و من الظاهر أنهم كانوا يدعون الولاية الشرعية على المسلمين.

(2) هذا الأمر لبيان عدم الفرق- في الزارع المأخوذ منه الخراج أو نحوه- بين كونه مخالفا يعتقد ولاية السلطان على الرعية، أو كونه موافقا لا يرى للجور ولاية عليه أو على سائر المسلمين، فإنه يجوز في الصورتين أخذ الخراج منه أو عماله معاوضة أو مجانا، كما تبرأ ذمة الزارع من الحقوق الواجبة بأخذه أو أخذ عماله.

و يشهد لعدم الفرق إطلاق

بعض الاخبار الواردة في شراء الخراج أو الزكاة من السلطان أو عامله، فإنه لم يرد فيها اعتبار كون الزارع أو مالك النصاب مخالفا، بان يقال:

لا بأس بشراء الخراج فيما إذا لم يؤخذ من أصحابكم، بل المفروض في صحيحة الحذاء المتقدمة كون الزكاة مأخوذة من الشيعة، حيث أنه مما ورد فيها «قيل له فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنامنا، فنقول بعناها فيبيعناها، فما تقول في شرائها منه؟ فقال: إن كان أخذها و عزلها فلا بأس» و مثلها ما ورد في جواز احتساب الزكاة بما يأخذه السلطان و عماله، كما في صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 364

..........

______________________________

و اما ما ذكره المصنف (ره) من اختصاص رواية إسحاق بن عمار المتقدمة أيضا بالأخذ من الموافق، فلم يعلم وجهه، كذا بعض أخبار قبالة الأرض فراجع.

و أدرج البعض، المقام في قاعدة الإلزام، و ذكر أن حل الخراج- أو غيره بالأخذ من السلطان أو عماله مجانا أو معاوضة- مختص بما إذا كان المأخوذ منه مخالفا، و أن مقتضى إلزام المخالف بمقتضى مذهبه من ولاية السلطان عليه هو جواز المأخوذ منه لمن تلقاه من السلطان أو عماله معاملة أو مجانا.

و لا يخفى أنه على ذلك و إن اختص الحكم بما إذا كان المأخوذ منه مخالفا، إلا أن المال المأخوذ يعم غير الخراج و المقاسمة و الزكاة، كالمأخوذ من الرعية بعنوان الضريبة و العشور أو غيرهما، فان اعتقاد المخالف بولايتهم على رعاياهم في هذا الأخذ أيضا للحفظ على النظام و الأمن يكون مجوزا لإلزامه بمعتقده، و كذا يعم الحكم ما إذا لم يكن السلطان مدعيا للخلافة و الزعامة على عامة المسلمين.

و لكن الكلام

في اعتبار القاعدة المزبورة بإطلاقها، فنقول: إذا رأى المخالف على مذهبه كونه ملزما بحكم ينتفع من ذلك الحكم، الموافق، كما إذا انحصر الوارث من الطبقة الأولى بالبنت الواحدة التي ترى بمقتضى مذهبها أن النصف الباقي من تركة أبيها للعصبة، فيجوز لأخيها المؤمن أخذ ذلك النصف و إلزامها بمذهبها. و هذا في الإرث منصوص، و التعدي- إلى سائر الموارد التي يحتمل الفرق في الحكم بينها و بين الإرث- لا يخلو عن مناقشة، لضعف سند بعض ما ورد في ذلك الباب، مما يظهر منه الإطلاق، و كذا يلزم المخالف بالنكاح أو الطلاق الواقع على مذهبه، و إن كانا باطلين عندنا. و هذا أيضا مستفاد من النصوص. بل يلزم الكفار ايضا بالنكاح و الطلاق الواقعين على رسومهم، و ايضا ورد النص في جواز أخذ ثمن الخمر أو الخنزير من الكافر، فيما إذا باع الخمر أو الخنزير لمثله، و يتعدى الى سائر المعاملات الفاسدة من البيع و الإجارة و نحوهما. و أما القاعدة الكلية- التي يؤخذ بها في كل مورد و لو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 365

[السادس ليس للخراج قدر معين]

السادس ليس للخراج قدر معين (1)

______________________________

مع احتمال الفرق في الحكم الواقعي فأقامه الدليل عليها مشكلة، فتدبر.

(1) هذا الأمر لبيان عدم التحديد لمقدار الخراج، بل بما أنه في الحقيقة أجرة الأرض التي تملكها المسلمون، فيكون كسائر الموارد تابعا لتراضى المتعاملين قل أو كثر. نعم إذا استعمل الأرض قبل المعاملة عليها كان على مستعملها اجرة المثل و أما تعيين الأجرة قبل استعمالها فيكون بالمعاملة فقط.

و ذكر (ره) أن هذا منسوب الى ظاهر الأصحاب. و يدل عليه قول ابى الحسن (ع) في مرسلة حماد بن عيسى: «و الأرض التي أخذت

عنوة بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها على صلح ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج النصف و الثلث و الثلثان، و على قدر ما يكون لهم صلاحا و لا يضر بهم.» «1»

و أنه يستفاد من هذه المرسلة تحديد الخراج أو المقاسمة في ناحية الكثرة بعدم إضرارهما بالزارع، بحيث يترك الفلاح الزراعة و لا يختارها إلا إجبارا. و على ذلك، فلو قبل الأرض بما يضره فيحتمل حرمة جميع ما يؤخذ من مستعمل الأرض، بأن يكون أصل المعاملة باطلة، و يحتمل حرمة المقدار الزائد أي فساد المعاملة بالإضافة الى ذلك المقدار.

و لكن الصحيح هو التفصيل، بأن مستعمل الأرض لو كان مختارا في استعمالها بلا حرج عليه في تركها كان مقدار الخراج ما تراضيا عليه، حتى فيما إذا كان زائدا على المتعارف و غير صلاح للزارع. و أما إذا كان مضطرا الى استعمالها، بأن كان تركها حرجا عليه، كما إذا كانت تلك الأرض مزرعة له مدة، بحيث يكون ارتحاله عنها شاقا عليه ففي مثل ذلك يحكم بفساد المعاملة أو فساد الزائد.

(أقول): الأظهر بطلان المعاملة في الصورتين، فان السلطان و عماله ليست لهم ولاية التصرف في تلك الأراضي بما يكون فيه إضرار بالمسلمين، و لم يمض من

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب (2) من أبواب الخمس الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 366

..........

______________________________

تصرفاتهم فيها ما يكون موجبا لترك الناس الأراضي التي كانوا يستعملونها و الالتجاء الى مكاسب اخرى بدلا عن الزراعة و توفير الغذاء للناس، و في ذلك فساد للبلاد و فقر لأهلها. و هذا نظير ما وكله الغير في بيع ماله أو إجارته بعوض محدود

في ناحية كثرته، و كان التحديد لغرض عقلائي، فباعه الوكيل أو آجره بأزيد من ذلك العوض، فإنه يكون البيع أو الإجارة باعتبار عدم وكالته فيهما باطلة. و أما احتمال بطلانها بالإضافة إلى المقدار الزائد فضعيف، فان التبعيض في المعاملة بحسب صحتها يختص بموارد انحلالها، كما إذا باع شيئين بصفقة واحدة، أو آجر العين مدة، فإن انحلال البيع بالإضافة الى كل منهما، و انحلال الإجارة بحسب أبعاض المدة صحيح.

و أما انحلالها بالإضافة الى بعض الثمن أو بعض الأجرة، بأن تتم المعاملة و يقع تمام المبيع بإزاء بعض الثمن أو تمام المدة بإزاء بعض الأجرة، فهذا ليس من انحلال المعاملة. و على ذلك يبتنى الحكم ببطلان البيع الربوي و عدم اختصاص البطلان بالمقدار الزائد، كما إذا باع خمسة كيلوات من الحنطة بعشرة كيلوات من حنطة أخرى، فإنه لا يمكن الحكم بصحة البيع بالإضافة إلى مبادلة خمسة كيلوات بخمسة، و بالبطلان بالإضافة إلى الخمسة الزائدة، فإن مبادلة الخمسة بالخمسة لم تنشأ حتى يعمها مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ بل المنشأ مبادلة الخمسة بالعشرة، و هذه المبادلة إنما تنحل بالإضافة إلى مبادلة نصف الخمسة بنصف العشرة، و ربع الخمسة بربع العشرة و هكذا، بخلاف الربا في باب القرض، فإنه لا يوجب بطلان عقد القرض، فان القرض و الاقتراض في حقيقتهما تمليك المال و تملكه بالضمان، و معنى الضمان اشتغال الذمة بمثل ذلك المال في المثليات، و بقيمته في القيميات، فالزيادة تكون شرطا فيهما. و بما أن بطلان الشرط لا يوجب بطلان أصل العقد يصح القرض و الاقتراض و يبطل الشرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 367

[السابع ظاهر إطلاق الأصحاب أنه لا يشترط فيمن يصل إليه الخراج أو الزكاة من السلطان على وجه الهدية]

السابع ظاهر إطلاق الأصحاب (1)

______________________________

و يترتب على ما ذكرنا

أنه لو ترك المستعمل، الأرض التي تقبلها من السلطان بما يضره، لم يكن عليه شي ء لا الأجرة المسماة لفساد القبالة، و لا اجرة المثل، فان تلك الأجرة لا تثبت في صورة ترك استعمال الأرض و رفع اليد عنها.

(1) نسب (ره) في هذا الأمر إلى ظاهر كلمات الأصحاب عدم اعتبار الاستحقاق في من يأخذ الزكاة أو الخراج من السلطان أو عماله مجانا، و نقل عن المحقق الكركي نسبة ذلك الى إطلاق الاخبار، و ناقش فيه بأن الأخبار واردة في شراء الخراج أو الزكاة أو تقبل الأرض من السلطان، و لا يعتبر في المشتري أو المتقبل أمر زائد على ما في اشتراء سائر الأموال من سائر الأشخاص. و لعله أراد إطلاق ما دل على حل جوائز السلطان، و لكن الأخبار الواردة في حلها واردة في اشخاص خاصة، فيحتمل كونهم مستحقين لبيت المال.

و الحاصل أن الحكم بنفوذ تصرف الجائر في الخراج على الإطلاق بمعنى إمضاء تمليكه لغير مستحقيه أو إمضاء تفريقه على غير صلاح المسلمين مشكل، كما أن الحكم بنفوذ أخذه بأن يكون المأخوذ خراجا مطلقا و لو فيما إذا دفعه اليه مستعمل الأرض اختيارا أو تقبل الأرض منه كذلك، مع إمكان المراجعة إلى حاكم الشرع كان مشكلا (أقول): ورود أخبار حل الجوائز في أشخاص خاصة ممنوع، فان فيها ما يكون من قبيل سائر الإطلاقات، كما في صحيحة محمد بن مسلم و زرارة جميعا، قالا: «سمعناه يقول جوائز العمال ليس بها بأس» «1» نعم لا شهادة لها على ما ذكره المحقق الكركي (ره) و ذلك لما ذكرنا سابقا من أن الجائزة بمقتضى قاعدة اليد محكومة بكونها ملك الجائر، و أن الجواز في مثل الصحيحة حكم ظاهري تكون غايته

العلم بحرمتها، فلا يعم ما إذا أحرز كونها مغصوبة من شخص يعرفه الآخذ، أو أنها زكاة لا تحل لغير الفقير و هكذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب: (51) من أبواب ما يكتسب به- الحديث: (5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 368

[الثامن: أن كون الأرض خراجية يتوقف على أمور ثلاثة]
[الأول كونها مفتوحة عنوة]

الأول كونها مفتوحة عنوة (1)

______________________________

و كأن المحقق الكركي مع ذكره إطلاق بعض الاخبار و ظاهر الأصحاب في عدم اعتبار الاستحقاق في الآخذ اعتبر الاستحقاق فيه و رفع اليد عن إطلاق ذلك البعض، و استظهره من كلام العلامة، و ذكر في وجه اعتباره قوله (ع) في رواية الحضرمي:

«ما يمنع ابن ابى السماك أن يبعث إليك بعطائك، أما علم أن لك في بيت المال نصيبا» فان مقتضى ذلك ان حل بيت المال لأبي بكر باعتبار كونه ذا نصيب فيها.

و فيه أن قوله (ع) (أما علم) علة لتوبيخ ابن ابى السماك على تركه إرسال المال إلى السائل، فيستفاد منه حل بيت المال لمن يكون له فيها نصيبا و أما عدم الحل لمن لا نصيب له بإعطاء الجائر و تمليكه، فهذا خارج عن مدلوله.

و أما استظهاره الاعتبار من كلام العلامة، فلأن المأخوذ من الزارع و مستعمل الأرض بعنوان الخراج أو الزكاة خراج أو زكاة حقيقة، كما هو مقتضى كونهما حق اللّه و براءة ذمة المأخوذ منه من ذلك الحق، و إذا كان المأخوذ خراجا أو زكاة فيترتب عليه حكمهما من عدم جوازهما لغير مستحقهما.

و فيه أنه لا منافاة بين كون المأخوذ خراجا أو زكاة و جوازهما لغير مستحقهما بهبة السلطان أو عماله باعتبار إمضاء هذه التصرفات كما مر.

(1) أراضي الكفار- التي استولى عليها المسلمون بالقهر و القتال المعبر عنها بالمفتوحة عنوة- ملك للمسلمين على المشهور،

لا لاشخاصهم على نحو التوزيع، و لا لعنوانهم على نحو ملك الزكاة لعنوان الفقراء، بحيث يكون المأخوذ منها ملكا شخصيا للأخذ، بل تلك الأراضي تكون باقية على حالها حتى بعد أخذها و استعمالها.

و مقتضى تبعية المنفعة للعين دخول منافعها من الخراج و المقاسمة أو اجرة المثل في بيت مال المسلمين المحكوم عليها بلزوم صرفها في مصالحهم، و المتصدي لذلك من له الولاية عليهم على ما مر في ضمن الأمور المتقدمة.

و في صحيحة الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن السواد ما منزلته؟ فقال:

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 369

..........

______________________________

هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، و لمن لم يخلق بعد فقلت الشراء من الدهاقين؟

قال: لا يصلح إلا أن تشترى منهم على ان يصيرها للمسلمين، فإذا شاء ولى الأمر أن يأخذها أخذها، قلت فإن أخذها منه قال يرد عليه رأس ماله، و له ما أكل من غلتها بما عمل» «1».

و دلالة هذه على ما ذكر لا تحتاج إلى مؤنة، فان ارض السواد إما مفتوحة عنوة كما عليه المشهور، أو من ارض الصلح بشرط كونها للمسلمين، كما احتمله المصنف (ره) نعم البناء و الآثار لمستعمل تلك الأراضي، و لا تتبع رقبة الأرض، و لذلك يثبت للمستعمل حق بها، كما ربما يظهر ذلك من ذيل الصحيحة أيضا، و نحوها رواية أبي الربيع الشامي عن ابى عبد اللّه عليه السلام، قال: «لا تشتر من ارض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة، فإنما هو في للمسلمين» «2» و المراد بمن له ذمة هو مستعمل الأرض أو الذي تقبلها بالمعاملة مع الوالي.

و بمثل هاتين الروايتين يرفع اليد عن الإطلاق و العموم في بعض الروايات الدالة على كون

الأراضي ملكا للإمام عليه السلام، كما في صحيحة عبد الملك من قوله عليه السلام «يا أبا سيار الأرض كلها لنا» «3» و ما في رواية أبي خالد الكابلي عن ابى جعفر عليه السلام، قال «وجدنا في كتاب على عليه السلام أن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، أنا و أهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض و نحن المتقون، و الأرض كلها لنا، فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها، و ليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي، و له ما أكل منها «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) باب (21) من أبواب عقد البيع و شروطه- الحديث (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (12) باب (21) من أبواب عقد البيع و شروطه- الحديث (5)

(3) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (4) من أبواب الأنفال- الحديث: (12)

(4) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (3) من أبواب إحياء الموات- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 370

..........

______________________________

هذا مع أن المراد من اللام في (الأرض كلها لنا) الأعم من ملك العين و ملك التصرف، بشهادة قوله عليه السلام: (فما اخرج اللّه منها في شي ء فهو لنا) فإنه من الضروري أن ما يخرج من الأرض من الثمار و الزرع يكون ملكا لزراعها و غراسها، و رواية أبي خالد لا تخلو عن المناقشة في سندها.

(لا يقال) انها معارضة بما دل على ملك الأرض بالإحياء كصحيحة محمد بن حمران، قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها و هي لهم «1»» (فإنه يقال) معارضة ذيل رواية الكابلي مع مثل الصحيحة لا تضر باعتبار صدرها الظاهر في كون كل الأراضي ملك

الامام عليه السلام.

و الحاصل انه لو فرض تمامية الروايتين بحسب السند و الدلالة، فلا بد من رفع اليد عن عمومهما بالتقييد الوارد في روايات الأنفال، و أن ملك الإمام هي الأراضي التي لم يجر عليها القتال كموثقة إسحاق ابن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الأنفال؟ فقال: هي القرى التي قد خرجت و انجلى أهلها فهي للّه و للرسول، و ما كان للملوك فهو للإمام، و ما كان من الأرض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل ارض لا رب لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى، فما له من الأنفال «2».

في صحيحة حفص بن البختري، قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كل أرض خربة و بطون الأودية، فهو لرسول اللّه، و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» «3» و قريب منها، غيرهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (17) الباب: (1) من أبواب إحياء الموات- الحديث: (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (20)

(3) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 371

..........

______________________________

فقد تحصل مما ذكرناه ان ما عن المحقق الإيرواني (ره) من أن الأراضي المفتوحة عنوة كسائر الأراضي ملك للإمام عليه السلام، و انما يكون للمسلمين الانتفاع بها- لا يمكن المساعدة عليه. نعم الأراضي- التي استولى عليها المسلمون بغير قتال، أو صالح أهل تلك الأراضي على كونها للإمام- تختص به (ع)، كما تدل عليه صحيحة حفص، و قريب منها غيرها، كرواية محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع)

قال: «سمعته يقول: الفي ء و الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيه إراقة الدماء، و قوم صالحوا و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية، فهو كله من ألفي، فهذا للّه و لرسوله، فما كان للّه فهو لرسوله يضعه حيث يشاء و هو للإمام بعده» «1» رواها الشيخ بسنده الى على ابن الحسين بن فضال، و في سنده اليه ضعف، لوقوع على بن محمد بن الزبير فيه. و قد ذكرنا سابقا أن تجويز الامام (ع) العمل بكتب بنى فضال- على تقديره- لا يقتضي اعتبار كل خبر ثبت نقله عنها، و لو لم يثبت أو لم يكن رواتها بثقات، و إنما يقتضي أن فساد اعتقادهم لا يضر بجواز العمل برواياتهم فيما إذا حصل سائر شروط العمل بالخبر الواحد.

و الحاصل أن الرواية صالحة للتأييد فقط، و يلحق بالأراضي المفتوحة عنوة الأراضي التي صولح عليها، على أن تكون للمسلمين، كما هو مقتضى صحة الصلح و نفوذه، و لو صالحوا الكفار على بقاء أراضيهم في ملكهم جاز، و تكون- كالأراضي التي أسلم أهلها طوعا و رغبة- باقية في ملك أربابها، كما يدل على ذلك- مضافا الى كونه مقتضى نفوذ الصلح- صحيحة البزنطي، قال: «ذكرت لأبي الحسن (ع) الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال العشر و نصف العشر على من أسلم طوعا، تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها. و ما لم يعمر منها، أخذه الوالي فقبله ممن يعمره، و كان للمسلمين، و ليس فيما كان أقل من خمسة أو ساق شي ء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (2) من أبواب الأنفال- الحديث: (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 1، ص: 372

يثبت الفتح عنوة بالشياع (1)

______________________________

و أما ما أخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول اللّه (ص) بخيبر، قبل أرضها و نخلها.» «1».

ظاهر قوله (ع) فذلك الى الامام أن له الولاية في التصرف فيها، لا أنه ملكه، فإنه فرق بين التعبير بأنه الى الإمام أو أنه للإمام (ع)، و الأول لا ينافي ما تقدم من أن المأخوذ عنوة ملك المسلمين، فإنه يكون ملكهم مع ثبوت الولاية للإمام (ع). نعم ما ذكر في الصحيحة- من أن الميتة من الأراضي التي أسلم أهلها طوعا ملك المسلمين- ينافي ما تقدم من كون الأراضي الميتة من الأنفال، فلا بد من حمل المذكور فيها على التقية كما قيل، أو حمل اللام على غير افادة الملك من سائر الانتفاعات. هذه أقسام الأرضين في كونها ملكا لأربابها أو للإمام (ع) أو للمسلمين.

(1) يثبت الفتح عنوة و كذا الصلح على كون الأرض للمسلمين بالشياع المفيد للعلم، و بشهادة العدلين، و لو كانت من قبيل الشهادة على الشهادة، و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم المعبر عنه بالاطمئنان. و ذكر المصنف (ره) أن الاكتفاء بالشياع كذلك مبنى على اعتباره في كل مورد تكون إقامة البينة فيه عسرة، كنسب شخص أو كون مال وقفا أو ملكا مطلقا لا يتعلق به حق للآخرين، ككونه رهنا أو وقفا.

الصحيح أنه لو كان المراد بالظن المتاخم للعلم هو الاطمئنان فلا يختص اعتباره بصورة خاصة (ثم) إن العسر في إقامة البينة على إطلاق الملك مبنى على عدم كفاية اليد في الشهادة بالملكية المطلقة و إلا فلا عسر في إقامتها كما لا يخفى. و لا اعتبار لغير ما ذكر من الأمارات الظنية حتى قول

أهل التاريخ إلا إذا كان من قبيل خبر العدل أو الثقة، حيث أنه لا يمكن الاعتماد على تلك الظنون في مقابل أصالة عدم الفتح عنوة أو عدم الصلح على كون الأرض للمسلمين.

(لا يقال): الرجوع إلى أهل التاريخ في إحراز كون الأرض مفتوحة عنوة أو

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (11) الباب: (72) من أبواب جهاد العدو- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 373

..........

______________________________

ارض صلح من قبيل الرجوع الى أهل الخبرة و لا يعتبر في الرجوع إليهم التعدد و العدالة بل يكفى كون أهل الخبرة ثقة (فإنه يقال): لم يحرز كون الحوادث في أطراف الأرض و أكنافها من الأمور التي يحتاج إدراكها إلى نظر و اجتهاد ليندرج المخبر بها في عنوان أهل الخبرة، بل الظاهر أن نقل تلك الحوادث لا يزيد على نقل سائر الأمور مما يكون نقلتها مجرد رواة لها.

(لا يقال): لا يمكن الرجوع الى أصالة عدم كون الأرض مفتوحة أو أرض صلح على أنها للمسلمين، فإنه يعارضها أصالة عدم كونها ملكا لسائر الناس (فإنه يقال) إذا دار أمر الأرض بين كونها ملكا لسائر الناس فعلا أو من المفتوحة عنوة أو صلحا، فالمعارضة صحيحة و يتساقط الأصلان، و تكون الأرض من المجهول مالكها. و أما فيما إذا احتمل أن لا يكون لها مالك فعلا، كما في أرض خربة لا يحتمل بقاء مالكها الأول عادة، و لا يعلم له وارث، فيجري أصلان و يحكم عليها بالأنفال. حيث أن مع أصالة عدم كونها من المفتوحة عنوة أو ملكا لسائر الناس تدخل الأرض في عنوان ما لا رب له، المحكوم عليه بكونه ملكا للإمام (ع)، كما في موثقة إسحاق بن عمار، قال:

«سألت أبا عبد اللّه

(ع) عن الأنفال؟ فقال: هي القرى التي خربت و انجلى أهلها- الى ان قال:- و كل ارض لا رب لها» «1».

ثم إن الرجوع الى الأصل أو الحكم بكونها لمالكها المجهول إنما هو على تقدير عدم اليد على تلك الأرض أو اعتراف ذي اليد بعدم كونها ملكا له، و إلا حكم بكونها ملكا لذي اليد، فإنها أمارة على الملك.

و الحاصل أنه لو أراد شراء الأرض، فمع يد البائع عليها يحكم بكونها ملكا له، و مع عدم اليد فلا بد من المعاملة معها معاملة المجهول مالكها أو الأنفال، و كذا ما إذا أراد استيجارها كما لا يخفى.

ثم إنه لا يبعد اعتبار شهادة العدل الواحد في الموضوعات أيضا، فإن الاعتناء

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (6) الباب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (20)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 374

..........

______________________________

بخبر العدل و الثقة عليه سيرة العقلاء في الأمور الراجعة إلى معاشهم و معادهم، بلا فرق في ذلك بين كون الخبر المزبور حاكيا عن الحكم أو الموضوع، و لم يردع عنها الشرع إلا في بعض الموارد، كالاخبار عن رؤية الهلال، كما يستفاد ذلك مما ورد من أنه لا عبرة فيها بغير شهادة رجلين عدلين، و مثلها ما إذا كان خبر العدل متضمنا للدعوى على الغير مالا أو حقا، فإنه لا يرفع اليد في تلك المقامات عن مقتضى قاعدة اليد أو أصالة الصحة و نحوهما بمجرد قيام خبر العدل، كما يستفاد ذلك من الاخبار الواردة في القضاء، بل لا اعتبار به في موارد قاعدة اليد مطلقا و لو لم تكن أخباره في موردها من قبيل الدعوى على الغير. و يؤيد- اعتبار خبر العدل بل الثقة فيما ذكرنا- في جواز

الاعتماد على أذان الثقة و اخبار الثقة عن زوجية امرأة يريد تزويجها، و التعبير بالتأييد باعتبار أنه لا يمكن التعدي منهما إلى سائر الموارد مع الإغماض عن السيرة المشار إليها، حيث أنهما من قبيل النص في مورد خاص.

(لا يقال) الاخبار بكونه زوجا لامرأة يريد الآخر تزويجها من قبيل الدعوى على الغير (فإنه يقال): الاخبار كذلك لا يكون من قبيل الدعوى بالإضافة الى من يريد تزويجها، و إنما تكون دعوى على المرأة، و ظاهر الرواية اعتبار خبر الثقة بالإضافة الى من يريد تزويجها، و هي ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة عن سماعة، قال: «سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها، فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة أن هذه امرأتي، و ليست لي بينة، فقال: إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل منه».

لا يقال ظاهر رواية مسعدة بن صدقه عدم العبرة في الموضوعات إلا بشهادة رجلين، قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: كل شي ء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك و هي أختك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 375

و أشكل منه إثبات ذلك باستمرار السيرة (1)

______________________________

أو رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» «1» فإن مقتضى الحصر المستفاد منها عدم الاعتبار بغير شهادة العدلين، و لا يبعد كون الرواية موثقة لثبوت التوثيق العام لمسعدة، لوقوعه في أسناد تفسير على بن

إبراهيم و كامل الزيارات، و لكنها لا تصلح للردع عن اعتبار خبر الثقة في الموضوعات. و ذلك فان المراد بالبينة ليس خبر العدلين، بل من المحتمل لو لم يكن ظاهرا- انها ما يوضح الواقع كما تستعمل فيه لغة فلاحظ موارد استعمالها في القرآن. و المفروض أن خبر الثقة يوضح الواقع كما هو مقتضى السيرة المشار إليها.

و (ثانيا) دلالتها على عدم اعتبار خبر الثقة في الموضوعات حتى في غير موارد الدعوى على الغير و نحوها بالإطلاق أو العموم، فيرفع اليد عنه في غير تلك الموارد بالسيرة الجارية على الاعتناء بخبر الثقات على ما تقدم.

و الحاصل أنه لا بأس بالالتزام باعتبار خبر العدل أو الثقة في الموارد التي أشرنا إليها، و منها الاخبار عن كون الأرض مفتوحة عنوة أو أنها للمسلمين فيما إذا لم تكن على الأرض يد تقتضي كونها ملكا لذيها، كما إذا تقبلها الزارع من السلطان مع عدم يد لآخر يحتمل كونها له.

(1) الشاك في حال الأرض (تارة) مستعملها الذي يتقبلها من السلطان أو من يأخذ من السلطان خراجها مجانا أو معاملة (و اخرى) من يأخذ الخراج ممن تلقاه من السلطان و الشاك في الصورة الاولى لا يجوز له تقبل الأرض أو أخذ خراجها. و ما قيل- من أن استمرار يد السلاطين على أرض في العصور المتتالية كاشف عن كونها للمسلمين و إلا فلو كان وضع اليد عليها شيئا حادثا تعرض له أهل التواريخ- لا يمكن المساعدة عليه، و ذلك فإنه يمكن حدوث الوضع و عدم تعرضهم لنقله، كما أهملوا الحوادث الكثيرة. و مع الإغماض عن ذلك، فان عدم تعرضهم لحدوث يد السلطان

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (12) الباب (4) من أبواب ما يكتسب به-

الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 376

..........

______________________________

عليها في زمان كذا لا يزيد على عدم تعرضهم لكون الأرض خراجية. و قد تقدم عدم الاعتبار بنص أهل اللغة بكون الأرض خراجية، و كذا لا يمكن الحكم بالجواز باعتبار حمل تصرف السلطان فيها على الصحيح، لأن الصحة تكليفا في فعله مقطوع العدم، حيث أنه لا يجوز له التصرف فيها و لا في خراجها، كانت للمسلمين أم لغيرهم. و الحمل على الصحة وضعا ايضا غير ممكن، لعدم إحراز ولايته على المعاملة عليها أو على أجرتها، و إحراز ولايته بقاعدة اليد- كما عن بعض- غير صحيح، للعلم بأن يده عليها أو على خراجها عدوانية، غاية الأمر المعتدى عليه مردد بين كونه من سائر الناس أو كونهم المسلمين، كما لا مجال لدعوى أن أخذه الخراج من الأراضي الخراجية أقل فسادا من أخذه من غيرها، فيحمل أخذه على كونه من الأراضي الخراجية.

و الوجه في عدم المجال أنه ليس في المقام الا محرم واحد، و هو تصرفه في الأرض أو خراجها سواء كانت الأرض للمسلمين أم ملكا لسائر الناس. و ليس في البين عنوانان محكومان بالحرمة، و أحرز صدور أحدهما عن مكلف، و شك في صدور الآخر، كما إذا لم يعلم أنه زنى فقط أو زنى و ظلم بإكراهه المرأة على الزنا، فان مقتضى أصالة الصحة عدم صدور الظلم بالإكراه، نعم لا يثبت بذلك رضا المرأة بالزنا، كما هو المقرر في محله، مع أن المهم في المقام هو الحمل على الصحة وضعا. و ذكرنا أنه- للشك في ولاية السلطان على المعاملة على الأرض أو خراجها- لا مجرى لأصالتها.

و اما الصورة الثانية أي الأخذ ممن تقبل الأرض أو خراجها من

السلطان، فان احتمل في حق الآخذ من السلطان الفحص و اطلاعه على حال الأرض و تقبلها أو أخذ خراجها من السلطان بعد إحراز حالها، فلا بأس بحمل فعله على الصحة بأخذ الأرض أو خراجها منه. و أما مع العلم بعدم التفات الآخذ الى ذلك أو اعتماده على قول بعض أهل التواريخ الذي لا يصح الاعتماد عليه، فلا يجوز للغير المعاملة مع الآخذ، لعدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 377

[الثاني ان يكون الفتح بإذن الإمام (ع)]

الثاني ان يكون الفتح بإذن الإمام (ع) (1)

______________________________

إحراز اعتبار أصالة الصحة في مثل هذه الموارد كما لا يخفى.

ثم إنه لا ثمرة للبحث في فتح ارض العراق عنوة أو كونها للمسلمين شرطا في الصلح، و ذلك لعدم ترتب اثر خاص على فتح الأرض بالعنوة، فان ما تقدم، من آثار كون الأرض للمسلمين و لو كان بالصلح. و دلالة الروايات على كون أرض العراق ملكهم واضحة. و في صحيحة الحلبي أنه «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن ارض السواد ما منزلته؟ فقال: لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم، و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد» «1» و لذا ذكر المصنف (ره) أن مثلها يحتمل فتحها عنوة أو الدخول في ملكهم صلحا. و أما غير ارض العراق فلم تدل على حالها رواية معتبرة، غير ما ورد في فتح خيبر. و على ذلك فاللازم مراعاة ما تقدم تفصيله و اللّه العالم.

(1) المنسوب الى المشهور اعتبار إذن الامام (ع) في كون الأرض خراجية بفتحها عنوة، و بدون اذنه تكون الأرض من الأنفال. و يستدل على اعتباره بمرسلة العباس الوراق عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «إذا غزا قوم بغير اذن (ع)، فغنموا

كانت كلها للإمام، و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «2» و لكنها لضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها، مع أنها معارضة بما دل على أن الأرض المفتوحة عنوة ملك المسلمين، كمرسلة حماد بن عيسى عن ابى الحسن (ع)، و فيها: «و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهو موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها و يقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم.» «3»

و النسبة بين هذه و مرسلة الوراق العموم من وجه، لان هذه خاصة بالأراضي و مطلقة بالإضافة إلى إذن الامام (ع) و عدمه، كما أن مرسلة الوراق مختصة بصورة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (12) الباب: (21) من أبواب عقد البيع- الحديث (4)

(2) وسائل الشيعة الجزء (6) الباب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (16)

(3) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (41) من أبواب جهاد العدو- الحديث: (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 378

..........

______________________________

عدم إذن الامام (ع) و مطلقة من حيث كون الغنيمة أرضا أو غيرها. و مورد اجتماعهما هي الأرض المفتوحة بغير إذنه (ع)، و بعد سقوط الإطلاق من الجانبين يرجع الى إطلاق الآية المباركة الدالة على خروج الخمس من مطلق الغنيمة الشاملة للأرض أيضا، فيكون باقي الأرض للمسلمين، لان تقسيم غير الخمس للمقاتلين كسائر الغنيمة غير محتمل، و كونه للإمام (ع) خلاف الآية، فتكون النتيجة عدم اعتبار إذنه (ع) في كون الأرض خراجية.

هذا كله في الكبرى أي في اعتبار اذنه (ع) في كون الأرض خراجية. و اما الصغرى أي إذنه (ع) في الأراضي التي فتحت بعد النبي (ص)، فقد أشار إليه المصنف بقوله: (و الظاهر أن ارض العراق مفتوحة بالاذن) و يستفاد كونها

كذلك مما دل على أن أرض العراق ملك لجميع المسلمين، كما في صحيحة الحلبي المتقدمة آنفا، و قريب منها غيرها، حيث أنها لو كانت مفتوحة بغير اذنه (ع) لما كانت للمسلمين.

و لا يبعد جريان حكم ارض العراق على سائر الأراضي المفتوحة في الإسلام، كما يظهر ذلك من صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع)، قال: «سألته عن سيرة الإمام في الأرض التي فتحت بعد رسول اللّه (ص)؟ فقال: إن أمير المؤمنين (ع) قد سار في أهل العراق سيرة فهم إمام لسائر الأرضين، و قال: إن ارض الجزية لا ترفع عنهم الجزية» «1» حيث أن دلالتها- على جريان حكم ارض العراق على سائر الأراضي المفتوحة بعد رسول اللّه (ص)- واضحة، و لكن لا دلالة لها على اعتبار اذن الامام (ع) في كون الأرض للمسلمين بفتحها عنوة، كما لا يمكن الاعتماد في ذلك على رواية جابر الجعفي أو على ما اشتهر من حضور أبى محمد الحسن (ع) في بعض الغزوات، لأن رواية جابر ضعيفة، و مجرد نقل القميين و ضبطها في كتبهم لا يكون كاشفا عن اعتبارها، كما أن حضور ابى محمد (ع) في بعض الغزوات لا يكشف عن إذن الامام

______________________________

(1) وسائل الشيعة الجزء (11) الباب: (69) من أبواب جهاد العدو- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 379

[الثالث ان يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام (ع) محياة حال الفتح]

الثالث ان يثبت كون الأرض المفتوحة (1)

______________________________

و رضاه، فلعل حضوره كان لرعاية التقية، و عدم رضاه بذلك الحرب كان لأجل المحذور في المحاربة في ذلك الوقت، حيث انه ربما لا يكون فتح بلد في وقت معين صلاحا، لتوقفه على التضحية بأرواح المسلمين و أموالهم كثيرا، بخلاف تأخيره إلى وقت آخر.

و ما ذكره المصنف

(ره)- في كشف إذن الامام (ع) في تلك الغزوات بحمل غزوهم على الصحة- لا يمكن المساعدة عليه، فان الغزو بدون اذن الامام (ع) ليس بمحرم، خصوصا في ذلك الزمان الذي لم يكن فيه خيار للمقاتلين في مخالفة أميرهم.

و ايضا الحمل على الصحة انما يتم فيما إذا لم يكن للغزو بغير إذنه اثر ليحكم بفساده، و اثر الغزو بدون اذنه كون الغنيمة للإمام (ع).

(1) ذكر (ره) في هذا الأمر بأن إخراج الخمس من الغنيمة يجري في الأراضي المفتوحة عنوة و نسب ذلك الى المشهور، و أن ما يكون للمسلمين بعد خراج خمسها هي المحياة أى المعمورة حال الفتح. و أما الميتة منها فهي كالميتة من سائر الأراضي تكون من الأنفال، بل قيل بعدم الخلاف في اعتبار الحياة الفتح.

(أقول): أما الأول فقد ذكر في وجهه دلالة قوله سبحانه أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ. «1» على اعتبار الخمس في الغنيمة الشاملة بإطلاقها للأراضي المفتوحة.

و لم يذكر في الآية قسمة باقيها على المقاتلين ليكون ذكرها قرينة على كون المراد بالغنائم هي الأموال المنقولة.

و فيه أن الأظهر عدم الخمس في الأراضي المفتوحة بل الأرض بتمامها للمسلمين، فإن الأرض المزبورة فرد من الغنيمة. و قد دل الدليل على أنها لجميع المسلمين أى بتمامها. و هذا الظهور باعتبار كونه ظهور الخاص و بيانا لحكم فرد من الغنيمة مقدم على إطلاق الآية.

______________________________

(1) سورة الأنفال (8)- الآية (41)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 380

نعم لو مات المحياة حال الفتح فالظاهر بقائها على ملك المسلمين (1)

______________________________

و (اما الثاني) أي اعتبار الحياة فيما يكون للمسلمين بحيث تكون الموات حال الفتح داخلة في الأنفال، فقد ذكر المصنف (ره) في وجهه عموم ما دل على أن

الموات من الأنفال، كما في صحيحة حفص عن ابى عبد اللّه (ع)، قال: «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل أو ركاب أو قوم صولحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه (ص) و هو للإمام بعده يصنعه حيث يشاء» «1» و نحوها غيرها.

(لا يقال): يعارض ذلك العموم ما دل على أن المفتوحة عنوة للمسلمين، فإنه يعم الأرض المعمورة و الميتة معا، و أجاب (ره) عن ذلك بأن الإجماع المحكي- على دخول المفتوحة عنوة في ملك المسلمين- لا يعم الأراضي الميتة، فإن الداخل في ملكهم بعنوان الغنيمة، و هذا العنوان يختص بما كان ملكا للكافرين، و لا يعم الأراضي الميتة التي هي من الأنفال للإمام (ع) قبل الفتح و بعده، و كانت يد الكفار عليها يد عدوان.

و اما الروايات كصحيحة الحلبي الواردة في حال ارض السواد أى العراق، فظاهرها أيضا كون الداخل في ملكهم بعنوان الغنيمة التي لا تصدق على الأراضي التي لم تكن ملكا للكفار (أقول) لم يظهر مما ورد في كون المفتوحة عنوة ملك المسلمين أن الداخل في ملكهم ما كان لأشخاص الكفار، بل يعم الأراضي التي كانت في أيديهم من المعمورة و المخروبة، فلاحظ صحيحة محمد الحلبي المتقدمة الواردة في أرض السواد، بل مقتضى تقييد الأرض الخربة- في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة بما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب- عدم جريان حكم الأنفال على الخربة التي أوجف عليها بالخيل، حيث انها واردة في مقام تحديدها.

(1) قد يقال: أن ما ورد- من كون المفتوحة عنوة موقوفة متروكة في يد من يعمرها، و أنها ملك المسلمين بإطلاقه- يعم بقاء الأرض على الحياة أو لا، كما أن

موثقة

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (6) باب: (1) من أبواب الأنفال- الحديث: (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 381

..........

______________________________

إسحاق بن عمار- المتقدمة الدالة على كون الخربة من الأنفال بإطلاقها- تعم ما إذا طرأ الخراب على المفتوحة عنوة، و بعد تساقط الإطلاق من الجانبين يرجع الى استصحاب بقاء الأرض على ملك المسلمين.

و ذكر السيد الخوئي طال بقاه أنه يحكم بعد طروء الخراب على المفتوحة، بأنها من الأنفال، حيث أن شمول- ما دل على كون المفتوحة ملكا للمسلمين لما بعد الخراب- بالإطلاق، و دلالة كون- كل خربة ملك الامام- بالعموم، و عند تعارضها يقدم العموم الوضعي، لعدم تمامية مقدمات الإطلاق معه.

و الحاصل: أنه لا تصل النوبة إلى الاستصحاب ليقال بأن مقتضاه بقاء الأرض على حالها في كونها ملكا للمسلمين.

و فيه أن لازم ما ذكر الالتزام بخروج الأرض عن ملك محييها بمجرد خرابها، فان شمول ما دل على أن (من أحيى أرضا فهي له) لما بعد الخراب بالإطلاق، فيقدم عليه العموم الدال على ان الخراب ملك للإمام (ع)، بل مقتضى هذا العموم دخول الأرض بالخراب في ملكه (ع)، حتى فيما إذا كان ملك الغير بالإرث أو الشراء أو نحو ذلك.

و لا أظن أن يلتزم طال بقاه بذلك.

و الأظهر ما ذكره المصنف (ره) من عدم خروج الأرض بالخراب عن ملك المسلمين لا للاستصحاب، ليقال أنه لا تصل النوبة إليه في المقام، بل لتقييد الخربة في موثقة إسحاق بن عمار الواردة في مقام بيان الأنفال، بالتي لم يوجف عليها بخيل أو ركاب، و بانجلاء أهلها، و لدلالة صحيحة سليمان بن خالد على عدم خروج الأرض الخراب عن ملك مالكها، قال: (سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل

يأتي الأرض الخربة فيستخرجها، و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ما إذا عليه؟ قال: الصدقة قلت فان كان يعرف صاحبها فليؤد إليه حقه» «1» حيث أن مقتضى ثبوت اجرة المثل على معمر الأرض

______________________________

(1) وسائل الشيعة: الجزء (17) الباب (3) من أبواب احياء الموت الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 382

و مع الشك فيها فالأصل العدم (1)

______________________________

عدم خروجها عن ملكية مالكها، و لا يحتمل الفرق بين طرو الخراب على الأرض التي تكون ملكا لشخص أو كونها ملكا لعنوان المسلمين. نعم ربما يظهر- خروجها إلى ملك عامرها و إن كان ملكا لآخر من قبل، من صحيحة معاوية بن وهب، قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإن الأرض اللّه و لمن عمرها» و لكن هذه مطلقة من جهة إعراض المالك الأول و عدمه، فيحمل على صورة الإعراض، لظهور صحيحة سليمان بن خالد في خصوص عدم الاعراض كما لا يخفى.

ثم إنه لا دلالة لصحيحة سليمان بن خالد على جواز استعمال الأرض و إحيائها و لو بلا رضا مالكها. و الوجه في عدم دلالتها عدم ورودها في بيان هذه الجهة، حيث أن السؤال فيها عن الحق الثابت على مستعملها.

و الحاصل أن مقتضى احترام مال المسلم عدم جواز التصرف في أرضه بدون رضاه. و ما ورد- من سقوط احترام الملك في مورد تعطيل المالك، الأرض ثلاث سنين أو عشر سنين- لضعفه لا يصلح للاعتماد عليه.

(1) ثم انه بناء على اعتبار الحياة حال الفتح تدخل الأرض

في ملك المسلمين على تقدير حياتها، و على تقدير مماتها حاله تدخل في ملك محييها، ثم الى غيره بالإرث أو غير ذلك، و إذا شك في حال الأرض زمان فتحها، فان كانت بيد من يدعى الملكية لها فيحكم بكونها ملكا له، و على تقدير عدم اليد أو اعتراف ذي اليد بأنها ليست له، أو كونها بيد السلطان الجائر المعلوم عدم ولايته عليها، يدور أمرها بين كونها ملك المسلمين أو ملكا لشخص آخر أو ملك الامام (ع) لانقضاء المالك الشخصي و ورثته فالأصل عدم كونها عامرة حال فتحها، كما أن الأصل عدم كونها فعلا لشخص آخر و نتيجة الأصلين كونها من الأنفال على ما تقدم.

و ما ذكر المصنف (ره)- من لزوم الجمع بين رعاية حكم أرض الخراج و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 1، ص: 383

فينزل على ان كلها كانت عامرة (1)

______________________________

حكم المال المجهول مالكه أو القرعة فيها- لا يمكن المساعدة عليه نعم الأول احتياط مستحب.

(1) لا يحتمل ذلك عادة، بل إطلاق أرض السواد باعتبار غلبة الحياة على أراضيها و ما ذكره- من تأييد كون ارض العراق بتمامها عامرة بتحديد ارض الخراج بما في المنتهى و غيره- ضعيف بل لم يعلم وجه التأييد فتدبر. الى هنا انتهى ما أردنا إيراده في المكاسب المحرمة و يتلوه كتاب البيع ان شاء اللّه تعالى و الحمد للّه أولا و آخرا.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

[الجزء الثاني]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كتاب البيع

[تعريف البيع]

و هو في الأصل كما عن المصباح مبادلة مال بمال (1).

______________________________

(1) حكى (ره) عن المصباح ان البيع لغة مبادلة مال بمال، و ذكر ان المتبادر من استعمالات لفظ البيع اختصاص المعوض المعبر عنه بالمبيع، بالعين، و لو قال بعث عينا، لكان ذكر العين تأكيدا كما انه لو قال بعت داري أو عبائى، يكون الذكر لتعيين العين التي يستفاد من البيع تمليكها بعوض.

و الحاصل لا يطلق البيع على مبادلة غير الأعيان إلا تسامحا كما في بعض الاخبار و بعض كلمات الفقهاء كالتي ذكر فيها بيع خدمة العبد المدبر، و بيع سكنى الدار التي لا يعلم صاحبها، و بيع الأرض الخراجية، فإن بيع خدمة العبد لا يكون الا بمعنى تمليك عمله، و بيع سكنى الدار بمعنى تمليك منفعتها اى قابليتها للسكنى و كذا بيع الأراضي الخراجية، فإن نفس تلك الأراضي لا يجوز بيعها كما مر فيكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 4

..........

______________________________

المراد المعاملة على منفعتها فإطلاق البيع على تمليك المنفعة في مثل هذه الموارد كإطلاق الإجارة على تمليك العين في غيرها مجازي.

و في صحيحة الحلبي قال تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة و ان شئت أكثر. و ان لم يتبين لك ثمرها فلا تستأجر «1».

و المراد بالاستيجار الابتياع لأن إجارة الشجر قبل ظهور الثمرة صحيحة، فالنهي باعتبار شراء الثمرة قبل حصولها، و لذا نقل في الوسائل الرواية في باب البيع، و ليس المراد افتراق الإجارة عن البيع في المتعلق، و انه يكون متعلق الإجارة المنفعة و متعلق البيع العين ليقال بأنه لا فرق بينهما في هذه الجهة حيث ان الإجارة أيضا تتعلق بالعين، و يقال آجرت الدار

سنة بكذا بل المراد افتراق التمليك في البيع، عن التمليك في الإجارة. في ناحية المتعلق، حيث ان متعلقة في الإجارة المنفعة، و في البيع نفس العين.

و بعبارة أخرى تعلق التمليك في الإجارة بالمنفعة مقتضى نفس الإجارة، فإن معناها تمليك المنفعة نظير ما يقال ان الأمر يتعلق بالطبيعة دون الوجود و ان الوجود يستفاد من نفس الأمر، حيث انه طلب الإيجاد، و المراد بالعين مقابل المنفعة، و الحقوق، لا خصوص العين الخارجية فعلا، بل ما لو حصل في الخارج لكان عينا لا منفعة، و لا حقا، فيعم التعريف بيع الدين و نحوه.

ثم انه يبقى في البين ان عنوان البيع ينطبق عرفا على نقل بعض الحقوق الى الغير بالعوض كما إذا ترك له حق سبقه الى السوق أو الى بعض الخانات أو المسجد و نحوها، و دعوى المسامحة في الإطلاق لا تخلو عن المجازفة، حيث لا ترى فيه اى مسامحة أو تجوز، فالمنع عن جريان الأحكام المختصة بالبيع

______________________________

(1) الوسائل باب: 2 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 5

..........

______________________________

على ذلك النقل، بان لا يكون فيه خيار المجلس، و التلف قبل القبض، و نحوهما مشكل جدا.

نعم لا يطلق البيع على تمليك المنفعة بل قوله ملكت منفعة الدار سنة بكذا بمنزلة قوله آجرتها بذلك العوض، و لو قال بعت منفعتها سنة بكذا يجرى عليه أحكام الإجارة بناء على ما هو الأظهر من صحة الإجارة و نحوها بما إذا كان إنشائها بالكناية أو المجاز الظاهرين.

و يبقى ايضا ان البيع بحسب الظهور العرفي فعل البائع، و ان يكون صدقه عليه موقوفا على تحقق القبول من المشترى، و لكن الشراء لا يكون بيعا، و

المبادلة من باب المفاعلة يصدق على فعل كل من البائع و المشترى، فلا يكون تعريف المصباح الا من باب المسامحة و التعريف اللفظي المعتبر فيه تبديل لفظ بلفظ آخر يكون أوضح في الدلالة من دون اعتبار التساوي في الصدق.

نعم ربما يستعمل لفظ البيع بمعنى الشراء، و لذا يقال ان لفظ البيع و الشراء يستعمل كل منهما في فعل البائع و المشترى الا انه عند الإطلاق ينصرف الأول إلى فعل البائع، و الثاني إلى فعل المشترى، لا من فعل الاثنين أو انصراف الكلي الى بعض افراده بل من انصراف اللفظ المشترك الى بعض معانيه.

و بما ان تعريف البيع بالمبادلة غير صحيح كما مر، فعرفه بعضهم بتبديل المال الذي يكون عينا بعوض، و هذا التبديل في الإضافة بأن يكون العوض قائما مقام العين في كونه طرفا في الإضافة الحاصلة بينها و بين مالكها كما انه كان المضاف الى زيد النوب و بعد بيعه من عمر و يكون العوض قائما مقام الثوب في تلك الإضافة، و يكون في باب الإرث التغيير في المضاف إليه بأن كانت ما في الخارج من الأموال مضافة الى زيد و بعد موته تكون إضافتها إلى ورثته.

و بعبارة اخرى كان البائع ببيعه يفك علقته بالمتاع، و يشدها بالثمن، كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 6

..........

______________________________

يفك علقة المشترى بالثمن، و يجعل مكانه المتاع، و هذا بخلاف باب الإرث فإنه يكون المضاف إليه في الإضافة الحاصلة في الأموال هو الوارث بعد مورثه.

و فيه انه قد لا يكون في البيع تبديل مال بآخر بالمعنى المزبور، كما في بيع الكلى على الذمة، فإن ذلك الكلى ما لم يقع عليه المعاملة لا يكون ملكا و

مضافا الى أحد، نعم بالمعاملة يتملكه المشترى على البائع، و يكون مالا له فلا يتصور فيه فك ملك و عقد علقة الملكية بمال آخر حتى يتحقق التبديل في الإضافة.

و لو قيل بان البيع عبارة عن تمليك المال الذي لا تكون منفعة بعوض لا يبعد شموله للكلي على الذمة، فإن الكلى و ان لا يكون مضافا لأحد ما لم يتم المعاملة عليه، الا انه يكون في نفسه مالا حيث يبذل بإزائه مال.

و الحاصل الكلى المزبور قبل المعاملة لا يكون مالا للبائع، بأن يكون ملكاله، فيقال انه ذو مال، الا انه في نفسه مال حيث يرغب العقلاء الى بذل العوض له، و نظير ذلك ما نذكر في عمل الحر، فان عمله مال حيث يرغب الى بذل العوض له بالاستيجار و نحوه، و لكن ما دام لم يجر عليه المعاملة لا يكون مالا و ملكا لأحد، و الإجارة أيضا تمليك مال بعوض الا ان المال الذي يكون متعلق التمليك في الإجارة هي المنفعة كما تقدم، و المراد بالعوض ما يكون موجبا لخروج العين عند تمليكها عن المجانية.

ثم ان المعاوضة اما بين عرضين، كما إذا عاوض كتابه بعباء الغير، و اما بين ثمنين، كما إذا عاوض دراهمه بدنانير، و اما بين عرض و ما هو من الأثمان، و هل يطلق البيع على كل من الأقسام الثلاثة، أو يختص بالأخير.

فصل السيد الخوئي (طال بقاه) و ذكر في القسم الأول انه تارة لا يكون لأحدهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 7

و اما العوض فلا اشكال (1)

______________________________

غرض في خصوص العرض الذي يأخذه، بل غرضه من أخذه الإمساك بمالية المتاع الذي يملكه للآخر، و لذا لو كان الآخر يعطيه

من الأثمان أخذه بإزاء متاعه، و لكن يكون للآخر غرض في خصوص المتاع الذي يأخذه، و يتفق ذلك غالبا في الأمتعة التي تباع في القرى لأهلها، حيث يعطى حامل القماش إياهم القماش، و يأخذ بدل الدراهم و الدنانير الحنطة و الشعير و نحوهما، باعتبار ان المشترى لا يتيسر له الدراهم و الدنانير، ففي هذه الصورة من يبذل المتاع الذي للآخر في خصوصيته غرض بايع، و الآخر مشتر، و أخرى يكون لكل منهما غرض في خصوص متاع صاحبه، فهذه معاوضة، لا بيع، و المعاوضة أعم و يعمها مثل قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

و اما القسم الثاني و هي المعاوضة بين الأثمان فلو كان الثمنان رائجين عند المتعاملين، كمن عاوض الدينار العراقي بالدراهم العراقية، فلا تكون المعاوضة بيعا كما تقدم، بخلاف ما إذا كان أحدهما رائجا عند هما، كمن عاوض في العراق الاسكناس بالدينار العراقي، فان عمل صاحب الاسكناس بيع، و عمل الثاني شراء.

أقول تمييز البائع من المشترى بما ذكر مبنى على الالتزام بان البيع هي المبادلة بين المالين، و بما ان المبادلة فعل الاثنين، فيحتاج في تشخيص البائع و المشترى الى أمر آخر، و اما بناء على ما ذكرنا من كون البيع هو تمليك المال بعوض، و التمليك أمر إنشائي فكل من أنشأه فهو البائع، كما ان الشراء هو التملك بعوض، فكل من إنشاء التملك أو الرضا بالتملك فهو المشترى، سواء كان الإنشاء بالقول أو الفعل، و في الاخبار الواردة في السلم، و بيع المتجانسين، و الصرف، و الرجوع الى العرف، شهادة على ما ذكرنا فلاحظ.

(1) ذكر قده جواز كون العوض في المبادلة منفعة، بلا خلاف، نعم نسب إلى البهبهاني (ره) الخلاف في ذلك، و لعل منشأ

خلافه ما يذكر في كلام الفقهاء من كون البيع لنقل الأعيان، و لكن هذا الكلام كقولهم الإجارة لنقل المنافع، ناظر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 8

..........

______________________________

الى بيان حال المعوض.

ثم ان عدم الإشكال في جعل المنفعة عوضا انما هو فيما إذا كانت المنفعة مالا كمنافع العبد، و الحر بعد تعلق الإجارة بعمله، فان عمله بها يكون مالا للمستأجر، إذا كان العوض عمله قبل وقوع الإجارة به كما إذا بادل كتابا بخياطة الآخر ثوبه، ففي كونها بيعا إشكال، فإن عمل الحر بعد هذه المبادلة و لو يكون مالا لصاحب الكتاب، الا ان المعتبر في كونها بيعا كون العوض مالا قبلها، عما هو ظاهر تعريف المصباح.

أقول لازم الإشكال في جعل عمل الحر عوضا في البيع، الإشكال في جواز بيع الكلى على الذمة فإن ما ذكره في وجهه من لزوم كرن العوضين مالين قبل المعاوضة جار فيه ايضا، و لا احتمل الالتزام منه (ره) أو من غيره ببطلان بيع السلم، و غيره مما يكون المبيع من الكلى على الذمة، و عليه فلا إشكال في جعل عمل الحر عوضا في البيع، بل كما ذكرنا عمل الحر كالكلي على الذمة في نفسه مال، حيث يبذل بإزائه المال، بالاستيجار، و نحوه، غاية الأمر لا يضاف الى أحد قبل المعاوضة بأن يقال انه ذو مال.

و قد يستدل على عدم كون عمل الحر قبل المعاوضة مالا بوجهين: الأول عدم كونه محققا للاستطاعة في الحج فإذا كان متمكنا على عمل في طريق الحج، بحيث تكون أجرته وافية لمصارف الحج، لا يجب عليه الخروج الى الحج، و لو كان العمل كما ذكر مالا لتمت الاستطاعة المعتبرة في وجوبه، و فيه ان عمل

الحر قبل المعاوضة عليه مال حيث يبذل بإزائه المال بالاستيجار، و نحوه، و لكن قبلها لا يضاف الى أحد، حتى الى فاعله، بان يقال انه ذو مال، و العمل ملك و مال له، و المعتبر في وجوب الحج كون المكلف ذا مال، بان يكون عنده ما يحج به.

الثاني ان الحر إذا لم يكن أجيرا و حبسه الجائر لا يضمن له ما يفوته بذلك،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 9

و اما الحقوق (1).

______________________________

من اعماله، و لو كانت اعماله أموالا لضمنها، كما في إتلاف غيرها من الأموال.

و الجواب ان عمل الحر و إن كان مالا الا انه لا يضاف قبل المعاملة عليه الى العامل، أو غيره، و الموضوع للضمان، إتلاف مال الغير و بهذا يظهر انه لا فرق بين كون الحر كسوبا أو غيره، فاحتمال الضمان في الكسوب كما عن السيد اليزدي (ره) و الجزم به كما عن السيد الخوئي (طال بقاه) ضعيف، كما ظهر مما تقدم ضعف ما عن الإيرواني (ره) من ان الأصل في إضافة الأموال إلى الأشخاص هي الحيازة، فإن بها تضاف الأموال إلى الأشخاص، و باقي المملكات تكون مملكة بعدها، و وجه ظهور ضعفه ان العقد على عمل الحر أو الكلي على الذمة مملك، و موجب لاضافتهما إلى المشترى، و هذه الإضافة حادثة، و ليست مسبوقة بإضافة أخرى، حاصلة بالحيازة أو غيرها.

هذا مع ان الحيازة لا تكون مملكة في غير المنقولات بل الموجب لدخول الأرض الميتة في الملك هو الأحياء كما ذكرنا ذلك عند التكلم في أقسام الأراضي من المكاسب المحرمة.

(1) تعرض (ره) لكون العوض في المبادلة من الحقوق، و ذكر أنها على أقسام ثلاثة:

قسم منها لا يقبل الاسقاط مطلقا،

بلا عوض أو مع الفرض، كحقي الولاية و الحضانة، و هذا هو المراد من قوله لا يقبل المعاوضة بالمال.

و قسم منها قابل للإسقاط مجانا أو مع العوض، و لكن لا يمكن تمليكه للآخر بحيث يكون ملكا للمنقول اليه، كالخيار و الشفعة، و في هذين القسمين لا يصح جعل الحق عوضا في البيع، فان قوام البيع بتملك صاحب المعوض العوض بإزاء ما يخرج من ملكه و المفروض في مورد الكلام انه غير قابل لتملك صاحب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 10

..........

______________________________

المعوض.

و الوجه في عدم كونه قابلا لتملكه في القسم الأول ظاهر، و اما في القسم الثاني فلان الحق فيه إضافة خاصة و سلطنة مخصوصة قائمة بذي الحق و من عليه الحق فذو الحق يكون مسلطا على من عليه ذلك الحق فبتمليكه للآخر يكون ذلك الآخر مسلطا على نفسه و تسلط الإنسان على نفسه غير معقول.

و عن صاحب الجواهر (ره) قياس بيع الحق ممن عليه ببيع الدين ممن عليه و هذا القياس فاسد، فإنه يفترق بيع الحق عن بيع الدين بأنه يمكن للإنسان تملك ما على ذمته فيكون نتيجة التملك سقوطه حيث ان الملكية إضافة خاصة بين المالك و المال و من عليه المال لا يكون طرف الإضافة بأن يكون دخيلا في تحقق الملكية ليكون تملكه الدين موجبا لاتحاد طرفي الإضافة، و الشاهد لا مكان تملك الإنسان ما على ذمته، ما عن الشهيد (ره) في قواعده من جعل الإبراء مرددا بين إسقاط الدين عن ذمة المديون ابتداء أو تمليكه إياه، و نتيجة التمليك السقوط و هذا بخلاف الحق كما مر، فإنها اضافة مخصوصة، يكون طرفاها ذا الحق و من عليه الحق، فيكون تمليكه

ممن عليه، موجبا لاتحاد طرفي الإضافة.

و ذكره (ره) القسم الثالث من الحق و هو ما يكون قابلا لنقله الى الغير، بان يملكه الغير كحقي التحجير و السبق، فان الحق في هذا القسم تكون سلطنة خاصة قائمة بين العين و الشخص، و لا يكون المنقول اليه طرف الإضافة، كما في القسم السابق الا ان في وقوع هذا القسم من الحق عوضا في البيع اشكالا باعتبار ان الحق لا يكون مالا، و يعتبر في صدق البيع على المعاملة كون العوض مالا، كما هو ظاهر تعريف المصباح و ظاهر كلمات الفقهاء عند تعرضهم لشرائط العوضين في البيع، و تعرضهم لشرائط الأجرة في الإجارة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 11

..........

______________________________

(أقول) ما ذكره (ره) في القسم الثاني كحقي الخيار و الشفعة يرد عليه أن الخيار أو الشفعة لا يتعلق بالمال، و لا بالمالك، بل يكون متعلقهما نفس العقد على ما ذكر توضيحه في بحث الخيارات، و عليه فلا يلازم من نقلهما الى الغير اتحاد طرفي الإضافة و كيف لا يكون الخيار أو الشفعة قابلا للانتقال الى الغير مع انهما عنده يورثان كما ذكر (ره) في أحكام الخيارات و لو سلم كون مثلهما حقا كما ذكر فلازمه عدم جواز تمليكه ممن عليه الحق لا من الغير الأجنبي لعدم محذور اتحاد طرفي الإضافة في الثاني.

و اما ما ذكره في القسم الثالث من ان في وقوعه عوضا في البيع اشكالا، لعدم كونه مالا.

ففيه أولا انه لا شهادة في تعريف المصباح على اعتبار المالية في العوض، فإنه من التعريف اللغوي، و لا اعتبار ايضا بظاهر كلمات الفقهاء مع فرض صدق البيع عرفا في مورد جعل الحق عوضا، فان ظاهر كلماتهم في

المقام لا يزيد على ظواهر هم في عدم كون المعاطاة بيعا حيث مع احتمال وجه الاتفاق أو إحرازه و عدم تماميته، لا يرفع اليد عن أدلة جواز البيع و لزومه.

و ثانيا الحق في هذا القسم مال حيث يبذل بإزائه المال كسائر الأعيان و المنافع التي يكون اعتبار المالية فيهما ببذل العوض في مقابلهما عند المعاملة و اما القسم الأول المذكور في كلامه فالصحيح انه نفس الحكم الشرعي و ليس من الحق في شي ء فان الحق يطلق على سلطنة الشخص باعتبار ان سقوطها و ثبوتها بيده و إذا لم يكن السقوط و الثبوت بيده يكون كسائر الأحكام المجعولة لآحاد المكلفين في ثبوتها لموضوعاتها ما دام الموضوع فلا فرق بين ولاية الأب أو الجد على الطفل أو ماله و بين جواز تصرفاتهما في مال نفسهما في كون كل منهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 12

..........

______________________________

حكما مجعولا لها من قبل الشارع و بما ان الحكم لا يتعدى عن موضوعه فلا يعقل جعله عوضا في البيع و نحوه.

و ذكر السيد الخوئي (طال بقاه) عدم جواز جعل الحق عوضا لا لما ذكره المصنف (ره) فإنه غير تام كما مر بل من جهة ان الحق على إطلاقه حكم شرعي غاية الأمر يكون قابلا للإسقاط و بالإسقاط ينتهى أمده.

و بعبارة أخرى لا فرق بين جواز فسخ الهبة و الرجوع فيها و بين جواز فسخ العقد بالخيار و كذا لا فرق بين جواز قتل الكافر الحربي و بين جواز قتل ولى المقتول القاتل و ان الجواز في هذه الموارد سنخ واحد غاية الأمر يكون في موارد إطلاق الحق قابلا للإسقاط بخلاف غير موارد إطلاقه و هذا لا يخرجه عن

كونه جوازا أو لزوما شرعيا و الحكم الشرعي بنفسه غير قابل لجعله عوضا عن المبيع.

نعم يمكن جعل إسقاطه المفروض كونه عملا عوضا في البيع و نحوه و لكنه خارج عن الكلام في المقام، فان الكلام في نقل الحق إلى الغير لا إسقاط من له الحق حقه، كما ان مثل الأرض التي تكون مورد حق السبق أو التحجير لا يكون جعلها عوضا مورد الكلام بل مورده جعل نفس الحق، هذا مع انه لا معنى لنقل مثل حق الشفعة إلى الغير فإنه تمليك حق الشفعة لمشتري الحصة فهو غير معقول فإنه من اللغو لتملكه الحصة بالشراء و ان كان تمليكه للآخر الأجنبي فهو من قبيل تعدية الحكم من موضوعه الى غيره، فان الموضوع لحق الشفعة هو الشريك.

ثم لو قلنا بأن الحق مرتبة ضعيفة من السلطنة حيث ان الملكية عموم السلطنة و الحق خصوصها، فلا يمكن ايضا جعله عوضا في البيع فان البيع هي المبادلة في متعلق الملكية أي المالين فلا يعم مبادلة نفس الملكية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 13

..........

______________________________

(أقول) لم (يذكر أطال اللّه بقاءه) شاهدا على ان الحق عبارة عن الجواز أو اللزوم الشرعيين، غاية الأمر يكونان قابلين للإسقاط، فإن ثبوت الحق في موارد عدم ثبوت الجواز أو اللزوم، آية كونه غيرهما، كما إذا باع داره ببيع الخيار، ثم عرض له السفه، فإنه يقوم وليه مقامه، و كذا كان شريك مالك الحصة المبيعة سفيها لا يصح له الأخذ بالشفعة، فإنه يقوم مقامه وليه، مع ان الخيار كان مجعولا للبائع، و الشفعة مجعولة للمولى عليه، فإنه الشريك لا وليه، و مثل حق التحجير أو السبق، أولوية معتبرة للشخص بالإضافة إلى الأرض أو غيرها، و

هذه الأولوية في نفسها قابلة للنقل، بجعلها للآخر عوضا أو مجانا، لما هو مقتضى أدلة حل البيع، و نفوذ الصلح و غيرهما، و لذا يورث حق التحجير و حق قصاص الأعضاء، كما إذا مات من له حق القصاص قبل الاستيفاء، و لا يكون هذا من التعدي من موضوع الحكم الى غيره.

و الحاصل ان الحق في جميع هذه الموارد أمر اعتباري، و نحو من الأولوية، و لا منافاة بين كون الموضوع لحق الشفعة مثلا هو الشريك، و بين تمليكها للأجنبي، فإن ثبوتها للأجنبي بالمعاملة نتيجة العمل بخطاب حق الشفعة، و خطاب حل المعاملات من البيع و غيره، نظير الحبوة حيث انها للولد الأكبر، و لا ينافي تملك الغير إياها بالمعاملة مع الولد الأكبر.

و ثانيا لا بأس بتعلق البيع أو غيره بالحق حتى مع الالتزام بأنه جواز أو لزوم شرعي قابل للإسقاط، حيث لا بعد في اعتبار العقلاء المالية في اللزوم أو الجواز الإمضائي التأسيسي، و بذلك يصح وقوعهما مورد المعاملة، و البيع كما تقدم هو التمليك بالعوض، و لو لم يكن الحق صالحا للنقل و التمليك، فلا ينبغي الريب في صحة جعله عوضا في التمليك، حيث يخرج به التمليك عن المجانية، و بتعبير آخر يكون سقوطه في تمليك الشي ء عوضا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 14

الا ان الفقهاء قد اختلفوا في تعريفه (1).

______________________________

و قد يقال انه عند الشك في قابلية الحق للنقل شرعا لا يمكن التمسك بأحل اللّه البيع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالعقود و الصلح جائز بين المسلمين، و انما يصح التمسك بها بعد إحراز قابلية الشي ء للنقل و الشك في أسباب النقل، بان يحتمل ان لنقله سبب خاص، و لا يتحقق بتلك

المعاملات، كما لا يصح التمسك بها عند الشك في حلية فعل، و حرمته، مما يقع مورد المعاملة أيضا، كالغناء في كلام صحيح، فإنه لا يمكن التمسك بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إثبات صحة المعاملة عليه، و استكشاف حليته با الملازمة.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان الموضوع في العمومات و المطلقات هو البيع و العقد و الصلح و غيرها في اعتبار العرف. و بعد إحراز قابلية الشي ء للنقل في اعتبارهم، و صدق عنوان البيع أو الصلح و العقد بحسب أنظارهم، يكون عدم شمول العمومات و المطلقات لاحتمال التخصيص، أو التقييد، فيؤخذ بهما ما دام لم يحرز التخصيص أو التقييد و لا يقاس بما إذا شك في حلية فعل في نفسه حيث قد يقال العمومات و المطلقات في المعاملات لم ترد لبيان الحكم التكليفي للافعال بعناوينها الأولية، و لا يجوز التمسك بالعموم الوارد لبيان الحكم للفعل بعنوانه الثانوي لرفع الإجمال عن الخطاب الوارد في بيان حكم ذلك الفعل بعنوانه الاولى، فالصحيح جواز هذا التمسك في مثل المقام مما لا يؤخذ في موضوع الحكم بعنوانه الثانوي، ثبوت الحكم الأول.

(1) ثم انه إذا لم يكن لفظ البيع حقيقة شرعية و لا متشرعة يكون التعاريف الواردة في كلمات الفقهاء بيانا لمعناه العرفي الذي تعلق به الأحكام في الخطابات الشرعية.

و عن المبسوط و التذكرة و غيرهما ان البيع انتقال عين من شخص الى آخر بعوض مقدر، و لكن المسامحة في هذا التعريف واضحة، لأن الانتقال اثر البيع،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 15

..........

______________________________

لا انه عينه، و اعتبار التقدير في العوض لا وجه له، فان تعيين الثمن من شرط صحة البيع شرعا، لا لصدقه عرفا.

و عن جماعة انه الإيجاب

و القبول الدالان على الانتقال.

و هذا ايضا غير صحيح، فان البيع من الأمور الإنشائية التي يكون الدلالة عليه بالإيجاب و القبول، و ليس هو نفس الدال، كما هو ظاهر التعريف، و الا لم يمكن إنشائه باللفظ، فان القابل له هو المعنى، لا اللفظ.

و عن جامع المقاصد تعريفه بنقل العين بالصيغة المخصوصة، و أورد المصنف (ره) على تعريفه بأمور ثلاثة.

الأول ان نقل العين لا يكون مرادفا للفظ البيع، حتى يصح تعريفه به، و لذا يكون ارادة البيع من لفظ النقل، بطور الكناية، كما صرح به في التذكرة.

أقول هذا لو أريد من النقل النقل الخارجي الذي يكون بتبديل مكان الشي ء، و رفعه عن محله الأولى، فإن هذا كناية عن البيع، و اما إذا كان المراد منه النقل الاعتباري، فهو عين البيع، اللهم الا ان يقال لا يصدق النقل الاعتباري في مثل بيع الكلى على الذمة، أو تمليك عمل الحر، فإنهما لا يكونان قبل المعاملة ذات اضافة، حتى يصدق النقل.

الثاني ان المعاطاة عند جامع المقاصد بيع، و لكن لا يعمها التعريف، باعتبار عدم كون المعاطاة باللفظ.

الأمر الثالث ان النقل بالصيغة أيضا غير قابل للإنشاء، بل القابل له نفس النقل.

(لا يقال) نقل العين سنخان أحدهما اعتباري و ثانيهما خارجي، فليس ذكر قوله بالصيغة لتقييد النقل بها، ليكون معنى لفظ البيع، هو النقل بالصيغة، بل هو عنوان مشير و للإشارة إلى كون البيع ذلك السنخ الذي يكون في نفسه اعتباريا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 16

الاولى تعريفه (1).

______________________________

فتوجد بالصيغة، و نحوها.

فإنه يقال يبقى في التعريف المزبور، اشكال آخر، و هو انه ان أريد بالصيغة خصوص صيغة بعت، لزم الدور، فإنه مقتضى أخذ مادة البيع، في تعريفه،

و ان أريد الأعم، بحيث يشمل ملكت ايضا، فلازمه الاقتصار في إنشاء البيع بلفظي نقلت و ملكت.

أقول إشكال الدور أو لزوم الاقتصار في إنشاء البيع بصيغتي نقلت و ملكت مندفع بإمكان كون المراد بالصيغة المخصوصية اللفظ الصالح لإنشاء ذلك السنخ من النقل، فلم يؤخذ في التعريف مادة البيع، حتى يلزم الدور، و لا خصوص الصيغتان، حتى يلزم الاقتصار، مع ان أخذ مادة البيع في تعريفه كما إذا قيل بان البيع نقل العين بلفظ بعت، لا يوجب دورا، فان المراد به في المعروف بالكسر، لفظه، و في المعرف بالفتح، معناه المرتكز عند الأذهان، المطلوب بالتعريف، معرفة حدود ذلك المعنى المرتكز من جهة سعته و ضيقه، بان يعلم انه لا يعم نقل غير العين، و لا نقلها المنشأ بغير ذلك اللفظ.

و الحاصل يمكن معرفة المعنى من جهة ضيقه و سعته بالتعريف المزبور بلا محذور.

(1) قد عرف (ره) البيع بأنه إنشاء تمليك عين بمال و لكن يرد عليه ان البيع، ليس إنشاء التمليك المزبور، بل نفس التمليك، و يكون الإنشاء إيجادا للبيع، و الا فلو كان الإنشاء مأخوذا في معنى البيع لم يكن قابلا للإنشاء، كما مر في التكلم في تعريف جامع المقاصد.

ثم انه (ره) تعرض لما يمكن الإيراد به على تعريف الذي ذكره.

الأول انه إذا كانت حقيقة البيع تمليك العين بمال، لصح إنشائه بصيغة ملكت،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 17

..........

______________________________

كما هو مقتضى الترادف بين التمليك و البيع، و أجاب بصحة الإنشاء.

الثاني انه يصح بيع الدين على من هو عليه، مع انه لا يكون فيه تمليك عين بعوض، فإنه لا يصح للإنسان تملك المال على نفسه، و أجاب (ره) بصحة كون الإنسان مالكا لما

عليه، فتكون نتيجة ذلك، سقوط الدين عنه، و لو لم يمكن كونه مالكا كذلك لم يصح بيع الدين منه، لانه لا معنى للبيع الا التمليك.

الثالث ان التعريف شامل للمعاطاة، مع انهم ذكروا عدم كونها بيعا.

و الجواب انها بيع عند الكل، و مراد النافين انها ليست بيعا صحيحا كما سيأتي.

الرابع ان البيع فعل البائع على ما مر سابقا و لو يكون صدقه عليه مشروطا بقبول المشترى، و لكن التعريف المزبور يعم الشراء فإن المشتري أيضا يكون منه تمليك ماله بإزاء المبيع.

و الجواب ان البيع في نفسه تمليك العين بمال، و الشراء لا يكون كذلك، بل الشراء إنشاء تملك مال الغير بإزاء الثمن، نعم يكون هذا الإنشاء متضمنا لتمليك الثمن بإزاء المبيع و بتعبير آخر ما هو فعل البائع هو إنشاء ملكية المبيع لصاحب الثمن بإزاء الثمن، و يكون لازم ذلك، تملك الثمن بإزاء المبيع، الا ان هذا التملك لم ينشأ إلا تبعا، كما ان فعل المشترى ابتداء تملك المبيع بإزاء الثمن، و لازم إنشائه تمليك الثمن لصاحب المبيع بإزاء المبيع، فيكون هذا التمليك ضمنيا يعنى لازما للمدلول المطابقي لإنشائه، و لذا لا يصدق عنوان الشراء على قوله ملكتك الثمن بمتاعك، سواء تأخر عن الإيجاب أو تقدم، بخلاف قوله تملكت متاعك بهذا الثمن، فإنه شراء كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر الحال في استيجار عين بعين، و ان قبول المستأجر لا يكون في نفسه إنشاء تمليك العين بإزاء المنفعة، بل قبوله إنشاء تملك المنفعة، بإزاء العين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 18

..........

______________________________

الخامس ان التعريف المزبور يعم الصلح عن عين بمال كما يعم و الهبة المعوضة المتعلقة بالعين.

و الجواب ان الصلح عن عين بمال، لا

يكون تمليك تلك العين بذلك المال، بل هذا التمليك نتيجة الصلح المزبور. و بيان ذلك ان الصلح من الأمور الاعتبارية حيث انه عقد و مدلول ذلك العقد و المتحقق به هو التسالم، يعنى التسالم الاعتباري الذي يكون أمرا إنشائيا، و يعبر عنه في لغة الفرس ب (سازش) و هذا التسالم لا بد من كونه في أمر، و ذلك الأمر، يكون ملكية العين، أو المنفعة أو الانتفاع بالعين، أو سقوط حق، أو ثبوت قرار بين شخصين، أو أكثر، كقرار الشريكين في كون الخسران أو النفع في معاملة على أحدهما، و هكذا، فيكون نتيجة تمامية الصلح في الأول تمليك العين، و في الثاني تمليك المنفعة، و في الثالث تمليك الانتفاع، و في الرابع سقوط الحق، و في الخامس ثبوت القرار.

فهذه الأمور من متعلقات الصلح، لا ان الصلح في نفسه عبارة عن هذه الأمور، و الا لزم كون لفظ الصلح مشتركا لفظيا، لعدم تحقق التمليك في جميع ما ذكر من موارده، فالصلح عن العين بمال يتضمن تمليكها بذلك المال، فيكون التمليك المزبور فائدته.

و هذا هو الوجه فيما ذكروا من ان طلب أحد الخصمين من الآخر الصلح على العين المتنازع في ملكها، لا يكون إقرارا للآخر بالمالكية، بخلاف طلب بيعها، فإنه اعتراف بمالكية الآخر، و لو كان الصلح على عين بعوض بنفسه تمليكها بعوض، لما كان بين الصورتين فرق. و اما الهبة المعوضة فالمراد الهبة التي يشترط التعويض فيها، و اما الهبة التي عوض عنها من غير كون التعويض شرطا فلا وجه لتوهم شمول تعريف البيع له، و لذا ذكر المصنف (ره) و المراد بها هنا (يعني في الاعتراض على تعريف البيع) و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 2، ص: 19

بقي القرض داخلا (1)

______________________________

حاصل دفعه الاعتراض ان الهبة المعوضة ليست في حقيقتها المقابلة بين المالين، كالبيع، بل يكون تمليك المال فيها مجانا و العوض المشروط فيها عوض لنفس الهبة، لا عن المال الموهوب، و لذا لا يتملك الواهب ذلك العوض بمجرد هبة ماله للآخر.

و بتعبير آخر التعويض في الهبة المشروطة، كالتعويض في غير المشروطة في كون تملك المال من الآخر بتمليك جديد، و هذا التمليك الجديد يذكر شرطا في الهبة المشرطة. ثم قال (ره) غاية الأمر انه لو لم يعمل الآخر بالشرط لكان للواهب الرجوع في هبته.

(أقول) ظاهر الشرطية اختصاص جواز رجوع الواهب في هبته بصورة عدم وفاء الآخر بالشرط، و لكن ليس الأمر كذلك، فإنه يجوز للواهب الرجوع في هبته ما لم يتحقق التعويض، سواء اشترط التعويض أولا، و مع التعويض يسقط جواز الرجوع اشترط أولا، على ما يستفاد ذلك من مثل صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال إذا عوض صاحب الهبة فليس له ان يرجع «1».

(1) هذا هو الاعتراض الأخير في كلامه على التعريف المزبور، و حاصله ان تمليك عين بعوض صادق على القرض ايضا، فلا يكون تعريف البيع به مانعا.

و أجاب (ره) عن الاعتراض بان القرض في حقيقته، تمليك عين على وجه الضمان، يعنى تمليك مع التضمين.

و ذكر الإيرواني (ره) في تعليقته ما حاصله ان الاعتراض لا يدفع بالجواب المزبور، فإنه ان كانت للعين المفروضة في مورد القرض بدل من المثل أو

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (9) من أبواب أحكام الهبات الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 20

و يظهر من بعض من قارب عصرنا استعماله (1).

______________________________

القيمة، فيكون تمليكها

بالبدل، و العوض، و هذا هو البيع على ظاهر التعريف، و ان لم يكن للعين بدل و عوض بان يكون تمليكها مجانا، فتكون هبة، فأين تمليك العين الذي لا يكون بيعا، أو هبة.

(أقول) الصحيح ما ذكره المصنف (ره) فان تمليك العين و تضمينها أمران مختلفان، و ربما يكون تمليك العين من دون تضمين، كما في الهبة بلا عوض، و قد يكون تضمين بلا تمليك، كما في شرط ضمان العين في إجارتها، و إعارتها، بل قد يحصل التضمين بالفعل كما في وضع اليد على مال الغير، و القرض في حقيقته جمع بين تمليك العين و تضمينها، و لذا ذكرنا انه تمليك العين مع التضمين.

و ان أراد الإيرواني (ره) من العوض و البدل، العوض المعاملي الحاصل بإنشائه عوضا، فلا عوض كذلك في موارد القرض، بل يختص هذا بمورد البيع، و ان أراد العوض الواقعي في مورد الضمان، فهذا القسم من البدل موجود في مورد القرض، و لكنه لم يكن بإنشاء المعاوضة.

(1) تعرض (قده) لما يقال من استعمال لفظ البيع في معان أخر عير تمليك العين بعوض.

منها تمليك عين بعوض بشرط تملك المشترى، بل هذا هو المعنى العرفي للبيع عند بعض المشايخ لا معنى آخر، فان البيع عند العرف ليس الا تمليك العين بعوض بشرط قبول المشترى، و الشاهد لذلك تبادره في الاستعمالات، و صحة سلب معناه العرفي عن التمليك الذي لا يترتب عليه قبول من المشترى.

و منها الانتقال الحاصل بإنشاء البيع إيجابا و قبولا.

و منها العقد المركب من الإيجاب و القبول، كما هو ظاهر كل من يذكر العقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 21

..........

______________________________

في تعريف البيع، بل ظاهر الفقهاء هو استعمال عناوين المعاملات

في أبواب الفقه، في هذا المعنى، فمرادهم من البيع في قولهم كتاب البيع عقده، و كذا النكاح، و حتى الإجارة و شبهها مما لا يكون في اللغة اسما لأحد طرفي العقد، فان البيع في الأصل فعل البائع، و النكاح فعل الزوج، بخلاف الإجارة، فإنها بمعنى الجزاء و الأجر، و ليست اسما لفعل الموجر، بل الموضوع لفعله لغة و عرفا، هو الإيجار، و لكن المصنف (ره) أنكر كون البيع عبارة عن تمليك العين بعوض بشرط تملك المشترى كما عليه بعض المشايخ، فضلا عن كونه معنى آخر كما ذكره بعض من قارب عصره، بل البيع يستعمل دائما في تمليك العين بعوض كما هو معناه المصطلح، غاية الأمر ان لهذا التمليك فردين أحدهما ما إذا تعقب بتمليك المشترى بقبوله البيع، و ثانيهما عدم ترتب ذلك لعدم قبوله، و بما ان الفرد الثاني وجوده كعدمه في عدم ترتب اثر عليه، فمثل قول القائل بعت داري بقرينة كونه في مقام الاخبار عن الإيجاب المثمر يكون ظاهرا في الإيجاب المتعقب للقبول، بل في الجامع لجميع الشرائط المعتبرة في ترتب الأثر عليه.

و الحاصل ان قيد كون الإيجاب مثمرا مستفاد من الخارج و لم يؤخذ في المستعمل فيه، و يقرب ذلك تبادر هذا القيد حتى من مثل قول القائل نقلت داري الى زيد، أو ملكتها إياه، أو أبدلتها بكذا، مع ان التمليك و الأبدال و النقل هو مجرد الإيجاب قطعا، و لم يلتزم أحد بدخالة قبول الآخر في صدقها على الإيجاب.

و ان شئت قلت الأثر الحاصل بالإيجاب- و هو ملكية المبيع مثلا للمشتري بإزاء الثمن- يكون بنظر الموجب و اعتباره، كما يكون في اعتبار العقلاء و الشرع و ما يتوقف على قبول المشتري،

هي الملكية في نظر العقلاء، و الشرع، لا في اعتبار الموجب، فإنه يعتبرها و ينشأها بمجرد الإيجاب، فملكية العين بعوض في اعتبار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 22

..........

______________________________

العقلاء و الشرع بالإضافة إلى إيجاب البائع من قبيل الوجوب و الإيجاب، لا من الكسر و الانكسار، فإنه يمتنع تحقق الكسر بلا تحقق الانكسار، و لكن لا يمتنع تحقق الإيجاب من الأمر، مع عدم تحقق وجوب الفعل في اعتبار العقلاء.

(أقول) ما ذهب اليه بعض المشايخ، من كون المعنى المصطلح للبيع عرفا هو تمليك العين بعوض بشرط قبول المشترى هو الصحيح، و ذلك فان الموجب لا ينشأ ملكية العين لصاحب الثمن مطلقا و لو على تقدير عدم قبوله للإيجاب، بل المكية معلقة و مقيدة بالقبول في ظرفه، و إذا تحقق في ذلك الظرف تكون المكية المنشأة بيعا و الا فلا، و كذا الأمر في الشراء، فإنه لا ينطبق على إنشاء التملك الأعلى تقدير تحقق الإيجاب في موطنه، و لا يحصل مع عدم قبول المشتري ملكية العين له، لا في نظر الموجب، و لا في اعتبار العقلاء.

و يشهد لما ذكرنا صحة سلب البيع حقيقة عن التمليك الذي لا يتحقق في مورده قبول المشترى، و لو كان البيع حقيقة في الجامع لما صح سلبه عن التمليك المزبور الا ادعاء، هذا مع ان اشتراط القبول مقتضى كون البيع من العقود، لا من الإيقاعات حتى في اعتبار الموجب فضلا عن العقلاء و الشرع، بلا يمكن دعوى ذلك في مثل لفظ النقل المراد به النقل المعاملي كما لا يخفى.

و كذا أنكر (ره) المعنى الثاني و انه لم يستعمل لفظ البيع لا لغة و لا عرفا في الانتقال الذي هو من

قبيل الحكم المترتب على البيع، بل ذكره جماعة في تعريف البيع تبعا للمبسوط الذي عرف به البيع.

و قد يوجه التعريف بان البيع الواقع في تعريفه انتقال العين، هو العنوان الانتزاعي للمبيع يعنى المبيعة، حيث انها عبارة أخرى عن انتقال الشي ء الى الآخر بالعوض، و تعرض للمعنى الثالث و نسب الى الشهيد الثاني ان إطلاق البيع و استعمال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 23

..........

______________________________

لفظه في العقد مجاز، بعلاقة السببية و المسببية، و قال فليكن مراد الشهيد (ره) من المسبب هو المعنى الاسم المصدري المتحقق بالإيجاب و القبول معا، و اما المسبب عند الموجب فهو يتحقق بالإيجاب فقط، كما مر.

و قوله (ره) (و الى هذا نظر جميع ما ورد) إشارة إلى المعنى الاسم المصدري و ان جميع ما ورد في النصوص و الفتاوى من لزوم البيع و وجوبه، أو انه لا بيع بينهما، أو أقال البيع، و نحو ذلك يستعمل لفظ البيع فيها في المعنى الاسم المصدري المتحقق في نظر العرف و الشرع بالإيجاب و القبول معا، و اضافة العقد الى البيع بهذا المعنى ليست بيانية بل بمعنى اللام، ضرورة ان المعنى الاسم المصدري لا يكون عين الإيجاب و القبول، و لذا يصح ان يقال انعقد البيع أولا ينعقد، و لا يصح ان يقال انعقد الإيجاب و القبول، أو لا ينعقد.

(أقول) مقتضى مجموع كلامه ان البيع يستعمل في معنيين آخرين، غير معناه المصطلح الذي من قبيل المصدر، أحدهما العقد يعنى مجموع الإيجاب و القبول و الثاني المعنى الاسم المصدري الحاصل بالعقد و ان استعماله في المعنى الأول مجاز، بعلاقة المسببية و المسببية و كذا استعماله في المعنى الثاني يعني المعنى الاسم المصدري غاية

الأمر استعماله في الاسم المصدري مجاز عن الحقيقة و استعماله في العقد يعني الإيجاب و القبول معا من قبيل سبك المجاز عن المجاز لان المسبب و هو المعنى الاسم المصدري لم يوضع له لفظ البيع.

ان قلت ما الفرق بين المعنى الثاني من المعاني الثلاثة المتقدمة الذي ذكر (ره) ان استعمال لفظ البيع لم يوجد فيه لافى اللغة، و لا في العرف بل وقع تعريف البيع به في كلام جماعة تبعا للمبسوط و بين المسبب عن العقد الذي ذكر (ره) وقوع استعمال لفظه فيه في النصوص و الفتاوى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 24

و من ثم حمل الإقرار به (1).

______________________________

قلت المراد بالأثر في المعنى الثاني هو الانتقال الذي يكون أثرا لتمام البيع شرعا و حكما له، و مقتضى مغايرة الموضوع و حكمه ان يكون البيع غير الانتقال و تعريف البيع بالانتقال كتعريف اى موضوع بحكمه غير صحيح و مراده بالمسبب في المعنى الثالث هو البيع بمعناه الاسم المصدري يعني ما يحصل بالإيجاب و القبول معا و الذي يترتب عليه حكم الشارع بانتقال المالين هذا.

و لكن لا يمكن المساعدة على ما ذكر من استعمال لفظ البيع في عقده يعني في صيغتي الإيجاب و القبول، فإنه لم يحرز هذا الاستعمال حتى في كلمات الأصحاب في عناوين المعاملات الا ترى انه لا يصح ان يقال مرادهم بكتاب البيع مثلا كتاب صيغتي الإيجاب و القبول و اما المعنى الاسم المصدري فهو صحيح يقع استعمال لفظ البيع فيه كثيرا في كلمات الأصحاب و الروايات الا ان اسم المصدر لا يختلف عن المصدر بحسب الخارج بل ما تحقق خارجا بلحاظ جهة الصدور مصدر و بلحاظ نفسه و كونه معاملة

في حيال سائر المعاملات معنى اسم المصدر و البحث في كون استعمال لفظ المصدر في المعنى الاسم المصدري مجازا أو حقيقة غير مهم.

و كيف كان فقد ظهر مما ذكرنا ان تحقق البيع بمعناه المصطلح لا يكون بمجرد الإيجاب بل لا بد من تحقق القبول في موطنه و أن المتحقق خارجا بلحاظ نفسه و كونها معاملة حيال سائر المعاملات هو المعنى الاسم المصدري و يتعلق به إمضاء الشارع و حكمه باللزوم أو الجواز أو غير ذلك من الأحكام المناسبة للمعنى المزبور.

(1) لا يخفى ان حمل الإقرار بالبيع مثلا على الصحيح لا يدل عدم وضعه للقدر المشترك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 25

قال الشهيد الأول (1) و يشكل ما ذكراه (2).

______________________________

بين الصحيح و الفاسد فان في عدم سماع التفسير بالفاسد مقتضى حمل المعاملة الثابتة بالإقرار بها على الصحيحة كما هو الحال في أصالة الصحة الجارية في عمل الغير عقدا كان أو إيقاعا.

(1) مراده (ره) ان أسامي الماهيات الجعلية كالصلاة و الصوم و أسامي سائر العقود لا يطلق حقيقة على الفاسد الا الحج لوجوب المضي فيه و يرد عليه انه لا وجه لاستثناء الحج فان وجوب المضي فيه بعد فساده لا يدل على ان إطلاق لفظ الحج على الفاسد حقيقة كما في الصوم فإنه يجب مع إفساده بالإفطار الإمساك بقية النهار مع ان ذلك لا يوجب كون إطلاق الصوم عليه حقيقة.

و أضعف اليه ان فساد الحج بالجماع بعد الإحرام غير ظاهر، بل الأظهر عدم فساده غاية الأمر يجب على المكلف اعادة حجه في السنة القادمة عقوبة على عمله و لكن الواجب يعني حجة الإسلام هو الأول و تفصيل ذلك موكول الى كتاب الحج.

(2) في

المقام اشكال على القول بأن أسامي المعاملات موضوعة للصحيحة فعلى الشهيدين و غيرهما ممن يلتزم بكونها موضوعة للصحيحة الجواب عنهما.

الأول ان عدم شمول المعنى الموضوع له للافراد الفاسدة يتوقف على أخذ قيد الصحة الشرعية أو ما يرادفها في معنى المعاملات و هذا التزام بالحقيقة الشرعية و كون معانيها مخترعات للشارع كالعبادات مع انه غير ممكن.

و الثاني ان لازم كون ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيحة عدم جواز التمسك بخطاب المعاملات في دفع احتمال اعتبار شي ء شرعا في المعاملة فإن لازم القول بكونها أسامي للصحيحة هو إجمالها.

و تعرض المصنف (ره) للإشكال الثاني صراحة و للإشكال الأول في ضمن الجواب بقوله (نعم يمكن ان يقال) و توضيح الجواب عن الأول ان العناوين يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 26

..........

______________________________

انطباقها على مصاديقها بالقصد و الاعتبار تارة كعنوان أداء الدين فإنه لا ينطبق على مجرد إعطاء المال للدائن بل لا بد من قصد كون الإعطاء بعنوان الوفاء بدينه و كذا عنوان التعظيم فإنه لا ينطبق على مجرد القيام أو غيره من الأفعال بل لا بد من كونها برعاية عظمة الغير، و قصد احترامه و هذا بخلاف العناوين الحقيقية التي يكون انطباقها على مصاديقها قهريا كعنوان القتل فإنه ينطبق على القضاء بحياة انسان قصدا أو بلا قصد.

ثم ان في القسم الأول يعني العناوين الاعتبارية يمكن ان يكون شي ء مصداقا للعنوان في اعتبار شخص و لا يكون مصدقا لذلك العنوان في اعتبار شخص آخر من غير كون أحدهما مصيبا و الآخر مخطئا مثلا كشف الإنسان رأسه عند ملاقاته للغير يكون تعظيما لذلك الغير عند قوم و لا يعتبره تعظيما قوم آخر.

و السر في هذا الاختلاف بعد كون انطباق التعظيم

على عمل موقوفا على القصد و الاعتبار واضح حيث لا يعتبر الانطباق قوم و يعتبره الآخرون و ذلك لا يوجب تعدد المفهوم بل يوجب تعدد المصداق و على ذلك فالبيع و لو بمعناه المصدري من العناوين القصدية، فيمكن ان يكون المستعمل فيه امرا واحدا عند الشرع و العرف و هو ما يترتب عليه الأثر المترقب فإن الأثر المترقب في البيع انتقال المالين، فيكون المستعمل فيه اعتبار الملكية التي يترتب عليها انتقال المالين فالمعنى مبهم من حيث الذات و القيود و مبين من حيث الأثر و إذا كان المعاطاة مثلا امرا يترتب عليه انتقال المالين في اعتبار العرف و الشرع، تكون بيعا عندهما، و لو لم يترتب عليها الانتقال شرعا، فهي لا تكون بيعا عند الشارع.

و بالجملة يمكن ان لا يكون خلاف بين الشرع و العرف في المعنى المصدري، أو الاسم المصدري، و يصح القول بأن ألفاظ المعاملات موضوعة للصحيحة، فلا تطلق على الفاسدة إلا بطور المجاز.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 27

و اما وجه تمسك العلماء (1)

[الكلام في المعاطاة]

اشارة

أن يقع النقل من غير قصد (2).

الثاني ان يقصد الملك المطلق (3)

______________________________

(1) و هذا دفع للإشكال الثاني من الإشكالين المتقدمين و حاصل الدفع ان البيع في مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ مستعمل اما في معناه المصدري، كما إذا أريد منه الحلية التكليفية أو الاسم المصدري كما إذا أريد منه الحلية وضعا، و على كل تقدير فيحمل إطلاق الخطاب على إمضاء المصاديق العرفية، فإن بيان جعل الحكم التكليفي أو الوضعي على المصاديق التي عند الشارع لغو واضح، و بتعبير أخر مثل هذا خطاب انحلالي فيعم الحكم جميع المصاديق العرفية، لأن الخطاب مع حمله على المصاديق

الشرعية يصبح لغوا خصوصا فيما إذا كان المراد بالحلية، الحلية الوضعية كما هو ظاهر الآية.

(2) المراد بالنقل النقل الخارجي و الإعطاء لا النقل الاعتباري، الذي عبارة عن التمليك و الحاصل المال الذي يصل الى الآخر و لا يقصد صاحبه خصوص تمليكه و لا إباحته له و هذا الوجه أبطله (ره) بقوله بامتناع خلو الدافع، يعنى ان العاقل في مقام المعاملة مع التفاته الى خصوصياتها التي لا يتحقق المعاملة إلا بإحداها يختار أحدها، لا محالة.

(3) المراد بالمطلق عدم قصد خصوص عنوان البيع، بل يجعل ماله ملكا للطرف بإزاء ما يتملكه من الآخر و هذا الوجه يرد بما تقدم في تعريف البيع من ان التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو البيع لا غير و لكن يظهر من بعض العلماء في مسألة تمليك لبن الشاة مدة بعوض معين أن ذلك تمليك عين و ليس بيعا و ان التمليك بالعوض أعم من البيع.

ثم انه يظهر من ملاحظة كلمات الأصحاب ان النزاع بينهم في صورة قصد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 28

..........

______________________________

المتعاطيين التمليك، و انه في هذه الصورة لا يحصل الملك لهما عند المشهور و لكن يباح لكل منهما التصرف في مال الآخر و حمل الإباحة في كلامهم على الملك المتزلزل كما عن المحقق الثاني أو الالتزام بان محل الخلاف بينهم صورة قصد المتعاطيين الإباحة كما عن صاحب الجواهر (ره) خلاف ظاهرهم.

ثم لا يخفى ان المعنى الأول من المعاني الأربعة و هي الإباحة لا تكون أمرا إنشائيا حيث ان المراد منها الإباحة المالكية، في مقابل الإباحة الحكمية، فإن التي تحصل بقصد المالك و رضاه الإباحة المالكية و اما الحكمية فهي تابع الحكم الشارع و تجويزه التصرف

في مال الغير كاباحته للمار أكل الثمرة من طريقه و الإباحة المالكية لا تحتاج الى غير رضا المالك بتصرف الآخر في ماله و لذا يجوز للآخر التصرف مع علمه برضاه و لو كان العلم بشاهد الحال. و الحاصل يخرج التصرف مع العلم برضا المالك عن عنوان التعدي و موضوع عدم حل مال الغير الا بطيب نفسه.

و اما المعنى الثاني للمعاطاة و هي إعطاء المال بقصد تمليكه للآخر بالعوض فهي عبارة أخرى عن إنشاء البيع بالفعل نظير إنشائه بالقول.

و توضيح ذلك ان البيع من العناوين التي لا يتحقق بمجرد اعتبار ملكية المال للآخر بعوض، بل لا بد من إبراز هذا الاعتبار قولا أو فعلا كما لا يكون عنوان الاذن للغير في بيع ماله بمجرد علم الغير برضاه بالبيع بل اللازم ان يبرز المالك رضاه ببيعه قولا أو فعلا حتى يحصل عنوان الاذن.

و الحاصل البيع و غيره من عناوين المعاملات يحصل بالإبراز و لذا يصح للبائع ان يقصد بقوله بعت مالي بكذا إيجاد البيع بالتلفظ المزبور و لا يرد على ذلك ما تكرر في كلمات السيد الخوئي (طال بقاه) من أنه لا معنى للإيجاد باللفظ حيث ان الملكية التي يعتبرها الموجب لا تحتاج الى غير اعتبار النفس و الملكية التي في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 29

كما يظهر ايضا من بعض كتب الحنيفة (1) من غير ان يكون ملكه أو دخل (2) و لما ذكرنا نهى (ص) عن بيع المنابذة (3)

______________________________

حقيقتها إمضاء للبيع من العقلاء فعل للعقلاء لا الموجب و كذا الحال في الملكية الشرعية فإنها حكم الشارع لا فعل الموجب فأين الإيجاد و الحاصل لا يكون الإنشاء إيجادا بل إبراز للاعتبار القائم

بالنفس.

و فيه انه إذا كان الإبراز في مثل هذه الموارد مقوما للعناوين كما هو الفرض يكون الموجود بالألفاظ تلك العناوين فيكون قصد البائع من قوله بعت مالي بكذا إيجاد البيع بهذا اللفظ صحيحا، فالذي يحصل بالتلفظ ليست الملكية التي اعتبرها العاقد، ليقال أنها لا تحتاج الى غير اعتبار النفس و لا الملكية التي يعتبرها العقلاء.

أو الشرع ليقال أنها لا تكون من فعل العاقد بل الحاصل هو عنوان البيع.

ثم ان هذا العنوان كما يحصل بإبراز الملكية باللفظ، كذلك يحصل بإبرازها بالفعل أى بإعطاء المالك العين للآخر فالإعطاء و الأخذ في هذه الصورة، بيع حقيقة و يقع الكلام في حكمه الشرعي.

(1) يعني يظهر كون محل الكلام صورة قصد المتعاطيين التمليك من بعض كتب الحنيفة حيث جعل فيها التعاطي نظير الإيجاب و القبول من أسباب البيع.

(2) و لعل مراده بالمعطوف عدم كون المال ملكا للآخر زمان الإعطاء نظير زمان الإقباض في البيع المنشأ بالإيجاب و القبول و مراده بالمعطوف عدم دخوله في ملك ذلك الآخر بعد أخذه.

(3) و مراده بالتأويل الآخر ما ذكره بقوله (و معنى ذلك) أي التأويل الآخر أن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 30

و لا ينافي ذلك (1) و منها ظهور أدلته الثلاثة في ذلك (2)

______________________________

يجعل اللمس بشي ء و النبذ له، و إلقاء الحصاة بيعا موجبا أى بمنزلة إيجاب البيع و مراده بالتأويل الأول في كلامه ان يجعل اللمس بشي ء أو النبذ له أو رمى الحصاة تعيينا للمبيع بان يقع البيع على شي ء بثمن مهملا ثم يعين ذلك الشي ء باللمس و النبذ و الرمي و هذا من أوضح أنحاء بيع الغرر بل أشبه بالقمار.

(1) إشارة إلى دفع الوهم في كلام السرائر

و حاصل الوهم ان حمل كلام السرائر على صورة قصد المتعاطيين الملك ينافي قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة بل قوله هذا يناسب ما إذا كان الإعطاء بقصد الإباحة لأن قصد التمليك بالإعطاء مع عدم حصول الملك يوجب كون الإعطاء من البيع الفاسد حيث لا معنى لفساد البيع الا عدم ترتب اثر الملك عليه و ظاهر قوله و ليس هذا من العقود الفاسدة أن الإعطاء صحيح و ليس من البيع الفاسد و لا يمكن اتصافه بالصحة إلا إذا كان بقصد الإباحة، إذ حصول الإباحة خارجا يوجب اتصافه بالصحة التي هي في المعاملات بمعنى ترتب الأثر.

و اما الدفع فان مراد السرائر من العقد الفاسد هو الذي لا يترتب عليه الملك و لا يحصل به حتى جواز التصرف و حكمه في المعاطاة بعدم حصول الملك و ترتب اباحة التصرف مقتضاه ان لا تكون المعاطاة من ذلك العقد الفاسد و على ذلك فلا ينافي قوله (ره) و ليس هذا من العقود الفاسدة لظاهر صدر كلامه من فرضه إعطاء القطعة الى البقلي أو الشارب بقصد الملك و ان شئت قلت ان الإعطاء المزبور لا يكون عند السرائر عقدا أصلا لا أنه عقد صحيح.

(2) المراد بالأدلة الثلاثة الإجماع و القدر المتيقن و النهى الوارد عن بيع الملامسة و المنابذة و الحصاة و وجه ظهورها في كون المفروض في المعاطاة صورة قصد الملك هو ان الدلالة المزبورة ذكرت لاعتبار الإيجاب و القبول في البيع و لعدم انعقاده بالاستدعاء و الإيجاب أو المعاطاة، فلو تمت هذه الأدلة كان مقتضاها اعتبار الإيجاب و القبول في صورة قصد تمليك العين بعوض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 31

مع ان الواقع في

أيدي الناس (1) و قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ (2) قوله (ره) و عليه يتفرع النماء و جواز و طي الجارية (3) و الذي يقوى في النفس (4).

______________________________

كان مقتضاها اعتبار الإيجاب و القبول في صورة قصد تمليك العين بعوض.

(1) و هذا يوجب كون حمل كلام الأصحاب على صورة قصد الإباحة كما عن صاحب الجواهر (ره) أبعد فإنه يبعد جدا بل لا يحتمل عادة أن الأصحاب قد تركوا التعرض لما يبتلى به عامة الناس و ما هو الدارج بينهم من صورة التعاطي بقصد التمليك و تعرضوا لمعاملة لم تقع في الخارج إلى الآن و هي المعاطاة بقصد اباحة كل منهما ماله للآخر.

(2) يعنى ان قوله تعالى إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ يتناول المعاطاة.

(3) يعنى على ملك الرقبة يتفرع ملك النماء فيكون النماء ملكا لمن تملك العين و كذا جواز و طي الجارية المأخوذة بالمعاطاة، فإنه يترتب على تملكها و من منع من حصول ملك العين بالمعاطاة فقد أغرب.

(4) و حاصله انه يؤخذ بظاهر كلمات الأصحاب في كون المفروض في المعاطاة صورة قصد التمليك و أنها تفيد الإباحة لا الملك و لا يرد عليهم غير ما ذكره المحقق الثاني (ره) و حاصل الإيراد أنه إذا كان مقصود المتعاطيين الملك فلا وجه لعدم حصوله و حصول الإباحة فإن الإباحة المالكية لا يمكن تحققها إذ رضا كل من المالكين على تقدير كون ماله ملكا لصاحبه كما في سائر البيع و المفروض عدم حصول الملك، و اما الإباحة الشرعية، فليس عليها دليل، كما انه ليس في كلمات الأصحاب اشعار الى اعتمادهم فيها الى النص مع ان الإباحة الشرعية في نفسها بعيدة

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 2، ص: 32

ثم ان المعروف بين المتأخرين (1)

______________________________

فإنه يبعد إلغاء الشارع ما عليه سيرة العقلاء و بنائهم من ترتب الملك على المعاطاة و الحكم تعبدا بجواز تصرف كل منهما في مال صاحبه.

و يؤيد كون مرادهم بالإباحة هو الملك أن مقتضى ظاهر كلماتهم جواز تصرف كل من المتعاطيين فيما يصل اليه حتى التصرفات الموقوفة على الملك و احتمال التزامهم بحصول الملك قبل هذه التصرفات آنا ما كما ذكروا في تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه، أو تصرف الواهب في العين الموهوبة قبل تلفها بعيد جدا بل عن بعض الأساطين ان الالتزام بحصول الملك قبل هذه التصرفات آنا ما مستلزم لتأسيس قواعد جديدة في الفقه هذا.

و لكن القول بالتزامهم حدوث الملك آنا ما قبل التصرف أهون من حمل الإباحة في كلماتهم على الملك المتزلزل، و الشاهد على كون مراد هم هي الإباحة المجردة عن الملك هو تصريح الشيخ (ره) في مبسوطه و الحلي في سرائره بعدم حصول الملك بإهداء الهدية بدون الإيجاب و القبول مع كون الإهداء كذلك موجبا لجواز التصرف.

و يظهر ذلك ايضا من العلامة في قواعده و وجه الشهادة انه لا يمكن حمل الإباحة في هذا الكلام على الملك الجائز فإن الهبة مع الإيجاب و القبول هبة مجانية لا تفيد الا الملك الجائز فعدم ثبوته فيها مع عدم الإيجاب و القبول و ثبوت الإباحة فقط صريح في عدم ارادة الملك من الإباحة في المعاطاة.

(1) المعروف بين المتأخرين ان المعاطاة على مسلك القائلين فادتها الإباحة ليست بيعا و هذا الحمل مع حمل كلمات هؤلاء القائلين على الملك غير اللازم في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 33

اما الأول (1) اللزوم مطلقا

(2). نعم ربما يوهمه ظاهر عبارة التحرير (3)

______________________________

طرفي الإفراط و التفريط و يدفع حمل المحقق و يزيفه أمران.

الأول- ما عن بعض القائلين في المعاطاة بالإباحة، من ان شرط لزوم البيع منحصر في مسقطات الخيار، بمعنى ان كل بيع لم يكن فيه خيار يكون بيعا لازما و مقتضى هذا الكلام ان لا تكون المعاطاة بيعا لأنه ليس فيها لزوم و لا خيار و تزلزل الملك فيها على تقديره ليس من قبيل الخيار كما مر.

و الثاني تصريح غير واحد بأن الإيجاب و القبول من شرائط انعقاد البيع، فإنه لو كانت المعاطاة بيعا مفيدا للملك المتزلزل لزم ان يذكروا الإيجاب و القبول من من شرائط لزوم البيع لا من شرط انعقاده.

(1) المراد الحمل الأول و هو عدم كون المعاطاة على القبول بالإباحة بيعا أصلا.

(2) أي سواء كانت القرينة على ارادة البيع و تراضى المتعاطيين لفظا أو غيره و يكفي في وجود القائل به قول العلامة في التذكرة الأشهر عندنا أنه لا بد من الصيغة فإنه لا يعبر باسم التفضيل في مسألة إلا مع الخلاف المعتد به فيها.

(3) يعنى يوهم عبارة التحرير الملك المتزلزل حيث قال فيه الأقوى ان المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية فان تلفت لزمت و ظاهر المعاوضة حصول الملك بالمعاطاة و لذا نسب في المسالك القول بالملك في المعاطاة إلى التحرير و لكن ذكر فيه بعد العبارة و لا يحرم على كل منهما الانتفاع بما قبضه بخلاف البيع الفاسد.

و هذه قرينة على ان مراده بتلك العبارة حصول مجرد الإباحة إذ لا معنى لذكر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 34

و لا يخلو عن قوة (1)

______________________________

ذلك بعد

فرض حصول الملك فيكون إطلاق المعاوضة على المعاطاة المفروض فيها حصول مجرد الإباحة باعتبار أن المعاوضة من قصد المتعاطيين و كذا إطلاق الفسخ على الرد و اللزوم مع التلف.

(1) لا يخفى ان الأصل يعني مقتضى الاستصحاب في المعاطاة على تقدير عدم قيام الدليل على حكمها هو الفساد و عدم ترتب الأثر عليها لا الملك و لا اباحة التصرف و اما الإباحة المالكية فهي تابعة لرضا كل منهما بتصرف الآخر في ماله مع الإغماض عن المعاملة المعاطاتية و فرض بقاء المال في ملكه فان هذا يكون موجبا لجواز تصرف الآخر فيما وصل الى يده تصرفا لا يتوقف جوازه على الملك و لكن يدل على حكمها و عدم الفرق بينها و بين سائر البيوع في كون الحاصل منها الملك اللازم (قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) فان ظاهره صحة البيع و نفوذه و ذلك فإن الحلية و لو تكون ظاهرة في الإباحة تكليفا الا ان هذا فيما إذا تعلقت بالفعل الخارجي و اما مع تعلقها بالاعتباري عقدا أو إيقاعا فظاهرها نفوذه و صحته.

و هذا مراد من يذكر ان الآية دالة على صحة البيع و نفوذه بالدلالة المطابقية.

و اما ما ذكره المصنف (ره) من تقدير الأفعال الخارجية المرتبة على الملك و الالتزام بتعلق الحلية بها و جواز تلك الأفعال تكليفا يلازم صحة البيع و نفوذه فتكون الآية دالة على الصحة و النفوذ بالدلالة الالتزامية فلا يمكن المساعدة عليه فان الداعي له (ره) الى تقدير الأفعال و الالتزام بتعلق الحلية بها هو عدم احتمال تعلق الحلية تكليفا بالبيع بمعناه المصدري من غير دلالة على صحته و نفوذه.

و قد ذكرنا أن ظاهر تعلق الحلية بالأمر الاعتباري هو النفوذ و الإمضاء و

لو كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 35

..........

______________________________

الموجب لالتزامه عدم قابلية الملكية للجعل استقلالا لأنها من الحكم الوضعي المنتزع عن التكليف فقد ذكرنا في محله ان مثل الملكية قابلة للجعل بنفسها من غير حاجة الى جعل التكليف بل قد لا يثبت في مورده تكليف، حتى يتوهم انتزاعه منه و لكن قد يقال انه لا إطلاق في الآية حتى يتمسك بها لصحة بيع المعاطاة و نفوذه، لان الظاهر من صدر الآية و ذيلها أنها واردة في مقام بيان حكم آخر و هو نفى التسوية بين الربا و البيع.

هذا مع ان الحكم بحل البيع و حرمة الربا قد ثبت في الشرع من قبل و اعترض عليه بأنه لا فرق بينهما و ان البيع مثل الربا فهذه الآية في مقام نفى التسوية و إثبات الفرق بينهما، بان اللّه أحل أحدهما و حرم الآخر فلا بد من ملاحظة الإطلاق و التقييد في ذلك التحليل أو التحريم الصادرين من قبل و لو بقول رسول اللّه (ص).

ثم وجه هذا القائل الجليل التمسك بالإطلاق بدعوى ان الاعتراض كان بنحو العموم يعني مماثلة مطلق البيع لمطلق الربا حيث لو كان الاعتراض بان بعض البيوع أو البيع بقيد خاص مثل الربا لكان اللازم الحكاية بمثل ما قالوا لتخرج الحكاية عن الكذب و إذا كان مقتضى الحكاية هي دعواهم مماثلة جميع البيع فبيان الفرق بذكر الحل له و الحرمة للربا بمنزلة إثبات الحكم لجميع أفرادهما.

(أقول) لو كانت الآية واردة لنفى التسوية على ما ذكر و سلم ان الاعتراض كان بنحو العموم بمعنى مماثلة جميع البيع لجميع الربا، لكان اللازم ان يكون هذا الإطلاق مرادا من قوله (قٰالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبٰا)

لا من قوله (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا) بالإضافة إلى حكم الحل فإنه لو كانت الحلية ثابتة للبيع بقيد لما كان ايضا بين البيع و الربا تسوية، و المفروض ان الآية ليست في مقام البيان من جهتها، و لكن أصل المناقشة ضعيفة، فإنه لا دلالة في الآية على صدور خطاب التحريم أو التحليل من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 36

..........

______________________________

قبل، كما لا دلالة فيها على ورودها للتعرض للتسوية الموهومة بعد صدور خطاب تحليل البيع و تحريم الربا، فان نقل قولهم انما البيع مثل الربا حكاية عن معتقدهم، و الداعي إلى ارتكابهم لا عن لفظهم بعد صدور ذلك الخطاب و الأصل في قوله وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا كما هو ظاهر كل خطاب متضمن للحكم و موضوعه وروده في بيان الحلية و موضوعها، غاية الأمر يستفاد منه ايضا فساد اعتقادهم.

و قوله سبحانه (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبٰا.) حكاية عن الجزاء على آكل الربا بعد تمام الحجة عليه، حتى لو كان تمامها بوصول هذه الآية المباركة و أكله لزعم التسوية أو عدم زعمها، و ليست اخبارا عن الجزاء على من كان آكلا قبل نزولها كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر الحال في التمسك لصحة المعاطاة و نفوذها كسائر البيوع اللازمة بقوله سبحانه (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فإن التجارة هو البيع و الشراء بقصد تحصيل الربح، فتعم المعاطاة فتكون جائزة وضعا، لان الاستثناء عن النهى عن أكل المال بالباطل و لو يكون بنحو الانقطاع، ضرورة عدم دخولها في المستثنى منه الا ان النهى في ناحية المستثنى منه قرينه على ان الترخيص في ناحية المستثنى وضعي لأن الأكل في الآية بمعنى التملك

و الاستيلاء، حيث ان التعبير عنهما بالأكل متعارف بل هذا ظاهر الأكل المضاف الى المال كما تقدم.

و يمكن الاستدلال على حكم المعاطاة و كونها كسائر البيوع اللازمة بقوله عز من قائل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإنه و ان يناقش في شمول العقد لها الا انه لا مجال للمناقشة بعد ورود النص الصحيح «1» على كون المراد بها العهود حيث ان العهد يعم المعاطاة جزما سواء قيل بان العقد مطلق العهد، أو العهد بين الاثنين و المشدود كما ان المراد

______________________________

(1) تفسير برهان سورة مائدة حديث: 8

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 37

و اما قوله الناس مسلطون على أموالهم (1).

______________________________

بالوفاء هو إتمام العهد و عدم نقضه بعدم العمل له ابتداء و استدامة، و الرجوع نقض للعهد بقاء كما لا يخفى.

و على ذلك ففي الآية كفاية و لو قيل بان الآيتين المتقدمتين لا دلالة لهما على لزوم الملك، بل مدلولهما مجرد الصحة و الإمضاء، بدعوى أن آية الحل مدلولها إمضاء نفس البيع، لا إمضائه بماله من الأحكام عند العقلاء و لزومه و عدم انفساخه برجوع أحد المتبايعين من أحكام البيع عندهم، لا من مقومات صدقه.

و ان شئت قلت كما أن في مثل قوله عليه السّلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا يراد بالبيع نفس البيع مع الإغماض عن حكمه عند العقلاء كذلك في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و الآية الثانية مدلولها، الترخيص في التمليك بالتجارة، و اما كون التملك جائزا أو لازما، فلا دلالة لها على ذلك.

هذا و لكن يمكن الاستدلال بالآية الثانية على اللزوم حيث ان إطلاق الترخيص في التمليك بالتجارة، يعم ما إذا ندم أحد المتعاملين و رجع عن معاملته، بل بالآية الأولى أيضا

باعتبار ان إطلاق الحل و الإمضاء، يعم ما إذا رجع أحدهما عن البيع فتأمل.

(1) هذه المرسلة لضعفها لا يمكن الاعتماد عليها و لم تذكر إلا في كتب المتأخرين و قيل إنها مروية في البحار ايضا و وجه الاستدلال بها دلالتها على ثبوت الولاية للمالك بالإضافة الى جميع التصرفات المتعلقة بماله، لأن السلطنة على المال يراد بها السلطنة على التصرف فيه، و حيث لم يذكر تصرف خاص فيكون المراد جميعها و يدخل فيها المعاطاة حتى بناء على عدم كونها بيعا بل تصرفا مستقلا.

و المصنف (ره) لم يرتض بهذا الاستدلال و ذلك، فان السلطة على المال و ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 38

..........

______________________________

يراد بها السلطنة على التصرف فيها، الا ان التعبير بالسلطة، فيه دلالة على كون المراد بالتصرف هو الإنشائي و التصرفات الاعتبارية على ما تقدم بنفسها أنواع، كالبيع و الهبة و الصلح و القرض الى غير ذلك، و بما ان هذه كلها أمور إنشائية تحتاج في إنشائها إلى قول أو فعل من كتابة أو إشارة أو غيرها، فان حصل الشك في النوع بان لم يعلم ان نوع معاملة يتعلق بالمال ممضاة شرعا أولا، فيمكن التمسك بالحديث في إثبات صحتها و سلطان المالك على إنشائها، و اما إذا شك في فرد ذلك النوع بمعنى ان النوع الفلاني من المعاملة يحصل بإنشائه كذلك أو لا يحصل به، مثلا تمليك العين بالعوض يحصل بالمعاطاة أولا، فلا يمكن التمسك بها لعدم نظرها إلى أفراد المعاملة و أسبابها، و من هنا لا يمكن التمسك بها في اعتبار بعض الأمور المحتمل دخلها في صيغتي الإيجاب و القبول من البيع و غيره.

أقول الصحيح عدم نظرها الا الى أنواع

التصرفات و لا إلى إفرادها و أسبابها و الا لكان التفصيل بين الأنواع و الأشخاص مجرد الدعوى، بل هي ناظرة إلى ولاية المالك على التصرفات المالية التي أمضاها الشرع بأنواعها و أسبابها، و ان تلك التصرفات لا تكون نافذة فيما إذا لم تصدر عن المالك، و على ذلك فلو شك في ولاية المالك على التصرف الجائز كما إذا شك في ان المرأة محجورة عن التصرف في مالها بالتصدق به بلا رضا زوجها، فيمكن الأخذ بالحديث في إثبات سلطنتها، و عدم كونها محجورة.

فقد تحصل الى هنا دلالة الإطلاق و العموم من الكتاب العزيز على صحة المعاطاة و نفوذها أضف الى ذلك السيرة الجارية من العقلاء المتدينين منهم و غيرهم في المعاطاة و معاملتهم معها معاملة اللازم و ما ذكر المصنف (ره) من ان مثل هذه السيرة كسائر سيرهم الناشئة عن التسامح في الدين و قلة مبالاتهم به كما ترى، فإنه ليس المراد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 39

اللهم الا ان يقال (1)

______________________________

التمسك بسيرة معظم المتشرعة التي نراها الان من المعاملة مع المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملك، إذ لا يمكن لنا إحراز استمرارها الى زمان المعصومين عليهم السلام مع فتوى كبار العلماء من قديم الزمان بعدم إفادتها الملك و تقليد الناس منهم بل المراد الأخذ بسيرة العقلاء كافة المتدينين منهم و غيرهم نظير السيرة الجارية على الاعتناء باخبار الثقات التي ذكر في الأصول ان الردع من مثلها يحتاج الى دليل خاص، و لا يكفى وجود العمومات على خلافها، فضلا عما وافقها العمومات كما في المقام، فلا وجه للقول بان توريث المأخوذ بالمعاطاة قبل التصرف الموجب لصيرورته ملكا ناش عن قلة المبالاة بالدين.

(1) و هذا

منع منه (ره) لدلالة الآيتين على حصول الملك بمجرد المعاطاة، و تقريره ان دلالة الآيتين على حصول الملك انما هي بالدلالة الالتزامية الناشئة عن الملازمة بين اباحة جميع التصرفات و بين حصوله، و هذه الملازمة ثابتة في غير المعاطاة بالإجماع، و الا فالملازمة حقيقة انما هي بين تحقق و طي الأمة حلالا و بين ملكيتها، لا بين مجرد الحكم بإباحة الوطي و بين ملكيتها فان هذه الإباحة لا تلازم ملكيتها إلا بالإجماع الثابت في غير المعاطاة، و اما فيها فيلتزم بحصول الملك آنا ما قبل الوطي جمعا بين دليل جوازه و دليل توقف جوازه على الملك و بين عدم حصول الملك من الأول و لو بمقتضى الأصل.

(أقول) التزامه (ره) بأن إباحة جميع التصرفات لا تلازم بنفسها الملكية و لو يكون صحيحا الا انه ينافي ما بنى عليه (ره) انتزاع الحكم الوضعي و منه الملكية من الحكم التكليفي، حيث ان نفى الملازمة بين اباحة جميع التصرفات و بين الملكية معناه عدم انتزاع الثاني من الأول كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 40

و دعوى انه لم يعلم من القائل بالإباحة (1) هذا مع إمكان إثبات حصة المعاطاة في الهبة و الإجارة (2)

______________________________

(1) هذه الدعوى تقريب لإمكان التمسك بالآيتين في إثبات الملك بالمعاطاة، و بيانه ان القائل بإباحة التصرف بالمعاطاة لم يظهر منه اباحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك، فإنه يحكى عن الشهيد (ره) في حواشيه على القواعد انه لا يجوز إخراج زكاة ماله أو خمسه بأداء مال آخر مأخوذ بالمعاطاة و كذا لا يجوز أداء ثمن الهدى الواجب عليه في حجه من مال مأخوذ بها، فإن إخراج الزكاة أو الخمس من

مال آخر موقوف على كون المودى مالكا لذلك المال و كذا في أداء ثمن الهدى أو وطي الجارية، فإنها لا يجوز بغير ملك و إذا أخذ بظهور الآيتين في إباحة جميع هذه التصرفات بحصول المعاطاة فيثبت الملك بالملازمة بين إباحتها و ثبوته.

و لكن ناقش (ره) في الدعوى بأن الملازمة بين إباحتها و حصول الملك غير ثابتة في المعاطاة بمعنى انه لم يثبت ان كل من قال بإباحة جميع التصرفات قال بالملك من الأول ليكون في البين إجماع مركب.

(2) يمكن ان يريد (ره) وجود الرواية في الهبة و الإجارة بحيث يكون مفادها ابتداء الحكم الوضعي يعنى انتقال المال، و إطلاقها يعم ما إذ كانت الإجارة بنحو المعاطاة و في صحيحة على بن يقطين قال سئلت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يتكارى من الرجل البيت أو السفينة سنة أو أكثر من ذلك أو أقل قال عليه السّلام الكراء لازم له الى الوقت الذي تكارى اليه و الخيار في أخذ الكراء الى ربها ان شاء أخذ و ان شاء ترك «1» فان مفادها صحة الإجارة و لزومها كما ان إطلاقها يعني عدم الاستفصال في الجواب يعم المعاطاة.

______________________________

(1)- الوسائل- الجزء 13 الباب (7) من أبواب الإجارة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 41

و لذا ذكر بعض الأساطين في شرحه على القواعد (1).

______________________________

و من هذا القبيل صحيحة حفص البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال الصلح جائز بين المسلمين «1» و لكن من قال بعدم لزوم المعاطاة كالمصنف (ره) لا يمكن له التشبث بهما فان ظاهر هما اللزوم و عدم جواز الفسخ كما لا يخفى.

و اما الهبة فلا يبعد ان يكون المراد بالوارد فيها صحيحة محمد

بن مسلم قال أبو جعفر عليه السّلام فيها و لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه اللّه و قال الهبة و النحلة يرجع فيها إنشاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم فإنه لا يرجع فيه «2» فان هذه بإطلاقها تعم الصدقة و الهبة بالمعاطاة و القائل بعدم الفرق بين أفرادهما في الحكم حتى فيما إذا كانتا بالمعاطاة يعتمد على مثلها.

(1) أراد بعض الأساطين ان حصول الإباحة بالمعاطاة دون الملك يلازم محاذير يكون ملازمتها كافية للجزم ببطلان القول بها و المحاذير أمور.

الأول- الالتزام بإمكان تخلف العقود و ما يقوم مقامها عن قصد العاقد، فان المفروض في المقام قصد المتعاطيين الملك و هو غير حاصل، و الحاصل هي الإباحة غير مقصودة، فإنه قد مر ان رضا كل منهما بتصرف صاحبه في المال منوط بحصول الملك، لا انه يرضى بتصرفه مع عدم حصول الملك له.

و أجاب ره عن هذا المحذور أولا بأن تبعية العقود و ما يقوم مقامها للقصد انما هي مع صحتها، فإنه لا يعقل صحة العقد المفروض كونه أمرا إنشائيا و يكون قوامه بالقصد، بلا حصول مدلوله و مقتضاه، و المعاطاة على القول بالإباحة، ليست من العقود الصحيحة و ما يقوم مقامها، بل الإباحة الحاصلة حكم شرعي، و ليست من الإباحة المالكية التي

______________________________

(1)- الوسائل- الجزء 13 الباب (3) من أحكام الصلح.

(2)- الوسائل- الجزء 13 الباب (3) من أحكام الهبات الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 42

..........

______________________________

لا يمكن تحققها بلا قصد.

(أقول) الالتزام بالإباحة الحكمية مناف لما تقدم منه (ره) سابقا من كون الإباحة مالكية حاصلة من تسليط المالك صاحبه بماله، مع ان الإباحة الحكمية تعبد يحتاج إلى الإثبات، و التمسك لها

بالسيرة كما ترى، فإنها من العقلاء جارية على الملك اللازم و من بعض المتشرعة ناشئة عن فتوى جملة من كبار العلماء بالإباحة فلا اعتبار بها مع عدم إحراز استمرارها الى زمان المعصوم عليه السّلام.

و ثانيا انه قد وقع تخلف العقد عن القصد في موارد، و ليكن المعاطاة منها، و تلك الموارد كما تلي: الأول- ذكروا ان الفاسد من العقد تابع لصحيحة في الضمان، و لكن الضمان في صحيح البيع مثلا بالثمن المسمى، و هذا مع فساد العقد غير حاصل، و الحاصل و هو ضمانه بالمثل أو القيمة غير مقصود.

(أقول) عدم إمكان تخلف العقد عن القصد معناه عدم إمكان حصول مدلول العقد و مفاده المفروض كونه إنشائيا، بلا قصد أو تحققه مع قصد الخلاف و الضمان بالعوض المسمى عبارة عن تحقق ملكية ماله للآخر بالعوض، و هذا أمر إنشائي جعلي الا ان الضمان مع فساد العقد بالمثل أو القيمة ليس امرا جعليا للمتعاقدين، بل هو حكم شرعي إمضائي تابع لموضوعه و هو الاستيلاء على مال الغير بلا استيمان، و ما في كلام المصنف (ره) من ان الموجب للضمان هو اقدام المتعاقدين عليه على ما هو مفاد العقد، لا يمكن المساعدة عليه كما سيأتي توضيحه عن قريب.

الثاني- ذكروا ان الشرط الفاسد غير مفسد، و معنى ذلك ان مدلول العقد يتحقق مطلقا من غير تقييد بالشرط المزبور مع ان المقصود تحقق مدلوله مقيدا به، فالمقيد المقصود غير موجود، و الإطلاق الموجود غير مقصود.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 43

..........

______________________________

و الجواب ان الشرط في المعاملات كما سيأتي في محله إنشاء اللّه تعالى ليس من قبيل الشرط في الجملة الشرطية حتى يكون مفاد العقد معلقا عليه، بل

الشرط عبارة عن جعل الحق لأحد المتعاقدين أو كليهما و يكون إنشاء العقد معلقا على التزام الآخر بذلك الحق، لا على نفس الحق فلا يكون حصول الحق كما هو معنى صحة الشرط، أو عدمه كما هو معنى فساده دخيلا في إنشاء العقد أو عدمه، و توضيح ذلك في بحث الشروط إنشاء اللّه تعالى.

الثالث- ذكروا ان بيع شي ء قابل للملك و آخر غير قابل له بصفقة واحدة صحيح عندنا بالإضافة إلى القابل له بحصة من الثمن، مع ان المقصود هي المعاوضة بين مجموعهما و مجموع الثمن، و هذا غير متحقق، و المتحقق و هي المعاوضة بين خصوص القابل و الحصة من الثمن غير مقصود.

و الجواب ما سيأتي إنشاء اللّه تعالى من انحلال البيع بالإضافة الى كل من الأمرين المفروضين في مقصود المتبايعين و إمضاء الشارع أحد البيعين دون الآخر لا يوجب الا التفكيك في الإمضاء، و لا محذور فيه نعم يكون في البين خيار تبعض الصفقة، لأنه يرجع الجمع بين الشيئين في عقد واحد الى اشتراط الخيار على تقدير التبعيض.

الرابع- قيل و القائل كثير ان بيع الغاصب مال الغير لنفسه يقع لذلك الغير مع أجازته، فالواقع و هو البيع للمالك مع أجازته غير مقصود للعاقد، و المقصود له، و هو العقد لنفسه غير حاصل.

و الجواب- ان المعاوضة على عين خارجية و تمليكها بعوض لا يتوقف على تعيين صاحبها في القصد، لان مقتضى كون الثمن عوضا عنها دخوله في ملك من يخرج تلك العين عن ملكه، و قصد دخوله في ملكه أو غيره لا دخل له في تحقق البيع.

الخامس- ذكر جماعة ان ترك ذكر الأجل في النكاح المقصود انقطاعه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص:

44

..........

______________________________

يجعله مطلقا يعني دائما، و هذا من تخلف العقد عن القصد، فإن الزوجية المطلقة، أمر إنشائي فقد حصلت بلا قصد.

(أقول) في المسئلة ثلاثة أقوال.

الأول- الانقلاب الى الدوام مطلقا.

الثاني- البطلان انقطاعا و دواما.

الثالث- التفصيل بين إنشاء العقد بلفظ أنكحت و زوجت و بين إنشائه بلفظ متعت فالانقلاب في الأولين لظهورهما في الدوام، و البطلان في الأخير، و لكن الأصح هو القول بالبطلان مطلقا و ذلك لان كلا من الانقطاع و الدوام يحتاج الى القصد كما يتوقف الانقطاع على ذكر الأجل أيضا، و الزوجية الدائمة المحققة إن كانت بالإنشاء فالمفروض عدمه إذ الإنشاء لا يكون بلا قصد و ان كانت من قبيل الحكم الشرعي على العقد المقصود به الانقطاع كالإباحة الحكمية المترتبة على المعاطاة، فليس عليها دليل.

نعم في موثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال ان سمى الأجل فهو متعة و ان لم يسم الأجل فهو نكاح بات «1» و لكنها في مقام بيان الفرق بين الدوام و الانقطاع من جهة العقد، و ان الدوام لا يذكر فيه الأجل، و الانقطاع يذكر فيه الأجل لا ان الدوام لا يحتاج الى القصد و الا كان مقتضاها تحقق الانقطاع بلا قصد، كما إذا ذكر الأجل اشتباها.

و الحاصل اشتراط عقد المتعة بذكر الأجل فيه كما هو ظاهر غير واحد من الروايات التي منها هذه الموثقة، مقتضاه الحكم ببطلانها في صورة نسيان ذكره فيه و انه لا يترتب عليه لا المتعة و لا الدوام.

______________________________

(1)- الوسائل الجزء (14) الباب (20) من أبواب المتعة الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 45

و منها ان يكون ارادة التصرف من المملكات (1).

و منها ان الأخماس و الزكوات (2).

______________________________

نعم

في البين بعض الروايات التي يمكن استظهار الانقلاب الى الدوام منها، و لكنها لضعف إسنادها لا يمكن الاعتماد عليها.

(1) و هذا هو المحذور الثاني في كلام بعض الأساطين، و حاصله كون ارادة تصرف غير المالك ملكا كما إذا حصل ملك المال بإرادة تصرفه فيه أو مع تصرفه، و هذا التصرف المملك في مال الغير يحتاج الى الاذن من مالكه مع انه لم يأذن فيه، بل و ربما لا يخطر بباله التصرف المزبور ليأذن فيه، فإنه انما يعطى المال بقصد تمليكه و بقصد انه ينتهى سلطانه على المال المزبور بإعطائه، فيفترق المقام عمن يقول للآخر أعتق عبدك عني فإنه توكيل في تمليك عبده إياه أولا ثم عتقه، كما ان قوله للآخر تصدق بمالي عنك اذن للغير في تملك ماله، ثم التصرف فيه بالتصدق.

(أقول) يمكن الالتزام بحصول اباحة التصرف بالمعاطاة قبل وقوع التصرف و هذه الإباحة حكمية لا تحتاج إلى اذن المالك و رخصته، و التصرف الموقوف على الملك دخيل شرعا في حصول الملكية المنشأة بالمعاطاة نظير قبض الثمن في المجلس في بيع السلم، فتتم الملكية الشرعية مقارنة للتصرف.

(2) و ذكر بعض الأساطين على القول بالإباحة محذورا ثالثا و هو انه يجب ترتيب الآثار المترتبة شرعا على الملك، على المأخوذ بالمعاطاة مع فرض عدم كونه ملكا كوجوب الخمس في المأخوذ بالمعاطاة مع عدم صيرورته ملكا، كما إذا اشترى التاجر في أواخر سنة ربحه متاعا بألف دينار، ثم زادت قيمته السوقية فباعه قبل تمام سنة الربح بألفين بالمعاطاة ثم نزلت القيمة السوقية إلى ألف فيجب عليه خمس الالف مع عدم صيرورته ملكا له بتصرف أو تصرف المشترى في المتاع المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 46

..........

______________________________

(أقول) لا بأس للقائل بالإباحة بالالتزام بعدم وجوب الخمس في الألف قبل صيرورته ملكا و بعد ذلك يكون من أرباح السنة الاتية، كما إذا تصرف فيه أو تصرف الآخر في المتاع و من تلك الآثار وجوب إخراج الزكاة من المال الزكوي كالذهب فيما إذا أخذه بالمعاطاة و حال عليه الحول من غير ان يتصرف فيه أو يتصرف الآخر في بدله.

(أقول) يمكن للقائل المزبور الالتزام بعدم وجوب زكاته على الأخذ قبل حولان الحول عليه في ملكه، بل يجب زكاته على بايعه، لفرض كونه مالكا قبل حصول الملك للآخر.

و من تلك الآثار الاستطاعة فإنه إذا فرض هبة مال له بالمعاطاة يكفي ذلك المال لمصارف حجه زائدا على مؤنته و مؤنة عياله و لم يتصرف في ذلك المال ليصير ملكا له، فلا بد من الالتزام بحصول الاستطاعة للحج بدون الملك.

و فيه انه لا بأس بذلك الالتزام فإن الاستطاعة الموضوع لوجوب الحج غير موقوفة على ملك المال، بل يكفى فيه ملك التصرف، و البحث موكول الى كتاب الحج و نظيره وجوب أداء الدين على المديون، أو وجوب الإنفاق على العيال، فان الوجوب في الموردين كما في وجوب الحج غير موقوف على ملك المال و قد يؤدى معظم أهل العلم ديونهم من سهم الامام عليه السّلام مع عدم كون السهم المبارك ملكا لهم، كما ينفقون على عيالهم من ذلك السهم، و جواز أداء المديون دينه بمال الغير، يلازم جواز إجباره عليه مع امتناعه.

و من تلك الآثار تعلق حق الشفعة، و المقاصة، بالمأخوذ بالمعاطاة، فإنه يجوز له المقاصة من ذلك المال و لو قبل صيرورته ملكا للجاحد، و هذا معنى تعلق المقاصة بما ليس ملك الجاهد، و كما إذا باع أحد

الشريكين في الأرض حصته المشاعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 47

..........

______________________________

من ثالث بالمعاطاة فيجوز للشريك الآخر استرداد الحصة المبيعة بأخذه بحق الشفعة و هذا فرض لتعلقها بغير الملك.

(أقول) للقائل بعدم الملك في المعاطاة الالتزام بعدم جواز المقاصة من المأخوذ بالمعاطاة قبل صيرورته ملكا للجاحد، كما لا يجوز في الصحة المباعة بها الأخذ بالشفعة قبل صيرورتها ملكا للمشتري، لأن الموضوع لجواز المقاصة أو الأخذ بالشفعة كون المال ملكا للجاحد، و الحصة ملكا للمشتري، و من تلك الآثار إرث المال المأخوذ بالمعاطاة فيما إذا وقع الموت قبل التصرف في ذلك المال.

و الجواب ان للقائل المزبور الالتزام بعدم دخوله في الميراث، بل الداخل فيه المال الآخر الموجود في يد الطرف الآخر، و لكن يجوز للورثة التصرف فيما كان بيد مورثهم عوضا عن تصرف الآخر في مالهم كما هو مقتضى رضاهما ببقاء المعاطاة، و مع حصول التصرف المملك يحصل الملك للطرفين، و بهذا يظهر الحال في الموهوب بالمعاطاة.

و هذا بناء على عدم كون الموت من ملزمات المعاطاة، و اما بناء عليه فالمأخوذ بها كسائر أموال الميت داخل في تركته.

و من تلك الآثار تعلق الربا بالمعاوضة بنحو المعاطاة، كما إذا بادل الف كيلو من الأرز العنبر بألفين من الأرز العادي، فلا يمكن الحكم بجواز هذه المعاطاة الربوية و صحتها، مع ان حرمة الربا و فساد المعاوضة لا يكونان الا مع التمليك.

أقول قد مر ان المعاطاة بناء على المشهور تمليك و لكن الشارع لم يمضها الا بعد وقوع التصرف المملك، و ان التصرف المزبور، كالقبض في المجلس في معاملة الصرف شرط شرعي، و كل من حرمة الربا، و فساد المعاوضة الربوية يعم ما إذا كان في المعاملة

شرط شرعي آخر و قد مر ايضا ان اباحة التصرف الثابتة قبل الملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 48

و منها كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر (1) و منها جعل التلف السماوي من جانب (2)

______________________________

اباحة حكمية فلا ينافي ثبوتها مع كون المعاطاة معاوضة في الملك. و من تلك الآثار جواز الوصية بالمأخوذ بالمعاطاة حتى مع عدم التصرف فيه قبل الموت.

(أقول) بناء على ان موت أحد المتعاطيين من ملزمات المعاطاة فلا بأس بالوصية.

و من تلك الآثار ان الواهب لجميع أمواله للغير بالمعاطاة يجوز له أخذ الزكاة باعتبار فقره بعد الهبة المزبورة، مع ان تلك الأموال لا تخرج عن ملكه بالمعاطاة على الفرض. و كذا يحكم بعدم جواز أخذ الزكاة للمتهب بها باعتبار غناه مع عدم انتقال تلك الأموال إلى ملكه.

و فيه ان وصف الغنى الموجب لعدم جواز أخذ الزكاة أو الفقر الموجب لجوازه غير موقوف على حصول الملك و عدمه، كما ذكر تفصيل ذلك في البحث في أوصاف المستحقين في كتاب الزكاة.

(1) و هذا المحذور الرابع في كلام بعض الأساطين كالاعادة للمحذور الثاني.

و قد تقدم مع جوابه.

(2) قد أدرج في هذا المحذور أمور أربعة.

الأول- الالتزام بان تلف أحد المالين في يد أحدهما بأمر غير اختياري موجب لتملك الآخر ما بيده من المال.

الثاني- الالتزام بان تلف كلا المالين بتفريط من المتعاطيين موجب لضمان كل منهما ملك الآخر بالعوض المسمى، كما لو أخذ متاعا بدينار بالمعاطاة و تلف المتاع و الدينار في يدهما فيكون تلفهما موجبا لتملك كل منهما ما تلف في يده، مع ان مقتضى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 49

..........

______________________________

القاعدة يعني قاعدة اليد كون ضمان المتاع بقيمة

المثل لا بالقيمة المسماة، فإن اختلف القيمتان بان كانت قيمة المثل أقل فيرجع الى مالك المتاع بالتفاوت بينهما.

الثالث عدم إمكان الالتزام بحصول الملك أو عدم حصوله في صورة وقوع المال بيد الغاصب أو تلفه في يده فان القول باستحقاق المأخوذ منه المطالبة بالمال من الغاصب لانه تملكه بالغصب أو بالتلف في يد الغاصب غريب و القول بأنه لم يملك و لا يكون له استحقاق المطالبة، بل يكون الاستحقاق للمبيح بعيد جدا.

الرابع انه لا يمكن الالتزام بحصول الملك عند تلفه في يده قهرا كما لا يمكن الالتزام بعدم حصول ملكه فإنه ان كان حصول ملكه قبل تلفه فهو بلا وجه و ان كان حصوله مقارنا للتلف فهو بعيد لان المال في زمان تلفه غير قابل لحدوث ملكه و ان كان حصوله بعد تلفه فهو من ملك المعدوم، و ان لم يحصل الملك أصلا كان ملك الآخر بلا عوض و الالتزام بأن الآخر أيضا لا يملك المال الآخر الموجود في يده مخالف للسيرة و بناء المتعاطيين.

«أقول» كل ذلك و ما يذكره بعد ذلك ينتهى بما ذكرنا آنفا من أن المنشأ بالمعاطاة الملكية غاية الأمر بناء على القول بالإباحة جعل الشارع للملكية شرطا كجعل القبض في المجلس شرطا في بيع الصرف و الشرط المعتبر أحد الملزومات التي سيأتي ذكرها.

و من تلك الملزمات تلف المال قهرا أو تفريطا أو وقوعه في يد الغاصب الى غير ذلك فإنه لا وجه لرفع اليد عن حل البيع أو لزوم العقد الشامل للمعاطاة إلا في مورد اليقين، و هو مورد عدم حدوث شي ء من تلك الملزمات.

و أجاب المصنف ره عن هذا المحذور المتضمن للأمور الأربعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص:

50

..........

______________________________

بما حاصله.

ان مقتضى الإجماع عدم ضمان تلف المال قهرا أو تفريطا، بالمثل أو القيمة و على ذلك فالأمر يدور بين القول ببقاء المال المزبور على ملك مالكه الأول و لا ضمان فيه بان يخصص عموم حديث على اليد حيث ان مدلوله ثبوت الضمان في كل مورد يضع انسان يده على مال الغير بلا استيمان فيقال ان في مورد المعاطاة لا ضمان على من يتلف مال الغير في يده و بين إبقاء الحديث على عمومه و يقال بأن المأخوذ في المعاطاة يصير ملكا لمن يتلف في يده كما ان المال الآخر يصير ملكا للآخر و هذا مقتضى التحفظ على عموم الحديث مع ملاحظة الإجماع المزبور.

ثم ان في هذا الفرض أى فرض حصول الملك مقتضى أصالة عدم حدوث الملك قبل التلف حدوثه مقارنا له فيكون المقام نظير تلف المبيع في يد بايعه حيث ان مقتضى عدم ضمان المبيع بالمثل أو القيمة مع ملاحظة الرواية الواردة في ان تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه هو الالتزام بدخول المبيع قبل تلفه في ملك بايعه و مقتضى المعاوضة انتقال الثمن ايضا الى ملك المشترى و لذا يقال ضمان البائع قبل القبض، معناه انحلال البيع بالتلف قبل القبض.

أقول: يرد على المصنف أولا انه لا مجال للأخذ بحديث على اليد مع العلم بعدم شموله للمورد تخصيصا أو تخصصا كما قرر في الأصول لأن الضمان المستفاد منه لا يعم الضمان بالمسمى، فان ظاهره أداء نفس المال و لو بماليته و ثانيا أنه لو صح الأخذ بالإجماع في أمثال المقام، فالظاهر قيامه على ملك المال بالتلف فلا حاجة الى حديث على اليد أصلا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 51

و

الجاني عليه و المتلف له (1) و شمول الاذن له خفي (2) و منها قصر التملك على التصرف (3) أن لكل منهما المطالبة ما دام باقيا (4) يحتمل ان يحدث النماء في ملكه (5) و بالجملة فالخروج عن أصالة عدم الملك (6).

______________________________

(1) أي الجاني على المأخوذ بالمعاطاة و المتلف لذلك المأخوذ.

(2) يعنى شمول اذن مالك الأصل للتصرف في نمائه خفي.

(3) و حاصله ان القول بعدم حصول الملك في المعاطاة من الأول بل حدوثه عند التصرف يبتنى على ان اذن المالك فيه اذن في التمليك ايضا فيتعين الالتزام بان المتصرف يكون بتصرفه مملكا و متملكا المال الذي بيده و هذا معنى اتحاد الموجب و القابل و لو صح كون التصرف تمليكا و تملكا لجرى ذلك في قبض المال من مالكه، فيكون قبضه إيجابا و قبولا، بل قبضه اولى بما ذكر فإنه تصرف من مالكه بقصد الملك.

أقول قد تقدم ان التصرف شرط لحصول الملكية نظير القبض في الهبة، و لا يكون إيجابا و لا قبولا و جواز التصرف قبل حصول الملك من قبيل الإباحة الحكمية لا الإباحة بإذن المالك، و لا يجري شي ء من ذلك في قبض المال.

(4) يعنى لكل من المبيح و المأخوذ منه حق الرجوع الى الغاصب.

(5) يعني في ملك الأخذ بمجرد اباحة الأصل له.

(6) لا يخفى ان مقتضى الأصل العملي في المقام و ان كان الفساد و عدم حصول الملك بالمعاطاة كما مر سابقا الا ان الأصل العملي لا اعتبار به في مقابل إطلاق دليل حل البيع و الهبة و غيرهما فلا وجه لجعل العدول عن الأصل مشكلا و الشهرة في كلام القدماء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 52

بناء على

أصالة اللزوم في الملك (1)

______________________________

قد عرف وجهها، و الإجماع المنقول في كلام الغنية غير ثابت و يكفي في ذلك ملاحظة الوجه الثاني الذي ذكره لعدم اعتبار الاستدعاء و الإيجاب و المعاطاة، فإنه لو كان عدم حصول الملك في المعاطاة إجماعيا لذكر ان البيع مع حصول الإيجاب و القبول مجمع على صحته و حصول الملك به و مع عدمهما مجمع على فساده و عدم حصول الملك، مع انه ذكر ان البيع معهما مجمع على صحته و لا دليل على صحته بغيرهما.

اللهم الا ان يقال ان تعبيره بذلك لئلا يرجع الوجه الثاني إلى الوجه الأول.

(1) و حاصل كلامه انه بناء على حصول الملك في المعاطاة و دوران كونه ملكا جائزا أو لازما يحكم باللزوم و يقتضيه وجوه: الأول- استصحاب الملك الحاصل بالمعاطاة و عدم زواله برجوع أحد المتعاطيين بلا رضا صاحبه و ربما يورد على هذا الاستصحاب بكونه من قبيل استصحاب الكلي فإنه بعد رجوع أحد المتعاطيين يعلم بعدم الملك الجائز و الملك اللازم حدوثه من الأول مشكوك.

و أجاب ره عن ذلك بان استصحاب الملك في المقام على تقدير كونه من قبيل استصحاب الكلى فهو من القسم الثاني منه الذي يتردده فيه الكلى الحادث بين كونه في ضمن فرده الطويل أو القصير، و في مثله لا بأس باستصحاب الكلى لترتيب آثار بقائه.

هذا أولا و ثانيا فلان الاستصحاب في المقام من قبيل استصحاب الشخص لا الكلى، و المستصحب شخص الملك المحتمل بقائه بعد رجوع أحد المتعاطيين، و ذلك فان اللزوم أو الجواز من الحكم للملك الحادث، كسائر الأحكام المترتبة عليه، و يختلف الحكم باعتبار اختلاف أسباب حصوله من كونه بالهبة أو الصلح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 2، ص: 53

..........

______________________________

أو البيع بالإيجاب و القبول لفظا أو بالمعاطاة و غيرها، و يشهد لكونهما من الحكم لا من الفصل المميز لأحد النوعين عن الآخر، عدم الفرق في المنشأ في الهبة اللازمة أو الجائزة و ايضا لو كان كل منهما فصلا مميزا فان كانا بفعل المتعاقدين و إنشائهما، فاللازم كونهما تابعين لقصدهما، و ان كانا بجعل الشارع نوع الملك الذي أمر إنشائي بلا قصد العاقد، فهذا فرض لتخلف العقد عن القصد، و الكلام الجاري في دوران الأمر بين كون الملك هو اللازم أو الجائز لا يختصص بالمعاطاة حتى يعتذر عن تخلفها عن القصد بما تقدم سابقا من عدم لزوم تحقق المعاملات الفعلية على طبق قصد المتعاطيين.

و ذكر ايضا انه يكفى في جريان الاستصحاب الشك في ان اللزوم من خصوصيات الملك أو من لوازم السبب المملك.

أقول لا وجه لهذا الكلام أصلا فإنه بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثاني كما هو الحق، فالاستصحاب في بقاء الملك صحيح حتى مع الجزم بان اللزوم من خصوصيات الملك. و بناء على عدم جريانه فيه و كون القسم الثاني كالثالث منه في عدم الجريان، فالشك في ان اللزوم من خصوصيات الملك يوجب عدم جريان الاستصحاب، و ذلك فان المقام يكون من قبيل الأخذ بالعام في شبهة المصداقية، لا من قبيل الأخذ به في الشك في مصداق المخصص ليقال باعتبار العام معه، كما عن بعض.

و ان شئت قلت عدم جريان الاستصحاب في ناحية الكلي في القسمين ليس لورود المخصص العقلي أو النقلي على عموم خطاب الاستصحاب، بل باعتبار عدم تحقق نقض اليقين بالشك فيهما، و قد ذكر في محله ان خطاب العام كسائر الخطابات لا يتكفل لإثبات موضوعه و حصوله

في الخارج، بل مدلوله الحكم للموضوع على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 54

فلا إشكال في أصالة اللزوم (1)

______________________________

تقدير حصوله، و مع دوران أمر الملك بين اللزوم و الجواز و الشك في كونهما من خصوصيات الملك أو من أحكام السبب المملك لا يحرز موضوع اعتباره و كون رفع اليد عن الملك بعد رجوع أحد المتعاطيين من نقض اليقين بالشك.

اللهم الا ان يقال الوجه في عدم جريان الاستصحاب في ناحية الكلي في القسم الثاني ليس ان الكلى لا حصول له بنفسه، و ان الحاصل هو الفرد، و بما ان الفرد مردد بين القصير و الطويل، و بالإضافة إلى القصير لا يحتمل البقاء، و بالإضافة إلى الطويل لا علم بالحدوث، فيختل أركان الاستصحاب و مع احتمال كون الملك اللازم و الجائز من هذا القبيل يكون التمسك بخطاب الاستصحاب من الأخذ به في شبهته المصداقية بل الوجه في عدم جريانه حكومة استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل عليه، لان الشك في بقاء الكلى مسبب عن احتمال حدوثه، و إذا أحرز عدم حدوثه فلا مجال لاحتمال بقاء الكلي ليجري فيه الاستصحاب، و فيما إذا لم يحرز كون استصحاب الملك بعد رجوع أحد المتعاطيين من قبيل الشخص أو الكلي فيجري الاستصحاب في ناحيته لعدم إحراز الأصل الحاكم عليه، و هذا معنى كفاية الشك.

و مما ذكرنا يظهر الحال في استصحاب علقة المالك الأول. و وجه الظهور ان جواز الرجوع على تقديره لا تكون علقة في المال، بل هو حكم حادث، و العلقة الحاصلة سابقا للمالك الأول و هي الملك قد زالت جزما، بل لو كان جواز الرجوع من قبيل العلقة في المال فهو مسبوق بالنفي، لا بالثبوت و احتمال

حدوثه بعد ارتفاع الملك يدخل المقام في القسم الثالث من استصحاب الكلى، و قد ذكر في محله عدم اعتباره فيه.

(1) لا فرق في جريان استصحاب الملك عند الشك في لزومه و جوازه بين كون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 55

..........

______________________________

الشبهة حكمية كما في المعاطاة أو موضوعية كما إذا تردد ما في الخارج من العقد بين كونها هبة أو صلحا بلا عوض، فان الملك في الأول جائز و في الثاني لازم، و مقتضى بقاء الملك بعد الرجوع، لزومه.

و احتمل المصنف (ره) التحالف عند التداعي، و لكن لم يظهر له وجه صحيح، فإن الأثر الخاص في المقام و هو جواز الرجوع مترتب على الهبة و مقتضى الأصل عدمها و اما عدم جواز الرجوع فلا يحتاج إلى إثبات وقوع الصلح، بل هو مقتضى ثبوت الملك و لو بالاستصحاب فالمورد من موارد الدعوى و الإنكار لا من موارد التداعي.

ثم لا يخفى ان استصحاب الملك في موارد الشبهة الحكمية من قبيل استصحاب الشخص لما عرفت من ان اللزوم و الجواز من أحكام الملك، فيستصحب بعد رجوع أحد المتعاطيين نفس ذلك الشخص، بخلاف استصحاب الملك في الشبهة الخارجية فإنه يكون من استصحاب الكلى لا محالة، فإن المنشأ في الهبة فرد من الملك و في الصلح فرد آخر نعم الفردان متحدان في الحقيقة كما تقدم.

و ايضا لا يكون. الشك في بقاء الملك بعد فسخ أحد المتعاطيين من الشك في المقتضى حتى بناء على كون الملك الجائز و الملك اللازم سنخين من الملك، و ذلك فان الشك في المقتضى على ما يظهر من كلمات الشيخ (ره) ما يكون انتفاء الحادث بمجرد انقضاء الزمان كانقضاء وجوب الصوم بانقضاء النهار لا

بحدوث زماني آخر، و بما ان الفسخ أمر زماني يكون ارتفاع الملك معه من الارتفاع بالرافع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 56

و يدل على اللزوم مضافا الى ما ذكر (1).

______________________________

(1) الوجه الثاني في لزوم الملك الحاصل بالمعاطاة العموم في رواية (الناس مسلطون على أموالهم) حيث ان مقتضى ذلك العموم ان يكون سلطنة المال المأخوذ بالمعاطاة لمن يملكه بها و لازم ذلك ان لا يكون لصاحبه سلطنة التصرف فيه بإرجاعه إلى ملكه برجوعه في المعاطاة.

و بهذا يظهر فساد التوهم بان التمسك بالحديث لبطلان فسخ الآخر من التمسك بالعام في شبهته المصداقية، حيث ان بعد فسخه لا يحرز كون المال ملكا لمن بيده حتى يثبت بسلطانه عليه و بجواز تصرفاته فيه بطلان فسخ الآخر و وجه الظهور ان التمسك بالحديث ليس باعتبار شموله للتصرفات المتعلقة بالمال و إثبات السلطنة عليه بعد فسخ الآخر ليقال انه لم يحرز بعد فسخه كونه مالا لمن بيده بل التمسك به باعتبار شمول الحديث للمال المأخوذ بالمعاطاة قبل فسخ الآخر و ان مقتضاه بطلان ذلك الفسخ، حيث ان مدلوله ان السلطنة على ذلك المال بالإضافة الى جميع التصرفات فيه و منها إبقائه على الملك أو الإخراج عنه بيد مالكه، فلا يمكن للغير إخراجه عن ملكه قهرا عليه، و هذا معنى بطلان الفسخ.

و لكن لم يرتض بهذا الظهور الإيرواني (ره) فذكران السلطنة على المال و ان يراد منها السلطنة على التصرفات فيه الا ان التصرفات تختص بالمتفرعة على كون الشي ء مالا له، و اما ان الشي ء ماله، أولا أو انه بفسخ الآخر يسقط عن كونه مالا له أم لا فلا يثبت بالحديث كما لا يثبت به عدم سقوط الخل مثلا

عن كونه مالا له بصيرورته خمرا، و ان كنت في ريب مما ذكرنا فلاحظ دليل ولاية الأب على الصغير فان له الولاية عليه متفرعا على صغره و ليس له الولاية على إبقائه صغيرا.

(أقول) السلطنة و ان كانت متفرعة على كون شي ء مالا لشخص الا ان التصرف في ذلك الشي ء بنحو يوجب خروجه عن ملكه فسلطانه ايضا بيد مالكه، فإن الإخراج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 57

و منه يظهر جواز التمسك بقوله لا يحل مال امرء الا عن طيب نفسه (1).

______________________________

عن الملك من التصرف المعهود المتعارف المتعلق بالمال، و هذه السلطنة لا تجتمع مع نفوذ فسخ الآخر و رجوعه في المعاطاة، حيث ان معنى نفوذه سلطنة الآخر على الإخراج، و قصور يد مالكه، و لا يقاس ذلك بولاية الأب على الصغير فإن إخراج الولد عن صغره ليس من فعل الأب.

و لكن مع ذلك لا نظر للحديث إلى إمضاء الإنشاءات و لا إلى أنواع التصرفات المفروض تعلقها بالمال كما ذكرنا تفصيل ذلك سابقا، بل مدلولها ان للمالك الولاية على التصرفات المشروعة، و انه غير محجور عليه بالإضافة إليها و من الظاهر ان الشك في المقام ليس في ولاية المالك على تلك التصرفات بل الشك في مشروعية فسخ غير المالك و رجوعه في المعاطاة.

و الحاصل ان مشروعية هذا الرجوع و عدمها خارجة عن مدلوله، بل ما نحن فيه نظير ما إذا شك في مشروعية تصرف ككون الاعراض موجبا لخروج الشي ء عن ملك الشخص حيث لا يصح التمسك بالحديث لإثبات صحته. هذا كله مع الإغماض عن ضعف السند و كونها مرسلة كما لا يخفى.

(1) كان وجه الاستدلال ان اضافة الحلية أو عدمها الى المال، كاضافتها

إلى سائر الأعيان مقتضاها حلية جميع التصرفات المتعارفة المتعلقة به سواء كانت اعتبارية أو حقيقية، غاية الأمر تكون الحلية أو عدمها بالإضافة إلى الاعتباريات ظاهرة في الوضع، و بالإضافة إلى التصرفات الحقيقية ظاهرة في التكليف، و على ذلك فلا يصح رجوع أحد المتعاطيين في المال المملوك لصاحبه بالمعاطاة إلا برضاه حيث ان الرجوع تملك و تصرف في مال الغير بلا رضاه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 58

و يمكن الاستدلال ايضا بقوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ (1).

______________________________

و مما ذكرنا يظهر ضعف ما عن السيد الخوئي (طال بقاه) من ان مدلول الحديث الحكم التكليفي فقط و لا يحتمل الحرمة التكليفية في فسخ الطرف الآخر حتى يتمسك به في إثباتها.

و وجه الضعف ما ذكرنا من ان الظاهر من اضافة عدم الحل الى المال الذي من قبيل الأعيان تعلقه بالتصرفات المتعارف تعلقها به سواء كانت حقيقية أو اعتبارية و مقتضى عدم الحل في الاعتباريات هو الوضع كما ظهر وجه فساد التوهم بان الاستدلال بالرواية على عدم نفوذ رجوع أحد المتعاطيين بلا رضا الآخر، من التمسك بالعام في شبهته المصداقية، بدعوى ان الحكم بعدم الحل في تصرفات الفاسخ في المال بعد رجوعه و ان لا يكون الا مع بطلان رجوعه الا انه لم يعلم ان المال بعد رجوعه ملك الآخر حتى لا يحل للفاسخ التصرف فيه.

(1) وجه الاستدلال أمران: الأول- الحصر المستفاد من الاستثناء المذكور بعد النهى بدعوى انه يستفاد من الآية ان الموجب لأكل مال الغير يعنى تملكه منحصر بالتجارة و التراضي، و ان التملك بغيرهما من التملك بالباطل، فلا يكون جائزا، و من الظاهر ان الرجوع في المعاطاة و تملك مال الآخر به ليس

بتجارة و لا عن تراض.

و الثاني- ان المراد بالأكل بالباطل في الجملة المستثنى منها هو التملك بالوجه الباطل عرفا و في بناء العقلاء، و ان التملك كذلك باطل في الشرع ايضا، كما هو مقتضى النهى، و لو كان متعلق النهى هو الأكل بالباطل شرعا كان الكلام لغوا، و الرجوع في المعاطاة في بناء العقلاء تملك لمال الغير بلا حق، فإن المعاطاة كما ذكرنا معاملة لازمة عندهم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 59

و التوهم المتقدم في السابق غير جار هنا (1).

______________________________

نعم لو فرض في مورد الاذن من الشارع في تملك مال الغير بلا رضاه كما في موارد الخيارات الشرعية يكون الدليل المتضمن للاذن المزبور حاكما على النهى المزبور، لا مخصصا حيث ان التملك المزبور لا يكون باطلا مع التعبد المزبور كما في سائر موارد الحكومة.

(أقول) الوجه الثاني من التمسك بالآية صحيح، و الوجه الأول غير صحيح و ذلك فان الاستثناء في الآية من قبيل الاستثناء المنقطع فلا يفيد حصرا، حيث ان التجارة عبارة عن البيع و الشراء بقصد تحصيل الربح كما هو حال التجار في الأسواق، و التجارة بهذا المعنى لا تكون داخلة في عنوان الأكل بالباطل حتى يعمها النهى لو لا ذكر الاستثناء.

و بالجملة الآية متضمنة لحكم التملك بالباطل و انه فاسد في الشرع و لحكم التملك بالتجارة و التراضي و انه جائز، و اما سائر المملكات التي لا تدخل في عنوان الأكل بالباطل بحسب بناء العقلاء كالهبة و الإجارة و الصلح و البيع و الشراء لا بقصد تحصيل الربح الى غير ذلك فليست للاية دلالة عليها، و على ذلك فعدم كون الرجوع من التجارة و لا من التراضي لا يوجب الحكم

بفساده.

(1) و وجه عدم الجريان انه كان التوهم مبنيا على ان إثبات عدم الحل لتصرفات الفاسخ في المال الذي بيد الآخر الملازم لبطلان فسخه من التمسك بالعام في شبهته المصداقية حيث لا يحرز ان تصرفاته فيه بعد فسخه تصرف في مال الغير حتى لا يحل و كذا الحال في سلطنة من أخذ المال بالمعاطاة فإنها و ان تلازم بطلان فسخ الآخر الا ان إثبات هذه السلطنة بعد فسخ الآخر بقوله صلّى اللّه عليه و آله الناس مسلطون على أموالهم من التمسك بالعام في شبهته المصداقية حيث لا يعلم بعد الفسخ انه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 60

و قد يستدل ايضا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء على ان المراد بالعقد مطلق العهد (1).

______________________________

ماله حتى يثبت له سلطنة التصرف فيه.

و الحاصل مبنى التوهم هو ان بطلان الفسخ مدلول التزامي للروايتين و متفرع على جواز التمسك بالعام في شبهته المصداقية و هذا بخلاف الآية فان المراد بالأكل فيها تملك المال فيكون متعلقة مال الغير لو لا التملك و هذا العنوان ينطبق على نفس الفسخ فيكون بطلانه داخلا في المدلول المطابقي لها كما لا يخفى.

(1) لو كان المراد هو العهد فعمومه للمعاطاة ظاهر الا ان استفادة اللزوم مبنى على كون المراد بالوفاء إتمام العهد و إبقاء العقد ليكون الأمر به ظاهرا في الإرشاد إلى لزومه كما هو ظاهر تعلق الطلب بالفعل الاعتباري فإنه كما يكون الأمر بإيجاد العقد ظاهرا في صحته كذلك يكون الأمر بإبقائه ظاهرا في لزومه.

و اما إذا كان المراد من الوفاء العمل على طبق العقد و العهد نظير الوفاء بالنذر و اليمين فالأمر به لا يكون ظاهرا إلا في الحكم التكليفي، حيث ان

الوفاء بالعقد نظير الوفاء بالنذر و اليمين فعل حقيقي و وجوبه لا يلازم لزوم الملك.

اللهم الا ان يقال بقاء وجوب العمل على العقد حتى بعد فسخ أحد المتعاقدين يلازم لزوم الملك، أو يقال بان الأمر بالعمل على طبق العقد بتسليم المثمن و الثمن و غير ذلك و ان يكون تكليفا الا ان الوفاء بالعقد يعم عدم نقصه بالفسخ، و الأمر بالإضافة إلى ترك نقضه إرشاد إلى فساده و قد تقدم إمكان كون الأمر بالإضافة الى بعض الأفعال تكليفيا و بالإضافة إلى الآخر وضعيا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 61

و كذلك المؤمنون عند شروطهم (1).

لا يقدح في الإجماع على طريق القدماء (2).

و يظهر ذلك من غير واحد من الاخبار (3) بقي الكلام في الخبر الذي تمسك به (4).

______________________________

(1) صدق الشرط و ظهوره فيما يعم الالتزام الابتدائي غير محرز كما ذكر ذلك المصنف ره أيضا في باب الشروط و عليه فلا يمكن التمسك به في المقام حتى مع عدم اعتبار الإنشاء اللفظي في صدقه.

(2) فان على طريقهم يكون اتفاق علماء العصر الواحد كافيا في إحراز قول الامام (ع) و لو بقاعدة اللطف بخلاف طريق المتأخرين، فإنه لا بد من كون الاتفاق بحيث يكون بينه و بين قوله عليه السّلام ملازمة عادية أو اتفاقية و لا يكون هذا مع الاختلاف في المسألة بنحو ما ذكر من ذهاب بعضهم إلى انها ليست بيعا و لا مفيدا للملك، و بعضهم إلى انها بيع مفيد لملك غير لازم.

(3) يعنى يظهر اعتبار الإنشاء باللفظ في لزوم البيع من غير واحد من الاخبار، و يأتي التعرض لها في كلامه (ره) بعد ذلك.

(4) و رواه في الوسائل عن الشيخ و الكليني

قدس سرهما و على كلا النقلين سنده ضعيف فإن الراوي عن الامام عليه السّلام و هو خالد بن الحجاج لم يوثق نعم اخوه يحيى بن الحجاج موثق و ما في نسخة الكافي ابن نجيح بدل ابن الحجاج اشتباه بقرينة محمد بن ابى عمير الراوي عن يحيى فلاحظ.

و لا يخفى ان في البين مسئلتين إحداهما بيع العين الخارجي مع عدم كونه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 62

..........

______________________________

عند البيع مالكا لها بان يبيع تلك العين من شخص ثم يشتريها من مالكها و يدفعها إلى المشترى، و هذه عند المشهور محكومة بالبطلان و يدل عليه مضافا الى انه مقتضى القاعدة روايات خاصة و منها عند المصنف ره و جماعة أخرى هذا الخبر.

و لا بأس في المسألة بالمقاولة مع المشترى في تلك العين ثم تملكها من مالكها ثم بيعها من ذلك المشتري.

الثانية ان يكون غرض الإنسان تحصيل المال بلا ابتلاء بمحذور الربا فيبيع شيئا كثوبه من شخص نقدا بمقدار ثم يشترى ذلك الثوب من المشترى المزبور في ذلك المجلس بالأزيد نسيئة، و في هذه الصورة يكون اشتراط بيع الثوب منه ثانيا في البيع الأول موجبا لفساده.

نعم لا بأس بمجرد المقاولة، و ظاهر الخبر و لا أقل من الاحتمال هي المسألة الثانية و انه لو لم يكن البيع الثاني شرطا في الأول بحيث يمكن للبائع شراء ذلك الثوب ثانيا و عدمه فلا بأس، و لعل هذا هو الموجب لذكر الشيخ ره الخبر في باب النقد و النسيئة و كيف كان فلا يضر ذلك بما نحن بصدده من حكاية الاستدلال بقوله عليه السّلام (انما يحلل الكلام و يحرم الكلام).

و قد ذكر المصنف ره في هذه الجملة مع

الإغماض عن سائر الرواية وجوها أربعة:

الأول- ان يراد بالكلام معناه اللغوي و هو اللفظ الدال على المعنى، و ان الحلال أو الحرام لا يكون الا باللفظ الدال، فلا يكون شي ء حلالا أو حراما بمجرد القصد أو مع الدلالة عليه بغير اللفظ كالفعل. و هذا الوجه على تقدير تمامه يكون موجبا لعدم الاعتبار بالمعاطاة أصلا، فإن الدال فيها على الملك فعل لا لفظ.

الثاني ان يراد بالكلام اللفظ مع مدلوله فان اللفظ باعتبار مدلوله كما يوصف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 63

..........

______________________________

بالصحة و البطلان كذلك يوصف بكونه محللا و محرما بان يكون الغرض الواحد تحصيله بكلام حلالا و بكلام آخر حراما مثلا حصول حق الاستمتاع من المرأة بكلام يكون مضمونة نكاحا انقطاعا حلال، و بكلام يكون مضمونة إجارة أو نحوها حرام و ان الحصة في المزارعة تعيينها بكلام يكون مضمونة تقسيم الثمرة على البقر و البذر حرام، و بكلام يكون مضمونه تقسيم الثمرة لصاحب الأرض و الزارع حلال و هكذا.

الثالث- ان يراد بالكلام العقد إيجابا و قبولا، و ان وجوده محلل و عدمه محرم أو بالعكس أو ان تحققه في محل محلل و حصوله في محل آخر محرم مثلا الإيجاب و القبول على المال قبل تملكه محرم، فإنه بيع ما ليس عندك و تحققه بعد تملك المال محلل.

الرابع ان يراد بالكلام المحلل المساومة و المقاولة من غير عقد و الكلام المحرم الإنشاء و العقد فيكون المقاولة على بيع ما ليس عنده محللا و العقد عليه محرما و الاستدلال بالخبر على المعاطاة مبنى على الوجه الأول الذي ضعفه المصنف (ره) بوجهين.

الأول لزوم تخصيص الأكثر، فإن المحللات و المحرمات في الشرع لا تنحصر باللفظ، بل

ندرة تحريم اللفظ و تحليله بالإضافة إلى سائر موجبات الحل و الحرمة لا تحتاج الى البيان.

أقول- هذا الأمر غير تام فان دعوى انصراف الخبر الى موجب الحل و الحرمة في المعاملات كما هو مورده قريبة لان المعاملات تكون باللفظ و بالكتابة و الإشارة و القصد المجرد و العقل، و المستفاد من الخبر عدم العبرة بسائر المحققات غير الكلام.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 64

كما يشعر به قوله عليه السّلام في رواية أخرى (1).

______________________________

الثاني ان المعنى في الوجه الأول لا يناسب مورد الرواية و لا الحكم فيها بنفي البأس. و أورد (ره) بذلك على الوجه الثاني و ذكر ان احتماله ايضا لا يناسب موردها فيتعين حمل الجملة الخبرية على أحد الوجهين الآخرين أى الثالث و الرابع و على ذلك فلا دلالة لها على مسألة المعاطاة.

ثم انه (قده) وجه دلالة الخبر على عدم الاعتبار بالمعاطاة باعتبار انه لو كانت المعاطاة كالإيجاب و القبول اللفظيين لما كان وجه لذكر خصوص الكلام بعد اداة الحصر، بل كان المناسب ان يقال انما يحرم إيجاب البيع كان بالكلام أو بغيره. و لكن ناقش ره في التوجيه بان ذكر الكلام باعتبار ان في مورد الرواية لا يمكن إيجاب البيع بالمعاطاة لأن المبيع كان عند مالكه الأول.

أقول المفروض في الخبر كون المبيع عند من طلب منه الشراء كما هو ظاهر الإشارة في قوله (اشتر هذا الثوب) و ثانيا ان إنشاء البيع بالمعاطاة لا يتوقف على الإعطاء من الجانبين كما يأتي، بل يكفى تحققه من طرف واحد، بان يكون مثلا إيجاب البيع بأخذ الثمن من المشترى و قبوله بإعطائه بقصد الشراء و لعله الى ذلك أشار (ره) بقوله فتأمل.

و الصحيح ان

ذكر الكلام باعتبار فرض المقاولة و المساومة في الرواية، و انها ربما تكون متضمنة لإنشاء البيع و الالتزام قبل تملك المتاع، و ربما لا تكون، لا لأن لإنشاء البيع بالكلام خصوصية لا تجري في المعاطاة.

(1) لا يخفى عدم الإشعار في الرواية أصلا فإن قوله عليه السّلام (و لا تواجبه.

البيع قبل ان تستوجبها أو لتشريها) يعم مواجبة البيع بالمعاطاة كما مر ثم ان ظاهر هذه الرواية التي لا بأس بسندها تحقق البيع بالاستيجاب و الإيجاب و القبول، حيث ان ذلك مقتضى عطف الاشتراء على الاستيجاب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 65

[ينبغي التنبيه على أمور]
[الأول الظاهر ان المعاطاة قبل اللزوم على القول بإفادتها الملك بيع]

الأول الظاهر ان المعاطاة (1)

______________________________

و مما ذكرنا يظهر الحال في صحيحة العلاء فان قوله عليه السّلام فيها (فإذا جمع البيع جملة واحدة) يعم جمع البيع بالمعاطاة.

لا يقال: إنشاء البيع بنحو المرابحة بأن يقول اشتريت هذا بألف و أبيعك في كل عشرة بدوازده و قبول المشترى البيع كذلك مكروه و لكن لا بأس بنسبة الربح الى رأس المال في المقاولة و إنشاء البيع على نحو المساومة كما هو ظاهر الرواية و من الظاهر ان جعل الثمن مقدارا معينا في البيع مع نسبة الربح الى رأس المال في المقاولة لا يكون الا مع إنشاء البيع بالإيجاب و القبول لفظا، و الا كان البناء على المقدار المعين أيضا في المراوضة، لا في إنشاء البيع.

فإنه يقال يمكن المعاطاة في الفرض، كما إذا قال بعد المقاولة و بيان نسبة الربح إلى أصل المال و عند إنشائه بالمعاطاة الثمن ألفان، هذا مع انه يكفى في المعاطاة الإيجاب لفظا و القبول فعلا. و الحاصل ان هذه الرواية نظير صحيحة عبد اللّه بن سنان لا اشعار فيها على اعتبار اللفظ

أصلا، حيث ان الشراء أيضا في الصحيحة يعم المعاطاة كما لا يخفى.

(1) هذا الأمر بيان لاعتبار شرائط البيع في المعاطاة و عدمه أقول قد ظهر مما قدمنا انه مع قصد المتعاطيين الإباحة يجوز للآخر خصوص التصرف الذي لا يكون موقوفا على الملك، بأن يكفي فيه طيب نفس المالك كما هو الحال في الإباحة المالكية في غير المقام، و بناء على قصد الملك لا فرق بين المعاطاة و سائر البيوع من حيث الحكم حتى في اللزوم، و جريان الخيارات، و غير ذلك من الأحكام حيث ان المعاطاة بيع حقيقة، فيترتب عليها ما يترتب على سائر البيوع، و التطويل في المقام بلا طائل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 66

و الأقوى اعتبارها و ان قلنا بالإباحة (1) بالنسبة إلى الرد دون الأرش (2)

[الأمر الثاني: أن المتيقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطي فعلا من الطرفين]

و ربما يدعى انعقاد المعاطاة بمجرد إيصال الثمن و أخذ المثمن (3)

______________________________

(1) و ذلك فإن الإباحة على تقديرها اباحة حكمية، لا مالكية حيث ان المفروض إعطاء كل من المالكين المال بقصد الملك، و بعنوان المعاوضة، و حكم الشارع بالإباحة مع عدم حصول الملك تعبد يقتصر بمورده، و هي صورة اشتمال المعاملة على جميع شرائط البيع غير إنشائه باللفظ.

(2) فان خيار العيب بالإضافة إلى رد العقد لا يختص بالبيع، بخلاف جواز أخذ الأرش، فإنه لا يجري في غير البيع، و التفرقة بينهما بالاختصاص و عدمه باعتبار دليلهما، فإن الأرش تعبد في البيع، بخلاف فسخ العقد بالعيب، فإنه مقتضى اشتراط السلامة، و قاعدة نفى الضرر، فيثبت الفسخ في جميع مواردهما.

(3) لا يخفى ان مختاره (ره) في المعاطاة هو الملك غير اللازم و مختارنا الملك اللازم و مجرد وصول المالين الى المالكين برضاهما لا يكون

إنشاء ملك، لا قولا و لا فعلا ليكون الحاصل به ملك لازم أو غير لازم.

نعم إذا كان في البين توكيل من طرف، في إنشاء الآخر، الملك عنه و لو كان ذلك بنحو التوكيل العام، كفى في تحقق المعاطاة، مثلا مالك الخضروات يوكل من يضع فلسا في دخله الموضوع هناك، في تمليك الباقة بإزاء الفلس المزبور، فيكون أخذه الباقة بقصد كونها ملكا له تمليكا، و وضع الفلس تملكا، و على ذلك فيجوز لمن أخذ الباقة ان يبيعه من غيره فيما إذا بدا له ذلك، فإنها ملكه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 67

..........

______________________________

و يمكن فرض هذا النحو من التوكيل في أخذ الماء، و وضع الفلوس في دخل السقاء و دعوى ان البيع على ذلك يكون غرريا باطلا لان من يأخذ الماء لدفع عطشه قد يأخذ قليلا من الماء لعدم حاجته الى الماء الكثير، و قد يأخذ الكثير لشدة عطشه، و هكذا فلا يكون المبيع معلوما لا يمكن المساعدة عليها أولا فإنه يمكن ان يكون توكيلا عاما بالإضافة إلى المقدار المعين من الكثرة، غاية الأمر يكون بعض الناس لقلة حاجته تاركا لبعض ما يملكه الى السقاء.

و ثانيا المقدار الذي يأخذه المتملك المفروض وكالته، معلوم له و المفروض ان التوكيل العام يعمه، و لا دليل على اعتبار معلوميته مقدار المبيع للموكل ايضا و دليل نفى الغرر لا يجري في التوكيل، فإنه مختص بالبيع.

و بعبارة أخرى كون المبيع معلوما و معينا للوكيل كاف في صحة البيع، و هذا حاصل في مسألة أخذ الماء و وضع الفلوس في دخل السقاء مع غيبته.

و يمكن نظير ذلك في مسألة دخول الحمام و وضع الفلوس في دخل الحمامي مع غيابه، فان

وضع الفلوس لا يكون من شراء الماء أو إجارته، فإن الماء باعتبار تلف عينه بالاستعمال غير قابل للإجارة، و شراء ماء الحمام خلاف المرتكز مع ان الجهل بالمقدار المصروف منه حتى لمستعمله، يوجب كون بيعه غرريا، بل الظاهر ان الاغتسال في الحمام يكون كالنوم في الفنادق أو الخانات في ارتكاز العقلاء، و انه من اجارة الحمام بتملك منفعته الخاصة، و جهالة مقدار مكثه في الحمام للاغتسال، لا يوجب بطلان الإجارة فإنه مضافا الى إمكان تعيينه في ناحية الكثرة، نظير تعيين الماء في مسألة أخذه مع غيبة السقاء، ان تعيين الاغتسال بالنحو المتعارف كاف في صحة الإجارة، و لا يحتاج الى التعيين بالزمان، كما في إجارة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 68

و اما على القول بالإباحة فالإشكال المتقدم هنا آكد (1)

[الأمر الثالث: تمييز البائع من المشترى في المعاطاة الفعلية]

تمييز البائع من المشترى في المعاطاة (2)

______________________________

المركب للمسافرة إلى بلد معين، فإنه لا يجب تعيين الزمان الذي يتم فيه الوصول الى المقصد، و لا يضر جهالته في صحة الإجارة، مع كون متعلقها هو السفر بالنحو المتعارف.

(1) و الوجه فيه ان ما قيل في إثبات الإباحة المزبورة من جريان السيرة على تصرف المتعاطيين غير جار في المقاولة الخالية من الإعطاء و الإيصال و الفاقدة لما يعتبر في صحة البيع من الإنشاء بنحو خاص على الفرض.

(2) ذكر (ره) في المقام ثلاث صور.

الاولى- ما إذا كان أحد المالين من النقود المتعارف جعلها ثمنا كالدرهم و الدينار و الآخر متاعا و اعطى كل منهما ماله عوضا عن مال الطرف الآخر فيكون معطي الدرهم مشتريا و معطي المتاع بايعا و لو فرض في هذه الصورة إعطاء مالك الدرهم أو الدينار بقصد التمليك بإزاء متاع صاحبه و

كان قصد مالك المتاع تملك الدرهم و الدينار بإزاء المتاع، بان يكون قصد تمليك الدرهم و الدينار من مالكهما أصليا، و قصد تملك المتاع تبعيا عكس قصد مالك المتاع فيكون صاحب المتاع مشتريا و معطي الدرهم و الدينار بايعا.

و بهذا يظهر دخل القصد في ذلك، و لا يعتبر خصوص التصريح كما هو ظاهر المصنف (ره).

الصورة الثانية ان يكون كل من المالين متاعا و لكن كان أخذ أحد المتاعين بدلا من النقود و أخذ المال الآخر بما هو كما في بيع القماش في بعض القرى للفلاحين، فان الفلاح قد يعطى بدل الدرهم أو الدينار الحنطة للبائع، و يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 69

..........

______________________________

أخذ بايع القماش الحنطة باعتبار ان الفلاح لا يجد النقد، بخلاف أخذ الفلاح القماش، فان غرضه تملك القماش بعنوانه و على ذلك يكون معطي القماش بايعا و معطي الحنطة مشتريا، و الموجب لذلك هو بناء العقلاء و نظرهم.

و ليس المراد ان الواقع عوضا في تمليك القماش هو الدرهم أو الدينار ليكون أخذ الحنطة عوضا عنهما، و مبادلة أخرى بينها و بين الدرهم أو الدينار، و يكون بايع القماش بايعا بالإضافة إلى تمليك القماش، و مشتريا بالإضافة إلى تملك الحنطة، بل المراد كون مالك القماش بايعا باعتبار انه لا غرض له في الحنطة، بل يكون أخذها باعتبار الإمساك على مالية القماش، و لذا لو اعطى الفلاح الدرهم أو الدينار، لأخذه بإزاء القماش، بخلاف الفلاح، فان غرضه يتعلق بخصوص القماش لدفع اضطراره.

أقول يأتي تمام الكلام في ذلك.

الصورة الثالثة ما إذا كان إعطاء كل من المالين بإزاء الآخر بما هو أو إعطاء كل منهما بدلا عن الدرهم أو الدينار كما إذا احتاج

مالك القماش إلى الحنطة و مالك الحنطة إلى القماش أو اعطى كل منهما متاعه مقوما له بالدرهم أو الدينار، كما إذا اعطى عشرة امتار من القماش بإزاء عشر كيلوات من الحنطة باعتبار ان كل متر من القماش يساوى الكيلو من الحنطة في القيمة و ذكر (ره) في هذه الصورة وجوها أربعة.

الأول كون كل من مالك القماش و مالك الحنطة بائعا و مشتريا باعتبارين، فإنه يصدق تعريف البائع و المشترى على كل منهما حيث ان كلا منهما يترك ماله للآخر بإزاء مال الآخر، و هذا معنى الشراء كما ان كلا منهما يبادل ماله بمال الآخر،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 70

..........

______________________________

كما هو معنى البيع.

الوجه الثاني ان الدافع أولا المال بقصد كونه ملكا للآخر بالعوض بايع و أخذ ذلك الآخر اشتراء، فالدفع ثانيا وفاء لما تم من المعاملة بالدفع السابق.

الوجه الثالث ان يكون إعطاء المالين كما ذكر من المصالحة على مبادلة المالين، كما في قول أحد الشريكين للآخر لك ما عندك من مالي و لي ما عندي من مالك.

الوجه الرابع- ان يكون اعطائهما مبادلة مستقلة و يعمها مثل قوله سبحانه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

و لكن الوجه الأول غير صحيح، فإنه ليس في معاوضة القماش بالحنطة مثلا حتى فيما لوحظ كل منهما كونه بدلا عن الدرهم و الدينار مبادلتان كما مر ليكون مالك القماش في إحديهما بائعا و في الأخرى مشتريا و تعريف البائع و المشترى بما ذكر الموجب لانطباق كلا العنوانين على كل من المالكين في مبادلة واحدة غير صحيح فإنه ليس تمام الملاك في البيع و الشراء ما ورد في التعريف المزبور و إلا لزم صدق عنواني البائع و المشترى على

كل من طرفي المعاملة في كل بيع كما لا يخفى.

و الوجه الثاني صحيح فيما إذا كان الإعطاء من الدافع بقصد التمليك و أخذ الطرف الآخر بقصد التملك، فيكون إعطاء المال الآخر بعنوان الوفاء بالمعاملة الحاصلة من قبل. و لو كان الإعطاء من الدافع أولا بقصد التملك فينعكس الأمر، و يكون الدافع المزبور مشتريا، و آخذ المال بايعا.

و الوجه الثالث- غير صحيح. فإنه قد مر في المناقشة على تعريف البيع ان الصلح ليس هو التسالم و التراضي الباطني، لأن هذا التسالم موجود في كل معاملة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 71

..........

______________________________

بل عبارة عن التسالم الإنشائي، فيكون المنشأ فيه هو التسالم، و من الظاهر ان المنشأ في الإعطاء و الأخذ في المقام، هو الملك، لا التسالم.

و بهذا يظهر الحال في قول أحد الشريكين للآخر لك ما عندك من مالي ولي ما عندي من مالك.

و اما الوجه الرابع فلا مناص عنه في الموارد التي لا يكون من أحدهما تمليك بالأصالة، و من الآخر تملك كذلك، كما إذا كان من قصد كل منهما تمليك ماله بإزاء مال الآخر.

و ذكر الإيرواني (ره) في المائز بين البائع و المشترى ان التتبع يقضى بان بان المعيار في الاشتراء النظر إلى خصوصية المال الذي يأخذه من الطرف الآخر و ان المعيار في البيع عدم النظر إلى خصوصية المال الذي يأخذه من الطرف الآخر فيكون غرض البائع من أخذ الثمن التحفظ على مالية المبيع و الإمساك بها، كما ان غرض المشترى هو تمكنه من خصوصية المال الآخر و الأخذ بها، نظير ما تقدم في الصورة الثانية، و عليه فان تحقق هذا الميزان، فيمتاز به البائع عن المشترى، فيدخل المعاطاة في

البيع، و الا فهي معاوضة مستقلة، محكومة بالصحة، لعموم قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و لا يجرى عليها الأحكام المترتبة على خصوص البيع و الشراء.

و فيه ان قضاء التتبع ليس كما ذكر، فإنه إذا كان عليه دنانير و باع الحنطة بالدينار لسد دينه يكون في الفرض غرض المشتري الحنطة المبيعة لكن لا بخصوصيتها بل بما هي حنطة، و كذلك للبائع نظر في الثمن المفروض كونها دنانير بما هي دنانير و صدق البيع في الفرض على تمليك الحنطة بالدنانير، و صدق الشراء على تملكها بها لا يحتاج الى التوضيح.

و نظير ذلك ما إذا كان عنده دنانير مسكوكة و عند الآخر أيضا دنانير مسكوكة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 72

..........

______________________________

بقدرها و أرادا فرارا عن تعلق الزكاة بمالهما بيع الصرف قبل تمام الحول، فإنه لا إشكال في صدق البائع على من ينشأ التمليك، و المشترى على من ينشأ التملك من انه لا نظر لكل منهما إلى خصوصية مال الآخر أصلا.

و قد يقال فيما إذا اعطى كل من المالكين متاعه بقصد تمليكه للآخر بعوض من غير ان يكون قصد الآخر بالأخذ أو بالإعطاء تملكه بعوض ان المعاطاة بيع يترتب عليها الأحكام المترتبة في الأدلة على عنوان البيع و لكن لا يكون أحد المتعاطيين بايعا و الآخر مشتريا، فلا يجرى عليهما ما جرى في الخطابات على عنواني البائع و المشترى، و ذلك فان البيع له اطلاقان فقد يطلق و يراد منه مقابل الشراء، و قد يقال و يراد منه مقابل سائر المعاملات، و ما يراد منه في الإطلاق الثاني هو المعنى المسببي و حقيقته المبادلة بين المالين، و هذا المعنى المسببي يحصل بالإيجاب و القبول، و يحصل

بإيجابين كما إذا قال كل من المالكين ملكتك مالي بمالك، و قد يحصل بالإيجاب الواحد، كما إذا قال الوكيل من المالكين بادلت مالهما، فإنه لا يحتاج في الفرض البيع المسببي إلى القبول أصلا فإن القبول لإظهار الرضا بفعل الموجب و مع معلومية الرضا به لا حاجة اليه.

و الحاصل فيما إذا حصل في البين الإيجاب و القبول يكون أحدهما بائعا و الآخر مشتريا، و فيما إذا كانت المبادلة بإيجابين قولا أو فعلا أو بإيجاب واحد كما ذكر فيحصل البيع بالمعنى المسببي من غير ان يكون في البين بايع و مشتر.

أقول- لا يمكن المساعدة على ما ذكر اما أولا فلان لازم ما ذكر عدم الحاجة الى القبول فيما إذا علم من حال المالك الآخر أنه راض بالإيجاب كما إذا ملكه متاعه الفاخر بثمن قليل جدا لغرض عقلائي، فإنه إذا قال بادلت هذا المتاع بذلك يتم البيع المسببي، و لا يحتاج الى القبول، باعتبار ان القبول لإظهار الرضا بالإيجاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 73

..........

______________________________

و رضا الآخر بالإيجاب معلوم بشاهد الحال على الفرض، بل قد لا يحتاج البيع المسببي إلى الإيجاب أيضا كما إذا طاب نفس الوكيل من المالكين بملكية كل منهما مال الآخر بإزاء ماله تم البيع بلا حاجة الى الإنشاء قولا أو فعلا، لأن الإيجاب لإظهار الرضا بملكية الآخر لماله بالعوض.

و ثانيا انه قد تقدم ان البيع كالشراء و كسائر المعاملات من العناوين التي يكون الإنشاء أي الإبراز مقوما له و إذا اعتبر متاعه ملكا للآخر بعوض و ابرز الاعتبار يكون الإبراز بيعا و الحاجة الى الإبراز لا للكشف عن رضاه بالملكية فقط، ليستغني عنه في مورد العلم به مع الخارج، بل

له موضوعيته في حصول عنوان البيع، و كذا الحال في ناحية الشراء و القبول حيث ان اعتبار تملكه مال الآخر بإزاء ماله مع إبرازه، يكون شراء و قبولا للإيجاب، و لا أظن خفاء ذلك على من لاحظ الأمور الإنشائية عقدا كان أو إيقاعا.

ثم انه يقع الكلام في المراد من البيع المسببي فإنه ان أريد به المعنى الاسم المصدري في مقابل المصدري فمن الظاهر انه لا فرق بين المعنى الاسم المصدري و المعنى المصدري إلا بالاعتبار حيث ان المبدء ملاحظته من حيث حصوله من الفاعل معنى حدثي يعبر عنه بالمصدر و ملاحظته من حيث هو هو معنى اسم مصدري و عليه فكيف يعقل ان يحصل البيع المسببي و لا يكون في البين معنى مصدري يعبر عن فاعله بالبائع، و بما ان فعل الآخر يعني تملك المشترى دخيل في حصول العنوان المصدري كما ذكرنا سابقا فيعبر عن ذلك الآخر بالمشتري، و عن فعله بالاشتراء.

هذا مع ان المبادلة ليست باسم مصدر، بل مصدر من باب المفاعلة، و كيف يكون مرادفا للبيع بالمعنى الاسم المصدري مع أنه لا يتحقق عنوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 74

[الرابع: ان أصل المعاطاة و هو إعطاء كل منهما الآخر ماله]

ان أصل المعاطاة (1)

______________________________

المبادلة في جميع موارد حصول البيع كما ذكرنا ذلك عند التعرض لتعريف البيع، و ان أريد بالمعنى المسببي اعتبار العقلاء بمعنى ان المالك إذا اعتبر ملكية ماله للآخر بالعوض و أبرزه فتارة يعتبر العقلاء الملكية المعتبرة مع إبرازها امرا حاصلا و أخرى لا يعتبرونها.

و قد ذكرنا سابقا ان البيع بهذا المعنى بالإضافة إلى إنشائه من الإيجاب و الوجوب لا الكسر و الانكسار فمن الظاهر ان موضوع اعتبار العقلاء و هو البيع الذي يكون بإنشاء البائع و

قبول المشترى على ما تقدم من كون قبوله شرطا في صدق عنوان البيع على فعل البائع.

و الحاصل انه إذا كان في البين إنشاء المعاوضة من الطرفين بالأصالة فالعقلاء و ان يعتبرونها مبادلة و هي محكومة شرعا بالصحة كما هو مقتضى عموم قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ الا انها ليست بيعا حتى يكون كل منهما بايعا من غير ان يكون في البين.

اشتراء، أو ان يحصل البيع من غير ان يكون أحد المالكين بائعا أو مشتريا.

(1) ذكر في هذا الأمر أربع صور للمعاطاة يكون تقسيمها إليها باعتبار قصد المتعاطيين الاولى- ما إذا قصد كل من المتعاطيين بإعطائه تمليك ماله للطرف بالعوض و بأخذه المال من الطرف تملك مال الغير بالعوض، و إذا كان إعطاء المالين و أخذهما تدريجيا يتحقق البيع بإعطاء أحد المالين و أخذه، و يكون إعطاء المال الآخر و أخذه بعد ذلك وفاء للبيع الحاصل من قبل حتى فيما إذا قصد بإعطائه التمليك بالعوض كما هو الفرض، و اما إذا كان الإعطاء و الأخذ من الطرفين دفعة واحدة فيمكن ان يكونا معاوضة قد حصلت بتمليكين منشأين بإعطائين كما ذكرنا في التعليقة المتقدمة أو بيعان و شرائان قد حصلا دفعة واحدة باعتبار عدم تنافيهما فيترتب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 75

..........

______________________________

على كل من المتعاطيين ما نرتب في الخطابات على عنواني البائع و المشترى كما لا يخفى.

ثم انه كما يمكن تحقق القبول و التملك بأخذ المال من الطرف، كذلك يمكن حصول ذلك بدفع المال الآخر، بأن يكون أخذ المال المدفوع أولا بعنوان كونه ملك الدافع و لان يحصل له الجزم بإيجابه، و لو مات في هذا الفرض قبل دفع المال الآخر يكون موته بين

الإيجاب و القبول بخلاف ما كان أخذه المال المدفوع أولا بعنوان القبول، فإنه موت بعد تمام المعاملة، و كان على المصنف (ره) التعرض لذلك.

و كيف كان فقد ظهر حصول البيع بدفع أحد المالين و أخذه و إطلاق المعاطاة على هذا النحو من البيع باعتبار إنشائه بالإعطاء دون اللفظ لا باعتبار تحقق الإعطاء من الطرفين نظير إطلاق المواجرة و المصالحة و المزارعة و المساقاة و غيرها، مع ان الإيجار و هو تمليك المنفعة بالعوض أو إنشاء الصلح أو إعطاء الأرض للزرع أو البستان للسقي يكون من أحد الطرفين، و على ذلك فيمكن تحقق المعاطاة في المعاملات التي يكون الإعطاء فيها من طرف واحد كما في الهبة و القرض و الرهن و نحوها.

و الحاصل ان المعاطاة في هذه الصورة بكلا فرضيها داخلة في إطلاقات حل البيع و نفوذه و ربما يقال بحصول المعاطاة بالفعل من دون إعطاء كما في أخذ البقل أو الماء مع غيبة البقال و السقاء و وضع الفلوس في دخلهما و قد تقدم الكلام على الكبرى و الصغرى في الأمر الثاني فلا نعيد.

الصورة الثانية ما إذا كان التمليك بإزاء التمليك بان يكون المقابلة و المعاوضة بين الفعلين اى التمليكين لا المالين كما في الصورة السابقة، و ذكر ره ان في هذه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 76

..........

______________________________

الصورة لو مات أحد الطرفين قبل تمليك ماله تتم المعاملة، و ان هذه المعاملة ليست بيعا، بل شبيهة بالهبة المعوضة، و الظاهر ان وجه شباهتها انه كما لا يكون في الهبة المعوضة المعاوضة بين المالين، كذلك في الفرض، و بما ان عدم التعويض في الهبة لا يوجب عدم تمامية الهبة بخلاف المقام، فيفترق المقام

عن الهبة المزبورة فتكون شبيهة بها، لا عينها.

نعم إذا كان تمليك أحد الطرفين المال الآخر بعد ذلك داعيا الى تمليك ماله فعلا مجانا فيتم الملك من أحد الطرفين و لو بدون تمليك الآخر.

أقول- كما يمكن ان يكون تمليك الطرف الآخر داعيا له الى التمليك فعلا كذلك يمكن كونه شرطا في التمليك فعلا فيكون من الهبة المشروطة، كما ان الفرض الأول من الهبة مجانا كما لا يخفى.

و اما المعاوضة و المقابلة بين التمليكين فتارة يجعل العوض التمليك الشخصي الخارجي و أخرى يجعل العوض تمليك المال الآخر بنحو ثبوت العمل على الذمة كموارد الإجارة و غيرها بان يكون الدافع ماله أولا، مالكا للعمل على ذمة الآخر، و ذلك العمل تمليك الآخر ماله، و هذا يوجب تمامية الملك من أحد الطرفين حتى مع موت الآخر قبل إفراغ ذمته، بخلاف جعل العوض التمليك الشخصي.

هذا مع انه لا معنى معقول لمعاوضة التمليكين، فإن المعاوضة بين الأمرين تكون في الملكية و نحوها و التمليكان لا يقبلان عرفا الملكية حتى يتعاوضا و الحاصل ان التمليك في هذه الصورة اما من الهبة المجانية كما إذا كان التمليك الآخر داعيا أو من المشروطة كما إذا كان شرطا في التمليك الأول، و لا تكون من المصالحة، لما تقدم من ان المنشأ في موارد الصلح لا بد من ان يكون هو التسالم على شي ء لا التمليك كما هو الفرض في هذه الصورة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 77

فكيف كان فالإشكال في حكم القسمين الأخيرين (1).

______________________________

(1) ينبغي الكلام في أمرين: الأول- نفوذ اذن المالك للغير في التصرف في ماله مطلقا و لو كان التصرف موقوفا على الملك بلا فرق بين كون إنشاء الرضا بالتصرف

بالفعل أو القول.

و الثاني- هل يجوز أخذ العوض على اذنه و لو كان أخذه على الاذن بالإضافة إلى التصرفات غير الموقوفة على الملك.

اما الأول- فلا ينبغي الإشكال في عدم نفوذ اذنه بالإضافة إلى التصرف الموقوف على الملك، فان اذن المالك لا يكون مشرعا كما تقدم بيان ذلك في البحث في رواية السلطنة.

و الحاصل ان اى تصرف في مال الغير يكون عدم جوازه وضعا أو تكليفا لأجل عدم طيب نفس مالكه و عدم اذنه فيجوز ذلك التصرف باذن المالك و رضاه، و اما كل تصرف كان عدم جوازه لأجل عدم كون المتصرف مالكا فاذن المالك أو رضاه لا يوجب جوازه، لبقاء عدم الجواز ببقاء عدم موضوعه و هو عدم الملك، مثلا بيع مال الغير لنفسه بان يخرج المبيع عن ملك المبيح و يدخل الثمن في ملك المباح له غير جائز بل غير ممكن عقلا حيث ان البيع هو التمليك بالعوض، و مقتضى المعاوضة ان يدخل الثمن في ملك من يخرج المبيع عن ملكه، و الا كان في البين تمليكان مجانيان، و إذا كان ما ذكر غير جائز فكيف يصح باذن المالك فيه، بل اللازم في دخول الثمن في المباح له هو ثبوت أحد الأمرين، الأول- ان يكون اباحة كل تصرف في معنى توكيل المباح له في تملك الثمن بعد البيع، أو كان بمعنى توكيله في تملك المال عنه، حتى يكون البيع للمباح له، أو كان اباحة التصرف بالإضافة إلى الموقوف على الملك تمليكا للمال إياه، و شروع المباح له في ذلك التصرف قبولا فعليا للتمليك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 78

..........

______________________________

أقول لم يظهر وجه كون الشروع في ذلك التصرف قبولا للتمليك، و لم

يكن أخذه قبولا له، الا ان يقال وجهه ان الصادر من المبيح في الفرض أمران أحدهما الاذن للمخاطب في التصرف في ماله.

و ثانيهما تمليكه إياه، و التمليك كما ذكرنا سابقا لا إطلاق فيه بل على تقدير القبول و لو فيما بعد، و على ذلك فلا يكون في مجرد أخذ المال دلالة على قبول الملك، لا مكان أخذه للتصرف فيه بما لا يتوقف على الملك، و انما تكون الدلالة عليه بشروعه في التصرف الموقوف على الملك و لا يبعد تحقق التوكيل أو التمليك الضمني في قول مالك العبد للآخر، أعتق عبدي عنك بناء على ارادة كون المخاطب معتقا بالأصالة لا كونه معتقا بالنيابة، فإنه يكون في الأول وكيلا في تملك العبد المزبور ابتداء كما يمكن ان يكون تمليكا للعبد من المخاطب ضمنا و شروع المخاطب بالعتق قبولا لهذا التمليك، و إذا كان المراد وكالة المخاطب في عتق العبد فقط و ان يجعل المخاطب نفسه معتقا عنه، نظير وكالة الشخص في أداء دين نفسه بمال الموكل فلا يكون في البين تمليك و تملك، و كون الشخص معتقا عنه غير موقوف على كونه مالكا بخلاف كونه معتقا بالأصالة بالكسر.

و مما ذكرنا يظهر الحال في قول من عليه الكفارة لمالك العبد أعتق عبدك عنى و انه يكون توكيلا في تمليك العبد من المستدعي أولا و توكيلا في العتق بعد ذلك بناء على كون المستدعى معتقا بالكسر لا ارادة جعله معتقا عنه فقط، كما يمكن كونه تمليكا للعبد أولا و عتق المخاطب عنه تمليكا ضمنيا على ما تقدم، و على الجملة فليست الإباحة في هذه الصورة متضمنة للتوكيل و التمليك ليجوز للمباح له التصرف الموقوف على الملك.

و لكن ذكر الإيرواني

(ره) عدم الفرق بين قوله أعتق عبدي عنك و بين قوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 79

..........

______________________________

أبحت لك وقف مالي أو بيعه لنفسك، فإنه كما ان قوله أعتق عبدي عنك توكيل في تملك عبده، كذلك قوله أبحت لك وقف مالي عنك توكيل في تملك المال، و بما انه لا فرق ايضا بين التصريح بإباحة تصرف يتوقف جوازه على الملك، و بين اباحة جميع التصرفات التي يدخل فيها ذلك التصرف كقوله أبحت لك مالي فيكون قوله أبحت لك مالي متضمنا للتوكيل في التملك كتضمن قوله أعتق عبدي عنك.

و لكن لا يخفى ما فيه، فان المطلوب في قوله أعتق عنك صدور العتق الصحيح عن المخاطب بالأصالة، و هذا الصحيح موقوف على تملك العبد أولا، ثم عتقه ثانيا، فالتوكيل في التملك حاصل و مقصود و لو إجمالا و المراد بالإجمال انه لو التفت الطالب الى توقف العتق الصحيح على تملك المخاطب لإذن فيه، و نظيره أبحت لك وقف مالي عنك أو بيعه لك أو نحو ذلك بخلاف ما إذا قال أبحت لك مالي حيث لا يمكن استفادة التوكيل في التملك، بل يقتصر في الجواز بالتصرفات التي لا تتوقف على الملك، حيث لا ظهور للكلام المزبور في الاذن فيه بل في خصوص التصرفات غير الموقوفة عليه، و استفادته من إطلاق الإباحة دوري حيث يتوقف الإطلاق على التوكيل، و ثبوت التوكيل موقوف على إطلاق الإباحة، نعم لو صرح بالعموم لكان مثل قوله أعتق عبدي.

و الحاصل انما يعتبر اذن المالك و رضاه بالإضافة إلى التصرف غير الموقوف على الملك، و لا قيمة له في التصرف الموقوف على الملك، و على ذلك فظاهر قوله أبحت لك كل التصرف

في ماله اباحة ما يعتبر في جوازه اذنه و هي التصرفات غير الموقوفة على الملك، غاية الأمر من تلك التصرفات تمليك المال لنفسه عن مالكه و إذا كان العموم في قوله أبحت لك كل التصرف في مالي ثابتا حتى بالإضافة إلى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 80

فيكون هذا بيعا ضمنيا لا يحتاج الى الشروط (1) ان يدل دليل شرعي على حصول الملكية للمباح له بمجرد الإباحة (2)

______________________________

التصرف الاعتباري يكون التوكيل في التمليك المزبور مدلولا تضمنيا لعموم الإباحة لا مدلولا التزاميا كما في ظاهر كلام الإيرواني.

(1) كان وجه عدم اعتبار شروط البيع في الضمني هو ان تلك الشروط معتبرة بين إيجاب البيع و قبوله، فلا يعتبر إلا في عقده، لا في البيع الضمني و هكذا بالإضافة إلى غيرها من الشروط.

(2) بان يكون مدلول ذلك الدليل كون المال ملكا للمباح له بمجرد الإباحة اى و لو من غير قصد المبيح التمليك، و على ذلك فيقع البيع من المباح له على ما هو ملكه، أو يكون مدلول ذلك الدليل انه يكون الثمن بعد البيع للمباح له، و حيث ان مقتضى البيع دخول العوض في ملك من يخرج عنه المعوض و المفروض على تقدير الثاني خروج المعوض عن ملك المبيح فيلتزم بدخول الثمن في ملك المبيح آنا ما بعد الشراء قضاء لحكم الشراء ثم انتقاله الى المباح له، نظير انتقال العمودين إلى المشتري آنا ما بعد الشراء، ثم الانعتاق، و نظير ملك الميت الدية، فإنه لا يكون ملك دية القتل الا بحصول الموت، و حيث ان الدليل قام على ان الدية برثها من يرث المال فلا بد من فرض دخولها في ملك الميت، لتنتقل الى

الوارث إرثا.

و الحاصل ان الملك التقديري لا بد من كونه مدلول دليل أو مقتضى الجمع بين الأدلة، و المفروض عدم قيام دليل عليه في المقام، كما انه ليس مقتضى الجمع بين الأدلة لأن ما دل على توقف البيع أو العتق على الملك كقوله لا بيع إلا في ملك أو لا عتق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 81

..........

______________________________

إلا في ملك حاكم على قوله الناس مسلطون على أموالهم فإن المالك المبيح مسلط على التصرف المشروع في ماله.

و قوله لا عتق أو لا بيع إلا في ملك يثبت عدم مشروعية البيع أو العتق من غير ملك فلا يفيد فيهما اذن المالك.

ثم ان ما ذكره (ره) من ان الملك الحاصل للمشتري في شراء أحد عموديه ملك تقديري، و في بيع الواهب العين الموهوبة أو ذي الخيار المبيع من آخر حقيقي، صحيح، فإنه لو ظهر فساد بيعهما يكون المال باقيا في ملك الواهب أو ذي الخيار، لان ذلك مقتضى انفساخ الهبة أو البيع الأول مع فرض بطلان الثاني، و اما لو أراد المشتري أو وكيله في شراء أحد عموديه ان يتصرف في العبد في الان المقارن لتمام الشراء لم يصح، بل لا يقبل ذلك الملك الا انعتاق المبيع و لو كان ملك المشترى في ذلك الان حقيقيا لكان التصرف المزبور نافذا.

و الشاهد على ان مع اباحة التصرفات للآخر لا يكون بيع ذلك الآخر المال موجبا لدخوله في ملك المباح له قبل البيع كما كان موجبا لدخوله في ملك الواهب أو ذي الخيار ان بيع الواهب أو ذي الخيار يكشف عن فسخ الهبة أو البيع الأول و فسخهما يوجب عود ملك العين إليهما ثانيا، بخلاف مسألة بيع

المباح له مال الغير، فإنه ليس فيه سبب لدخول المال المزبور في ملكه قبل البيع، و لو آنا ما.

و الحق المصنف (ره) ملك الميت الدية بملك أحد العمودين في كونه في كل منها تقديريا و لكن لقائل أن يقول ان الملك في الدية حقيقي يترتب عليها ما يترتب على سائر أموال الميت من إخراج ديونه منها و نفوذ وصيته في ثلثها و انتقالها الى الوارث كانتقال سائر أمواله إليهم، و اما ملك الميت دية الجناية عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 82

..........

______________________________

بعد موته فلم يرد رواية معتبرة في تعيين ديته أو دية الجناية على أعضائه و مستحقيها.

نعم ورد في بعض الروايات ان ديته بمقدار دية الجنين، و دية أعضائه، بحسابها و ان الدية يملكها الميت بعد موته فتصرف في وجوه البر و في بعض الروايات ان دية الجناية عليه للإمام عليه السّلام قال في الشرائع في قطع رأس الميت المسلم الحر مائة دينار و في قطع أعضائه بحساب ديته و كذا في شجاجه و جراحه و لا يرث منها شيئا، بل تصرف في وجوه القرب عملا بالرواية.

و قال علم الهدى يكون لبيت المال انتهى.

و لكن الا ظهر ان يقال ان دية الجناية عليه دية الجنين و دية أعضائه و شجاجه بحسابها، لأن صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1» دالة على ثبوت الدية في قطع رأس الميت، و بما ان مقدار دية الجنين و دية الأعضاء بحسابها متيقن فيكتفى بها، و يؤيد ذلك ما أشرنا إليه من بعض الروايات و تكون هذه الدية من تركة الميت فيرثها الورثة كما هو مقتضى إطلاق صحيحته الأخرى.

قال أبو عبد

اللّه عليه السّلام قضى أمير المؤمنين عليه السّلام ان الدية يرثها الورثة الحديث «2» فان مقتضاها عدم الفرق بين كونها ثابتة بالقتل أو بالجناية عليه بعد موته و على ذلك فيجري على هذه الدية ما يجرى على سائر تركة الميت و أمواله و ما دل على صرف دية الجناية على الميت في وجوه القرب و هي رواية حسين بن خالد «3» كما ذكرنا ضعيفة سندا و ان عبر عنها في المسالك بحسنة حسين بن خالد، و هذا منه (ره) اشتباه حيث ان سليمان بن خالد ممدوح، لا الحسين، و الحسين لا موثق و لا ممدوح فراجع

______________________________

(1) وسائل باب (34) من أبواب دية الأعضاء.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 82

(2) وسائل باب (10) من أبواب موانع الإرث.

(3) وسائل باب (24) من أبواب دية الأعضاء.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 83

و لكن الذي يظهر من جماعة (1).

و اما الكلام في صحة الإباحة بالعوض (2)

______________________________

(1) كان مراده ان الذي يظهر من جماعة يخالف ما تقدم من أن مع الاذن للغير في جميع التصرف، لا يجوز للغير بيع المال لنفسه، و وجه المخالفة ان دفع الثمن الغاصب مع العلم بأنه غاصب بمنزلة تسليطه و الاذن له في التصرف في ذلك الثمن مع انهم ذكروا انه لو اشترى الغاصب بذلك الثمن أمة يجوز له وطيها و ظاهر ذلك، جواز البيع لنفسه مع ذلك الاذن.

و لكن لا يخفى ان الالتزام بهذا الحكم على تقديره أجنبي عن المقام أى جواز البيع و صحته بمجرد اذن

المالك و إباحته جميع التصرفات التي يكون منها بيع ماله، و ذلك فان مع علم المشتري بأن بايع المال غاصب يبيع مال الغير عدوانا يكون دفع الثمن اليه تسليطا و تمليكا مجانيا، فيكون المسمى بالثمن ملكا للغاصب هبة لا بيعا، و يترتب على ذلك تملك الغاصب العين اشتراها بالثمن المزبور، و المفروض في المقام قصد الإباحة دون التمليك.

و لعله (ره) أشار الى ذلك في آخر كلامه بأمره بالتأمل.

(2) الظاهر ان الإباحة أي اذن المالك للغير في التصرف في ماله بعوض عبارة عن المبادلة بين أمرين أحدهما اذن المالك للآخر في التصرف في ماله و ثانيهما مال ذلك الآخر فيكون بهذه المعاوضة، الاذن مملوكا للطرف في مقابل ملك ماله للمبيح، و هذه المعاملة لا بأس بها، و يعمها قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، فيحكم بلزومها و لو رجع المبيح عن اذنه فلا يكون رجوعه نافذا فان رجوعه نظير رجوع الموكل عن شرط الوكالة في العقد اللازم غير صحيح، و انما يكون الاذن أو التوكيل جائزا فيما إذا كان ابتدائيا لا شرطا أو ركنا في عقد لازم، إذ مقتضى لزوم ذلك العقد لزوم ركنه أو الشرط المذكور فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 84

..........

______________________________

نعم لو تصرف المبيح في الفرض في ماله تصرفا مخرجا له عن ملكه يحكم بنفوذه، لان المفروض انه مالك للمال المزبور، فيعمه قوله سبحانه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ، و كذا قوله الناس مسلطون على أموالهم، و لكن يثبت للمباح له خيار الفسخ باعتبار ان جعل الاذن في التصرف عوضا متضمن لاشتراط إبقاء المال و عدم نقله الى شخص آخر، و اما التمسك في إثبات مشروعية الإباحة بالعوض بعموم المؤمنون عند

شروطهم أو الناس مسلطون على أموالهم كما عن المصنف (ره) فغير صحيح، فإن الأول لا يعم الالتزامات الابتدائية التي تكون منها نفس المعاملة كما مرت إليه الإشارة، و يأتي تفصيله في باب الشروط إنشاء اللّه تعالى.

و اما الثاني فإن الكلام في المقام في مشروعية هذه المعاملة بأن يكون الاذن في التصرف ركنا و المال الآخر ركنا آخر لا في ولاية المالك على هذه المعاملة المشروعية في نفسها كما لا يخفى.

و ايضا ما ذكره (ره) من احتمال كون هذه المعاملة صلحا غير صحيح، لما تقدم من الصلح ليس التراضي الواقعي الموجود في جميع المعاملات و الا كان كل المعاملات صلحا، بل الصلح ما يكون المنشأ فيها هو التراضي و التسالم سواء كان كان متعلقا بالمال أو بغيره و ليس المنشأ في المقام هو عنوان التراضي بل المعاوضة بين الإباحة و المال.

و مما ذكرنا يظهر الحال في قول أحد الشريكين للآخر لك ما عندك و لي ما عندي و انهما إذا أراد إنشاء التراضي على المبادلة بين ماليهما يكون ذلك صلحا و الا فلا.

و كذا ما ورد في معاملة الزوجين على المهر كصحيحة الفضيل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبد اللّه آبقا و بردا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 85

لأصالة التسلط (1)

[الخامس: في حكم جريان المعاطاة في غير البيع من العقود و عدمه]

إذا آمره بعمل على عوض معين فعمله استحق الأجرة (2)

______________________________

حبرة بألف درهم التي أصدقها قال إذا رضيت بالعبد و كانت عرفته فلا بأس إذا هي قبضت الثوب و رضيت بالعبد قلت فان طلقها قبل ان يدخل بها قال لا مهر لها و ترد عليه خمسمائة درهم و يكون العبد لها «1» و

مما ذكرنا يظهر الحال في الإباحة بالإباحة و انها مبادلة بين الأذنين فيعمها قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

(1) هذا تعليل لجواز المعاملة بدعوى ان أصالة بقاء سلطنة كل من المالكين على ماله، مقتضاها جوازها. و فيه ان بقاء سلطنتهما على مالهما لا ينافي لزوم المعاملة أي لزوم المبادلة بين الأذنين، بل مقتضى بقاء السلطنة نفوذ تصرف كل منهما في ماله لا في المعاملة المزبورة.

نعم لو تصرف أحدهما في ماله تصرفا لا يبقى معه مجال لتصرف المباح له، يثبت له خيار الفسخ، باعتبار تخلف شرط بقاء العين كما مر.

(2) أقول لم يظهر من هذا الكلام كون المراد من الأجرة الأجرة المسماة ليكون استحقاقها دليلا على جريان المعاطاة عندهم في الإجارة، و الا كان الأنسب ان يقال (فعمله استحق العوض) كما لا يخفى.

و لو كان المراد اجرة المثل فلا يكون في الكلام المزبور دلالة على جريان المعاطاة في الإجارة أصلا فإنه يجوز للعامل العمل و لو بالتصرف في مال المستأجر مع بطلان الإجارة، لأن اذن المالك المستفاد من الإجارة الفاسدة كاف في جواز تصرف الأجير.

______________________________

(1) وسائل الجزء (15) باب 24 من أبواب المهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 86

و اما مسئلة الهبة (1).

______________________________

لا يقال كيف جاز للأجير مع فساد الإجارة التصرف في مال الغير مع انهم ذكروا ان المأخوذ بالعقد الفاسد كالمغصوب في عدم جواز التصرف فيه.

فإنه يقال ذلك فيهما إذا كان التصرف في المأخوذ بالعقد الفاسد بعنوان انه ملكه، و بما ان الملك غير حاصل لفساد العقد فلا يجوز التصرف، و اما فيما إذا كان التصرف فيه بعنوان انه مال الغير و قد اذن فيه كما في أخذ الأجير ثوب الآخر لصبغه مثلا فلا

بأس بأخذه و صبغه حتى مع فساد الإجارة، لتحقق الاذن اللازم في الأخذ و التصرف و لو مع فسادها، غاية الأمر لفساد المعاملة يستحق اجرة المثل على عمله لا الأجرة المسماة.

(1) و حاصله انه إذا قيل في المعاطاة بالإباحة لا الملك، يكون حكمهم بجواز إتلاف العين الموهوبة دليلا على جريان المعاطاة في الهبة أيضا باعتباران الهبة المعاطاتية موجبة لإباحة التصرف كالمعاطاة الجارية في البيع، و اما إذا قيل في المعاطاة بالملك غير اللازم فلا تكون اباحة التصرف دليلا على جريانها في الهبة، فإن جريانها في الهبة عند هذا المحقق يكون بالالتزام بحصول الملك مع انهم لا يلتزمون به لتصريح الشيخ و الحلي و العلامة بأن إعطاء الهدية من دون الصيغة يفيد الإباحة لا الملك، و لا يمكن حمل نفى الملك، على نفى الملك اللازم لأن الهبة اللفظية لا تفيد الملك اللازم ليكون مرادهم نفيه في الهبة المعاطاتية.

أقول الصحيح الالتزام بجريان المعاطاة في سائر المعاملات عقودا أو إيقاعا أخذا بإطلاق صحتها و نفوذها، نعم لا تجري في عقد أو إيقاع قام الدليل على اعتبار اللفظ في إنشائه، كما في النكاح و الطلاق، حيث ان مطلق اللفظ غير كاف في إنشائهما فضلا عن الإنشاء بمجرد الفعل.

و أيضا فإن قلنا بعدم اللزوم في المعاطاة، فلا تجري في المعاملة التي تكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 87

[الأمر السادس: في ملزمات المعاطاة على كل من القول بالملك و القول بالإباحة]

اعلم ان الأصل على القول بالملك اللزوم (2).

______________________________

اللزوم مقتضى حقيقتها أو من لوازمها شرعا، الأول- كما في الرهن فان لزومه من قبل الراهن مقتضى حقيقته حيث مع جوازه من طرفه لا يتحقق عنوان الوثيقة على الدين، و الثاني- كما في الوقف فان المال الموقوف محكوم بأنه لا يباع

و لا يوهب و لو جرى المعاطاة فيه لجاز بيعه و هبته، هذا.

و لكن قد مر عدم تمام دليل على جوازها في البيع فضلا عن غيره، و مقتضى إطلاق دليل لزوم المعاملات عدم الفرق بين إنشائها بالقول أو الفعل، و عليه فلا بأس بالوقف أو الرهن معاطاة.

(2) و حاصله انه بناء على حصول الملك بالمعاطاة يكون لزومها مقتضى الوجوه الثمانية المتقدمة، و تلك الوجوه كما تلي الأول- استصحاب بقاء الملك.

الثاني- قوله عليه السلام الناس مسلطون على أموالهم. الثالث- قوله عليه السّلام لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه. الرابع الحصر المستفاد من قوله سبحانه لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ الخامس- الجملة المستثنى منها يعنى قوله عز من قائل لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ السادس- قوله عليه السّلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا وجب البيع. السابع- قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ. الثامن- قوله عليه السّلام المسلمون عند شروطهم.

و اما بناء على الإباحة في مورد قصد الملك، فمقتضى قاعدة سلطنة الملك على ماله و أصالة بقاء هذه السلطنة حتى بعد حصول اباحة التصرف للآخر، هو الجواز و هذا الأصل حاكم على استصحاب بقاء الإباحة الثابتة قبل رجوع المالك.

أقول ان أريد من الإباحة المالكية فقاعدة سلطنة المالك أو استصحابها و ان تكون حاكمة عليها حيث ان معنى سلطنته عليها نفوذ رجوعه و عدم رضاه بتصرف الآخرين في ماله، الا ان الإباحة المالكية خارجة عن مفاد المعاطاة كما تقدم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 88

..........

______________________________

و ان أريد بها الإباحة الحكمية التي قيل بها باعتبار استمرار سيرة المتشرعة على التصرف في المأخوذ بها. فلا ينبغي الريب في انه، لا

مجال لاستصحاب هذه الإباحة، لا لكونه محكوما بالدليل على سلطنة المالك أو باستصحابها، بل لان مقتضى عموم الأمر بالوفاء بالعقد و حلية البيع و التجارة، حصول الملك و لزوم المعاطاة من أول الأمر، غاية الأمر بناء على الإباحة يرفع اليد عن مقتضاها بالالتزام بعدم حصول الملك بها من أول الأمر نظير عدم ثبوت الملك في بيع الصرف بمجرد البيع.

و يكتفى في هذا الرفع و في الالتزام بالإباحة قبل حصول الملك، بالمتيقن، أخذا في غيره بالعموم أو الإطلاق كما ذكرنا ذلك في البحث عن دوران الأمر بين استصحاب حكم المخصص أو الأخذ بعموم العام، فتكون النتيجة ان مقتضى الأصل يعنى الوجوه المتقدمة، لزوم المعاطاة في مورد الشك، و كون الحاصل بها الملك اللازم، قلنا بالملك من أول الأمر أو بالإباحة، غاية الأمر لا يجرى بعض تلك الوجوه كاستصحاب الملك على القول بالإباحة، و لو أغمض عن ذلك و بنى على ما ذكره المصنف (ره) في مسألة دوران الأمر بين استصحاب حكم الخاص أو الأخذ بعموم العام، من انه لا يجوز الأخذ بالعموم مع عدم كونه استغراقيا من حيث الزمان، لما كان مجال للأخذ بقاعدة سلطنة المالك، أو استصحابها، بل اللازم استصحاب الإباحة.

و الوجه في عدم المجال، ان الإباحة الحكمية على تقدير كونها منافية لقاعدة السلطنة فقد وقع التخصيص و التقييد في عموم سلطنة المالك بحصول المعاطاة، فاللازم استصحاب هذه الإباحة، بل بناء على الملك، فلا يمكن أيضا الأخذ بالوجوه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 89

..........

______________________________

الثمانية المتقدمة فإن هذه الوجوه تنفع فيما إذا شك في كون المعاطاة لازمة من الأول أو جائزة، و اما إذا ثبت جوازها، ثم احتمل طرو الملزم كما في

المقام، فاللازم على مسلكه ره استصحاب الجواز، و لا يعارضه استصحاب بقاء الملك الذي هو الوجه الأول من الوجوه الثمانية، لحكومة استصحاب جواز المعاملة عليه، كما لا يخفى.

نعم يمكن على مسلكه (ره) التمسك ببعض الوجوه المتقدمة، كعموم لا يحل مال امرء مسلم الحديث، و قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ الاية حيث ان الفسخ بعد تلف احدى العينين مثلا أكل و تملك لمال الغير، فلا يحل، و لا يصح.

نعم ذكر السيد الخوئي (طال بقاه) ان الثابت بالإجماع في المقام جواز فسخ المعاطاة بفعل خاص و ذلك الفعل تراد العينين، نظير الفسخ المعتبر في بيع الخيار فإنه كما ان الجائز في ذلك البيع هو الفسخ برد الثمن، كذلك المعتبر في المقام هو الفسخ بتراد العينين، و بعد تلفهما أو تلف أحدهما لا يبقى لثبوت الجواز موضوع حتى يستصحب.

و فيه ان المعتبر في المعاطاة هو الفسخ مطلقا لا الفسخ بنحو خاص، الا ترى انه إذا فسخ أحد المتعاطيين المعاطاة قولا مع بقاء العينين و لم يسلم صاحبه المال اليه بعد الفسخ عصيانا فإنه لا ينبغي الريب في انفساخ المعاطاة، و هذا شاهد قطعي على أن المعتبر هو نفس فسخ المعاطاة، غاية الأمر المتيقن من الإجماع جواز الفسخ حال إمكان تراد العينين، و إذا شك في ثبوته في حالة أخرى كتلف احدى العينين فيستصحب جواز الفسخ، كما في سائر موارد الاستصحاب.

و الحاصل ان استصحاب الجواز في المقام لا بأس به.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 90

مندفع بما سيجي ء (1) و لم يثبت جواز المعاملة على نحو جواز البيع الخياري (2).

و اما بناء على الإباحة فقد استوجه بعض مشايخنا (3)

______________________________

(1) في فرض تلف أحد المالين و فسخ

مالك المال الآخر.

(2) أقول قد مر سابقا ان جواز الرجوع في الهبة و جواز تراد العينين في المعاطاة بعينه فسخ عقد الهبة أو المعاطاة، و انه لا فرق بين جواز الفسخ فيهما و جواز الفسخ في موارد الخيارات، غاية الأمر جواز الفسخ فيهما حكمي لا يسقط بالإسقاط، و جواز الفسخ في موارد الخيارات باعتبار كونه حقا قابل للإسقاط.

و بعبارة أخرى ان كان الرجوع في الهبة بمعنى استرداد العين الموهوبة مع إبقاء الهبة على حالها بحيث يكون تصرف الواجب في تلك العين بعد ذلك تصرفا في مال المتهب، فهذا لا يلتزم به أحد، و ان كان مع ازالة الهبة بأن يكون استردادها بقصد إلغاء الهبة فهذا عين الفسخ، و على ذلك فلو كان الموجود في المعاطاة الملك غير اللازم، فمعناه جواز فسخ المعاطاة، فاستصحاب هذا الجواز بعد تلف أحد العينين أو كليهما كاستصحاب الخيار بعد طرو ما يحتمل معه زواله، و هذا يعنى استصحاب جواز الفسخ مبنى على مسلكه، فإنه عليه لا يكون في المقام مجال للتمسك بعمومات لزوم الملك و مطلقاته لورود التخصيص أو التقييد عليها، و لم يبق في البين من مقتضى اللزوم الا استصحاب بقاء الملك، و من الظاهر ان استصحاب بقاء جواز الفسخ حاكم عليه.

(3) و حاصله ان استصحاب بقاء سلطنة المالك على العين الموجودة مقتضاه عدم لزوم الملك، بل عدم حدوثه، و فيه ان هذا الاستصحاب معارض بأصالة عدم اشتغال ذمة مالك العين الباقية بمثل التالف أو قيمته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 91

..........

______________________________

لا يقال يمكن إثبات اشتغال ذمته بقاعدة اليد فتكون نتيجة الجمع بين حديث على اليد و أصالة بقاء سلطنته على العين الباقية عدم لزوم الإباحة،

و عدم حدوث الملك. فإنه يقال مقتضى قاعدة اليد ضمان مال الغير مطلقا لا معلقا على مشية الضامن و اختياره فسخ المعاملة التي قد جرت بين العين التالفة و بين الباقية كما هو المطلوب في المقام.

ثم أجاب (ره) عن معارضة استصحاب بقاء السلطنة مع أصالة براءة ذمة مالك العين الباقية بوجوه ثلاثة.

الأول- ان استصحاب براءة ذمته محكوم باستصحاب بقاء السلطنة.

الثاني- أصالة برائتها غير جارية في نفسها للعلم الإجمالي بضمانه التالف اما ببدله الواقعي، يعنى المثل أو القيمة أو ببدله الجعلي، يعني العين الباقية و لا يجري الأصل في أطراف العلم الإجمالي.

الثالث- ان ثبوت الضمان بالمثل أو القيمة مقتضى سلطنة الناس على أموالهم فإن مقتضاه سلطنة المالك على ماله الموجود، بأخذه، و على ماله التالف في يد الغير، بأخذ بدله، و استصحاب هذه السلطنة يكون حاكما على أصالة براءة ذمة من تلف مال الغير في يده.

أقول: لا يمكن المساعدة على هذا الوجه اى الثالث فإن سلطنة المالك على ماله عبارة عن ولايته على التصرف فيه و نفوذ ذلك التصرف و عدم ضمان الآخر بماله لا يكون منافيا لسلطنته.

الا ترى ان الودعي مثلا لا يضمن الوديعة، و لا يكون عدم ضمانه تخصيصا في دليل سلطنة المالك، و الا لزم القول بالضمان و لو مع فرض تلف المالين حتى على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 92

و لو كان أحد العوضين دينا في ذمة (1)

______________________________

الإباحة أخذا بدليل السلطنة في حق كل واحد من المتعاطيين بالإضافة إلى ماله التلف في يد صاحبه و كذا لا يمكن المساعدة على الوجه الأول، و ذلك فان الاستصحاب في سلطنة المالك على العين الموجودة، عبارة أخرى عن استصحاب عدم كون

تلك العين عوضا، عن التالف و انه لم يدخل في ملك الطرف الآخر، فالمعارضة بينه و بين استصحاب عدم اشتغال ذمته للطرف الآخر بمثل التالف أو قيمته بحالها.

و ان شئت قلت لا يجري أصالة بقاء السلطنة في حق من كان مالكا للعين الموجودة لعلمه إجمالا بكونه مكلفا اما بدفع تلك العين الى صاحبه، و عدم جواز إمساكها عليه، و اما بدفع البدل الواقعي للتالف الى ذلك الطرف، و أصالة بقاء سلطنته على العين و عدم وجوب دفعها أو عدم حرمة إمساكها، لا يكون حاكما على أصالة برأيه ذمته عن البدل الواقعي، فإن المعيار في الحكومة ان يكون أحد المجريين موضوعا و الآخر حكما له، و بقاء ملكه و سلطانه على العين الموجودة، ليس موضوعا لاشتغال ذمته بالبدل الواقعي للمال التالف.

(1) و الصحيح ان يقال انه إذا كان أحد المالين دينا بذمة أحد المتعاطيين يحكم من الأول بالملك اللازم مطلقا، و لو على القول بالإباحة، و هذا على القول بالملك ظاهر، لأصالة اللزوم بعد عدم إحراز ما تقدم في وجه جواز الملك، و هو الإجماع في مثل المقام مما يكون نتيجة التمليك بعوض فيه، سقوط ما على العهدة، و لسنا ندعي ان الساقط عن العهدة لا يمكن عوده إليها كما قيل لان عود ما على الذمة إليها في بعض الموارد شاهد قطعي لإمكانه.

كما إذا باع المديون لآخر بعشرة دنانير متاعه منه بألف على شرط إبراء ذمته من العشر و خياطة ثوبه المعين فأخذ المشتري المتاع و سلم الالف و أبرئه عن العشر و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 93

و لو نقل العينان أو أحدهما (1)

______________________________

لكن امتنع عن خياطة الثوب فإنه لا ينبغي

الريب في أن للبائع خيار تخلف الشرط و إذا فسخ يعود العشر الى ذمته، و هذا عود بعد السقوط.

و الحاصل انه لا يمكن قياس عود المال إلى الذمة بعود الشي ء الخارجي بعد صيرورته معدوما و يقال بأن الشي ء لو كان عوده بشخصه الأول لزم تخلل العدم في الوجود الواحد، و لو كان بشخص آخر يكون غيره لا الأول.

و الوجه في الفرق ان ثبوت المال على الذمة اعتبار يتعلق بالطبيعي و يمكن اعتباره ثانيا بنحو لا يكون بينه و بين الطبيعي الأول ميز أصلا.

و اما على القول بالإباحة فإن الإباحة تثبت في المعاطاة بالإجماع و السيرة و من الظاهر ان الإباحة في مقابل الملك لا معنى لها في المقام فيكون الإجماع و السيرة في سائر الموارد و يثبت الملك في المورد من الأول كما هو مقتضى حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد.

(1) يعنى ان انتقال كلا المالين أو أحدهما بعقد لازم من طرف الناقل موجب للزوم المعاطاة و هذا على تقدير بقاء العقد اللازم ظاهر باعتبار عدم إمكان التراد على القول بالملك و انتهاء الإباحة و صيرورة المال ملكا للمتصرف عند العقد اللازم على مسلك الإباحة.

نعم لو عاد المال الى الناقل بفسخ العقد اللازم بالإقالة أو بالفسخ من الطرف الآخر للخيار الثابت له فيمكن الالتزام بجواز التراد أخذا باستصحابه.

لا يقال لا مجال لاستصحابه للقطع بانتفاء جواز التراد قبل فسخ العقد اللازم، و الجواز على تقديره فعلا حكم آخر لم يعلم حدوثه، فإنه يقال المستصحب جواز التراد وضعا أى نفوذ التراد و صحته و عدم إمكان التراد قبل فسخ العقد اللازم لا يوجب ارتفاع هذا الجواز.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 94

و لو كان

الناقل عقدا جائزا (1).

______________________________

ثم انه (ره) ناقش في هذا الاستصحاب بأنه لا بد من الاقتصار على المتيقن في جواز التراد و الرجوع في غيره بأصالة اللزوم، لعدم إحراز موضوع جواز التراد ليستصحب و ذكر انه لا يجوز التراد بعد فسخ العقد اللازم حتى على القول بالإباحة و ذلك فان العقد اللازم بحدوثه كاشف عن دخول المال في ملك المباح له و بعد فسخه يرجع المال الى ملكه، لا الى ملك المبيح، و مقتضى دليل السلطنة نفوذ تصرفات المباح له لا المبيح و ليس في هذا الفرض حالة سابقة لجواز التراد ليستصحب بل الثابت سابقا هي الإباحة المنقطعة عند حدوث العقد اللازم.

نعم يتصور جواز التراد على الإباحة بالالتزام بأحد أمرين.

أحدهما القول بأن العقد اللازم الحادث بحدوثه و بقائه كاشف عن حصول الملك للمباح له و بارتفاع العقد اللازم يرجع المال الى ما كان عليه قبل العقد اللازم فيكون ملكا للمبيح و مباحا للمباح له.

و الأمر الثاني ان يقال العقد اللازم لا يتوقف على حصول الملك للمتصرف لجواز كون الثمن في العقد اللازم ملكا للمتصرف مع خروج المثمن عن ملك المبيح و لكن قد مر عدم إمكان ذلك و انه خلاف مقتضى المعاوضة كما لا يمكن الأمر الأول أيضا فإن العقد اللازم لا يبطل بالفسخ من أصله حتى لا يكون كاشفا عن حصول الملك للمباح له بل الانفساخ يقع من حين الفسخ و صحته الى زمان الفسخ لا تكون الا مع حصول الملك للمباح له قبل العقد و على ذلك فبفسخ العقد فيما بعد يرجع ملك المال اليه لا الى المبيح.

(1) يعنى لو انتقل أحد المالين بنقل جائز تكون المعاطاة لازمة و لا يجوز للمالك الفعلي للعين

الموجودة إلزام المتصرف بفسخ النقل الجائز و الوجه في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 95

و لو باع العين ثالث فضولا فأجاز المالك الأول (1)

______________________________

ذلك ان التراد غير متحقق أى غير ممكن ممن يملك العين الباقية فإنه عبارة عن رد المال على مالكه الأصلي و استرجاع ما كان ملكا له منه و المفروض ان المال بعد النقل الجائز غير باق في ملك صاحبه حتى يسترجع منه نعم لصاحبه فسخ النقل الجائز و بفسخه يتمكن مالك العين الباقية على التراد و لكن تمكينه من ذلك غير واجب على صاحبه.

هذا بناء على الملك في المعاطاة و اما بناء على الإباحة فالنقل الجائز ملزم لها من الجانبين لان النقل الجائز كاشف عن انتهاء ملك المبيح و حصوله للمباح له قبل تصرفه في المال بالنقل الجائز.

نعم لو كان النقل الجائز من الهبة مجانا بان لا تكون معاوضة فيمكن القول بان تصرف المباح له لا يوجب حصول الملك له بل تصرفه أي الهبة تقع عن المبيح فهو الواهب حقيقة فيثبت في حقه جواز الرجوع في الهبة و جواز التراد في المعاطاة على تقدير بقاء المال الآخر في يده أو رجوعه الى يده من غير صيرورته ملكا له في زمان فإنه لو صار ملكا له في زمان فلازمه انتهاء ملكه و سلطانه على المال الآخر كانتهاء ملك صاحبه على المال الذي بيده.

(2) فان اجازة المالك الأول كبيعه المال مباشرة في كونها فسخا للمعاطاة فيكون المقام نظير بيع ذي الخيار ما انتقل عنه في الالتزام بحصول الملك له آنا ما قبل البيع الثاني و لو أجاز المالك الثاني الذي انتقل المال إليه بالمعاطاة تكون أجازته كبيعه مباشرة ملزمة نافذة

بلا اشكال، باعتبار كون المال ملكه.

و اما إجازة المباح له ففيها اشكال الالتزام بالملك آنا ما قبل أجازته فتكون الإجازة على مسلك الإباحة في جهتي الاشكال و عدمه عكس مسلك الملك المتزلزل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 96

و لكل منهما رده قبل إجازة الآخر (1) و لو امتزجت العينان إلخ (2)

______________________________

(1) فلا بد من كون رد المالك الأول بناء على مسلك الملك في المعاطاة بقصد الرجوع فيها و حينئذ يكون رده نافذ أو مبطلا للمعاطاة أيضا فلا يبقى مجال لإجازة الثاني الا بناء على كون الإجازة كاشفة عن انتقال المال إلى المشترى من الفضولي و ان رجوع المالك الأول واقعا كان بعد هذا الانتقال.

و لكن الصحيح فساد هذه الإجازة لأن شرط صحة الإجازة و نفوذها كون المجيز مالكا للمال مع قطع النظر عن أجازته و ليس هنا كذلك لرجوع المال الى مالكه الأول لو لا أجازته.

(2) على تقدير الملك في المعاطاة يحكم بلزومها بالامتزاج بناء على عدم جريان الاستصحاب في جواز التراد، في مقابل أصالة اللزوم في الملك كما تقدم و بناء على مسلك الإباحة يجري استصحاب بقاء المال على ملك مالكه الأول و بهذا يحرز موضوع الشركة و هو حصول الامتزاج بين مالين من مالكين مع عدم إمكان تمييزهما عرفا.

نعم لو كان الامتزاج موجبا لصدق التلف كما في خلط العسل القليل باللبن، فيدخل الفرض في تلف المال حتى على مسلك الإباحة.

أقول: الصحيح عدم الفرق بين المسلكين و ان الامتزاج موجب للزوم المعاطاة، حتى على القول بالإباحة، أخذا بأصالة نفوذ البيع و لزومه إلا في المقدار المتيقن و هو المال قبل الامتزاج، كما ان مقتضاها عدم الفرق في ذلك بين الامتزاج و

التصرف المغير للصورة.

ثم انه قد ظهر مما ذكرنا انه لا مجال للمناقشة في لزوم المعاطاة بموت أحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 97

[السابع ان الشهيد الثاني ذكر في المسالك وجهين في صيرورة المعاطاة بيعا بعد التلف أو معاوضة مستقلة]

السابع ان الشهيد الثاني ذكر في المسالك إلخ (1)

______________________________

المتعاطيين، فإنه لا دليل لرفع اليد عن صحة البيع و لزومه إلا في المقدار المتيقن سواء على القول بالملك أو الإباحة، و لكن ظاهر كلام المصنف ره هو التفصيل بين القولين. و انها تلزم على القول بالملك، حيث ان جواز الرجوع الثابت للمتعاطيين حكمي، نظير جواز الرجوع في الهبة، و لذا لا تلزم المعاطاة من الابتداء باشتراط لزومها.

و الحاصل ان الجواز الحقي كالخيار يمكن القول فيه بالإرث لأنه من الحق الذي يتركه الميت لا الجواز الحكمي فإنه تابع لثبوت موضوعه فقط، و لكن المال على القول بالإباحة ينتقل إلى الورثة، فيكون رجوع الورثة في المعاطاة باعتبار ان المال ملكهم، فيكون رجوعهم، نظير رجوع من قدم الطعام الى الغير، في كون بقاء الإباحة له دائرا مدار بقاء رضاه.

أقول قد تقدم ان الإباحة على القول بها اباحة حكمية، لا المالكية، و الإباحة الحكمية، تدور مدار بقاء موضوعها فقط، و ذكرنا ان الثابت منها في مقابل العموم أو الإطلاق المقتضي لحصول الملك اللازم بالمعاطاة، مقدار اليقين، و هو ما لم يقع موت أحد المتعاطيين كما لا يخفى.

(1) تعرض الشهيد الثاني ره لكون المعاطاة بعد لزومها بيعا، أو معاوضة مستقلة، و ذكر لكل منهما وجها، فوجه كونها بيعا ان سائر المعاوضات محصورة، و ليست المعاطاة منها، و كون المعاطاة معاوضة مستقلة في مقابل تلك المعاوضات، لا يساعد عليها دليل، فيتعين دخولها في عنوان البيع، و وجه كونها معاوضة مستقلة، ان المعاطاة حين حدوثها لم

تكن بيعا، و لا موجب لدخولها في عنوان البيع بعد ذلك.

و قال ره و تظهر ثمرة ذلك في ترتب آثار البيع بعد لزومها، فعلى الوجه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 98

..........

______________________________

الأول تترتب عليها تلك الآثار، كخيار الحيوان حيث ان هذا الخيار، حكم الشراء الحيوان، ثم على تقدير ثبوت هذا الخيار، فهل الثلاثة من حين المعاطاة، أو من حين لزومها، فيه تردد.

و يرد على الأول ان المعاطاة ليست بيعا حين حدوثها، فكيف يثبت خيار الحيوان من ذلك الحين، و على ثبوته بعد لزومها بان التصرف أو التلف لا يكون بيعا اللهم الا ان يلتزم بحدوث خيار الحيوان، من حين التلف، أو التصرف باعتبار ان المعاطاة مع التصرف أو التلف تكون بيعا تاما، فالمعاطاة جزء السبب المملك، لا تمامه.

و ذكر ره في آخر كلامه ان الأقوى عدم ثبوت خيار الحيوان في المعاطاة لا من حينها و لا من حين لزومها، كخيار المجلس، و نظره (ره) ان أدلة خياري الحيوان و المجلس ظاهرها ثبوتهما في بيع، يكون ذلك البيع مع قطع النظر عن الخيار لازما و المعاطاة ليست كذلك الا على قول المفيد و من تبعه، القائلين بأن المعاطاة كالبيع العقدي لازمة من الأول.

نعم يثبت في المعاطاة خيار العيب و الغبن سواء قلنا بأنها عند لزومها بيع أو معاوضة مستقلة، لأن الدليل على ثبوتها قاعدة نفى الضرر الجارية فيها سواء قيل بأنها عند لزومها بيع أم لا، و لذا يثبتان في سائر المعاوضات.

و ذكر المصنف ره ان هذا الكلام من المسالك اى كون المعاطاة بعد لزومها بيعا أو معاوضة مستقلة، متفرع على القول بالإباحة، و اما بناء على مسلك الملك الجائز، فلا مجال لهذا

الكلام فان المحقق الثاني صرح بأن المعاطاة، بيع غير لازم و يكون الملك الحاصل بها لازما، بحدوث أحد الأمور المتقدمة، و على هذا المسلك يترتب على المعاطاة من حين حدوثها جميع الأحكام المترتبة على البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 99

و المحكي عن حواشي الشهيد إلخ (1).

______________________________

غير الأثر الذي يكون مترتبا على البيع اللازم اى على البيع الذي يكون لو لا الخيار لازما، فان هذا الأثر لا يترتب على المعاطاة لأن عدم لزومها، ليست باعتبار كونها بيعا خياريا، بل عدم اللزوم فيها كما في الهبة حكمي.

ثم انه اختار المصنف ره على مسلك الإباحة، الاحتمال الأول، و هو صيرورتها بعد لزومها بيعا و ذكر في وجهه ما تقدم سابقا من كون المعاطاة بيعا عرفا غاية الأمر حصول أحد الملزمات المتقدمة، نظير التقابض في بيع الصرف، شرط لحصول الملك و قبل حصول أحدها يكون مال كل منهما مباحا للآخر بإباحة حكمية، و على ذلك فيترتب على المعاطاة، أحكام البيع غير الآثار المترتبة على البيع الحادث صحيحا.

أقول لازم توجيه الإباحة و اشتراط حصول الملك، ترتب جميع آثار البيع بعد حصول الملك حتى الآثار المترتبة على البيع الواقع صحيحا، فإن المعاطاة بيع صحيح عند حصول الملك، و لا فرق بينهما و بين بيع الصرف عند حصول التقابض و كما يترتب تلك الآثار على بيع الصرف بعد حصول الملك به كذلك تترتب على المعاطاة بعد لزومها.

و ايضا ظاهر كلامه (ره) كما ذكرنا ان كون شي ء ملزما للمعاطاة على الإباحة مساوق لتمام البيع به، فيترتب عليها أحكام البيع من حين حدوث ذلك الملزم، و لكن قد ذكر فيما تقدم (في صورة تلف العينين) كون الإباحة لازمة بمعنى

عدم حدوث ما يوجب ضمان كل منهما مال صاحبه و ظاهر ذلك عدم انتقال المالين الى الطرفين بتلفهما فراجع.

(1) يمكن ان يتوهم ان ما ذكر المصنف (ره) من ان المعاطاة على تقدير القول بحصول الملك بها بيع بلا خلاف، و ان الكلام في كونها بيعا أو معاوضة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 100

[الثامن: لا إشكال في تحقق المعاطاة المصطلحة التي هي معركة الآراء بين الخاصة و العامة]

و اما ان يشمل هذا و غيره كما هو ظاهر (1).

و ربما يجمع بين هذا الكلام إلخ (2).

______________________________

مستقلة مبنى على مسلك الإباحة ينافي ما حكى عن الشهيد في حواشيه على القواعد حيث ذكر فيها ان المعاطاة معاوضة مستقلة أو جائزة.

و وجه المنافاة انه لو قيل بلزوم المعاوضة فلا بد من الالتزام بحصول الملك من الأول مع عدم كونها بيعا، و كأنه (ره) دفع الوهم بان كلام الشهيد (ره) مبنى على مسلكه في المعاطاة و هي الالتزام بالإباحة، و المعاوضة في كلامه معاوضة في الإباحة، لا الملك و لزوم و هذه الإباحة، باعتبار معاوضتها لا يقتضي حدوث الملك.

أقول المعاوضة في الإباحة تلازم حصول الملك بالمعاطاة فإنه لا بد من الالتزام بحصوله عند حدوث أحد الملزمات فان تصرف المباح له في مال صاحبه بما يتوقف على كونه مالكا لا يتم الا بحصول الملك له و إذا قلنا انها لازمة من ابتداء الأمر فلا بد من الالتزام بحصول الملك من الأول و الحاصل فرق بين الإباحة المالكية و الشرعية فإن لزوم الأول من الابتداء لا يلازم الملك بخلاف الثانية كما لا يخفى.

(1) و وجه الظهور عدم تقييد الفاسد في كلامهم بما إذا كان الفساد من جهة اختلال شروط الصيغة.

(2) و حاصل الجمع ان عدم جواز التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد و

ضمانه يكون في فرض رضا كل منهما بتصرف صاحبه لصيرورته ملكا له بالعقد، و على ذلك فلا يجوز للآخر التصرف، و يكون ضامنا للمال لان جواز تصرفه اما باعتبار الملك و المفروض عدم حصوله و اما باعتبار رضا الآخر بتصرفه مع عدم كون المال ملكا له و المفروض انتفاء هذا الرضا و اما جواز التصرف و جريان حكم المعاطاة على المقبوض بالعقد الفاسد فيكون في فرضين.

أحدهما ما إذا علما فساد العقد و عدم صيرورة المال ملكا للآخر بالعقد و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 101

..........

______________________________

مع ذلك كان رضاهما بالملك باقيا الى ان حصل القبض.

و الثاني- كون كل منهما من الأول راضيا بتصرف الآخر على كل تقدير كان العقد صحيحا أو فاسدا فيكون تصرف الآخر في فرض صحته بما هو مالك، و في عدم صحته بما هو مأذون و لكن المصنف (ره) لم يرتض بهذا الجمع و ذكر انه لا يمكن حمل كلام المحقق و الشهيد الثانيين على الفرضين و ذلك فان المفروض في كلامهما حصول إنشاء واحد و تمليك واحد و هو العقد الفاسد و كان تراضى المالكين بذلك العقد و التمليك و إذا فرض عدم حصول الملك و عدم تمام العقد، فلا يبقى الاذن و الرضا المتعلق به و لو فرض رضاهما بالملك مع الإغماض عن ذالك العقد بحيث حصل منهما إنشاء آخر بالقبض و الإقباض، كان خارجا عن كلامهما فان كلامهما في حصول المعاطاة بنفس ذلك العقد.

و كذا لا يصح حمل كلامهما على التراضي الجديد، بان لا يحصل منهما إنشاء آخر بالقبض و الإقباض و لكن يكون منهما الرضا بالتصرف حتى مع الإغماض عن العقد الفاسد و الوجه في

عدم الصحة أولا ان التراضي كذلك يكون من العالم بفساد العقد و كلام المحقق و الشهيد الثانيين مطلق و ثانيا انه لو كان الرضا بتصرف الآخر من دون قصد الملك و المعاوضة فلا يكون هذه معاطاة بل إباحة مالكية تبقى ما دام العلم بالرضا و لا يكفى فيها عدم العلم بالرجوع و لا يترتب عليه أثر المعاطاة من حصول الملك بتلف احدى العينين أو جواز التصرف إلى إحراز الرجوع و ان كان الرضا بعنوان المعاوضة بين المالين في الملك فهذا هو الرضا بالملك في العقد السابق و ليس امرا حادثا و المفروض عدم كونه مؤثرا في حصول الملك بمجرده أو مع العقد المزبور.

أقول- التراضي الجديد بمعنى مجرد رضاه بتصرف الآخر في ملكه و ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 102

و هذا ليس ببعيد على القول بالإباحة (1).

[مقدمة في خصوص ألفاظ عقد البيع]

اشارة

قوله مع الإشارة إليه في بعض النصوص (2).

______________________________

لا يكون معاطاة فلا يجوز به الا التصرف غير الموقوف على الملك لأن التراضي المزبور إباحة مالكية الا انه يكفى في بقائها الاستصحاب و ما ذكره (ره) من ان جواز التصرف يبقى ما دام العلم بالرضا و لا يكفى فيه عدم العلم بالرجوع غير صحيح.

و بتعبير آخر قد لا يحرز تعلق الرضا من الأول بهذا التصرف الذي يريده الآخر ففي مثل ذالك لا مورد للاستصحاب باعتبار كون الرضا بالتصرف انحلاليا و هذا الفرد من التصرف لم يحرز تعلق الرضا به من الأول و قد يعلم انه كان راضيا بهذا التصرف و يحتمل الان حصول البدإ له و رجوعه عن رضاه و هذا مورد الاستصحاب.

(1) أقول الإباحة في المعاطاة ليست مالكية بل هي حكمية و يكون قصد المتعاطيين

الملك لا الترخيص للآخر في ماله و الملك المنشأ في المعاطاة بناء على الإباحة لا يكون ممضى الا بعد حصول أحد الملزمات المتقدمة و على ذلك فكيف يمكن تحقق الملك بدون الإنشاء قولا أو فعلا.

و اما مسئلة أخذ الماء و وضع الفلوس في دخل السقاء و أخذ البقل و وضع الفلوس في المكان المعد له فقد ذكرنا فيهما في الأمر الثاني فراجع.

(2) المراد الروايات المتقدمة في المعاطاة التي ذكر (ره) ان فيها ظهورا و إشعارا إلى اعتبار اللفظ في البيع اللازم كرواية إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام.

أقول لازم ما ذكر (ره) في هذا الأمر من عدم جريان حكم المعاطاة على المعاملة المنشأة باللفظ غير المعتبر مع ما سيأتي منه (ره) من اعتبار اللفظ في البيع اللازم و عدم كفاية الكتابة مع التمكن على التلفظ ان يحكم بالفساد فيما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 103

لان الوجوب بمعنى الاشتراط كما فيما نحن فيه مقتضى الأصل (1)

______________________________

إنشاء البيع بالكتابة مع التمكن على التلفظ بان لا يحرى عليه حكم المعاطاة أيضا و لا أظن إمكان الالتزام ببطلان المعاملات الدارجة بين العقلاء من المتشرعة و غيرهم التي يكون إنشائها بالكتابة.

(1) يعنى الاشتراط مقتضى استصحاب بقاء الملك بحاله، و عدم حدوث الانتقال و لكن لا يخفى ان هذا الأصل لا تصل النوبة إليه في مقابل إطلاق أدلة المعاملات و عموماتها فان اعتبار اللفظ فيها على تقديره شرط زائد على أصل حصول عناوينها فيكون مع الشك في الاعتبار مقتضى الإطلاق أو العموم عدمه كما مر تفصيل ذلك في بحث المعاطاة و ذكرنا عدم الفرق في صحة هذا التمسك في موارد الشك بين القول بإفادة المعاطاة

الملك أو الإباحة فعلى كلا التقديرين يكون القدر المتيقن من التخصص أو التقييد، صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللفظ و اما مع عدمها فلا تخصيص و لا تقييد.

فما يظهر من المصنف (ره) من ان الأخذ بالعموم أو الإطلاق موقوف على القول بإفادة المعاطاة الملك لا يمكن المساعدة عليه.

لا يقال ما وجه افتراق المقام عن موارد دوران الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين حيث ان المقرر هناك جريان البراءة عن كون شي ء شرطا أو جزءا أو مانعا و تكون باعتبار كونها معينة لمتعلق الأمر حاكمة على استصحاب الوجوب، و في المقام يكون أصالة العدم في ناحية اعتبار اللفظ مثلا في حلية البيع و وجوب الوفاء به معينة لكون الموضوع لهما ذات البيع.

و بالجملة لا فرق في جريان البراءة بين مورد الحكم التكليفي و الوضعي و يكون جريانها في ناحية عدم القيدية معينة لموضوع الحكم الوضعي و مع تعينه لا يبقى مجال لاستصحاب الحكم يعنى عدم حدوث الأثر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 104

..........

______________________________

فإنه يقال لا تجري البراءة في نفى الشرط أو القيد للموضوع أو المتعلق الا فيما إذا كان الحكم المجعول واحدا و دار الأمر بين تعلقه بذات المطلق أو به مقيدا بقيد كما في مسألة دوران الأمر بين الأمر بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و اما إذا كان الحكم انحلاليا كما في المقام فلا مورد للبراءة عن القيد لان ثبوت الحكم للأفراد الواجدة للقيد، محرز و الشك في ثبوت حكم آخر للفرد الفاقد و مقتضى الأصل عدم جعل ذلك الحكم له كما لا يخفى.

و ذكر السيد الخوئي (طال بقاه) ان عدم الرجوع الى البراءة باعتبار انه ليست الشرطية أو المانعية غير أخذ

الشي ء الوجودي أو العدمي في متعلق الأمر أو موضوع الحكم و ليس أخذ الشي ء الوجودي أو العدمي في نفسه تكليفا لتجري البراءة عنه و ما يكون في موارد الأقل و الأكثر الارتباطيين مجرى البراءة هو الوجوب المتعلق بالأكثر و لا يعارض بالوجوب المتعلق بالأقل، حيث ان أصالة البراءة لا تعم موردا لا يكون جريانها فيه امتنانا و جريانها في ناحية الأقل خلاف التوسعة و لا يكون في رفعه امتنان و من الظاهر انه لا تكليف في المقام بل ثبوت الأثر للمعاطاة الفاقدة للشرط المحتمل غير محرز و الأصل عدمه.

أقول ليس لنا سبيل الى ان مجرى البراءة لا بد من ان يكون تكليفا بل كل ما يكون قابلا للرفع و الوضع فالبراءة يرفعه و أخذ الشي ء في متعلق التكليف فيه كلفة زائدة حيث يترتب عليه حكم العقل بلزوم رعايته في المأتي به فأصالة البراءة تجري في ناحيته و لو مع عدم كونه تكليفا و الصحيح في توجيه أصالة الفساد في المعاملة ما ذكرنا فتأمل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 105

بل لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس (1).

و المراد بالصريح كما يظهر (2)

______________________________

(1) و تقريره ان الطلاق يعتبر في إنشائه الصيغة الخاصة فلا يكفى فيه مطلق اللفظ فضلا عن غير اللفظ و مع ذلك قد ورد ان إطلاق الأخرس يكون بالإشارة و لا يمكن حمل ذلك على صورة عدم تمكنه على التوكيل فان عدم التمكن عليه فرض نادر لا يمكن حمل الإطلاق عليه، و إذا جاز الإنشاء بالإشارة مع التمكن على التوكيل في الطلاق جاز في غيره قطعا.

أقول لا يمكن استفادة عدم لزوم التوكيل في مطلق غير التمكن على مباشرة

اللفظ من رواية طلاق الأخرس بل غاية الأمر ان يقال بجواز إشارة الأخرس في في سائر العقود و الإيقاعات أيضا إلحاقا لها بالطلاق بالفحوى و اما إذا كان عدم التمكن لعدم المعرفة باللغة العربية مثلا فلا يمكن القول بجواز طلاق غير العارف بغير الصيغة المخصوصة ليتعدى منه الى سائر العقود و الإيقاعات بل اللازم التوكيل أخذا بما دل على ان الطلاق لا يكون إلا بالصيغة الخاصة.

(2) و خلاصة ما ذكر ره ان المراد بالصريح التعبير عن المعاملة بلفظ يكون ذلك اللفظ موضوعا لتلك المعاملة لغة و شرعا كما ان المراد بالكناية اللفظ الموضوع لمعنى يكون ذلك المعنى لازما لتلك المعاملة فيكون دلالته على اللازم بالوضع و على الملزوم اى تلك المعاملة بالقرينة كانت تلك القرينة جلية أو خفية و القول باعتبار الصراحة بهذا المعنى في العقود اللازمة و عدم كفاية الكناية كانت القرينة جلية أو خفية لا يساعد عليه الروايات المتفرقة في أبواب العقود و كلمات الأصحاب الناظرة الى بيان صيغ مطلق البيع أو بعض افراده كبيع السلم و صيغ سائر العقود فان مقتضاهما الاكتفاء في الإنشاء بكل لفظ يكون ظاهرا في المعاملة المقصودة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 106

على انهما من الكنايات (1) و لكن هذا الوجه لا يجرى (2)

______________________________

سواء كان ظهوره فيها بالوضع أو بالقرينة.

و قد اختار ذلك جماعة من المتأخرين و حكوه عن جماعة أخرى و بما أن ملاحظة كلمات الفقهاء في أبواب العقود تقتضي بعدم اعتبار الصراحة بالمعنى المتقدم و مع ذلك اشتهر عنهم بعدم العبرة في المعاملات بالمجازات فقد جمع المحقق الثاني بين الأمرين بحمل المنع على المجازات البعيدة.

ثم ذكر (ره) ان الأحسن من هذا الجمع

حمل المنع على ما إذا لم تكن القرينة الدالة على المقصود أو تعيينه لفظا فان مع عدم القرينة اللفظية يخرج المعاملة عن كون إنشائها و الدلالة عليها باللفظ.

(1) اى لا يباع و لا يوهب من الكنايات بالإضافة إلى الوقف فان من لوازم الوقف يعنى أحكامه عدم جواز بيعه و هبته فيكون ذكرهما و ارادة الوقف من الكناية.

(2) أي حمل المنع في كلماتهم على ما إذا لم تكن القرينة لفظية لا يمكن في جميع كلمات الأصحاب فإن العلامة ذكر في التذكرة عدم جواز البيع بمثل قوله أدخلته في ملكك بكذا مع ان كل ذلك من تمليك العين بعوض، و الدلالة عليه، تكون باللفظ، فان قوله جعلته لك، دال على التمليك، و ذكر العوض بقوله بكذا، دال على كون التمليك بعنوان المعاوضة بين المالين، فتم الدال اللفظي على البيع.

أقول- بل الجمع المزبور في نفسه غير صحيح فإن رعاية القرينة الحالية مثلا في الدلالة، لا تخرج الدلالة على المعاملة و إنشائها عن كونها باللفظ، فلا حظ مثلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 107

دعوى ان العقود أسباب توقيفية (1)

______________________________

من رأى بطلا شجاعا في الحمام و ذكر عند خروجه عنه، أن في الحمام أسدا، فإنه يصح القول بأنه أخبر و ذكر للناس وجود البطل في الحمام و الزائد على هذه الدلالة اللفظية، غير معتبر في إنشاء العقود حيث ان مع القرينة المزبورة، يكون إنشاء الملك و اعتباره بالتلفظ، بخلاف المعاطاة التي تكون فيها اعتبار الملك و إنشائه بالفعل.

نعم لا يكفى ذلك في مثل الطلاق لاعتبار الصيغة الخاصة فيه، لا لكون القرينة حالية، بل لو كانت مقالية أيضا لا تكفى.

و الحاصل ان غاية ما يمكن الالتزام به

هو اعتبار إنشاء المعاملة، في العقود اللازمة، باللفظ، و كون اللفظ المزبور دالا على تلك المعاملة بوجه معتبر، بحيث يكون له ظهور عرفي، كان بطور الحقيقة أو المجاز، و الكناية، و كانت القرينة حالية، أو مقالية، و ذلك للزوم الأخذ بالإطلاق أو العموم في أدلة العقود في غير مورد اليقين بالتخصيص و التقييد، و هو ما إذا خلت المعاملة عن اللفظ رأسا بأن كان إنشائها بالفعل أو نحوه.

(1) و ملخص ما ذكر أنه لا ينبغي الريب في عدم جعل الشارع سببا خاصا لكل معاملة يراد بها النقل و الانتقال، كالبيع و الإجارة، ليكون الحكم بكون شي ء سببا لهما محتاجا الى ورود خطاب الشرع عليه.

نعم لا بد من رعاية تعبير الشارع عن المعاملة بلفظ خاص أو ألفاظ مخصوصة، بأن ينشأ تلك المعاملة، بذلك اللفظ، أو بتلك الألفاظ أو ما يرادفها لغة أو عرفا فان تعبير الشارع عنها بتلك الألفاظ مقتضاه ترتب الآثار على المدلول المنشأ بها، و إذا كان الإنشاء، بغير تلك الألفاظ و غير مرادفها و قصد المعنى الآخر، كلفظ الهبة بأن يكون قصد المرية منها في قولها للرجل وهبتك نفسي معنى التسليط مجانا، فيحكم بالفساد، باعتبار أنه لم يتحقق إنشاء النكاح الذي رتب الشرع عليه الآثار، و ان لم يقصد باللفظ الآخر إلا العنوان المقصود في الألفاظ الواردة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 108

شراه يشريه ملكه بالبيع (1).

و عنه ايضا كل من ترك (2).

______________________________

في خطاب الشرع، ففساده باعتبار دخول الفرض في الكناية التي لا اعتبار بها لخروجها عن الدلالة اللفظية.

أقول يلحق بدعوى ان العقود المؤثرة في النقل و الانتقال أسباب شرعية توقيفية، الالتزام برعاية التعبير عنها بالألفاظ الواردة في خطاب

الشرع أو بمراد فاتها من سائر اللغات و ذلك فان اللازم ان يكون الكلام المستعمل دالا على العنوان المترتب عليه الأثر سواء كانت دلالته عليه بنحو تعدد الدال و المدلول أو المجاز أو الكناية و إذا قالت المرأة للرجل وهبتك نفسي و جعلتها منك منزلة الحواء من آدم كفى و لا يحتاج إلى الإتيان بما هو موضوع لعنوان النكاح لغة أو عرفا أو بما ورد التعبير في خطاب الشرع.

و ثانيا ان قول المرأة كما ذكر مع قصدها الزوجية يكون من الكناية التي لا تكون خارجة عن الدلالة اللفظية و هو من قبيل التعبير عن الإجارة بيع المنفعة أو بيع سكنى الدار كما في بعض الروايات و المساواة في الدلالة بين الإجارة و بين البيع المضاف إلى المنفعة في الصراحة و عدمها لا تكون دائرة مدار ورود اللفظ و التعبير في كلام الشارع و عدم ورودهما كما لا يخفى.

(1) بالتخفيف يعنى اشتراه و قوله باعه يعنى ملكه بالتشديد و مثل الشراء الاشتراء في كونه ايضا بمعنى ملكه بالبيع و باعه و قوله فهما يعنى الشراء و الاشتراء ضدان يستعمل كل منهما في فعل البائع و المشترى و مقتضى ذلك ان يكونا من الألفاظ المشتركة لفظا.

(2) و ظاهر الحكاية كون لفظ الاشتراء مشتركا معنويا بين فعل البائع و المشترى أقول- يحتمل ان يكون لفظ الشراء ايضا كذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 109

و ما قيل من ان التمليك يستعمل في الهبة (1) إذ إرادة خصوص لفظ شريت من هذا بعيد جدا (2).

[فرع لو أوقعا العقد بألفاظ المشتركة بين الإيجاب و القبول]

فرع لو أوقعا العقد (3).

______________________________

(1) و لعل القائل أراد ان لفظ التمليك معناه الحقيقي هي الهبة فيكون استعماله في البيع من إنشائه

بالمجاز أو بما لا ظهور له في البيع و الجواب ان التمليك مشترك معنى بين البيع و غيره فان كان في البين ذكر العوض للمال الذي تعلق به التمليك بحيث كانت المعاوضة بين المالين فهو بيع لا غير و ان لم يذكر العوض للمال المزبور فيكون ظاهرا في الهبة و في تمليك المال مجانا سواء كان لنفس التمليك عوض كما في الهبة المعوضة أو لا و لو قال ملكت هذا بكذا و أراد به الهبة المشروطة أو المصالحة كانت صحتها مبتنية على جواز إنشاء العقد بالمجازات حيث ان تمليك العين بالعوض هو البيع لا غير بخلاف ما إذا قال ملكت هذا على ان تملكني كذا فإنه هبة معوضة بلا خلاف حيث ان التمليك الآخر في الهبة المعوضة عوض عن التمليك الأول.

(2) لأنه لو كان المراد خصوص لفظ شريت لكان الأنسب ان يقال إيجاب البيع بعت و ملكت و شريت.

(3) ظاهره انه يثبت البيع و لكن لا يترتب على كل منهما اثر خصوص عنوان البائع و عنوان المشترى و لكن ليس في المقام اثر خاص لكل منهما حتى يكون مورد نزاعهما من موارد التحالف.

نعم قد يكون للشراء اثر خاص كما إذا وقع البيع بين الثوب و الحيوان و ادعى من انتقل اليه الحيوان انه كان مشتريا له بالثوب لإنشاء صاحبه إيجاب بيعه بالثوب و ادعى من انتقل اليه الثوب انه اشترى الثوب بالحيوان بإنشاء صاحب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 110

[بعض ما يعتبر في لفظ الصيغة]

[اعتبار العربية في العقد]

اعتبار العربية في العقد للتأسي (1).

و كذا اللحن في الاعراب (2).

______________________________

الثوب إيجاب البيع، فليس في البين خيار حيوان و على ذلك فيدخل الفرض في مورد الدعوى و الإنكار حيث ان قول

من انتقل اليه الثوب مطابق لأصالة اللزوم و قول صاحبه مخالف له.

(1) لا يخفى ان البيع و غيره من المعاملات التي وقعت مورد الإمضاء و سائر الأحكام أمور اعتبارية يعرفها أبناء الملل و سائر الأقوام و ليست أمورا توقيفية ليقع فعل النبي أو الأئمة عليهم السلام مورد التأسي و اختيارهم العربية في انشائاتهم باعتبار ان المعاملات كانت من مراداتهم التي كان تفهيمها و تفهمها في عرفهم بالعربية و بالجملة مقتضى إطلاقات المعاملات و عموماتها عدم اعتبار شي ء من العربية و الماضوية أو تقديم القبول و غير ذلك مما لا دخل له عند العقلاء في صدق العقد و عنوان المعاملة من البيع و الإجارة و النكاح و غير ذلك و اما ما قيل من عدم صحة البيع بغير الماضي من العربي يستلزم عدم صحته بغير العربي بطرق اولى فلا يخفى ما فيه لأن إنشاء البيع و غيره بغير الماضي صحيح و صحته بغيره ايضا مقتضى الإطلاق و العموم و ثانيا ما الوجه في كون العربي غير الماضي أولى من غير العربي و مثل ذلك دعوى عدم صدق العقد على غير العربي مع التمكن على العربي.

(2) إذا كان اللفظ ظاهرا في المعاملة المقصودة في عرف المتكلم سواء كان مع اللحن في الاعراب أو المادة أم لا بحيث يصدق معه في عرفه انه باع أو تزوج أو غير ذلك كفى في شمول الإطلاق أو العموم و على ذلك فما هو المتعارف عند أهل القرى و البوادي من تبديل حرف الى آخر في مقام التلفظ فيقولون بدل زوجتك جوز تك كفى في إنشاء المعاملة و لا يكون اللحن في الإيجاب أو القبول مع صدق

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 2، ص: 111

[تقديم الإيجاب على القبول]

قوله ره مثل خبر ابان بن تغلب (1) و التحقيق ان القبول اما ان يكون بلفظ قبلت (2)

______________________________

عنوان المعاملة مانعا عن صحتها.

نعم فيما إذا اعتبرت صيغة خاصة كالطلاق فاللحن في المادة يوجب بطلانه باعتبار عدم حصول تلك الصيغة مع اللحن.

(1) و في سنده إبراهيم بن فضل قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام كيف أقول إذا خلوت بها قال تقول أتزوجك متعة على كتاب اللّه و سنة نبيه لا وارثة و لا موروثة كذا و كذا يوما و تسمى الأجر فإذا قالت نعم فقد رضيت و هي امرأتك و أنت أولى الناس بها «1» و لكن ذكرنا في باب النكاح جواز إيجاب النكاح من كل من الرجل و المرأة فان كلا منهما يخرج به عن الفرد الى الزوج و عليه فقول الرجل للمرأة بما ذكر إنشاء للزواج و إظهار المرأة رضاها قبول من غير ان يكون من قبيل تقديم القبول على الإيجاب.

نعم رواية سهل الساعدي من قبيل الاستيجاب و الإيجاب و لكن في جعل الاستيجاب قبولا في القضية المزبورة كلام يأتي الإشارة اليه.

و الحاصل قد يكون المعاملة بنحو لا يمتاز فيها فعل أحد المتعاملين عن الآخر كما في المصالحة حيث انها التسالم الإنشائي على أمر من المتصالحين و في مثل ذلك يصح لكل منهما إنشاء المعاملة و إيجابها أولا و قد يكون فعل أحدهما ممتازا عن الآخر كما في الإجارة حيث ان فعل الموجر تمليك المنفعة بالعوض و هذا لا يصح إنشائه من المستأجر إلا وكالة أو فضولا و النكاح من قبيل الأول و البيع من قبيل الثاني و عليه فقول الرجل للمرأة أتزوجك إنشاء نكاح لا قبول مقدم.

(2) تعرض

(ره) في المقام لتقديم قبول البيع على إيجابه أولا

______________________________

(1) وسائل باب (18) من أبواب النكاح المتعة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 112

..........

______________________________

و لتقديم قبول سائر العقود على ايجاباتها ثانيا و ملخص ما ذكر ره في تقديم القبول انه لا يجوز تقديمه على إيجابه فيما إذا كان بلفظ قبلت أو رضيت أو بنحو الأمر و الاستيجاب و لكن لا بأس بالتقديم فيما إذا كان بلفظ ملكت بالتخفيف أو اشتريت أو اتبعت و نحوها و الوجه في ذلك انه يعتبر اشتمال قبول البيع على أمرين أحدهما الرضا بإيجاب البائع و الثاني تمليك المشترى ماله من البائع عوضا عن المبيع بمعنى إنشاء ملكيته مال البائع لنفسه جاعلا ماله عوضا عن المبيع.

و ان شئت قلت يكون إدخال المشتري مال البائع في ملكه أولا كما هو مدلول اشتريت و إخراج ماله عوضا ثانيا كما هو مدلول قوله بكذا و هذا عكس إنشاء البائع فإنه يكون إخراج ماله أولا كما هو مدلول قوله بعت و إدخال مال المشترى عوضا ثانيا كما هو مدلول قوله بكذا ثم ان القبول بلفظ قبلت أو رضيت مع تأخيره عن الإيجاب يدل على الرضا بالإيجاب و على الإنشاء المزبور و لو بالالتزام و اما مع تقديمه على الإيجاب فلا دلالة له الا على الرضا بما يفعله البائع في المستقبل و اما الإنشاء فعلا بأن ينشأ المشتري ملكية مال البائع لنفسه فعلا جاعلا ماله عوضا عنه فلا دلالة له على ذلك حتى بالالتزام.

نعم إذا كان القبول بلفظ اشتريت و اتبعت و ملكت و نحوها فمع تقديمها ايضا يتحقق كلا الأمرين فإن القبول مع الألفاظ المزبورة ظاهر في الرضا بالإيجاب و في ان القابل

قد أنشأ ملكية مال صاحبه لنفسه فعلا جاعلا ماله عوضا عنه و الحاصل يكون مدلول مثل لفظ اشتريت حتى مع تقديمه على الإيجاب قبولا و ليس المراد ان اشتريت متضمن لمعنى المطاوعة التي هي ملاك تحقق القبول حقيقة و المراد بالمطاوعة ان ينشأ الإنسان التزامه بما حصل من إيجاب الغير المعبر عن ذلك بقبول

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 113

..........

______________________________

الأثر و اشتريت أو نحوه من الألفاظ لا يتضمن هذه المطاوعة إلا مع تأخيره عن الإيجاب و لذا يقال الأصل في القبول لفظ قبلت و غيره بدل بل المراد انه لا دليل على اعتبار المطاوعة في تحقق قبول البيع فان المعتبر في صدق الشراء إنشاء الملكية على ما تقدم مع إظهار الرضا بالإيجاب فتكون النتيجة جواز تقديم القبول بمثل اشتريت.

و مما ذكر ظهر عدم جواز تقديم القبول بالاستيجاب و الأمر بل لا بد من قبول البيع بعد تحقق الإيجاب حيث ان الأمر و الاستيجاب يدلان على الرضا ببيع البائع و اما إنشاء الملكية فهو خارج عن مدلولها و الاستدلال على جواز قبول البيع بهما بفحوى ما ورد في النكاح من رواية السهل الساعدي و خبر ابان بن تغلب ضعيف لان جواز التقديم في الأصل يعنى النكاح غير ثابت حيث ان رواية سهل لا دلالة لها على اكتفاء السهل في قبول النكاح باستيجابه السابق بل من المحتمل انه قد قبل الإيجاب بعد قول رسول اللّه (ص) زوجتكها بما تحسن من القرآن فعلمها إياه.

و يؤيد هذا الاحتمال وقوع الفصل الطويل بين الاستيجاب و الإيجاب بما جرى بينه و بين رسول اللّه (ص) من أخذ ورد و خبر ابان قاصر الدلالة على جواز التقديم من

حيث دلالته على جواز إيجاب النكاح بقول المرأة نعم مع ان المعروف بينهم من ألفاظ النكاح أنكحت و زوجت و متعت.

ثم على تقدير ثبوت الجواز في الأصل يعنى النكاح يكون التعدي إلى البيع بالأولوية ممنوعا فإنه يمكن ان يكون تجويز قبول النكاح بالاستيجاب للتوسعة فإن الإيجاب فيه يكون من المرأة و ربما حيائها يمنعها عن البدء بالإيجاب أو لا فشرع فيه تقديم القبول بالأمر و الاستيجاب و لذا بعض العامة مع تجويزهم ذلك في النكاح منعوه في البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 114

فكل من رضيت و اشتريت بالنسبة إلى إفادة نقل المال (1) ثم ان ما ذكرنا جار في كل قبول (2)

______________________________

(1) يعنى لفظ رضيت مع التقديم لا يدل على إنشاء الملكية بل يدل على المطاوعة أى الرضا بما يفعله البائع و لفظ اشتريت مع التقديم يدل على إنشاء الملكية دون المطاوعة.

أقول: دلالة لفظ اشتريت على المطاوعة بمعنى الرضا بفعل البائع متحققة التزاما حتى في صورة تقديمه و انما لا يكون فيه المطاوعة بمعنى إنشاء الالتزام بقبول الأثر و هذه المطاوعة لا تكون في لفظ رضيت ايضا مع تقديمه و لذا قيل ان القبول حقيقة لا يمكن ان يتقدم على الإيجاب و يأتي منه (ره) عدم جواز تقديم قبول الرهن على إيجابه لاعتبار المطاوعة في قبوله.

(2) و هذا تعرض لجواز تقديم القبول على الإيجاب في سائر العقود و حاصله انه لو كان القبول المعتبر في العقد مثل قبول البيع في اعتبار دلالته على الرضا بالإيجاب و تضمنه لإنشاء مغاير لإنشاء الموجب كما في قبول الإجارة بلفظ تملكت المنفعة لجاز فيه التقديم و لو قال المستأجر ملكت أو تملكت المنفعة الفلانية بالأجرة

الكذائية و قال الموجر بعد ذلك ملكتها بها و نحو ذلك كفى، و يجوز ايضا تقديمه على الإيجاب في كل عقد لا يعتبر في قبوله الا الرضا بالإيجاب كما في قبول الرهن و القرض و الهبة و الوكالة و العارية و نحوها الا ان الظاهر عدم كفاية القبول في الرهن و القرض و الهبة كذلك بل يعتبر في قبولها المطاوعة بمعنى إنشاء الالتزام بالأثر حتى يصدق معه عنوان الارتهان أو الاقتراض أو الاتهاب و قد تقدم آنفا ان تحقق المطاوعة يكون بتأخر القبول فقط.

و الحاصل لا يجوز تقديم القبول فيها كما لا يجوز تقديمه في العقد الذي لا يختلف فيه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 115

..........

______________________________

إنشاء الموجب و القابل كالمصالحة التي تتضمن المعاوضة بين المالين، فإنه يمكن إنشاء هذه المصالحة من كل منها بقوله صالحت مالي بمالك و حيث ان المصالحة من العقود و لا تكون بإيجابين بل بالإيجاب و القبول فلا بد من صدور القبول من أحدهما و بما ان قبلت أو رضيت مع تقدمها على الإيجاب لا يدلان الا على الرضا بالإيجاب دون إنشاء المعاوضة فلا بد من تأخيرهما عن الإيجاب ليتم دلالتهما على الأمرين معا و هذه بخلاف المصالحة على ملك المال مجانا أو على الإبراء فإن الإيجاب فيها يكون من مالك المال و المبرء بالكسر.

فقد تحصل من جميع ما ذكر جواز تقديم القبول على الإيجاب في موردين أحدهما- ما يكون القبول فيه حتى مع تقديمه دالا على الرضا بالإيجاب و على الإنشاء المغاير لإنشاء الموجب الثاني- ما لا يعتبر في قبوله إلا الدلالة على الرضا بالإيجاب و انه لا يجوز تقديمه فيما إذا لم يكن إنشاء القابل

مغايرا لإنشاء الموجب كالمصالحة في المالين كما لا يجوز في عقد يكون المعتبر فيه حصول المطاوعة في قبوله بمعنى إنشاء الالتزام بأثر الإيجاب كما في الرهن و الهبة و القرض.

هذا ملخص كلامه (ره) في المقام و فيه موارد للنظر منها ما ذكره من اعتبار المطاوعة بمعنى الانفعال و إنشاء الالتزام بالأثر في قبول القرض و الهبة و الرهن فانى لا أظنه ره أو غيره بالالتزام بعدم كفاية قبول القابل إذا قال للواهب تملكت مالك مجانا و قال الواهب بعد ذلك وهبتك إياه أو ملكتك إياه و كذا الحال في القرض بان قال المقترض تملكت منك مائة دينار مع الضمان و قال المقرض خذها أو قال المرتهن أخذت مالك الفلاني رهنا على دينك و قال الراهن أرهنت و منها ما ذكره (ره) من ان قبلت و رضيت لا دلالة لهما على الإنشاء مع تقديمهما على الإيجاب و الوجه في النظر انه لو قال المشترى قبلت هذا الثوب بدينارين مثلا و قال البائع بعد ذلك قد بعته بهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 116

و منه الفورية في استتابة المرتد (1) و منه السكوت في أثناء الأذان (2) و منه تحريم المأمومين في الجمعة (3) و منه الموالاة في التعريف (4)

______________________________

فقد تم البيع لان لكل من قبلت و رضيت حتى مع تقديمه على الإيجاب دلالة على الإنشاء المعتبر في القبول مع ذكر المالين بنحو ما ذكروا ثالثا لا يبعد ان لا يعتبر في تحقق عنوان المعاملات إلا إنشاء الرضا بها قبل الإيجاب أو بعده.

و الحاصل ان المعتبر في حصول عنوان العقد هو إنشاء الرضا بالإيجاب:

و المحصل من جميع ما ذكرنا ان المتبع في المعاملات

هو الإطلاق أو العموم في أدلة إمضائها من غير فرق بين تقدم قبولها على إيجابها أو تأخره عنه و دعوى الانصراف الى الثاني يدفعها تتبع المعاملات العرفية و انه لا دخل في صدق عناوينها كيفية إنشائها من جهة تقديم الإيجاب أو تأخره.

(1) أي من اعتبار الاتصال وجوب الفورية في توبة المرتد حيث يجب عليه المبادرة إليه بعد طلب التوبة منها و قيل عليه الإجابة إلى ثلاثة أيام.

(2) أي من اعتبار الاتصال السكوت الحاصل في أثناء الأذان فاللازم أن يكون قليلا فان كان كثيرا أبطله.

(3) يعنى من اعتبار الاتصال لزوم دخول المأمومين في صلاة الجمعة قبل ركوع الإمام.

(4) يعنى من اعتبار الاتصال لزوم الموالاة في تعريف اللقطة بأن تعرف على نحو لا ينسى في كل مرة أنه تكرار للتعريف السابق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 117

و ما ذكره حسن لو كان حكم الملك و اللزوم (1) سائر الأمور المرتبطة بالكلام لفظا (2) و غاية ما يمكن في توجيهه (3)

______________________________

(1) أقول لا فرق بين عنوان العقد و عنواني البيع و التجارة و غيرهما فان المعاملات مركبات اعتبارية لها صور اتصالية عند العقلاء فان لم يصدق عنوان العقد مع الفصل الطويل لا يصدق عنوان البيع ايضا.

هذا أولا و ثانيا ان الموالاة بالمعنى المزبور لا اعتبار بها حتى في صدق عنوان العقد بل لو كان الإيجاب السابق بحيث له بقاء في الاعتبار يتم مع قبوله عنوان العقد و يظهر ذلك بملاحظة المعاملات الجارية بين العقلاء من الأقوام و الملل بالكتابة و المخابرة أو حتى بإيصال المال فإن إيصال المال بقصد تمليكه بالعوض إلى الآخر في بلد آخر إيجاب و ليس الإيجاب هو الإيصال إلى زمان الوصول

كما ذكر النائيني (ره) و ادعى ان الإيجاب هو أمر واحد مستمر الى حين القبض الذي يعتبر قبولا و ذلك فإن الإيصال بحدوثه بقصد التمليك بالعوض إيجاب و قبض الآخر قبول و يشهد لذلك مراجعة بناء العقلاء نعم رد الإيجاب و إلغائه يجعله في اعتبار العقلاء بحيث لا يلتئم مع القبول بعد ذلك.

(2) كما إذا كان به تمام اللفظ كالأعراب و مدخول الاعراب و مدخول الحروف و نحوها و الارتباط بالكلام معنى كونه من متممات المعنى كالظرف في الكلام أو سائر العقود.

(3) ظاهر الروايات هو استتابة المرتد إلى ثلاثة أيام فإن تاب الى تمامها فهو و الا يقتل و الحاصل ان التوبة و ان تكون واجبة بعد الاستتابة الا انه لا باعتبار الموالاة بينها و بين التوبة بل باعتبار ان الإسلام في كل زمان مطلوب حتى حال الاستتابة و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 118

و لعل هذا موهن آخر (1)

______________________________

قبلها كما لا يخفى، و كذلك يجب على المأمومين في صلاة الجمعة التكبيرة قبل ركوع الامام لا لاعتبار الموالاة بينها و بين تكبيرة الإمام بل باعتبار انه لا يكون إدراك الصلاة إلا بذلك و لذا لو كبر الامام و المأمومين دفعة واحدة كفى.

(1) الموهن الأول ما تقدم آنفا من انه لا دلالة فيها على اقتصار الرجل في قبوله النكاح باستدعائه و وجه عدم الدلالة عدم ورودها في مقام بيان كيفية عقد النكاح بل حكاية قضية شخصية لبيان جواز جعل تعليم القرآن مهرا.

و الموهن الثاني لزوم الفصل الطويل بين الإيجاب و القبول.

و لكن لا يخفى ما فيه فان قبول الإيجاب ليس استدعائه الأول ليقال بتخلل الفصل الطويل بينه و بين إيجاب النكاح بل

انه قد كرر استدعاء بعد نداء رسول اللّه (ص) ثانيا و ثالثا و قد سئله رسول اللّه (ص) في الثالثة عن عرفانه القراءة في الفحص عما عنده مما يمكن جعله مهرا فأجاب الرجل بنعم الذي يمكن جعله في أمثال المقام قبولا من غير تخلل بين الإيجاب و القبول بالأجنبي أو غيره و على تقدير كون القبول هو استدعائه الأخير فلا فصل بين الإيجاب و القبول بالأجنبي الطويل فلاحظ الحديث «1».

و ذكر النائيني (ره) وجها آخر لاعتبار الموالاة بين إيجاب العقد و قبوله و هو ان العقد في حقيقته خلع و لبس و ان الموجب كأنه يخلع ثوب سلطانه على المال مثلا و يلبسه القابل و مع تحقق الفصل يتحقق الخلع دون اللبس: و فيه ان العقد ليس بذلك و الشاهد ملاحظة العقود حتى التمليكية كبيع الكلى بالذمة فضلا عن مثل عقد النكاح أو المضاربة و الوكالة و نحوها و ثانيا على تقدير كون العقد في حقيقته ما ذكر فيكفي في تحقق اللبس بقاء الخلع و عدم إلغائه و مع حصول اللبس

______________________________

(1) الوسائل الجزء (15) الباب (3) من المهور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 119

[التنجيز في العقد]

بان لا يكون معلقا على شي ء بأداة الشرط (1)

______________________________

في أي زمان يتحقق المجموع.

و الحاصل يعتبر في حصول القبول بقاء الإيجاب و عدم الغاية في اعتبار العقلاء الى حصول القبول و عليه فإذا شك في بقائه و عدمه في اعتبارهم يحكم بالبطلان لان التمسك فيه بعموم الوفاء بالعقد بل بإطلاق حل البيع و نحوه كما ذكر يكون من التمسك بالعام أو المطلق في الشبهة في المصداق.

(1) المراد بالتعليق ان يكون مفاد العقد مساويا للقضية الشرطية التي يجعل فيها

المنشأ جزاء و المعلق عليه لذلك المنشأ شرطا سواء كان في البين تصريح بتلك القضية الشرطية كقوله إذا كان يوم الجمعة فأنت وكيلي في بيع داري أم لا كقوله أنت وكيلي يوم الجمعة في بيع داري فإن يوم الجمعة بحسب الظهور العرفي قيد لنفس الوكالة المنشأة و بذلك يفترق عن قوله أنت وكيلي و لا تبع الا يوم الجمعة فإن يوم الجمعة في هذا بحسب الظهور قيد لمتعلق الوكالة يعني بيع الدار لا لنفس الوكالة فيكون الفرق بينه و بين سابقه كالفرق بين الواجب المشروط و المعلق فالقيد في الأول نظير ما في الواجب المشروط قيد لمضمون الجزاء يعنى الحكم و في الثاني قيد للمتعلق.

و لا يخفى ان الشرط في المعاملات المحكوم بجوازه ليس بمعنى تعليق العقد عليه بل هو إلزام و التزام آخر زائد على أصل العقد فلا يكون مثل قوله بعت هذا بكذا على ان تخيط لي هذا الثوب بمعنى تعليق البيع المزبور على الخياطة بل شرطها التزام الطرف بخياطته زائدا على أصل البيع و توضيحه موكول الى باب الشروط.

و كيف كان فقد يظهر من العلامة و الشهيد قدس سرهما ان الوجه في اشتراط التنجيز في العقود و كون التعليق فيها مبطلا هو اعتبار الجزم فيها و معناه مقابل التردد بان يكون العاقد. عالما بحصول المنشأ في نظره و إذا قال ان جاء ولدي من سفره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 120

ان قلت فعلى هذا يبطل قوله في صورة إنكار التوكيل (1) هذا تعليق على واقع إلخ (2)

______________________________

هذا اليوم فقد بعتك هذا المال بكذا فلو سئل القائل المزبور عن حصول الملكية للطرف في نظره و بحسب إنشاءه فيجيب بلا

أدرى و هذا التردد مانع عن صحة العقد.

و لا يخفى انه لو كان وجه الاعتبار ما ذكر فلازمه عدم البأس بالتعليق فيما إذا كان المعلق عليه وصفا الى ما يكون حصوله و لو في المستقبل محرزا إذا مع الإحراز لا يكون للعاقد ترديد و اعتذار الشهيد ره بأن العبرة في فساد العقد بجنس الشرط حيث ان جنس الشرط في معرض عدم الحصول و لا عبرة ببعض أنواعه كما ترى.

(1) يعنى لازم ما ذكر من اعتبار الجزم و عدم جواز التعليق ان لا يصح قول البائع للمشتري ان كان المتاع لي فقد بعت بكذا كما إذا اشترى المشترى المزبور المتاع من قبل بثمن بذمته و ادعى على الآخر انه اشتراه له وكالة فالمتاع له و الثمن على عهدته فأنكر الآخر الوكالة و قال للوكيل المزبور ان كان المتاع لي فقد بعتك بمثل الثمن المزبور حيث ذكر جماعة ان بيع الموكل المزبور بهذا النحو طريق الاحتياط ليكون المال ملكا واقعيا للوكيل المزبور، فيثبت الثمن بذمته و كذا فيما إذا زوجه شخص امراة بدعوى الوكالة منه فأنكر الزوج الوكالة أو ادعت المرأة انها زوجة له فأنكر الزوج فان طريق الاحتياط في أمثال المقام على ما ذكروا هو الطلاق بقوله ان كان زوجتي فهي طالق.

و على ما ذكر من اعتبار الجزم لا يصح هذا الاحتياط.

(2) و بعبارة أخرى التعليق انما يكون مانعا فيما إذا أمكن إطلاق العقد و تنجيزه و اما إذا كان بحيث لا يمكن جعله منجزا مع دخالة المعلق عليه في ذلك و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 121

و تفصيل الكلام ان المعلق عليه (1)

______________________________

عدم تماميته بدونه فلا بأس بالتعليق عليه.

لا يقال على

ذلك فيصح ان ملكت المال الفلاني فقد بعته منك بكذا أو ان تزوجت بالمرأة الفلانية فهي طالق.

فإنه يقال هذا غير صحيح لعدم الاضطرار إلى إنشاء البيع قبل تملك المال أو الطلاق قبل التزويج هذا مع النص الوارد في عدم الطلاق قبل الزواج و عدم البيع الا بعد الملك و هكذا.

(1) ذكر (ره) للتعليق صورا ثمانية فإن المعلق عليه اما ان يكون امرا حاليا أو استقباليا و كل منهما اما محرز حصوله أو محتمل و كل من هذه الأربعة اما ان يتوقف صحة العقد و تمامية على حصوله أو لا و يستفاد من كلامه (ره) الحكم بالصحة.

في خمس صور منها و البطلان في ثلث فإنه ان كان المعلق عليه امرا حاليا محرزا حصوله فلا بأس بالتعليق عليه سواء كانت صحة العقد موقوفة على حصوله أم لا بل لا تعليق حقيقة مع إحراز حصول المعلق عليه عند الإنشاء و إذا كان المعلق عليه امرا استقباليا محرزا حصوله فان كان حصوله الاستقبالي دخيلا في صحة العقد و تماميته كقبض الثمن في المجلس في بيع السلم فلا بأس به كما تقدم عن الشهيد و يأتي في فحوى كلام الشيخ من المبسوط في مسألة ان كان لي فقد بعته.

و ان لم يكن الأمر الاستقبالي المحرز حصوله دخيلا في صحة العقد و يعبر عنه بالوصف فالتعليق عليه مبطل بالإجماع و ان كان المعلق عليه مشكوك الحصول و لم تكن صحة العقد موقوفة عليه فالتعليق عليه مبطل سواء كان امرا حاليا أو استقباليا بل هذا هو المتيقن من صور التعليق المبطل و ان كان المشكوك حصوله مما يتوقف عليه صحة العقد امرا حاليا أو استقباليا فالظاهر من كلام الشيخ (ره) في مسألة

ان كان لي فقد بعته عدم البأس به فهذه هي الصور الثمانية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 122

و التقدير ان مات مورثي (1) لأنه انما يصح بيع هذه الجارية من الموكل (2) و هذا لوجه و ان لم ينهض لدفع محذور التعليق (3)

______________________________

(1) ليس المراد ان مات مورثي مستقبلا ليكون من قبيل ان تملكت المال الفلاني فقد بعته منك بكذا أولوا زوجت فلانة فهي طالق بل المراد ان كان مورثي ميتا بالفعل فقد بعت المال و هذا من التعليق الذي ذكر الشهيد (ره) عدم البأس به باعتبار توقف صحة العقد عليه و سيأتي جوازه في كلام الشيخ (ره) أيضا في مسألة ان كان لي فقد بعته، و لا يخفى ان هذا التعليق انما يتصور فيما إذا لم يقع البيع من الوارث بعنوان الفضولي أو نظير بيع الغاصب حيث يرى نفسه في بنائه مالكا و الا لم يكن في البيع تعليق معنى كما انه لا تعليق فيه لفظا.

(2) فرض المسألة ما إذا اشترى جارية بمال على الذمة و ادعى على آخر انه كان وكيلا عنه في شرائها فالجارية له و الثمن على عهدته فأنكر الآخر الوكالة و قال لمدعيها ان كانت الجارية لي فقد بعتها منك بمثل الثمن المزبور فهذا التعليق لا بأس به لأنه انما يصح بيع ذلك الآخر تلك الجارية من الوكيل على تقدير كونه مالكا لها بان كان قد اذن للوكيل المزبور في الشراء له و هو فرض صحة دعوى الوكالة.

(3) و بتعبير آخر مدلول عقد البيع مثلا جعل ملكية البيع للمشتري بإزاء الثمن و هذا المدلول كما لا يكون معلقا على تسليم الثمن أو المثمن كذلك لا يكون معلقا

على كون البائع مالكا بل حكم الشارع بالملكية و إمضائه المزبور معلق على ذلك و هذا الإمضاء و الحكم بالملكية أمر خارج عن فعل العاقد و مترتب عليه ترتب الحكم على موضوعه فيكون النتيجة أن مدلول العقد لا يكون فيه تعليق واقعا و ما فيه التعليق ليس من كلام المتكلم أصلا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 123

و العمدة في المسألة هو الإجماع (1) و ربما يتوهم ان الوجه في اعتبار التنجيز (2) و ما قيل من ان ظاهر (3)

______________________________

(1) إحراز كون الإجماع تعبديا لا مدركيا مشكل جدا فان مع ذكر الوجوه المذكورة في عدم جواز التعليق و عدم تماميتها عندنا لا يمكن الاطمئنان بان المدرك لاتفاقهم كان امرا آخر لم يصل إلينا و لو وصل لكان تاما عندنا ايضا و لكن يمكن دعوى انصراف أدلة المعاملات عن التعليق في الصور الثلث المتقدمة فالحكم فيها بالبطلان لقصور دليل الإمضاء لا لمانع خارجي و لذا لا يصح البيع بتمليك الشي ء للآخر مستقبلا حتى فيما كان الجعل بنحو الواجب المعلق حيث ان تمليك العين موقتا غير معهود عند العقلاء بخلاف تمليك المنفعة كما لا يخفى مع انه لا يبعد ان يكون تعليق البيع على مثل مجي ء الولد حالا أو استقبالا موجبا لكون البيع غرريا و لكن هذا لا يجري في جميع العقود فضلا عن الإيقاعات.

(2) ربما يستدل على بطلان التعليق في العقود بما اشتهر بان الإنشاء غير قابل للتعليق و أجاب المصنف (ره) بما حاصله انه ان أريد بالإنشاء نفس الاعتبار و الجعل الذي يكون مدلول الهيئة في قول البائع بعت أو ملكت المال بكذا فإنه و ان لا يتصور التعليق فيه بان لا يكون

للقول المزبور مدلول الأعلى تقدير حصول المعلق عليه و لكن لا كلام في المقام في التعليق المزبور بل الكلام في تعليق المعتبر و المنشأ أي الملكية في المثال بان يكون المجعول الملكية على تقدير و هذا واقع عند العرف و العقلاء فيقع البحث في وجه عدم جوازه و كونه موجبا لبطلان العقد.

(3) يعنى ان يكون العقد بحيث يترتب عليه وجوب الوفاء بعد تماميته و إذا كان في البين تعليق، يتخلل بين العقد و وجوب الوفاء به، انتظار حصول المعلق عليه و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 124

..........

______________________________

أجاب (ره) عن ذلك بوجوه: أولا- عدم انحصار دليل صحة البيع مثلا بآية وجوب الوفاء بالعقود حتى لا يمكن التمسك بها في صورة تعليق العقد بل يمكن الأخذ في الحكم بصحة البيع على وجه التعليق بآية أحل اللّه البيع أو حديث الناس مسلطون على أموالهم.

لا يقال كما أن ما دل على ترتب وجوب الوفاء على العقد مقتضاه عدم التخلل بين العقد و وجوب الوفاء به كذلك آية حل البيع مقتضاها عدم الفصل بين البيع و حليته و نفوذه و كذا الأمر في حديث السلطنة.

فإنه يقال الظاهر من البيع معناه الاسم المصدري كما ذكرنا سابقا و معناه كذلك لا يتم الا بعد حصول المعلق عليه فلا يتخلل بين تمام المعنى الاسم المصدري و نفوذه فصل هذا على تقدير كون المراد من الحلية الوضع و على تقدير كونها تكليفا فالأمر أوضح فان الحلية التكليفية ترخيص في إيجاد البيع أو في التصرفات المترتبة عليه فتكون ثابتة للبيع قبل إنشائه لا ثابتة له على تقدير إنشائه كما في دليل وجوب الوفاء بالعقد حيث آية وجوب الوفاء بالعقد لا يقتضي

وجوب نفس البيع و العقد بل مقتضاه وجوب الوفاء به على تقدير حصوله بخلاف أحل اللّه البيع فإنها ترخيص في نفس البيع و في التصرفات المرتبة عليه.

و مما ذكرنا يظهر الحال في حديث السلطنة، نعم ذكرنا سابقا أنه لا يمكن التمسك بحديث السلطنة إلا في مورد الشك في ولاية المالك على التصرف المشروع في نفسه لا في مورد الشك في مشروعية نفس التصرف كما في المقام لان الكلام في مشروعية تعليق العقد و عدمها.

و ثانيا بان المستفاد من آية وجوب الوفاء هو الالتزام بمدلول العقد عملا فان كان مدلوله الملك المطلق فيكون الوفاء به هو الالتزام بالملك مطلقا و ان كان معلقا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 125

نعم ربما يشكل الأمر في فقد الشروط المقومة (1)

______________________________

فيكون الوفاء به بالالتزام بالملك موقوفا.

و بالجملة فلزوم الوفاء بالعقد نظير وجوب الوفاء بالعهد الذي يكون مطلقا و معلقا.

و أجاب ثالثا بان تخلف وجوب الوفاء عن تمام العقد قد وقع في موارد كالوقف و الهبة فإن الملكية فيهما مشروط بحصول القبض بل كالبيع في الصرف و السلم قبل حصول القبض في المجلس و كالبيع في مورد ثبوت خيار المجلس فليكن مورد التعليق منها.

و رابعا ان الدليل المزبور لا يمنع عن تعليق الإيجاب بحصول القبول بعده لان مع هذا التعليق لا يلزم تخلل الفصل بين تمام العقد و وجوب الوفاء به حيث ان القبول جزء العقد لا أمر خارج عنه.

و خامسا بان الدليل المزبور لا يجري في موارد التعليق على أمر حالي لم يحرز حصوله فإنه لو كان حصول للمعلق عليه في هذه الموارد فبتمام العقد يترتب عليه وجوب الوفاء به و بتعبير آخر يكون وجوب الوفاء

في تلك الموارد مراعى بانكشاف الحال لا موقوفا على حصول أمر بعد ذلك.

و سادسا بان الدليل المزبور لا يجري في الموارد التي ثبت فيها عدم ترتب الوفاء على العقد كالوصية التمليكية فإن الملك فيها للموصى له يحصل بعد موت الموصى فلا مانع في تعليق الوصية على أمر آخر ايضا غير موت الموصى.

(1) يعني ما يكون معتبرا في صحة العقد شرعا كملكية المبيع للبائع فإنها شرط في انتقاله إلى المشتري فالعلم بانتفاء ذلك فضلا عن التردد فيه لا يكون موجبا لانتفاء قصد الإنشاء أو التعليق في العقد و ما يكون- دخيلا في تحقق عنوان المعاملة حتى مع الإغماض عن حكم الشارع بصحتها بحيث لا يكون للعنوان المزبور تحقق عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 126

الظاهر الفرق بين مثال الطلاق و طرفيه (1)

______________________________

العرف بلا حصوله كما في الزوجية بالإضافة إلى الطلاق فإنه لا يكون لعنوان الطلاق خارجية إلا في مورد ثبوت علقة الزوجية و كالعتق فإنه لا يتحقق إلا في مورد الرقية- ففي مثل ذلك لا يمكن الإنشاء يعني قصد الطلاق أو العتق مثلا بدون إحراز الزوجية أو الرقية الأعلى وجه التقدير و التعليق و لو قيل بعدم جواز التعليق حتى في مثل هذه الموارد فلا بد من الطلاق أو العتق منجزا.

و لكن يظهر من الشهيد (ره) في القواعد ان العقد حتى بصورة التنجيز مع عدم الجزم باطل و قد ذكر انه لو تزوج بامرأة يشك في كونها محرمة عليه فظهر حلها فالنكاح باطل لعدم الجزم حال العقد ثم أردف على ذلك الإيقاعات كما لو خالع امرأة أو طلقها و هو شاك في زوجيتها أو ولى نائب الإمام قاضيا لا يعلم أهليته فظهر

أهلا فلا يثبت الطلاق أو الولاية على القضاء باعتبار عدم الجزم بهما حال إيقاعها.

و هذا بخلاف مسألة بيع الوارث المال لظن حياة مورثه فإنه صحيح فيما لو ظهر موت المورث و ذلك فان قصد التمليك من الوارث حاصل جزما كان هو المالك أو مورثه غاية الأمر يكون التمليك في الثاني فضوليا و تكون صحته فعلا على تقدير موت المورث و نظير هذا البيع تزويج أمة أبيه من آخر فظهر موت أبيه حال تزويجها فان القصد و الجزم بالنكاح حاصل غاية الأمر يكون النكاح على تقدير حياة أبيه فضوليا.

(1) المراد من طرفي الطلاق تزويج امراة يشك في أنها محرمة عليه فبان حلها و تولية نائب الإمام عليه السّلام قاضيا لا يعلم أهليته للقضاء فبان أهلا و الوجه في الفرق بينهما و بين الطلاق ان عنوان الطلاق لا يحصل الا مع الزوجية كما مر بخلاف النكاح فان عدم كون المرأة محرمة عليه شرط شرعي في النكاح كما ان عدالة القاضي مثلا شرط شرعي لتولى منصب القضاء فيمكن إنشائهما مع الجزم و بلا تعليق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 127

[اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول]
اشارة

فلو اختلفا في المضمون بأن أوجب البيع على وجه خاص (1)

______________________________

(أقول) بل لا فرق بينهما و بين بيع مال مورثه لظنه حياته فبان ميتا و حكم الشهيد (ره) ببطلانهما و بصحة بيع مال المورث لا يمكن المساعدة عليه.

(1) اختلاف الإيجاب و القبول في المضمون اما بالاختلاف في المالك كما إذا قال البائع بعتك هذا المال بكذا و قال غير المخاطب قبلت و اما بالاختلاف في العوضين كما إذا قال بعتك هذا المال بدينار فقال قبلت بعشرة دراهم و اما بالاختلاف في الشرط في المعاملة كما

إذا قال بعتك هذا بكذا على ان تخيط لي هذا الثوب فقال قبلت بلا شرط و الاختلاف في كل مورد من الموارد الثلاثة موجب لعدم حصول عنوان البيع و المعاهدة فما ذكر من اعتبار التطابق بين الإيجاب و القبول لا يكون لدليل خارج عن عموم الوفاء بالعقد و إطلاق حل البيع كما لا يخفى.

نعم بما أن معاملة الوكيل منسوبة إلى موكله فاختلاف الإيجاب و القبول بخطاب الوكيل و الموكل لا يضر كما إذا قال خطابا للوكيل بما هو وكيل بعتك هذا المال بكذا و قال قبلت لموكلي أو قال للموكل بعتك هذا المال بكذا و قال وكيله قبلت نعم إذا قال قبلت لنفسي لم يصح لان مع كون الثمن كليا كما هو المفروض يختلف الأغراض و ربما يرضى مالك المبيع بتملك عوض ماله بذمة شخص و يقدم على المعاملة معه و لا يرضى بتملكه على عهدة الآخر و على ذلك فلا يكون تمليك ماله لأحد بإزاء مال بذمته و قبول شخص آخر بمثل ذلك العوض بيعا.

نعم إذا كان العوضان عينين خارجيين فالمبادلة بينهما مقتضاها دخول إحداهما في ملك من تخرج عن ملكه الأخرى فلا يضر الخطاء في تشخيص مالكهما بان قال لأحد بعتك هذا المال بذلك زاعما انه مالك العوض قال مالكه الأصلي قبلت فلا يضر الخطاء المزبور بتمام المعاملة و صدق البيع.

و مما ذكرنا في المقام يظهر انه لو قال بعت هذا المال بكذا بشرط ان ترتكب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 128

..........

______________________________

الحرام الفلاني قال المشترى قبلت بلا شرط فلا يصح البيع نعم إذا تم البيع بإنشائه الرضا بالإيجاب المزبور يكون الشرط المزبور ملغى حيث انه لا يجب الوفاء و

لا يجوز الحرام باشتراطه في المعاملة.

و ذكر السيد النحوئى طال بقاه ان أصل الشرط خارج عن أصل المعاملة و لو قال بعتك هذا المال بكذا بشرط ان تخيط لي الثوب و قال المشترى قبلت بلا شرط تم الالتزام البيعي فيصح البيع فيما إذا رفع البائع يده عن شرطه و فيه ان البائع لو مات قبل إلغاء شرطه أو إقراره فلازم ما ذكر من خروج الشرط عن أصل المعاملة هو الحكم بدخول المبيع في ملك المشترى غاية الأمر يقوم ورثة البائع مقامه في فسخ المعاملة أو إلغاء الشرط و لا أظن الالتزام منه أو من غيره بذلك.

و ذلك فان اشتراط البائع الخياطة على المشترى معناه تعليق إيجاب البيع على التزام المشترى بحال العقد بخياطته الثوب المزبور و ليس المراد ان الخياطة خارجا هي المعلق عليه في إيجاب البائع ليكون اشتراطها من تعليق العقد الموجب لبطلانه بل المراد ان المعلق عليه لإيجاب البائع هو الالتزام الخارجي حال العقد بخياطة الثوب و لذا ربما يصرح البائع بأنك ان لم تلتزم بالخياطة فلا أبيعك المال نعم الخياطة خارجا وفاء بالمعاملة المزبورة و إذا لم تتحقق هذا الوفاء من المشترى لا يحب الوفاء على البائع أيضا لكون وجوبه حقا و يثبت له خيار الفسخ و التفصيل في باب الشروط إنشاء اللّه تعالى.

و على ذلك فلو قال البائع بعتك هذا المال على ان تخيط لي هذا لثوب فقال قبلت بلا شرط لم يتم البيع باعتبار ان إنشاء ملكية المبيع معلق على أمر لم يحصل بالقبول المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 129

و لو قال لاثنين بعتكما العبد بكذا (1)

______________________________

(1) و لو قال لاثنين بعتكما هذه العين بألف و

قبل أحدهما بيع نصفها بخمسمائة و لم يقبل الآخر بيع النصف الآخر يكون البيع في النصف غير تام ايضا باعتبار عدم التطابق بين الإيجاب و القبول و نظير ذلك ما إذا قال لواحد بعتك هذه العين بألف فقال اشتريت نصفها بنصف الثمن و اما لو قبل الآخر أيضا النصف الآخر بخمسمائة في المثال الأول أو قال المشترى في المثال الثاني اشتريت كل نصف بخمسمائة فالظاهر تمام البيع و لكنه لا يخلو عن إشكال.

أقول لا إشكال في الصحة لحصول التطابق بين الإيجاب و القبول بالإضافة إلى جزء المبيع و كله.

نعم الأظهر الحكم بالبطلان فيما لو كان القبول من واحد في المثال الأول أو قبول النصف فقط في المثال الثاني و الوجه في ذلك ان بيع المضاف الى الكل ينحل الى بيع أبعاضه المشاعة من النصف و الثلث و الربع الى غير ذلك بنسبة ذلك البعض الى الثمن سواء كان ذلك الكل يعد عرفا واحدا خارجيا أو كان بنظرهم اثنين كما إذا جمع كتابي الرسائل و المكاسب و باعهما صفقة واحدة غاية الأمر يكون في هذا القسم للبيع انحلال آخر و هو بيع كل من الكتابين بما يخصه من ذلك الثمن و إذا كانت القيمة السوقية للرسالة ثلث قيمة المكاسب يكون الانحلال الى بيعها بربع الثمن و بيع المكاسب بثلاثة أرباعه.

و ما عن بعض الأعاظم دامت شوكته من اختصاص الانحلال بهذا القسم فقط و لا يجري بالإضافة الى الاجزاء المشاعة للمبيع فضعفه يظهر بالرجوع الى بناء العقلاء فإنه إذا ظهر ثلث الدار المبيعة ملكا لغير البائع لا يرون فساد البيع رأسا بل فساده بالإضافة إلى ذالك الثلث.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 130

و من

جملة الشروط في العقد ان يقع (1)

______________________________

و على كل فلا ريب في انحلال البيع بالإضافة الى الاجزاء المشاعة للمبيع غاية الأمر يكون التزام البائع أو المشتري بالوفاء ببيع كل من تلك الاجزاء موقوفا على تمام البيع بالإضافة إلى سائر الاجزاء و مع تخلفه بالإضافة إلى سائر الأجزاء يثبت للآخر خيار التبعض.

و على ذلك فإذا قال أحدهما قبلت نصفه بنصف الثمن و سكت الآخر في المثال الأول أو سكت المشترى عن قبول النصف الآخر في المثال الثاني فهو بمنزلة قبول بيع النصف بلا شرط فلا يكون بين الإيجاب و القبول تطابق بخلاف ما إذا قال ذلك كل منهما أو بالإضافة الى كل نصف كما لا يخفى.

(1) يعنى ان الأمور المعتبرة في صحة التخاطب بحيث لا يكون الشخص مع فقدها قابلا له كالحياة و العقل و عدم الإغماء يجب حصولها لكل من البائع و المشترى من حين الإيجاب إلى تمام القبول و الوجه في اعتبارها كذلك عدم حصول عنوان التعاقد و التعاهد مع تخلل عدمها في واحد منهما قبل تمام القبول.

لا يقال كيف يتم عقد الوصية بقبول الموصى له بعد موت الموصى.

فإنه يقال الوصية حتى التمليكية منها لا تكون من العقود بل هي في حقيقتها إيقاع غاية الأمر صحة الإيصاء و نفوذها مشروط بعدم رد الموصى له ففي أي زمان حصل الرد المستمر يكون كاشفا عن بطلانها و لذا لا يترتب على فعل الموصى له آثار القبول فيجوز منه القبول بعد الرد و لو مات يقوم مقامه ورثته في قبولها بخلاف سائر العقود فإنه لا يصح فيها ذلك.

و كذا الحال في الأمور التي تعتبر في صحة تصرفات المالك و رضاه كعدم السفه و عدم الحجر بالإفلاس و

غيره فإنه لا بد من حصولها لكل واحد من طرفي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 131

..........

______________________________

العقد من حين الإيجاب إلى تمام القبول فإنه مع عدم ذلك لا يتحقق عنوان التعاقد و الأصل في ذلك يعنى ما يعلم منه اعتبار الرضا كذلك من كل منهما الى تمام القبول انه لو فسخ البائع إيجابه قبل تمام قبول المشتري لغي الإيجاب فإن هذا الفسخ إبراز لعدم رضاه بتمام العقد و لو لم يكن حين قبول القابل رضا الموجب معتبرا بل كان المعتبر رضاه عند الإيجاب فقط لم يكن الفسخ المزبور نافذا.

لا يقال على ذلك فكيف يصح بيع المكره مع لحوق رضاه به و إذا كان لحوق الرضا كافيا يكون الرضا بعد الإيجاب و عند القبول أولى بالكفاية.

فإنه يقال يمكن القبول بأن كفاية الرضا المزبور في مورد الإكراه للإجماع انتهى.

أقول الأمور المعتبرة في المتعاقدين على نحوين قسم منها ما لا يصدق مع فقده عنوان البيع أو نحوه عرفا بل يصح عند هم ان يقال لا بيع كالالتفات و القصد في كل من المتعاقدين حال الإنشاء و في هذا القسم يعتبر ما هو ملاك الصدق فلا يضر عدم الالتفات من القابل إلى إنشاء الموجب حال إيجابه بل لو علم إيجابه مقارنا لتمامه أو بعده فقال مع عدم فوات الموالاة المعتبرة قبلت يحصل البيع.

و قد ذكرنا سابقا ان إرسال الهدية مع قصد الملك تمليك و تسلم المهدى اليه قبول و ان لم يعلم بالإرسال عند حدوثه.

و بالجملة المعتبر في تحقق عنوان البيع حصول هذه الأمور للقابل عند قبوله و لو كان القابل عند إيجاب البائع في النوم الخفيف مثلا و بعد إيجابه تيقظ و التفت الى الإيجاب

بخصوصياته فقبله تم عنوان البيع و العقد.

و مما ذكرنا يظهر أن ما ذكره السيد اليزدي ره من عدم اعتبار هذه الأمور في الموجب حال قبول القابل بل المعتبر حصولها في الموجب حال إيجابه و في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 132

اردئها أخيرها (1)

______________________________

القابل من حين إيجاب الموجب لا أساس له و كذا لا يعتبر استمرار هذه الأمور في الموجب من حين إيجابه إلى تمام القبول و لو أخذه النوم بعد إيجابه و استيقظ قبل قبول المشتري أو قبل تمامه و لم يلغ إيجابه تم عنوان البيع و تخلل فقدها بين إيجابه و تمام القبول غير قادح كما ذكر السيد الخوئي طال بقاه.

و النحو الآخر ما يكون معتبرا في صحة البيع و وقوعه مورد الإمضاء عند العقلاء و الشرع كاعتبار المالكية في كل من البائع و المشترى أو البلوغ أو عدم الإكراه أو عدم الحجر فاعتبار هذه الأمور تابع للدليل الدال على اعتبارها فقد يكون مفاده حصول ذلك الأمر في الموجب حال إيجابه و في القابل حال قبوله كالبلوغ و قد يكون مفاده حصوله و لو بعد العقد كطيب النفس ففي أي مورد حصل يتم البيع.

فقد ظهر مما ذكرنا ان القول باعتبار تحقق الأمور المعتبرة في كلا القسمين في كل من الموجب و القابل من حين العقد الى تمام القبول كما هو ظاهر المصنف (ره) و صرح النائيني (ره) بكونه من القضايا التي قياساتها معها ضعيف.

و لذا يذكر (ره) فيما يأتي ان صحة بيع المكره بلحوق الرضا ليس بتعبد خاص للإجماع أو غيره بل هي مقتضى دليل حل البيع كما ظهر حال فسخ الموجب قبل تمام القبول فان المعتبر من رضا البائع

في تأثير العقد رضاه عند تمام البيع أو بعده و مع وقوع الفسخ قبل تمامه ينتفي موضوع الحكم بالصحة.

(1) و وجه كونها اردئها انه إذا قيل بان الحكم الظاهري في حق أحد كالحكم الاضطراري في كونه واقعيا ثانويا و انه يكون الإيجاب بالفارسي مثلا كاشارة الأخرس و تقديم القبول مع اعتقاد القابل جوازه كتأخيره في تمام العقد، يكون العقد المزبور تاما في حقهما معا و لو بحسب الحكم الواقعي الثانوي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 133

..........

______________________________

و هذا بخلاف ما ذكر (ره) في الموالاة و التنجيز و عدم بقاء البائع على شرط المتعاقدين حال قبول المشترى حيث انه لو كان الإيجاب معلقا على أمر و قد رأى القابل بطلان التعليق يكون قبوله ايضا معلقا لانه لا يمكن التفكيك بين الإيجاب و القبول في التعليق مع التحفظ على التطابق بينهما.

و الحاصل إذا يرى الموجب عدم البأس بتعليق إيجابه و يرى القابل بطلان التعليق لا تكون صحة الإيجاب بناء على مسلك السببية و كونه كاشارة الأخرس موجبا لصحة القبول من المشترى الذي يرى بطلان قبوله باعتبار كونه معلقا و كذا الحال في فقد الموالاة حيث ان مع فقدها بين الإيجاب و القبول يكون فعل من يعتبرها باطلا و لا يجدى في صحته صحة فعل الآخر و لكن قد يقال ان المعاملة لا يمكن تفكيكها في الصحة بالإضافة إلى المتعاقدين فان معنى صحة البيع مثلا حصول ملكية المبيع للمشتري بالعوض و صحة النكاح بمعنى حصول الزوجية بين المتعاقدين و هكذا.

و إذا كانت المعاملة التي يرى الموجب مع فقد الموالاة صحتها صحيحة فصحتها واقعا بحصول ملكية المبيع واقعا للمشتري بإزاء الثمن كما هو مقتضى إطلاق دليل الاعتبار

بناء على مسلك السببية و لا يمكن مع حصولها كذلك فسادها و عدم حصول الملكية له بالإضافة إلى المشترى و كذا الحال في النكاح و غيره من المعاملات و لو أمكن التفكيك في الصحة أمكن أيضا فيما كان فعل أحدهما في نظره صحيحا و فعل الآخر فاقدا للشرط فقط كما إذا أنشأ الإيجاب باللغة الفارسية في النكاح و يرى القابل بطلان عقد النكاح بغير العربية فإنه يمكن معه دعوى ان صحة الإيجاب باللغة الفارسية بالإضافة إلى الموجب فقط لا حتى بالإضافة إلى القابل المزبور و المتحصل ان الأحكام التكليفية التي تكون موضوعاتها الأفعال الخارجية فيمكن فيها ان يكون فعل خارجي موضوعا لحكم تكليفي بالإضافة إلى مكلف و لا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 134

..........

______________________________

موضوعا لذلك الحكم بالإضافة إلى مكلف آخر كما إذا سافر المكلف إلى أربعة فراسخ و رجع في يومه فيمكن على القول بالسببية التبعيض بان يكون السفر المزبور موضوعا لوجوب القصر واقعا بالإضافة إلى مكلف، و لا يكون موضوعا بالإضافة إلى الآخر و كذا الحال في الأحكام الوضعية التي تكون موضوعاتها الأعيان الخارجية أو الأفعال الخارجية فيمكن ان تكون عين موضوعا واقعا للنجاسة بالإضافة إلى مكلف و لا يكون موضوعا لها بالإضافة إلى الآخر و اما المعاملات فلا يمكن فيها التفكيك في الصحة و الفساد بان تصح بالإضافة إلى طرف دون الطرف الآخر و فيه انه بناء على مسلك السببية يكون العقد المفروض في المقام محكوما عليه بالصحة بالإضافة إلى كلا الطرفين حيث انه بعد سقوط ما يكون معتبرا في فعل الموجب أو القابل باجتهاد صاحبه أو تقليده يتم العقد لا لمجرد ان العقد لا يتبعض بالصحة بالإضافة

إلى أحدهما و الفساد إلى الآخر.

ليقال لا وجه بعد عدم إمكان تبعض العقد بالإضافة إليهما لتقديم الصحة على الفساد و انه لو كان عدم إمكان التبعض موجبا لتقديم الصحة فلازمه ان يحكم بالصحة فيما إذا أتى المجتهد الذي يرى اعتبار العربية بالإيجاب بغيرها و أتى المجتهد الثاني أيضا القبول بغيرها حيث ان هذا العقد بنظر المجتهد الثاني صحيح و الصحة لا تتبعض بل الوجه في عدم الحكم بالصحة في هذا المثال هو انه بناء على مسلك السببية الإيجاب الواقع من المجتهد الأول باطل واقعا حتى بنظر المجتهد الثاني كما هو مقتضى مسلك السببية حيث ان عدم اعتبار العربية بناء على ذلك المسلك مختص بمن يرى عدم اعتبارها و على ذلك فإذا اتى المجتهد الأول الإيجاب بالعربية و اتى الثاني القبول بغيرها يكون العقد بناء على ذلك المسلك صحيحا واقعا بحسب نظر كلا المجتهدين اما المجتهد الثاني فلانه لا يرى اعتبار العربية و اما بنظر المجتهد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 135

..........

______________________________

الأول فلان ذلك مقتضى سقوط العربية عن الشرطية في القبول الصادر عن المجتهد الثاني.

و الحاصل ان مقتضى مسلك السببية تعين صحة العقد لا تردده بين ان يحكم بالصحة لكلا الطرفين أو بالفساد كذلك ليكون تقديم الصحة على الفساد ترجيحا بلا معين و مما ذكرنا يظهر صحة التفصيل الذي ذكر المصنف (ره) فإنه إذا أتى بالإيجاب من يرى اعتبار الموالاة في العقد ثم بعد فواتها قبل القابل الذي لا يرى اعتبارها يكون قبول ذلك القابل صحيحا حتى عند الموجب بناء على مسلك السببية و لكن إيجاب نفسه باطل حيث ان الموالاة معتبرة في الإيجاب الذي فعله حتى بناء على مسلك السببية فتدبر.

هذا

كله بناء على السببية و اما بناء على مسلك الطريقية فيقع الكلام تارة في المعاملة من شخصين يرى أحدهما بحسب اجتهاده أو تقليده صحة فعله و يرى الآخر بطلانه كما إذا كان البائع مقلدا لمن يقول ببطلان المعاطاة و قبل المشتري الإيجاب بنحو المعاطاة فهل يحكم بفساد البيع أم لا و أخرى في أنه يجوز لشخص آخر غير المتعاملين ترتيب آثار الصحة على المعاملة الصادرة التي يرى ذلك الآخر بحسب اجتهاده أو تقليده بطلانها كما إذا أراد شراء مال يعلم ان بايعه تملكه بالمعاطاة التي لا يرى مريد الشراء صحتها و نظير ذلك ما إذا أراد شراء ارض من امرأة يعلم انها تملكها من زوجها بالإرث مع ان هذا الشخص يرى ان الزوجة لا ترث من العقار فنقول في المقام الأول لا ينبغي الريب في ان المعاملة الواحدة لا تتبعض في الصحة و الفساد بالإضافة إلى المتعاملين حيث لا تبدل في الشرائط المعتبرة في المعاملة.

و انه يكفى في بطلانها واقعا الإخلال بتلك الشرائط و لو من أحدهما و لكن التفكيك بين المتعاملين في صحة المعاملة و فسادها بالحكم الظاهري أمر ممكن حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 136

..........

______________________________

لا بعد في قيام حجة عند أحدهما بصحة المعاملة المفروضة و عند الآخر على بطلانها فيعمل كل منهما على طبق الحجة القائمة عنده فان لم يلزم من عملهما على طبقهما التخاصم و التشاجر فهو و الا يكون المورد من الموارد التي لا بد من الرجوع فيها الى الحاكم الذي يصح له القضاء سواء كان المتخاصمان مجتهدين أو مقلدين لاعتبار قضائه في حق كل منهما و مع عدم إمكان ذلك يصح لمن يرى الصحة في

مثل البيع الفسخ باعتبار ان صاحبه تخلف عن الوفاء به و في المقام تفصيل أبداه صاحب الكفاية (ره) و هو ان من لا يرى اعتبار أمر في معاملة يرى الآخر اعتباره فيها لو كان مستندا إلى أصل عملي من أصالة الطهارة أو الحلية أو استصحابهما أو البراءة عن الشرطية مثلا يلزم على الطرفين ترتيب آثار الصحة عليها و الا كان الأمر كما تقدم و نتعرض لهذا التفصيل في المقام الثاني إنشاء اللّه تعالى.

و اما المقام الثاني فلا ينبغي الريب أيضا في انه للآخر ترتيب آثار الصحة فيما إذا كان الصادر نكاحا يرى المتعاقد ان صحته بل يجب على الآخرين ترتيب آثار الصحة حتى مع علمهم ببطلانه واقعا بحسب حكم الشارع فان على ذلك سيرة المسلمين و يدل أيضا معتبرة أبي الحسن الحذاء «1».

قال كنت عند ابى عبد اللّه (ع) فسألني رجل ما فعل غريمك قال ذاك ابن الفاعلة فنظر الى أبو عبد اللّه (ع) نظرا شديدا قال فقلت جعلت فداك انه مجوسي أمه أخته فقال أو ليس ذلك في دينهم نكاحا.

و مقتضى هذه المعتبرة انه لا يجوز للابن نكاح زوجة أبيه مثلا حتى فيما إذا علم الابن فساد ذلك النكاح نعم لو لا هذه المعتبرة و السيرة المشار إليها لم يكن قوله سبحانه وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ شاملا لذلك النكاح حيث ان ظاهره كظاهر

______________________________

(1) الوسائل- باب 1- من أبواب حد القذف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 137

..........

______________________________

خطابات سائر المعاملات هو الصحيح.

و الحاصل أن النكاح بناء على مسلك الطريقية يكون مستثنى في المقام الثاني دون المقام الأول فإنه إذا إنشاء النكاح المرأة بإيجاب يرى القابل بطلان ذلك الإيجاب فلا يحكم

بصحة النكاح واقعا و لا ظاهرا بالإضافة إلى الزوج.

و قد يقال ان المتعاقدين المختلفين ان كانت صحة فعل أحدهما مقتضى الأصل كأصالة الحلية أو الطهارة أو استصحابهما أو البراءة فلا بد من الحكم بصحة العقد لأن الأصل المزبور مسقط لما يعتبره الآخر عن الشرطية بالإضافة إلى الأول كما إذا رأت المرأة صحة النكاح المنشأ بغير العربية و ذكرت إيجابها بالفارسية و قبله الرجل بالعربية مع اعتقاده اعتبارها فإنه يكون العقد المزبور صحيحا عندهما اما عند المرأة فظاهر و اما عند الرجل فإن أصالة البراءة الجارية عند المرأة عن اعتبار العربية قد أسقطت اعتبارها عن الإيجاب و يكون المقام نظير ما كان المأموم مخالفا لإمامه في جزء الصلاة أو شرطها كما إذا كان الامام معتقدا عدم وجوب السورة بعد الحمد في الركعتين الأولتين فتركها و المأموم معتقدا وجوبها فإنه يجوز له الاقتداء.

و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا رأى المتعاقدان صحة العقد لعدم اعتبار أمر فيه عندهما و يرى الغير الذي يريد ترتيب الأثر على عقدهما اعتباره انه لا مانع من ترتيب الأثر فيما إذا كان المستند لعدم اعتبار المتعاقدين هو الأصل العملي.

أقول ما ذكر في اختلاف الامام و المأموم صحيح و انه يجوز اقتداء المأموم المفروض بالإمام بلا فرق بين كون منشأ اعتقاد الامام صحة صلاته أصلا عمليا و امارة و السر في ذلك ان مثل حديث لا تعاد اقتضى صحة صلاة الإمام في غير مورد إخلاله بما ذكر في المستثنى من ذلك الحديث بسقوط غير ما ذكر فيه عن الاعتبار مع الإخلال عن عذر و لو كان اختلافهما في اعتبار مالا يقضى حديث لا تعاد سقوطه عن الاعتبار لم

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 2، ص: 138

لو قبض ما ابتاعه بالعقد الفاسد (1)

______________________________

يجز له الاقتداء به كما إذا تيمم الإمام في مورد يرى المأموم الوضوء هي الوظيفة فلا يجوز له الاقتداء به سواء كان المنشأ لاعتقاد الإمام الأصل العملي أو الامارة.

و الحاصل لا خصوصية للأصل العملي و لا لباب الصلاة بل يعم ما ذكر كل مورد سقط فيه الاعتبار الاولى سقوطا واقعيا للجهل أو غيره و مفاد الأصل كالامارة لا يكون الا حكما طريقيا و الحكم الطريقي شأنه التنجيز و التعذير لا حكما نفسيا ليكون حاكما على أدلة الاشتراط و يرتفع موضوع وجوب التدارك مع كشف الخلاف بعد ذلك.

ألا ترى انه لو جرت أصالة الطهارة أو استصحابها في ماء غسل به المتنجس ثم انكشف نجاسة ذلك الماء لا يحكم بطهارة ذلك المغسول مع انه على الحكومة لا بد من الحكم بطهارته و كذا لو اشترى ما يشك في كونه وقفا ثم ظهر كونه وقفا الى غير ذلك من موارد التخلف من المعاملات و غيرها.

(1) المراد بفساد العقد اما فساده من جهة خصوص الأمور المعتبرة في نفس العقد أو الأعم منها بحيث يعم ما يعتبر في المتعاقدين و العوضين و كيف كان فالمقبوض بالبيع الفاسد لا يدخل في ملك القابض لفساد البيع و يكون ضمان تلفه عليه و يستدل على هذا الضمان برواية على اليد ما أخذت حتى تؤدى التي رواها العامة و ذكرها بعض أصحابنا في كتبهم الفقهية و مفادها ضمان المال المقبوض و خسارة تلفه على عهدة الآخذ كما هو مقتضى اسناد الظرف الى المال كما ان اسناد الظرف الى فعل ظاهره وجوبه تكليفا.

و بالجملة اسناد الظرف الى المال يفيد ضمانه الذي يكون من قبيل الحكم

الوضعي و حيث ان هذا الحكم لا يختص بالبالغين فلا يبعد شمول الرواية للصبي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 139

..........

______________________________

و المجنون ايضا فيما إذا صدق انهما وضعا يدهما على المال كما إذا كان الصبي مميزا و جنون المجنون خفيفا.

أقول الرواية لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يخفى ما فيها لقوة استنادهم في حكمهم بالضمان الى ما نذكر من جريان سيرة العقلاء على الضمان في مورد الاستيلاء على مال الغير بلا استيمان و بلا اذن في إتلافه مجانا.

و يستدل على ضمان التلف أيضا بمرسلة جميل بن دراج «1» عن أبي عبد اللّه (ع) عن رجل اشترى جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة قال يأخذ الجارية صاحبها و يأخذ الرجل ولده بقيمته و هذه و إن كانت مرسلة الا ان مضمونها وارد في البعض الآخر من الروايات المعتبرة.

و وجه الاستدلال بها ان ضمان المشترى الولد بقيمته لكون الولد المفروض نماء الأمة و باعتبار كونه حرا يكون من النماء الذي لم يستوفه المشترى فيلزم ضمان الأصل بطريق اولى و لكن يمكن المناقشة في الاستدلال بوجوه.

منها ان أخذ المشتري ولده بقيمته حكم تعبدي لا يقتضيه قاعدة ضمان التلف فان الولد تابع للأب فالولد حر و فرضه رقا و إعطاء قيمته لمالك الجارية عوضا عما فات من منفعتها عند المشترى و هي قابلية رحمها للاستيلاد تعبد غاية الأمر يكون الفرض مثل ما إذا زرع انسان ارض الآخر فعليه عوض منفعة تلك الأرض الفائتة بيده أي أجرة مثلها.

و دعوى ان عليه قيمة الزرع المزبور يعطيها لصاحب الأرض خارجة عن قانون ضمان التلف و بالجملة بما ان الحكم في الرواية تعبد فلا

يمكن التعدي الى

______________________________

(1) باب 88 من أبواب نكاح العبيد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 140

مما كان فيه شائبة الإيقاع أو كان أقرب إليه (1)

______________________________

ضمان تلف الجارية فضلا عن كونه بالأولوية.

و منها ان الرواية لا دلالة لها على الضمان في تلف المال فيما إذا كان وضع اليد عليه بالمعاملة الفاسدة مع مالكه كما هو محل الكلام أو داخل فيه و انما تدل على الضمان في مورد فساد البيع بالغصب و عدم كون بايعه مالكا و الضمان في هذا لا يلازم الضمان في الأول.

و منها ما أشار إليه (ره) بقوله فليس استيلادها من قبيل إتلافها إلخ و حاصل المناقشة ان المفروض في الرواية من قبيل إتلاف المنفعة فيكون ضمانها ضمان إتلاف لا ضمان التلف كما هو مورد الكلام في المقام.

و أجاب (ره) ان استيلاد الأمة ليس من إتلاف نماء رحمها ليدخل الفرض في مورد إتلاف مال الغير بل يكون استيلادها من انمائها بنماء لا يدخل ذلك النماء في ملك أحد بحكم الشارع و ليس عدم دخوله في ملك أحد فعل المشترى حتى يضاف التلف اليه بل الى حكم الشارع بكون الولد حرا فهو كالتالف لا المتلف بفعل المشتري.

أقول قد ذكرنا ان الولد لا يكون نماء الرحم الذي يكون لصاحب الجارية بل ملكه قابلية رحمها للاستيلاد التي استوفاها المشترى باستيلادها فالضمان في المورد في ضمان المنفعة المتلفة على مالك الجارية كما لا يخفى.

نعم لا حاجة في الحكم بضمان اليد إلى الرواية فإن الضمان في غير موارد الاستيمان المالكي أو الشرعي قد جرت عليه سيرة العقلاء و لم يردع عنها الشرع فيكون الضمان في ذلك نظير سائر الأحكام التي يكون الدليل عليها السيرة العقلائية.

(1) الأول

كما في الجعالة حيث قيل انها من الإيقاع و انها تتم بالإيجاب من الجاعل فقط و ان العمل من العامل لا يكون قبولا و لذا يكون رد الضالة و لو بعد زمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 141

[قاعدة ما يضمن بصحيحه]

المراد بالضمان في الجملتين (1)

______________________________

يفوت معه الموالاة بين الإيجاب و القبول موجبا لاستحقاق الراد الجعل و كذا يستحق ذلك الجعل حتى الصبي الراد للضالة مع عدم الاعتبار بقبوله و كيف ما كان فلو تم القول بأنها عقد يكفي في قبولها العمل حتى مع الفصل المزبور فيكون فيها شائبة الإيقاع و احتماله.

و الثاني و هو ما كان أقرب الى الإيقاع كالخلع فإنه في حقيقته طلاق على شرط العوض و الفدية و الطلاق من الإيقاع و لكن لشرط الفدية على الزوجة يحتاج الى قبولها.

(1) و حاصل ما افاده (ره) ان الضمان عبارة عن كون درك المال و خسارة تلفه على الشخص بان يجب عليه تداركه من ماله بأداء البدل منه و التدارك بالبدل اما ان يكون بأداء العوض المسمى كأداء الثمن في ضمان المبيع و الأجرة المسماة في ضمان المنفعة أو يكون بأداء البدل الواقعي يعنى المثل أو القيمة أو أقل الأمرين من العوض المسمى و البدل الواقعي و إطلاق الضمان و عدم تقييده بالعوض المسمى أو بأقل أمرين مقتضاه ثبوت العوض الواقعي و لذا يحمل إطلاقه على ذلك في الضمان المشترط في مثل العارية أو فيما ورد في أدلة المضمونات من المغصوبات و غيرها.

و بالجملة فالتفكيك في الضمان بين فرض فساد البيع بحمله على العوض الواقعي و بين فرض صحته بحمله على الثمن المسمى باعتبار القرينة في الثاني و إطلاقه في الأول لا باعتبار

ان ضمان المبيع مثلا بالثمن المسمى ينافي فرض الفساد فإنه يمكن فرض فساد المعاملة و مع ذلك يكون المال عند تلفه ملكا له كما مر نظير ذلك في ملزمات المعاطاة على القول بالإباحة.

أقول لا يخفى ان الضمان في صحيح البيع مثلا ضمان معاوضي يثبت ملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 142

لا لان معنى الضمان في الصحيح مغاير (1)

______________________________

الثمن للبائع و يكون على المشترى دفعه اليه مع تسليم المبيع سواء تلف ذلك المبيع بعد قبضه أم لا.

و بعبارة أخرى لا يكون ثبوت هذا الضمان معلقا على تلف المبيع نعم مثل ضمان الذهب أو الفضة في عاريتهما ضمان تلف كانت العارية صحيحة أو فاسدة فلا بد من ان يراد بالضمان المعنى العام و هو ثبوت البدل للمال و المعنى ان كل مورد ثبت فيه ملك بدل المال لمالكه مع صحة العقد سواء كان ثبوت ملك البدل معلقا على تلف المال كما في مورد ضمان عارية الذهب و الفضة و نحوهما أو مطلقا كما في ضمان المشترى الثمن للبائع يثبت البدل مع فرض فساد العقد غاية الأمر يكون البدل في فرض الفساد من ضمان التلف دائما.

و الحاصل ان ما ذكره المصنف (ره) في المراد بالضمان في القاعدة و هو كون خسارة المال و دركه في ماله الأصلي و انه إذا تلف وقع النقص فيه بتداركه منه لا يتم في ضمان المشترى المبيع مع صحة البيع لما ذكرنا من ان ضمانه المبيع لا يكون بمعنى تدارك خسارة تلفه كما لا يخفى.

نعم يكون فيه الضمان بمعنى ان المبيع يتلف مملوكا للمشتري و لكن ذكر (ره) ان هذا ليس معنى الضمان فلا يقال الإنسان ضامن لأمواله.

(1) يعنى

ان الضمان يراد به كون خسارة المال و دركه عليه بتداركه من ماله و افادة كون التدارك بالعوض المسمى يكون بتعدد الدال و المدلول و مع عدم الدال الآخر يكون مقتضى إطلاق الضمان هو التدارك بالعوض الواقعي يعنى المثل أو القيمة و قد ظهر ان لفظ الضمان في القاعدة المزبورة لم يستعمل إلا في معنى واحد بالإضافة إلى صحيح العقد و فاسده فلا يلزم فيها التفكيك بينهما.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 143

ثم العموم في العقود ليس باعتبار خصوص الأنواع (1)

______________________________

(1) أنواع العقد مختلفة في الضمان و عدمه فقد يكون نوع موجبا للضمان كالبيع و الإجارة بمعنى ان جميع افراد نوع لو كان في صحيحها الضمان لكان الضمان في فاسدها ايضا و قد لا يكون نوع موجبا للضمان بمعنى انه لا يكون في أفراده الصحيحة ضمان كالوديعة فتكون افراده الفاسدة أيضا كذلك و ثالثة لا يكون النوع موجبا للضمان مع ثبوته في بعض أصنافه كالعارية فان نوعها لا يوجب الضمان و يكون الضمان في مثل عارية الذهب و الفضة.

و على ذلك فلو كان العموم في القاعدة بحسب الأنواع فقط أصلا و عكسا لكان مفادها عدم الضمان في فاسد عارية الذهب و الفضة باعتبار انه لا يكون في نوع العارية ضمان و على ذلك فلا بد من كون العموم في القاعدة بلحاظ الأنواع و الأصناف بأن يكون مفادها ان كل نوع من العقد أو صنف من نوعه كان فيه مع صحته ضمان يكون فاسده ايضا تابعا لصحته في الضمان فيكون الضمان في العارية المزبورة باعتبار ثبوته في ذلك الصنف في فرض صحته.

لا يقال ظاهر العموم هو الاستغراق بحسب افراد العقد لا الأنواع أو

الأصناف فيكون مفادها ان كل ما يكون في الخارج من اشخاص العقد فان كان فيه الضمان في فرض صحته يكون الضمان في فرض فساده ايضا و إلى ذلك أشار (ره) في عبارته بقوله و ربما يحتمل في العبارة إلخ و على ذلك فلو باع البائع متاعه بلا ثمن بان قال بعتك بلا ثمن و قبله المشترى فلا يثبت في ذلك ضمان المبيع لان هذا البيع على تقدير صحته و إمضاء الشارع لم يكن فيه ضمان فلا يكون الضمان مع فساده ايضا و هذا بخلاف ما إذا كان العموم في القاعدة بحسب الأنواع أو الأصناف فإنه بناء عليها يثبت في المثال الضمان فان نوع البيع فيه ضمان مع صحته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 144

و يظهر من الرياض اختيار الضمان بفاسدها مطلقا (1) ثم ان لفظة الباء (2)

______________________________

فإنه يقال ظاهر عبارة القاعدة تبعية فاسد العقد لصحيحة في الضمان و انه إذا ثبت في مورد الضمان بالعقد الصحيح يثبت الضمان في ذلك المورد بفاسده فلا بد من كون الاستغراق بحسب النوع أو الصنف ليكون له فرد صحيح و فاسد فعلا و يكون فاسده تابعا لصحيحة و هذا بخلاف ما كان الاستغراق بحسب الأشخاص فإنه لا يمكن الصحة و الفساد في الشخص الا على نحو التقدير و التعليق.

و بالجملة ظاهر العبارة فعلية القسمين لا تقديرهما فيكون مفادها ثبوت الضمان في المثالين المتقدمين باعتبار ثبوت الضمان في جميع الأفراد الصحيحة لنوع البيع أو الإجارة.

أقول الظاهر عدم الفرق في النتيجة بين ارادة النوع أو الصنف أو الأشخاص و انه لا يثبت الضمان في المثالين المتقدمين باعتبار ان البيع بمعناه لا ينطبق على المعاملة المزبورة حيث ان مفاد

قوله بعتك بلا ثمن ارادة التمليك مجانا و هذه في حقيقته هبة مجانية قد عبر عنها بلفظ البيع فلا ضمان فيها و لا يبعد صحتها إذ لا يعتبر في إنشاء الهبة لفظ خاص و كذا الحال في قوله أجرتك بلا أجرة فإنه من تمليك المنفعة مجانا فلا ضمان فيه.

(1) أى بفاسد الإجارة سواء كان شرط الضمان أم لا.

(2) ان كان الباء بمعنى في فالمفاد واضح و ان كان بمعنى السببية فلا بد من كون المراد بها الدخالة و لو بشرط القبض و انه إذا كان صحيح العقد دخيلا في الضمان و لو كانت دخالته بالنحو الناقص كما في بيع الصرف و السلم حيث يتم الضمان فيهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 145

ثم ان المدرك لهذه الكلية (1) هو اقدام الآخذ على الضمان (2)

______________________________

بالقبض يكون كذلك فاسده.

أقول لعمري ان الكلام في القاعدة و تصحيح مفادها بلا طائل فإن الضمان كما ذكرنا في أول البحث يكون ضمانا معامليا و أخرى ضمان تلف و يحتاج ثبوت كل منهما في عقد الى دليل إمضاء ذلك العقد أو الحكم به فيه كالحكم في النكاح بضمان الزوج المهر المسمى أو بضمان المستعير تلف الذهب أو الفضة و مع فرض فساد النكاح أو العارية ينتفي الضمانان و لا يمكن الحكم بثبوتهما في فاسدهما لان حكم الشارع بهما ثابت في مورد صحيح العقد فكيف يقاس عليه فاسده و لو كان في الفاسد الضمان بالأدلة العامة فلا بد من التكلم في تلك الأدلة بدلا عن التكلم في القاعدة فيرى ان تلك الأدلة تعم العقود الفاسدة أم لا.

(1) و لعل مراد المسالك في تعرضه للقاعدة في مسألة الشروط هو ان كون

العين المرهونة مبيعا بإزاء الدين عند انقضاء أجل الدين شرط فاسد حيث ان الشرط المزبور من شرط النتيجة و كون البيع محتاجا إلى الإنشاء ظاهر.

لا يقال اشتراط المزبور بنفسه إنشاء للبيع.

فإنه يقال على تقدير كونه إنشاء فهو بيع معلق و الحاصل بما انه ليس العين المرهونة في الرهن الصحيح مضمونة على المرتهن فلا تكون مضمونة في فاسده ايضا هذا بالإضافة الى قبل انقضاء الأجل و البناء على ان الشرط المزبور فاسد و مفسد للرهن و اما بعد انقضاء الأجل فيدخل العين المرهونة في ضمان المرتهن حيث ان صحيح البيع فيه ضمان فيكون الضمان في فاسده ايضا و المفروض تحققه بفعلية المعلق عليه بمقتضى شرط النتيجة فيكون المشتري يعني المرتهن ضامنا للعين المرهونة بعدها.

(2) قد ذكر في أدلة الضمانات أمور: منها قاعدة الإقدام على الضمان و أورد عليها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 146

و اما خبر على اليد فدلالته (1)

______________________________

المصنف (ره) بوجهين.

الأول ان المشترى في البيع الفاسد يكون اقدامه على ضمان المبيع بالثمن المسمى و إذا فرض عدم ثبوت هذا الضمان كما هو مقتضى الفساد يكون ضمانه بضمان التلف بلا موجب فإنه ضمان لم يقدم عليه المشترى.

و الثاني ان النسبة بين الاقدام و ثبوت الضمان العموم من وجه فلانه قد لا يثبت الضمان بمجرد الاقدام عليه كما في البيع قبل القبض فإن إقدام المشترى على ضمان المبيع يكون بشرائه مع ان ضمانه عليه يثبت بعد قبضه و قد لا يكون اقدام و لكن يثبت الضمان كما إذا اشترى متاعا بشرط عدم ضمان ذلك المتاع حتى بعد القبض فإنه لا يكون مع الشرط المزبور اقدام من المشترى على الضمان و كذا في مورد

البيع بلا ثمن أو الإجارة بلا اجرة.

أقول الاولى في المثال للضمان مع عدم الاقدام بما أخذ العين الموهوبة له مجانا فبانت ملك الآخر فإنه بقبوله الهبة من غير مالكها مع جهله بالحال لم يقدم على الضمان أصلا.

و اما ما ذكره المصنف (ره) من المثال لثبوت الضمان مع عدم الاقدام فيمكن المناقشة فيه بعدم ثبوت الضمان في مثالي البيع بلا ثمن أو الإجارة بلا اجرة كما مر و اما مسئلة شراء المتاع بثمن معين بشرط كون ضمان تلفه على البائع حتى بعد القبض فالشرط المزبور باعتبار فساده يكون ملغى و يصح أصل البيع و يثبت الضمان المعاملي فيجب على المشترى دفع الثمن بأخذه المبيع.

(1) قد تقدم ان الحديث نبوي ضعيف ذكر في بعض الكتب الفقهية أخذا من العامة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 147

..........

______________________________

و دعوى انجبار ضعفه بعمل المشهور مدفوعة بأنه لم يحرز استنادهم في حكمهم بالضمان اليه و يكفي في ذلك ملاحظة كلام الشيخ (ره) و استدلاله على الضمان بالاقدام دون الحديث و في دلالته ايضا على ضمان المنافع قصور فان الذيل فيه قرينة على انحصار مدلوله بما إذا كان المأخوذ قابلا للرد الى مالكه كما في العين و اما المنافع فهي غير قابلة للرد المستوفاة منها أو غيرها حيث انها تفوت بمرور الزمان و هذا بالإضافة إلى منافع الأعيان التي تؤخذ بتبع أخذ تلك الأعيان و اما الأفعال كالخياطة فإنها غير قابلة للأخذ فلا يكون الحديث دالا على ضمان المستأجر فيما إذا خاط الأجير ثوبه بالإجارة الفاسدة.

نعم يمكن ان يقال لا يكون ذيل الحديث قرينة على اختصاص الموصول بالأعيان حيث ان انتهاء الضمان كما يكون برد المأخوذ كذلك يكون برد بدله.

و

بعبارة أخرى لا بد من تقييد إطلاق الذيل بذكر العدل و هو رد البدل و المنافع كالأعيان التالفة قابلة للرد ببدلها و اما ما دل على احترام مال المسلم فمقتضاه الضمان مع الإتلاف أو الاستيفاء لا ضمان التلف كان المتلف عينا أو منفعة فإن عدم الضمان في المأخوذ بالبيع الفاسد الذي تلف عينه و منفعته بآفة سماوية لا ينافي قاعدة الاحترام خصوصا فيما إذا كان المشترى غافلا عن فساد البيع و على ذلك فلا يكون ما دل على حرمة مال المسلم و انها كحرمة دمه و انه لا يصلح ذهاب حق أحد هدرا كافيا في إثبات ضمان التلف و قوله لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه لا يدل على الضمان أصلا بل مدلوله حرمة التصرف في مال الغير بلا رضاه.

و اما قاعدة اللاضرر فلا حكومة لها في المقام فان مقتضاها انتفاء الأحكام الموجبة للضرر و الضرر هنا ناش عن التلف سواء حكم بالضمان، أولا و الحكم به

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 148

ثم انه لا يبعد ان يكون مراد الشيخ ره (1)

______________________________

مع انه معارض بالضرر على الضامن و لا يمكن عمومها لمورد تعارض الضررين تدارك للضرر بحسب الحكم، و خارج عن مدلول القاعدة.

(1) و حاصله ان الموجب للضمان في مورد تلف العين أو المنفعة هي قاعدة الاحترام، و لكن هذه القاعدة كقاعدة اليد ليست تمام السبب للضمان حيث يمكن ان يمنع عن الضمان دفع المالك العين مجانا أو أمانة أو عمل العامل تبرعا و تعليل الشيخ و من تبعه الضمان بإقدام الآخذ عليه لبيان ان المانع عن قاعدة اليد المقتضية للضمان غير حاصل فيكون القاعدة مع الاقدام المزبور تمام

الموضوع للضمان، لا أن كل واحد منهما وجه مستقل للضمان، كما هو ظاهر المسالك.

أقول: الصحيح ان يقال ان وضع اليد على مال الغير من دون إلغاء مالكه حرمة ذلك المال كما في الهبة مجانا أو الاذن في إتلافه كذلك و من دون جعل المالك قابض المال أمينا موجب لكون ضمان تلفه عليه سواء كان المال المزبور عينا أو منفعة لأن وضع اليد على المنفعة يكون بوضعها على العين و هذا الضمان في الموارد المشار إليها مما جرت عليه سيرة العقلاء و لم يردع عنها الشرع فيكون كسائر الأحكام التي تكون الدليل عليها السيرة العقلائية في مواردها.

ثم انه ربما يحكم الشارع بكون القابض أمينا و لا يكون له ضمان التلف كما في أخذ اللقطة و ربما يحكم بالضمان في مورد الأمانة المالكية كما في عارية الذهب و الفضة فيكون المال في الأول أمانة شرعية و في الثاني مضمونا بتضمين شرعي و هذا كله بالإضافة إلى ضمان التلف في الأعيان و المنافع التابعة لها و اما في الأعمال فان لم يكن للعمل مالية عند العقلاء فلا يكون العمل موجبا للضمان على أحد إلا إذا كان ضمانا معامليا أمضاه الشارع كما في ضمان السبق في عقده و مع البطلان لا يكون ضمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 149

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الضمان في الفاسد (1)

______________________________

اما المعاملي فلفساد المعاملة و اما ضمان الاحترام فالمفروض عدم المالية له.

و اما الأعمال التي لها مالية عند العقلاء فان كان العامل متبرعا بها و هذا معنى إسقاطه حرمة عمله فلا ضمان على أحد و كذا إذا لم يكن عمله بالمعاملة مع الغير أو بأمر ذلك الغير

أو اذنه في العمل بالأجرة و اما إذا كانت في البين معاملة فإنه يثبت معها ضمان الأجرة المسماة مع صحتها، و يثبت مع فسادها اجرة المثل، و كل ذلك للسيرة الدارجة فيما بينهم من أهل الملل و غيرهم.

فتحصل مما ذكرنا ان مجرد عدم اقدام الشخص على الضمان لا يمنع عن الضمان في الأعيان و منافعها بل لا بد من إلغاء المالك حرمة ماله و على ذلك فلو ظهر العين الموهوبة مجانا ملك الغير ضمن المتهب ضمان تلفه و لو مع عدم اقدامه عليه نعم في الأعمال مجرد عدم اقدام الشخص على ضمانها كاف في عدم ثبوت اجرة المثل عليه.

(1) ذكر (ره) انه إذا كان في صحيح العقد ضمان يثبت ضمان تلف المقبوض في فاسده سواء كان دافع ذلك المال عالما بفساد العقد أو جاهلا لان حديث على اليد بإطلاقه يقتضي الضمان في كلا الفرضين كما أن الفتوى بالضمان في فاسد العقد مطلق يعمهما.

نعم ربما يستدل على عدم الضمان في صورة علم الدافع بوجهين.

الأول- ان الدافع مع علمه بفساد المعاملة و عدم كون مال الطرف عوضا عن ماله يكون دفعه تسليطا للطرف بماله و تمليكا له مجانا و ليس في التمليك المجاني ضمان كان صحيحا أو فاسدا و هذا الوجه على تقدير تماميته ينفى الضمان عن القابض سواء كان هو ايضا عالما بفساد المعاملة أو جاهلا حيث ان أخذه المال في كلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 150

و غير ذلك من العقود اللازمة و الجائزة (1)

______________________________

الفرضين مجاني و لا يمكن دفع هذا الوجه بإطلاق حديث على اليد فان موارد إلغاء المالك حرمة ماله بالتسليط المجاني و نحوه خارجة عن ذلك الحديث.

و الوجه

الثاني كون الدافع مع علمه بفساد المعاملة غارا لدفعه المال الى القابض الجاهل بالحال، فيكون القابض مغرورا، و ضمان التلف و الإتلاف على الغار، كمن قدم طعام الغير الى ضيفه الجاهل بالحال.

أقول الوجه الثاني ضعيف جدا، فان القابض الجاهل لم يقدم على أخذ المال مجانا، بل أقدم على أخذه بعنوان المعاوضة، فلا يكون مغرورا، و لا يقاس بالضيف لاقدام الضيف على أكل الطعام مجانا، مع ان قاعدة الغرور لا تنفى الضمان سواء كان ضمان التلف أو الإتلاف و انما توجب استقرار الضمان على الغار.

و يقرب من الوجه الثاني في الضعف الوجه الأول، فإن دفعه المال الى القابض لا يكون تمليكا مجانيا، بل وفاء بالمعاملة السابقة، و دفعا للمال إلى الآخر ليقبض عوضه، و علمه بعدم استحقاقه العوض شرعا، كعلمه بعدم استحقاق الطرف المال المدفوع لا ينافي الدفع وفاء بالمعاوضة المعتبرة عنده، و لذا لو باع الغاصب بالمعاطاة و اجازه المالك يصح البيع للمالك و لا يكون علم الغاصب بعدم صحة المعاوضة موجبا لكون إعطائه تمليكا مجانيا، لتكون اجازة المالك مصححة للهبة كما لا يخفى.

(1) يعنى سائر العقود التي لا ضمان في صحيحها سواء كانت لازمة كالإجارة بالإضافة إلى العين المستأجرة، أو جائزة، كما في العارية، و على ذلك فمقتضى عكس القاعدة، عدم ضمان العين في الإجارة الفاسدة لعدم ضمانها في صحيحها، بل مقتضاه عدم ضمانها في الفاسدة حتى مع اشتراط الضمان، فان الضمان في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 151

..........

______________________________

صحيحها على تقدير الاشتراط كان للشرط، لا لاقتضاء العقد.

و بتعبير آخر ثبوت الضمان مع الاشتراط، باعتبار نفوذ الشرط، و لا يكون الشرط مع فساد العقد نافذا، بل يكون تابعا للعقد في الفساد،

و بهذا يظهر الحال في العارية الفاسدة المشروط فيها ضمان العين.

و مع كل ذلك فقد ذكر في جامع المقاصد بعد بيان ظاهرهم عدم ضمان العين المستأجرة في الإجارة الفاسدة حتى مع استيفاء منفعتها، أن الصحيح ثبوت الضمان في الإجارة الفاسدة حتى مع عدم اشتراط الضمان، باعتبار ان وضع المستأجر يده على العين مع عدم كونه مالكا لمنفعتها عدوان بالإضافة إلى العين و المنفعة، و لكن هذا الضمان مخالف لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه.

و أجاب المصنف (ره) عن المخالفة بوجهين.

الأول- تخصيص قاعدة ما لا يضمن بصحيحه في الإجارة الفاسدة بالإضافة إلى العين المستأجرة بحديث على اليد، فان الحديث المزبور يعم العين فيها.

نعم لو كانت الإجارة صحيحة كانت العين باعتبار كونها أمانة مالكية في يد المستأجر و قد أمضاها الشارع خارجة عن عموم الحديث.

و الثاني- ان القاعدة المزبورة ناظرة إلى بيان الضمان و عدمه في مورد العقد و مورد المعاملة في صحيح الإجارة و فاسدها المنفعة لا العين.

و بعبارة أخرى ضمان العين أو عدمه في الإجارة خارج عن أصل القاعدة و عكسها بالتخصيص، و لكنه (ره) ذكر في آخر كلامه عدم ضمان العين في الإجارة الفاسدة و انها باقية في عكس القاعدة، و ليست خارجة عنها لا بالتخصيص كما هو مقتضى الوجه الأول، و لا بالتخصص بان يكون المراد من الضمان و عدمه في أصل القاعدة و عكسها هو ضمان مورد المعاملة و عدمه كما هو مقتضى الوجه الثاني.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 152

و منها الصيد الذي استعاره المحرم (1)

______________________________

أقول دفع العين المستأجرة إلى المستأجر في موارد تعارف دفعها انما هو بشرط ضمني ارتكازي في عقد إجارتها، و هذا في حقيقته شرط جعل

العين امانة في يد المستأجر ليستوفي منها ملكه و مع اشتراط الأمانة ينتفي موضوع الضمان سواء كانت الإجارة صحيحة أولا، لما ذكرنا من انه لا سيرة على الضمان في موارد الاستيمان سواء كان الاستيمان ممضى شرعا، أولا كما انه لو شرط الموجر على المستأجر ضمان العين يكون ضمانه عليه كما هو مقتضى عموم المؤمنون عند شروطهم و ليس جعل العين المستأجرة أمانة عند المستأجر من مقتضيات نفس عقد الإجارة لينافيه اشتراط الضمان لأن الذي من مقتضيات الإجارة في مثل البيوت هو وضع البيت تحت يد المستأجر اما كونه بطور الأمانة أو التضمين فهو تابع للاشتراط.

و على ذلك فلو اشترط التضمين في الإجارة الفاسدة يثبت الضمان أيضا للسيرة المشار إليها، و ان وضع اليد على مال الغير لا بطور الاستيمان و من غير هدر ذلك الغير حرمة ماله موجب للضمان.

(1) ذكر المحقق (ره) في الشرائع و لا يجوز للمحرم ان يستعير من محل صيدا، لانه ليس له إمساكه، و لو أمسكه ضمنه و ان لم يشترط عليه انتهى.

و ظاهر ذلك ضمان تلف العين فينافي هذا الضمان عكس قاعدة ما يضمن. و نقل السيد اليزدي (ره) في تعليقته عن الشرائع العبارة هكذا و لا يجوز ان يستعير من محل صيدا لانه ليس له إمساكه و لو أمسكه ثم أرسله ضمنه و ان لم يشترط.

و قال (ره) ظاهر ذلك ضمان الإتلاف، فإن إرسال الصيد إتلافه، و الكلام في قاعدة ما يضمن أصلا و عكسا في ضمان التلف لا في ضمان الإتلاف فلا مخالفة للقاعدة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 153

بالنسبة إلى المنافع التي يستوفها (1)

______________________________

أقول إضافة ثم أرسله إلى عبارة الشرائع باعتبار وقوعه في عبارة

الجواهر فزعم انه من عبارة المتن أي الشرائع.

كيف كان فذكر المصنف (ره) ايضا ان الحكم بالضمان في المسألة لا ينافي القاعدة، فإن الضمان فيها للإتلاف حيث ان حكم الشارع على المحرم بإرسال الصيد إيجاب عليه إتلافه، و هذا الإيجاب إتلاف تعبدي يوجب الضمان.

و فيه ان إيجاب الإتلاف ما لم يقع الإتلاف خارجا لا يوجب الضمان، و لذا لو لم يأكل من يجب عليه أكل طعام الغير لدفع هلاك نفسه من الجوع فمات لم يكن مديونا لصاحب الطعام بمثل الطعام أو قيمته، كما لا يصح القول بأن إيجاب الأكل عليه تحفظا على نفسه من الهلاك إتلاف لطعام الغير و على ذلك فلو لم يرسل الصيد حتى أخذه صاحبه لم يكن على المستعير شي ء.

هذا مع انه لا دليل على وجوب الإرسال عليه، بل غاية الأمر عدم جواز إمساكه، و يحصل الموافقة بدفعه الى صاحبه أو إيصاله إليه، نعم لو أرسله فعليه ضمان الإتلاف و الاولى نقض عكس القاعدة بعارية الصبي ماله من آخر؛ فإنه يثبت على الآخر ضمان تلف ماله، مع انه لا ضمان في صحيح العارية.

فإن قيل ما الفرق بين عارية البالغ حيث ان في عارية البالغ مع فسادها لا يكون ضمان على المستعير، و بين عارية الصبي حيث يثبت للمستعير ضمان تلفها.

فإنه يقال ان فساد العارية الأول لا يوجب بطلان اذن المالك للمستعير في حفظ ماله الموجب لارتفاع الضمان كما تقدم، بخلاف عارية الصبي لبطلان اذنه كعاريته و سائر معاملاته.

(1) و ربما يقال كما عن السيد الخوئي (أطال اللّه بقائه) بأنه لا وجه لتقييد المنافع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 154

و يمكن نقض القاعدة (1) و يمكن النقض أيضا بالشركة الفاسدة

(2)

______________________________

بغير المستوفاة، فان المستوفاة و غيرها كلاهما غير مضمون في البيع الصحيح فضمانهما ينافي القاعدة و فيه ان ضمان المستوفاة لا ينافي القاعدة لا بأصلها و لا بعكسها، فإنها ناظرة إلى ضمان التلف لا الإتلاف و الاستيفاء إتلاف و عدم ضمان المنافع المستوفاة مع صحة البيع لكونها تابعة لملك العين فاستيفائها إتلاف لملك نفسه لا لملك الغير ليضمن، بخلاف صورة فساد البيع.

(1) أقول- لا يصحح ضمان الحمل في البيع الفاسد فرض اشتراط دخوله في البيع، و الوجه في ذلك ان مجرد اشتراط دخوله لا يجعل الحمل جزء المبيع بان يكون الثمن بإزائه و إزاء الام معا ليكون بالإضافة إلى الحمل ضمان معاملي، و يثبت ضمان تلفه مع فساد البيع.

و الحاصل الضمان المعاملي يجري في جزء المبيع لا الشرط، و ان الحمل على تقدير اشتراط الدخول يكون كسائر المنافع التي يدخل في ضمان المشترى مع فساد البيع من غير ثبوت ضمان معاملي بالإضافة إليها كما لا يخفى.

(2) و وجه النقض ان مع صحة عقد الشركة و جواز تصرف كل من الشريكين في المال المشترك يكون المال المزبور في يد كل منهما كالمال في يد الوكيل أمانة مالكية فلا يضمن، بخلاف صورة فساد عقدها و البناء على عدم جواز التصرف في مال الشريك، فإنه تكون يده على مال صاحبه، يد عدوان فيضمن و هذا ينافي القاعدة المزبورة في عكسها لان مقتضى عكسها عدم الضمان فيما لا ضمان في صحيحة.

أقول الظاهر انه لا ضمان على الشريكين حتى لو قلنا بعدم جواز تصرف كل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 155

و المفروض أنها لا تؤثر شيئا (1) فحاصل أدلة عدم ضمان المستأمن (2) اما في غير

التمليك بلا عوض (3)

______________________________

من الشريكين في المال المشترك حيث ان الضمان و عدمه في القاعدة أصلا و عكسا هو ضمان التلف، لا الإتلاف و فيما إذا لم يكن تلف المال مستندا الى تصرف أحدهما كما إذا سرق المال المشترك من يد أحدهما فلا موجب للضمان لان المال مع صحة الشركة كانت في يده أمانة مالكية، و كذلك مع فسادها و الأمانة المالكية خارجة عن حديث على اليد، و لا يعمها السيرة المشار إليها سابقا، بل لا ضمان فيما إذا تلف المال المشترك بتصرف أحد الشريكين كما إذا اشترى به متاعا ثم نزلت القيمة السوقية للمتاع فباعه بالأقل حيث ان بطلان عقد الشركة لا يوجب بطلان الاذن في التصرف بل البطلان يوجب عدم ترتب الأثر الخاص لصحة العقد كما هو الحال في بطلان سائر العقود الإذنية.

(1) لا يخفى ما فيه فان فساد العقد معناه عدم ترتب الأثر المترقب من العقد عليه لا عدم ترتب حكم شرعي أصلا كضمان المال.

(2) المستأمن بالفتح مبنى على المفعول يعنى حاصل أدلة عدم ضمان الأمين ان من دفع اليه المالك ماله على وجه لا يضمنه (بالتشديد) يعنى لا يجعله ضامنا بعوض واقعي أو جعلي فليس عليه ضمان.

(3) يعنى الدليل على عدم الضمان في غير الهبة الفاسدة من موارد الاستيمانات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 156

[حكم المقبوض مع فساد العقد]
اشارة

و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه «1»

______________________________

إطلاق ما دل على عدم ضمان الأمين كموثقة غياث بن إبراهيم (1) حيث ان دعوى اختصاصها بالأمانة المالكية الصحيحة ضعيفة، كما ان الدليل على نفى الضمان في الهبة الفاسدة فحوى ما دل على عدم ضمان الأمين، فإن الاستيمان مع عدم التسليط المطلق في موارده إذا

كان موجبا لنفى الضمان يكون التسليط المطلق مجانا كذلك بطريق اولى، نعم التسليط بالعوض مساوق للتضمين.

(1) يعنى لا خلاف في وجوب رد المقبوض بالبيع الفاسد على تقدير عدم جواز التصرف فيه كما يلوح عدم الخلاف على هذا التقدير من مجمع الفائدة، و الوجه في ذلك ان الإمساك به تصرف، فيجب رده تخلصا من الإمساك المزبور، و الظاهر عدم جواز التصرف في المقبوض بلا فرق بين علم الدافع بفساد البيع و عدمه.

و ما ربما يقال من جواز التصرف فيه مع علم الدافع بفساده، بدعوى ان الدفع مع العلم المزبور ترخيص في كل تصرف فيه لا يمكن المساعدة عليه، فان علم الدافع بفساد البيع شرعا لا يمنعه من إنشاء تمليكه بعوض حيث ان إمضاء الشارع التمليك المزبور و عدمه خارج عن قصده و إنشائه، كما ان الرضا بالتمليك المزبور لا يتضمن إذنا لصاحبه في التصرف مع بقاء المال في ملكه.

و اما بالإضافة إلى وجوب الرد فالظاهر التفصيل فيه، و أنه في بعض المبيعات التي يكون المتعارف في بيعها حملها إلى المشتري لغاية التسليم اليه، ليس على المشترى مع فساد البيع إلا التخلية بين المقبوض و بين بايعه و لو باخباره ان ماله عنده فله أخذه لفساد المعاملة و بقائه على ملكه، و في المبيعات التي يكون المتعارف

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب- (28) من أبواب أحكام الإجارة الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 157

..........

______________________________

فيها تخلية البائع و أخذ المشتري المال من عند البائع يجب فيها على المشترى رد المال بإيصاله إلى بائعه و لا يكفي التخلية المزبورة، بل لو كانت في إيصاله مؤنة كانت على المشترى، و حديث لا ضرر لا يجري في

المقام باعتبار ان حبس المال على بايعه ضرر على البائع.

و قد ذكر في محله ان قاعدة لا ضرر لا تعم موارد تعارض الضررين. و لو تلف المال في القسم الأول قبل التخلية المزبورة يكون ضمان تلفه على المشترى، بخلاف ما إذا تلف بعدها، فإن اخبار البائع بأن ماله عنده فله أخذه، يخرج المال عن إمساكه المحرم و يدخله في التبرية من ضمانه على تقدير مماطلة المالك في الأخذ حيث لا يكون معها في سيرة العقلاء ضمان و هذا بخلاف الصورة الثانية فإنه ما دام لم يتحقق رد المال على مالكه فضمان تلفه عليه حتى فيما إذا كان رده حرجيا عليه و باعتباره جاز له إمساكه إلى ارتفاع الحرج، حيث ان دليل نفى الحرج لا ينفى الضمان.

ثم لا يخفى ان الرد لا يكون وجوبه نفسيا حتى في الأمانات المالكية عند مطالبة ملاكها بل وجوبه كما أشرنا إليه غيري تخلصا من حرمة الإمساك بالمال كما يظهر ذلك بملاحظة ما دل عليه كصحيحة زيد الشحام عن ابى عبد اللّه (ع) ان رسول اللّه (ص) وقف بمنى حتى قضى مناسكها الى ان قال اللهم اشهد ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه عليها فإنه لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه. «1»

و ما يظهر من بعض الكلمات من ان المفهوم من عدم حل مال الغير وجوب الرد عليه نفسا ضعيف، بل الأمر بالعكس بشهادة مثل الصحيحة. و قد يقال ان حديث على اليد يدل على كل من الضمان و وجوب الرد، اما لان ضمان العين قبل تلفه يستلزم

______________________________

(1) الوسائل الجزء (19) الباب (1) من أبواب القصاص- الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 2، ص: 158

[ضمان المنافع في المقبوض بالبيع الفاسد]

الثالث لو كان للعين المبتاعة منفعة استوفاها المشترى (1)

______________________________

وجوب الرد بل لا معنى له غير وجوب الرد أو لأن كلا من الضمان و وجوب الرد مدلول مطابقي للحديث و مستفاد من كون المال على العهدة.

و فيه ان ظاهر اسناد الظرف الى المال هو ضمانه فقط و استفادة التكليف من الحديث محتاج إلى اسناد الظرف الى فعل مقدر أيضا بأن يقال على اليد رد ما أخذت و التقدير خلاف الأصل كما أن الجمع بين التقدير ليستفاد التكليف و بين اسناد الظرف الى نفس المال ليستفاد الضمان غير ممكن.

و اما دعوى ان اعتبار الضمان بدون وجوب الرد لغو و باستلزام الضمان، التكليف بالرد فلا يمكن المساعدة عليها، لا مكان اعتبار شي ء على العهدة من غير التكليف برده كما في الديون التي يعتبر على عهدة الشخص مع عدم تمكنه على أدائها.

و الحاصل ان وجوب الرد باعتبار أن الإمساك بأموال الناس غير جائز و لو لم يكن في البين حرمة الإمساك بها التي يستفاد من مثل صحيحة زيد الشحام لما كان للحديث على اليد دلالة عليه، و لو تنزلنا عن ذلك و بنينا على دلالته على وجوب الرد فلا قرينة على كون المراد بالرد هو خصوص الإيصال بل يعم التخلية في الموارد التي أشرنا إليها فتدبر.

(1) لو كان للمبيع بالبيع الفاسد منفعة استوفاها المشترى يكون عليه ضمانها زائدا على ضمان العين على المشهور بين أصحابنا، بل ظاهر ما في السرائر (من ان المأخوذ بالبيع الفاسد كالمغصوب عند المجتهدين من أصحابنا) أنه عندهم مثله في عدم جواز التصرف و الضمان، و يقتضي هذا الضمان قاعدة احترام مال المسلم المستفادة من مثل موثقة غياث بن إبراهيم

المتقدمة، و ذكرنا سابقا ان استيفاء منفعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 159

..........

______________________________

المبيع إتلاف الملك الغير فيوجب الضمان، و اما الاستدلال بقوله عليه السّلام لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه كما عن المصنف (ره) فلا يمكن المساعدة عليه لما ذكرنا سابقا، من ان مقتضاه عدم جواز التصرف في مال الغير تكليفا و وضعا و اما الضمان أو عدمه، فلا دلالة فيه عليها أصلا خلافا لابن حمزة في الوسيلة حيث نفى ضمان المنافع في المقبوض بالبيع الفاسد، و تمسك في ذلك بما في النبوي المرسل الخراج بالضمان و المراد بالخراج منافع الشي ء و عوائده، و الباء بمعنى السببية أو المقابلة فيكون مفاده ان ضمان العين بإزائه منافعها، أوان ضمانها سبب لكون منافعها للضامن.

و الحاصل ان مقتضاه عدم الضمان في المنافع المستوفاة و غيرها.

و ذكر المصنف (ره) ان هذا المعنى مستفاد من الاخبار الكثيرة مثل قوله عليه السّلام في الاستشهاد على كون منافع المبيع للمشتري في بيع الخيار (الا ترى انه لو أحرقت كانت من مال المشترى) فان ظاهر ذلك ان مقتضى ضمان العين على المشترى كون منافعها له.

أقول لا يظهر ما ذكر من مثل قوله عليه السّلام، و ذلك لما تقدم من انه لا معنى لكون الإنسان ضامنا لماله، و بما ان المبيع في بيع الخيار كسائر البيوع ملك المشترى، و لا يكون ثبوت الخيار للبائع موجبا لبقائه في ملكه، فلا يكون لضمان المشترى معنى ليكون ضمانه في مقابل المنافع أو سببا لكون المنافع له، بل ظاهره استشهاد الامام عليه السلام لدخول المنافع تبعا للعين في ملك المشترى بكون هلاك العين و تلفها في ملكه.

و الحاصل انه ليس في

البين ما يكون وجها لما ذهب اليه ابن حمزة غير النبوي المرسل و ناقش المصنف (ره) فيه مع الإغماض عن ضعف سنده بضعف دلالته على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 160

..........

______________________________

المقام فان مدلوله ان مع ثبوت الضمان الاقدامى بالإضافة إلى العين و إمضاء الشارع له يكون منافعها للضامن كما في البيع الصحيح، فان مع ثبوت الضمان المعاملي بالإضافة إلى المبيع يكون منافعه للمشتري و الضمان مع فساد البيع لا يكون ضمانا اقداميا، بل كالضمان في المقبوض بالسوم حكم شرعي مستفاد من حديث على اليد و نحوه، و ثبوت هذا الضمان بالإضافة إلى العين لا يوجب كون المنافع للضامن كما في ضمان المغصوب.

بل ربما يقال كما هو الصحيح لا يكون مجرد الضمان الاقدامى موجبا لكون المنافع للضامن حتى مع إمضاء الشارع و كون منافع المبيع للمشتري باعتبار دخول العين في ملكه لا لمجرد ضمان العين، و لذا لا يكون المنافع ملكا للضامن باشتراط الضمان على المرتهن، أو على المستعير فان الثابت للمستعير حتى في مورد ضمان العين جواز الانتفاع و جوازه باذن المالك يعبر عنه بملك الانتفاع و اما المنفعة فهي باقية على ملك المعير و لذا لو مات المستعير لا ينتقل المنفعة إلى ورثته، بل تبطل العارية و لا يجوز للورثة الانتفاع بالعين بخلاف موارد ملك المنفعة فإنه بموت المستأجر تنتقل المنفعة المملوكة له الى ورثته.

و الحاصل يمكن ان يراد بالضمان في النبوي، ضمان العين بالضمان المعاملي لا مجرد الالتزام بضمانها و ضمان المبيع في مقابل الثمن مع صحة البيع معاملي كما هو مورده فيكون المنافع للمشتري بذلك الضمان فإنه قضى عمر بن عبد العزيز في عبد اشترى و استعمل ثم

ظهر كونه معيبا بان عمله للبائع فروى عليه عروة عن عائشة انه وقع مثله في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمله للمشتري لأن الخراج بالضمان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 161

و ربما يرد هذا القول (1) و أضعف من ذلك (2) فلا إشكال في عدم شمول صلة الموصول (3)

______________________________

(1) يعنى يرد قول ابن أبي حمزة بما ورد فيمن اشترى امة و أولدها فوجدها انها مسروقة من مالكها حيث ان مشتريها ضامن لمالكها بقيمة ولدها و عوض لبنها بل عوض كلما انتفع بها و لكن هذا الرد ضعيف، فان مورد كلام ابن أبي حمزة ما إذا كان ضمان العين بتضمين مالكها و عدم تضمينه منافعها و مثل الأمة المفروضة خارج عن ذلك، فإنه ليس فيها تضمين العين من مالكها و جعل منافعها بلا تضمين بل الضمان فيها من قبيل ضمان الغصب حيث ان بائعها لم يكن مالكا لها.

(2) و وجه كونه أضعف من الرد السابق، ان في مورد بيع الأمة المسروقة يكون التضمين بالإضافة إلى العين فقط حيث يجعل الثمن بإزاء المبيع و لكن بما ان جعل المنافع مجانا كان من بايع غير مالك لم يؤثر في ارتفاع الضمان، و لا يقتضي ضمان العين ضمان المنافع فيما إذا كان الجعل المزبور باتفاق المالكين، و هذا بخلاف صحيحة أبي ولاد الدالة على ضمان المنافع فان موردها اجارة العين التي تكون المنافع فيها مضمونة بتضمين مالكها فالضمان في مورد الصحيحة لا تقتضي ضمان المنافع التي لا تكون فيها تضمين كما هو مورد الكلام في المقام.

نعم لو فرض ان دعوى الوسيلة هي عدم ضمان المنافع

أصلا، و أن ضمانها لا تجتمع مع ضمان العين حتى في موردي الغصب و الإجارة، فيصح الرد عليه بالرواية و الصحيحة.

(3) و حاصله ان المنفعة و هي قابلية العين للانتفاع بها لا تكون قابلة للأخذ،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 162

..........

______________________________

و تناول اليد، بل القابل له هي العين فقط، و الحاصل ان حديث على اليد قاصر عن الشمول للمنافع، باعتبار عدم عموم الصلة، أي الأخذ للمنافع.

أقول المراد بالأخذ الاستيلاء، لا الأخذ الخارجي و تناول اليد، و ما ذكر المصنف (ره) من كون الأخذ بمعنى الاستيلاء مشكلا، ضعيف، و الا لم تصدق الصلة المزبورة على وضع اليد بمثل البساتين و الأشجار و نحوهما من الأعيان التي لا تكون قابلة للنقل الخارجي، و تناول اليد.

نعم قيل ان الحديث لا يعم المنافع باعتبار ان الذيل فيه و هو قوله حتى تؤدى قرينة على اختصاص صدره بالأعيان فإنها القابلة للأداء، دون المنافع، و لكن أجبنا عنه بأن الأداء في الذيل يعم أداء المأخوذ بنفسه و رده ببدله، حيث ينتهى الضمان بكل من رد العين، و البدل، و مع ذلك لا يمكن الاعتماد على الحديث لضعفه سندا، و كذا لا يمكن التثبت في الحكم بضمان المنافع غير المستوفاة بما في موثقة غياث و صحيحة زيد الشحام (من قوله (ص) من ان حرمة مال المسلم كحرمة دمه) فان مقتضاهما و ان يكون الضمان كما هو مقتضى إطلاق تنزيل المال بالدم، الا انه لا يعم المنافع غير المستوفاة، حيث ان عدم ضمانها لا ينافي احترام المال، و انما ينافي احترامه عدم ضمان الإتلاف، كما هو الحال في الدم فان احترامه لا يوجب ضمان التلف، بل يوجب ضمان الإتلاف.

و العمدة

في الضمان في تلك المنافع أيضا السيرة العقلائية فإنه لا فرق عندهم بين المنافع الفائتة تحت يده، و بين المنافع المستوفاة.

و دعوى انها غير محرزة في مورد فوت المنفعة تحت اليد من غير استيفاء، مدفوعة بملاحظة موارد الغصب كما في وضع اليد على دار لم يسكنها أو على بستان لم ينتفع منه، و هكذا أولا وجه لما قد يقال من انه لا موجب في العصب لضمان المنافع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 163

مضافا الى الاخبار الواردة في ضمان (1)

______________________________

غير المستوفاة فيما إذا كانت تلك المنافع شأنية كمن يكون عنده مراكب لا يركبها نادرا و لو وضع الغير يده على تلك المراكب يوما و لكن لم يركبها لا يضمن للمالك اجرة المثل بخلاف ما إذا وضع اليد على مراكب يركبها صاحبها غالبا، أو يؤجرها للركوب كذلك و ذلك فإنه لا يرى في سيرتهم الفرق بين كون المالك ممن يستعمل المركب كل يوم أو لا.

نعم إذا لم يمكن عادة ركوب المركب في زمان، لا لمانع شخصي بل نوعي كنزول الثلج أو المنع العام من الخروج من البلد و غيره مما لا يعد معه المركب ذا منفعة فلا يكون ضمان باعتبار عدم فوت المنفعة في يده.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 163

(1) كرواية زرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يشتري الجارية فيولدها ثم يجي ء الرجل فيقيم البينة على انها جاريته و لم تبع و لم تهب فقال يرد اليه جاريته و يعوضه بما انتفع «1».

و في رواية أخرى عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من يزعم انها له و اقام على ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمته ما أصاب من لبنها و خدمتها «2» و لا يبعد اعتبار سند الاولى و لكن لا دلالة فيهما على عدم ضمان المنافع الفائتة، فإنه لم يفرض فيها فوت منفعة بل مقتضى العادة في مثل الأمة المزبورة استيفاء منافعها.

و اما صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه فليس فيها بيان ضمان المنافع أصلا لا المستوفاة و لا غيرها و لا يمكن ان يقال ان السكوت فيها عن ضمان

______________________________

(1) الوسائل- الجز (14) الباب 88 من أبواب نكاح البعيد.

(2) الوسائل- الجز (14) الباب 88 من أبواب نكاح البعيد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 164

و ان كان المترائى من ظاهر صحيحة أبي ولاد (1)

[الضمان في المثلي و القيمي]
اشارة

إذا تلف المبيع فان كان مثليا (2)

______________________________

المنافع دليل على عدم ضمانها و ذلك لعدم إحراز كونها في مقام البيان من هذه الجهة ليرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى المنافع المستوفاة بقرينة ما تقدم، و يتمسك بها في نفى ضمان غيرها.

و الحاصل الإطلاق الموهوم في الصحيحة إطلاق مقامي و ليس من الإطلاق اللفظي ليمكن إحرازه بالأصل العقلائي، و إثبات الإطلاق المقامى موقوف على إحراز كون المتكلم في مقام بيان الحكم الآخر أيضا غير الحكم الوارد في الخطاب.

(1) لم يظهر وجه ما ذكر فإنه لم يفرض فيها فوت منفعة بلا استيفاء، كما إذا مكث المستأجر بالبغل أياما من غير ركوبه، ليقال بان عدم ضمانه اجرة تلك الأيام في مورد

الغصب يستلزم عدم ضمانها في المقام.

نعم بالإضافة إلى ضمان الأجرة المسماة في مورد مخالفة عقد الإجارة كلام موكول الى كتاب الإجارة و ظاهر الصحيحة عدم ضمان المستأجر تلك الأجرة فلاحظ.

(2) المعروف ان التالف في يد المشترى مضمون بالمثل في المثليات خلافا لما يحكى عن الإسكافي حيث ذكر ان التالف يكون مضمونا بالقيمة مطلقا و الكلام فعلا في ضابط كون التالف مثليا حيث ذكر جماعة انه ما يتساوى اجزائه من جهة القيمة و المراد بالاجزاء الافراد حيث يصدق الحقيقة على كون واحد منها و تساويها من حيث القيمة بالنسبة أي بإضافة بعضها الى بعضها الأخرى من حيث المقدار فإذا كانت حنطة متساوية للأخرى في الكم، تكون متساوية لها في القيمة أيضا.

و على ذلك فيلزم ما ذكر الشهيد (ره) من كون المسبوط من الذهب قيمته، فإنه إذا انفصل و كانت قطعه منه نصف مسبوك أخر، فلا تكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 165

..........

______________________________

قيمتها نصف قيمة ذلك المسبوك، لدخالة الهيئة في قيمته، و كذا يلزم ان لا يكون الدرهم مثليا، فان الدرهم إذا كسر و صار قطعا تكون تلك القطع مساوية للدرهم من حيث الكم مع انه لا يشترى تلك القطع بالدرهم.

و يمكن ان يجاب بان الدرهم مثلي بالإضافة إلى نوعه الصحيح، فلا ينافي عدم كونه مثلا للقطع من درهم آخر كما ان كون الحنطة مثليا لا ينافي عدم كونها مثلا بالإضافة إلى قطع الحنطة المعبر عنها بالجريش و يلتزم كما عن الشهيد ره بان المسبوك من الذهب أو الفضة قيمي.

ثم ان لازم التعريف و التوضيح ان لا يكون مثل الحنطة مثليا، فإنه ربما تكون حنطة ضعف الأخرى في المقدار و مع ذلك تكون

قيمتها مساوية له كالمن من الحنطة الجيدة مع المنين من الردية، فيلزم ان لا يكون الحنطة مثلية بل المثلي أصنافها و هذا لا يناسب كلماتهم حيث يجعلون الحنطة مثلية و على ذلك فلو تلف أو أتلف فردا من صنفها يجب عليه الخروج من ضمانه بدفع فرد آخر من ذلك الصنف و يبقى ان إطلاق المثلي على الجنس بلحاظ مثلية أصنافها و لو لم يكن بعيدا الا ان تطبيق تعريف المثلي في كلماتهم على الجنس بلحاظ افراد أصنافه بعيد.

و أبعد منه القول بان قولهم الحنطة مثلي، نظرهم الى الجنس، و عدم ملاحظتهم اختلاف أفراد أصنافها مع كون المثلي كل واحد من تلك الأصناف باعتبار ان التالف مضمون بالجنس عندهم، غاية الأمر يجب عند أداء ما عليه من الجنس، رعاية الخصوصيات الصنفية التي كانت في التالف، و وجه كون هذا أبعد، أنه لا وجه لرعاية الخصوصيات بعد فرض عدم اشتغال الذمة بها، كما ان مع وجوب رعايتها لا وجه لعدم اعتبارها، على الذمة.

و بالجملة لا موجب لاعتبار الجنس مثليا مع كون المثلي نوعه أو صنفه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 166

يشكل اطراد التعريف بناء على هذا (1) و بهذا الاعتبار يصح السلم (2) و لذا اختار العلامة في باب القرض (3)

______________________________

(1) يعنى لا يتم التعريف المزبور حتى بناء على كون المراد من تساوى أفراد الحقيقة تساوى افراد كل واحد من أصنافها، و وجه عدم التمامية انه ان أريد تساوى تلك الافراد من جميع الجهات الموجبة لرغبة الناس التي تكون بها زيادة القيمة و نقصانها، فهذا النحو من التساوي غير حاصل، حتى في افراد الصنف الواحد، و ان أريد من التساوي التقارب بين تلك الافراد

في تلك الجهات. فهذا حاصل في افراد الصنف من القيميات ايضا كاصناف الغنم و البقر و غيرهما من الحيوان مع كونه قيميا عندهم.

نعم التقارب كذلك في أصناف القيمي قليل، و في أصناف المثلي كثير و لكن القلة و الكثرة تصلحان لملاك الحكم بضمان القيمة في الأول و بضمان المثل في الثاني و لا توجبان كون التعريف المزبور مانعا عن الغير، و بالجملة فالتعريف المزبور للمثلي شامل للقيمي أيضا.

(2) أي باعتبار تقارب افراد القيمي أيضا في الصفات الموجبة للمالية، يجوز السلم في القيمي، حيث يعبر في السلم ان لا يكون توصيف المبيع موجبا لندرة وجوده.

(3) و هذا ايضا استشهاد لما ذكره من ان تقارب الافراد في الجهات الموجبة للمالية لا يختص بالمثليات، و بيانه أنه لو كان تقارب الافراد فيها، مختصا بها، لم يكن للعلامة الحكم على القيمي في السلم بأنه مضمون في مورد القرض بالمثل،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 167

فعن التحرير ما تماثلت اجزائه (1) و عن الروضة انه المتساوي الاجزاء (2) و عن غاية المراد انه ما تساوى اجزائه (3)

______________________________

و الحاصل حكمه (ره) بان ما يصح فيه السلم من القيميات، إذا وقع مورد القرض، يكون مضمونا بالمثل، فرض لوجود المثل للقيمي.

(1) لا يخفى ان هذا مثل التعريف السابق، فان تماثل الافراد و تقارب صفاتها يكون في المثليات، و القيميات، و لو باعتبار افراد الصنف، و بعبارة أخرى ان أريد التماثل من جميع الجهات، فلا يعم التعريف جميع المثليات، و ان أريد التقارب فيها، فيشمل القيميات ايضا.

(2) و هذا بظاهره أخص من التعريف المتقدم، حيث أخذ فيه مع تساوى الافراد، تساويها في المنفعة، و تقاربها في صفاتها، اللهم الا ان يقال

تقييد التساوي في التعريف المتقدم بالقيمة في قوة ذكر تساويها في المنفعة، و تقاربها في الصفات، و عليه فيرد على هذا التعريف ما أورد به على سابقيه.

(3) و هذا أعم من التعريف المتقدم، حيث ان هذا يعم جميع المثليات و القيميات، فإن الأفراد فيهما مشتركة في الحقيقة النوعية، كما ان ما ذكره بعض العامة من ان المثلي ما قدر بالكيل و الوزن، غير تام، فان التقدير بهما ربما يكون في القيمي، كبعض الفواكه، و التقدير بالعد ايضا يكون في المثلي كالثوب، و مثله ما عن بعض آخر منهم، من جواز بيعه سلما، فإن القيمي أيضا يجوز بيعه سلما فيما لا يكون التوصيف موجبا لندرة وجوده، و كذا ما عن ثالث منهم من اضافة بيع بعضه ببعض، فان جواز هذا البيع لا يختص بالمثليات.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 168

فلا بد من ملاحظة ان الأصل الذي يرجع (1)

______________________________

أقول الأظهر ان يقال ضمان التالف اما بالمثل أو القيمة و الأول- في موارد عدم ندرة المثل للتالف غالبا و الثاني- في موارد ندرته كذلك، و المراد بالمثل هو القريب الى التالف في الأوصاف التي تكون بها المالية أو زيادتها، لا سائر الخصوصيات التي قد يتعلق غرض شخصي بالشي ء باعتبارها، و ربما يزيد بها الثمن عند شرائه، و لكن لا تكون الخصوصية المزبورة منظورة مقصودة للعقلاء الراغبين في الشي ء المزبور.

و لو أحرز ان المال بالإضافة إلى التالف كذلك، و لم يكن وجوده عزيزا نوعا، بحيث لا يعد الظفر به من الاتفاق، فالمال مثلي و في صورة عزة وجوده و ندرة الظفر به فالمال قيمي، كبعض الجواهر فلو تراضى المالك و الضامن في الأول على القيمة فهو،

و الا فلا يستحق المالك غير المطالبة بالمثل، كما أنه في الثاني لا يستحق إلا المطالبة بالقيمة، و ليس له إلزامه بدفع المثل، و ان اتفق تيسر تحصيله فإن عمدة الدليل على الضمان في مورد الكلام سيرة العقلاء و مقتضى سيرتهم في موارد ضمان التلف و الإتلاف ما ذكرنا فلاحظ.

(1) أقول مقتضى القاعدة في مورد دوران التالف بين المثلي و القيمي، هو تخيير الضامن، و بيان ذلك ان العلم الإجمالي الحاصل للضامن يكون ذمته مشغولة إما بالمثل أو القيمة و ان كان من قبيل العلم الإجمالي بالتكليف بين المتباينين، الا انه لا ينبغي الريب في انه لا يجب على الضامن دفع المثل أو القيمة معا، لعدم وجوب هذا الاحتياط في الماليات، و ليس دوران الأمر بين استحقاق المالك القيمة أو المثل من دوران الأمر بين الأقل و الأكثر، بأن يكون الثابت في ذمته مطلق مالية التالف أو ماليته في ضمن المثل ليكون دفع المثل احتياطا، و دفع القيمة عملا بأصالة البراءة،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 169

..........

______________________________

و ذلك لان المراد بالمالية في المقام، ليست هي القيمة في ضمن أي شي ء، بل بالنقود المتعارفة للاثمان، كالدراهم، و الدنانير، و دوران الأمر بين القيمة كذلك و بين المثل من قبيل المتباينين، و بعد فرض عدم وجوب الموافقة القطعية في المقام بدفع القيمة و المثل معا، تصل النوبة إلى الموافقة الاحتمالية، باعتبار العلم بعدم جواز إهمال الموافقة رأسا.

لا يقال كيف يجوز للمالك أخذ ما يختاره الضامن، حيث يحتمل ان يكون المدفوع اليه غير ما يستحقه.

فإنه يقال دفع الضامن واحدا من المثل أو القيمة باعتبار انه اما عين ما يستحقه المالك عليه أو عوض عنه، فيجوز

للمالك أخذه، اما لانه عين ماله أو بدله بجعل الضامن مع ان للمالك أخذه تقاصا من ماله على تقدير كونه غير ما يستحقه على الضامن لان الضامن لا يدفع اليه ذلك المال.

و دعوى تخيير المالك فإنه مقتضى قاعدة الاشتغال الجارية في حق الضامن حيث ان المالك إذا رضي بالمثل فدفعه اليه مبرء لذمة الضامن قطعا فإنه ان كان عين ما يستحقه عليه فهو و ان كان ما يستحقه عليه هي القيمة فقد رضى المالك منها بالمثل على الفرض و هذا بخلاف ما إذا رفع اليه غير ما اختاره فإنه يحتمل عدم فراغ ذمته مدفوعة بأنه لم يتم دليل على وجوب تفريغ الذمة في الفرض على الضامن لعدم تنجز التكليف المعلوم بالإجمال بوجوب موافقته القطعية و انما الثابت في حقه في الفرض لزوم الموافقة الاحتمالية، حتى لا يمنع الغير قطعا عما يستحقه عليه، و لذا لو طالب المالك بغير المثل أو القيمة في الفرض بأن رضي عن عوض التالف المردد بين كونه مثليا أو قيميا بثوب الضامن مثلا فلا يجب على الضامن دفع الثوب المزبور بدعوى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 170

و ربما يناقش في الآية بان مدلولها (1).

______________________________

انه يجب عليه تفريغ ذمته و ان التالف لو كان قيميا فقد رضى المالك من قيمته بالثوب، و ان كان مثليا فقد رضى به من المثل.

و بالجملة كما لا يجب على الضامن في المقام الموافقة القطعية بدفعه القيمة و المثل معا كذلك لا يجب عليه تحصيل رضا المالك، بل الثابت في حقه الموافقة الاحتمالية بل إذا أخذ المالك ما دفع اليه يحصل فراغ ذمة الضامن لما ذكرنا من كونه اما عين ما يستحقه أو

بدله جعلا أو تقاصا من المالك و اما احتمال تخيير المجتهد في الإفتاء بضمان المثل أو القيمة في صورة تشاح الضامن مع المالك فلا دليل عليه بل لو قيل بجواز تخيير المجتهد في الإفتاء فهو في مورد تعارض الخبرين و تكافؤهما لا مثل المقام من موارد فقد النص و عدم وجوب الاحتياط في الواجب الدائر بين المتباينين و عن السيد الخوئي (طال بقاه) انه يقرع عنه دوران التالف بين كونه مثليا أو قيميا أخذا بما دل على انها لكل أمر مشكل.

و لكن لا يخفى ما فيه، فإنه لا اعتبار بالقرعة في الشبهات الحكمية و منها المقام سواء كان أمكن فيها الاحتياط أم لا و لذا لم يذكر هو و لا غيره في دوران الأمر بين المحذورين في موارد الشبهة الحكمية تعين القرعة.

(1) و لعل مراد القائل ان كلمة ما في قوله سبحانه بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ مصدرية فيكون التقدير فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ مثل اعتدائه، مثلا إذا أتلف الغير مال أحد يجوز له إتلاف مال ذلك الغير و ان أخذ ماله فيجوز له أخذ مال ذلك الغير، و اعتبار المماثلة في الاعتداء كذلك لا ينفع في المقام، فان المهم في المقام إثبات المماثلة في المال المعتدى به و لو أتلف كتابه فالدعوى انه يجوز له أخذ ذلك الكتاب منه لا إتلاف كتابه عوضا هذا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 171

..........

______________________________

و لكن المناقشة غير تامة فإن صدر الآية قرينة على كون المراد المماثلة في المعتدى به النفس بالنفس و العين بالعين و الاذن بالأذن الى غير ذلك و لا يعتبر المماثلة في الاعتداء و لو قتله بالحرق أو الخنق فلا يكون القصاص الا

القتل بالسيف لا بالحرق أو الخنق، و لعله (ره) أشار الى ذلك بقوله (و فيه نظر) و لكن مع ذلك لا دلالة للاية على الضمان حتى في مورد الإتلاف عمدا فضلا عن التعدي إلى سائر الموارد و ذلك فان المراد بالاعتداء في قوله سبحانه هي الجزاء على المعتدى بالكسر و إطلاق الاعتداء عليها بهذا الاعتبار نظير ما ورد في بعض روايات الاستصحاب من قوله عليه السلام (و لكن ينقض الشك باليقين) فإن إطلاق النقض في مورد الشك مع انه لا إبرام و لا استحكام في الشك باعتبار المقابلة لليقين حيث يطلق فيه النقض لابرامه و استحكامه، فالمستفاد من الآية انه لو أتلف الغير مال أحد عدوانا يجوز له استيفاء مثل المال المزبور من المعتدى بان يتملك ذلك المثل من المعتدى بالأخذ منه و لو بالمقاصة أو قهرا عليه و المناسب لذلك إرادة المماثلة و لو في المقدار فقط و من الظاهر ان جواز أخذ هذا المثل لا يرتبط بضمان المعتدى المثل بالمعنى المتقدم أو القيمة بالنقود المتعارفة، بل لا يرتبط بأصل الضمان أيضا بأن يكون المعتدى عليه مالكا على ذمة المعتدى المال، فإنه يمكن الالتزام بجواز الأخذ من مال المعتدى و تملكه و لو قهرا عليه نظير تملك اللقطة من دون اشتغال ذمة المعتدى كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 172

كما في المثالين المتقدمين (1).

كما في المثال الثالث (2) فحاصل الكلام ان ما اجمع على كونه مثليا (3).

______________________________

(1) اى مثال الإتلاف من الكرباس المنسوخة بنحو واحد و مثال إتلاف عبد و له بذمة مالكه عبد موصوف بصفات التالف. أقول- قد مر أن وجدان المثل نادرا بحيث يكون الظفر به من

المصادفة و الاتفاق، لا يعتبر عند العقلاء، فدعوى انصراف إطلاق الضمان إليه في بعض ما ورد في التلف و الإتلاف ضعيفة.

(2) أي ما إذا فرض نقصان المثل عن التالف نقصانا فاحشا بتنزل القيمة السوقية، حيث ان مقتضى العرف و الآية تعين قيمة التالف عند تلفه، مع ان المشهور على ضمان التالف بالمثل.

(3) و الوجه في تعين الضمان بالمثل في مورد التسالم على كون التالف مثليا و في تعين الضمان بالقيمة في مورد التسالم على كونه قيميا، هو الأخذ بالإجماع فإن مقتضاه الضمان في المثلي بالمثل حتى فيما إذا نقص مالية التالف بتنزل القيمة السوقية.

و يشهد لذلك مع الإجماع المشار اليه الخبر الوارد في ان اللازم على من عليه دراهم و أسقطها السلطان و زوج غيرها هي الدراهم الاولى «1» حيث ان إسقاطها يوجب تنزل قيمتها. لا سقوطها عن المالية رأسا لكون موادها فضة، و لكنه مع إمكان الخدشة في سنده معارض بغيره مما يدل على ان على المديون الدراهم التي روجها السلطان بعد إسقاط الاولى.

______________________________

(1) الوسائل- الجزء (12) الباب (20) من أبواب الصرف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 173

ذكر القواعد انه لو لم يوجد (1).

______________________________

و في موارد عدم التسالم يرجع الى المستفاد من آية الاعتداء و منصرف إطلاق الضمان فتكون النتيجة الضمان بالمثل مع عدم السقوط أو النقص عن ماليته و مع أحدهما يكون المتعين هي القيمة كما مر بيانه في تقرير النسبة بين مفاد الآية و منصرف الضمان و بين ما عليه المشهور.

أقول قد ذكرنا ان الأظهر في مورد تردد التالف بين كونه مثليا أو قيميا هو تخيير الضامن، فان اشتغال ذمته بواحد من المثل أو القيمة و ان يكون من

قبيل دوران الواجب بين المتباينين، الا ان التكليف الواقعي لا يجوز عقلا مخالفته القطعية.

و اما موافقة القطعية فغير لازمة في الفرض، لحكومة قاعدة نفى الضرر على التكليف الواقعي في فرض بقائه بعد أداء الضامن أحد الأمرين من المثل أو القيمة لأنه يجب عقلا مع بقاء التكليف أداء الآخر، و حيث لا يعلم بقائه فيجتمع عند المالك المثل أو القيمة معا، و هذا ضرر على الضامن، و لا يكون انتفاء التكليف بقاعدة الإضرار منافيا للامتنان على المالك، لان الضرر على المالك يكون بحسب المالية و المفروض ان مالية التالف متدارك بالمثل أو القيمة.

(1) قال في القواعد انه لو لم يوجد المثل إلا بأكثر من ثمن المثل ففي وجوب الشراء تردد انتهى و ذكر المصنف (ره) صورتين: الاولى- ما إذا كانت زيادة قيمة المثل باعتبار تغيير القيمة السوقية و اختار في هذه وجوب تحصيل المثل، فإنه مقتضى عموم ما دل على ضمان المثلي بالمثل كآية الاعتداء، بل ليس في هذا اشكال و لا خلاف.

و ما ذكر في القواعد من التردد لا يعمها، فان المثل فيها يوجد بقيمته السوقية و بثمن المثل، و يؤيد الحكم ما ورد في ضمان المثل في الدراهم التي أسقطها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 174

ثم انه لا فرق جواز مطالبة المالك (1).

______________________________

السلطان، لان الدراهم باعتبار كون موادها فضة لا تسقط عن المالية بسقوط سكتها عن الاعتبار و لكن تنقص به ماليتها و إذا كان ضمان المثلي بالمثل مع نقص قيمته، كان ضمانه به مع زيادتها أيضا لأن احتمال الفرق بعيد.

الصورة الثانية ان لا تكون زيادة في قيمته السوقية بل الزيادة باعتبار قلة وجود المثل و عدم وجدانه الا عند

من يعطيه إلا بالزيادة و ظاهر عبارة القواعد هذه الصورة و ذكر (ره) ان الأقوى في هذا الفرض ايضا تحصيل المثل أخذا بما ذكر في الوجه السابق من كونه مقتضى الآية و منصرف إطلاق الضمان.

أقول لا يبعد القول بانتقال الأمر إلى قيمة المثل أو الصبر الى ان يوجد المثل بقيمة السوقية فإن تكليف الضامن بتحصيل المثل و لو بأضعاف قيمته السوقية يكون احجافا و ضررا عليه و بعبارة أخرى الزائد على القيمة السوقية بشراء المثل بأضعاف قيمته ضرر على الضامن فينفى وجوبه بقاعدة لا ضرر كما ينفى به وجوب شراء الرقبة أو الهدى بأضعاف قيمتها.

و دعوى اقدام الضامن على الضمان فلا يعمه قاعدة اللاضرر مدفوعة بأن إقدامه على الضمان بالمسمى لا يكون اقداما على الضرر المزبور نعم في جريان ما ذكر في الغاصب تأمل كما انه لو أقدم الضامن بشراء المثل و تحمل الضرر فللمالك المطالبة بالمثل.

(1) قد ذكرنا سابقا في بيان المثلي انه ليس المأخوذ في المثل جميع خصوصيات التالف بل الخصوصية التي لها دخل في المالية أو زيادتها و نقصانها و عليه فلو كان قبض التالف في مكان يكون العين فيها أرخص بكثير من مثلها الموجود في بلد آخر يكون خصوصية كونها في بلد التالف مأخوذا في مثلها و لو طالب المالك الضامن في بلد آخر يكون المطالب به هو المثل في بلد التالف فعلى المالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 175

فمقتضى القاعدة وجوب دفع القيمة (1).

______________________________

الصبر الى دفع المثل في ذلك البلد أو الأخذ في بلد المطالبة بقيمة المثل الموجود في بلد التالف.

و هذا كما ذكرنا مع اختلاف البلاد في القيمة بالفاحش و اما مع عدمه فلا يؤخذ

في المضمون خصوصية بلد القبض أو غيره فيكون للمالك المطالبة بالمثل في كل بلد لا يختلف مع بلد التالف في القيمة.

(1) يقع الكلام في المقام في جهتين الاولى جواز مطالبته المالك مع تعذر المثل بالقيمة و الثانية تعيين القيمة التي يستحق المالك المطالبة بها و ذكر المصنف (ره) في الجهة الاولى ان جواز مطالبة المالك بقيمة المثل مقتضى الجميع بين أمرين حق المالك في عدم جواز منعه عن وصوله الى حقه و عدم إلزام الضامن بالمثل مع عدم تمكنه أو كون تحصيله حرجا عليه مع ان المستفاد من آية الاعتداء جواز مطالبة القيمة مع تعذر المثل حيث ان القيمة مع تعذر المثل تعد مثلا فلا يكون أخذها اعتداء بالأزيد.

أقول يرد على الأول بان ما على الضامن هو المثل فلا يجوز منع المالك عن ماله المفروض كونه مثلا لا عن القيمة بالنقود التي تعد بالإضافة إلى المثل من المتباينين لا الأقل و الأكثر و آية الاعتداء لا دلالة لها على المثل المطلوب في المقام كما مر سابقا و ذكر السيد الخوئي طال بقاه ان للمالك حق المطالبة بالخصوصيات و الجهات الموجبة للمالية في المال المفروض تلفه و إذا رفع يده عن حقه هذا بمطالبته بأصل مالية التالف فله ذلك و لذا لا يجب على المالك قبول القيمة عند تعذر المثل و ليس للضامن إلزامه بأخذها بل له الصبر الى حين وجدان المثل و فيه ما تقدم من ان إعطاء المالية بالنقود أمر مباين لأداء المثل و حق المالك هي المطالبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 176

و يؤيد ما ذكرنا (1)

______________________________

بالثاني دون الأول و لذا لا يجب في المثلي إعطاء القيمة مع مطالبة

المالك بها و وجود المثل خارجا و لو كان المطالبة بالجهات و الخصوصيات مجرد حق المالك لكان اللازم على الضامن إعطاء القيمة مع التمكن على المثل و الصحيح ان جواز مطالبة المالك المثل بقيمته عند تعذره أو تعسره بسيرة العقلاء الجارية في موارد الضمانات حيث ان بنائهم على ان للمالك حق المطالبة بالقيمة أو الصبر الى وجدان المثل و لم يردع الشرع عن ذلك.

(1) يعني يؤيد ان المطالبة بالقيمة عند تعذر المثل حق للمالك و ليس للضامن إجباره على أخذها ما عن الأكثر في باب القرض ان المعتبر في المثل المتعذر قيمته يوم المطالبة فإن هذا الكلام يشير إلى انه لو لم يطالب المالك لما تعين دفع القيمة.

نعم ذكر بعضهم ان المعتبر في المثل المتعذر قيمته يوم الدفع و لا إشارة في ذلك الى كون المطالبة حقا للمالك و ليس للضامن إجباره على أخذ القيمة و ذكر (ره) في الجهة الثانية ان المثل لا يسقط عن عهدة الضامن بمجرد تعذره بل المثل المتعذر كالدين في عدم سقوطه عن عهدة المديون بعدم تمكنه على الأداء.

و لو كان تعذر المثل موجبا لسقوط المثل و اشتغال الذمة بالقيمة لكان المتعين قيمة المثل يوم تعذره فإنه يوم الانتقال إلى القيمة و يترتب على بقاء المثل على عهدة الضامن انه على تقدير مطالبة المالك يتعين قيمة المثل يوم الدفع حيث ان دفعها دفع للمثل بماليته و لكن أورد (ره) على بقاء المثل في العهدة بان آية الاعتداء و انصراف الضمان الوارد في بعض الموارد مقتضاهما انقلاب العهدة بتعذر المثل إلى القيمة حيث ان مقتضاهما تعين أداء أقرب الأموال التالف و كما تكون القيمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2،

ص: 177

..........

______________________________

أقرب الأموال إلى التالف عند تعذر المثل من أول الأمر كذلك تكون أقرب الأموال إليه بالتعذر فيما بعد و التفرقة بين تعذر المثل من الابتداء و طريان التعذر عليه فيما بعد تحكم.

أقول المثل للتالف على ما تقدم عبارة عن البدل الذي يقارب التالف في الجهات التي كانت موجبة لماليته أو زيادتها أو نقصانها و يقال للتالف المثلي فيما إذا كان وجدان البدل له كذلك نوعيا و لا يعتبر كونه دائميا كما انه يقال للتالف القيمي باعتبار كون البدل له كذلك نادرا لا نوعيا.

و عليه ففي مورد تلف المثلي في اليد أو إتلافه يكون اشتغال الذمة بالمثل و لو كان المثل متعذرا لما ذكرنا من ان الاعتبار في اشتغال الذمة بالمثل وجدانه نوعا لا دائما و إذا كان الحال في التعذر من الابتداء كذلك فطريان التعذر فيما بعد لا يزيد على ذلك و لا يوجب سقوط المثل على العهدة بل تبقى مشغولة به و لازمه أدائه بقيمة يوم الدفع حيث ان أدائها أداء للمثل بماليته.

و عن السيد اليزدي (طاب ثراه) ان نفس العين في موارد ضمانها تكون على العهدة و لا يعتبر في اشتغال الذمة بها التمكن على أدائها بلا فرق بين كونها قيمية أو مثلية و لا يصح ما عليه المشهور من انتقال المثل إلى العهدة في المثلي و القيمة في القيمي بل يكون إعطاء القيمة أداء للعين بماليتها كما في القيمي أو مع بعض خصوصياتها كما في المثلي و يشهد لذلك حديث على اليد ما أخذت حتى تؤدى فإن ظاهره كون المأخوذ بنفسه على العهدة لا مثله و لا قيمته و على ذلك فيعتبر القيمة يوم الدفع حيث ان أداء القيمة المزبورة

أداء للعين بماليتها.

أقول حديث على اليد لضعفه لا يمكن الاعتماد عليه كما مرو الضمان في بناء العقلاء يكون باشتغال الذمة بالمثل أو القيمة و شاهد ذلك ملاحظة مورد القرض فان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 178

ثم ان في المسئلة احتمالات أخر (1)

______________________________

القرض في حقيقته تمليك العين للآخر مع اعتبار اشتغال عهدة الآخر بمثلها أو قيمتها لا بنفس تلك العين حيث انها صارت ملكا للمقترض و لا يتفاوت الضمان في اعتبار العقلاء بين مورد القرض و سائر موارده من موارد الإتلاف أو التلف.

(1) ذكر في القواعد في المثلي المتعذر مثله احتمالات و عن ولده في الإيضاح تقوية بعضها و عن بعض الشافعية بعضها الآخر.

و أضاف المصنف ره إليها بعض الاحتمالات الأخرى مع الإشارة إلى مبانيها و الاحتمالات كما تلي: الاحتمال الخامس- على ما في القواعد هو اعتبار قيمة المثل يوم تفريغ الذمة و هذا مبنى على بقاء المثل على العهدة و عدم سقوطه بالإعواز أى تعذره و الاحتمال الثاني- في كلام القواعد مبنى على انقلاب المثل إلى القيمي بالتعذر مع ضمان أعلى قيم المثل من زمان ضمانه يعنى زمان تلف العين الى زمان تلف المثل و هو زمان إعوازه و تعذره و لو قيل في القيمي بقيمة يوم الضمان تعين قيمة المثل يوم تلف العين فان زمان تلفها زمان ضمان المثل كما انه لو قيل في القيمي بكون العبرة بزمان التلف فالعبرة بقيمة المثل يوم إعوازه فإنه زمان تلف المثل.

و الاحتمال الأول في كلام القواعد مبنى على انقلاب العين التالف إلى القيمي بعد كونها مثليا فيعتبر أعلى القيم من يوم غصب تلك العين الى زمان تلفها و يحتمل ضمان يوم غصبها.

أقول فات

عن المصنف (ره) اضافة احتمال قيمة يوم تلف العين.

و الاحتمال الثالث في كلام القواعد مبنى على انقلاب الجامع بين العين التالفة و المثل المتعذر إلى القيمي و المراد ضمان المالية التي تحصل بالعين و المثل فيجري احتمال ضمان أعلى القيم من زمان غصب العين الى زمان تعذر المثل و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 179

و حاصله ان وجوب دفع قيمة المثل يعتبر (1) فاعلم ان المناسب لإطلاق كلامهم (2)

______________________________

إعوازه.

و الاحتمال الرابع مبنى على ضمان الجامع بين المثل و العين التالفة مع عدم تبدل المثل إلى القيمة مع التعذر بل يبقى المثل على العهدة إلى زمان دفعه بالقيمة و لذا لو صبر المالك الى وجدان المثل استحقه.

(1) يعنى يعتبر في القيمة المدفوعة على الاحتمال الرابع أعلاها من زمان وجوب دفع المثل و هو زمان مطالبة المالك بالقيمة إلى زمان حدوث ضمان العين أى زمان غصبها فيعتبر دفع أعلى القيم المفروضة في هذه المدة و لا يخفى ان مقتضى ذلك اعتبار أعلى القيم من زمان غصب العين الى زمان مطالبة المالك لا الى زمان دفع القيمة كما هو المدعى و لعل (ره) أشار الى ذلك بقوله فافهم.

(2) هذا تعرض للصحيح من الاحتمالات المتقدمة و حاصله ان مقتضى الالتزام ببقاء المثل على العهدة حتى بعد تعذره هو قيمة يوم الدفع و مقتضى آية الاعتداء و انصراف الضمان إلى أقرب الأموال إلى التالف هو صيرورة نفس التالف قيميا عند تعذر المثل فيكون الاعتبار بقيمة العين التالفة يوم إعواز المثل إذ قبل ذلك اليوم كانت العين التالفة مثلية و لا يعتبر القيمة في المثلي و على مسلك أعلى القيم يكون الاعتبار بأعلى القيم من زمان ضمان

العين إلى صيرورة تلك العين قيمية.

و الى ذلك أشار المصنف (ره) بقوله (و لو قلنا بضمان القيمي بأعلى القيم إلخ) يعني بناء على اعتبار أعلى القيم من زمان غصب العين الى زمان تلفها توجه فيما نحن فيه ضمان اعلم القيم من حين ضمان العين التالفة أي من زمان غصبها الى زمان إعواز مثلها و الوجه في حساب أعلى القيم الى زمان إعواز المثل مع فرض تلف العين قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 180

و يقال على المحقق المذكور (1)

______________________________

ذلك ما أشار (ره) اليه بقوله (كما أن ارتفاع القيمة إلخ) يعني كما ان زيادة القيمة قبل تلف العين مضمونة بشرط تعذر رد العين حيث ان مع رد العين لا يضمن الغاصب شيئا حتى لو كانت قيمتها زمان ردها عشر قيمتها يوم غصبها و بتعبير آخر أداء العين برد نفسها متدارك (بالكسر) ارتفاع القيمة السوقية فكذلك رد المثل في المثليات متدارك (بالكسر) ضمان ارتفاع القيمة من يوم غصب العين الى زمان تلفها و بالجملة ارتفاع القيمة في المثلي مضمون بشرط عدم رد العين و عدم رد المثل فيكون رد المثل متداركا لارتفاع القيمة في المثلي و إذا تعذر المثل يكون الارتفاع مضمونا مطلقا فيعتبر قيمة العين الى هذا الزمان باعتبار ان العين و لو كانت تالفة قبل ذلك الا ان كونها قيمية حدثت في الزمان المزبور.

هذا مع القول بانقلاب المثلي إلى القيمي بتعذر المثل و اما بناء على بقاء المثل على العهدة حتى بعد تعذره يكون زيادة القيمة مضمونة الى زمان تفريغ الذمة بدفع القيمة.

أقول لا يخفى بناء على صيرورة العين التالفة قيمية و كون الاعتبار في القيمي بيوم التلف يكون اعتبار القيمة

يوم إعواز المثل و لكن المعتبر قيمة يوم تلف العين كما انه لو قيل في القيمي بالقيمة يوم الغصب يكون المعتبر بعد إعواز المثل تلك القيمة و على أعلى القيم يكون المعتبر أعلاها من زمان غصب العين الى زمان تلفها.

و بالجملة اشتبه على المصنف (ره) ظرف الاعتبار بظرف المعتبر.

(1) ذكر المحقق الثاني انه لو كان المثل متعذرا عند تلف العين يتعين قيمة زمان التلف انتهى أي قيمة العين زمان تلفها و بعبارة أخرى تكون العين المزبورة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 181

ثم ان المحكي عن التذكرة ان المراد بالإعواز (1).

______________________________

كسائر القيميات و لا يكون في الفرض اشتغال الذمة بالمثل و بقائه على الذمة إلى زمان أدائه بماليتها كما ذكروا في صورة طريان تعذر المثل في الأثناء فيقال عليه بان لازم ذلك انه لو كان المثل عند تلف العين متعذرا و وجد بعد ذلك فلا يكون للمالك حق مطالبة المثل لان المفروض حدوث الضمان بالقيمة من الأول كسائر القيميات و لكن الإيراد غير صحيح لان للمحقق الثاني ان يلتزم بصيرورة العين بوجدان المثل مثليا كسائر المثليات بعد كونها قيمية و لعله الى ذلك يشير المصنف (ره) بقوله و فيه تأمل الى في الإيراد على المحقق بما ذكر تأمل.

(1) أقول قد ذكرنا اشتغال الذمة بالمثل في المثلي حتى عند التعذر من الابتداء أو في الأثناء غاية الأمر مع التعذر يسقط حق المالك عن المطالبة بالمثل فعلا الا بماليته و على ذلك فان كان في البين تعذر أداء المثل بالإضافة إلى الضامن أو كان تحصيله حرجا أو إجحافا عليه فمقتضى قاعدة اللاحرج أو اللاضرر سقوط حق المالك فعلا عن المطالبة بالمثل الا بقيمته و

لو لم يكن ذلك فمقتضى حرمة مال المسلم و ما دل على وجوب أداء الدين وجوب دفع المثل فلا يتم ما ذكره في التذكرة من ان المراد بإعواز المثل عدم وجدانه في البلد و ما حوله و ما عن جامع المقاصد من الرجوع فيه الى العرف فان مع مطالبة المالك بالمثل و تمكن الضامن عليه بلا حرج أو إجحاف فعليه رد المثل سواء كان في العرف إعواز أم لا فإن العبرة بتمكن شخص الضامن لا إعوازه في العرف كما هو الحال في سائر التكاليف المشروطة بالتمكن و على ذلك فلو لم يكن مثل التالف الا عند الضامن فقط فعليه رده على المالك مع مطالبته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 182

ثم ان في معرفة قيمة المثل (1).

ثم انك قد عرفت ان للمالك (2).

______________________________

(1) قد تقدم ان المثل مع وجوده يتعين دفعه سواء كان عزيز الوجود أم لا نعم لا بد من كونه بحيث يباع بالقيمة السوقية و الا تكون الوظيفة دفعه بقيمته السوقية كما إذا كان عند من لا يبيعه إلا بأضعاف قيمته السوقية و تقدم ان الميزان في قيمة المثل بيوم الدفع فيتعين في الفرض إعطاء قيمته السوقية التي حال عزة وجوده و اما إذا لم يكن للمثل وجود أصلا فلا بد في تعيين قيمته السوقية من فرض وجوده في السوق ثم دفع القيمة و لا موجب في حساب قيمته فرض عزة وجوده فان مع وجود المثل يكون رده موجبا لارتفاع الضمان و لو كانت له في الأول عزة الوجود و باعتبارها كانت قيمته السوقية أزيد و عند دفعه لم يكن بتلك العزة و كان في قيمته نقصان و إذا كان دفع

المثل بنفسه كذلك فما الوجه في فرض عزة الوجود له في دفع ماليته يوم لا يكون فيه في السوق مثل أصلا.

و بعبارة أخرى لا يوجب أمر دفع الأزيد لقيمة المثل في الفرض الا ان يكون ذلك للاحتياط أو استصحاب عدم فراغ العهدة بدفع الأقل فتدبر.

(2) و حاصله ان مع تعذر المثل في بلد تلف العين و وجدانه في بلد آخر يجوز للمالك المطالبة بالمثل فيه سواء كانت قيمة المثل في ذلك البلد مساويا للمثل في بلد الضمان أو زائدة عليها و هل مع تعذر المثل في ذلك البلد للمالك المطالبة بقيمة ذلك البلد فيحتمل تعين قيمة بلد الضمان و قيمة المثل لبلد المطالبة و تخيير المالك بينهما فيجوز له المطالبة بالأزيد منهما.

و عن الشيخ (ره) في مبسوطه في باب الغصب انه مع عدم المؤنة في نقل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 183

..........

______________________________

المثل الى بلد المطالبة من بلد التلف فله المطالبة بالمثل و لو كانت القيمة في بلد المطالبة أزيد و اما إذا كانت في نقله إليه مؤنة يكون له المطالبة بها بشرط تساوى القيمتين و مع عدم تساويهما فلا يجوز له الا المطالبة بقيمة بلد التلف أو الصبر إلى أداء المثل بنفسه فيه.

أقول قد تقدم منع أصل الحكم الذي ذكره المصنف (ره) و انه مع وجدان المثل في بلد المطالبة و تفاوت قيمته مع قيمة بلد التلف لا يكون الموجود في بلد المطالبة مثلا ليستحق المالك المطالبة به و مع عدمه المطالبة بقيمته بل عليه الصبر الى وجدان المثل في بلد العين أو المطالبة بقيمة المثل في ذلك البلد و الى ذلك يرجع ما ذكر الشيخ (ره) في مبسوطه في كتاب

الغصب.

و بالجملة اختلاف البلاد في قيمة الشي ء باختلاف فاحش يوجب ان لا يكون الا زيد قيمة في بلد مثلا للتالف في بلد آخر نعم التفاوت في القيمة في بلد بحسب الأزمنة اى باعتبار الفصول غير معتبر كما إذا تلف المثلي في زمان كانت قيمته أقل ثم زادت فإنه يجب في الفرض أداء المثل و مع تعذره أدائه بقيمته يوم الأداء و لا عبرة باختلاف قيمته بحسب زماني الضمان و الأداء.

نعم يعتبر بقاء أصل المالية في المثل و لو سقط عن المالية رأسا أو كان كالساقط كالنقود المرسومة فعلا فإنها بعد سقوطها عن الاعتبار تكون عند العقلاء تالفة و لا يكون رد العين موجبا لارتفاع الضمان فضلا عن أداء مثله.

و السر في ذلك ان الضمان في اعتبارهم في الأشياء في موارد التلف و الإتلاف باعتبار ماليتها و مع سقوط الشي ء عن المالية يكون الشي ء المزبور من القيميات التي يأتي الكلام في كون العبرة فيها بالقيمة يوم الضمان أو التلف أو الأداء.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 184

كالماء على الشاطى (1).

لأن القيمة بدل الحيلولة (2) و لو كان التالف المبيع فاسدا قيميا (3)

______________________________

(1) قد ذكرنا سابقا انه يؤخذ خصوصية المكان في المثل فيما إذا كانت تلك الخصوصية دخيلة في المالية و عليه فالماء على الشاطى لا يكون مثلا للتالف في المفازة ليتوهم ارتفاع الضمان بدفعه.

نعم لو كانت عين ذلك الماء موجودة فيجوز دفعها ما لم تسقط عن المالية و بعد سقوطها عنها فيدخل في فرض تلفها و على ذلك فلا بد من إعطاء الماء الآخر في المغازة المزبورة أو الإعطاء في الشاطى بقيمته في تلك المفازة.

(2) لا يخفى انه بناء على تصوير بدل الحيلولة

فهو في المقام غير محتمل الا على مسلك بقاء المثل على العهدة حتى بعد إعوازه ليكون دفع القيمة من قبيل بدل الحيلولة بين المالك و ماله و هذا بخلاف ما إذا قيل بالانقلاب إلى القيمة سواء كانت القيمة بدلا عن العين أو عن المثل فإنه على الانقلاب يتعين حق المالك في القيمة و لا يكون مالكا إلا القيمة التي تسلمها بعد تعذر المثل و ليس له حق آخر على العهدة ليقال بان له المطالبة به.

(3) الضمان في القيميات بمعنى اعتبار قيمة التالف دينا على عهدة الضامن في مقابل المثلي الذي يكون الدين على عهدته هو المثل.

و قد ذكرنا سابقا ان الاعتبار في كون التالف مثليا ليثبت المثل على العهدة وجدان المثل نوعا و لا يعتبر وجدانه دائما فلا يضر على اعتبار المثل على العهدة عدم وجدانه أحيانا و يعتبر في كون التالف قيميا عدم وجدان المثل له نوعا و ان وجد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 185

..........

______________________________

أحيانا بحيث يكون الظفر عليه من الاتفاق.

و ما ذكر المصنف (ره) من ان المتيقن من إطلاقات الضمان الدالة على اعتبار القيمة صورة تعذر المثل لا يمكن المساعدة عليه فان الشارع لم يتصرف في طور الضمان في المثلي أو القيمي و لا موجب لانصراف الإطلاق في بعض ما ورد بضمان القيمة إلى صورة تعدر المثل كيف و قد جرت سيرة العقلاء على اعتبار القيمة دينا في مال لا يوجد له مثل نوعا.

و يقتضيه أيضا الإطلاق في صحيحة أبي ولاد الآتية الدالة على ضمان البغل بقيمته فإنها تعم ما إذا كان للبغل المفروض مثل أولا و كذا قوله (ع) في رواية عتق الحصة من العبد المشترك و

ما ورد في ضمان الرهن بتفريط المرتهن.

و ما ذكر المصنف (ره) في وجه اعتبار القيمة في القيمي مطلقا من الرجوع الى الإجماع ضعيف لعدم ثبوت إجماع و على تقديره فليس من الإجماع التعبدي بحيث يحرز اعتمادهم على أمر تعبدي قد وصل إليهم و لم يصل إلينا بل الوجه عندهم هي السيرة أو بعض الروايات المشار إليها كما لا يخفى.

و قد ظهر ايضا ضعف ما نسب إلى الإسكافي و حكى عن الشيخ (ره) و المحقق في الخلاف و الشرائع من اعتبار المثل على العهدة في المضمونات مطلقا غاية الأمر يكون دفع المثل بقيمته عند تعذره فإن السيرة أو الروايات المشار إليها كافية في الظهور المزبور.

و عن السيد اليزدي (ره) بقاء العين التالفة على العهدة في المثلي و القيمي و ان انتقال المثل أو القيمة على العهدة لا أساس له بل يكون دفعهما موجبا لفراغ الذمة عن عهدة العين و ذكر ان هذا مقتضى حديث على اليد ما أخذت حتى تؤدى و ليس في الروايات ما ينافي ذلك اما في الاخبار الدالة على الضمان فواضح فإنه ليس فيها دلالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 186

..........

______________________________

على اعتبار القيمة أو المثل على العهدة.

و اما الاخبار الدالة على القيمة فليست لها دلالة الا على وجوب دفع القيمة لا اشتغال الذمة بها كما في صحيحة أبي ولاد أو الرواية الواردة في تقويم العبد.

نعم في سقوط الدين بحساب الرهن عند تلفه دلالة على ثبوت قيمة الرهن على العهدة و الا لم يكن سقوط الدين بمجرد تلف الرهن و لكن و لم أعثر على هذا الخبر.

أقول قد تقدم دلالة صحيحة أبي ولاد على ضمان القيمة حتى مع التمكن على

مثل البغل المفروض فيها و يأتي بيانه تفصيلا عند التعرض لها كما ان ظاهر موثقة سماعة ضمان القيمة قال سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه فقال هذا فساد على أصحابه يقوم قيمة و يضمن الثمن الذي أعتقه لأنه أفسده على أصحابه «1» فإنه لو لا ضمان العبد بالقيمة لم يكن مجرد تقويمه مصححا لضمان الثمن بالعتق الذي عبر عنه في الموارد بالإفساد على المالك بل لا بد من التعبير بضمان نفس العبد و نحوها غيرها.

و في موثقة ابن بكير قال سألت أبا عبد اللّه (ع) في الرهن فقال ان كان أكثر من مال المرتهن فهلك ان يؤدى الفضل الى صاحب الرهن و ان كان أقل من ماله فهلك الرهن ادى اليه صاحبه فضل ماله و ان كان الرهن سواء فليس عليه شي ء «2» فان ظاهرها ضمان الرهن بالقيمة و لذا ذكر عدم ثبوت شي ء على عهدة المديون أو المرتهن مع تساوى الدين و الرهن.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (16) الباب (18) من أبواب العتق الحديث (5).

(2) الوسائل الجزء (13) الباب (7) من أبواب الرهن الحديث (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 187

و ربما يورد عليه ان يوم التلف (1)

______________________________

(1) الإيراد صحيح فان اشتغال الذمة بقيمة العين يحدث يوم تلفها و لكن القيمة التي تكون على العهدة قيمة ذلك اليوم أو غيرها فلا بد من معين و احتمال اشتغال الذمة بالقيمة بحيث يكون المعتبر في كل زمان الى تفريغ الذمة قيمة العين في ذلك الزمان حتى يتعين قيمة يوم الدفع مدفوع بأنه لا عبرة بالأزمنة بعد تلف العين و لذا لو سقطت العين عن المالية بعد ذلك بحيث لو كانت باقية لما كانت

لها قيمة يتعين ايضا على الضامن دفع القيمة و لو كان المعيار بالقيمة يوم الدفع لسقط الضمان بانقضاء المالية فافهم.

و لكن مع ذلك لا يلزم اعتبار قيمة يوم التلف بل يحتمل كون المعتبر في زمان تلف العين قيمة يوم غصبها أو أعلى القيم من يوم دخولها في الضمان الى زمان تلفها.

و بذلك يظهر ما في قوله (ره) و مما ذكرنا ظهر ان الأصل في ضمان التالف ضمانه يوم التلف إلخ فإنه كما ذكرنا ليس في البين ما يقتضي كون المعتبر على العهدة من القيمة قيمة يوم التلف.

نعم حدوث الاعتبار يكون ذلك اليوم كما مر و لا يمكن إثبات قيمة ذلك اليوم بالسيرة العقلائية أيضا حيث لم يحرز استقرارها على تلك القيمة بل لو ثبت قيمة يوم الغصب بصحيحة أبي ولاد الآتية فيمكن التعدي إلى سائر موارد الضمان في القيميات اما باعتبار الاتفاق على عدم الفرق بين الضمان في مورد الغصب و بين المقبوض بالعقد الفاسد كما ادعاه الحلي (ره) أو انه لا يحتمل إلغاء ضمان زيادة القيمة من يوم الضمان الى يوم التلف في مورد الغصب و عدم إلغائها في غيره.

و عن السيد اليزدي ره ان العبرة بقيمة يوم الدفع باعتبار بقاء نفس العين على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 188

..........

______________________________

العهدة إلى فراغها و على تقدير الانقلاب يكون العبرة بيوم التلف فان ضمان قيمته على القاعدة و لا دلالة لصحيحة أبي ولاد على ضمان قيمته يوم الغصب و على تقديرها تكون مختصة بباب الغصب بل يمكن الاستدلال على ضمان يوم التلف بما ورد في تقويم العبد المشترك المعتق من بعض مواليه.

و في صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه السّلام

قال من كان شريكا في عبد أو امة قليل أو كثير فأعتق حصته و لم يبعه فليشتره من صاحبه فيعتقه كله و ان لم يكن له سعة من مال نظير قيمته يوم عتق ثم يسعى العبد في حساب ما بقي حتى يعتق «1».

و في صحيحته الأخرى قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في عبد بين رجلين فحرر أحدهما نصفه و هو صغير و أمسك الآخر نصفه حتى كبر الذي حرر نصفه قال يقوم قيمة يوم حرر الأول و أمر الأول ان يسعى في نصفه الذي لم يحرر حتى يقضيه.

و فيه ما تقدم في دعوى كون قيمة التلف على القاعدة و لا دلالة في الروايتين على اعتبار قيمة ذلك اليوم فان الضمان فيهما من جهة الإتلاف كما في بعض الروايات المروية في ذلك الباب من تعليل ضمان المعتق القيمة لباقي الشركاء مع يساره بأنه لما أفسده على أصحابه أو ضيعة عليهم و لا يختلف فيه حدوث الضمان و الإتلاف في الزمان فيحتمل ان يكون تعيين قيمة يوم الإفساد باعتبار كونه زمان حدوث الضمان فلا يمكن استظهار قيمة يوم التلف في الموارد التي يختلف فيها زمان حدوث الضمان عن زمان التلف كما في التلف في اليد حيث يتحقق الضمان بوقوع المال في اليد و الاستيلاء عليه بنحو لا يكون المال أمانة مالكية أو شرعية و لا يكون الشخص مأذونا في إتلافه مجانا قبل التلف.

______________________________

(1) وسائل الجزء (16) باب (34) من أبواب العتق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 189

توجه الى النيل (1).

مثل كراء البغل ذاهبا (2).

لو عطب (3).

أ ليس كان يلزم منى (4).

ان اليوم قيد للقيمة إما بإضافة (5).

______________________________

(1) النيل قيل قرية بين البغداد و الكوفة.

(2)

الوجه في حساب الذهاب من الكوفة إلى النيل و من النيل الى البغداد و حساب الرجوع من بغداد إلى الكوفة تفاوت اجرة المثل بالإضافة إلى الذهاب و الإياب المفروضين.

(3) عطب و نفق كضرب بمعنى هلك و مات و العقر بمعنى الجرح و الدبر بالتحريك قرحة الدابة.

(4) من المجرد بمعنى يثبت على.

(5) ليس المراد إضافة القيمة الى كل من البغل و يوم المخالفة بحسب التركيب الكلامي بل المراد إضافة القيمة إلى البغل، ثم اضافة البغل الى يوم المخالفة و لذا ذكر سقوط حرف التعريف من البغل للإضافة، و لو كانت القيمة مضافا و البغل مضافا اليه فقط لم يكن وجه لسقوط الالف و اللام عن الثاني.

و حيث ان المضاف إليه يعني يوم المخالفة لا يصح كونه قيدا للبغل، فان البغل لا ينسب إلى الأيام فيكون اليوم المزبور قيدا للمضاف إلى القيمة، فتنسب القيمة المنسوبة إلى البغل أولا إلى يوم المخالفة ثانيا و المعنى نعم يلزمك قيمة يوم المخالفة للبغل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 190

..........

______________________________

و هذا مراد من ذكر ان مقتضى الحديث الاعتبار في الضمان بقيمة يوم الغصب و حدوث الضمان، دون يوم التلف أو أعلى القيم.

و قيل ان يوم المخالفة ظرف للفعل المستفاد من حرف الجواب يعنى لفظة نعم فإنها بعد السؤال المزبور قائم مقام قوله يلزمك اى يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل فيكون الجواب ناظرا لبيان حدوث الضمان يوم المخالفة و ان قبلها لم يكن ضمان لا ان المعتبر في الضمان هي القيمة بحسب يوم المخالفة.

و أورد على ذلك المصنف (ره) ان هذا لا يناسبه ظاهر الرواية و لا الفهم العرفي بل هذا الاحتمال غير صحيح لأن السائل لم يسئل عن

حدوث أصل الضمان بمخالفته لمقتضى الإجارة بل كان هذا معلوما عنده و انما سئله عما يلزمه على تقدير تلف الحيوان المفروض ضمانه.

أقول لم يظهر وقوع السؤال عن سائر الجهات بعد الفراغ عن أصل حدوث الضمان يوم المخالفة كيف و لو كان السؤال عن تعيين ما يضمن به بعد الفراغ عن أصل الضمان لكان الأمر كذلك بالإضافة إلى ضمان الوصف ايضا مع انه (ره) تسلم ان قوله عليه السّلام عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه بيان لأصل الضمان بالإضافة إلى وصف الصحة و المعنى عليك أداء الأرش يوم رد البغلة و اما الأرش فتعيينه بحسب يوم الغصب أو التلف أو الرد فلا نظر له اليه.

و الصحيح ان يقال ان قيد يوم المخالفة راجع الى القيمة لا لأصل الضمان فإن القيمة لا يثبت على العهدة يوم المخالفة مع فرض بقاء العين بل ثبوتها على العهدة يكون زمان التلف و لا وجه لدعوى ان تقييد الضمان بيوم المخالفة للتنبيه بعدم الضمان بقيمة يوم التلف قبلها.

فإنه مضافا الى كونه خلاف الظاهر ينافيه الفقرة الثانية يعني قوله عليه السّلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 191

و لكن يحتمل ان العيب قد تناقص (1).

______________________________

أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا حيث انه لا ينبغي الريب في ان ظاهره كون حين اكترى قيدا للقيمة و سيأتي انه لا يختلف في مثل مورد الرواية قيمة زمان الغصب عن قيمة يوم الاكتراء كما ان ظاهره كون المراد بالبغل الإشارة إلى المفروض في السؤال فلا مورد لتوهم ان مدلول الرواية الضمان بقيمة طبيعي البغل.

(1) الظاهر ان مع تناقص العيب أو برء

الحيوان لا يكون ضمان فإنه لم يتلف على المالك شي ء ليكون على الضامن تداركه و لم أظفر على الفتوى التي أشار إليها من ضمان العيب حتى مع برء الحيوان و رده الى مالكه سالما.

و الحاصل يحتمل كون الظرف يعنى يوم ترده ظرفا للعيب و قيدا له بل هذا الاحتمال أظهر فإنه لو كان الظرف متعلقا بعليك لكان ذكره بلا فائدة مع ان تعلقه بالعيب يوافق ما عليه بناء العقلاء من عدم ضمان مع رد العين كما كانت عليه زمان الأخذ و الاستيلاء عليها و لو مع تخلل العيب بين الأخذ و الرد.

لا يقال لو كانت قيمة العين يوم غصبها عشرة دراهم ثم زادت و صارت معيبها عشرين و صحيحها خمسين فيكون على الضامن ثلاثون درهما فإنها تفاوت قيمة العيب الموجود حال الرد و هذا لا يحتمل بان يكون على الغاصب على تقدير تلف العين عشرة دراهم و على تقدير عيبها ثلاثون درهما.

فإنه يقال اعتبار العيب الموجود حال الرد لا يلزم منه تقويم العيب بقيمة زمان الرد بل مقتضى تبعية ضمان الوصف لضمان العين ان يكون على الضامن في الفرض ستة دراهم من عشرة دراهم بان يكون تقويم العيب الموجود حال الرد بحسب قيمة يوم الغصب و حيث ان التفاوت بين الصحيح و المعيب ثلاثون درهما يعنى ثلاث أخماس قيمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 192

و يكون السر في التعبير بيوم المخالفة (1).

الا ان يقال (2).

و يؤيده أيضا (3).

______________________________

العين صحيحا فيؤخذ بذلك من قيمة يوم الغصب.

(1) يعنى ان يوم المخالفة قيد للقيمة و لكن القيد ليس للاحتراز عن قيمة يوم التلف بل للاحتراز عن قيمة يوم الاشتراء حيث يكون المرتكز في ذهن

مثل صاحب البغل مطالبة الضامن بقيمة شراء البغل بزعم انه المبلغ الذي خسره.

و بعبارة أخرى يوم المخالفة قيد احترازي للقيمة و لكن لا مطلقا بل بالإضافة إلى قيمة يوم الشراء.

(2) يعنى يقال في تأييد ان الاعتبار بقيمة يوم الغصب و وجه التأييد ان ذكر يوم الاكتراء ليس من جهة عدم الاهتمام بيوم المخالفة في تقويم العين بل للتنبيه بطريق سهل إلى معرفة قيمة يوم المخالفة للبغل المفروض في الرواية و ان اقامة البينة على تلك القيمة كتعيينها باليمين سهل حيث ان البغل المزبور يكون يوم الاكتراء بمرأى و مشهد من الناس و المكارين و لا يتفاوت عادة قيمته الى يوم المخالفة التي يكون الفصل بينها و بين يوم الاكتراء بيوم أو أقل منه.

(3) يعني يؤيد عدم العبرة بيوم المخالفة في ضمان القيمة ظاهر قوله عليه السّلام في الجواب عن كيفية معرفة القيمة بكون الحلف على القيمة حقا لصالب البغل فإنه يصح ذلك بناء على اعتبار قيمة يوم التلف دون ما إذا كان الاعتبار بيوم المخالفة فإنه إذا أحرزت القيمة قبل يوم التلف و كان دعوى الضامن نقصانها عن تلك القيمة يوم تلف العين فيتوجه اليمين الى صاحب البغل باعتبار كونه منكرا لدعوى النقصان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 193

..........

______________________________

كما ان اقامة صاحب البغل البينة فيما إذا كان اختلافهما في قيمة البغل بلا اتفاق سابق أقول التأييد عليل فإنه يمكن توجيه توجه اليمين الى صاحب البغل مع كون الاعتبار بقيمة يوم الغصب كما إذا اتفقا على قيمة البغل سابقا كقبل غصبها بشهر و كان دعوى الضامن نقصان القيمة يوم اكترائه و غصبه بل الظاهر من الحلف هو الحلف المتعارف عند عامة الناس

الذي يرضى به المحلوف له ابتداء وردا.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا ان قوله عليه السّلام في الجواب عن السؤال عن تلف الدابة يرجع الى انه لو عطب البغل و نفق فعليك قيمة يوم المخالفة للبغل و حيث ان ظاهر القضية الشرطية كون الجزاء مقارنا لتحقق الشرط كما هو شأن الشرط المقارن يكون مفادها حدوث الضمان بالقيمة عند فعلية التلف لا حدوثه يوم المخالفة فإن يوم المخالفة قيد للقيمة على ما تقدم فيكون الاعتبار بقيمة يوم الضمان مطلقا إلحاقا للضمان في غير مورد الغصب بالغصب بالتقريب المتقدم.

و اما احتمال ان يكون الجواب بنعم نفيا لما فرض في السؤال انه لا يضمن البغل بقيمة يوم المخالفة على ما افتى به أبو حنيفة إذ لو كان الجواب إثباتا لذكر الجواب بكلمة بلى على ما ذكره علماء الأدب فلا يمكن المساعدة عليه فان العرف العام لا يفرقون بين الجواب بنعم أو بكلمة بلى في استعمالاتهم و انما يراعى ما ذكر في الكلام الفصيح كالكتاب المجيد و الاخبار الواردة في بيان الأحكام هي على طبق الاستعمالات في العرف العام و لم يلاحظ فيها إعمال الفصاحة و رعاية البلاغة.

و قد ذكر الفقهاء في باب الإقرار انه لا فرق بين الجواب بنعم أو بلى في العرف العام في حمله على الإثبات كما لو سئل أ ليس لزيد عليك درهم فأجاب بنعم فإنه يعتبر من الإقرار بالدين.

و يشهد لما ذكرنا من عدم الفرق بينهما في العرف العام فهم ابى ولاد اشتغال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 194

و هذا بخلاف ما لو اعتبرنا يوم التلف (1).

استدلوا على هذا القول (2).

______________________________

الذمة بقيمة يوم المخالفة من الكلام المزبور و لذا سئل

ثانيا عن طريق إحراز تلك القيمة و تعيينها.

(1) لا يخفى ان توجيه اليمين الى صاحب البغل باعتبار حمل الجواب على صورة اختلافهما في نقصان القيمة يوم التلف عما كانت عليها يوم المخالفة من الحمل على الصورة النادرة فإنه كما لا يختلف قيمة البغل في خمسة عشر يوما غالبا كذلك اختلاف صاحب البغل و الضامن في النقصان المزبور نادر و إذا فرض جواز حمل الجواب على الصورة النادرة فليحمل على ما ذكرنا من فرض اتفاقهما على قيمة البغل سابقا و اختلافهما في نقصان تلك القيمة يوم المخالفة و لا وجه للمناقشة في هذا الحمل دون الأول كما هو ظاهر المصنف (ره) في قوله بعد ذكر الاحتمال الذي ذكرنا (و لا يخفى بعده و أبعد منه حمل النص على التعبد).

(2) اختار (ره) عدم دلالة الصحيحة على ان الملاك في الضمان بقيمة يوم الضمان بل يرجع في تعيينها إلى القاعدة الأولية و هي قيمة يوم التلف لان ذلك زمان اشتغال العهدة بالقيمة و على ذلك فلا بد من النظر في وجه القول بأن العبرة في الضمان بأعلى القيمة من حين الضمان الى حين التلف حيث يتعين الرجوع الى القاعدة مع عدم المخرج عنها و ما يقال في وجهه أمور:

الأول- ان العين في تمام تلك الأزمنة في ضمان الشخص فإن أدى أعلى القيم فيخرج عن عهدة جميع تلك الضمانات لدخول الأقل في الأكثر بخلاف ما إذا أدى قيمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 195

..........

______________________________

زمان التلف أو غيره فإنه لا يخرج بأداء تلك القيمة عن ضمان العين حين كانت قيمتها أكثر.

و أجاب (ره) عن ذلك بأنه ان أريد من ضمان العين في جميع الأزمنة التي منها

زمان علو قيمتها انه على تقدير تلفها فيه كانت العهدة مشغولة بتلك القيمة فهذا صحيح و لكن المفروض انها لم تتلف فيه.

و ان أريد اشتغال العهدة بتلك القيمة حتى مع عدم تلفها فيه و فيما بعده بحيث لو رد العين الى مالكها كان اللازم دفعها مع الزيادة فهذا مخالف لما تسالموا عليه من عدم ضمان الزيادة مع رد العين.

و ان أريد اشتغال العهدة بتلك القيمة مشروطا بهلاك العين و عدم إمكان رد العين بنفسها فهو أمر معقول و لكن لا بد من قيام الدليل عليه و أصالة البراءة تدفع لزوم دفع الزائد على القيمة يوم تلفها.

نعم حكى في الرياض عن العلامة ان قاعدة نفى الضرر دليل على اشتغال العهدة بتلك الزيادة فإنه لو لم يكن الضامن واضعا يده على العين زمان علو قيمتها أمكن للمالك استيفاء تلك القيمة ببيع العين فيكون عدم ضمان تلك القيمة مع تلف المال ضررا على المالك و مقتضى قاعدة نفيه ضمانها و لكنه (ره) أشار الى ضعف هذا الاستدلال بقوله و فيه نظر.

و وجهه انه قد تقدم ان مفاد قاعدة نفى الضرر نفى الأحكام التي تكون العمل بها موجبا لتضرر الشخص و اما تدارك الضرر الواقع خارجا فلا يثبت بها.

ثم انه (ره) وجه الاستدلال المتقدم على ضمان أعلى القيم بأن مالية العين في كل زمان و منها ماليتها زمان علو قيمتها تكون مضمونة في ضمن النقود أو مال آخر إذ ليست المالية بنفسها امرا قابلا للضمان و على ذلك فان كانت العين باقية وردها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 196

و لأجل ذلك استدل العلامة في التحرير (1).

فأصالة الاشتغال (2).

______________________________

الى مالكها فلا يكون للمالك مال آخر غير

العين لتكون زيادة القيمة مضمونة في ضمنه و إذا تلف العين تكون ضمان الزيادة في ضمن النقود و لو مع عدم تلف العين في زمان تلك الزيادة و ذلك فان الضامن قد حال بين المالك و عين ماله في ذلك الزمان و كما ان إتلاف المال في زمان موجب لضمان قيمة ذلك الزمان كذلك الحيلولة بين المالك و ماله في زمان حتى يتلف ذلك المال.

أقول سيأتي انه لا أساس لبدل الحيلولة و انما الثابت بحسب الأدلة بدل التلف و بدل التلف يثبت على العهدة بتلف العين أو كزوال ماليتها رأسا الملحق بالتلف عند العقلاء و لا يثبت في غير ذلك و ليست القيمة السوقية للعين بحسب الأزمنة كالمنافع المتضادة للعين في زمان واحد فلا يقاس الأول بالثاني.

و ذلك فان المنافع المتضادة يمكن استيفاء كل منها بشرط ترك غيره فيفوت على المالك المنفعة التي أكثر في ذلك الزمان بخلاف القيم في الأزمنة المتعددة لأن العين لا تكون تالفة على مالكها ما دامت باقية لتضمن بقيمتها في ذلك الزمان.

(1) يعنى حيث ان العين في جميع الأزمنة الى ان تتلف مضمونة بوقوع الحيلولة في كل من تلك الأزمنة بين العين و مالكها علل العلامة ضمان قيمة يوم الغصب بأنه أول زمان أزيلت يد المالك عن عين ماله فإنه لو لم يكن مجرد ازالة يد المالك عن العين موجبا لضمانها بان يتوقف الضمان على التلف لما صح التعليل المزبور.

(2) ان كان الاشتغال في القيميات بالقيمة كما هو الفرض يكون المرجع عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 197

فالظاهر اعتبار محل التلف (1).

ثم ان جميع ما ذكرنا من الخلاف (2).

______________________________

دوران كون القيمة المضمونة أعلى القيم أو قيمة

يوم التلف البراءة عن الزيادة.

و اما ما ذكره المصنف (ره) من انه لو كان النظر الى الضمان المستفاد من حديث على اليد يكون المقام في مورد استصحاب الضمان لا الرجوع الى البراءة فلعل مراده ضمان نفس العين بكون نفسها على العهدة على ما ذكره السيد اليزدي طاب ثراه و لكن قد تقدم عدم كون ذلك معنى ضمانها.

(1) هذا بناء على كون العبرة في القيمي بقيمة يوم التلف و اما بناء على ما استظهرناه من صحيحة أبي ولاد من اعتبار قيمة يوم الغصب فالمتعين ملاحظة مكان العين في ذلك اليوم فيما إذا كان لمكانها دخل في زيادة قيمتها و لو كان قيمتها في مكان التلف أزيد فيدخل وصف كونها في ذلك البلد في الزيادة العينية الحادثة زمان الغصب.

(2) إذا لم يكن للحيوان التالف زيادة عينية كالسمن ثم حصلت له هذه الزيادة فإن ظاهر كلماتهم ضمان الزيادة حتى لو فرض عدم تلف العين كما لو ردها بعد زوال تلك الزيادة الحادثة و ذلك فان العين مملوكة فتكون الزيادة الحادثة ملكا لمالكها.

و المفروض ان اليد على العين يد ضمان فيكون الوصف ايضا تابعا للعين سواء كان حادثا من الأول أو أيام غصبها غاية الأمر تكون تلك الزيادة محسوبة بقيمة يوم حدوثها بمعنى انه يعين قيمة العين في ذلك اليوم مع تلك الزيادة كما لو كانت قيمتها في ذلك اليوم مع الزيادة عشرة دراهم و مع عدمها ثمانية فيكون الوصف المزبور مضمونة بدرهمين.

و لو فرض تلف نفس العين بعد حدوث تلك الزيادة فيها فيلاحظ قيمة العين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 198

و هل يقيد ذلك بما إذا حصل اليأس (1).

______________________________

بدون الزيادة يوم غصبها فيضمن نفس

العين ايضا بتلك القيمة كما هو ظاهر صحيحة أبي ولاد على ما تقدم.

و الحاصل ان غاية ما يستفاد من الصحيحة ضمان ما يوضع اليد عليه مع تلفه بقيمة يوم وضع اليد يعنى حدوث الضمان فتكون الزيادة الحادثة في يد الغاصب داخلة في ضمانه بقيمة يوم حدوثها لأنه أول زمان بالإضافة إلى ضمان تلك الزيادة.

و ما ربما يقال بان مقتضى إطلاق صحيحة أبي ولاد ضمان العين بقيمتها عند غصبها و انه لا اعتبار بزيادة قيمتها بعد ذلك سواء كانت زيادتها باعتبار تغير القيمة السوقية أو حصول الزيادة العينية لا يمكن المساعدة عليه لان الحكم المزبور وارد في البغل المعد للكراء و حدوث الزيادة العينية الفاحشة الموجبة لتغير قيمته السوقية في خلال خمسة عشر يوما فرض نادر بل غير واقع لان البغل لو لم يخرج بالمشي إلى المسافة البعيدة في خلالها الى الهزال فلا أقل من عدم زيادته عما كان عليه يوم اكترائه.

(1) يعنى هل يقيد ضمان المثل أو القيمة بما إذا حصل الاطمئنان بعدم وصول المالك الى ماله المعبر عن ذلك باليأس عن الوصول أو لم يكن ظن بالوصول اليه المعبر عنه بعدم رجاء وجدان المال أو يشمل استحقاق المالك المثل أو القيمة ما لو علم وجدان المال في مدة طويلة أو حتى ما لو كانت قصيرة ظاهر ما ورد في الأمانات المضمونة اختصاص استحقاق المالك بمطالبة المثل أو القيمة بأحد الأولين أي ما إذا حصل الاطمئنان بعدم وصوله الى المال أو عدم الظن بالوصول.

و يظهر الأخير من إطلاق فتاوى الأصحاب في بعض الموارد كاطلاقهم في اللوح المغصوب في السفينة انه إذا خيف من نزعه غرق مال لغير الغاصب انتقل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 2، ص: 199

[بدل الحيلولة]

______________________________

إلى القيمة الى ان يبلغ الساحل فإنهم لا يقيدون ذلك بما إذا كان البلوغ الى الساحل محتاجا الى زمان طويل.

أقول لا موجب لضمان القيمة بمجرد عدم تيسر الوصول إليها ما لم يعد العين تالفة في اعتبار العقلاء كما إذا علم حصولها في اليد بعد حين خصوصا إذا كانت المدة قليلة فلا يحق للمالك مطالبة الضامن ببدلها.

نعم إذا كانت لها منفعة فيها اجرة فله المطالبة بتلك المنفعة الفائتة كما في مسألة اللوح المغصوب و الاستدلال على استحقاق المالك ببدل العين بكونه جمعا بين الحقين قد ذكرنا ما فيه سابقا و ان العين بالإضافة إلى قيمتها أو مثلها ليست من قبيل الأكثر إلى الأقل ليرفع المالك يده عن الزيادة و يطالب بالأقل بل بالإضافة إلى بدلها من المتباينين و لذا لا يحق له المطالبة ببدل العين مع بقائها و تيسر ردها.

و كذا لا يمكن التمسك في إثبات استحقاق المالك المطالبة بالبدل في مورد عدم تلف العين بحديث الناس مسلطون على أموالهم فإنه مضافا الى ضعف سنده مدلوله سلطنة المالك على التصرف في ماله و انه ليس محجورا عليه و تغريم شخص آخر بمطالبة البدل ليس من التصرف في ذلك المال.

و بالجملة لم يثبت للمالك استحقاق مطالبة البدل مع عدم كون ماله تالفا في اعتبار العقلاء كما إذا كان رده عليه محتاجا إلى السعى في مقدماته فإنه لا يحق له مطالبة الضامن ببدل العين كما هو ظاهر المصنف (ره).

و الاستدلال على ذلك بقاعدة نفى الضرر ضعيف فإن قاعدة نفيه لا يقتضي تدارك الضرر و على تقديره فتداركه مع بقاء العين و عدم عدها تالفة بتدارك منافعها الفائتة الى ان يحصل رد نفس العين.

و الحاصل

ما يسمونه ببدل الحيلولة لم يتم عليه وجه يعتمد عليه بل ان كانت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 200

و يدل عليه قاعدة تسلط الناس على أموالهم (1).

ثم ان المال المبذول (2)

______________________________

العين التي يتعذر الوصول إليها بحيث يعد تالفة على مالكها فالبدل بدل لها و مع عدم كونها تالفة كذلك فلا موجب لاستحقاق مالكها بدلها حيلولة كانت أو غيرها.

نعم لمالكها مطالبة البدل بالإضافة إلى منافعها الفائتة و على ما ذكرنا فيسقط جميع ما يتفرع على الالتزام بالبدل الحيلولة و إذا كانت العين بحيث تعد تالفة يكون للمالك على الضامن البدل و لو أخذ البدل و اتفق الوصول الى العين بعد مدة فلا يستحق المالك الا ما أخذه و ليس له إلزام الضامن باسترجاع البدل حيث يأتي ان إعطاء البدل من قبيل المعاوضة القهرية بينه و بين المبدل.

(1) يعنى ان مقتضى سلطنة الناس على أموالهم جواز امتناع المالك عن بدل الحيلولة و مطالبته بعين ماله و لو بعد حين.

(2) و حاصله ان ظاهر كلماتهم كون المبذول للمالك بعنوان بدل الحيلولة ملكا له و يقتضيه ما ورد في موارد الضمانات فان ظاهره كون البدل المعطى للمالك في موارد الحيلولة كإعطائه في موارد التلف في صيرورته ملكا له.

نعم لو لم يكن الإجماع المشار اليه و ظاهر أدلة الضمان و الغرامة لأمكن القول بأنه لا يملكه بمجرد الإعطاء بل يجوز التصرف في البدل المزبور الى ان يدخل في ملكه بتلف المبدل و سواء قلنا بدخول البدل في ملك المالك من الأول أو بعد تلف المبدل فلا يدخل ذلك المبدل في ملك الضامن بدفعه البدل.

و نتيجة ذلك اجتماع البدل و المبدل في ملك المالك و لا ضير

فيه لان دفع البدل الى المالك ليس من المبادلة بين المالين ليمتنع اجتماعهما في ملكه بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 201

ثم انه قد تحصل مما ذكرنا (1).

______________________________

دفعه في المقام نظير دفعه مع تلف المال في عدم المبادلة و الوجه في عدم المبادلة مع التلف ايضا ان المبادلة تقتضي وجود طرفيها و لا تعقل بين الموجود و المعدوم و لكن مع ذلك ناقش المحقق و الشهيد الثانيان في بدل الحيلولة باجتماع البدل و المبدل في ملك المالك.

و أضاف الشهيد الثاني (ره) بأنه لا بد من الالتزام بدخول البدل في ملك المالك و خروج المبدل الى ملك الضامن و لكن متزلزلا الى ان يتلف المبدل أو يقال بان البدل باق على ملك الضامن و انما يجوز للآخر التصرف فيه على ما تقدم.

و دافع المصنف (ره) عن بدل الحيلولة بأن المناقشة ناشئة عن زعم ان البدل في المقام نظير البدل مع تلف العين بدل عن نفس العين و الزعم غير صحيح لان البدل يعطى للمالك بعنوان الغرامة و من الظاهر ان مع تلف العين يكون الغرامة تداركا لما فات عن المالك من نفس العين و الفائت عن المالك في الفرض ليس نفس العين بل السلطنة على التصرفات فيها فلا بد من قيام البدل مقامها في هذه الجهة و القيام كذلك لا يقتضي دخول البدل في ملك مالك المبدل ابتداء بل يقتضي جواز تصرفاته في ذلك البدل.

نعم لو كان التصرف موقوفا على الملكية فلا بد من الالتزام بدخول البدل في ملك المتصرف من ذلك الحين نظير ما تقدم في المعاطاة.

(1) و حاصله ان ما ذكر من بقاء العين على ملك مالكها و دفع البدل

بعنوان الغرامة عما فات من سلطنة المالك ينحصر بما إذا كان الفائت على المالك معظم الانتفاعات حتى يوصف المدفوع بكونه غرامة و اما إذا ثبت البدل مع بقاء سلطنة المالك على معظم الانتفاعات كما في تغريم الواطى الحيوان الذي يركب بقيمته

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 202

..........

______________________________

فلا يبعد ان يستكشف عن إيجاب دفع البدل دخول المبدل في ملك الغارم بالدفع حيث انه و ان وجب نفى الحيوان عن ذلك البلد و بيعه في بلد آخر الا ان هذا لا يوجب سقوط الحيوان عن المالية غاية الأمر يكون ذلك عيبا في الحيوان و إذا حكم الشارع بدفع تمام قيمته الى مالكه يستفاد ان دفعها مبادلة شرعية بينها و بين الحيوان.

و هذا بخلاف ما إذا خرج الشي ء عن المالية فإن خروجه عنها موجب لفوت سلطنة المالك على معظم انتفاعه فلا يكون دفع البدل اليه موجبا لخروج المبدل عن ملكه لما تقدم من ان البدل غرامة لتلك السلطنة الفائتة و للخروج عن المالية.

و يترتب على ذلك انه لو التفت قبل تمام غسل اليدين و قبل المسح في الوضوء الى كون الماء غصبا لا يرضى مالكه بالتصرف فيه فلا يكون المسح بالبلل الباقي بيديه و لو بعد دفع البدل موجبا لتمام الوضوء لأن غرامة البدل لا يوجب دخول الماء في ملكه حتى يجوز له التصرف فيه بمسح أعضاء الوضوء بالرطوبة الباقية بيديه.

و ذكر في شرح القواعد انه لو خاط ثوبه بخيوط الغصب و طلب المالك وجب نزعها و ان أفضى ذلك الى تعيب الخيوط أو زوال ماليتها و معهما يجب أيضا غرامة العيب أو المالية.

أقول خلاصة الكلام في ضمان التالف ان مجرد التلف حقيقة أو

حكما و ثبوت البدل على عهدة الضامن لا يوجب انتقال العين التالفة إلى ملك الضامن حيث ان ثبوت البدل على العهدة تغريم و ليست مبادلة و يترتب على ذلك كون بقايا العين التالفة ملكا للمالك.

نعم إذا دفع الضامن العين التالفة و البدل المزبور يكون الدفع موجبا لدخول تلك العين في ملك الضامن و كل ذلك بالسيرة العقلائية الذي اعتمدنا عليها في إثبات الضمان فإنهم لا يرون للمالك استحقاق المطالبة بالبقايا بعد أخذه البدل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 203

..........

______________________________

بخلاف ما لم يأخذ البدل فإنه ما دام لم يدفع تكون البقايا ملكا لمالكها الأول حتى مع ملكه البدل على عهدة الضامن.

و يوضح ذلك خير إيضاح ما ورد في ضمان الواطي قيمة الحيوان الذي يركب و هي موثقة سدير «1» حيث البائع المفروض فيها هو الواطى بعد دفعه القيمة إلى مالك الحيوان فيكون الحيوان الموطوء ملكا له بدفعه قيمته.

و ما ذكر المصنف (ره) من انه في صورة تلف المال ايضا لا يكون دفع البدل مبادلة قهرية بين العين التالفة و البدل لاقتضاء المبادلة وجود طرفيها يدفعه ان اعتبار المبادلة حال تلف العين لا بأس به كما يعتبر مثلها في موارد فسخ المعاملة بالخيار و نحوه مع تلف أحد العوضين.

و يترتب على اعتبارها انه لو رجع المالك في مسألة تعاقب الأيدي على المال الى من تلف المال بيده فلا يرجع الغارم المزبور الى غيره ممن جرت أيديهم على المال المزبور بخلاف ما إذا رجع الى غيره فإنه يرجع الى من تسلم المال منه الى ينتهى استقرار الضمان الى من تلف المال بيده فان الدافع بدفعه البدل يملك التالف على من تسلم المال منه على

وجه الضمان الى ان ينتهي قرار الضمان على من تلف المال بيده.

و مما ذكرنا يظهر انه لا يجوز لمن توضأ غفلة بماء الغير و التفت الى ذلك قبل المسح إتمام وضوئه بالمسح بالرطوبة الموجودة بيديه فإنها ملك الغير كما ذكرنا فلا يجوز التصرف فيها بلا رضاه.

نعم إذا دفع البدل قبل جفاف يديه و استحق الرطوبة فلا بأس بالمسح بها و كذلك لو طالب المالك نزع الخيوط في فرض جامع المقاصد و انه مع دفع الضامن

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (1) من أبواب نكاح البهائم الحديث (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 204

ثم ان هنا قسما رابعا (1).

______________________________

بدل الخيوط فلا يستحق مالكها طلب نزعها لدخولها بدفع البدل في ملك الضامن.

هذا مع تلف الخيوط و سقوطها عن المالية بالنزع و اما مع تعيبها بحيث يكون على الضامن أرش العيب فيجب عليه مع عدم رضا المالك نزعها و ردها اليه مع الأرش.

(1) لا يقال ما الفرق بين هذا القسم الذي يسقط العين فيه عن المالية و الملكية معا و بين القسم الثالث الذي ذكر (ره) ان فوات اجزاء العين و أوصافها يكون موجبا لسقوطها عن المالية فقط مع بقائها على الملكية.

فإنه يقال الموجب لسقوط العين عن المالية في القسم الثالث فوات منافعها المقصودة التي تكون بها ماليتها و مع فوتها فوجود بعض المنافع المحللة لها لعدم كونها مقصودة لا توجب ماليتها كالاوراق الممزقة التي ينفع بها في الإحراق و بعض الحبات من الحنطة حيث يمكن الانتفاع بها بطحنها في ضمن سائر الحنطة و لكن مثل هذا الانتفاع يوجب اعتبار الملكية في العين.

و هذا بخلاف القسم الرابع الذي لا يكون العين فيه قابلا للانتفاع فعلا

لا مقصودا و لا غير مقصود و لذا يسقط عن الملكية أيضا كما في الخل المنقلب الى الخمر.

نعم تكون العين في الفرض موردا لحق الأولوية الثابتة ببناء العقلاء دون الاستصحاب ليقال بعدم جريانه باعتبار أن الأولوية سابقا كانت بمعنى الملك و بعد الانقلاب الى الخمر لا ملك و الأولوية لا بمعنى الملك ليست لها حالة سابقة و مع ذلك عدم إمكان الانتفاع فعلا موجبا لسقوط الشي ء عن الملكية تأمل.

نعم لا اشكال فيه فيما إذا لم يمكن الانتفاع به أصلا و لو فيما بعد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 205

ثم ان مقتضى صدق الغرامة (1) ثم ان ظاهر عطف التعذر على التلف (2)

______________________________

(1) فإنه يكون دفع بدل الحيلولة بمنزلة دفع بدل التلف في كونه تداركا و غرامة و كما يخرج بالثاني عن ضمان العين و منافعها و زيادة قيمتها كذلك بالأول غاية الأمران دفع بدل الحيلولة متزلزل يتصف بالتنجز بتلف العين أو بالانفساخ بطرو التمكن على ردها بخلاف بدل التلف فان دفعه من الأول منجز.

و بذلك يظهر ضعف ما عن بعض من ضمان منافع العين حتى بعد دفع بدل الحيلولة و وجه الظهور انه لو كانت المنافع على العهدة حتى بعد دفع البدل فكيف يتصف المدفوع بكونه بدلا و تداركا لما يفوت عن المالك.

(2) و حاصله انه كما لا يثبت على الضامن زيادة القيمة السوقية بعد زمان تلف العين كذلك لا يثبت عليه زيادتها بعد تعذر ردها فيتعين في بدل الحيلولة قيمة يوم تعذر ردها أو أعلى القيم اليه أو قيمة يوم الغصب و هذا مقتضى إلحاق تعذر رد العين في كلماتهم بتلفها و لكن لا يخفى الفرق بينهما فإنه مع التلف يكون

قيمتها دينا على عهدة الضامن فيجري في أنها قيمة يوم التلف أو يوم الغصب أو أعلى القيم.

و هذا بخلاف صورة التعذر فان العين بنفسها مضمونة بمعنى انه لا تثبت قيمتها بمجرد تعذر ردها و لذا يكون للمالك الامتناع عن قبول البدل و المطالبة بنفس العين فيما بعد نظير ما تقدم في استحقاق المالك المطالبة بالقيمة في المثلي المتعذر مثله.

ثم انه لا يجتمع الحكم بان تعذر رد العين بمنزلة تلفها مع الحكم باستحقاق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 206

و هل الغرامة المدفوعة تعود الى ملكه (1).

______________________________

المالك اجرة المثل لمنافع العين حتى بعد تعذر ردها الى زمان دفع بدل الحيلولة و كذا ضمان نمائها الى ذلك الزمان حيث انه لو كانت تعذر رد العين بمنزلة التلف يكون المنافع بعد تعذر ردها كمنافعها بعد تلفها في عدم الضمان بالإضافة إليها.

نعم إذا قيل بالفرق بين التعذر و الرد بثبوت القيمة يوم التلف في الأول و بقاء نفس العين على العهدة في الثاني تعين الحكم بضمان المنافع و النماء بل زيادة القيمة السوقية للعين الى زمان دفع بدل الحيلولة كما مر.

(1) و حاصله انه لو تجدد للضامن التمكن على رد العين فيحتمل رجوع بدل الحيلولة بمجرد ذلك الى ملكه فيكون ضامنا للعين بضمان جديد بحيث لو تلفت يثبت بذمته بدل التلف و يحتمل بقاء بدل الحيلولة في ملك المالك الى حين وصول العين بيده بحيث لو تلفت العين قبل وصولها بيده لا يكون ضمان آخر على الضامن بل يملك المالك بدل الحيلولة منجزا بعد ما كان مالكا له متزلزلا كما تقدم و مقتضى الاستصحاب بقاء بدل الحيلولة على حاله و عدم حدوث ضمان جديد بتجدد تمكن

الضامن.

لا يقال كان بدل الحيلولة عوضا عن سلطنة المالك على العين و بعد تجدد تمكن الضامن على رد العين يكون ملك المالك البدل مع ملكه العين من الجمع بين العوض و المعوض.

فإنه يقال تمكن الضامن على رد العين على مالكها لا يوجب عود سلطنة المالك على العين و لذا لو امتنع الضامن عن رد العين لا يتمكن مالكها على بيعها أو إجارتها من شخص آخر الى غير ذلك من التصرفات و انما يعود سلطنة المالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 207

نعم للمالك مطالبة عين ماله (1)

______________________________

بعود العين و وصولها بيده فلا يلزم من ملكه للبدل و العين الجمع بين العوض و المعوض.

نعم لو كان ملكه بدل الحيلولة عوضا عن تمكن الضامن على رد العين على صاحبها لزم الجمع بينهما و لكن من الظاهر ان تمكن الضامن على رد العين أجنبي عن المالك فلا يأخذ عنه بدلا أصلا و على ما ذكر فلو رد الضامن العين على مالكها يرجع بدل الحيلولة إلى ملك الضامن فلو كان نفس ذلك البدل باقيا يأخذه و ان كان تالفا أو خارجا عن ملك المالك بعقد لازم أو جائز يأخذ الضامن بدله من المثل أو القيمة و نماء بدل الحيلولة المتخلل بين أخذ المالك و رجوعه الى ملك الضامن للمالك لأن الأصل يعنى بدل الحيلولة كان في تلك المدة ملكا له و النماء تابع للأصل.

لا يقال لا وجه لرجوع بدل الحيلولة إلى ملك الضامن أصلا لأن ذلك البدل كان عوضا عن السلطنة الفائتة عن المالك و لا يتدارك تلك السلطنة بوصول العين بيده ثانيا.

فإنه يقال كان بدل الحيلولة عوضا عن مطلق سلطنته لا خصوص سلطنته الفائتة السابقة

فيكون رجوع العين موجبا لعود سلطنته و الفائتة منها كانت متداركة بسلطنته على بدل الحيلولة قبل ذلك.

(1) يعنى حيث ان العين لم تخرج عن ملك المالك في مورد بدل الحيلولة فيكون له مطالبته بها حين تجدد تمكن الضامن على ردها و جواز المطالبة مقتضى قوله عليه السّلام الناس مسلطون على أموالهم و ليس بدل الحيلولة في يد المالك عوضا عن جميع السلطنة المتصورة للمالك ليقال بأنه ليس له سلطان على مطالبة العين لان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 208

ثم لو قلنا بجواز الحبس (1)

______________________________

بدل الحيلولة عوض عن هذه السلطنة أيضا و الا لو كان البدل عوضا عن جميع ذلك لزم خروج العين عن ملكه و جاز للآخرين تملكها بوضع يدهم عليها.

و قد ظهر انه ليس للضامن الامتناع عن تسليم العين حتى يسترجع بدل الحيلولة عن المالك و وجه الطهور انه لو كان بدل الحيلولة عوضا عن نفس العين جاز له الامتناع حيث يجوز لكل من المالكين الامتناع عن تسليم ملك الآخر حتى يتسلم منه ملكه و لكن بدل الحيلولة كما تقدم ليس عوضا عن العين بل عوض سلطنة المالك المالك التي تتجدد له بوصول العين بيده و بعد وصولها بيده يخرج بدل الحيلولة عن ملكه برجوعه الى ملك الضامن ففي ذلك الحين يكون له المطالبة به.

اللهم الا ان يقال يجوز للضامن حبس العين حتى يسترجع البدل من المالك لان حبسه العين يكون حبسا لسلطنة المالك التي عوض عنها ببدل الحيلولة و لكن لا يخفى ما فيه فإنه ما دام لم يرجع العين الى يد المالك و لم يتجدد سلطنته عليها لا يرجع البدل الى ملك الضامن ليكون له سلطنة على ماله

بالمطالبة أو غيرها.

(1) يعني إذا قيل انه يجوز للغاصب حبس العين بعد تجدد تمكنه على ردها ليسترجع بدل الحيلولة لا يجرى على العين بيده زمان جواز حبسها حكم الغصب.

نعم يضمن العين لان حبسها يكون لمصلحة نفسه لا للإحسان إلى مالكها و على ذلك فلو تلفت بيده يتعين عليه دفع قيمة يوم تلفها بناء على ان الأصل في كل مضمون قيمة ذلك اليوم و بناء على ضمان أعلى القيم يتعين أعلاها من يوم حبسها الى زمان تلفها لان يوم حبسها يوم حدوث الضمان الجديد إذ قبله كان خارجا عن ضمان العين بدفع بدل الحيلولة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 209

[شروط المتعاقدين]

[اعتبار البلوغ]

المشهور كما عن الدروس و الكفاية بطلان عقد الصبي (1)

______________________________

و يقرب من ذلك قول العلامة في القواعد انه لو حبس العين فتلفت فعليه ضمان قيمتها الان و ليس المراد من قيمة الان خصوص قيمة حين التلف بل القيمة بعد حدوث الضمان.

فلو قيل في القيميات بقيمة يوم التلف يتعين في المقام قيمة يومه و ان قيل بأعلى القيم يتعين أعلاها من حين حبسها الى يوم تلفها فإنه ينقطع حكم الغصب بدفع بدل الحيلولة و بحبس العين يحدث ضمان جديد.

أقول هذا ينافي ما تقدم منه (ره) من ان العين بعد تجدد التمكن على ردها لا تدخل في الضمان و بدل الحيلولة لا يخرج عن ملك المالك بمجرد التمكن على رد العين عليه ليكون ضمان البدل عليه و ضمان العين على الغاصب و يجوز لدافع بدل الحيلولة حبس العين لان حبسها يلازم حبس سلطنة المالك على العين، و المالك قد تسلم بدل الحيلولة الذي عوض عن هذه السلطنة و ليس وجه الجواز خروج البدل الى ملك

الغاصب بمجرد التمكن على رد العين ليجوز له حبس العين لاسترداد ملكه عن مالكها فلاحظ و تدبر.

(1) و يستدل على اعتبار البلوغ في المتعاقدين برفع القلم عن الصبي حتى يحتلم كما في مضمرة ابن ظبيان «1» و أورد المصنف (ره) على الاستدلال المزبور بوجوه: أولا- احتمال ان يكون المرفوع هو قلم المؤاخذة بان لا يكتب عليه سيئة بما يصدر عنه حال صباوته و كذا لا يثبت في حقه نظير القصاص و الحدود من الأحكام المجعولة مؤاخذة على بعض الأفعال و هذا لا يقتضي عدم تعلق الحرمة و الوجوب فضلا عن سائر الأحكام بأفعال

______________________________

(1) وسائل الجزء (1) باب 4 من أبواب مقدمات العبادات الحديث (11)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 210

..........

______________________________

الصبي و معاملاته بل مقتضى عموم أدلة الأحكام و إطلاقها ثبوتها في حقه ايضا فيستحق الثواب على امتثال تلك الأحكام و لكن لا يثبت في حقه استحقاق العقاب و نظير القصاص و الحد سائر ما يكون من قبيل المؤاخذة.

و بالجملة كما تثبت حرمة شرب الخمر على البالغين تثبت في حق الصبي أيضا و لكن لا يؤاخذ على شربها و كذا يثبت في حقه وجوب الصلاة و سائر الواجبات و لكن لا يؤخذ على تركها و هذا يوافق الالتزام بشرعية عبادات الصبي.

و أورد (ره) ثانيا أنه لو فرض رفع الأحكام التكليفية عن الصبي فالأحكام الوضعية نظير الملكية المترتبة على بيعه غير مرفوع.

و بتعبير آخر يكون بيعه موجبا لانتقال المبيع إلى المشترى و الثمن إلى البائع غاية الأمر لا يثبت حكم تكليفي على الصبي إلى بلوغه فيجب بعد بلوغه الوفاء بالعقد الذي أنشأه حال صباه كما يجب عليه الاغتسال من الجنابة التي حصلت بوطيه

زوجته أو الأجنبية حال صباه و هذا يوافق ما يقال من عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين.

و أورد ثالثا انه مع فرض كون المرفوع عنه جميع الأحكام التكليفية و الوضعية فمقتضاه عدم صحة عقد الصبي فيما إذا كان الصبي أحد طرفي العقد و اما إذا كان إنشائه العقد بالوكالة كما إذا وكله الزوجان في إجراء عقد الزواج بينهما أو إجراء عقد البيع بين ماليهما فلا دلالة لحديث رفع القلم على بطلان عقده بمعنى كونه مسلوب العبارة فإنه ليس على الصبي في مورد الوكالة حكم كان عقده صحيحا أم فاسدا و نظير وكالته إجرائه العقد فضولا مع اجازة المالك.

أقول ما ذكر المصنف (ره) من احتمال كون المرفوع عن الصبي هو قلم المؤاخذة غير صحيح بل ظاهر الحديث رفع الأحكام و التكاليف بقرينة رفع القلم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 211

..........

______________________________

عن المجنون و النائم فإنه لا يمكن الالتزام بأن أحكام الشريعة و تكاليفها مجعولة بنحو تعم المجانين و أنه يكون المرفوع عن المجنون خصوص قلم المؤاخذة و الحديث المزبور ضعيف.

و لكن رفع القلم وارد في موثقة إسحاق بن عمار و مقتضاه عدم جواز استقلال الصبي بالمعاملة لا كون إنشائه لغوا محضا حتى في فرض وكالته عن الغير و اذنه للصبي في إجراء عقد أو معاملة تكون موضوعا للحكم على البالغين.

و الحاصل ان المرفوع عن الصبي لا يختص بالأحكام التكليفية بل يعم الوضعية و وجوب الاغتسال عليه بعد بلوغه من الجنابة حال صباه أو وجوب دفع البدل عما أتلفه في ذلك الحال ليس باعتبار عموم الأحكام الوضعية لغير البالغين بل باعتبار ان الموضوع لوجوب الاغتسال على البالغ هو الوطي و لو كان ذلك قبل التكليف

نظير وجوب الاغتسال من الانزال الحاصل حال النوم و الموضوع لوجوب التدارك هو تضييع مال الغير و لو كان ذلك الضياع حال صباه.

نعم عموم الرفع كما ذكرنا لا يوجب أيضا بطلان عقد الصبي أو معاملته فيما إذا لم يكن مستقلا في إنشائها كما إذا كان باذن الغير بل مثل رواية حمزة بن حمران ايضا لا يقتضي بطلانه قال أبو جعفر عليه السّلام فيها و الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمسة عشر سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك «1».

فتكون صحته مقتضى العمومات و الإطلاقات في المعاملات حيث ان المعاملة التي أجراها الصبي بإذن وليه أو إجازته، على ماله تكون من أمر الولي و معاملته

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (2) من أبواب الحجر الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 212

و يشهد له الاستثناء في بعض الاخبار (1)

______________________________

كما هو مقتضى اضافة المعاملة إلى الموكل و كذا في مورد وكالته عن الغير و لو بلا اذن وليه أو إجازته في إجراء عقد نكاح أو غيره للغير مما لا يكون من التصرف في مال نفسه فان هذا كله يكون من أمر الغير و مقتضى العمومات و الإطلاقات نفوذه على ذلك الغير و اما عبادات الصبي فيستفاد مشروعيتها من أمر الأولياء بترغيب أطفالهم إليها و ظاهر الأمر بالأمر بشي ء مطلبوبية ذلك الشي ء.

ثم انه لا وجه لاستثناء إيصال الهدية و اذنه في الدخول من معاملات الصبي لأنهما ليسا من المعاملات بل و لا تصرفاته التي تكون موضوعا لحكم شرعي لأن إيصال الهدية من جهة اعتبار القبض في الهبة و المعتبر فيه قبض المتهب و

اما نفس الإيصال فلا اعتبار له و لذا يمكن بواسطة حيوان أو غيره و اما الاذن في الدخول فلان المعتبر في جواز الدخول في الدار رضا مالكها لا رضا الطفل و اذنه.

و عليه فلو كان اذنه موجبا للاطمئنان إلى رضا مالكها كما هو الغالب فهو و الا فلا يجوز التصرف فيها بالدخول أو غيره.

(1) كما في رواية أبي الحسين الخادم بياع اللؤلؤ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و وجه الشهادة ان عدم نفوذ أمر السفيه عبارة عن عدم مضى معاملته في صورة استقلاله بها لا كونها لغوا محضا بان يكون السفيه مسلوب العبارة و على ذلك فالحكم بعدم جواز أمر الصبي و جواز امره بعد بلوغه الا ان يكون سفيها لا يناسب الا ان يكون المراد بالجواز و عدمه هو المضي لا كون عبارته لغوا و بعبارة أخرى ظهور الاستثناء فيها في عدم الانقطاع قرينة على كون المراد بالجواز هو المضي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 213

فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الإجماع (1) و كذا إجماع الغنية (2) و يمكن ان يستأنس له أيضا بما ورد (3)

______________________________

(1) لا يخفى عدم إمكان الاعتماد على حكاية الإجماع فإنه لو كان إجماعا محصلا لم يصح الاعتماد عليه الاحتمال كون وجه اتفاقهم سائر الوجوه المذكورة لسلب عبارة الصبي فكيف فيما إذا كان منقولا أو مع الخلاف.

(2) يعنى كما ان الإجماع المحكي عن التذكرة يعم ما إذا لم يكن الصبي مستقلا في إنشاء المعاملة كذلك إجماع الغنية حيث ان استدلال الغنية على عدم الاعتبار بمعاملته بعد الإجماع بحديث رفع القلم قرينة على العموم المزبور فإنه سيأتي ان مقتضى ذلك الحديث بطلان معاملة الصبي سواء كان

مستقلا في إنشائها أولا.

و ايضا المراد بالإجازة في قول ابن زهرة (عقد الصبي باطل بالإجماع و ان أجاز الولي) ليس خصوص الإجازة المعروفة في باب عقد الفضولي ليقال ان عقد الفضولي عند ابن زهرة باطل حتى و ان لحقه الإجازة فحكمه ببطلان عقد الصبي و لو مع اجازة وليه، لا يقتضي حكمه ببطلان معاملته مع اذن وليه بل مراده بالإجازة ما يعم الاذن.

(3) و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال عمد الصبي و خطائه واحد و ذكر المصنف (ره) ما حاصله ان مثل هذه الصحيحة و ان وقعت روايتها في أبواب الجنايات و لكن لا دلالة لذلك على اختصاصها بتلك الموارد.

نعم في مثل موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عن على عليه السّلام كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 214

..........

______________________________

يقول عمد الصبي خطاء يحمل العاقلة و حمل الدية على العاقلة بعد قوله عمد الصبي خطاء قرينة على كون المراد بالعمد و الخطاء مورد الجناية و لكن لا يكون ذلك موجبا لرفع اليد عن إطلاق مثل الصحيحة الأولى فإنه لا منافاة بين ثبوت الإطلاق و التقييد معا لعدم وحدة الحكم و كونهما متوافقين و لذا أخذ الشيخ (ره) بالإطلاق في المبسوط و الحلي في السرائر فذكرا أنه لا يجب الكفارة على الصبي بارتكابه محظورات الإحرام التي يختص وجوبها بصورة التعمد حيث ان عمد الصبي خطأ و على ذلك فإذا كان عمد الصبي و قصده ملغى شرعا يكون جميع انشائاته باطلة لا يترتب عليها أي أثر حتى فيما إذا كان إنشائه بإذن وليه حيث لا ينبغي الريب في اعتبار القصد في ترتب الأثر على العقود

و الإيقاعات بل قوامهما به لان حصول الإنشاء و الاعتبار بلا قصد أمر غير معقول بل يمكن استفادة ذلك أى كون جميع إنشاءات الصبي ملغاة حتى فيما إذا كان الإنشاء بإذن وليه من حديث رفع القلم عنه.

و بيان ذلك انه قد ورد في رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام انه كان يقول في المجنون و المعتوه الذي لا يفيق و الصبي الذي لم يبلغ عمدهما خطاء يحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم فان المذكور في هذه الرواية أمور ثلاثة:

الأول- الحكم بأن دية جناية الصبي و المجنون دية خطاء تحمله العاقلة.

و الثاني- ان عمد الصبي و المجنون خطاء.

الثالث- ان القلم مرفوع عنهما و رفع القلم هذا اما معلول للحكم بكون عمدهما خطاء فيختص رفع القلم بالأحكام التي يعتبر في ترتبها على موضوعاتها التعمد إليها كأحكام المعاملات حيث ان المعاملة لا تكون ذات حكم بل لا تكون الا مع القصد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 215

..........

______________________________

بها و مقتضى ذلك بطلان معاملة الصبي و لو كانت باذن وليه إذ لا يحصل القصد من الصبي بالاذن المزبور بل مقتضى إطلاق نفى القصد عنه يعم الصورة المزبورة و اما ان يكون رفع القلم علة لعدم ثبوت حكم العمد و لا شبه العمد لجناية الصبي و لكون قصده كالخطاء.

و على ذلك ايضا يحكم ببطلان معاملة الصبي و لو مع اذن وليه حيث ان اقتضاء رفع قلم المؤاخذة عنه إلغاء قصده في بيعه و إقراره حتى فيما إذا كان ذلك باذن وليه.

و لكن الصحيح في معنى الرواية هو الاحتمال الأول يعني تنزيل عمده منزلة الخطاء موجب لرفع قلم المؤاخذة عنه فإنه لو

كان رفع قلم المؤاخذة علة لتنزيل عمده منزلة الخطاء لما كان عليه الضمان في إتلافه حيث ان رفع قلم المؤاخذة كما يقتضي تنزيل عمده منزلة الخطاء كذلك يقتضي عدم الضمان في إتلافه حيث ان الضمان من قبيل المؤاخذة كما لا يخفى.

أقول مثل الصحيحة لا تكون دالة على بطلان إنشاءات الصبي و كونها ملغاة حتى مع اذن وليه أو كانت بالوكالة عن الغير و ذلك فان مقتضاها أن كل أثر قد رتب على التعمد الى الفعل لا يترتب على الصادر عن الصبي و لو مع تعمده كما في ترتب بطلان الصوم على ارتكاب المفطر و حق القصاص المترتب على القتل، و الكفارة على الارتكاب المحظورات حال الإحرام، فإنه اعتبر في ترتب كل واحد من الأحكام المزبورة القصد الى تلك الأفعال.

و الحاصل ان مدلول الصحيحة و مقتضى إطلاقها انتفاء تلك الأحكام و عدم ترتبها على فعل الصبي و لو مع تعمده و اما الأحكام المترتبة على العناوين التي لا يكون لها تحقق بدون القصد لا من جهة تقييد الموضوع بالقصد كما في الأحكام السابقة بل لتوقف نفس العنوان و قوامه بالقصد كما في العناوين القصدية فلا دلالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 216

..........

______________________________

للصحيحة على نفى تلك العناوين و عدم تحققها عن الصبي.

و هذا كما يقال في الاستصحاب من انه يثبت به كل اثر يترتب على نفس المستصحب لا على ما يلازمه أو مثل ما يقال في الرضاع من انه يكون محرما فيما إذا ثبت به نفس العنوان المحرم لا ما يلازم العنوان المزبور و هنا أيضا ظاهر الصحيحة نفى أثر شرعي يكون مترتبا على نفس القصد و التعمد الى الفعل لا نفى اثر

عن عنوان يكون القصد موجبا لحصول ذلك العنوان كما في العقود و الإيقاعات فإن المعاملات كلها من العناوين القصدية التي يكون القصد مقوما و محصلا لها.

و لذا لا يكون مشروعية صلاة الصبي و صومه و سائر عباداته و تحيته و غيرها من العناوين القصدية تخصيصا في حديث عمد الصبي خطاء.

بل يمكن دعوى ان الصحيحة لا تكون مقتضاها نفى الأحكام المترتبة على القصد و التعمد الى الفعل مطلقا بل في خصوص ما إذا كان الحكم مترتبا على الخطاء أيضا بأن يكون التعمد الى الفعل موضوعا لحكم و الفعل خطاء موضوعا لحكم آخر كما في مورد الجناية فلا يعم ما إذا كان الحكم مترتبا على عنوان التعمد الى الفعل فقط كما في مورد وجوب الكفارة و بطلان الصوم و نحوهما فان المذكور في الصحيحة ان عمد الصبي خطاء.

و فرق بين هذا التعبير و التعبير بأنه لا عمد للصبي فإن الأول يختص بموارد ثبوت حكم آخر للخطاء في مقابل ثبوت الحكم للعمد بخلاف الثاني فإنه يعم موارد ثبوت الحكم للعمد الى الفعل من غير فرق بين ثبوت حكم آخر للخطاء و عدمه.

و قد تحصل مما ذكرنا أنه لا يمكن الحكم بعدم فساد صوم الصبي بتناوله المفطر أو بفساد عباداته أو معاملاته استظهارا من الصحيحة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 217

و ان اتهب له الولي (1) و لا لغيره (2) كما قال ارم حقي في البحر (3)

______________________________

(1) يعنى و لو كان قبول الهبة المزبورة من ولي الصبي حيث ان أخذ الصبي الهبة حتى مع قبول وليه لا يوجب حصول القبض المعتبر فيها

(2) يعنى كما لا يكون قبض الصبي مفيدا لحصول الملك لنفسه كذلك لا يفيد

قبضه في حصول الملك لغيره كما إذا كان الموهوب له غيره و يكون قبض الصبي بتوكيل ذلك الغير.

(3) يعنى كما انه لا يتعين الدين بإلقاء المديون مقداره في البحر فيما إذا قال له مستحقه ارم حقي في البحر كذلك لا يتعين بقبض الصبي فيما إذا قال مستحقه سلم حقي الى هذا الصبي.

نعم إذا كان المال متعينا كما في الوديعة بأن يقول صاحبها سلمها الى هذا الصبي فسلمها المستودع اليه برء من ضمانها كما يبرء إذا قال له ارمها في البحر فرماها و ذلك فان المال في نفسه متعين لا يحتاج في تعينه الى قبض صحيح.

نعم لو كانت الوديعة من مال الصبي فلا يجوز دفعها اليه حتى مع اذن وليه فإنه من التعدي فيها و لا يفيد في جواز التعدي و عدم ثبوت الضمان اذن الولي حيث انه لا ولاية له فيما لإصلاح فيه للطفل.

و بالجملة لا يصح توكيل الصبي فلا يكون المدفوع اليه قبضا للمستحق ليتعين به الدين و لكن لا يبعد ان يكون المثالان من توكيل المديون في تعيين الدين فيتعين عند الإلقاء في البحر أو الدفع إلى الصبي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 218

بل على الصبيين (1) ردها بعدم الثبوت (2).

اما ما ورد في رواية السكوني (3).

______________________________

أقول قد تقدم عدم إلغاء قصد الصبي و عليه فلا بأس بتوكيله في القبض و يتعين به الدين كما يخرج بقبضه وكالة، البائع من ضمان المبيع الى غير ذلك فلا حظ و تدبر.

(1) لما مر من ثبوت ضمان الإتلاف على الصبي أيضا.

(2) يعني قد رد الحكاية بعدم ثبوت الشراء لعدم اعتبار الحكاية المزبورة هذا أولا و ثانيا بأنه لا حجية في شراء ابى الدرداء

حيث ان فعله ليس من فعل المعصوم ليكون كاشفا عن اباحة ذلك الفعل و ثالثا ذكر توجيها يخرج به الشراء عن معاملة الصبي.

(3) كأن هذا جواب عن سؤال مقدر و هوان رواية السكوني المزبورة ظاهرة في صحة معاملة الصبي فإن المراد بكسب الصبي فيها المال الذي اكتسبه فيكون مقتضى تقييد الصغير بالذي لا يحسن صناعة أن كسبه لا بأس به مع عرفانه الصناعة بل مقتضى التعليل الوارد فيه كون المال الذي اكتسبه الصبي المزبور مالا مشتبها و لو كانت معاملته باطلة لكان حرمة المال الذي اكتسبه معلوما.

و أجاب (ره) عن ذلك بان ملك الصبي المال لا يلازم صحة معاملاته حيث يمكن ان يحصل المال من التقاطه حيث يصير المال بالالتقاط ملكا له لما تقدم من عدم إلغاء قصده في مثل الحيازة و السبق إلى الشي ء المباح كما يمكن كونها اجرة في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 219

مع ان هذا مما لا ينبغي الشك في فساده (1) و اما التصرف و المعاملة بإذن الأولياء (2)

______________________________

إجارة أوقعها الولي فإن بإيقاع الولي يملك الصبي الأجرة على المستأجر فيتعين المدفوع إلى الصبي في الأجرة بوصولها الى يد وليه و يمكن إيقاع الصبي الإجارة فيستحق على المستأجر أجرة المثل أو كان عمل الصبي باعتبار أمر شخص آخر بذلك العمل فيستحق الصبي في الفرض اجرة المثل على العمل و في هذه الصور و نحوها لا يكون ملك الصبي ملازما لصحة معاملته و لو مع اذن وليه كما لا يخفى.

(1) يعنى لا ينبغي الشك في فساد سيرتهم في عدم فرقهم بين معاملة المميزين و غيرهم خصوصا الأخير أي سيرتهم على عدم فرقهم بين معاملة الأطفال لأنفسهم بحيث لا

يطلع أوليائهم على معاملاتهم و بين المعاملة لاوليائهم.

(2) كان هذا جواب عما ذكره كاشف الغطاء (ره) من حصول الإباحة من معاملة الطفل الجالس مقام وليه و حاصله ان أراد كاشف الغطاء حصول الإباحة بنفس تصرف الطفل و معاملته بان كانت معاملة الطفل مفيدة للإباحة سواء كانت المعاملة بنحو البيع العقدي أو المعاطاة فهذا خلاف المشهور حتى عند القائلين بعدم اعتبار شرائط البيع في المعاطاة فإنها على ذلك المسلك و ان لم تكن مشروطة بشروط البيع الا انها تصرف في المال فلا يصح من الصبي و ان أراد ان وصول المال الى يد الأخذ و اذن الولي و رضاه في تصرفه هو الموجب للإباحة و معاملة الصبي تكون كاشفة عن هذا الرضا و يعتمد عليها في الكشف عنه كما يعتمد في كشف رضا مالك الدار و مالك الهدية باذن الصبي في الدخول في الدار و إيصال الهدية كما أوضحه بعض المحققين من تلميذه فهذا مبنى على كفاية مجرد وصول المالين الى يد كل من المالكين مع رضاهما في حصول الإباحة بالمعاطاة و قد تقدم الكلام فيه في بحث المعاطاة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 220

[يعتبر قصد مدلول العقد]
اشارة

الى المعنى لا بمعنى (1).

و الا وقع لاغيا (2) و لا دليل على تأثير (3).

______________________________

(1) و حاصله أنه يعتبر في المتعاقدين القصد الى اللفظ فلا عقد مع التلفظ بلا قصد كما في الغالط بان كان قصده التلفظ بلفظ فاشتبه و تلفظ بلفظ آخر و يعتبر القصد الى المعنى و ليس المراد من عدم قصد المعنى عدم استعمال اللفظ فيه بل المراد عدم إرادته جدا لان المفروض في المقام و ان كان حصول الإنشاء و تحقق الاستعمال الا انه

بداع آخر كما إذا لم يكن غرض المستعمل من إنشاء البيع حصوله حقيقة بل الهزل و نحوه.

و ان شئت فلاحظ موارد الأمر الصوري فإنه كما لا يكون الغرض فيه هو البعث الى الفعل كذلك ليس الغرض في المقام من الإنشاء هو البيع خارجا و كما ان في مورد الاخبار هزلا أو كذبا يكون الكلام مستعملا في معناه الموضوع له و يكون القصد الى التلفظ و إحضاره معناه و لكن بداعي الهزل و الإغراء كذلك في مورد البيع هزلة يكون الكلام مستعملا في معناه الإنشائي و لكن بداعي الهزل لا الجد.

ثم لا يخفى انه ليس اعتبار هذا القصد في المتعاقدين نظير شرط البلوغ و الاختيار فيهما بان يكون هذا الشرط أمرا زائدا على حصول البيع و غيره من المعاملات بل هذا القصد مقوم لعنوان المعاملة حيث لا يكون البيع أو غيره من المعاملة في مثل مورد الإنشاء هزلا.

(2) يعنى لو لم يكن هناك جهة يصرف إليه الإطلاق كان العقد لغوا

(3) كأن هذا دفع لما يقال من جواز عدم جهة يصرف إليها الإطلاق و جواز عدم تعيين للمالك في العقد و تعيينه بعد ذلك فلا اشتراط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 221

و في حكم المعين ما إذا عين المال (1) لو باع مال نفسه عن الغير (2) لو باع مال زيد عن عمرو (3) و لو اشترى لنفسه بمال في ذمة زيد (4)

______________________________

(1) يعني إذا عين العاقد في عقده المال بكونه بذمة زيد يجرى على هذا المعين على العهدة حكم المعين خارجا في كون التصريح بالخلاف مبطلا أو لا كما لو اشترى لنفسه بثمن بذمة زيد.

(2) يعنى باع مال نفسه ليكون البيع عن

الغير لا عن نفسه بان يدخل الثمن في ملك ذلك الغير.

(3) يعنى باع مال زيد ليكون البيع عن عمرو لا عن زيد بان يدخل الثمن في ملك عمرو.

(4) بان يكون قصده دخول المبيع في ملكه في مقابل الثمن المعتبر بذمة زيد و ذكر انه على تقدير عدم وكالته عن زيد يقع البيع لنفسه و يثبت الثمن بذمته و بعبارة أخرى يؤخذ بمقتضى اضافة البيع الى نفسه و يترك اعتبار الثمن بذمة زيد فلا يكون البيع فضوليا ليحتاج في تمامه إلى إجازة زيد.

و يظهر من كلامه ان الوجه في ذلك عدم ثبوت المقتضى لوقوعه لزيد و هذا بخلاف صورة وكالته عنه حيث ذكر فيها احتمالات ثلاثة بطلان البيع و عدم وقوعه لواحد منهما لأن المقتضي لوقوعه لكل منهما موجود فالبطلان للتدافع و وقوعه لنفسه لعدم المقتضى لوقوعه لزيد لان التوكيل لا يشمل مثل هذا الاشتراء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 222

[اعتبار تعيين من له البيع]

لو اشترى عن زيد بشي ء في ذمته فضولا (1) و مقتضى المعاوضة و المبادلة (2)

______________________________

بأن يقصد دخول المبيع في ملكه مع خروج الثمن عن ملك موكله و لا أقل من ترجيح جانب الأصالة و وقوعه عن زيد لما مر من ان تعيين المال بذمة زيد في حكم الثمن المعين الخارجي في كون التصريح بخلاف مقتضاه لغوا.

(1) يعنى لو اشترى لزيد بثمن في ذمته و لم يجز الاشتراء زيد فاجازه عمرو فلا يصح لا من زيد فان المفروض عدم أجازته و لا من عمرو لعدم إنشاء المعاملة عنه و عدم اعتبار الثمن في ذمته.

(2) و حاصل ما ذكر المصنف (ره) في المناقشة على الكلام المزبور هو عدم اعتبار تعيين المالكين أصلا بل

المعتبر في البيع قصد المعاوضة بل يخرج المبيع الى ملك من يكون خروج الثمن منه إذ لو صار المبيع الى غير ملكه لم يتحقق عنوان المعاوضة بين المالين بل يكون تمليك كل منهما مجانيا و على ذلك فلو فرض قصد المعاوضة من المتعاقدين فلا محالة يتعين مالك المبيع و الثمن واقعا بلا حاجة الى التعيين.

نعم لا بد في موارد كون أحد العوضين كليا في الذمة من تعيين من يضاف الى ذمته المال و لا تكون تعيينه معتبرا بما هو هو بل باعتبار ان الكلى ما لم يكن مضافا الى ذمة معين لا يعتبر مالا ليقع طرفا في المعاوضة فالتعيين لاعتبار المعاوضة بين المالين.

و يترتب على ما ذكر انه لا يعتبر تعيين المالكين أصلا فيما كان العوضان معينين مع فرض قصد المعاوضة واقعا بل يكون التصريح على خلاف مقتضى المعاوضة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 223

و لكن الأقوى صحة المعاملة المذكورة (1)

______________________________

راجعا إلى فائدة البيع و الشراء كما إذا قال بعت مالي عن زيد فإنه مع قصد المعاوضة يكون المفاد إرجاع فائدة البيع بمعنى تمليك الثمن لزيد ثانيا و إذا قال بعت مال زيد عن نفسي فمع قصده المعاوضة يكون قيد عن نفسي لغوا و لذا ذكروا انه لو أجاز زيد البيع يقع له كما انه لو ملك البائع المال فأجاز البيع المزبور يقع له لا من جهة إضافة البيع الى نفسه بل بناء على صحة الإجازة في مسألة من باع شيئا ثم ملك فأجاز فإنه بناء عليها يتم البيع سواء اضافة الى نفسه أم لا بل و حتى مع إضافته إلى المالك الأول.

(1) المراد بتلك المعاملة بيع ماله عن غيره فان

قصد كونه عن غيره لغو حيث ان القيد المزبور لإرجاع فائدة البيع الى ذلك الغير اى تمليك الثمن لذلك الغير قبل تملكه فيكون لغوا لا جعله أحد ركني المعاوضة و حكمهم ببطلان البيع في عكس المسألة أي فيما إذا قال للمرتهن بع مالي لنفسك أو قال للمدفوع اليه مالا اشتر لنفسك بهذا المال طعاما لا ينافي ذلك باعتبار ان مرادهم بالبطلان عدم وقوع البيع أو الشراء للمرتهن أو المدفوع اليه لا انه لا يصح عن المالك مع أجازته.

(1) كان الكلام إلى الان في اشتراط البيع بتعيين كل من يقع له البيع و الشراء بان يقصد الموجب من يقع انتقال المبيع عنه و ان لم يذكره للآخر و كذا ان يقصد القابل من يقع له الشراء و ان يذكره للموجب و عدم اشتراطه بمعنى انه لو لم يقصدا ذلك بل قصدا مجرد المعاوضة كفى.

و قد ظهر انه لا بد من التفصيل بين موارد تعلق البيع أو الشراء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 224

..........

______________________________

بالمعين خارجا و بين تعلقه بالكلي على العهدة و الكلام فعلا في أمرين.

الأول- انه لو كان المشترى هو المخاطب بمقتضى تعيين الموجب و قصده فهل يجوز للمخاطب المزبور الشراء و قبول الإيجاب لغيره أم لا.

الثاني انه هل يتعين على كل منهما تعيين الطرف الآخر في المعاملة بأن يعتبر فيها تعيين المشترى للموجب و انه المخاطب أو انه موكله مثلا و كذا يعتبر تعيين البائع للقابل و انه الموجب أو موكله مثلا.

و ذكر (ره) في الأمر الأول ان تعيين الموجب أو القابل يكون متبعا الا فيما أحرز عدم لحاظ الخصوصية في نظرهما كما إذا كان المراد من ضمير الخطاب في قول

الموجب ملكتك المال بكذا المخاطب المتملك للمبيع بالأصالة أو الوكالة.

و بعبارة أخرى إذا كان ظاهر الكلام تعيين خصوص المخاطب في القصد فلا بد من اتباعه باعتبار ان العقود تابعة للقصود.

و يظهر ذلك من كلام التذكرة حيث ذكر ان في صحة بيع الفضولي بإجازة المالك مع جهل الطرف الآخر بالحال اشكالا و وجه الظهور كون الاشكال من جهة ان قصد الجاهل تعلق بتمليك الفضولي أو التملك منه فوقوع الملك للمالك المجيز غير مقصود للجاهل و هذا الاشكال و ان كان ضعيفا باعتبار ان تعلق قصد الجاهل بنقل المال إلى الفضولي و انتقاله منه ليس الا لكونه صاحب المتاع أو الثمن لا لخصوصية له فلا ينافي هذا القصد وقوع البيع أو الشراء للمالك المجيز بإجازته الا ان المفهوم من كلامه اعتبار تعيين الموجب أو القابل باتباع ظاهر كلامهما.

و يحتمل عدم اعتبار التعيين المزبور بان كان الأصل الاولى في البيع إلغاء قصد الخصوصية في كل من الطرفين بحيث يجوز للقابل المخاطب القبول عن الغير و لو كان إنشاء الموجب تمليك المتاع إياه بإزاء الثمن بان قال ملكتك المتاع بكذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 225

فتأمل حتى لا يتوهم رجوعه الى ما ذكرنا سابقا (1).

______________________________

فقال قبلت لزيد تم البيع إلا في مورد تصريح الموجب أو قيام القرينة الخارجية بأنه لا يريد البيع الا من القابل المزبور.

و تعرض (ره) للأمر الثاني بقوله (و قد يقال في الفرق بين البيع و شبهه إلخ) و حاصله انه في الموارد التي يكون من له العقد مقوما لعنوان العقد كما في النكاح فان الزوجين فيه بمنزلة المالين فلا بد من التعيين ليكون بين الإيجاب و القبول تطابق و لان عنوان

المشترى يصدق على الوكيل أو الولي.

هذا و لكن كلا الوجهين ضعيف.

اما الوجه الأول فلان مقتضاه لزوم تعيين الزوج و الزوجة في النكاح لا عدم لزوم تعيين البائع و المشترى كيف و لا يكون الموقوف عليه أو الموصى اليه أو المتهب ركنا في الوقف و الوصية و الهبة مع انه لا بد من تعيينهم كالنكاح و الوجه في عدم كونهم ركنا ان كلا من العقود المزبورة نظير البيع تمليك و الملك لا يكون بلا مالك لا محالة و اما الوجه الثاني فإن عنوان المشتري أيضا لا يصدق حقيقة على الوكيل في إجراء عقد الصيغة و قد نص فخر المحققين و غيره بان معنى البيع في لغة العرب جعل المخاطب مالكا و مقتضى ذلك ان مع عدم جعل الملك الا للموكل لا يكون الوكيل القابل مشتريا.

(1) ما ذكر سابقا هو صدق عنوان المشترى على الوكيل في الشراء حقيقة و عدم صدق عنوان الزوج على الوكيل في قبول الزواج.

و اعترض (ره) عليه بأنه لا فرق بينهما و ان المشترى بمعناه الحقيقي لا يصدق على الوكيل في قبول الإيجاب كعدم صدق عنوان الزوج على الوكيل في قبول

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 226

..........

______________________________

إيجاب النكاح.

نعم التزم (ره) بقوله و لعل الوجه عدم تعارف إلخ بأنه قد يطلق عنوان المشتري بالعناية على الوكيل في قبول إيجاب البيع كما يتعارف إرادة الأعم من الأصالة من ضمير الخطاب في مثل قوله ملكتك بخلاف الضمير في قول المرأة زوجتك و بخلاف عنوان الزوج فإن الإطلاق بنحو العناية في عنوان الزوج أو إرادة الأعم من ضمير الخطاب في قول المرأة غير متعارف.

و على ذلك فلا بأس بأن يقول البائع ملكتك المال

بكذا و يقول القابل قبلت عن فلان بخلاف النكاح فإنه لا يصح في قبول قول المرأة زوجتك نفسي ان يقول المخاطب قبلت عن فلان و جواز الإطلاق و ارادة الأعم من الضمير في البيع بنحو العناية لا ينافي تقديم مدعى الأصالة عند اختلافهما في ان قبول الإيجاب كان بنحو الوكالة أو الأصالة لان مقتضى ظهور العقد أو أصالة عدم النيابة هو التقديم المزبور و تعارف الاستعمال بنحو العناية لا ينافي كونه خلاف الأصل كما ان تعارف المجاز في سائر الألفاظ لا ينافي حملها على الحقيقة مع عدم إحراز العناية في الاستعمال.

أقول قد مر ان مع كون العوضين معينين لا حاجة الى تعيين المالك و تمييز من يكون له البيع أو الشراء بل يكون تمام البيع بقصد المعاوضة بين المالين و إنشائها بين العوضين و لو اعتقد البائع مثلا ان الثمن المفروض ملك المخاطب و قال له ملكتك مالي بذلك المال و قبله المخاطب عن مالك الثمن بالوكالة أو الولاية تم البيع.

و بالجملة الخطاء و الاشتباه في المال المفروض كونه شخصا لا يوجب انتفاء التطابق المعتبر بين الإيجاب و القبول فان قصد المعاوضة مقتضاه اعتبار النقل و الانتقال عن المالك واقعا.

نعم لو صرح البائع بأنه انما يبيع ماله من المخاطب على شرط كون الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 227

..........

______________________________

المزبور ملكا له فقال المخاطب قبلت عن مالكه و هو زيد بطل البيع باعتبار عدم التطابق بين الإيجاب المشروط و القبول الخالي عنه فإن الإيجاب المزبور بمنزلة أن يقول البائع بعتك هذا المال على ان الثمن المفروض موصوفا بكذا فيقول القابل قبلت بلا شرط فالبطلان باعتبار عدم التطابق من ناحية الشرط فان شرط

كون فلان مالكا للثمن المزبور كسائر الشروط و الأوصاف المعتبرة فيه التي يكون إلغائها في القبول موجبا لانتفاء التطابق.

و لو وقع في هذا الفرض بعد تمام العقد الاختلاف في اعتبار خصوصية المالك في ناحية الثمن أو المثمن فالأصل عدم اشتراطها و يكون القول قول منكرها و اما إذا كان العوضان بنحو الكلى على العهدة فاللازم تعيين صاحب العهدة في العقد لما مر من ان الكلى مع عدم إضافته إلى عهده معين لا يقع عليه المبادلة فإن ما على عهدة المعتبر غير ما على عهدة الآخر فلو قال البائع للوكيل بعتك المال بكذا من الدراهم على عهدة زيد و قبل الوكيل المال بالدراهم على عهدة عمرو لم يتم البيع لعدم تطابق بين الإيجاب و القبول في ناحية الثمن.

نعم لو قال بعتك المال بكذا من الدراهم و قال قبلت لموكلي صح فيما إذا كان المراد بضمير الخطاب الأعم من الأصالة و النيابة و يكون مع الاختلاف في الأصالة و النيابة في هذا الفرض الترجيح لقول من يدعى الأصالة أخذا بأصالة الظهور.

و قد ظهر مما ذكرنا حكم ما لو كان أحد العوضين في المعاملة شخصا و الآخر كليا على العهدة فإنه يجرى على الكلى ما ذكر للكلي و على الشخصي ما ذكر للشخصي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 228

[من شرائط المتعاقدين الاختيار]
اشارة

من شرائط المتعاقدين الاختيار (1)

______________________________

(1) فسر (ره) الإكراه بما يقابل الاختيار الذي يكون المراد به في المقام القصد الى حصول مضمون العقد و طيب النفس به و مقتضى المقابلة ان يكون الإكراه هو القصد الى مضمون العقد عن كراهة و بلا طيب النفس به.

و بعبارة أخرى ليس المراد بالاختيار هنا مقابل الجبر الذي لا يكون في

مورده قصد من المباشر أصلا أو يكون مقهورا في قصده و فعله بحيث لا يصح معه اسناد الفعل الى المباشر حقيقة كافعال العباد على مسلك الجبر.

و الحاصل ان الاختيار المعتبر في البيع و غيره من العقود و الإيقاعات أمر زائد على الاختيار المقابل للجبر و استدل على اعتبار هذا الاختيار بقوله سبحانه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ حيث ان تقييد التجارة بكونها عن تراض مقتضاه اعتبار طيب النفس بها و بقوله عليه السّلام لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه و بحديث الرفع حيث و رد فيه رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه.

و الحديث و ان كان ظاهره بقرينة وحدة السياق نفى المؤاخذة فان نفيها مراد في قوله رفع عن أمتي ما لا يعلمون و الطيرة و الحسد الا انه يرفع اليد عن الظهور بقرينة ما في بعض الروايات كصحيحة البزنطي من استشهاده عليه السلام على بطلان الحلف بالطلاق و العتاق بفقرة رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه «1» و المراد بالحلف بالطلاق و العتاق ان يقول الحالف مثلا ان فعلت كذا فامرأتي طالق أو أمتي حرة و هذه الحلف و إن كان باطلا و لا يقع به طلاق أو عتاق و لو مع عدم الإكراه الا ان استشهاده عليه السلام لبطلانه بالحديث قرينة على عدم اختصاصه برفع المؤاخذة.

______________________________

(1) الوسائل- الجزء (16) الباب (12) الحديث (12)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 229

و حكمهم بعدم وجوب التورية (1)

______________________________

أضف الى ذلك ما ورد في بطلان طلاق المكره بضميمة عدم احتمال الفرق بين الطلاق و سائر العقود و الإيقاعات في البطلان و عدمه مع الإكراه.

ثم تعرض (ره) لما ذكره الشهيدان من كون

المكره بالفتح قاصدا للفظ و غير قاصد مدلول العقد فذكر ان مدلول العقد مضمونه و كون المكره غير قاصد له معناه انه لا يقصد حصول ذلك المضمون خارجا بان يثبت لذلك المضمون واقعية.

و ان شئت قلت و لو كان قصد المكره بالفتح بقوله بعت كذا بكذا إنشاء الملكية إلا ان إنشائها لا يكون لغاية حصولها خارجا بل بداعي دفع الضرر المتوعد به و ليس المراد انه لا ينشأ الملكية أصلا كما توهمه بعض من كلامهما فإنه مع عدم الإنشاء لا يكون قوله بعت كذا بكذا بيعا أو قوله هي طالق طلاقا.

و بالجملة الخالي عن قصد الاستعمال و الإنشاء هو الذي يتلفظ تقليدا أو تلقينا كما في الطفل الجاهل بالمعاني و لا يكون المكره بالفتح كذلك فمرجع كلام الشهيدين الى ان إنشاء المكره ليس بداعي تحقيق الشي ء بحيث يترتب عليه الأثر بل لغرض التخلص عن الوعيد فالفرق بين المكره بالفتح و غيره ان إنشاء الملكية في الأول لا يكون بداعي حصولها خارجا بل بداعي التخلص عن وعيد المكره و ضرره بخلاف بيع المختار فإن إنشاء الملكية منه يكون بداعي حصولها خارجا.

(1) ذكر (ره) كما مر ان إنشاء البيع مثلا بداعي التخلص عن الوليد لا لغاية تحقيقه خارجا هو المراد من عدم قصد المكره بالفتح مدلول العقد و كون هذا هو المراد من عدم قصده لا يكاد يخفى على من تأمل في معنى الإكراه لغة و عرفا و على من تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الإكراه فإن تلك الفروع لا يناسب توهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 230

..........

______________________________

خلو المكره بالفتح عن القصد بان لا يستعمل قوله بعت كذا بكذا في إنشاء الملكية

ليكون الإكراه مقابلا للقصد اى استعمال اللفظ في المعنى.

و قوله (ره) و حكمهم- بعدم وجوب التورية و بصحة بيع المكره بعد الرضا و استدلالهم على بطلان بيع المكره بالأخبار الواردة في طلاق المكره بضميمة عدم الفرق بين الطلاق و سائر العقود و الإيقاعات و بما ورد انه لا طلاق الا مع الإرادة و استدلالهم ايضا على بطلان بيع المكره بما ورد في بطلان من يكون طلاقه مداراة بأهله بان ينشأ الطلاق لا لحصوله واقعا بل لان يوهم زوجته الأخرى مثلا بأنها زوجته الوحيدة الباقية في علقته لتترك نشوزها- كل ذلك معطوف على ما ذكره الأصحاب في قوله ادنى تتبع فيما ذكره الأصحاب و يكون عطفها تفسيريا فإنها من الفروع التي يكون التتبع في المذكور فيها موجبا للجزم بعدم خلو المكره بالفتح عن قصد المعنى و الإنشاء.

بل يكفي في الجزم بذلك ما ذكره الشهيد الثاني من ان المكره و الفضولي قاصدان الى اللفظ دون مدلوله و وجه الكفاية انه لا ريب في تحقق قصد الاستعمال من الفضولي و جعل المكره مثله قرينة جلية على كون المراد من عدم قصد المعنى ما تقدم تفصيله.

أقول ان كانت ملكية العين في إنشاء البيع بنظر العاقد فلا ريب في حصولها من المكره بالفتح فإنه لا يكون إنشاء بدون قصد حصولها أو قصد إبراز حصولها على الوجهين في معنى الإنشاء و على ذلك يبتنى ما سيأتي من عدم لزوم التورية على المكره و تمام بيع المكره بلحوق الرضا و ان كانت الملكية بنظر العقلاء أو اعتبار الشرع فهذه الملكية أجنبية عن قصد العاقد فإنها اعتبار الغير يترتب على تمام موضوعها سواء قصدها العاقد أم لا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2،

ص: 231

..........

______________________________

فإن أراد الشهيدان بقولهما (ان المكره بالفتح قاصد الى اللفظ دون المدلول) الملكية بنظر العاقد فقد ذكرنا انه لا يكون بيع الا مع قصد حصولها أو إبراز حصولها و ان كان مرادهما الملكية في اعتبار العقلاء و الشرع المعبر عنها بالأثر فلا يعتبر في حصول البيع قصد حصولها بل قد لا يكون قصد حصولها في بيع المختار ايضا كما إذا اعتقد فقد شرط صحة البيع و قد يقصدها المكره بالفتح كما إذا اعتقد صحة بيعه و نفوذه كبيع المختار.

و الحاصل ان كلام الشهيدين غير تام بل لا نجد فرقا بين بيع المكره اى إنشائه ملكية المثمن بإزاء الثمن و بين بيع المختار إلا في جهة واحدة و هي انطباق عنوان الإكراه على البيع في الأول دون الثاني.

(لا يقال) الفرق بينهما في حصول طيب النفس و التراضي في الثاني دون بيع المكره.

(فإنه يقال) التراضي المعتبر في المعاملات موجود في بيع المكره أيضا فإذا أكرهه الجائر على دفع مقدار من المال و توقف تحصيل ذلك المال على بيع داره يصح البيع و لا يكون ذلك اكراها على البيع بخلاف ما إذا أكرهه على بيع تلك الدار فإنه لا يصح لوقوعه مكرها عليه مع ان في الرجوع الى الوجدان كفاية بأنه لو لم يكن إكراه الجائر لم يكن البيع في الموردين فإن الداعي إلى بيعها في الفرضين التخلص من وعيد الجائر و ضرره.

و قد بينا في بحث المقدمة من الأصول ان الداعي إلى الإتيان بذي المقدمة بعينه داع إلى الإتيان بمقدمته و إذا كان دفع المال إلى الجائر في الفرض الأول للتخلص من وعيده يكون الداعي إلى مقدمته أيضا يعني بيع الدار التخلص المزبور.

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 232

..........

______________________________

و بهذا يظهر ان ما ذكره المصنف (ره) في توجيه كلام الشهيدين من ان الداعي إلى البيع من المختار لا يكون التخلص من وعيد الغير و ضرره بخلاف صورة الإكراه فإنه يكون داعيه اليه التخلص المزبور غير صحيح كما ان دعوى حصول الرضا و طيب النفس بالبيع في صورة الإكراه على دفع المال الذي يتوقف تحصيله على بيع المكره داره و عدم حصوله في صورة الإكراه على بيع داره تحكم.

و ما ذكر أيضا في الفرق بين مورد الإكراه على البيع و البيع لدفع الضرر بقوله و الحاصل ان الفاعل قد يفعل لدفع الضرر و لكنه مستقل في فعله و مخلى و طبعه بحيث يطيب نفسه به و ان كان من باب علاج الضرر و قد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على تركه و هذا مما لا يطيب النفس به و ذلك معلوم بالوجدان كما ترى فإنه نفرض فرضا ان الفرق بين موارد البيع لدفع الاضطرار الى ثمنه و بين البيع لدفع ضرر إيعاد الغير تام فكيف يصح الفرق بين الإكراه مثلا على بيع داره و الإكراه على دفع مال يتوقف تحصيله على بيع داره بان يقال بحصول طيب النفس و الرضا بالبيع في الثاني دون الأول بل ذكرنا عدم الفرق بينهما في طيب النفس أصلا و انما الفرق بينهما في صدق الإكراه على بيع الدار في الأول دون الثاني و الموجب لصدقه عليه في الأول أمر الجائر ببيعها و وعيده على تركه بخلاف الثاني فإن بيعها فيه لا يكون لأمر الجائر به ليعمه حديث رفع الإكراه بل للتمكن على مال أمر الجائر بدفعه اليه فلا يكون نفس البيع مكرها

عليه.

فتحصل مما ذكرنا ان الموجب لصدق الإكراه على البيع أو غيره تعلقه بنفس البيع أو غيره من الإنشائيات فالتفرقة بالحكم بصحة البيع في مورد الاضطرار الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 233

..........

______________________________

البيع أو الإكراه على مثل دفع المال الموقوف تحصيله على بيع متاعه و الحكم بالبطلان في مورد الإكراه على البيع باعتبار شمول حديث رفع الإكراه للأخير دون الأولين و ذكر رفع الاضطرار في حديث الرفع لا يقتضي الحكم ببطلان البيع في مورد الاضطرار الى ثمنه، و ذلك فان رفعه كرفع غيره من المذكورات في الحديث للامتنان و التوسعة على الأمة و لا امتنان في نفى البيع و الحكم بفساده في مورد الاضطرار بخلاف الحكم بالفساد في مورد الإكراه على بيع شي ء فان فيه توسعة على المكره بالفتح كما لا يخفى.

ثم ان الحكم ببطلان بيع المكره و نحوه من المعاملات لا يحتاج إلى ضميمة صحيحة البزنطي المتقدمة ليقال ان استشهاده عليه السّلام ببطلان الحلف بالطلاق و العتاق عند الإكراه عليهما بحديث رفع يمكن ان يكون جدليا مبنيا على اعتقاد العامة بأن حديث الرفع لا يختص برفع المؤاخذة و وجه عدم الحاجة ان المراد بالمكره عليه هو الفعل حيث لا يتعلق الإكراه و الاضطرار الا بالفعل و من الظاهر ان رفعهما يكون في مقابل وضعهما و الوضع فيهما معناه ان يثبت الحكم الثابت بالفعل مع قطع النظر عن طريانهما و إذا كان الفعل المكره عليه من الأفعال الخارجية يكون المرتفع الحكم التكليفي و إذا كان من المعاملات فالمرتفع الحكم الوضعي يعني إمضاء الشارع أو هو مع الحكم التكليفي على اختلاف الموارد.

و مما ذكرنا يظهر انه لا يرتفع بحديث الرفع الأحكام التي لا

تكون موضوعاتها الأفعال بل يثبت بالافعال باعتبار حصول موضوعاتها بها بعضا كما إذا أكرهه على إفطار صومه فإنه لا يرتفع بحديث رفع الإكراه وجوب قضائه لأن وجوب القضاء موضوعه فوت الصوم لا إفطاره.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 234

..........

______________________________

نعم قد يفوت الصوم بإفطاره كفوته بنسيان الصوم أو نسيان جنابته أو كون المكلف مريضا أو مسافرا و نحو ذلك مما لا يكون من قبيل الإفطار و هذا بخلاف وجوب الكفارة فإن موضوعه الفعل يعني الإفطار أو الجماع في نهار شهر رمضان فيرتفع وجوبها عند الإكراه عليهما.

لا يقال لا حاجة في الحكم ببطلان بيع المكره و نحوه من المعاملات بحديث الرفع أصلا فإن أدلة إمضاء البيع و وجوب الوفاء بالعقود منصرف عن مثل البيع المكره عليه فان البيع المزبور لا يكون مورد الإمضاء حتى في اعتبار العقلاء فالحكم ببطلانه لقصور أدلة الإمضاء لا لوجود حاكم أو مخصص لها.

فإنه يقال لا وجه لدعوى انصراف أحل اللّه البيع و نحوه عن بيع المكره لان الموضوع لإمضاء الشرعي نفس البيع لا البيع الممضى في اعتبار العقلاء و قد ذكرنا في بحث الصحيح و الأعم أن إمضاء العقلاء كامضاء الشرع غير داخل في معنى البيع و نحوه فان بيع السارقين و الغاصبين لا يكون ممضى حتى عند العقلاء مع صحة إطلاق البيع عليه بلا عناية.

و بعبارة أخرى إذا كان تمليك عين بعوض بيعا عند العرف و لكن غير ممضى من ناحيتهم فهو داخل في الموضوع في مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فلا بد في رفع اليد عن إطلاقه من وجود مقيد نظير قوله لا بيع إلا في ملك و يترتب على كون الموضوع لإمضاء الشرع نفس البيع انه لو

باع اللقطة بعد تعريفها سنة و تملكها حتى مع احتماله الظفر بمالكها ثم ظهر المالك فلا يستحق المالك المطالبة بعين اللقطة حتى مع بقائها بيد المشترى فان هذا مقتضى أحل اللّه البيع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مع ان العقلاء لا يمضون البيع من البائع في الفرض و لا يفرقون بين هذا البيع و بيع مال الغير اشتباها و اعتقادا بأنه ماله ثم ظهر انه مال الغير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 235

..........

______________________________

و ما ذكر من سيرة العقلاء على عدم لزوم بيع المكره فتكون هذه السيرة كاشفة عن عدم إمضاء الشرع و الا ورد الردع عنها برادع خاص و لا يكفى فيها الإطلاق و العموم ففيه ان سيرة العقلاء يمكن دعواها في الموارد التي يكون الإكراه فيها من قبيل الجور الشخصي و اما إذا كان بنحو الجور العام كما إذا أمر السلطان بان كل أجنبي يلزم عليه بيع داره من أهل هذه البلاد خلال شهرين و الا يؤخذ منه داره ففي مثل ذلك لا يرى العقلاء بيع الأجانب دورهم مع اعترافهم بأن أمر السلطان جور عليهم بيعا لغوا بل يرتبون عليه الأثر كما يظهر ذلك لمن تتبع سيرتهم و المتحصل ان العمدة في الحكم بالبطلان في بيع المكره و نحوه حديث رفع الإكراه.

لا يقال كيف يكون التراضي و طيب النفس بالمعاملة في مورد الإكراه مع ان الإكراه مع طيب النفس و التراضي متضادان.

فإنه يقال نعم الكره و هو عدم كون الشي ء ملائما للطبع مع طيب النفس بمعنى ابتهاجها و الرضا القلبي متضادان و لكن طيب النفس أو الرضا القلبي غير معتبر في بيع و لا في غيره حتى في الطلاق الوارد فيه كونه بإرادة

القلب كما يأتي و لذا قالوا بصحة الطلاق لعدم صدق الإكراه في مثل ما رأى الزوج أنها لو بقيت في حباله لوقعت عليه وقيعة من أخيها أو أبيها أو غيرهما فالتجأ إلى طلاقها و لا تكون كراهته قلبا موجبا لبطلانه.

و بالجملة المعتبر في صحة البيع و غيره من المعاملات التراضي المعاملي و هو موجود في موارد الإكراه فإنه مساوق للإنشاء و قد ذكر المفسرين ان قوله سبحانه عَنْ تَرٰاضٍ في قوله إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ خبر بعد خبر و هذا شاهد على ان التراضي المعاملي يعم جميع المعاملات و ان التجارة أحد أفرادها و لو كان المدرك لاعتبار طيب النفس قوله عليه السلام (لا يحل مال امرء مسلم الا بطيبة نفسه) بدعوى انه يعم تملك مال الغير بالبيع و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 236

..........

______________________________

نحوه مع ظهور طيبها في الطيب القلبي و الرضا الواقعي كما لا يبعد فلا بد من رفع اليد عن عمومه في المعاملات بما تقدم.

نعم لا يبعد اعتبار طيب النفس بذلك المعنى في التصرف في مال الغير كما إذا أقام في بيته تعزية كعزاء خامس أهل البيت العصمة سلام اللّه عليه و دخل في البيت بتلك المناسبة شخص و تصرف فيها بما يكون خارجا عن المتعارف باستعمال الماء الكثير بغسل بعض ثيابه أو المكث في مرحاضها طويلا مع عدم علمه برضا صاحب البيت فهذه التصرفات التي ربما يمتنع المالك عن إظهار عدم رضاه بها للتحفظ على كرامته غير جائز لذلك الشخص فإنه لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه.

و هذا بخلاف فرض حصول المعاملة كما إذا وهب المال للسائل تحفظا على كرامته فان دليل نفوذ

الهبة أو غيرها مع عدم حاكم في البين من حديث رفع الإكراه أو الاضطرار مقتضاه دخول العين الموهوبة في ملك المتهب فلا يكون الموهوب مال الغير حتى لا يجوز التصرف فيه بلا طيب نفس مالكه و ما يتعارف في الألسنة من ان المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا بلا شاهد في مثل المورد المزبور من المعاملات.

لا يقال قد ورد في روايات أنه لا طلاق الا ما أريد به الطلاق و مقتضى تلك الروايات عدم القصد في مورد الإكراه.

فإنه يقال لم يظهر أن الروايات المشار إليها قد وردت في طلاق المكره و بيان بطلانه بل لا يبعد كونها ناظرة الى ما يصدر عن الزوج أحيانا لتخويف زوجته من الإتيان بصورة الطلاق جلبا لطاعتها و في مثله لا يكون إنشاء الفرقة بينه و بين زوجته حقيقة فمدلول تلك الروايات أن لا أثر للتكلم التخويفى المزبور الذي في حقيقته تلفظ بصيغة أنت طالق و نحوها من غير قصد الإنشاء لمضمونها بل يكون التلفظ بها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 237

حقيقة الإكراه لغة و عرفا (1) هل يعتبر في موضوع الإكراه (2) أو حكمه (3)

______________________________

مع إمرار المتكلم معناها الى ذهن السامع فقط و ربما يكون ذلك في مورد الإكراه أيضا بأن يتلفظ المكره بالفتح بصيغة الإيجاب في الطلاق و نحوه من غير قصد الإنشاء و هذا لا يترتب عليه ما سنذكر من تمام البيع بلحوق الإجازة و غيره من الأحكام.

و يشهد لعدم نظر تلك الروايات إلى صورة الإكراه على الطلاق ان صاحب الوسائل (ره) أوردها في باب اشتراط الطلاق بالقصد لا في باب اشتراط الاختيار في الطلاق بل في حسنة يحيى بن عبد الحسن عن أبي عبد

اللّه عليه السّلام قال سمعته يقول لا يجوز طلاق في استكراه و لا تجوز يمين في قطيعة رحم الى ان قال و انما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه «1» و هذه الحسنة قرينة واضحة على ان المراد بإرادة الطلاق غير الطلاق بغير الإكراه.

(1) لا يخفى ان المعتبر في صدق الإكراه هو الأمر بالبيع أو غيره بحيث تكون مخالفة الأمر مظنة الضرر بحاله أو بحال متعلقيه و قد يكون الفعل من الفاعل لمجرد دفع ذلك الضرر و اما الوعيد من الأمر فلا يعتبر اقتران أمره به كما يظهر ذلك من ملاحظة موارد الإكراه على المعاملة أو غيرها من الأفعال.

(2) بأن يكون عدم إمكان التفصي بالتورية أو غيرها مقوما لعنوان الإكراه.

(3) بان لا يكون البيع أو غيره محكوما بالفساد مع إمكان التفصي عن إنشائه

______________________________

(1) الوسائل الجزء (15) الباب (37) من أبواب الطلاق الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 238

ثم انه هل يعتبر في موضوع الإكراه (1)

______________________________

بالتورية أو غيرها و لو مع صدق الإكراه عليها.

(1) ذكر (ره) بما حاصله ان ظاهر الروايات و فتاوى الأصحاب عدم اعتبار العجز عن التفصي بالتورية فإن حمل عموم حديث رفع الإكراه و الروايات الدالة على عدم الأثر للطلاق باستكراه أو العتاق و الحلف كذلك على صورة عدم إمكان التفصي بالتورية من جهة غفلة المكره بالفتح عنها و نسيانها لدهشته أو جهله بكيفيتها بعيد حيث أنه من حمل المطلق على الفرد النادر بل لا يمكن هذا الحمل في مورد بعض الروايات و المراد ما ورد في قضية عمار لما سيأتي أنه لو كان عدم إمكان التفصي بالتورية معتبرا في رفع الإكراه لذكر (صلّى اللّه عليه

و آله) لعمار أنه عليه أن يوري فيما إذا ابتلى بمثل الواقعة لا أن يقول له (ان عادوا فعد).

بل يظهر من بعض الروايات عدم اعتبار التفصي بغير التورية أيضا كرواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال لا يمين في غصب و لا في قطيعة رحم و لا في إكراه و لا في إجبار قلت أصلحك اللّه فما الفرق بين الإكراه و الإجبار قال الإجبار من السلطان و يكون الإكراه من الزوجة و الام و الأب و ليس ذلك بشي ء «1» و وجه الظهور انه يمكن التفصي عادة في إكراه الأم و الأب و قوله عليه السّلام على ما في الرواية و ليس ذلك بشي ء المراد أن اليمين في الموارد المزبورة لا يكون موجبا لوجوب الوفاء و عدم جواز الحنث و يؤيد عدم اعتبار التفصي بغير التورية أيضا عدم الفرق بينها و بين التفصي بغيرها فإنه لو كان إمكان التفصي بغير التورية موجبا لانتفاء عنوان الإكراه لكان إمكان التفصي بها كذلك لان المصحح لعنوان الإكراه انحصار التخلص عن الضرر المتوعد به بارتكاب ما اكره عليه كما هو الفرض فلا فرق بين

______________________________

(1) الوسائل الجزء (16) الباب (6) الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 239

..........

______________________________

التخلص بكلام آخر أو فعل آخر أو إرادة المعنى الآخر.

و دعوى ان مع إمكان التورية و ان لا يكون إكراه حقيقة كإمكان التفصي بغيرها الا ان الشارع قد وسع حكم الإكراه مع إمكان التورية مدفوعة بعدم الشاهد لها.

ثم انه (ره) قد وجه الدعوى المزبورة بأنه يعتبر في صدق الإكراه خوف ترتب الضرر على مخالفة المكره بالكسر و مع إمكان التفصي بغير التورية لا يحصل

الخوف في مخالفة المكره حيث ان الضرر مع إمكان التفصي يترتب على ترك الفعل المكره عليه و ترك التفصي معا و ليس التفصي مكرها عليه و لا بد لا عنه حيث لم يأمر به الجائر لا تعيينا و لا تخييرا ليكون نظير ما إذا أكرهه على شرب الخمر أو فعل القمار بل الفعل المتفصى به مسقط للإكراه يعنى رافع موضوعه و كون التفصي مسقطا للإكراه يجري في مورد إمكان التفصي بالتورية أيضا الا ان الشارع قد رخص في مورد إمكان التفصي بالتورية في تركها حيث لم يعتبر التورية تفصيا و يستفاد ذلك من إطلاق الروايات الواردة في طلاق المكره و عتقه و مما دل على جواز الحلف باللّه كاذبا عند الخوف و الإكراه فإن حمل الإطلاق على صورة العجز عن التورية كما تقدم حمل على الفرد النادر بل لو كان العجز عن التورية معتبرا لأشير إليها في تلك الاخبار خصوصا في قضية عمار فان تنبيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عمار على التورية و ان لم يكن واجبا الا ان شفقته (صلّى اللّه عليه و آله) لعمار تقتضي ذلك لما رآه صلى اللّه عليه و آله من اضطرابه و تأثره من تكلمه بكلمة الكفر لا ان يقول له و ان عادوا عليك فعد.

و لعل وجه عدم وجوب التنبيه ان المورد من قبيل الإرشاد إلى الموضوع مع غفلة المكلف عنه حيث لا بد من فرض ان عمار قد نسي التورية و غفل عنها عند إكراهه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 240

..........

______________________________

على الاعتراف بالشرك لا ان تركه التورية كان لجهله بالحكم و عدم علمه بوجوب التورية في هذه الموارد كما هو

الحال في ترك بعض الناس أو جلهم فان عدم رعاية بعض تكاليف الشرع منهم يكون لجهلهم بها و فرض مثل هذا الجهل لا يناسب شأن عمار و لا تطبيق الإكراه على فعله كما هو مقتضى نزول الآية الا من اكره و قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ.

ثم انه (ره) قد فصل أخيرا بين التورية و غيرها بان التمكن على التفصي بالتورية لا ينافي صدق الإكراه على العمل بخلاف غير التورية فإن التمكن على التفصي به يمنع عن صدق الإكراه و ذلك فان ترتب الضرر على مخالفة المكره لا يترتب على المخالفة الواقعية بل على اعتقاد المكره بالكسر بها بمعنى أنه لو أحرز مخالفة المكره بالفتح لأضربه و هذه القضية الشرطية صادقة مع تمكن المكلف على التورية حيث ان المكره بالكسر لو أحرز ان المكره بالفتح ورى في نفسه و لم ينشأ العقد لا ضربه بخلاف التفصي بغير التورية فان الجائر لا يتمكن على إضرار المكره بالفتح مع تفصيه بغير التورية كما إذا تفصى بالسفر الى بلاد آخر لا يصل اليه فيها يد الجائر و على ذلك لا يعتبر العجز عن التورية في صدق الإكراه و يعتبر العجز عن التفصي بغيرها في صدقه.

(أقول) ما ذكره (ره) من أن حمل رفع الإكراه و ما ورد في بطلان الطلاق و العتاق عن استكراه على صورة العجز عن التورية بعيد لا يمكن المساعدة عليه فان حديث رفع الإكراه لا يختص بالعقود و الإيقاعات ليقال ان التمكن على التورية فيهما غالبي فاختصاصه بصورة العجز عن التورية حمل لعموم رفعه على الموارد النادرة بل يعم عمومه الإكراه على فعل الحرام و ترك الواجب مما لا دخل في موردهما للتورية

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 2، ص: 241

..........

______________________________

و عدمها.

أضف الى ذلك أنه لا يوجب اعتباره حمل المطلق على فرده النادر حتى فيما فيما ورد في بطلان الطلاق أو العتاق أو الحلف كاذبا عن إكراه و ذلك فإن الذي لا يمكن هو حمل المطلق على فرده النادر مع ورود الحكم في الخطاب على ذلك المطلق كما إذا ورد في الخطاب اقتلوا الضال المضل فان حمله على خصوص مدعى النبوة مثلا حمل للمطلق على فرده النادر.

و اما بيان الحكم في الخطاب للمطلق الذي لا يوجد له أفراد كثيرة بل يوجد فرده نادرا كما إذا ورد في الخطاب اقتلوا المتنبي فالالتزام بمدلوله مع قلة أفراده لا محذور فيه و الأمر في المقام كذلك لأن الإكراه على الطلاق و العتاق لا يصدق الا مع العجز عن التفصي بالتورية أو بغيرها حيث ان المعتبر في صدق الإكراه على فعل خوف ترتب الضرر على المخالفة و المفروض في موارد إمكان التفصي انه يترتب على المخالفة و ترك ذلك التفصي معا.

و الحاصل ان ما ورد في بطلان طلاق المكره و عتاقه و جواز الحلف كاذبا مع الإكراه من قبيل ورود الحكم في الخطاب على المطلق الذي لا يوجد له فرد الا نادرا.

هذا مع ان العجز عن التورية للغفلة عنها لدهشته و نحوها كثيرة و لا يكون من الفرض النادر و اما قضية عمار فيمكن ان يقال ان التورية فيها لا يكون من التفصي أصلا و لذا لم يأمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ذلك فإن إظهار الكفر و الاعتراف به محرم حتى فيما إذا كان بنحو التورية في مقابل وجوب إظهار الحق و الاعتراف بالتوحيد.

و بعبارة أخرى إذا كان التكلم بكلمة

الكفر و الشرك مع نصب القرينة على ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 242

..........

______________________________

التلفظ بها ليس للإنكار و العناد كما إذا قال يقول اليهود ان محمدا ليس بنبي فلا بأس به فإنه نقل قول و حكاية كفر عن الآخرين.

و اما إذا لم ينصب قرينة على ذلك فالتلفظ بها حرام ورى في نفسه أولا فإن التكلم المزبور إعزاز للشرك و الكفر و إذلال و وهن للإسلام و نظيره موارد السب فان التلفظ بكلمة تكون ظاهرة في سب المؤمن حرام و لو كان بنحو التورية حيث ان وهن المؤمن و نقص حرمته يترتب على السب ورى في نفسه أم لا.

و الحاصل لا يخرج الفعل في مثل هذه الموارد بالتورية عن عنوان الحرام لتجب التورية و لا يكون معها من الإكراه على الحرام و كذا لا يمكن المساعدة على استظهاره (ره) عدم اعتبار العجز عن التفصي بغير التورية أيضا من رواية عبد اللّه بن سنان و ذلك فإنه مع الإغماض عن سندها ان الإكراه فيها لا يكون بمعنى الإكراه الوارد في حديث الرفع و نحوه مما يكون طريانه موجبا لارتفاع حكم الفعل ليجعل شاهدا لعدم اعتبار التفصي فإن الأم و الأب لا يكون في مخالفتهم خوف الضرر عادة و لذا جعل طلبهم مقابلا لأمر السلطان و عبر عنه بالإجبار باعتبار ترتب خوف الضرر على مخالفته.

و بتعبير آخر إطلاق الإكراه على طلب الزوجة و الام و الأب بضرب من العناية و التجوز.

و ما ذكر (ره) أخيرا من صدق الإكراه حتى مع التمكن على التورية و عدم صدقه مع التمكن على التفصي بغيرها غير صحيح فإنه يعتبر في صدق الإكراه خوف المكره بالفتح من المخالفة و

هذا لا يكون الا مع احتماله اطلاع المكره بالكسر على حاله و إذا علم عدم إمكان اطلاعه على توريته فكيف يحصل له خوف الضرر المصحح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 243

ثم ان ما ذكرنا من اعتبار العجز (1)

______________________________

لصدق الإكراه.

و لو كان الميزان في صدق الإكراه مجرد القضية الشرطية المزبورة فلازمها جواز شرب الخمر مثلا فيما إذا أمر الجائر بشربها مع تمكن المأمور بصبها في الأرض أو خارج الفم و إيهام الجائر بأنه يشربها فان هذا الفعل نظير التورية في انه لو اطلع الجائر عليه لأوقعه في الضرر.

فتحصل من جميع ما ذكرنا إلى الان انه لا فرق بين الإكراه الرافع للتكليف و الرافع للوضع في انه مع إمكان التفصي بالتورية أو بغيرها لا يكون إكراه ليقال بأنه يقتضي رفع التكليف أو الوضع.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 243

(1) و حاصله ان ما ذكر من اعتبار العجز عن التفصي بغير التورية يختص بالإكراه المسوغ للمحرمات و اما الإكراه في المعاملات فيشمل موارد إمكان التفصي سواء كان بالتورية أو بغيرها و ذلك فان الملاك في فسادها فقد طيب النفس و ربما لا يطيب النفس بالمعاملة مع إمكان التفصي كما إذا كان قاعدا في مكان خال عن معاونيه متفرعا نفسه للعبادة و نحوها فجائه من أكرهه على بيع شي ء من أمواله و هو مع عدم خروجه من ذلك المكان غير قادر على دفع ضرره و لكن لو خرج و أخبر الحال بمعاونيه و خدمه فهم يدفعون شر المكره و لكن لا يريد

الخروج لئلا يزول الخلوة مع ربه فالظاهر صدق الإكراه على بيعه بمعنى عدم طيب نفسه به بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده و توقف دفع شر المكره على أمرهم بدفعه فلم يأمرهم فإن هذا لا يتحقق في حقه الإكراه بمعنى عدم طيب النفس و لذا يكذب لوا دعاه بخلاف المثال الأول فإنه يصدق فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 244

..........

______________________________

هذا في الإكراه على المعاملات و اما المحرمات فإنه لا يحل الحرام لا في المثال الثاني و لا في المثال الأول فإن الإكراه على الحرام لا يتحقق إلا إذا توقف دفع الضرر على ارتكاب ذلك الحرام بان كان المكلف مضطرا الى ارتكابه فيكون الفرق بين الإكراه على الحرام و الاضطرار اليه الوارد كل منهما في حديث الرفع هو ان الإكراه على الحرام هو الاضطرار اليه من جهة أمر الغير به و الاضطرار اليه هو الاضطرار لا من جهة أمر الغير بل من جهة الجوع و العطش و نحوهما.

و الحاصل ان الإكراه على المحرمات أخص من الإكراه على المعاملات حيث قد لا يعد الإكراه على المعاملة كما في مورد إمكان التفصي بغير التورية اكراها في المحرمات و لو لوحظ مناط جواز ارتكاب الحرام عند الإكراه عليه و هو توقف دفع الضرر على ارتكابه و مناط فساد المعاملة عند الإكراه و هو فقد طيب النفس بها لكانت النسبة بين المناطين بحسب الاجتماع و الافتراق العموم من وجه فمورد اجتماعهما الإكراه على المعاملة أو الحرام مع العجز عن التفصي عنهما و مورد تحقق الإكراهي المعاملي فقط هو فرض الإكراه على المعاملة أو الحرام مع إمكان التفصي عنهما فإنه يحصل الإكراه بالإضافة إلى المعاملة و لا يحصل

بالإضافة إلى الحرام و مورد حصول مناط الإكراه على الحرام فقط دون المعاملة ما إذا توقف دفع الضرر الى ارتكاب الحرام أو على المعاملة كما إذا توقف دفع هلاكة نفسه على شرب الماء المتنجس لدفع عطشه فإنه يحل بذلك بخلاف ما إذا توقف دفع هلاكة نفسه على بيع ماله فان النفس تطيب بالبيع كما تقدم في مسألة توقف علاج مرضه الى بيع داره.

ثم انه (ره) استشهد على افتراق ملاك الإكراه المجوز للحرام عن ملاك الإكراه الموجب لفساد المعاملة بأنه لا اشكال و لا خلاف في ان الإكراه على أحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 245

..........

______________________________

الفعلين المفروض حرمة كل منهما يكون موجبا لجواز ارتكاب أحدهما بمعنى اى منهما اختاره المكلف دفعا لضرر مخالفة الجائر يكون جائزا و مباحا فالفعل المختار و ان لا يكون بخصوصه مكرها عليه لا ان ملاك جوازه دفع الضرر لا خصوصية عنوان الإكراه.

و اما إذا كانا عقدين فاكرهه الجائر على إنشاء أحدهما كما إذا أمره بطلاق احدى زوجتيه فإنه ربما يستشكل في الحكم ببطلان الطلاق باعتبار ان من يختار طلاقها منهما ليس بخصوصه مكرها عليه بل يكون اختيار طلاقها بإرادته و رضاه و لذا أفتى في القواعد بصحة الطلاق في الفرض و ان حمل بعض الأصحاب حكمه بالصحة على ما أكرهه الجائر على طلاق احدى زوجتيه مبهمة فطلق إحداهما معينة.

و كيف كان فهذا الكلام يعنى تصحيح الطلاق في الفرض و ان كان مخدوشا بل ممنوعا الا انه شاهد على ان الملاك في الإكراه الموجب لحلية الفعل غير الإكراه الموجب لفساد المعاملة و الوجه في منعه ان اختيار احدى الزوجين بطلاقها باعتبار أن الطبيعي المكره عليه المفروض عدم الرضا

و طيب النفس بإنشائه لا يكون إلا في ضمن خصوصية و اختيار الخصوصية باعتبار الإكراه على الجامع لا الرضا به و لو كان اختيار الخصوصية في مثل المقام موجبا لخروج المقام موجبا لخروج المعاملة عن الإكراه عليها لما كان في المعاملات مورد للإكراه فإن المعاملة تكون مقارنة بخصوصية لم يتعلق بها الإكراه لا محالة.

و على ما ذكر يكون اختيار المشتملة على تلك الخصوصية بالرضا بها فتكون صحيحة.

أقول قد تقدم عدم الفرق بين الإكراه على الحرام و بين الإكراه على المعاملة في انه لا يتحقق الإكراه عليهما مع إمكان التفصي بالتورية أو بغيرها و ان الإكراه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 246

..........

______________________________

و ان الإكراه الموجب لجواز ارتكاب الحرام و الإكراه الموجب لفساد المعاملة أمر واحد و اما طيب النفس بالمعاملة و عدم طيبها بها بمعناه المعروف غير دخيل في صحة المعاملة و فسادها و ان المراد بالتراضي في قوله سبحانه إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ هو التراضي المعاملي من المالكين فيخرج بالقيد ما إذا اشترى متاعا من بايع يبيعه عدوانا و قهرا على مالكه كما في الغاصب أو من بايع يبيعه من غير اذن من مالكه كما في الفضولي الجاهل و الوكيل الخارج عن المقدار المأذون له في تجارته و ذكرنا احتمال ان يكون عن تراض خبرا بعد خبر لا قيدا للتجارة.

و الحاصل لو لا تحقق عنوان الإكراه و صدقه لا يحكم بجواز ارتكاب الحرام و لا بفساد المعاملة المنشأة.

نعم ذكرنا عند التكلم في جواز الكذب و الحلف كاذبا في مورد دفع ضرر الغير به انه لا يعتبر في جوازهما العجز عن التورية أو التفصي بغيرها لا لصدق الإكراه و الاضطرار

الى الكذب و الحلف ليجري في المقام ايضا بل ببعض الروايات الخاصة المقتضية لعدم اعتبار التفصي في الجواز فراجع.

(1) و محصل كلامه في المقام ان الإكراه على الجامع الذي له أفراد متعددة يعتبر اكراها على فرده فيما إذا لم يكن في خصوصية ذلك الفرد المختار محذور آخر و اما إذا كان في خصوصيته محذور كذلك فلا يعتبر الإكراه على الجامع اكراها على تلك الخصوصية ليرتفع محذورها.

و السر في ذلك ان تلك الخصوصية اختيارية فيستحق الذم و التوبيخ عليها في هذه الصورة بخلاف صورة عدم المحذور في خصوصية الفرد فلا يستحق على ذلك الفرد توبيخا و لا ذما لان المحذور كان في إيجاد الجامع و قد ارتفع بطرو الإكراه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 247

..........

______________________________

عليه فإذا أكرهه على شرب الخمر أو الماء فان اختار شرب الخمر يستحق العقاب فإنه لا ترتفع حرمته بالإكراه المزبور لأن الإكراه في الفرض لم يتعلق يشرب الخمر الذي حرمه الشارع و الجامع بين شربها و شرب الماء الذي تعلق به الإكراه لم يكن مورد التكليف ليرتفع بالإكراه عليه و كذا الأمر فيما إذا أكرهه على الجامع بين البيع الصحيح و الفاسد فإنه إذا اختار البيع الصحيح لا يحكم ببطلانه بحديث رفع الإكراه لأن الإكراه لم يتعلق بخصوصه بل تعلق بالجامع الذي لا يكون له حكم شرعي ليرتفع بالإكراه.

و من هنا لو أكرهه على بيع ماله أو أداء دينه مع تمكنه على أدائه فإن اختار البيع صح لأن الإكراه بالإضافة إلى أداء دينه لا اثر له حيث انه إكراه بحق و لم يتعلق بخصوص بيع ماله ليحكم ببطلانه.

و ذكر (ره) في المثال انه لو حكم ببطلان البيع في

المثال باعتبار ان الإكراه على الجامع إكراه عليه فلا بد من الحكم بالبطلان فيما إذا اختار أداء الدين باعتبار ان الإكراه على الجامع إكراه على أداء الدين.

أقول لا ملازمة بين الأمرين فإن الإكراه المزبور حتى مع اعتباره اكراها على أداء الدين حيث انه إكراه بحق لا يعمه حديث الرفع ثم ذكر انه لو اكره على بيع ماله أو أداء مال غير مستحق يعتبر البيع كأداء ذلك المال مكرها عليه فأي منهما اختير لدفع الإكراه كان موردا لحديث رفع الإكراه و لو أكرهه على بيع ماله أو شرب الخمر فلا بد من دفع الإكراه بالبيع فإنه لا محذور في إيجاده فإنه ليس بمحرم تكليفا بخلاف شرب الخمر فإنه محرم و إذا أنشأ البيع يحكم بفساده فان البيع المزبور بالإضافة الى حكمه الوضعي يعتبر مكرها عليه حيث انه إنشاء لدفع ضرر الإكراه مع المحذور في الفرد الآخر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 248

..........

______________________________

أقول يبقى على المصنف (ره) بيان ان الإكراه على الجامع كيف يعتبر اكراها على فرده مع تعدده فإن الإكراه على الجامع في حقيقته أمر بالجامع.

و من المقرر في محله ان الأمر لا يسرى من متعلقة الى غيره مثلا ما يختاره المكلف من صلاة الظهر خارجا ليس بمتعلق الوجوب و انما هو مسقط له و انما يتعلق الوجوب بالطبيعي الجامع و على ذلك فلو أكرهه على شرب الخمر أو شرب الماء فالجامع بين شرب الماء و شرب الخمر لم يتعلق به التكليف ليرتفع بالإكراه فيبقى شرب الخمر على حرمته و إذا أكرهه على شرب الخمر أو القمار فالجامع بينهما غير متعلق للحرمة لترتفع بالإكراه بل المتعلق للحرمة كل من خصوص شرب الخمر و

قمار و لم يتعلق به الإكراه لترتفع حرمته.

فالصحيح ان يقال ان رفع الإكراه كما ذكرنا سابقا مقابل وضعه و فيما إذا كان المكره عليه أحد فعلين كل منهما محكوم بالحرمة كما إذا أكرهه على شرب أحد الخمرين أو على شرب الخمر و فعل القمار يكون وضعه بثبوت الحرمة لكل منهما كما هو مقتضى حرمة شرب الخمر أو القمار بوجوده السعى الاستغراقي فيكون ما أكرهه عليه موضوعا فمقتضى حديث رفع الإكراه عدم ثبوت الحرمة لكل منهما كذلك و مقتضى الجمع العرفي بين حديث الرفع و بين خطاب حرمة شرب الخمر أو القمار كما ذكر بقرينة كون مصلحة رفع الإكراه تخلص المكلف من ضرر مخالفة الجائر ثبوت الترخيص في أحد الفعلين و تعلق الحرمة بشرب كل خمر أو قمار بوجوده السعي إلا في مورد إكراه على شرب أحدهما أو ثبوت الإكراه على شربها أو فعل القمار فإن الحرمة في مورده تتعلق بشرب أحدهما لا بعينه أو تتعلق بشرب واحد من الخمر أو القمار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 249

..........

______________________________

و يترتب على ذلك ان المكره عليه لو شربهما دفعة أو شرب الخمر و قامر دفعة فلا يستحق العقاب على فعل أحدهما لا بعينه و يستحق على فعل الآخر لا ان الإكراه يتعين في الوجود الأول بما هو الموجود الأول حتى لا يستحق العقاب على ارتكابهما دفعة باعتبار ان ارتكابهما دفعة وجود أول للعنوان المكره عليه.

و الحاصل كما لا يكون في الفرض لمتعلق الإكراه في مرحلة تعلقه تعين أصلا كذلك لا يكون لمتعلقه في مرحلة موافقته بارتكابهما دفعة تعين.

نعم قد يتعين في مرحلة الموافقة كما في ارتكابهما تدريجا و في كلتا الصورتين المكره عليه المرخص فيه

شرعا بقرينة الجمع بين حديث رفع الإكراه و خطاب تحريم الفعل هو صرف الوجود الواحد لأحدهما لا صرف الوجود مطلقا و لا التحديد بالوجود الأول.

و بهذا يظهر الحال فيما إذا أكرهه على شرب الخمر أو شرب الماء فإنه لا موجب في الفرض لرفع اليد عن عموم تحريم الخمر بعد ملاحظة ان رفع الإكراه ملاكه تخلص المكلف من ضرر مخالفة الجائر فلا يجرى فيه حديث رفع الإكراه لأنه يمكن للمكلف مع موافقته تحريم الخمر التخلص من ضرر مخالفة الجائر باختياره شرب الماء و كذا لو أكرهه على شرب الخمر أو بيع ماله فان بيع ماله بمعنى إنشائه لا محذور فيه تكليفا و بإنشائه يتخلص من ضرر مخالفة المكره فلا يكون لحديث رفع الإكراه مجال فيؤخذ بعموم حرمة شرب الخمر.

نعم البيع بعد إنشائه محكوم بالفساد لانطباق عنوان الاضطرار عليه فان المكلف إنشائه للتخلص من وزر شرب الخمر الذي منع عنه الشرع و الضرر الذي لا يمكن الفرار منه الا بإنشائه و ليس نفى صحته برفع الاضطرار منافيا للامتنان كما في سائر موارد الاضطرار الى بيع ماله كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 250

ثم ان إكراه أحد الشخصين على فعل بمعنى إلزامه عليهما كفاية (1).

______________________________

فقد تحصل من جميع ما ذكرنا انه لا يلزم في موارد رفع الإكراه أو الاضطرار ان يكون العنوان المتعلق به الإكراه أو الاضطرار بنفسه موضوعا أو متعلقا للحكم في الخطاب الشرعي ليرتفع ذلك الحكم عن ذلك العنوان بطريان عنوان الإكراه أو الاضطرار بل كل ما يكون به وضع الإكراه أو الاضطرار يكون بنفيه رفع الإكراه أو الاضطرار و انه إذا أكره على أحد بيعين و كان أحدهما صحيحا لو

لا الإكراه دون الآخر فإن اختار الصحيح لدفع الإكراه يحكم بصحته أخذا بعموم البيع و بما ان ملاك رفع الإكراه تمكين المكلف للتخلص من ضرر و عيد المكره فمع تمكن المكلف على دفع ضرره باختيار البيع الفاسد لا مجرى لحديث رفع الإكراه بخلاف ما إذا أكرهه على بيعين يكون كل منهما محكوما بالصحة لو لا الإكراه أو شرب أحد الخمرين فإنه ليس جواز الارتكاب بشرب أحد الخمرين أو البطلان للاضطرار بالإضافة الى ما اختاره فإنه لا فرق في الاضطرار و الإكراه في ان متعلقهما في الفرض لا يكون خصوص ما اختاره فتدبر جيدا.

(1) لا يخفى ان إكراه أحد الشخصين بنحو الواجب الكفائي لا يعتبر اكراها بالإضافة الى من قد أحرز أن الآخر يأتي بالمكره عليه و لو مع فعله فان مع إحرازه ذلك لا يكون ما يأتي به مكرها عليه و لو كان عمله قبل الآخر فإنه يعتبر في صدق الإكراه كما مر خوف ترتب الضرر على مخالفته و مع إحراز أن الآخر يأتي بالعمل على كل تقدير لا يكون له خوف ضرر في تركه.

و كذا لا يجوز له الإتيان بالعمل فيما أحرز انه على تقدير تركه يأتي به الآخر لأنه مع الإحراز المزبور يعلم بأنه لا يتوجه اليه ضرر من تركه و اما إذا لم يحرز ذلك بأن احتمل ترك الآخر حتى على فرض تركه أيضا يكون فعله مضطرا اليه لا محالة لأن الإتيان به لدفع خوف الضرر المترتب على تركه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 251

و اعلم ان الإكراه (1).

______________________________

لا يقال الإكراه على فعله أو فعل صاحبه يعتبر كالواجب الكفائي فيجري عليه سقوط الإكراه بصرف وجود الطبيعي من أيهما أولا.

فإنه

يقال ذكرنا انه يعتبر في صدق الإكراه مضافا الى الأمر بالطبيعي خوف ترتب الضرر على تركه و مع إحراز أن الآخر يأتي بالعمل على كل تقدير أو على تقدير تركه لا يتحقق الإكراه أو الاضطرار بالإضافة اليه.

و لذا لا يقاس الإكراه في الفرض على الواجب الكفائي فإن المعتبر في الواجب الكفائي صرف الوجود من أيهما أولا فلا يكون الوجود الثاني مصداقا للواجب بخلاف المقام فان الوجود الأول قد لا يكون مصداقا للمكره عليه بما هو مكره عليه كما إذا أحرز أن الآخر يأتي بالعمل المزبور على كل تقدير أو على تقدير تركه حتى فيما إذا سبق الآخر في العمل و لو اتى في الفرض بالعمل أولا ثم الآخر مع اطلاعه بالحال اتى بالفعل ثانيا لا يكون العمل المزبور مرفوعا عنهما أصلا باعتبار عدم صدق الإكراه و الاضطرار على فعلهما أصلا.

(1) اما إكراه المالك دون العاقد كما إذا أكره المالك على التوكيل بان يوكل الجائر أو غيره في بيغ داره فوكله فان التوكيل باعتبار الإكراه عليه كالعدم فيكون بيعه عن الوكيل المزبور فضوليا حيث ان الموجب لخروج البيع عن الفضولية انتسابه الى الموكل و التوكيل على وجه الإكراه لا يصحح الانتساب كما هو مقتضى رفع الإكراه مقابل وضعه بل إكراه المالك على التوكيل يوجب كون البيع على تقدير انتسابه اليه مكرها عليه.

و اما فرض الإكراه في حق العاقد دون المالك كما إذا أكره المالك الآخر على اجراء العقد على ماله و الظاهر صحة هذا العقد فان المعتبر من العاقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 252

..........

______________________________

قصد مضمون العقد بإنشائه و المفروض حصوله.

و اما عدم الإكراه على المالك و رضاه بالمعاملة فالمفروض حصول كل

ذلك في المقام و نظير ذلك ما وكل الآخر في طلاق زوجته أو بيع داره و اكره الجائر الوكيل المزبور على العمل بمقتضى التوكيل بإجراء الطلاق أو إنشاء البيع حيث ان المعتبر من عدم إكراه المالك أو الزوج حاصل.

لا يقال لا يمكن الحكم بالصحة مع الإكراه على العاقد في الفرضين فان مقتضى حديث رفع الإكراه ان لا يثبت للمعاملة أو الإيقاع المزبور اثر.

فإنه يقال لا تكون المعاملة ذات اثر بالإضافة إلى العاقد ليرتفع ذلك الأثر بالإضافة إليه بل أثرها المطلوب في المقام انما هو بالإضافة إلى المالك أو الزوج و المفروض ان المعاملة بالإضافة إليهما ليست بالإكراه و يؤيد الحكم بالصحة في الفرضين حكم المشهور بصحة بيع المكره بلحوق الرضا و وجه التأييد أن لحقوق الرضا معناه الرضا بمضمون العقد و الا فالإنشاء لا يمكن تغييره بعد وقوعه عن إكراه و الرضا بالمضمون من المالك أو الزوج حاصل في الفرضين من الأول فيكون الفرضان أولى بالصحة من العقد المكره الذي يلحق به الرضا (لا يقال) لا يمكن في الفرضين الحكم بتمام المعاملة أو الطلاق فان العاقد و المنشئ مكره فيهما و لا يمكن للمالك أو الزوج إحراز ان العاقد قد قصد إنشاء المعاملة أو الطلاق فإنه من المحتمل ان لا يقصدهما بان يتلفظ بالإيجاب و القبول أو بصيغة الطلاق بلا قصد الإنشاء أو بقصد المعنى الآخر (فإنه يقال) فرض عدم قصد العاقد أو احتماله خارج عن مورد الكلام فان الكلام انه لا يمنع صدور العقد عن العاقد اكراها عن صحته مع رضا المالك به و عدم إكراهه عليه و اما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 253

فإنه عبارة مسلوبة لعارض تخلف القصد

(1) و الظاهر وقوع الأول مكرها عليه دون الثاني (2)

______________________________

احتمال عدم صدور العقد بعدم قصد العاقد فهو فرض آخر يمكن إحراز قصده بأصالة القصد فان بناء العقلاء على أصالة القصد في كل فعل يصدر عن العاقل الملتفت و لا يختص اعتبارها بصورة عدم الإكراه و لذا يقتنع المكره بالكسر بسماع الإيجاب و القبول و لو لم يكن البناء المزبور لم يكن يقتنع بمجرد سماعهما كما لا يخفى.

(1) المراد بالقصد الاختيار المقابل للإكراه كما فسره (ره) بذلك عند التعرض لقوله من ان المكره قاصد الى اللفظ غير قاصد الى مدلوله و المراد ان الفرق بين عبارة المجنون و المكره بالفتح ظاهر فإن عبارة المجنون لا تكون إنشاء لانه يتكلم لاغيا بخلاف المكره فان عبارته إنشاء و لكن لا يكون مختارا في الإنشاء و الاختيار غير معتبر في العاقد بل يعتبر في المالك و هو حاصل في الفرض كما لا يخفى.

(2) فيحكم ببطلان الأول فقط فيما إذا كان ذلك البيع للتخلص عن ضرر وعيد المكره و في غير ذلك يحكم بصحة كلا البيعين على الأصح.

و بيان ذلك انه مع الإكراه على بيع أحد عبديه فان باع أحدهما للتخلص عن ضرر وعيد المكره فلا يمكن الحكم بصحته لأن إمضاء الشارع ذلك البيع وضع للإكراه المزبور على المالك فحديث نفى الإكراه ينفي ذلك الوضع فيرفع اليد عن إطلاق حل البيع بالإضافة اليه و لو باعه لقصده الى بيعه مع قطع النظر عن الإكراه فيحكم بصحته لأن الإكراه على البيع انما يكون رافعا لحكمه و موجبا لبطلانه فيما إذا كان إنشائه بالإكراه على المالك لا بإرادة المالك و قصده اليه مع قطع النظر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2،

ص: 254

..........

______________________________

عن الإكراه فإذا كان المالك بصدد بيع ماله و صادف ذلك أمر الجائر به فهذا الأمر من الجائر لا يوجب الحكم ببطلان البيع المزبور لان حديث رفع الإكراه و ما هو بمضمونه مقتضاه ان الرفع للامتنان و الامتنان في عدم إمضاء الشارع معاملة يريدها المالك مع قطع النظر عن أمر الجائر بها.

ففي الفرض لو باع أحد العبدين أولا لقصده الى بيعه ثم باع الثاني يحكم بصحة كلا البيعين اما البيع الأول فلما تقدم و اما الثاني باعتبار عدم الإكراه عليه فان الإكراه ببيع أحدهما قد سقط بتحقق البيع الأول فلا يكون للجائر أمر به.

و قد تقدم ان الأمر مقوم لعنوان الإكراه فما ذكره المصنف (ره) من احتمال الرجوع الى المالك في تعيين المكره عليه ضعيف جدا.

(1) و حاصله ان مع وقوع بيعهما دفعة يكون الواقع خارجا خلاف المكره عليه حيث ان المكره عليه كان بيع أحدهما لا بيعهما فيكون ظاهر بيعهما كونه بطيب نفس المالك و رضاه و يحتمل بطلان البيع بالإضافة إلى الجميع لان البيع بالإضافة الى كل من المالين لا يمكن صحته لوقوع الإكراه على أحدهما و بما انه لا معين للباطل فيكون ترجيح أحدهما بالحكم بصحته بلا مرجح.

أقول إذا كان ذلك في الموارد التي لا يمكن للمالك إبقاء أحدهما في ملكه و بيع الآخر لكون ذلك ضررا أو حرجا عليه كما في الحيوان و ولده أو كأحد مصراعي الباب فيحكم ببطلان بيعهما باعتبار ان الحكم ببطلان بيع أحدهما مقتضى رفع الإكراه و الحكم ببطلان الآخر مقتضى رفع الاضطرار إليه لأنه لو لم يقدم على بيع الآخر يتوجه الضرر أو الحرج بل يمكن ان يقال ان الإكراه على بيع أحدهما في

الفرض يعتبر اكراها على بيع الآخر أيضا و ان كان بيعهما لمجرد التخلص عن ضرر وعيد المكره باعتبار ان مع بيعهما ايضا لا يتوجه اليه ضرر وعيده فلا يمكن الحكم بصحة البيعين معا لان الحكم بصحتهما كذلك وضع للإكراه على المالك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 255

..........

______________________________

و اما بالإضافة إلى صحة أحدهما فربما يقال انها مقتضى الجمع بين خطاب حل البيع على نحو العموم و بين حديث رفع الإكراه نظير ما تقدم في الإكراه على شرب أحد الخمرين فيرجع في تعيين بيع الصحيح إلى القرعة لأنها لكل أمر مجهول أو مشكل و تمييز الصحيح عن الفاسد في المقام كذلك.

و لا يعتبر في مورد القرعة ان يكون للمجهول أو المشكل تعين واقعي كما يظهر ذلك لمن راجع الموارد التي حكم الأصحاب فيها بالقرعة كما إذا كان له زوجات ثلاث و تزوج بامرأتين اخرتين أحدهما مباشرة و الأخرى بتزويج وكيله و كان التزويجان في زمان واحد فإنه ذكر جماعة انه يرجع في تعيين الرابعة إلى القرعة.

بل ذكر السيد الخوئي طال بقاه انه في المقام لا حاجة الى القرعة بل تعيين المبيع يكون بتخيير المالك و تعيينه فان المورد من موارد البيع الكلي في المعين لان البيع بالإضافة الى ما يطيب نفس المالك به من الكلي في المعين فيعين بتعيينه.

أقول الصحيح الحكم بالبطلان بالإضافة إلى بيع كل من العبدين فان عموم حل البيع لا يمكن الأخذ به بالإضافة إلى بيع كل منهما فإنه مقتضى وضع الإكراه و شموله لأحدهما المعين بلا مرجح و بيع أحدهما بنحو الكلي في المعين غير منشأ ليكون مقتضى الجمع بين خطاب عموم حل البيع و حديث رفع الإكراه إمضائه و

مجرد طيب نفس المالك ببيع أحدهما كذلك لا يصحح إنشائه.

و بهذا يفرق مسألة شرب الخمرين دفعة مع الإكراه على شرب أحدهما عن بيع العبدين مع الإكراه على بيع أحدهما.

و اما الرجوع الى القرعة فمرجعه الى ان الإخراج بالقرعة معين لما يعمه عموم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 256

و لكن في سماع دعوى البائع (1) و عن سبطه في نهاية المرام انه نقله قولا (2)

______________________________

حل البيع بعد الإخراج و هذا لا يستفاد من عمومات الرجوع الى القرعة في كل مجهول أو مشكل بل يحتاج الى النص في المورد كبعض موارد الرجوع إليها فإن قبل الإخراج لا يعم حل البيع شيئا من البيعين ليكون ذلك المشمول داخلا في عنوان المجهول و المشتبه فان شموله لأحدهما معينا ترجيح بلا مرجح و اما بيع المردد الخارجي فلان المردد الخارجي غير موجود أصلا ليصح بيعه، و اما بنحو الكلي في المعين فلان بيعه غير منشأ.

و لذا ذكروا انه لو تزوج بالأم و بنتها بعقد واحد بطل النكاح بالإضافة الى كل منهما فراجع.

(1) لا يبعد كون الإكراه المزبور امارة على صدور البيع لدفع ضرر الوعيد بعد فرض ان متعلق الإكراه يعم بيع كل نصف في بيع مستقل كما هو ظاهر بيع الشي ء بالإضافة إلى بيع أجزائه المشاعة.

و نظير المقام ما إذا أكرهه على بيع داره و طلاق زوجته، و باع الدار فقط برجاء اقتصار الجائر به في رفع يده عن إضراره.

(2) يعني نقل عدم وقوع الطلاق في الفرض قولا و استدل على القول المزبور بعموم رفع الإكراه، و الإجماع، و ذكر بعض الأجلة و هو كاشف اللثام ان الزوج إذا كان ملتفتا إلى انه لا يلزم عليه

إنشاء الطلاق و انه يمكن له الاكتفاء بالتلفظ بصيغته فقط، و مع ذلك إنشائه، فيمكن الحكم بصحته، و اما إذا لم يلتفت الى ذلك سواء اعتقد لزوم الإنشاء، أو احتمله، يكون الطلاق المزبور مكرها عليه، فيبطل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 257

..........

______________________________

و ذكر صاحب الجواهر (ره) ان حكم العلامة بصحة الطلاق فيما إذا نواه المكره بالفتح، مبنى على ان المكره بالفتح لا يقصد الإنشاء، و انه لا يتلفظ الا بالألفاظ المجردة عن الاستعمال، و إذا استعملها في إنشاء الطلاق فالأقرب صحته، و لكن المبنى غير صحيح، و ان المكره كالمختار يستعمل الألفاظ في الإنشاء فيكون الحكم على الطلاق المزبور بالصحة ضعيفا.

و ذكر المصنف (ره) في توضيح الفرع المزبور ستة فروض.

1- ان لا يكون الإكراه دخيلا في طلاق زوجته لا بنحو الداعي المستقل و لا منضما الى غيره من الدواعي، و لا ريب في الفرض في صحة الطلاق، و لا يكون الفرع المزبور من التحرير محمولا على هذا الفرض.

2- ان يكون الإكراه دخيلا في الطلاق المزبور، و لكن منضما الى غيره، بان يكون المجموع من الإكراه و غيره من حيث المجموع داعيا.

و جعل (ره) هذا الفرض كالأول في الحكم بصحة الطلاق.

أقول لا يبعد شمول حديث رفع الإكراه على الطلاق في الفرض باعتبار ان رفعه يناسب الامتنان، حيث ان المفروض عدم وقوعه لولا الإكراه.

3- ان يكون قصد الطلاق و الداعي إليه دفع الضرر المتوجه الى المكره بالكسر، كما إذا قال الولد لوالده طلق زوجتك، و الا قتلتك أو قتلت نفسي، مع إحراز الوالد، ان الولد لا يتمكن على قتله، بل يقتل نفسه أو يقتل الولد شخصا آخر عند إرادته قتل والده.

4- كون الداعي إلى

الطلاق شفقة المكره بالفتح على المكره بالكسر أو على الزوجة التي يطلقها من جهة وقوعهما في معصية الزنا و استشكل (ره) في الحكم بصحة الطلاق في الفرض، و سابقه، من جهة طيب النفس فيهما و عدمه، و لكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 258

و أضعف منها دعوى اعتبارها في مفهوم العقد (1) و أضعف من الكل (2)

______________________________

الأظهر الحكم بالصحة، لعدم كون الإكراه فيهما من قبيل الضرر اللاحق على المكره بالفتح.

نعم في مثل المثالين مما يعد الضرر على الولد أو على الزوجة ضررا على الوالد و الزوج يتحقق عنوان الإكراه، و لو قال الأجنبي طلق زوجتك و الا قتلت نفسي فلا يعد هذا اكراها بل لا يجب الطلاق حفظا لحياته.

5- إذا كان الإكراه موجبا لتوطين نفسه على الطلاق لتخيله ان الخلاص من ضرر المكره بالكسر لا يكون إلا بإنشاء الطلاق فيطلق كطلاق المختار.

6- ما إذا كان الإكراه موجبا لتوطين نفسه عليه لاعتقاده حصول الطلاق شرعا حتى في موارد الإكراه عليه، و استشكل في الحكم في الفرض، و سابقه، و لكن مع ترجيح وقوع الإكراه.

أقول- لا ينبغي الريب في حصول الإكراه فيهما لان الموجب لحصوله كما تقدم ليس فقد الرضا و طيب النفس، بل باعتبار حصول المعاملة بداعي الخوف عن مخالفة أمر الجائر و هذا حاصل في الفرضين كما لا يخفى.

(1) يعنى دعوى اعتبار مقارنة طيب النفس من مالك المال في تحقق عنوان العقد، و لازم ذلك ان لا يكون العقد الفضولي عقدا، فإنه لا يكون فيه طيب نفس المالك مقارنا لإنشاء العقد.

(2) يعني الأضعف من دعوى اعتبار مقارنة طيب نفس المالك في صحة العقد، و من دعوى اعتبار مقارنة طيب نفس المالك

في تحقق عنوان العقد، دعوى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 259

و يؤيده فحوى صحة عقد الفضولي (1)

______________________________

اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده، و لازم ذلك ان لا يكون بيع المكره بحق بيعا حقيقة، بل بيعا تعبديا أي صورة بيع يكون موضوعا لأكل ماله و تملكه لا لتأثيره في النقل و الانتقال، كسائر العقود و البيوع، و الوجه في كونها أضعف انه لا موجب لاعتبار طيب نفس العاقد في صحة العقد، فان الدليل انما اعتبر الرضا و طيب نفس المالك، لا طيب نفس الأجنبي الذي منه العاقد في الفرض.

(1) يعني يؤيد الحكم بالصحة في المقام فحوى الحكم بصحة عقد الفضولي بإجازة المالك، و وجه التأييد بالفحوى ان قصور عقد الفضولي في جهتين، عدم استناد العقد الواقع الى المالك، و عدم طيب نفسه بمضمونه، و القصور في عقد المكره يكون في جهة واحدة، و هي عدم طيب نفس المالك بمضمون العقد، و اما استناد العقد الى المالك، فهو موجود من الأول بإنشاء المالك البيع و لو مكرها و إذا كانت الإجازة يتدارك بها الجهتان في عقد الفضولي، فالجهة الواحدة في العقد المكره اولى بالتدارك بها، و اجازة المالك في عقد الفضولي لا تكون عقدا جديدا بل هي إمضاء و رضاء بمضمون العقد الواقع سابقا و هذا حاصل في اجازة المالك بل لو كانت عقدا جديدا جرى مثله في إجازة العقد من المكره كما لا يخفى.

هذا و يستدل على عدم كفاية لحوق رضا المالك المكره بوجهين آخرين أشار إليها المصنف (ره).

الأول- دعوى اعتبار صدور العقد عن رضا المالك. كما هو ظاهر قوله تعالى (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ

تَرٰاضٍ) و اجازة المالك المكره لا يوجب انقلاب العقد الى كونه عن تراض.

و الجواب عن ذلك انه لا ظهور للاية في ذلك فان الاستظهار منها ان كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 260

..........

______________________________

بلحاظ الحصر فيها يعنى حصر جواز تملك مال الغير بالتجارة الصادرة عن رضاه، فهذا الحصر لا يستفاد منها، لان الاستثناء في الآية منقطع، حيث ان النهى عن أكل مال الغير و تملكه بوجه باطل لا يعم المعاملات الدارجة عند العقلاء، و منها التجارة عن تراض ليكون النهى عن التملك بالباطل مع استثناء أحدها إدراجا لباقيها في النهي في المستثنى منه، بل حمل الآية على الحصر يوجب تخصيص الأكثر، فإن التجارة هو البيع و الشراء بقصد حصول الربح و انحصار سبب تملك مال الغير بها، فضلا عن انحصاره بما إذا كان صدورها برضا المالك، غير محتمل، حيث أن أسباب التملك عند العقلاء و الشرع كثيرة.

و الحاصل أن المستفاد من الآية حكمان عدم جواز تملك مال الغير بالوجوه التي تكون في بناء العقلاء من الأكل بالباطل، و جواز التملك بالتجارة عن تراض و اما سائر المعاملات، و منها التجارة مع لحوق التراضي بها، فلا تعرض في الآية لها نفيا و إثباتا، و اما احتمال اتصال الاستثناء في الآية بدعوى ان المنهي عنه هو مطلق أكل المال و المراد بالباطل هو الباطل الشرعي، فتكون التجارة عن تراض خارجة عن الأكل، فإنه لو لا إخراجها لدخلت فيه و المعنى لا تأكلوا أموالكم بينكم فان أكلها باطل شرعا الا ان يكون الأكل تجارة عن تراض كما عن السيد اليزدي و تبعه السيد الخوئي طال بقاه لا يمكن المساعدة عليه فان الباطل قيد للأكل كما

مقتضى دخول الجار عليه و تعلقه بالأكل، و ليس حكما على الأكل، و لو كان المراد بالباطل مع كونه قيدا للأكل، الباطل الشرعي، لكان الكلام لغوا بخلاف ارادة الباطل في اعتبار العرف و العقلاء، فإنه يكون مدلوله بمقتضى كون النهى عن المعاملة إرشادا إلى فسادها، ان أكل الأموال بالنحو الباطل عند العقلاء و اعتبار العرف باطل عند الشرع أيضا فلا يدخل فيه التجارة عن تراض فيكون الاستثناء منقطعا لا محالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 261

..........

______________________________

و ان كان استظهار بطلان عقد المكره مع لحوق الرضا به من مفهوم الوصف يعنى تقييد التجارة بكونها عن تراض، فلا دلالة للوصف على ذلك فان المراد من التجارة تجارة المالك و تجارته تكون غالبا برضاه و الوصف في مثل ذلك من موارد الإتيان به لرعاية الغلبة لا يوجب رفع اليد عن الإطلاق أو العموم المقتضى لثبوت الحكم لفاقد القيد أيضا.

و الحاصل القيد المزبور لا يكون موجبا لرفع اليد عن إطلاق أحل اللّه البيع و عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بل مقتضى مفهوم الوصف ان لا تكون التجارة على إطلاقها موجبة لجواز التملك، و اما كونها موجبة له مع القيد الآخر و لحوق الإجازة بها مثلا، فلا ينافيه الوصف على ما ذكرناه في بحث مفهوم الوصف من علم الأصول.

الوجه الثاني في الاستدلال على بطلان عقد المكره رأسا و عدم كونه قابلا للحوق الإجازة حديث رفع الإكراه، فإن مقتضاه ان لا يترتب على المعاملة المكره عليها أثر من حصول الملك و لو بعد لحوق الرضا و اجازة المالك. و أجاب المصنف (ره) عن ذلك أولا بان كون الإكراه رافعا معناه عدم ترتب الأحكام الإلزامية و المؤاخذية على الفعل المكره

عليه الثابتة له لولا الإكراه و كون المعاملة المكره عليها بحيث يحصل بها الملك بإجازة المالك، ليس من إلزام المكره بالفتح، و مؤاخذته، بل هذا من ثبوت الحق له، و إلزامه بإلغاء المعاملة أو إجازتها من تأخيره و تهاونه في اختيار أحدهما، ليس إلزاما عليه مترتبا على المعاملة المكره عليها لو لا الإكراه ليرتفع بحديث الرفع، بل هو اثر ثبوت الحق له، و قد فرض عدم ارتفاع هذا الحق بحديث الرفع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 262

اللهم الا أن يقال ان الإطلاقات (1)

______________________________

لا يقال المعاملة المزبورة موضوع لأثر إلزامي بالإضافة إلى الطرف الآخر فإنه لو اكره على بيع داره و باعها من زيد فالبيع المزبور على تقدير كونه قابلا للحوق الإجازة، لازم من ناحية المشتري كما هو مقتضى قوله عز من قائل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الجاري في حق المشترى المزبور حيث يجب عليه الوفاء به لتمام العقد من ناحيته، فيكون مقتضى حديث الرفع عدم ترتب الإلزام.

فإنه يقال نعم الوفاء بالعقد لازم على المشترى حتى يرضى المكره بالفتح أو يفسخ الا ان حديث رفع الإكراه لا يرفع هذا الإلزام، فإن مقتضاه رفع الإلزام عن المكره، لا رفعه عن طرفه المختار، كالمشتري في المثال.

و أجاب ثانيا بما ذكر في بحث البراءة من الأصول ان الحديث المزبور انما يوجب ارتفاع الآثار المجعولة للافعال مع قطع النظر عن العناوين الرافعة، و اما الآثار الثابتة لها بتلك العناوين، فلا يقتضي ارتفاعها، فان تلك العناوين موجبة لثبوتها فكيف ترتفع بطريان الإكراه، و السببية الناقصة يعنى حصول الملك بها بإجازة المالك أثر للمعاملة بوصف كونها مكره عليها فلا يرتفع.

(1) مراده انه يمكن ان يقال انه لا مجرى لحديث الرفع في

بيع المكره، و لا يكون الحكم ببطلانه مبنيا على رفع الإكراه، و ذلك فان مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ المستفاد منه كون البيع تمام السبب للنقل و الانتقال، مقيدة بالأدلة الأربعة الدالة على حرمة أكل أموال الناس بالباطل، و حرمة أكلها مع عدم التراضي، بالبيع المرضى به سابقا أو لاحقا، فيكون تمام السبب للحل هو البيع مع الرضا به سابقا أو لاحقا و من الظاهر ان البيع كذلك لا يتعلق به الإكراه لينتقى الحل بطريانه اما عدم إمكان تعلق الإكراه بالبيع المرضى به سابقا فظاهر، و اما المرضي به لا حقا فإن الإكراه يتعلق بنفس البيع، لا بالرضا اللاحق، و المفروض ان نفس البيع لا يكون سببا تاما للنقل و الانتقال.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 263

..........

______________________________

و الحاصل بعد فرض الرضا بالبيع سابقا أولا حقا يعمه قوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و بما ان المركب إذا كان موضوعا للنقل و الانتقال يكون بعض اجزائه سببا ناقصا، فهذه السببية الناقصة لا يعقل نفيها بحديث الرفع، فإنها ثابتة للبيع بوصف كونه مكرها عليه.

ثم انه لا يفرق في عدم كون نفس البيع سببا مستقلا بين الالتزام يكون الرضا اللاحق ناقلا أو كاشفا فان عدم كون نفس البيع سببا تاما للنقل و الانتقال على القول بالنقل ظاهر، و كذا على الكشف فإنه بناء عليه يكون السبب التام، هو البيع بوصف تعقبه بالرضا، فالإكراه يتعلق بنفس البيع لا بوصف تعقبه للرضا.

أقول ما ذكر (ره) من عدم جريان حديث رفع الإكراه في بيع المكره مبنى على ما تقدم من اعتبار الرضا القلبي و طيب النفس في صحة البيع فان بيع المكره بناء عليه من الأول غير داخل

في موضوع حل البيع إذا الموضوع لحله، البيع بتراضي المالك و طيب نفسه، و هذا الموضوع يتم بعد اجازة المالك و رضاه فيعمه عموم الحل و ما ذكر (ره) من ان السببية الناقصة، موضوعها، البيع بوصف كونه مكرها عليه، غير صحيح على مسلكه، فان تلك السببية ثابتة لنفس البيع، فالصحيح على ذلك المسلك في عدم ارتفاع هذه السببية بحديث رفع الإكراه هو القول بأنها ليست أثرا شرعيا، قابلا للرفع، بل هي حكم قهري يحصل بجعل السببية التامة للكل الذي لا يعمه حديث رفع الإكراه.

و لكن قد ذكرنا فيما تقدم ضعف المسلك المزبور، و ان المعتبر في المعاملات و هو التراضي المعاملي الحاصل بإنشاء المالك موجود في بيع المكره ايضا و الحكم بفساده انما هو لرفع الإكراه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 264

[وجوب الالتزام بالعقد على الطرف الآخر قبل فسخ المكره أو إجازته]

______________________________

و على ما ذكرنا فربما يقال بأنه إذا خرجت المعاملة المكره عليها عن عموم الحل و لوجوب الوفاء بالعقد فكيف يمكن التمسك بهما بعد لحوق الإجازة بتلك المعاملة فإن المقام من موارد التمسك باستصحاب حكم المخصص لا التمسك بالعموم و الإطلاق و لا يقاس المقام بإجازة بيع الفضولي، فإن ذلك البيع لم يكن داخلا في عموم حل البيع أو عموم وجوب الوفاء بالعقود، فان خطابهما متوجه الى الملاك و من حين الإجازة يستند البيع الى المالك فيعمان ذلك البيع و بتعبير آخر كان خروج بيع الفضولي عن عمومهما بالتخصص، لا بالتخصيص، و هذا بخلاف بيع المكره، فان بيعه باعتبار استناده الى المالك، كان خارجا عن عموم الخطابين بالتخصيص، و يتردد الأمر بين كون التخصيص إلى الأبد و بين كونه ما دام لم يلحق به الرضا، و لأجل ذلك لا يستلزم

صحة لبيع الفضولي بإجازة المالك صحة بيع المكره بلحوق الرضا فضلا عن كون الثاني أولى بالصحة.

و لكن لا يخفى ما في الفرق، فانا قد ذكرنا في الأصول صحة التمسك بالإطلاق و العموم عند الشك في الخارج من الفرد و كون خروجه إلى الأبد أو الى زمان، بلا فرق بين كون العموم و الإطلاق بالإضافة إلى الأزمان أفراديا أو استمراريا، و في المقام يؤخذ بعد لحوق الرضا بالمعاملة المكره عليها، بحلها و وجوب الوفاء بها، و لا تصل النوبة إلى استصحاب حكم المخصص، و تمام الكلام في بحث الأصول.

بقي في المقام شي ء و هو انه يستفاد من كلام المصنف (ره) انه يجب على الطرف الآخر الالتزام بالعقد قبل فسخ المكره أو إجازته، و ان العقد من ناحيته لازم و ذكر ان حديث رفع الإكراه إنما يرفع الأحكام الإلزامية التي تعد مؤاخذة عن المكره بالفتح، لا عن طرفه الآخر الذي لم يكن إكراه عليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 265

مقتضى الأصل و عدم حدوث حل مال الغير (1).

______________________________

و لكن لا يخفى عدم إمكان المساعدة عليه لما ذكرنا في أول البيع انه لا يمكن تبعض المعاملة في الصحة و الفساد بالإضافة إلى طرفيها بان يكون البيع صحيحا بالإضافة إلى المشترى و لا يصح بالإضافة إلى البائع فإن صحته بالإضافة إلى المشتري فرض لدخول المبيع الى ملكه و كيف لا يخرج معه الثمن الى ملك البائع و لو باع داره بالإكراه فكما لا يدخل المبيع الى ملك المشترى كذلك لا يدخل الثمن الى ملك البائع فيكون تصرف المشترى في الثمن المزبور قبل لحوق الإجازة من البائع المكره تصرفا في ملكه و نافذا.

و الحاصل إذا فرض ان

وجوب الوفاء بالعقد موضوعه العقد لا عن إكراه فما دام لم يتم هذا الموضوع لا يترتب عليه حكمه و هو لزوم الوفاء به، و عليه فالغاء المشترى قبوله قبل إجازة البائع المكره نظير إلغاء الموجب إيجابه قبل قبول المشترى يوجب ان لا يحصل عنوان العقد لا عن إكراه.

(1) أقول مقتضى استصحاب عدم حدوث ملكية الثمن و المثمن الى الطرفين الى زمان الإجازة هو النقل و اما حديث عدم حل مال الغير الا بطيب نفسه فظاهر المصنف (ره) ان مقتضاه ايضا النقل لانه يدل على عدم جواز التصرف في المال تكليفا الى زمان الإجازة و لكن لا يمكن المساعدة على ذلك فان عدم جواز التصرف تكليفا الى زمان الإجازة يجتمع مع الكشف الحكمي أيضا حيث ان التصرفات الواقعة قبل اجازة المالك كلها محكومة على الكشف الحكمي أيضا بعدم الجواز و اعتبار الملكية و جعل مبدئها من السابق بعد اجازة المالك لا يوجب خروج تلك التصرفات الواقعة قبل ذلك من الحرمة. تكليفا الى الجواز.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 266

الا ان الأقوى بحسب الأدلة النقلية (1) و ربما يدعى أن مقتضى الأصل (2)

______________________________

(1) يأتي استظهار الكشف من صحيحة ابى عبيدة الحذاء الواردة في نكاح الصغيرين الذين زوجهما غير وليهما و مات أحدهما بعد بلوغه و أجازته ثم أدرك الآخر فإن الحكم بثبوت الميراث للآخر مع أجازته و حلفه على إرادة إجازته لا يكون الا مع كون الإجازة كاشفة، بل لا يمكن في المورد المزبور الإجازة بنحو النقل، حيث ان حدوث علقة الزوجية بين الميت و الحي، لغو محض، و نظيرها في الدلالة صحيحة محمد بن قيس الواردة فيمن باع وليدة أبيه فضولا «1» حيث

ان سقوط عوض البضع عن مشتري الجارية الذي وطأها مع جهله بكون بائعها فضوليا، لا يكون الا مع الكشف و بما ان الفرق بين اجازة المالك في بيع الفضولي، و بين إجازته في بيع المكره، غير محتمل يثبت الكشف في المقام أيضا.

(2) أقول الظاهر صحة الدعوى فانا قد ذكرنا ان المعاملة بلحوق الإجازة بها تدخل في أدلة الإمضاء حيث يتم بالإجازة الموضوع للحلية و النفوذ و اللزوم و مقتضى ذلك ثبوت مدلولها شرعا بعدها.

نعم الكشف الحقيقي مخالف لظاهر تلك الأدلة لأن ظاهرها كون البيع لا عن إكراه، و العقد لا عن إكراه، هو الموضوع للحل و اللزوم، و معنى الكشف الحقيقي ثبوت هذه الأحكام قبل تمام الموضوع و اما الكشف الحكمي بأن يثبت بعد الإجازة الملكية التي مبدئها حين اعتبار العاقد فهو يناسب الأدلة فإن الإجازة تتعلق بمضمون العقد، و إمضاء الشارع العقد يتبع اجازة المالك.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (14) الباب (88) أبواب نكاح العبيد الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 267

..........

______________________________

و بعبارة أخرى بالإجازة يتم الموضوع لاعتبار الشارع الملك، و الملك يمكن جعل مبدأه الماضي، كما يمكن جعل مبدأه المستقبل، كما في الوصية التمليكية و لا يجب اتحاد زمان الاعتبار مع زمان المعتبر، بل يمكن التفكيك بينهما بحسب الحال و الماضي كما وقع التفكيك بينهما بحسب الحال و المستقبل، فان الاعتبار مع المعتبر من قبيل الإيجاب و الوجوب، لا من الإيجاد و الوجود.

لا يقال ليس مدلول العقد الملك من حين العقد لتكون اجازة المالك إثباتا لذلك المدلول و يتبعه إمضاء الشارع.

فإنه يقال الملكية التي تكون منشأة بالعقد لا يمكن كونها مهملة من جهة مبدئها في اعتبار العاقد، فان العاقد يعتبر في

إنشائه الملكية للطرف من حين فعلية ما يأخذه قيدا لها، كحصول القبول، أو القبض، أو غير ذلك.

لا يقال كيف يكون مبدء الملكية المعتبرة في البيع مثلا حين تمام العقد، مع انهم ذكروا عدم دلالة الإنشاء على الزمان.

فإنه يقال عدم دلالة إيجاب البيع على الزمان مثلا لا ينافي الدلالة عليه بدال آخر و هو في المقام عدم إمكان الإهمال في الملك المجعول من جهة المبدء و اما تنظير المصنف (ره) الإجازة بالفسخ فهو غير صحيح فان الفسخ يقابل الإمضاء، فامضائه عبارة إقرار العقد و عدم قطع استمراره، كما يفعله ذو الخيار، كما ان فسخه إزالته و قطع استمراره و هذا بخلاف الإجازة فإنها تقابل رد العقد، كما في المالك المجيز حيث انه يرد البيع تارة، و يجيزه أخرى، و حيث ان رده عبارة عن إلغائه من الأول، فيكون أجازته إقرارا له من الأول، و هو المراد بالكشف الحكمي، و يأتي توضيحه في بيع الفضولى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 268

[بيع الفضولي]
اشارة

فعقد الفضولي لا يصح (1)

______________________________

بقي في المقام أمر و هو أنه هل يكفي في صحة بيع المكره مجرد لحوق رضاه به باطنا أو لا يكفى بل يعتبر إظهار رضاه بذلك البيع المعبر عن ذلك بالإجازة، و لا يبعد اعتبار الثاني و ذلك لان البيع حال حدوثه كان مستندا إلى إكراه المالك فلا بد في شمول دليل الإمضاء من ان يستند بقاء الى المالك لا عن إكراه عليه، و لم يحرز تحقق الاسناد كذلك بمجرد لحوق الرضا باطنا.

نعم لو كان هذا الرضا من الأول بحيث كان داعي المالك الى إنشائه رضاه به، لم يكن ذلك البيع شمولا لدليل رفع الإكراه، كما تقدم، و لكن

بعد إنشائه بداعي الإكراه لا يحرز خروجه عن كونه بيعا مكرها عليه، الا بإظهار الرضا به، و كان الإجازة في اعتبار العقلاء إلغاء لذلك الاسناد الحاصل من قبل، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) ذكروا من شرائط المتعاقدين كونهما مالكين أو مأذونين منهما كما في موارد الوكالة أو من الشارع كما في موارد الولاية فلا يصح بيع الفضولي، يعني لا يترتب عليه ما يترتب على بيع المالك أو المأذون، لا انه يكون لغوا بحيث لا يفيد لحوق الإجازة به و لذا ذكر العلامة في القواعد ان من شرط البيع كون العاقد مالكا، أو مأذونا و فرع عليه وقوف بيع الفضولي على الإجازة فإن التفريع المزبور ظاهر فيما ذكرنا فما ذكره في جامع المقاصد من الاعتراض على عبارة القواعد، من ان تفريع وقوف بيع الفضولي على الإجازة على اشتراط الملك، غير صحيح- في غير محله.

ثم ان الفضولي وصف للعاقد، و المراد به من لا يكون مالكا للتصرف سواء كان مالكا للمال، كما في مثال بيع الراهن و السفيه و العبد، أم لا، و قد يوصف به

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 269

..........

______________________________

العقد و لعله تسامح من باب توصيف الشي ء بوصف متعلقة و كيف كان فلا خلاف عندهم في بطلان الإيقاع فضولا و عدم صحته بلحوق الإجازة أصلا و قد يقال ان البطلان في الإيقاعات على القاعدة، و لا يقاس أمرها بالعقود، و ذلك فان العقود بما انها من فعل اثنين يعتبر لها بقاء، و لذا يتعلق بها الفسخ، مع انه حل للعقد في جهة بقائه كما تقدم، و عليه فبإجازة المالك يتم تمام الموضوع لوجوب الوفاء بها، و اما الإيقاع فإنه فعل واحد

فيعتبر امرا آنيا، فان حصل ممن له سلطنة على ذلك الأمر، فهو، و الا فلا يحصل ذلك الأمر أصلا و لا يخفى ان ما ذكر لا يخرج عن حدود الدعوى المحضة، فإنه كيف يمكن الالتزام ببقاء العقد اعتبارا دون الإيقاع مع انه لو لم يكن للإيقاع بقاء فكيف يجوز للزوج في الطلاق الرجعي إلغاء طلاقه، فان الرجوع في الطلاق كالرجوع في الهبة إلغاء.

نعم لو صح ان الصحة في العقود على خلاف القاعدة و الالتزام بها للروايات الخاصة لأمكن ان يقال ان النصوص كلها واردة في العقود، و لا تعم الإيقاعات، و لكن يلزم على ذلك الاقتصار في الحكم بالصحة، بالعقود التي وردت الروايات في موردها.

و الحاصل انه يبقى في التفرقة بين العقود و الإيقاعات مجرد دعوى الإجماع كما لا يخفى.

ثم ان المصنف (ره) قد تعرض أولا لكون مجرد رضا المالك بحصول العقد دون إظهاره ذلك و اذنه فيه غير موجب لخروج العقد عن الفضولية موضوعا أو حكما بان لا يحتاج ذلك العقد في تمامه الى لحوق الإجازة به، و ذكر في وجه عدم الخروج ان مجرد رضا المالك و حتى العلم به، لا يوجب كون العاقد مالكا للتصرف و يظهر ذلك من كلماتهم، حيث اعتبروا كون العاقد مالكا أو وكيلا أو وليا، و مجرد رضا المالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 270

..........

______________________________

لا يوجب حصول شي ء من هذه العناوين و كذا يظهر من ذكر رواية عروة البارقي دليلا على تمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة، مع فرض تحقق رضا المالك في موردها.

و استقرب في آخر كلامه، خروجه بالرضا المزبور عن عقد الفضولي حتى فيما إذا لم يظهر المالك رضاه، فيجب على المالك بينه

و بين ربه الوفاء بالعقد، و استدل على ذلك بإطلاق حل التجارة عن تراض، و عموم وجوب الوفاء بالعقد، و بحديث لا يحل مال امرء مسلم الا بطيبة نفسه، حيث ان مقتضاه، حل مال الغير و جواز تملكه برضا المالك و طيب نفسه، و بما دل على ان سكوت المولى على نكاح العبد مع علمه به، إمضاء و رضاء به و بما يظهر من رواية عروة البارقي، من تمام البيع و جواز ترتيب الآثار عليه بمجرد إحراز رضا المالك، كما هو مقتضى اقباض العروة أحد الشاتين من المشترى و أخذ الدينار منه فإنه لا يجوز في بيع الفضولي للعاقد القبض و الإقباض و تقرير النبي صلّى اللّه عليه و آله للعروة شاهد لجواز فعله أضف الى ذلك ظاهر كلمات بعض الأصحاب من ان الوجه في عدم تمام بيع الفضولي و وقوفه على اجازة المالك فقد رضاه فان مقتضى ذلك عدم احتياجه إلى الإجازة فيما كان مقارنا لرضا المالك، بل لو فرض إطلاق عقد الفضولي عليه فلا دليل على احتياج كل عقد فضولي إلى الإجازة مع ان علم المالك بحصول العقد و رضاه به و بقاء هذا الرضا الى ما بعد و لو آنا ما اجازة للعقد المزبور.

أقول- ما ذكره قده لخروج عقد الأجنبي بمقارنة رضا المالك عن الفضولية من الوجوه ضعيف اما التمسك بعموم وجوب الوفاء بالعقد أو إطلاق التجارة عن تراض فان مدلولهما بمناسبة الحكم و الموضوع وجوب وفاء كل بعقده و جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 271

..........

______________________________

الأكل بتجارته و لا يكون عقد الأجنبي عقد المالك و تجارته بمجرد الرضا باطنا، بل لا بد في إضافة العقد و التجارة

إليه، من إنشاء رضاه و إمضائه و اما حديث عدم الحل فمفاده دخالة رضا المالك و طيب نفسه في حل ماله للغير، و ان الحل لا يكون بدونه، و اما ان الطيب و الرضا تمام الموضوع للحل فلا، لا حظ قوله عليه السّلام لا صلاة إلا بطهور، فان مقتضاه عدم حصول الصلاة بدون الطهارة، لا ان الطهارة تمام ما يحصل بها الصلاة.

و بما ذكر يظهر الجواب عن الاستدلال لكفاية الرضا باطنا بقوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم لا تشترها الا برضا أهلها) «1» حيث ان مدلولها دخالة رضا المالك في نفوذ الشراء، و اما انه يكفى مجرد الرضا فيه، فلا هذا مع احتمال ان يراد بالرضا إبرازه كما لا يخفى.

و اما ما دل على ان سكوت المولى على نكاح العبد إقرار و رضاء به، فلا يدل على ما ذكر، فان كون العقد فضوليا تارة باعتبار عدم رضا من يعتبر رضاه في ذلك العقد، لا لفقد استناده الى المالك، كما في نكاح الرشيدة الباكرة، فإنها هي التي تجعل نفسها زوجة للآخر غاية الأمر يعتبر في هذا الجعل رضا أبيها أو جدها ففي مثل ذلك يتم العقد بمقارنة الرضا أو لحوقه.

و من هذا القبيل نكاح العبد و لحوق رضا مولاه به، و هذا بخلاف ما إذا كان فضوليا باعتبار عدم استناد العقد الى المالك كما في بيع الأجنبي مال شخص من آخر حيث ان رضا المالك واقعا ما دام لم يكن إظهار و إمضاء لا يوجب استناد العقد اليه.

و مما ذكرنا يظهران ما ذكره (قده) من ان بقاء رضا المالك الى ما بعد العقود

______________________________

(1) الوسائل- الجزء (12) الباب (1) من أبواب عقد البيع الحديث

(3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 272

..........

______________________________

و لو آنا ما اجازة له مدفوع بان الرضا الواقعي ما لم يكن إظهار من المالك لا يكون مصححا للاستناد حتى ما لو بقي إلى الأبد و قد يقال كما عن بعض الأجلة (دامت شوكته) بأنه لا يعتبر في صحة البيع و غيره من العقود الانتساب بالمعنى المذكور بان يكون العقد عقد المالك و بيعه و كون المراد بقوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) أوفوا بعقودكم أو كان الأكل بتجارتكم غير صحيح فإنه كيف يكون البيع الصادر عن الغير بيعا للمالك بالإجازة مع ان الإجازة مفهومها العرفي تنفيذ للفعل الصادر عن الغير فهي بنفسها تدفع انتساب الفعل الى المجيز بل الأمر في موارد الوكالة و الاذن السابق كذلك، فان البيع لا يكون منتسبا الى الموكل و الاذن حقيقة و لذا لو سئل الموكل عن انك بعت دارك فيقول لا بل باعها وكيلي و من الظاهر ان الأحكام الواردة في الخطابات على العناوين ظاهرها ثبوت تلك الأحكام على إفرادها الحقيقة.

و الحاصل انه لا يعتبر في صحة البيع أو نحوه من العقود الا كونه مع اذن المالك أو رضاه أو إجازته و لو لم ينتسب ذلك البيع الى المالك و قد تقدم بيان المراد بالتجارة عن تراض ان مقتضى مقابلتها بالأكل بالباطل اعتبار كونها أكلا بحق لا لخصوصية لصدورها عن تراض و كون التجارة أكلا بحق يعم البيع الفضولي مع لحوق الإجازة به أو تقارنه برضا المالك انتهى.

أقول الجواب عما ذكر تارة بالنقض و أخرى بالحل.

اما الأول فإن القول المزبور يستلزم محاذير و لا أظن الالتزام بها.

منها ما إذا أخبر المحرم بأن الأجنبي

قد اجرى في حقه نكاحا و انه قد زوج بنت فلان منه و ان له ان يجيزه و ذلك المحرم قد أخر إجازته الى ما بعد إحرامه مع فرحته و ابتهاجه باطنا من سماع الخبر فلا بد من ان يلتزم بان البنت المزبور قد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 273

..........

______________________________

حرمت عليه مؤبدا فإن فرحته بالنكاح المزبور قلبا موجب لتحقق النكاح فيعمه قوله عليه السّلام (من تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما و لا تحل له ابدا).

و منها انه لو أنشأ إيجاب البيع أو قبوله وكيله في مجرد إنشاء بيع الحيوان أو غيره فلا يكون له خيار المجلس و لا خيار الحيوان لأن البائع أو المشتري حقيقة هو الوكيل و قد ذكر في الروايات ان البيعان بالخيار ما لم يفترقا و ان مشتري الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام و الموكل لا يكون بايعا و لا مشتريا في الحقيقة.

و منها انه لو أخذ أظافير المحرم باستدعاء من المحرم أو حلق رأسه كذلك فلا بد من ان يلتزم بان المحرم لم يفعل حراما و ليس عليه شي ء لأن قوله عليه السّلام من قلم أظافيره في إحرامه أو أخذ شعره لا ينطبق على المحرم فان التقليم في الفرض فعل غير المحرم الى غير ذلك و اما الحل فلان أجازته و ان تتعلق بفعل الغير و عقده الا انه عقد الغير و بيعه مع قطع النظر عن الإجازة و ينتسب الى المجيز بإجازته و هذا الانتساب و لو كان اعتباريا الا ان الخطابات الشرعية قد يكون بمناسبة الحكم و الموضوع ناظرة إلى بيان الحكم بهذا الانتساب و يجرى ذلك حتى في الأفعال الخارجية كقوله من بنى

مسجدا بنى اللّه له بيتا في الجنة و الدعوى ان هذا الانتساب لا يعتبر و لا يصححه مجرد الرضا الباطني من المالك بل لا بد من إبرازه و إنشائه بالإذن أو بالإجازة فتدبر.

و اما رواية عروة البارقي فالظاهر ان شراء الشاتين لا يكون من شراء الفضولي حيث ان توكيل النبي صلّى اللّه عليه و آله في شراء شاة بدينار بفحواه توكيل و اذن في شراء الزائد عن الواحدة بالمبلغ المزبور و اما بيعه واحدة منهما بدينار فلا بعد في كونه بيعا فضوليا يحتاج إلى الإجازة و لكن يجوز معه القبض و الإقباض فإن عدم جوازهما من الفضولي باعتبار كونهما تصرف خارجي في مال الغير و مع إحراز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 274

و اما القول بان البيع الذي يعلم بتعقبه (1).

لكن الظاهر أول الوجهين (2).

______________________________

رضا المالك بهما فلا حرمة بل قد يكون اجازة العقد بعد ذلك اجازة لذلك القبض أو الإقباض كما لا يخفى.

(1) يعنى ان يقال بأن الإجازة معتبرة على نحو الكشف الحقيقي، و حيث كان عروة عالما بحصولها و تعقب العقد بها وقع منه القبض و الإقباض باعتبار إحرازه انتقال المالين و كون الشاة ملكا للمشتري و الدينار ملكا للنبي صلّى اللّه عليه و آله واقعا لكن اعتبار الإجازة بنحو الكشف الحقيقي ضعيف جدا كما سيأتي.

أقول- و أضعف منه احتمال كون عروة معتقدا لاعتبار الإجازة في عقد الفضولي بهذا النحو.

(2) المراد أول الوجهين الأخيرين و هو كون هذا النحو من العقد المقرون برضا المالك خارجا عن الفضولي و المراد برضا المالك الأعم الشامل لرضاه التقديري أي بحيث لو التفت الى العقد لرضى به.

أقول لم يظهر جهة ظهور هذا الوجه

مع قوة احتمال كون بيعه احدى الشاتين فضوليا و حصول القبض و الإقباض باعتبار علمه برضا النبي (ص) و اطلاع المشترى بحال المعاملة و هذا هو الوجه الرابع في كلام المصنف (ره) و اما ما ذكره (ره) من ان الظاهر وقوع معاملة إحدى الشاتين على وجه المعاطاة فعجيب فإنه ان أراد حصول المعاطاة بإقباض عروة الشاة و أخذه الدينار و ان هذا القبض و الإقباض كان بعنوان المعاملة المعاطاتية و لم يكن في البين إيجاب و قبول لفظا فلا سبيل لنا إلى إحراز ذلك و ان أراد أن وصول الشاة إلى المشتري المزبور بإقباض عروة و وصول

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 275

[الاستدلال على صحة عقد الفضولي]
اشارة

قال في الدروس و فيها دلالة (1).

و لا يرد عليها شي ء مما يوهن الاستدلال (2).

______________________________

الدينار إلى النبي (ص ع) مع تراضيهما محقق للمعاطاة فليس في البين بيع فضولي ليحتاج إلى الإجازة ففيه أولا أنه يعتبر في حصول المعاطاة من إنشاء الملك بالقبض و لا يكفى مجرد وصول المالين كما مر في بحث المعاطاة.

و ثانيا نفرض كفاية ذلك في حصولها و لكن المعاطاة لا يصحح اقباض عروة و قبضه حيث أنهما من التصرف في مال الغير بلا رضاه.

ثالثا ان قول النبي (ص ع) بارك اللّه في صفقة يمينك ظاهره حصول المعاملة من العروة لا أنه كان مجرد واسطة في وصول المالين الى الطرفين.

(1) اما دلالتها على صحة بيع الفضولي فلان المفروض فيها وقوع البيع على مال الغير و قد حكم بتمام ذلك البيع بإجازة المالك و اما دلالتها على اعتبار الإجازة بنحو الكشف فإنه مقتضى استحقاق المشترى استرداد الغلام و سقوط قيمته عن عهدته إذ لو كانت الإجازة معتبرة

بنحو النقل لم يكن وجه لسقوطها حيث ان قيمة الولد تدارك لمنفعة البضع التي أتلفها المشترى على المالك و لا يعتبر هذه المنفعة ملكا للمشتري على مسلك النقل حتى لم يكن عليه ضمانها كما لا يخفى.

(2) قيل لا يمكن الحكم لأب البائع باستحقاقه الوليدة و ابنها بمجرد دعوى ملكها و بعدم اذنه لابنه في بيعها بل يحتاج الدعوى إلى الإثبات فإنها على خلاف مقتضى يد البائع عليها و فيه أنه ليس في الرواية عدم إثباته دعواه و أنه كان حكم على عليه السّلام بأخذه الوليدة و ابنها بمجرد الدعوى كما ان حكمه عليه السلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 276

فإنها لا تزيد على الاشعار (1)

______________________________

بإمساك الولد يمكن كونه لحبسه على قيمته.

و ما ذكره المصنف (ره) من ظهور الرواية في كون الإجازة فيها مسبوقة بالرد ايضا لا يمكن المساعدة عليه فان- المخاصمة و دعوى أن الوليدة ملك له فعلا لوقوع البيع عليها بغير اذنه و أنه يريد أخذها من مشتريها- لا تكون قرينة على (رد) البيع و إلغائه بالقول أو الفعل بل غايتها أنه لا يجزيه فعلا و كذا إطلاق حكم الامام عليه السّلام فإنه باعتبار عدم حصول الإجازة و لا يلزم من ذلك إنشاء الرد و إلغاء العقد الواقع.

و بعبارة أخرى حكم الامام عليه السّلام بأخذه الوليدة و ابنها باعتبار عدم تمام المعاملة فعلا لا لإلغاء إنشائها.

و بهذا يظهر أن أخذ أب البائع و إمساكه الوليدة و ابنها لا يكشف الا عن عدم إمضائه المعاملة فعلا لا عن إلغائها قولا أو فعلا من أولها كما هو المراد بردها و عدم اجازة المالك فعلا كاف في إلحاح المشترى على الامام عليه السّلام

و مناشدته في خلاص الابن و أمه.

و المتحصل ان ما ذكر السيد اليزدي (ره) من أن الصحيحة تدل على نفوذ الإجازة حتى بعد رد المالك المعاملة برد فعلى و انه يمكن الالتزام بذلك فإن الإجماع على عدم نفوذ الإجازة بعد الرد دليل لبى و المتيقن منه عدم نفوذها بعد الرد القولي- لا يمكن المساعدة عليه لما ذكر من عدم الدلالة في الرواية على حصول الرد من مالك الجارية فعلا أو قولا فلاحظ.

(1) و الوجه في ذلك ان الحكم المذكور في الرواية حكم الواقعة خاصة لا إطلاق في الحكم المزبور و لا عموم و لو لم يكن في الرواية فرض سبق الرد لكان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 277

..........

______________________________

التعدي منها إلى سائر مواردها اجازة بيع الفضولي متعينا باعتبار عدم احتمال الخصوصية في المفروض فيها و لكن ظاهرها لحوق الإجازة بالبيع بعد رده و الحكم بنفوذ الإجازة في الفرض يتعين توجيهه بمثل أن الأب كان كاذبا في نفيه الاذن في بيع ابنه فقول على عليه السّلام للمشتري خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع تعليم حيلة له حتى يصل الى حقه الواقعي.

و الحاصل ان الإجازة في فرض الرواية ليست مصححة للبيع واقعا ليمكن التعدي منها.

نعم تعليق نفوذ البيع المزبور على إجازة الأب في قوله عليه السّلام (حتى ينفذ لك البيع) من تعليق الحكم على الوصف و فيه اشعار بكون اجازة المالك مصححة للمعاملة الواقعة على ماله فضولا.

أقول- قد ظهر مما ذكرنا عدم المجال لما ذكره المصنف (ره) من انه ان كان النظر في الاستدلال على صحة بيع الفضولي بلحوق الإجازة إلى نفس القضية الشخصية فالإجازة فيها باعتبار كونه مسبوقا بالرد لا يفيد صحة العقد

و لا بد من توجيه الحكم فيها بأن البائع كان كاذبا في دعواه فعلم الامام عليه السّلام للمشتري حيلة حتى تصل بها الى حقه الواقعي و لا يمكن استفادة الحكم في البيوع الفضولية بلحوق الإجازة بها.

و اما إذا كان النظر الى قوله عليه السّلام للمشتري (خذ ابنه حتى ينفذ لك البيع) و قول ابي جعفر عليه السّلام في مقام الحكاية (فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز البيع) فيمكن استفادة الحكم في سائر البيوع الفضولية و انها تتم بلحوق الإجازة بها.

و الوجه في عدم المجال انه لم يذكر في الجواب حكم لمطلق بيع الفضولي ليؤخذ بإطلاقه و يقال ان تطبيق ذلك الحكم الكلى على المفروض في السؤال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 278

..........

______________________________

مع كونه غير مورده باعتبار تعليم الحيلة لوصول المشترى الى حقه.

بل الجواب حكم لخصوص الواقعة المفروضة التي لا يصححها الإجازة و لا تفيد فيها شيئا فكيف يمكن استفادة الحكم في سائر البيوع الفضولية الا بالاشعار الذي ذكرنا خروجه عن قسم الدلالات.

ثم ان في الرواية من جهة فقهها إشكالين سواء قيل باستفادة حكم بيع الفضولي بلحوق الإجازة منها أولا.

الأول- انه كيف حكم سلام اللّه عليها بان السيد الأول يأخذ ابن الوليدة مع ان الولد المزبور حر لا يدخل في الملك و الوجه في كونه حرا قول المشترى (لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني) و انه لو كان المشترى عالما بان بيع الوليدة فضولي لكان الولد باعتبار كونه من زنا رقا لسيد الوليدة و لما كان اعتنائه عليه السّلام بمناشدة المشترى و الحاحه مناسبا بل الأنسب ان يجرى عليه الحد باعتبار كونه زانيا.

و الحاصل انه لا موجب لأخذ الولد الحر حتى مع

فرض امتناع المشترى عن دفع قيمته و لو فرض جواز حبس الولد لقيمته لكان المتعين ان يحكم بأخذ الولد و لكن معلقا على امتناع المشترى عن دفع قيمته لا مطلقا.

و الثاني- انه كيف حكم للمشتري بأنه يأخذ البائع الابن و- ما قيل من ان أخذه لحبسه على استرداد ما أخذه من المشترى بعنوان ثمن الوليدة حيث ان المديون الممتنع يحبس لدينه- يدفعه قوله عليه السّلام: أخذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع فإنه على الاحتمال المزبور يلزم ان يحكم خذ ابنه حتى يسترد هو الثمن الذي أخذ منك أو يغرم أبوه ذلك الثمن لا ان يجعل غاية الأخذ إنفاذ البيع.

و لكن لا يخفى ان عجزنا عن فهم هذا الأمرين لا يضر بالاستدلال بها على ان بيع الفضولي يتم بلحوق الإجازة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 279

و ربما يستدل ايضا بفحوى صحة عقد النكاح (1).

______________________________

(1) و يستدل على صحة بيع الفضولي و تمامه بإجازة المالك بفحوى ما ورد في تمام النكاح فضولا بلحوق الإجازة به كما إذا زوج الصغير غير وليه فأجاز النكاح بعد بلوغه أو تزوج العبد بغير اذن مولاه فاجازه المولى فإن صحة النكاح بلحوق الإجازة به مع ما فيه من الاهتمام من كونه تحليل فرج و تمليك بضع أي إنشاء حق الاستمتاع و يكون منه الولد يستلزم صحة بيع الفضولي بلحوق الإجازة به بالأولوية.

و أشار الى هذا الفحوى في غاية المراد و استدل بها في الرياض و ذكر انه لولاها لكان الحكم بصحة بيع الفضولي بلحوق الإجازة به مشكلا من جهة الإجماعات المنقولة على بطلان البيع المزبور.

و كيف كان فقد ذكر المصنف (ره) ان هذه الفحوى حسن الا

انه ربما يضعفها ما ورد في رد العامة في مسألة تصرف الوكيل قبل بلوغ عزله إليه فإن العامة قالوا ان تصرف الوكيل في النكاح قبل بلوغ عزله اليه باطل لبطلان الوكالة فيه بالعزل واقعا بخلاف تصرف الوكيل في المعاوضة المالية فإنه محكوم بالصحة حيث لا يبطل وكالته فيها الا ببلوغ العزل و عللوا الفرق بان المال له عوض فلا مانع من نفوذ التصرف فيه، بخلاف النكاح فإنه لا عوض فيه بان تقع المعاوضة بين البضع و المال، فيقتصر في ثبوت ملك البضع على الأقل، و قد تصدي الإمام عليه السلام في معتبرة علاء بن سيابة لإنكار هذا التفصيل (و أنه ما أجوره و أفسده فإن النكاح اولى بالاحتياط فيه فإنه يكون منه الولد) و المستفاد من رده سلام اللّه عليه ان الحكم بالصحة في البيع يستلزم الحكم بها في النكاح بالأولوية دون العكس و على ذلك فما ورد في صحة نكاح الفضولي بلحوق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 280

..........

______________________________

الإجازة به لا يدل على الصحة في البيع الفضولي بالفحوى.

ثم تعرض (ره) لما يستفاد من الرواية من كون الحكم بصحة نكاح الوكيل قبل بلوغ عزله اليه احتياطا مع ان في دوران المرأة بين كونها زوجة أو أجنبية لا يكون ترتيب آثار الزوجية من الاحتياط كما انه لا يكون ترتيب آثار الملك في مورد دوران المال بين كونه ملكه لصحة البيع و ملك غيره لفساد البيع من الاحتياط و وجه (ره) ذلك بان المراد منه الاحتياط بالإضافة أي ما يكون محذور مخالفة الواقع فيه أخف لا الاحتياط المطلق، يعنى التحفظ على الواقع على كل تقدير و ذلك فان الحكم ببطلان النكاح في مورد تردده

بين الصحة و الفساد قد يكون تفريقا بين الزوجين فيتزوج الزوجة من آخر فيحصل الزنا بذات البعل بخلاف ما إذا حكم بالصحة فإنه على تقدير عدم ثبوت الزوجية واقعا يكون الوطي بالشبهة بغير ذات البعل و هذا أهون من الأول.

أقول: لا يخفى ان حكم العامة بصحة البيع لم يكن للاحتياط ليكون قوله عليه السّلام (فان النكاح اولى و أجدر أن يحتاط فيه لانه الفرج) ناظرا الى ان الاحتياط في النكاح يحصل بالحكم بصحته في مورد دورانه بين الصحة و الفساد، فان لازم ما ذكر البناء على صحة النكاح و رفع اليد عن أصالة الفساد في كل مورد تردد النكاح بين الصحة و الفساد حيث يكون البناء عليها أخف محذورا من البناء على الفساد و عدم ثبوت الزواج و لا أظن أحدا يلتزم بذلك مع ان المورد ليس من دوران الأمر بين المحذورين حتى لا يمكن فيه الاحتياط المطلق و التحفظ على الواقع على كل تقدير فان مقتضى كون النكاح فرجا يحتاط فيه لزوم إيقاع الطلاق أو تجديد العقد عند الشك في العقد السابق.

و الظاهر بقرينة حكاية الوجه الاستحسانى المنقول عن العامة في حكمهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 281

و يحصل الزنا بذات البعل (1)

______________________________

ببطلان النكاح و صحة البيع و بقرينة نقل الامام عليه السّلام قول على عليه السّلام في مسألة نكاح الوكيل قبل عزله اليه ان مراده عليه السّلام بالاحتياط في الصحيحة هو طرح الوجه الاستحسانى المزبور و الأخذ بقول على عليه السّلام حيث ان قوله عليه السّلام لا يقصر عن قول ابن عباس و عبد اللّه بن عمر و غيرهما مما يأخذون به و يرفعون به اليد عن الوجوه الاستحسانية.

و

بعبارة أخرى الحكم بصحة النكاح في مسألة عزل الوكيل احتياط من جهة طرح الاستحسان فيها و الأخذ بقول على عليه السّلام فلا تمنع ذلك عن الفحوى المتقدمة.

اللهم الا ان يقال بمنع الفحوى فإن- أهمية النكاح و ترغيب الشارع الناس اليه لقوام العالم بالتوالد و التناسل الموقوف عليه مع النهى عن مقابله يعنى الزنا و السفاح- يقتضي التوسعة في سببه حتى لا يكون ضيق السبب حائلا بين الناس و الوصول اليه.

و هذا بخلاف البيع و الشراء فان لتحصيل المال أسباب أخرى كالمصالحة و الهبة المعوضة و غير ذلك و عليه فلو حكم الشارع بصحة النكاح فضولا بلحوق الإجازة فيحتمل كون ذلك للتوسعة في السبب في خصوص النكاح و لا يمكن مع هذا الاحتمال التعدي إلى البيع.

(1) هذا فيما إذا أحرز المرأة أو زوجها الثاني صحة النكاح السابق أو تردده عندهم بين الصحة و الفساد من غير معين للفساد أو الصحة و الا فلا يتحقق عنوان الزنا كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 282

[الروايات الواردة في المضاربة]

وعد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنص (1)

______________________________

(1) يعنى مقتضى القاعدة الأولية ان لا يكون لبيع الفضولي صحة فعلية بدون اجازة المالك و يستثني من ذلك ما يكون من العامل في المضاربة كما إذا اشترط عليه في المضاربة شراء جنس فخالف و اشترى جنسا آخر فان هذا الشراء و لو مع ظهور الربح فضولي و لكن محكوم بالصحة الفعلية حتى مع عدم اجازة المالك و ذلك استيناس لحكم بيع الفضولي حيث يظهر منه انه لا يعتبر في صحة بعض البيوع الاذن السابق.

أقول- لا يرتبط هذه الاخبار بحكم بيع الفضولي و لا استيناس فيها و ذلك فان شراء العامل

الجنس الآخر و صحة ذلك الشراء بظهور الربح حتى مع عدم لحوق اجازة المالك لا يوجب أنسا لبيع الفضولي الذي يكون مصححه لحوق الإجازة به بل في هذه الاخبار استيناس للموارد التي يكون التصرف فيها في مال الغير نافذا بلا اذن ذلك الغير أو إجازته كنفوذ التصدق بالمال المجهول مالكه و كبيع الوكيل قيل بلوغ عزله اليه.

و لو قيل بدلالة الاخبار على نفوذ شراء العامل مع ظهور الربح باعتبار لحوق اجازة المالك حيث ان المالك مع ظهور الربح يرضى بمعاملة العامل عادة، و إظهار هذا الرضا و لو بمطالبة الربح اجازة فلا يرتبط ايضا مدلولها بصحة الفضولي بإجازة المالك، فان مقتضى صحة البيع و الشراء فضولا انتقال تمام الربح الى المالك بل و لا يستحق العامل المزبور في الفرض حتى اجرة المثل باعتبار وقوع عمله بلا أمر المالك و اذنه.

و قد يقال في توجيه هذه الاخبار و تطبيق مدلولها على القواعد وجهان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 283

..........

______________________________

الأول- ما عن الإيرواني (ره) من ان اشتراط المالك على العامل جنسا أو عدم إخراج المال الى بلد أو بيع المال نقدا و غير ذلك يكون باعتقاد المالك دخالة هذه الأمور في الربح و كان المالك اشترط على العامل المعاملة التي فيها ربح فيكون الشراء المزبور داخلا في المضاربة و يستحق العامل الحصة المعينة له من الربح.

أقول اعتقاد المالك دخالة أمر في حصول الربح و اشتراطه على العامل لا يكون من اشتراط المعاملة التي فيها ربح، و لذا لو اشترى الوكيل ما عينه موكله و لم يحصل الربح كان شرائه نافذا و لو اشترى غير ما عينه كما إذا وكله في شراء حيوان و اشترى

الكتاب و كان الربح في شراء الكتاب دون الحيوان كان الشراء فضوليا، و إذا وكلته الزوجة في تزويجها من زيد فزوجها الوكيل من عمرو باعتبار كون عمرو أصبح وجها و املى مالا لا يمكن الالتزام بلزوم هذا التزويج على المرأة و السر في ذلك ان الاعتقاد بدخالة شي ء في حصول الربح يكون داعيا الى اشتراط ذلك الشي ء و تخلف الداعي و عدم صواب الاعتقاد لا يسقط الاشتراط، هذا أولا.

و ثانيا لم يفرض في الرواية ان المال الذي شرط المالك على العامل شرائه لم يكن فيه ربح أو كان أقل ربحا مما اشترى العامل ليقال بان صحة شراء العامل مقتضى اشتراط المعاملة التي فيها ربح أو ما يكون ربحه أكثر.

و ثالثا ربما لا يكون غرض المالك مجرد انماء المال حتى لو كان في انمائه وقيعة عرفية كما في اتجار عامله مع الكفار، أو بشراء ما فيه حضاضة عرفية بل قد يكون غرضه الإنماء بتجارة لا تكون فيها هذه الوقيعة و لو كانت ربحها أقل. الثاني كما عن السيد اليزدي (ره) و أوضحه بعض الأجلاء (دامت شوكته) ان هذه الروايات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 284

..........

______________________________

بعضها ظاهرة في موافقة القاعدة كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سألته عن رجل يعطى المال مضاربة و ينهى عن يخرج فخرج قال يضمن المال و الربح بينهما «1» و بعضها الأخرى محمولة على موافقتها كصحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل دفع الى رجل ما لا ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشترى به غير الذي أمره قال هو ضامن و الربح بينهما على ما شرط «2» و بيان ذلك

ان شرط عدم الخروج الى بلد فلان، في الصحيحة الأولى شرط خارج عن أصل المضاربة التي مقتضاها الشركة في الربح و الاشتراط المزبور، مقتضاه ضمان العامل لرأس المال على تقدير مخالفة الشرط و ليس في ذلك أمر مخالف لمقتضى المضاربة و لا مقتضى الاشتراط و يحمل الصحيحة الثانية على صورة اشتراط شراء ضرب من المتاع بنحو يكون زائدا على أصل المضاربة لا أخذه في أصل المضاربة بنحو التقييد.

و لو قال ضاربتك بهذا المال لشراء الغنم على المناصفة في الربح كان شراء الغنم مأخوذا بنحو التقييد و لو قال ضاربتك بهذا المال لتتجر به على المناصفة في الربح و على ان تشترى غنما فشراء الغنم يكون من الشرط الخارجي و لا يوجب مخالفته إلا ضمان العامل لرأس المال و هذه الروايات و ان تكون مضمونها موافقة للقاعدة الا انها أجنبية عن تمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة و قد ذكر ان الشاهد لحمل الاخبار على صورة الاشتراط الخارجي هي صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء الا ان يخالف أمر صاحب المال فان العباس كان كثير المال و كان يعطى الرجال يعملون

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (1) من أبواب المضاربة الحديث (1)

(2) الوسائل الجزء (13) الباب (1) من أبواب المضاربة الحديث (9).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 285

..........

______________________________

به مضاربة و يشترط عليهم ان لا ينزلوا بطن واد و لا يشتروا ذا كبد رطبة فإن خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن للمال «1» حيث فسر مخالفة أمر صاحب المال الوارد في المستثنى بما عن العباس

من الشرط الخارجي.

و الحاصل ان المفروض في هذه الروايات ليس تقييد الاذن للعامل في التجارة كما هو مقتضى نفس عقد المضاربة بل إلزام خارجي على العامل بان لا يشترى متاعا خاصا أو ان لا يسافر أو ان لا يشترى من شخص و يترتب على مخالفة هذا الإلزام ضمان العامل لرأس المال على تقدير مخالفته ما اشترط عليه.

و لذا وقع في حكاية قول عباس لعامليه فان خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن المال.

و المتحصل انه يجب تكليفا على العامل موافقة الشرط لعموم قوله عليه السّلام (المسلمون عند شروطهم) و على تقدير المخالفة يترتب عليه الضمان.

أقول لا يخفى ما فيه اما أولا فإنه يكون اشتراط عمل على أحد المتعاقدين خارجا عن المعاملة فيما إذا كان مدلول المعاملة أمرا مغايرا لإلزام الطرف بالالتزام بذلك العمل كما إذا باع المتاع من زيد و اشترط عليه ان لا يملك ذلك المتاع من شخص آخر أو من عمرو فان بيع المتاع عبارة عن تمليكه بعوض و اما تصرف زيد فيه بعد تملكه بالإبقاء أو تمليكه من آخر فهو خارج عن مدلول البيع فيجوز لبائعه ان يلزم المشترى حين بيعه بالالتزام بعدم تمليكه من شخص آخر أو من عمرو.

و اما إذا كان مدلول المعاملة أمرا لا يجتمع إطلاقه مع إلزام الطرف بالالتزام بذلك العمل كما في العقود الإذنية فإنه إذا أعار ثوبه من زيد و اشترط عليه ان لا يلبسه

______________________________

(1) وسائل الجزء (13) باب (1) من أبواب المضاربة الحديث (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 286

..........

______________________________

أيام المطر فهذا الشرط لا يجتمع مع إطلاق الإذن للمستعير في لبسه بمعنى ان الاذن في لبسه كما هو مدلول عاريته لا

يكاد يعم اللبس أيام المطر و لذا لا يصح ان يصرح المعير بأني أذنت لك في لبسه حتى أيام المطر و لكن عليك الالتزام بترك لبسه أيام المطر في مثل ذلك لا بد من ورود القيد على متعلق الاذن فيكون المأذون فيه هو لبسه في غير أيام المطر سواء اتى ذلك في عقد العارية بصورة التقييد بان يقول أعرتك الثوب و اشترط عليك ان لا يلبسه أيام المطر و يفصح عن ذلك انه لو سئل المعير عن انك أذنت له في لبسه أيام المطر يقول لإبل نفيت الاذن فيه صريحا.

و السر في ذلك ان إلزام الطرف بترك فعل لا يجتمع مع الترخيص فيه بل لا بد من رفع اليد عن الإلزام و عقد المضاربة من العقود الإذنية حيث ان مدلولها الاذن للعامل في التجارة برأس المال على نحو المشاركة في الربح و إذا اشترط على العامل متاعا خاصا بأن يقول أذنت لك في التجارة بهذا المال على نحو المناصفة في الربح على ان لا تشترى الحيوان فهو في الحقيقة الاذن في التجارة بغير الحيوان لأن إلزام العامل بالالتزام بترك تجارة غير الحيوان لا يجتمع مع الاذن في تجارة الحيوان.

و لذا لا يفرق بين ان يقول ضاربتك هذا المال لتتجر غير الحيوان أو يقول ضاربتك بهذا المال على ان لا تتجر بالحيوان.

فقد ظهر مما ذكرنا ان ما في قول عباس من اشتراطه على عامليه بان لا يشتروا ذا كبد رطبة لا يمكن حمله على الشرط الخارجي فضلا ما في صحيحة جميل و غيرها.

و اما ثانيا فإنه فرق بين التفسير و الاستشهاد على الحكم فإن الأول من قسم الحكومة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص:

287

..........

______________________________

يوجب سقوط الإطلاق عن المفسر بالفتح بخلاف الثاني فإنه لا يوجب تقييدا أصلا فإنه يصح الاستشهاد على الحكم العام ببعض موارد ثبوته المعروف من قبل.

و ما في صحيحة الحلبي من قوله عليه السّلام (الا ان يخالف أمر صاحب المال) مطلق يعم المخالفة فيما إذا كان امره بنحو التقييد في متعلق المضاربة و فيما كان امره بنحو الاشتراط و قوله عليه السّلام فان العباس إلخ استشهاد على الحكم و ان مخالفة أمر مالك رأس المال يوجب ضمان المال و لا فرق في الضمان بين اشتراط الترك أو تقييد متعلق المضاربة و لعله لذلك ذكر السيد اليزدي (ره) بان في الاستشهاد إشارة إلى صورة الشرط الخارجي لا انه ظاهر في إرادته بخصوصه.

و اما ثالثا فنفرض ان الروايات كلها ناظرة إلى صورة الاشتراط الخارجي و ان الشرط في المقام لا يوجب تقييدا في متعلق المضاربة فالحكم الوارد ايضا لا ينطبق على القاعدة فإنه بعد كون العامل مأذونا في شراء ما شرط عليه ترك شرائه يقع الشراء لمالك رأس المال فكيف يكون خسارته على العامل فان النقص قد حصل في رأس المال باذن مالكه فلا موجب لكونه على العامل فان الشرط مقتضاه انقلاب يد العامل على رأس المال بالمخالفة إلى يد ضمان فيضمن تلفه و هلاكه و الخسارة غير التلف و في صحيحة الحلبي الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال في الرجل يعطى المال فيقول له ائت أرض كذا و كذا و لا تجاوزها و اشتر منها قال فان جاوزها و هلك المال فهو ضامن و ان اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه و ان ربح فهو بينهما فقد ذكر سلام اللّه عليه الخسارة في مقابل

هلاك المال و حكم بأنهما على العامل.

و الحاصل ان ما ورد في هذه الروايات حكم تعبدي و مع صحة إسنادها و تمام دلالتها يتعين الأخذ بمقتضاها و اللّه سبحانه هو العالم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 288

و النهى عن أكل المال بالباطل (1)

[الأخبار في الاتجار بمال اليتيم]

و من هذا القبيل الأخبار الواردة في اتجار غير الولي (2)

______________________________

(1) لا يخفى ان روايات الباب حاكمة على النهى عن تملك مال الغير بالباطل فان مع ترخيص الشارع في التملك المزبور، لا يكون الأكل أكلا بالباطل كما أنها بالإضافة الى ما دل على عدم حل المال بغير رضا صاحبه أخص مطلق فيرفع اليد بها عن إطلاقه و الوجه في كونها أخص ما تقدم من ان مقتضى اجازة المالك لمعاملة العامل انتقال تمام الربح الى المالك فيكون تملك العامل الحصة من الربح، تملك مال الغير بلا رضاه كما ان مقتضاها انه يجوز لمن انتقل إليه رأس المال تملكه و لو بلا اجازة مالكه فيرفع بذلك عن إطلاق حديث عدم حل المال بغير رضا مالكه.

(2) و هذه الروايات لا تعم ما إذا اتجر الولي للطفل فان تجارته نافذة في حق الطفل و ليس على الولي ضمان كان مليا أولا فإن التفصيل في تلك الروايات بين كون العامل له مال أولا قرينة على ذلك لان اعتبار كون العامل مليا لأجل أن يعوض عن مال الطفل في صورة تلفه أو الخسارة، و هذا لا يجري في صورة اتجار الولي لمصلحة الطفل لعدم الموجب لضمانه بل يجرى الضمان في صورة اتجار الولي بمال الطفل لنفسه باستقراضه أو كان العامل بمال الطفل أجنبيا لم يكن له ولاية على مال الطفل أو وكالة فيه.

و بتعبير آخر

إذا كان ولى الطفل مليا يجوز له الاستقراض بمال الطفل و الاتجار لنفسه و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل ولى مال يتيم ا يستقرض منه فقال انه على بن الحسين قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 289

..........

______________________________

في حجره فلا بأس بذلك «1» و يرفع عن إطلاقها بمثل صحيحة ربعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل عنده مال اليتيم فقال ان كان محتاجا و ليس له مال فلا يمس ماله و ان هو اتجر فالربح لليتيم و هو ضامن و في رواية منصور الصيقل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مال اليتيم يعمل به قال فقال إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح و أنت ضامن للمال و ان كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام و أنت ضامن للمال «2».

و كذا يجوز للولي المضاربة بمال الطفل فيما إذا راى ذلك صلاحا للطفل و هذا مقتضى ولايته على الطفل و ماله و ذكرنا ان الروايات الواردة في كون الربح لليتيم و الخسارة و الضمان للعامل لا تكون ناظرة الى هذه الصورة بقرينة اعتبار كون الولي مليا فان ملائته و عدمها لا دخل لهما في جواز المضاربة للطفل و في رواية أبي الربيع قال سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم و هو وصيه أ يصلح له ان يعمل به قال نعم كما يعمل بمال غيره و الربح بينهما قال قلت فهل عليه ضمان قال لا إذا كان ناظرا له فان ظاهرها عدم الضمان

للولي فيما إذا كان في اتجاره مراعيا لمال الطفل.

و اما رواية أسباط قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام كان لي أخ و هلك و اوصى الى أخ أكبر مني و أدخلني معه في الوصية و ترك ابنا صغيرا و له مال أ فيضرب به أخي فما كان من فضل سلمه لليتيم و ضمن له ماله فقال ان كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم ان تلف فلا بأس و ان لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم فإنها غير ظاهرة في اعتبار الملائة في الولي في صورة تجارته للطفل بل ظاهرها اعتبارها في صورة استقراض الولي و لا يكون فرض دفع الربح الى اليتيم قرينة على كون تجارته

______________________________

(1) الوسائل الجزء (16) باب (34) من أبواب العتق.

(2) الوسائل الجزء (6) الباب (2) من أبواب من يجب عليه الزكاة الحديث (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 290

..........

______________________________

لليتيم مع ان الرواية ضعيفة سندا و لا يمكن الاعتماد عليها في رفع اليد عن القواعد العامة.

لا يقال يظهر من بعض الروايات جواز استقراض الولي من مال الطفل و لو مع عدم الملائة و في رواية البزنطي قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج اليه فيمد يده فيأخذه و ينوي أن يرده فقال لا ينبغي له ان يأكل إلا القصد و لا يسرف فان كان من نيته ان لا يرد عليهم فهو بالمنزل الذي قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً.

(فإنه يقال) مع ظهورها في الترخيص في الاستقراض لقوته لا للتجارة و نحوها و معارضتها بما هو من قبيل الحاكم بالإضافة إليها كرواية زرارة و

محمد بن مسلم معا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال (مال اليتيم ان عمل به الذي وضع على يديه ضمن و لليتيم ربحه قالا قلنا له قوله وَ مَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ قال انما ذلك إذا حبس نفسه عليهم في أموالهم فلم يجد لنفسه فليأكل بالمعروف من مالهم لا يمكن الاعتماد عليها لضعف سندها.

و الحاصل ينحصر ضمان مال الطفل و كون تمام الربح لليتيم بموردين:

أحدهما- ما إذا كان العامل أجنبيا يعمل بمال الطفل من غير ولاية و وكالة عن وليه و ثانيهما- ما إذا لم يكن وليه مليا و قد استقرض مال الطفل و اتجر به لنفسه و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في مال اليتيم قال العامل به ضامن و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل مال و ان عطب أداه.

فإنه يرفع اليد عن إطلاقها بالإضافة إلى الولي الملي المستقرض مال الطفل و التجارة به لنفسه بما تقدم و قد ذكر كون الربح لليتيم في صورة عدم ملائة الولي في صحيحة ربعي المتقدمة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 291

و ربما يؤيد المطلب أيضا برواية ابن أشيم (1).

______________________________

ثم انه لا فرق في كون تمام الربح لليتيم بين كون الاتجار بعين مال اليتيم أو أدى العامل به ما عليه من ثمن ما اشتراه بذمته و في صحيحة زرارة و بكير معا عن أبي جعفر عليه السّلام قال ليس على مال اليتيم زكاة الا ان يتجر به ففيه الزكاة و الربح لليتيم و على التاجر ضمان المال فان هذه ايضا تعم ما إذا كان التاجر بمال الطفل وليا أو غيره.

فتحصل من جميع ذلك ان مفاد هذه

الروايات أجنبي عن بيع الفضولي بل و لا استيناس فيها له و أن الحكم الوارد فيها تعبدي و هو الحكم على المعاملة بكون ربحها للطفل حتى فيما إذا كان ذلك على خلاف القواعد كما إذا اشترى غير الولي بثمن بذمته و دفع ما عليه من مال الطفل أو اشترى الولي غير الملي كذلك.

و بذلك يظهر أن ما قيل من أن حكم الشارع بثبوت الربح لليتيم اجازة للمعاملة الفضولية غير صحيح، فان مقتضى الإجازة في المثالين وقوع المعاملة للمتجر لا للطفل كما ظهر انه لا يمكن تطبيق الروايات على القاعدة بدعوى أنه إذا لم يجز للولي الاستقراض بمال الطفل و كان القرض محكوما بالبطلان تكون المضاربة واقعة على مال الطفل فيكون الربح له فان ظاهرها كون تمام الربح لليتيم و هذا لا يناسب صحة المضاربة كما ان كون الخسران على الذي وضع يديه بمال الطفل لا يناسبها. أضف الى ذلك انه إذا كان اشتراء العامل بذمته و دفع مال اليتيم أداء لما عليه لا تقتضي القاعدة إلا بطلان الأداء لا دخول الربح في ملك اليتيم.

(1) أقول يحتمل كون العبد المأذون مأذونا حتى من قبل الورثة بالبيع و الشراء لهم بان كان لهم عنده مال غير الألف الذي دفع اليه مورثهم و على ذلك فمطالبتهم باب العبد المأذون، ليس من اجازة شراء الفضولي ليؤيد بهذه الرواية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 292

..........

______________________________

صحة عقد الفضولي بلحوق الإجازة به و يحتمل كون دعوى الورثة من جهة ان العبد المعتق بالكسر كان وكيلا من قبل أبيهم لا وصيا عنه حيث لم يصرح في الرواية بأنه أوصى الى العبد المدفوع اليه المال و بما ان الوكالة تبطل

بموت الموكل فدعواهم ان الشراء كان بعين مالهم بمنزلة اجازة لشراء الفضولي.

ثم ان الحكم بعود المعتق بالفتح رقأ لمولاه الأول باعتبار ان الورثة و مولى العبد المأذون و مولى العبد الحاج لا دعوى لهم على العبد المأذون بان يطالبوه بحق لازم عليه بل المخاصمة تكون بين ورثة الميت و مولى العبد المأذون و مولى العبد الحاج و كل من الورثة و مولى العبد المأذون يدعى مالكية العبد الحاج بالشراء وكالة أو بإجازة شراء الفضولي و ينكر ذلك عليهم مولاه يعنى مالكه الأول و الأصل المعتبر و هو استصحاب عدم الانتقال مقتضاه كون مالكه الأول منكرا.

(لا يقال) لا مجال للاستصحاب المزبور حيث ان أصالة الصحة في الشراء تكون حاكمة عليه فإنه يقال إنما تجري أصالة الصحة مع إحراز تحقق أصل الشراء كما إذا شك في بعض شروط صحته و اما مع عدم إحراز وجود أصل المعاملة و تحقق عنوانها فلا مورد لأصالة صحتها و المقام كذلك فإنه على إنكار مولى المعتق بالفتح لا يحصل الشراء أصلا.

(لا يقال) يؤخذ بإقرار العبد المأذون بأنه اشترى أباه بما دفعه اليه الرجل كما هو مقتضى قاعدة من ملك شيئا أي تصرفا ملك الإقرار بذلك التصرف.

(فإنه يقال) لا مجرى في المورد للقاعدة أيضا حيث يقبل إقرار المالك بالعمل اى اخباره عن وقوعه أولا وقوعه مع إحراز أنه سلطان للعمل المزبور في زمان اخباره لا بعد انقضاء زمان سلطنته على ذلك التصرف مثلا إذا أخبر الزوج بالرجوع في زمان عدة زوجته فان كان اخباره في زمان العدة يقبل منه و بعد انقضائه لا يقبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 293

..........

______________________________

و في المقام إقرار العبد المأذون بأنه اشترى بالمال

الذي دفعه اليه الرجل إقرار بعد انقضاء زمان وكالته عن المورث فلا يسمع.

أضف الى ذلك ان القاعدة المزبورة موردها اختلاف الوكيل مع موكله لا مورد دعوى موكله على الآخر أو بالعكس بان يكون اخبار الوكيل موجبا لثبوت حق موكله على الآخر أو العكس كما إذا قال موكله باع وكيلي المتاع بمائة و قال المشترى بل اشتريته بثمانين فان اعتراف الوكيل بكون الثمن مأة لا يوجب تعين الثمن بل يحسب الوكيل على تقدير عدالته شاهدا و تفصيل الكلام موكول الى محله.

نعم في الرواية إشكال آخر و هو انه كيف حكم الامام عليه السّلام بصحة الحج مع اشتراط الحج بكون الحاج حرا أو يكون حجة بإذن مولاه و كيف يستحق الأجرة مع ان المال المدفوع اليه ملك الورثة.

و (الجواب) عن ذلك بان الرواية غير ناظرة إلى صحة الحج بل ظاهرها ان العبد الحاج قابل للرد الى مواليه و لكن حجه لتصرمه و انقضائه غير قابل للرد ضعيف فان ظاهر مضى الحج صحته و ظاهر عدم رده عدم جواز استرداد ما دفع اليه بعنوان الأجرة على الحج.

و الحاصل ان عدم جواز حج العبد من غير اذن مولاه ليس من جهة حرمة تصرف العبد في ملك مولاه ليقال بأنه لا تثبت هذه الحرمة مع غفلة العبد عن بطلان عتقه فيعم الحج ما دل على مشروعية حج الإنسان عن نفسه أو غيره بل عدم جوازه باعتبار اشتراط اذن مولاه في حجه كما هو ظاهر قوله سبحانه عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ و ظاهر الروايات الواردة في حج العبيد و الإماء فلا حظ و الذي يسهل الأمر ضعف الرواية سندا فان الشيخ (ره) رواها بإسناده عن الحسين بن سعيد عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 294

و مما يؤيد المطلب صحيحة الحلبي (1).

______________________________

ابن محبوب عن صالح بن رزين عن ابن أشيم و صالح بن رزين و ان وقع في اسناد تفسير على بن إبراهيم الا ان ابن أشيم ضعيف.

(1) رواها الشيخ (ره) بإسناده عن الحسين بن سعيد عن ابن ابى عمير عن حماد عن الحلبي و ظاهر أخذ الثوب بوضيعة الا قاله بتنقيص من ثمنه فيكون النهى عن الأخذ المزبور كما هو مقتضى النهى عن المعاملة إرشادا إلى بطلانها و على ذلك فإذا باعه البائع ثانيا يكون بيعه من المشترى الثاني فضوليا و حيث ان مشتريه الأول المالك للثوب واقعا كاره للثوب يكون أخذه التفاوت عنده رده عليه اجازة للبيع الثاني.

و ربما يقال ان الرواية لا ترتبط ببيع الفضولي أصلا فإنه لم يفرض في الرواية ان المشترى الأول قد أجاز البيع الثاني و لعله لا يرضى بالبيع الثاني بعد وقوعه لزيادة القيمة السوقية للثوب بعد إقالته و لو كان الحكم بصحة البيع الثاني باعتبار كونه فضوليا قد لحق به الإجازة لزم رد تمام الثمن فيه، على المشترى و استرداد المدفوع إليه بالإقالة الفاسدة بل الظاهر ان البيع الثاني بيع تام يقع للمشتري الأول حيث ان رده الثوب على بائعه بوضيعة إبراز منه لرضاه ببيعه بأكثر من ثمنه و مع هذا الإبراز يقع البيع الثاني من البائع مقارنا لرضاه المبرز فيصح.

(أقول) كيف يكون مع غفلة البائع و المشترى الأول عن بطلان الإقالة إبراز من المشترى الأول و الاذن منه للبائع بيعه بأكثر من ثمنه نظير ما إذا باع متاعه ببيع فاسد شرعا فإنه كيف يمكن الالتزام ان البيع المزبور مع الغفلة عن فساده

توكيل للمشتري ببيعه بأزيد من الثمن المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 295

و يمكن التأييد له ايضا (1).

______________________________

نعم في مثل ما وكل الغير في بيع متاعه بالأقل باعتقاد ان متاعه لا يساوي أكثر من ذلك يكون ذلك توكيلا بأكثر من المقدار المزبور و قد ذكر نظير ذلك في توكيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عروة بشراء شاة واحدة بدينار فاشترى شاتين فان التوكيل المزبور يدل بالفحوى على توكيله في شراء شاتين بالمقدار المزبور.

و الحاصل الظاهر وقوع المعاملة المزبورة بنحو الفضولي و كراهة المشترى الثوب المزبور و أخذه ما زاد على المقدار المدفوع اليه عند رده عليه اجازة عملية للبيع المزبور كما ان أخذ ذلك التفاوت مبادلة معاطاتية بين المدفوع إليه أولا و مقدار مساويه الباقي بيد البائع و يتعين الالتزام بها سواء كان البيع الثاني من البيع الفضولي أو من البيع التام باعتبار الرضا المبرز بالإقالة.

(1) لا يخفى ان حمل الموثقة على صورة كون شراء السمسار فضوليا ليجيره دافع الورق فيما أراد و يرده فيما لم يرد ضعيف غايته فإنه ان فرض ان مالك الورق قد اذن له في شراء المتاع فشرائه يخرج عن الفضولي لا محالة و ان لم يأذن له في شرائه فالشراء و ان يكون فضوليا الا ان لازم ذلك ان لا يكون للسمسار حق المطالبة بالأجرة على شرائه حتى بعد اجازة مالك الورق فان الموجب لاستحقاق الأجرة توكيله أو الاذن في الشراء و المفروض عدمهما.

و كذا لا تحمل على شراء السمسار لنفسه بان يكون الورق المدفوع اليه قرضا عليه فيشترى به المتاع لنفسه أو يوفى به دينه أي الثمن الكلى بذمته فان هذا لا يناسب توصيف

السمسار بأنه يشترى بالأجر فان توصيفه به بمنزلة ذكر انه في فرض السؤال أيضا يشتري بالأجر و الا لم يكن للتوصيف المزبور معنى فان السمسار و هو الدلال شأنه أخذ الأجرة على شرائه و بيعه للغير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 296

[الأخبار الواردة في تحليل الخمس]

و ربما يؤيد المطلب بالأخبار الدالة (1)

______________________________

و أيضا ان السمسار مع شرائه لنفسه ثم بيعه لصاحب الورق، لا يستحق على الشراء المزبور أجرة أصلا غايته ان له ان يبيع ما اشتراه بالأكثر، فيتعين في فرض الرواية الشراء لصاحب الورق مع جعل الخيار له، و لعل نظر السائل ليس السؤال عن جواز هذا النحو من الشراء، بل عن عدم إعطاء صاحب الورق الأجرة على شراء السمسار في فرض عدم أخذه ما اشتراه السمسار.

و حاصل الجواب انه لا بأس بذلك بعد المقاولة بأنه لا يعطى أجرة على شراء متاع لا يريد أخذه، و اللّه سبحانه هو العالم.

(1) و توضيحه ان مجرد اجراء النكاح و عقده، لا يكون محرما على العبد تكليفا فان إجرائه كسائر تكلمه لا يكون من المحرمات و لو مع عدم اذن صاحبه، و المراد من معصية السيد عدم حصول رضاه مع اعتبار حصوله في نفوذ نكاحه، و المستفاد من تلك الاخبار انه كلما كان نقص المعاملة و عدم نفوذها من جهة معصية أحد يعنى من جهة فقد رضاء من يعتبر في نفوذها رضاه، فتتم تلك المعاملة بحصول ذلك الرضا و لو بعد زمان، و هذا بخلاف المعاملات التي يكون عدم نفوذها باعتبار عدم رضاء الشارع بها كالنكاح في العدة، فإنه لا يحتمل عروض الصحة له.

و مما ذكرنا يظهر ان هذه الاخبار تفيد فيما كان نقص المعاملة من جهة اعتبار

الرضا فقط كبيع الراهن بدون رضا المرتهن، و اما إذا كان عدم نفوذه من جهة عدم إضافته أيضا الى المالك كما هو مورد كلامنا، فلا.

و يستدل على صحة بيع الفضولي بروايات تحليل الخمس للشيعة مطلقا أو في خصوص المناكح و المساكن و المتاجر فان المراد بالمناكح الجواري التي تدخلن في الرق بالأسر، فهن اما ملك الامام عليه السّلام كما إذا وقعن في الأسر في الحرب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 297

..........

______________________________

بلا اذنه عليه السلام أو ان له عليه فيهن الخمس، كما إذا كان الحرب باذنه عليه السّلام فيكون شرائهن ممن عنده من الشراء فضولا و تحليلهن للمشتري فيما إذا كان شيعيا من لحوق الإجازة بالشراء المزبور فينتقل الخمس الى بدلهن و هو الثمن الذي يأخذه البائع.

و كذا الأراضي التي تكون ملكا للإمام عليه السلام، كالتي تؤخذ من الكفار بالحرب من غير اذنه عليه السّلام أو تكون له فيها الخمس كالأرض المشتراة من الذمي فيما إذا تملكها باشترائها من المسلم فإنه إذا باعها الذمي من الشيعي يكون الشراء فضوليا بالإضافة الى خمس الأرض و تحليل تلك الأرض للمشتري اجازة لشرائها، و المراد بالمتاجر الأموال المشتراة المتعلقة بها الخمس بيد من لا يعتقد بالخمس، فان شرائها من البائع المزبور يكون من الشراء الفضولي و تحليلها للمشتري الشيعي اجازة لشرائها، كما ذكر.

بل ذكرنا في محله ان ظاهر اخبار التحليل هو تحليل الخمس مطلقا سواء كان من قبيل المناكح و المساكن أو المتاجر بالمعنى المزبور أولا، و مقتضى الجمع بينها و بين مثل صحيحة على بن مهزيار الدالة على ان الخمس في كل ما يفيد الرجل الى ان قال (ان يبلغ مواليه بإيصال حقه عليه

السّلام اليه أو وكيله) هو ان الذي يتعلق الخمس بالمال في يده مكلف بإيصاله إلى أربابه و انه لم يتعلق بالخمس المزبور حل بالإضافة اليه و اما الذي يقع هذا المال بيده قبل إخراج خمسه لا يجب عليه إخراج الخمس السابق، و انه يحل له تمام ذلك المال.

و على ذلك فلو اشترى متاعا تعلق به الخمس في يد بايعه، يملك تمام ذلك المتاع كما هو مقتضى شمول اخبار التحليل للمشتري و ينتقل الخمس بثمنه المدفوع كما هو مقتضى عدم تحليل الخمس للبائع و إذا وصل الى يد الشيعي من غير معاوضة كما إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 298

..........

______________________________

دفع المشترى ما فيه الخمس إلى البائع وفاء لما عليه من الثمن الكلى فيمكن أن يقال بضمان المشترى الخمس حيث ان دفعه اليه وفاء لما عليه من الثمن مع تحليل الخمس للبائع إتلاف منه للخمس فيضمن و كذا في موارد دفعه الى المشتري مجانا بخلاف ما إذا كان انتقال ذلك المال إلى الشيعي بحكم الشارع فقط كما في موارد إرث المال الذي تعلق به الخمس بيد المورث، فان مقتضى تلك الاخبار حل ما فيه الخمس للوارث، و المورث لا يضمن الخمس حيث انه لم يدفعه ليضمن إتلافه، و هكذا.

و يشهد أيضا على ان من بيده تعلق الخمس بالمال، مكلف بإخراجه صحيحة الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السّلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة قال يؤدى خمسا و يطيب له و صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس و في موثقة عمار عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام انه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال لا الا ان لا يقدر شي ء بأكل و يشرب و لا يقدر على حيلة فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الى أهل البيت و في صحيحة ابن ابى نصر قال كتبت الى ابى جعفر عليه السّلام الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة فكتب بعد المؤنة، الى غير ذلك.

نعم ورد في بعض الروايات التحليل بالإضافة الى من تعلق الخمس بيده و لكن مدلولها تحليل شخصي لا يمكن التعدي أو استفادة الحكم الكلي، كروايتي مسمع بن عبد الملك و على بن مهزيار.

ثم ان الروايات الواردة في تحليل الخمس للشيعة قد تذكر شاهدة لتمام شراء الفضولي بلحوق الإجازة به بل قيل ان التحليل اجازة بنحو الكشف كما هو مقتضى قول على عليه السّلام (الا و ان شيعتنا من ذلك و آبائهم من حل) و ربما يذكر انه قد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 299

..........

______________________________

تقدم عدم خروج البيع عن الفضولية بمجرد مفارنته برضا المالك واقعا بل لا بد من إبراز الرضا و عليه فيقل الكلام في ان مجرد إبراز الرضا كاف في خروجه عن الفضولية و ان لم يصل ذلك الإبراز إلى العاقد كما إذا باع مال الغير قبل وصول إبراز المالك رضاه اليه أو انه يعتبر في خروجه عن الفضولية وصول ذلك الإبراز إلى العاقد قبل عقده المعبر عن ذلك بالاذن الظاهر هو الثاني لأنه لا يصح استناد البيع الى المالك و انه قد باع ماله مع حصول العقد من العاقد قبل وصول ذلك الإبراز إليه فيكون الإبراز المزبور من الإجازة اللاحقة للبيع الفضولي أقول هذا الكلام عجيب

فإنه إذا لم يكن الإبراز المزبور مصححا لاستناد البيع الى المالك، فكيف يعتبر ذلك الإبراز اجازة مع انه يعتبر في الإجازة كونها مصححة لاستناد العقد الى المجيز.

و بعبارة أخرى كما يعتبر في صحة الاستناد وصول إبراز الرضا من المالك الى العاقد كذلك يعتبر فيها وصول خبر البيع الى المالك و إظهار رضاه به بعد الاطلاع المعبر عن ذلك بالإجازة.

و الحاصل انه لا يعقل ان يكون إبراز الرضا من على عليه السّلام توكيلا للشيعة في الشراء أو اجازة منه لذلك الشراء حيث لا يعقل الوكالة لما بعد موت الموكل أو الإجازة للعقد الواقع بعد موته و الصحيح ان التحليل المزبور لا يرتبط بإجازة شراء الفضولي و لا بالتوكيل فيه ليقال انه كيف يصحح استناد الشراء الى الامام عليه السّلام بل هو من قبيل إعطاء الولاية لمن ينتقل اليه ما فيه الخمس على المعاملة عليه نظير إعطاء الموصي الولاية على الوصي على التصرف في ثلثه بإجارته أو بيعه أو بيع منافعه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 300

و فيه ان دلالته على الحصر ممنوعة (1)

______________________________

و قد تقدم نظير ذلك في شراء الخراج و تقبل الأرض من السلطان حيث ذكرنا ان تحليل الخراج المأخوذ منه و تحليل تلك الأرض، إعطاء ولاية للمشتري و المتقبل في الشراء و التقبل.

(لا يقال) تحليل الخمس للشيعي لا يلازم الحكم بصحة شراء الخمس ليتكلم في انه بنحو التوكيل أو الإجازة أو من إعطاء الولاية بل مقتضاه أن يجوز للشيعي تملك ما فيه الخمس فإذا اشترى متاعا تعلق به الخمس بيد بايعه، فمقتضى اخبار التحليل، انتقال ذلك المتاع بتمامه إلى المشترى و لو تملك البائع تمام الثمن يكون ذلك تحليلا للخمس له

فلا بد من القول بأنه لا يملك من الثمن المقدار الواقع مقابل خمس المتاع بل يبقى ذلك المقدار من الثمن في ملك المشترى فيجوز له الامتناع من دفعه الى البائع على تقدير تمكنه على الامتناع و كذا في مورد اشتراء المتاع بثمن فيه الخمس فإنه يكون تمام الثمن ملكا للبائع، و اما المتاع فخمسه يبقى في ملك البائع فيجوز له الامتناع عن دفعه الى المشترى و على تقدير دفعه لا يدخل في ملك المشترى.

(فإنه يقال) لسان اخبار التحليل ان التحليل لتسهيل الأمر على الشيعة في معاملاتهم و مناكحهم و معاشراتهم، و هذا يناسب إمضاء المعاملة الجارية على مال الخمس أو إعطاء الولاية على تلف المعاملة لا الاذن في تملك كل ما وقع بيده مما فيه الخمس و لو كان ذلك الوقوع عدوانا على من تعلق الخمس بالمال في يده أو على أرباب الخمس.

(1) قد تقدم في بيان صحة بيع المكره بلحوق الإجازة به بيان كون الاستثناء في الآية منقطعا فلا دلالة فيها على الحصر و ان مقتضى تقييد التجارة بكونها عن تراض، عدم كونها بإطلاقها موجبة لتملك مال الغير و اما كون التجارة ناشئة عن التراضي بحيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 301

..........

______________________________

لا ينفع لحوق الإجازة بها فلا يعتبر باعتبار ان القيد كما ذكر غالبي لا يمنع عن التمسك في صحتها مع لحوق الإجازة بها بإطلاق حل البيع و عموم وجوب الوفاء بالعقد.

لا يخفى ان المنسوب الى أهل الكوفة قراءة تجارة بالنصب و الباقي بالرفع و على قراءة رفعها يكون عن تراض قيدا للتجارة أو خبرا عنها و الخبر في معنى القيد لها و اما على قراءة النصب فيحتمل ان يكون

عن تراض خبرا بعد الخبر فمفاد الآية لا تتملكوا أموال الناس بالباطل و تملكوها بالتجارة و بالتراضي و المصالحة، و على ذلك فلا يكون في الآية، تقييد التجارة بكونها ناشئة عن التراضي و لكن غلبة توصيف النكرة و منها التجارة في الآية يوجب كون الظرف قيدا لا خبرا بعد خبر.

ثم انه (ره) قد قرب شمول الآية للعقد الفضولي بلحوق الإجازة به و ان مقتضى الآية صحته حتى على تقدير كون القيد قيدا غير غالبي و ان له مفهوما كسائر القيود و وجه التقريب ان خطاب النهى متوجه الى الملاك و انهم قد نهوا عن يأكل بعضهم مال بعض آخر بالوجه الباطل بل يجوز التملك بتجارة الملاك الناشئة عن رضاهم و من الظاهر ان التجارة قبل اجازة المالك لا تكون تجارته بل يتم استنادها اليه بإجازتها فتكون تجارته عن رضاه كما لا يخفى.

و قد ذكر اليزدي (ره) الصحيح في الجواب عن الاستدلال بالآية على بطلان بيع الفضولي هو كون خطاب النهى متوجه الى الملاك بالتقريب المزبور و الا فدعوى ان الاستثناء فيها منقطع فلا يدل على الحصر غير صحيحة لأن الاستثناء المنقطع في نفسه مستحيل فإنه لا يصح ان يقال ما رأيت من العلماء أحدا إلا بطيخا و ما جائني

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 302

..........

______________________________

زيد الا عمرو و من الظاهر انه لو كان إلا في موارد الاستثناء المنقطع بمعنى (لكن) لصح كلا الاستعمالين و عدم صحتهما كاشف عن أن إلا في جميع موارد استعماله يستعمل في الاستثناء.

غاية الأمر يكون المراد من المستثنى منه ما يعم الاستثناء ادعاء بان يراد في قوله ما جائني من العلماء الا خادمهم العلماء و من يتعلق

بهم و على ذلك ففي قوله سبحانه لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ لا يكون المستثنى منه شيئا من المذكورات فيها من الأكل و الأموال و الباطل بل المستثنى منه محذوف و هو بشي ء من الأسباب و المعنى لا تأكلوا أموالكم بينكم بشي ء من الأسباب فإنها باطلة الا ان يكون ذلك السبب تجارة عن تراض فقد حذف المستثنى منه و أقيم علته مقامه نظير قوله سبحانه وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ و إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.

(أقول) لا يقاس آية النهي عن الأكل بشي ء من الآيتين في حذف الجزاء و قيام تعليله مقامه فان المذكور فيهما لا يصلح ان يكون جزاء مترتبا على الشرط الوارد فيهما و لكن الأمر في آية النهي عن الأكل ليس كذلك و ليس فيها تلك القرينة و لم يذكر فيها لا تأكلوا أموالكم بينكم فان أكلها باطل بل قوله سبحانه بالباطل في نفسه ظاهر في كونه متعلقا بالأكل الوارد عليه النهى و انه عنوان لسبب الأكل لظهور الباء في السببية فيكون المنهي عنه هو الأكل الخاص و هو الأكل بسبب الباطل فيكون التجارة عن تراض من الاستثناء المنقطع فإنه لو لا الاستثناء لما تدخل في المستثنى منه.

و ما قيل في وجه استحالة استثناء المنقطع و عدم كون الا بمعنى لكن و الاستشهاد بالمثالين المتقدمين غير صحيح غاية الأمر ان لا يكون إلا في موارد استثناء المنقطع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 303

[الاستدلال على بطلان البيع فضولا]

و اما السنة (1)

______________________________

بمعنى لكن بل بمعنى الاستثناء و لو ادعاء و هذه الادعاء صحيحة فيما كان المستثنى مناسبا للمستثنى منه و لا

يستلزم ان يكون المراد بالمستثنى منه معناه المجازي ليعم المستثنى فإذا قيل ما جائني من العلماء الا خادمهم فالمستثنى مع المستثنى منه يعد في العرف عائلة و الأكل بالتجارة مع الأكل بالأسباب الباطلة يعد تملكا بالسبب و هكذا و هكذا فلاحظ و تدبر.

(1) الروايات التي ذكرها في المقام على طوائف:

الأولى- ما تضمن النهى عن بيع ما ليس عنده و في النبوي المحكي في اخبار العامة قوله صلى اللّه عليه و آله لحكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك و في رواية سليمان ابن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و رواية حسين بن زيد عن الصادق عن آبائه في مناهي النبي صلى اللّه عليه و آله قال و نهى عن بيع ما ليس عندك و عدم حضور المبيع عند البائع كناية عن عدم تمكنه على تسليمه لعدم ملكه حال البيع و ذلك للجزم بعدم اعتبار وجود المبيع في مكان يكون البائع فيه حال البيع.

و على ذلك فتكون هذه مساوية للطائفة الثانية و هي- ما تضمن نفى البيع إلا إلا إذا تعلق بملكه كقوله في النبوي الآخر لا بيع الا فيما يملك بعد قوله لا طلاق إلا فيما يملك و لا عتق الا فيما يملك و هذا كما يظهر من الروايات المتعددة «1» إلغاء للبيع قبل الملك و إلغاء للطلاق قبل الزواج و العتق قبل الملك و لو بان يقول لو تزوجتك فأنت طلاق أو لو تملكتك فأنت حر.

الثالثة ما تضمن نفى الجواز عن بيع غير الملك و في التوقيع لا يجوز بيع ما ليس يملك

______________________________

(1) الوسائل الجزء (15) الباب (12) أبواب مقدمات الطلاق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 304

..........

______________________________

و

قد وجب الشراء من البائع على ما يملك (1) و لكن لا يخفى ان ظاهره عدم نفوذ بيع ما لا يملكه بايعه.

و اما انه لا يتم أيضا لمالكه بإجازته فلا تعرض له في الصحيحة بقرينة الحكم في ذيلها بوجوب البيع و لزومه فيما يملك فإن المقابلة المزبورة مقتضاها ان النفي و الإثبات بالإضافة إلى البائع فقط.

الرابعة صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال سئل رجل من أهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل و أهل الأرض يقولون هي أرضهم و أهل الأسنان يقولون هي من أرضنا فقال لا تشترها الا برضا أهلها «1» و رواية الحميري انه كتب الى صاحب الزمان عجل اللّه تعالى فرجه الشريف الى ان قال فأجابه الضيعة لا يجوز ابتياعها الا من مالكها أو بأمره أو رضى منه «2» و الرواية مرفوعة لعدم ذكر الطبرسي سنده إلى الحميري و المراد برضا المالك هو الرضا المحرز بإظهاره و الا فلا عبرة بالرضا المعلوم بغيره و لا يخرج العقد به عن الفضولية كما مر بيانه عند التعرض لقضية عروة البارقي و كذا الحال في الرضا الوارد في صحيحة محمد بن مسلم و اعتبار رضا أهل الأرض في تلك الصحيحة باعتبار انهم ذوي اليد عليها.

و الحاصل مدلول الروايتين دخالة رضا المالك في تمام البيع و الشراء و هذا مما يقبله القائل بتمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة به فان اجازة المالك إظهار لرضاه.

بالبيع و الشراء كما تقدم.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (2) أبواب عقد البيع الحديث (1).

(2) الوسائل الجزء 12 الباب (1) أبواب عقد البيع الحديث (3- 8- 2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 305

الظاهر من الموصول (1).

______________________________

الخامسة- رواية

محمد بن القاسم الفضيل قال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا بأنها قد قبضت المال و لم تقبضه فيعطيها المال أم يمنعها قال قل له ليمنعها أشد المنع فإنها باعته ما لم تملكه «1» و لا يخفى ضعف الرواية سندا لعدم ثبوت توثيق لأبي عبد اللّه البرقي مع انها لا ترتبط بصحة بيع الفضولي بلحوق الإجازة و عدمها فان مدلولها عدم جواز القبض و الإقباض للبائع غير المالك و هذا أمر متسالم عليه بين القائلين بتمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة به و بين المنكرين له.

(1) المراد بما الموصولة في قوله صلى اللّه عليه و آله العين الخارجي بقرينة ما ورد في صحة بيع الكلى على الذمة حالا أو سلما و لو مع عدم تملك شي ء منه حال البيع و قد ورد في بعض الروايات الرد على العامة حيث انهم يجوزون بيع الكلى سلما و لا يجوزون بيع الكلى حالا من غير ان يكون البائع مالكا له حال البيع كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترى الطعام من الرجل ليس عنده فيشترى منه حالا قال ليس به بأس قال قلت انهم يفسدونه عندنا قال و أي شي ء يقولون في السلم قلت لا يرون به بأسا يقولون هذا إلى أجل فإذا كان الى غير أجل و ليس عند صاحبه فلا يصلح فقال إذا لم يكن إلى أجل كان أجود «2».

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12 الباب (1) أبواب عقد البيع الحديث (3- 8- 2)

(2) الوسائل الجزء (12) الباب (7) من أبواب أحكام العقود الحديث (1) ص 374.

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 306

و من البيع البيع لنفسه (1).

______________________________

و هذا الرد منه عليه السّلام مبنى على مسلك العامة من أخذهم في الأحكام بالاستحسان و القياس الى موارد النص و بما ان جواز السلم مورد النص عندهم و ان تسليم المبيع منه يكون بعد مدة لا يعلم تمكن البائع فيه عليه فيكون بيع الكلى حالا مع إحراز التمكن على تسليمه اولى بالجواز.

و بعبارة أخرى لو كان النهى عن بيع ما ليس عنده أو ليس ما يملكه مطلقا فلا بد من رفع اليد عن إطلاقه و حمله على صورة كون المبيع عينا خارجيا أو بنحو الكلي في الخارج.

(لا يقال) هذه الروايات مع ضعف إسنادها معارضة بما دل على جواز بيع الكلى على الذمة حالا فتحمل على رعاية التقية لوقوعها مورد التكذيب.

(فإنه يقال) ليس في الروايات المشار إليها ما يدل على تكذيب المنقول عن النبي صلّى اللّه عليه و آله بل مدلولها جواز بيع الكلى على الذمة حالا أو سلما فتكون مقيدة للنهى المنقول و لا تصل النوبة مع الجمع العرفي بين المتعارضين الى طرح أحدهما أو حمله على رعاية التقية كما هو المقرر في بحث التعارض.

(1) و الوجه في ظهوره في ذلك هو السؤال الوارد فيه حيث سأل الحكيم النبي صلّى اللّه عليه و آله عن بيع الشي ء ثم اشترائه و تسليمه الى مشتريه.

و على ذلك فالمحتمل فيه أحد أمرين: الأول- كون النهي إرشادا إلى فساد البيع الذي إنشائه البائع غير المالك لنفسه و كونه لغوا لا يقع له و لا لمالكه حتى بالإجازة و يناسب ذلك للاستدلال به على بطلان بيع الفضولي و عدم صحته بالإجازة الثاني- كون النهي إرشادا الى

عدم وقوع البيع المنشأ عن بايعه الفضولي بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 307

..........

______________________________

يعتبر في وقوعه ان يبيعه بعد ان يملكه و هذا يناسب السؤال الوارد فيه و لا تعرض فيه لعدم وقوعه عن مالكه بإجازته و يرجع الى الاحتمال الثاني ما في روايتي خالد و يحيى الآتيتين في مسألة بيع الفضولي لنفسه أي مسألة وقوع بيع الفضولي لبائعه كما إذا باع ثم ملك و أجاز حيث ان الخبرين يذكران في تلك المسئلة وجها سابعا من الوجوه المقتضية لبطلان ذلك البيع.

(لا يقال) خصوص المورد في النبوي لا يكون موجبا لتخصيص عموم الجواب أو إطلاقه و ظاهر النهى عن بيع ما ليس عندك أو نفى البيع عنه عدم تمام ذلك البيع لا عن بايعه الفضولي و لا عن مالكه و لو بإجازته.

(فإنه يقال) لو سلم هذا الإطلاق أو العموم لزم رفع اليد عنه بالأخبار الخاصة الواردة في عقد الفضولي و الدالة على ان المعاملة الفضولية تتم للمالك مع أجازته و ليس المراد حمل إطلاق النهي أو عموم نفى البيع على ما ذكر بقرينة وجوب الوفاء بالعقود أو دليل حل البيع فإن النهي أو النفي في النبوي بالإضافة إلى دليل وجوب الوفاء بالعقود أو دليل حل البيع خاص أو مقيد و من المقرر في محله ان إطلاق المخصص أو المقيد يكون مقدما ما على عموم العام و إطلاق المطلق بل القرينة على حمل النبوي تلك الأخبار الخاصة الدالة على تمام بيع الفضولي لمالكه مع أجازته.

و ذكر المحقق الإيرواني في تعليقته ان النسبة بين الطائفتين اى الاولى و الثانية و بين ما دل على تمام البيع فضولا بلحوق الإجازة به عموم من وجه فإن

الطائفتين ظاهرتان في فساد البيع لنفسه سواء اجازه المالك أولا فهاتان خاصتان من جهة قصد الفضولي البيع لنفسه و عامتان بلحوق الإجازة به عدمه و ما دل على تمام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 308

و اما الروايتان فدلالتهما على ما حملنا (1).

و ان أبيت إلا عن ظهور الروايتين (2).

______________________________

بيع الفضولي بلحوق الإجازة به خاصة من جهة لحوق الإجازة به و عامة من جهة قصد الفضولي البيع لنفسه أو لمالكه فيجتمعان فيما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه مع لحوق الإجازة به فمقتضى الطائفتين بطلانه و مقتضى ما ورد في تمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة صحته فيتساقطان.

أقول لا يخفى ان الكلام في المقام في المسألة الاولى من مسائل بيع الفضولي و هي ما إذا قصد الفضولي البيع عن مالكه مع لحوق الإجازة به و إذا كان ذلك محكوما بالصحة كما هو مقتضى كونه أحد موردي الافتراق، فيحكم بصحته بلحوق الإجازة به فيما إذا قصد الفضولي البيع لنفسه لعدم احتمال الفرق بين المسألتين على ما سيأتي مع انه بعد تساقط الإطلاق من الجانبين يكون المرجع إطلاق حل البيع و عموم وجوب الوفاء بالعقود.

أضف الى ذلك ان النبوي مفاده عدم وقوع البيع للبائع الأجنبي سواء اجازه المالك أم لا و اما وقوعه للمالك بإجازته سواء باع الفضولي لنفسه أو لمالكه فهو مفاد الروايات الخاصة الواردة في تمام بيع الفضولي بإجازة المالك فلا تعارض بينها و بين النبوي أصلا حيث ان المنفي في النبوي و هو وقوع البيع للبائع الفضولي لم يكن مورد الإثبات في تلك الروايات أصلا.

(1) المراد بهما روايتا خالد و يحيى.

(2) المراد بهما مكاتبة الحميري و صحيحة محمد بن مسلم.

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 2، ص: 309

و الجواب ان العقد (1).

______________________________

(1) ذكر (ره) أولا بأن إجراء العقد على مال الغير إذا لم يقصد ترتيب الأثر عليه بلا اجازة مالكه لا يكون تصرفا في ذلك المال خارجا ليكون محرما تكليفا و قد مر سابقا ان إجرائه لا يزيد على التكلم الذي لا يكون المتكلم متصرفا إلا في لسانه.

نعم إذا كان البيع علة تامة لترتيب الأثر عليه كما في بيع المالك أو الغاصب كان جواز العقد و حرمته تابعين لجواز ذلك الترتيب و حرمته.

أقول لا يكون بيع الغاصب أو المالك علة تامة أصلا فإن القبض و الإقباض أمر اختياري للمتعاقدين قد يترتب على البيع سواء كان صحيحا أو فاسدا و قد لا يترتب عليه و إذا كان ذلك القبض أو الإقباض تصرفا في ملك الغير فلا تكون حرمته موجبة لحرمة نفس العقد الذي لا يخرج في حقيقته عن التكلم بالألفاظ و قصد المعاني منها نعم إذا كان البيع بنحو المعاطاة يكون نفس القبض أولا اقباض بقصد حصول البيع تصرفا في ملك الغير فيكون المحرم نفس القبض و الإقباض لا أحدهما بعنوان العقد كما لا يخفى.

و ذكر ثانيا انه لو فرض كون اجراء العقد على مال الغير تصرفا و لكنه من قبيل الاستضائة بضوء الغير و الاصطلاء بناره من قبيل التصرف الجائز عقلا.

(أقول) الاستضائة و الاصطلاء من قبيل الانتفاع بمال الغير الذي لا يكون فيه تصرف و هذا الانتفاع محكوم في الشرع بالجواز لعدم الدليل على حرمته و مجرد اجراء العقد على مال الغير فضولا لا يكون من التصرف و لا من مجرد الانتفاع بمال الغير كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 310

..........

______________________________

و ذكر

ثالثا بأنه لا ملازمة بين العقد فضولا و بين حرمته حتى ما لو قلنا بحرمة التصرف و الانتفاع بمال الغير فإنه قد يعلم من الخارج و بالقرائن رضاء المالك بإجراء العقد على ماله و هذا لا يخرجه عن الفضولية كما مر في التكلم في قضية عروة البارقي و على ذلك فلا يمكن الحكم بفساد العقد فضولا في كل مورد بدعوى انه محرم.

و ذكر رابعا انه على تقدير الملازمة بين فضولية العقد و حرمته فلا يمكن الحكم بفساده فإن النهي عن المعاملة تكليفا لا يقتضي فسادها.

و ذكر خامسا انه على تقدير استفادة الفساد من الحرمة فالمستفاد فساد العقد من ناحية البائع الفضولي بمعنى عدم كونه سببا مستقلا للنقل و الانتقال لا الفساد حتى من جهة مالكه و لو مع إجازته بأن يكون العقد جزء السبب فيتم بإجازة المالك.

و بما ذكر ظهر انه لو كان قصد العاقد الفضولي ترتيب الأثر على العقد و فرض سراية قبح هذا التجري إلى الفعل الخارجي يعني العقد فلا يكون قبح ذلك العقد أو حرمته من جهة التجري مقتضيا لفساده الا بمعنى عدم كونه سببا تاما.

أقول: ما ذكروه- من ان حرمة بيع الفضولي على تقديرها لا تلازم فسادها كما هو المقرر في محله من ان النهى عن معاملة تكليفا لا تقتضي فسادها- صحيح و اما- ما افاده من انه على تقدير اقتضاء حرمتها فسادها لا يحكم ايضا بفساد العقد الفضولي و انه لا يتم بلحوق اجازة المالك لان مقتضى حرمة البيع فساده بمعنى عدم كونه سببا تاما في حصول النقل و الانتقال و هذا مما يعترف به القائل بصحة بيع الفضولي، فإنه يترتب عنده النقل و الانتقال على البيع المزبور مع لحوق

الإجازة به- لا يمكن المساعدة عليه فان تمام السبب للنقل و الانتقال ليس هو نفس العقد، بل هو مع رضا المالك،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 311

..........

______________________________

فتعلق النهى بنفس العقد في مورد مقتضاه انه لا يتم السبب بالعقد المزبور و لو مع لحوق رضاء المالك به، و هذا هو المراد بفساد بيع الفضولي.

و عن النائيني (ره) ان النهى عن معاملة انما لا تقتضي فسادها فيما إذا تعلق النهى بالسبب كما في النهي عن البيع وقت النداء فان مبغوضيته الإتيان بالإيجاب و القبول بما هو مفوت لصلاة الجمعة لا يقتضي مبغوضية ملكية المتاع للمشتري بإزاء الثمن و اما إذا تعلق النهى بالمسبب كالنهي عن بيع السلاح من أعداء الدين و بيع المصحف من الكافر فمقتضى تعلق النهى بالمسبب عدم تمكن المكلف على إيجاده بالسبب و يعتبر في صحة البيع سلطنة البائع على جعل ملكية المتاع للمشتري و عدم كونه محجورا في هذا التصرف.

و لذا ذكر الفقهاء ببطلان الإجارة في الواجبات المجانية فإن إيجاب الشارع العمل على المكلف يوجب عدم سلطنته على ذلك العمل و كونه محجورا بالإضافة اليه و كذا ذكروا بطلان بيع منذور الصدقة فإن إيجاب الوفاء بالنذر و التصدق بذلك المال يوجب عدم كون المالك سلطانا على التصرف و انتقاله إلى الآخر بالبيع و نحوه.

و الحاصل ان النهى عن المسبب باعتبار اقتضائه الحجر على المالك في جعل ملكية المتاع للغير يوجب بطلان البيع.

(أقول) المنع عن البيع بمعنى المسبب حقيقته المنع عن اعتبار ملكية المتاع للمشتري و هذه الملكية أمر يعتبرها البائع و مبغوضيتها من المالك كما هو مدلول النهى عن المسبب لا ينافي إمضائها على تقدير حصولها.

و دعوى ان النهى يقتضي

عدم تمكن المالك على إيجاده بالسبب فإن أريد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 312

..........

______________________________

عدم تمكنه حقيقة فبطلانه أوضح من ان يذكر.

و ان كان المراد عدم التمكن شرعا فلا معنى له الا مبغوضيته كما هو فرض حرمته تكليفا.

نعم إذا كان النهى وضعيا فمفاده عدم إمضاء المسبب و هذا خارج عن مورد الكلام.

و بالجملة النهي عن معاملة بمعنى النهى عن السبب أو المسبب لا يقتضي فسادها نعم إذا كان متعلق النهي التحريمي عملا يترتب على تمام البيع كحرمة القبض و الإقباض كما في بيع السلاح لأعداء الدين، حيث ان إقباضه شوكة لهم على المسلمين فيمكن دعوى ان حرمة الإقباض تنافي صحة البيع المزبور، فإنه لا يمكن ان يعمه دليل حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد فتأمل.

و اما مسئلة نذر التصدق بالمال فان وجوب الوفاء بالنذر و التصدق بذلك المال لا يوجب خروجه عن ملك الناذر كما انه لا يوجبه النهى عن سائر التصرفات المنافية للتصدق به لأن الأمر بشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص.

و عليه فبيع المال المزبور و ان يلازم ترك الوفاء بالنذر الا ان البيع المزبور لم يتعلق به نهى فضلا عن كونه موجبا لفساده و المنسوب الى الفقهاء من التزامهم بفساد البيع المزبور خلافه محرز كما يظهر ذلك بالمراجعة إلى كلماتهم.

نعم إذا كان نذر الصدقة بمفاد نذر النتيجة لما صح بيع المال المنذور، لخروجه عن ملك الناذر بالنذر و دخوله في ملك المنذور لهم.

و اما مسئلة الإجارة على الواجبات فقد ذكرنا في ذلك البحث انه لا مانع من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 313

و ان الفضولي غير قاصد حقيقة (1) ان يسبقه منع المالك (2).

______________________________

أخذ

الأجرة على الواجب إلا إذا كان متعلق الوجوب الإتيان بالعمل مجانا بمعنى إلغاء المالية عن ذلك العمل فإنه مع الإلغاء لم يصح أخذ الأجرة عليه حتى لو كان مستحبا فضلا عن كونه واجبا.

(1) قد نسب هذا الوجه الى السيد بحر العلوم ايضا و لعل مراده انه يعتبر في صحة البيع إنشاء الملكية حقيقة بان يرى العاقد بنظره ملكية المبيع للمشتري بإزاء الثمن، كما إذا كان العاقد مالكا أو وكيلا أو وليا على المالك و اما إذا كان العاقد فضوليا و يبيع المال للمالك متوقعا لإجازته كما هو الفرض في المقام فلا ريب في انه لا يرى ملكية المبيع للمشتري بإزاء الثمن فيكون كبيع الهازل في كونه لغوا.

و الجواب انه ان أريد انه يعتبر في صحة العقد ان يرى العاقد ملكية المبيع للمشتري بإزاء الثمن مطلقا فاعتبار ذلك في حقيقة الإنشاء ممنوع فإنه كيف يعتبره ملكا للمشتري بإزاء الثمن و لو مع عدم قبول المشترى و ان أريد اعتبارها و لو معلقا فهو موجود في العاقد الفضولي أيضا فإنه يرى ملكية المبيع للمشتري معلقا على قبوله و اجازة المالك و مثل هذا التعليق لا يضر بصحة البيع فإنه تعليق على ما يتوقف حصول البيع عليه كما لا يخفى.

(2) المسئلة الثانية ما إذا سبق منع المالك بيع الفضولي و عن فخر الدين ان هذا البيع ممنوع عند بعض من قال بتمام بيع الفضولي بلحوق اجازة المالك و يشير الى ذلك كلام والده في التذكرة حيث حمل النبوي (أيما عبد تزوج بغير اذن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 314

..........

______________________________

مولاه فهو عاهر أى زان) بعد تضعيف سنده على تزوجه بعد كراهة مولاه و منعه، و

مقتضى إطلاقه عدم اعتبار لحوق الإجازة و رضا مولاه و إذا كان النكاح مع سبق المنع عنه كذلك يثبت هذا في غيره ايضا حيث ان الفرق بين النكاح و غيره من هذه الجهة ضعيف و يظهر اعتبار عدم سبق منع المالك من المحقق الثاني أيضا حيث ذكر في بطلان بيع الغاصب وجود القرينة العامة و هي الغصب على عدم رضا المالك ببيعه.

و كيف كان و قد ذكر المصنف (ره) في وجه عدم تمام هذا البيع بلحوق الإجازة أمرين: الأول- ان الدليل على صحة عقد الفضولي و تمامه بالإجازة رواية عروة البارقي و هي لا تشمل صورة سبق المنع.

أقول مقتضى ذلك ان يعتبر أيضا في صحته بلحوق الإجازة رضا المالك به حال العقد واقعا كما هو المفروض في قضية عروة البارقي.

الثاني- ان بقاء النهي الى ما بعد البيع و عدم نسخة إلى حصوله بمنزلة رد البيع و فيه ان النهى السابق كاشف عن عدم رضا المالك بالعقد بمعنى كراهته له و سيأتي إنشاء اللّه تعالى ان مجرد عدم الرضا بالبيع و كراهته له لا يكفي في رده بل لا بد فيه من إلغاء إنشائه حتى لا ينفع لحوق الإجازة به و استظهار كفايته من بعضهم في مسئلة حلف الموكل بعدم اذنه للوكيل في الشراء و بطلان الشراء بهذا الحلف ممنوع لان بطلان الشراء انما هو فيما إذا كان للحلف ظهور في إلغاء الموكل الشراء فعلا و الا فالشراء المزبور ايضا، قابل للحوق الإجازة.

و الحاصل ان ما دل على تمام بيع الفضولي بلحوق الإجازة به في المسألة الأولى جار مع مؤيداته في هذه المسئلة ايضا و التفصيل بين المسئلتين بلا وجه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2،

ص: 315

مضافا الى ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس (1) الصريح في منعه عما عداه (2) كما هو مورد صحيحة الحلبي المتقدمة في الإقالة بوضيعة (3) و فحوى الصحة في النكاح (4)

______________________________

(1) حيث ان الوارد فيها ان وليدتي باعها بغير اذنى و الدعوى المزبورة أى بيعها بغير اذنه يصدق مع النهى السابق عنه و بدونه و ترك الاستفصال في الجواب مقتضاه، عدم الفرق بين الصورتين و تمام البيع بلحوق الإجازة به، و لكن لا يخفى انه لو كان قد نهى ابنه عن بيع الوليدة لكان الأنسب أن يذكره في دعواه لا ان يدعى ان ابنه باعها بغير إذنه.

(2) يعني اشتراط رب المال على العامل صريح في منع العامل عن غير ما اشترط عليه كما لو اشترط عليه ان يشترى غير الحيوان فإنه صريح في منعه عن شراء الحيوان

(3) حيث كان المفروض فيها اقالة البائع مع جهله بفسادها و معه يكون بيعه المتاع المزبور من المشترى الآخر بقصد كون البيع له.

(4) كان مراده ما ورد في نكاح العبد حيث يجعل نفسه في إنشائه طرفا في النكاح مع كونه فضوليا و لكن فيه ان الفضولية في النكاح لعدم رضا مولاه بالنكاح، و طرفا النكاح العبد و المرأة و المولى خارج عن طرفيه، و انما يعتبر رضاه في حصوله، و بعد الإجازة تثبت الزوجية المفروضة، بخلاف المقام، فإن الملكية المنشأة تكون للبائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 316

مع ظهور صحيحة محمد بن قيس (1) لتوقع الإجازة (2).

و هذا ليس بيعا (3) مع اختصاصه ببيع الغاصب (4)

______________________________

الفضولي، و بعد الإجازة تثبت للمالك، فلا يستفاد صحة هذه من فحوى النكاح.

(1) لم يظهر وجه

ظهورها في ان بيع الوليدة فيها من ابن مولاها كان بدعوى انها ملكه، بل من المحتمل كون بيعه بدعوى الاذن و الوكالة من أبيه.

نعم لا بأس بالتمسك بإطلاقها بمعنى ترك الاستفصال في الجواب.

(2) متعلق ببيع الغاصب يعنى قد يرضى المالك ببيع الغاصب الذي باع المال لرجاء ان يجيزه مالكه و يتملك ذلك المالك الثمن و هذا يتصور في بعض صور الاستيلاء على مال الغير على وجه الضمان.

(3) يعنى تمليك مال الغير للطرف مجانا، و تملك الثمن لنفسه من حقيقة البيع المفروض كونه نوعا من المعاوضة.

(4) يعني ما ذكر من عدم قصد المعاوضة حقيقة يكون في بيع الغاصب، حيث مع علمه بان المتاع ملك الغير لا يمكن له، إنشاء المعاوضة و القصد بتملك الثمن لنفسه و إعطاء مال الغير، بل يكون تمليكه المتاع من الهبة فضولا، و تملكه الثمن من المشترى تملكا مجانيا، و اما غير الغاصب كالجاهل بفساد الإقالة في صحيحة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 317

قصد المعاوضة الحقيقية مبنى (1)

______________________________

الحلبي المتقدمة فهو يقصد دخول الثمن في ملك من يخرج المتاع عن ملكه، غاية الأمر يكون مشتبها في تعيين مالك المتاع، فيكون كما إذا باع الولي مال أحد الطفلين باعتقاد انه للطفل الفلاني فبان بعد ذلك انه كان للآخر منهما، فان مثل هذا الاشتباه لا يمنع عن قصد المعاوضة حقيقة.

(1) يعني كما ان في مورد الاستعارة يكون اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي و يكون تطبيق ذلك المعنى بالعناية و الادعاء كذلك في مورد بيع الغاصب يكون إنشاء المعاوضة و قصدها بصيغة بعت أو غيرها حقيقيا و يكون الغاصب قاصدا دخول أحد المالين في مورد خروج الآخر الا ان هذا الإنشاء منه

بعد تنزيل نفسه و اعتباره مالكا للمبيع، و هذا التنزيل و النبأ هو المصحح لإنشاء المعاوضة، حيث يكون إنشائها بعد البناء المزبور، كإنشاء المالك من غير فرق بينهما.

نعم لو باع مال غيره لنفسه من دون البناء على كونه مالكا لم يحصل البيع لا له و لا للمالك حتى مع لحوق الإجازة و لذا ذكروا انه لو اشترى بماله لغيره بان يقصد تملك الغير المبيع من بائعه بإزاء ثمن يدفعه المشترى الى البائع بطل باعتبار ان مع القصد كذلك لا يتحقق المعاوضة.

و ربما ذكر بعض المحققين ان بيع الغاصب مال الغير لنفسه عكس ما ذكروه فيكون باطلا و لكن الأمر ليس كما ذكر فان عكسه ما إذا اعطى مال الغير و يقصد تملك الثمن من دون بناء أولا على كونه مالك المبيع فان هذا لا ينفعه الإجازة بخلاف صورة البناء على ملك المبيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 318

لان المفروض (1)

______________________________

(1) هذا تعليل لعدم كون بيع الغاصب عكسا لما ذكروه و بيانه ان عكس ما ذكروه هو بيع مال الغير لنفسه بلا تنزيل نفسه أو اعتبار كونه مالكا للمبيع، بان يقصد خروج المبيع عن ملك آخر و دخول الثمن في ملك نفسه و هذا محكوم بالبطلان، و لا ينفعه اجازة المالك و لو فرض صحته بإجازته فرضا، يكون الثمن فيه ملكا للبائع لا المالك، كما انه لو فرض صحة شراء المال للغير بمال نفسه كان المال للغير، مع ان الكلام في بيع الغاصب في وقوع البيع للمالك مع أجازته، فلا بد من ان لا يكون المفروض في المقام عكس المسئلة المذكورة.

أقول قد يورد على ما افاده المصنف (ره) كما عن المحقق الإيرواني من

ان المعاوضة المنشأة إذا كانت مبنية على الادعاء و التنزيل لا تكون المعاوضة حقيقة و خطاب حل البيع أو وجوب الوفاء بالعقد ناظر الى ما كان بيعا حقيقة و عقدا واقعيا و بتعبير آخر بناء الغاصب على تملك المتاع الذي باعه اما واسطة في العروض بان يبيع المتاع لعنوان مالكه و ادعى انطباق ذلك العنوان على نفسه.

و هذا خلاف الوجدان، لما سيأتي من ان المتاع ملك للشخص، لا للعنوان، و لا يحصل الإنشاء على العنوان المزبور، و اما واسطة في الثبوت بان يبيع المتاع لنفسه بدعوى انه مالك و يرد عليه ان هذا بيع صوري و في الحقيقة يخرج المتاع عن ملك مالكه و قد قصد دخول العوض في ملك الغاصب، فيرجع المنشأ الى تمليكين مجانيين فلا يعمه خطاب حل البيع و لا خطاب وجوب الوفاء بالعقد، اى العقد البيعي.

و لكن لا يخفى ما في الإيراد فإن بناء الفضولي على تملك المتاع لا واسطة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 319

..........

______________________________

العروض و لا واسطة في الثبوت و ذلك فان دخول العوض في ملك معطي المعوض من لوازم البيع و مقتضاه و ليس بداخل في حقيقة البيع حيث ان البيع عبارة عن تمليك المال بالعوض و إذا قصد خلاف مقتضى البيع بان يكون معطي المعوض هو زيد، و يدخل العوض في ملك عمرو، فلا يتمشى من العاقد مع هذا القصد إنشاء البيع نظير ما ذكروه في اعتبار ان لا يكون الشرط في المعاملة على خلاف مقتضى العقد حيث مع كونه مخالفا لمقتضاه يبطل الشرط بل العقد و ذلك فإنه إذا باع المتاع من الآخر مثلا و اشترط عليه ان لا يكون له حق

المطالبة بالمبيع و التصرف فيه أصلا فإن حق المطالبة بالمبيع و التصرف فيه و ان لا يدخل في مدلول البيع الا ان البناء على عدم حق المشترى في مطالبته بالمبيع و التصرف فيه الى الأبد، لا يجتمع مع قصد تمليك المتاع منه، فان جعل ملكيته له مع القصد المزبور بلا معنى.

و على ذلك فان باع الفضولي المتاع من زيد بقصد ان يتملك الثمن من زيد بلا بناء على تملك المتاع أولا، فلا يكون في البين إنشاء البيع حقيقة، حيث ان مع قصد خلاف مقتضى البيع، لا يحصل قصد البيع، بخلاف ما إذا قصد تملك المتاع و يأخذ ثمنه فان مع البناء المزبور، يمكن إنشاء البيع، و الحاصل ان البناء المزبور أمر زائد على مدلول البيع و لكن قصد خلافه لا يجتمع مع إنشاء البيع.

ثم ان تملك الغاصب المتاع و الثمن أمر لا يمضه الشرع فإن أجاز المالك البيع المنشأ من الغاصب يترتب عليه مقتضاه الواقعي و هو دخول الثمن في ملك مالك المتاع نظير بيع المتاع في الإقالة الفاسدة كما هو مورد صحيحة الحلبي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 320

..........

______________________________

المتقدمة فإن بناء البائع على كونه مالكا للمتاع و الثمن المأخوذ من المشترى الثاني غير ممضى شرعا فيترتب على إجازة المشتري الأول البيع المزبور مقتضاه الشرعي و هو دخول الثمن في ملكه لأنه يعطى المعوض كما لا يخفى.

ثم انه ربما يذكر انه لا يعتبر في البيع دخول العوض في ملك من يخرج منه المعوض و ما ذكره العلامة (ره) من ان مقتضى البيع دخول الثمن في ملك من يخرج منه المثمن غير صحيح بل حقيقة البيع ليس إلا الإعطاء اللامجان و لو

اعطى زيد المتاع للمشتري ليدخل الثمن في ملك شخص ثالث صح البيع و لذا يصح بيع الكلى على الذمة سلما أو حالا مع عدم كون ذلك الكلى ملكا للبائع و كذا يصح بيع الأوقاف و الزكوات و أمثال ذلك.

ثم ذكر هذا القائل الجليل انه إذا باع السارق متاع الغير من دون بناء على كونه مالكا لذلك المتاع بثمن يتملكه و اجازة المالك، وقع البيع للمالك و يدخل الثمن في ملكه، و مجرد اقتران البيع بقصد لغو لا يمنع عن الصحة.

أقول اما جواز بيع الكلى على الذمة فلا شهادة فيه على انه لا يكون البيع هو التمليك بعوض و انه ليس مقتضاه دخول الثمن في ملك من يعطى المعوض للمشتري و انما يكون شاهدا على انه ليس البيع في حقيقته إنشاء المعاوضة و المبادلة بأن يعتبر في البيع كون المبيع ملكا لبائعه و لكن لا شهادة في بيع الزكوات و الأوقاف أصلا فان في بيع الزكاة أو الوقف العام بل الخاص ايضا يدخل العوض في ملك من يخرج عن ملكه المعوض و لو كان المخرج عن ملكه هو الجامع المنطبق على كل من الأصناف الثمانية أو العنوان العام أو الأشخاص المعبر عنها بالموقوف عليهم في الوقف العام أو الخاص.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 321

كان منافيا لصحة العقد (1).

______________________________

و اما ما ذكر أخيرا من انه لو أجاز المالك البيع فيما إذا قصد السارق تملك الثمن لنفسه من دون بناء منه على تملك المثمن صح البيع و مجرد اقتران الإنشاء بقصد لغو لا يمنع عن الصحة، ففيه انه قد تقدم ان البناء على كون المتاع مال الغير و القصد الى تملك الثمن من المعطى

له لا يجتمع مع قصد إنشاء البيع فكيف يتم بإجازة المالك.

و اما ما هو المتعارف من ان المشترى يقول لمالك المتاع سلمه الى فلان بهذا الثمن فهو من الحقيقة توكيل للبائع في تمليك المتاع الى ذلك الشخص بعد دخوله في ملك المشترى، و كذا الحال فيما إذا قال للغير اشتر بمالي هذا كتابا لنفسك، فإنه أيضا في الحقيقة توكيل للعاقد في تمليك المبيع لنفسه بعد الاشتراء أو تمليك ذلك المال منه على ان يصرفه في شراء الكتاب.

(1) يعني إجازة ما قصده الفضولي تكون منافية لصحة العقد لان معنى صحة العقد بالإجازة وقوع المعاملة للمالك بدخول الثمن في ملكه، و عقد الفضولي مدلوله دخول الثمن في ملك الفضولي لا المالك، و ان فرض تعلق الإجازة بغير المقصود، بان يكون مقتضى الإجازة دخول الثمن في ملك المالك لا الفضولي، فلازمه كون الإجازة عقدا مستأنفا، لا إمضاء للعقد المنشأ سابقا، حيث ان دخول الثمن في ملك المالك لم ينشأ لا أصالة و لا فضولا.

و أجاب عن الاشكال المحقق القمي في أجوبة بعض مسائله ان اجازة المالك في هذه الصورة تكون مصححة للعقد السابق و لا تكون مجرد إمضاء لمضمونه كما في المسئلتين الاولى و الثانية و التصحيح هو صرف البيع عن الفضولي و إضافته

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 322

فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز (1).

______________________________

إلى المالك نظير ما في مسئلة من باع شيئا ثم ملك فإنه كما تكون الإجازة في تلك المسئلة صرفا للبيع المزبور عن مالكه السابق الى العاقد، كذلك في هذه المسئلة تكون، صرفا لمضمون العقد عن العاقد فضولا و اضافة له الى المالك.

و هذا التصحيح كما صرح

المحقق المزبور في موضع آخر في حقيقته، عبارة عن إنشاء تبديل في مضمون العقد، و لذا أورد عليه المصنف ان لازم ذلك ان تكون اجازة المالك عقدا مستأنفا يتضمن الإيجاب و القبول لا إيجابا مستأنفا لينضم الى القبول السابق فيلتئم العقد ليمكن احتماله كما حكاه كاشف الرموز عن شيخه، و ذلك فان قبول العقد السابق انما يتضمن تملك المبيع من العاقد و تمليك الثمن إياه و هذا القبول كما ترى لا يتضمن تملك المبيع من المالك و تمليك الثمن منه ليكون اجازة المالك، إيجابا متأخرا للقبول المتقدم، و كون الإجازة بمنزلة العقد المستأنف و قيامها مقام الإيجاب و القبول، خلاف الإجماع و خلاف العقل الحاكم بعدم تمام المركب و منه العقد الا باجزائه و هي في المقام الإيجاب و القبول المفروض كون أحدهما فعلا للبائع و الآخر للمشتري.

(1) و حاصله ان ما قصده الفضولي أمران: أحدهما- إنشاء البيع و حقيقته تمليك المال بعوض لا مجانا و مقتضى ذلك ان يكون الثمن داخلا في ملك من يعطى منه المبيع و ثانيهما- دخول الثمن في ملك العاقد الفضولي سواء كان غاصبا أو معتقدا بكونه مالكا للمبيع خطاء و قصد الأمر الثاني لا ينافي الأول حيث ان قصد المعاوضة كما تقدم لا يجتمع مع قصد دخول الثمن في ملك العاقد فيما إذا لم يكن العاقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 323

..........

______________________________

بانيا على كونه مالكا للمبيع عدوانا أو اعتقادا، و اما مع البناء أو الاعتقاد، فلا ينافي إنشاء المعاوضة، و اجازة المالك انما تتعلق بالأمر الأول دون الثاني و إذا تمت المعاوضة بإجازة المالك، يترتب مقتضاها الواقعي، لا الادعائي و لا الاعتقادي كما لا يخفى.

و

لكن هذا الجواب يجري في خصوص ما إذا قصد الفضولي فيه أمرين و اما إذا كان المنشأ المقصود واحدا و هو تملكه الثمن بإزاء المال المفروض كونه للغير أو قال المشتري الفضولي للبائع الأصيل تملكت منك الثوب بهذه الدراهم مثلا فقال البائع ملكتك أو قال البائع ابتداء ملكتك الثوب بهذه الدراهم فقال المشترى تملكت فالمنشأ في هذه الصورة أمر واحد و هو تملك الفضولي و هذا لا يصح للمالك بإجازته.

و أجاب (ره) عن ذلك بان إنشاء تملك الثوب لنفسه انما هو باعتبار كونه مالكا للدراهم اعتقادا أو بناء و الا لم يثبت عنوان البيع و المعاوضة.

و بتعبير آخر كونه مالكا للدراهم جهة تقييدية في تملكه الثوب فيكون تمليك الثوب بعنوان كونه مالكا للدراهم في الحقيقة تمليكا لعنوان مالك الدراهم حيث ان الثابت لشي ء من جهة تقييدية ثابت لنفس تلك الجهة، و على ذلك فتتم المعاملة لمالك الدراهم بإجازته.

أقول إنشاء الملك لعنوان مالك الثمن و لو كان عنوانه جهة تقييدية قابل للمنع فإنه لا ينشأ في البيع المزبور الملكية إلا للأشخاص لا للعنوان الطبيعي ليقال بانطباقه على مصداقه الواقعي، و ان شئت قلت كل من المالين في الفرض ملك للشخص، لا الكلى و العنوان، فلا بد من ان يجعل الملكية للشخص.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 324

..........

______________________________

و المتعين في الجواب ان يقال ان إنشاء المشتري الفضولي تملك الثوب مثلا بالدراهم المفروضة، ملازم لإنشاء البيع بين الثوب و الدراهم، و هذه المعاوضة المستفادة من إنشاء تملكه، مورد لإمضاء المالك.

و الحاصل انه لا فرق بين كون المنشأ ابتداء هي المعاوضة بين المالين و يستفاد قصد الفضولي من القرينة كما في قول البائع الغاصب للمشتري بعت

هذا المال بكذا و بين ان يكون المنشأ تملك الغاصب المال من الأصيل و يستفاد إنشاء المعاوضة بالتبع كما في قول المشترى الغاصب تملكت الثوب بهذه الدراهم.

بقي في المقام أمر لا بأس بالتعرض له و هو انه قد يقال ان البيع في حقيقته فعل البائع و ركنه الوحيد هو الإيجاب المتضمن لتمليك المال بعوض و اما القبول فلا يكون ركنا للبيع و لا العقد بل إمضاء لإيجاب البائع و تمليكه المال بعوض و بتعبير آخر الإيجاب من المالك يتضمن التمليك بعوض و يكون أصليا بالإضافة الى مال المالك و فضوليا بالإضافة إلى المشتري فقبول المشتري إجازة للإيجاب بالإضافة إلى الثمن.

و لذا لو لم يكن الإيجاب فضوليا من ناحيتي الثمن و المثمن فلا يحتاج الى القبول أصلا كما إذا باع الولي على الطفلين مال أحدهما بمال الآخر فإنه حيث لا فضولية في الإيجاب أصلا فلا يحتاج الى القبول الذي في حقيقته اجازة للإيجاب.

و على ذلك فإذا اشترى الأصيل مال الغير بثمن و قال تملكت المال بكذا فهذا في الحقيقة إيجاب و اجازة المالك بعد ذلك، قبول لذلك الإيجاب، و اما إنشاء الفضولي قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 325

..........

______________________________

ذلك و قوله: بعت المال بكذا فهو أمر لغو لا يكون إيجابا و لا قبولا و المتحصل من هذا الكلام أمران أحدهما ان البيع فعل البائع فقط و حقيقته الإيجاب المتضمن لتمليك المال أو تملكه بعوض و اما القبول فهو إجازة للإيجاب فلا يحتاج اليه الا إذا كان الإيجاب فضوليا من ناحية الثمن أو المثمن و الثاني انه لا يعتبر الموالاة بين الإيجاب و القبول فاجازة المالك المجيز يعتبر قبولا لإيجاب الأصيل الذي يكون

فضوليا من جهة الثمن أو المثمن فيكون الإيجاب المزبور أصليا من جهة كلا العوضين فيعمه إطلاق حل البيع أو عموم وجوب الوفاء.

أقول لا ينبغي الريب في انه لا يصدق عنوان البيع على الإيجاب و لو مع عدم حصول القبول من المشترى فلا يقال لزيد انه باع داره ما لم يحصل القبول من المشترى و لا بعد في ان يكون صدق عنوان على فعل شخص موقوفا على صدور فعل عن شخص آخر و نظير ذلك في غير المعاملات ما ذكرناه في عنوان غيبة المؤمن فإن غيبته عبارة عن كشف ما ستره اللّه عليه للناس و إذا لم يكن للمخبر عن سوء المؤمن مستمع لا يحصل عنوان كشف عيوبه و لكن الكشف عند وجود المستمع يستند إلى القائل و يطلق عليه المغتاب بالكسر.

و الحاصل انه بعد حصول الشراء من المشترى يطلق عنوان البيع على إيجاب الموجب و يقال انه باع داره أو غيرها من أمواله.

ثم ان تمييز فعل البائع عن فعل المشترى يكون بالعرف فإنه ليس للشراء حقيقة غير ما عند العقلاء و لا ينبغي الريب في ان الاشتراء عندهم الذي يحصل بالقبول ليس بمعنى اجازة الإيجاب فان اجازة الإيجاب في مقابل رده يقوم مقام الاذن في الإيجاب و لذا يحصل اجازة الإيجاب و رده في مورد لم يكن للموجب فيه سلطنة على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 326

..........

______________________________

الإيجاب فمفاد القبول عندهم المصحح لإطلاق عنوان الاشتراء عليه في باب البيع عبارة عن إنشاء تملك المثمن بإزاء الثمن الا ترى انه لم يعهد من أحد القول بان انتقال الثمن الى ملك البائع و انتقال المثمن الى ملك المشترى يحصل من حين تمام الإيجاب بل

كلهم متفقون على ان حصول النقل و الانتقال بعد تمام القبول.

و قد ذكرنا ان الأمر كذلك حتى في نظر المتعاقدين حيث ان الموجب يجعل ملكية متاعه للطرف من حين إنشاء الطرف تملكه و لكن المشهور في بيع الفضولي يلتزمون بالكشف و ان مبدء النقل و الانتقال يكون من حين تمام العقد لا من حين حصول الإجازة على ما سيأتي و لو كانت الإجازة من المالك الفضولي مساويا للقبول من المشترى في المفاد لما أمكن ذلك الا بالتعبد.

و الحاصل ان الناظر في المعاملات الدارجة بين العقلاء يمكن له الجزم بان اعتبار القبول في المعاملات ليس باعتبار انه اجازة لجهة فضولية في الإيجاب، الا ترى الهبة و هو تمليك المال للغير مجانا يحتاج الى القبول مع انه ليس في الهبة تصرف في مال الغير أصلا.

و قد ظهر مما ذكر انه لا يمكن حصول البيع بالإيجاب فقط حتى فيما كان الموجب وكيلا أو وليا بالإضافة إلى مالك المثمن و مالك الثمن، فان قوله بعت هذا بكذا إنشاء لتمليك المال بالعوض و ذكرنا ان مجرد ذلك لا يكون بيعا بل لا بد في صدق عنوانه من إنشاء تملك المتاع بالثمن، و هذا الإنشاء لم يحصل من الوكيل أو الولي على الفرض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 327

مع انه ربما يلتزم صحة أن تكون الإجازة لعقد الفضولي (1)

______________________________

(1) كان الكلام في المسئلة الى هنا مبنيا على ان صحة العقد بإجازة المالك مقتضاها وقوع المعاملة له بان يكون الثمن مثلا داخلا في ملكه بإجازته و قد نوقش في ذلك كما مر بأن الصحة بهذا المعنى مخالف لمضمون العقد، حيث ان مضمونه راجع الى تملك العاقد فضولا كما هو

مقتضى بيعه لنفسه، و إرجاعه إلى المالك بإجازته التزام بكون الإجازة عقدا مستأنفا، لا انها إمضاء لمضمون العقد السابق.

و الكلام فعلا راجع الى ان صحة عقد الفضولي يمكن ان تكون على طبق مضمون العقد بان تكون اجازة المالك موجبة لوقوع المعاملة و تمامها للعاقد.

و تقرير ذلك بوجهين:- أحدهما- ان العاقد الفضولي يعتبر المال ملكا لنفسه أولا ليكون بيعه باعتبار ذلك موجبا لدخول العوض في ملكه، و كما ان الاذن في هذا النحو من البيع في الحقيقة، توكيل له في تملكه المال أولا ثم بيعه ليدخل العوض في ملك المأذون بأن يقول له بع مالي لنفسك أو اشتر لنفسك بمالي كذلك الحال في الإجازة حيث ان الإجازة، تفيد فائدة الإذن السابق.

و الوجه الثاني المنع عن كون لازم المعاوضة دخول أحد المالين في ملك من يخرج المال الآخر عن ملكه بل يكفي في تملك الثمن كون العاقد مأذونا في بيع مال الغير لنفسه كما يكفي في تملك المبيع كونه مأذونا في الشراء لنفسه بمال الغير و الفرق بين الوجهين انه لو فرض فسخ البيع بأحد موجباته يرجع المال الى مالكه المجيز على الوجه الثاني لعدم صيرورته ملك العاقد قبل البيع بخلاف الوجه الأول،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 328

و يملك المثمن المشترى (1).

التزام تملك البائع الغاصب للثمن مطلقا (2).

______________________________

فإنه عليه، يرجع المال الى العاقد، باعتبار انه كان مالا له قبل المعاوضة.

و أورد المصنف (ره) على الوجه الأول بأن بناء العاقد و قصده تملك المال قبل بيعه، لا يفيد شيئا و لا يدخل بذلك المال في ملكه حتى فيما إذا كان باذن المالك فإنه لا بد في تملك المال من إنشاء تملكه قولا أو فعلا

و لو بمثل ما إذا أنشأ ذلك بقوله بعت هذا المال لنفسي بكذا بان قصد به جعل المال له أولا ثم تمليكه للآخر و لكن المفروض في مثل الغاصب انه يعتبر المال ملكا قبل بيعه و يكون بيعه مجرد التصرف في ماله.

و بالجملة فالإذن السابق لا يفيد في هذا النحو من التملك الذي يكون بمجرد البناء و القصد فكيف إذا كان بالإجازة اللاحقة.

و بهذا يظهر الحال في مسئلة ما إذا قال له بع مالي لنفسك أو اشتر لنفسك بمالي فإنه إذا حصل من المأذون إنشاء تملك المال لنفسه و لو مقارنا للتصرف فيه ببيعه من الغير فهو و الا فلا يفيد الاذن المزبور شيئا و يكون بيعه واقعا عن المالك لا محالة.

و أجاب (ره) عن الوجه الثاني بما تقدم من انه لا يمكن في المعاوضة دخول أحد العوضين في ملك من لا يخرج المال الآخر عن ملكه و الا كان تمليك كل من المالين مجانيا.

(1) المشترى بصيغة المفعول صفة للمثمن.

(2) المراد بالإطلاق تملك الغاصب الثمن من الأول في مقابل تملكه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 329

يظهر اندفاع اشكال آخر (1)

______________________________

آنا ما قبل التصرف فيه.

(1) لا يخفى ان هذا الاشكال لا يدفع بالالتزام بجعل ملك العوضين لعنوان مالك الثمن و المثمن بل يجرى حتى بناء على الالتزام المزبور، فان حاصل الاشكال انه في مورد بيع البائع الفضولي المال لنفسه و قبض الثمن من المشترى العالم بالحال لا يمكن ان تكون اجازة المالك نافذة لاستلزام نفوذها كون البيع بلا ثمن.

و بيان ذلك انه قد أورد على صحة البيع في المسئلة الثالثة بإجازة المالك بوجه آخر و هو ان المنسوب إلى الأصحاب عدم جواز

رجوع المشترى الأصيل إلى البائع الغاصب بالثمن المدفوع اليه مع العلم بالحال فيما إذا رد مالك المبيع البيع المزبور و هذا الحكم، كاشف عن صيرورة الثمن ملكا للغاصب.

و على ذلك فاجازة المالك لا تفيد شيئا و لا يدخل الثمن في ملكه، لان البيع في الفرض بلا ثمن، و لعل نظر العلامة (ره) الى ذلك، حيث قال بعد الإشكال في صحة الفضولي مع جهل المشترى (ان الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل) و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بما توضيحه ان ملك الثمن للغاصب لا يحصل بمجرد العقد بل بالعقد يجعل ملك الثمن لمالك المبيع و ملك المبيع لمالك الثمن غاية الأمر يكون المشترى العالم بالحال دفعه الثمن الى الغاصب تسليطا للغاصب على الثمن مجانا فان اجازه المالك البيع و قلنا بكون الإجازة كاشفة يكون الثمن المزبور ملكا للمالك دون الغاصب لأن الإجازة تكشف عن دخول الثمن في ملك المالك المجيز قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 330

..........

______________________________

دفعه الى الغاصب فيكون دفعه الى الغاصب تسليطا للغاصب على مال غيره فلا يدخل في ملك الغاصب.

و الشاهد على ذلك أى تسليط الغاصب على الثمن يكون بالدفع دون العقد انه لو لم يدفع الثمن الى الغاصب لا يكون للغاصب انتزاعه سواء أجاز المالك البيع المزبور أم لا.

نعم للإشكال وجه بناء على كون الإجازة ناقلة و لكن يمكن القول ان تسليط الغاصب على الثمن، يكون مراعى بعدم اجازة المالك خصوصا إذا كان الشراء من الغاصب بتوقع اجازة المالك.

أقول لا يخفى انه لو كان المراد بالتسليط هو تمليك المال مجانا فكونه مراعى بعدم الإجازة يوجب بطلانه لانه من التعليق في الهبة فلا بد من ان يكون

المراد منه هو الاذن في كل تصرف حتى الموقوف على الملك بان يتملك المال أولا ثم يتصرف فيه و ان بطلان تسليط المشترى الغاصب على الثمن، يبتنى على الكشف الحقيقي في الإجازة، و لو بان يكون الشرط في صحة عقد الفضولي وصف تعقبه بالإجازة فإن هذا الوصف يحصل للعقد من الأول على تقدير الإجازة، فيكون الثمن منتقلا في علم اللّه الى المالك المجيز من حين إنشاء عقد الفضولي، فتسليط المشترى الغاصب على الثمن المزبور يكون في الواقع تسليطا على مال الغير، فلا يصح.

نعم على القول بالكشف الحكمي و اعتبار ملكية المثمن و الثمن لطرفي العقد حين الإجازة من زمان العقد يكون التسليط المزبور حينه نافذا لكون الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 331

الكلام في صحة بيع الفضولي (1) إذ المال مردد في باب الفضولي بين مالكه الأصلي و من وقع له العقد (2)

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 331

______________________________

ملكا للمشتري في ذلك الحين و بعد حصول الإجازة يعتبر التسليط المزبور إتلافا على المالك المجيز، فيضمن له المشترى بدله على ما سيأتي.

هذا مع ان أصل دعوى تسليط المشترى الغاصب على الثمن مجانا غير صحيح لان دفعه اليه كان بعنوان كونه بدل المثمن، و كما ان الغاصب كان بانيا على ملك المبيع و قد قصد تملك الثمن بإزائه كذلك يكون المشترى أيضا بانيا عليه و لذا قد دفع الثمن إلى البائع المزبور، فأين التسليط أو التمليك المجاني.

(1) ذكر في الرياض ان بيع الفضولي لنفسه باطل إجماعا كما صرح به جماعة

كالعلامة في جملة من كتبه كالمختلف و التذكرة مدعيا عدم الخلاف فيه و ذكر المصنف (ره) ان الحكم بالبطلان في المسئلة الثالثة في الرياض و نسبة دعوى عدم الخلاف فيه الى العلامة اشتباه و ذلك فان الكلام في المسئلة الثالثة في وقوع البيع لمالك المال مع أجازته و قد تقدم ان البيع مع أجازته يقع له على المشهور الأقوى و لم يخالف فيه العلامة فضلا عن ذكره عدم الخلاف في بطلانه.

و اما فيما إذا باع مال الغير ثم تملك البائع ذلك المال و أجاز بيعه السابق فهذا باطل لا يقع للبائع و هذا هو الذي ذكر العلامة عدم الخلاف في بطلانه، و لا يرتبط بالمسئلة الثالثة، فما ذكر في الرياض اشتباه الا ان يريد البطلان في مسئلة وقوع البيع للبائع بعد تملكه، و لكن ظاهر عبارته لا يساعد على ذلك.

(2) المراد بمالكه الأصلي الذي ينتقل منه المال بتمام العقد كما ان المراد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 332

..........

______________________________

بمن وقع له العقد من ينتقل اليه المال بتمامه و لا فرق فيما ذكر من وقوع العقد عن المالك المجيز بإجازته و بطلانه مع رده بين كون المال المزبور ملكا قبل عقد الفضولي كما في مورد جريان البيع على العين الخارجية أو الكلي الثابت على الذمة من قبل أو ملكا بذلك العقد كما في مورد بيع الكلي الذي يثبت على الذمة بتمام البيع المزبور.

نعم قد يستشكل في جريان الفضولية في الكلي الذي يثبت على العهدة بالبيع و وجه الاشكال ان العوضين في باب البيع يعتبر ان يكونا مالين قبل وقوع المعاملة حيث انه تمليك مال بعوض و إذا باع الأصيل الكلى بذمته يكون عرضه

الكلى المزبور للبيع موجبا لصيرورته مالا فإنه يبذل العقلاء بإزائه المال، فيقع البيع على ما صار مالا بعرضه للبيع، بخلاف ما إذا كان البائع فضوليا و اعتبر الكلى على عهدة الغير فضولا، فإنه لا يكون الكلى بذلك مالا، فلا يكون تمليكه بعوض من تمليك المال بالعوض.

و ربما يجاب عن ذلك بان تمليك الفضولي الكلي على عهدة الغير و ان لا يكون من قبيل تمليك المال بالعوض قبل اجازة ذلك الغير الا انه بإجازته يصير مالا، و هذا المقدار يكفي في تمام البيع و قد أورد على هذا الجواب بعض الأعاظم و هو الخمينى العزيز (دامت شوكته) بان اجازة المالك لا يصحح كون الكلى المزبور مالا لأن الإجازة إنشاء واحد و صيرورة الكلي مالا و تمليكه بعوض أمران مترتبان حيث يتعين ان يكون المثمن و الثمن مالين قبل إنشاء ملكية الأول بإزاء الثاني.

و ذكر ان المتعين في الجواب عن الاشكال هو الالتزام بأن الكلي مع قطع النظر عن إضافته إلى ذمة أحد في نفسه مال فإنه يصح ان يقال ان الكر من الحنطة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 333

..........

______________________________

يساوي عشرين دينارا و المثقال من الذهب يساوى كذا من المال، و هذا شاهد لكون الكلى مع قطع النظر عن إضافته إلى ذمة الأصيل أو الأجنبي في نفسه مال يصح تقويمه و يكون تمليكه بعوض من تمليك المال بالعوض و الا فالإضافة لا توجب المالية، بل اعتباره في الذمة يوجب سلب ماليته، فإنه بالاعتبار في الذمة يكون من الكلي العقلي الذي لا موطن له في الخارج.

(أقول) لا يخفى ان اضافة الكلي إلى ذمة أحد ليس بمعنى تقييد الكلي الطبيعي الذي يصح اتصافه بالوجود و

العدم بوجوده الذهني ليقال انه بهذا الاعتبار كلى عقلي لا موطن له في الخارج الا ترى ان الثمن في بيع النسية أو البدل في مورد القرض كلى بالذمة من غير خلاف و ان إعطاء الفرد منه للبائع أو الدائن خارجا بقصد إفراغ ذمته أداء لذلك الثمن وفاء للدين الذي على عهدته و لو كان المال على الذمة معناه تقييده بالوجود الذهني لما كان ما ذكر أداء و وفاء حيث انه لا موطن للموجود الذهني الا الذهن بل المراد من الذمة هو تعهد الشخص بذلك الكلي بأن يطبقه على الخارج بأداء فرده و لو لم يكن لفرده وجود فعلا، و هذا في مقابل اجراء المعاملة على الكلي في المعين، بان يكون مورد المعاملة الكلي الذي يصلح تطبيقه على أحد الأفراد المعينة المملوكة فعلا لبائعه.

ثم ان الكلى القابل للاتصاف بالوجود و العدم لا يكون مالا حيث لا يساوى مالا في اعتبار العقلاء بل اتصافه بالمالية الفعلية و تساويه بالمال على تقدير الوجود فعلا كما هو الحال في بيع الفرد الفعلي أو الكلي في المعين أو على تقدير الالتزام بإعطائه و الوفاء به و لو مستقبلا و ان لم يكن موجودا بالفعل و عليه فان مع التزام البائع في بيع الكلي بإعطائه و تسليمه كما هو معنى اعتباره على ذمته يكون بيعه بالعوض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 334

..........

______________________________

من تمليك المال بالعوض و ان اعتبر الكلي في عهدة الغير فضولا و ملكه بعوض فهذا الكلى على تقدير اجازة الغير يصير مالا حيث معنى أجازته الالتزام بإعطائه.

و قد ذكرنا سابقا انه لا يعتبر في صدق عنوان البيع كون المبيع أو الثمن مالا قبل إنشاء البيع

أو حين إنشائه و ان ما ذكر في تعريفه من أنه مبادلة مال بمال من قبيل شرح الاسم بل اعتبار المالية فيهما باعتبار ان لا يكون تملك أحدهما بإزاء الآخر من أكل المال بالباطل و على ذلك فبإجازة من اعتبر العاقد، الكلى بذمته، يكون المبيع مالا و قد ملك بعوض كما هو الفرض فيخرج التمليك المزبور عن كونه أكلا للثمن بالباطل، و ليس اجازة البيع في بيع الكلى على الذمة إلا الالتزام بإعطاء ذلك الكلى فيدخل الثمن في ملكه لما تقدم من ان مقتضى البيع دخول الثمن في ملك من يعطى عنه المعوض و المال في جميع ذلك مردد بين بقائه على حالته الأولية كما في فرض عدم اجازة من ينتقل منه المال أو انتقاله الى من ينتقل اليه كما في فرض أجازته و اما العاقد الفضولي فهو خارج عن طرفي المعاملة.

نعم لو وقع بينه و بين الأصيل منازعة في كون العقد لنفسه أو لغيره بان كانت دعوى العاقد انه قد باع أو اشترى للغير و أنكرها عليه الأصيل و قال بعت و اشتريت لنفسك حلف الأصيل على عدم علمه بدعوى العاقد، و يثبت المال على ذمة العاقد، لأصالة العاقد و صحة العقد.

و الحاصل ان مع اجراء البيع على مال الغير أو مع اعتبار المال على ذمة الغير أو اضافة البيع للغير فان كان في البين اجازة من ذلك الغير فهو و الا يقع العقد باطلا واقعا غاية الأمر على تقدير منازعة الأصيل و العاقد يثبت العقد للعاقد ظاهرا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 335

..........

______________________________

و لكن المنسوب الى ظاهر جماعة في بعض فروع المضاربة وقوع العقد للعاقد واقعا، قال في الشرائع في

باب المضاربة انه لو اشترى من ينعتق على رب المال فان كان باذنه صح الى ان قال و ان كان بغير اذنه و كان الشراء بعين المال بطل و ان كان في الذمة وقع الشراء للعامل، الا ان يذكر رب المال، و ظاهر ذلك وقوع الشراء للعاقد واقعا لانه لم يفرض في البين تنازع ليحمل العبارة على الحكم الظاهري، و ربما يذكر انه إذا اتفق البائع و القابل على وحدة قصدهما و لكن قال البائع بعتك المال و قبلت لنفسك، و قال المشترى بعت المال بثمن على عهدة زيد و اشتريته له يكون المورد من موارد التحالف، و اما إذا لم يتفقا على ذلك بان قال البائع بعتك المال، و قال المشترى نعم، و لكن قصدت الشراء لزيد، يكون المورد من موارد الدعوى و الإنكار، فإن المشتري لادعائه خلاف مقتضى ظهور الشراء يكون مدعيا، فلا بد من ان يحلف البائع على نفى دعوى المشترى.

و انه لم يقصد ذمة زيد لا على نفى علمه بالقصد المزبور، كما هو ظاهر الشيخ (ره) لان نفى علمه لا ينافي دعوى المشترى، و حيث لا يمكن للبائع هذا الحلف لعدم طريق له الى العلم بقصد المشترى، فيرد الحلف على المشترى، و إذا حلف على قصده، يحكم ببطلان البيع، لكون البيع المزبور فضوليا لم يلحقه اجازة زيد، و في النتيجة يكون البيع كمورد التحالف محكوما بالبطلان.

(أقول) ظاهر كلام المصنف (ره) و جماعة انه يكفى في صحة البيع فيما إذا كان أحد العوضين كليا في الذمة تعيين العاقد صاحب الذمة بقصده فقط و ان لم يعينه عند إنشاء العقد بقرينة حالية أو مقالية، كما إذا قال البائع بعتك المال بعشرة دراهم

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 336

..........

______________________________

و قال قبلت مع قصده كون عشرة دراهم على ذمة زيد أو كون الشراء له الذي يكون بمعنى ان زيدا صاحب الذمة فإن هذا مقتضى دخول المبيع الى ملكه، و لكن صحة هذا البيع لا يخلو عن تأمل، بل منع، لما ذكرنا من ان الكلى ما لم يضف إلى ذمة شخص لا يصلح جعله عوضا.

و ايضا المحتاج الى تعيين الذمة هو ذمة الغير لا ذمة العاقد فان قول البائع بعت المال بعشرة دراهم و ان يعم بيعه بالعشرة سواء كانت بذمة العاقد أو شخص آخر و لذا يصح للمشتري ان يقول في قبوله قبلت لزيد أو ما هو بمعناه الا ان مع عدم تعيين الغير ينصرف إطلاق القبول المتضمن لإضافة القابل تملك المتاع الى نفسه الى كون الثمن بعهدته و المفروض ان الذي ينصرف إليه الإطلاق غير مقصود و لم يجعل عوضا و ما قصده العاقد من كون الثمن بعهدة زيد لم يذكر في العقد و لم ينصب عليه قرينة فالشراء باعتبار عدم تعيين العوض باطل.

و على ذلك فلو اختلف البائع و القابل فقال البائع بعتك المال بعشرة على عهدتك فقال المشترى اشتريته و لكن قصدت كون الثمن على عهدة زيد فيقدم قول البائع لكون قوله على طبق ظهور القبول و قول المشترى قصده الى كون الثمن على عهدة زيد على خلاف ظهور المزبور فيكون مدعيا، فيتوجه إلى البائع الحلف على عدم علمه بقصد القابل ان ادعى علم البائع بقصده، و لا يتوجه إلى البائع حلف أصلا إذا لم يدع القابل علم البائع بقصده و على التقديرين يحكم بكون الثمن على عهدة المشترى، و لا دليل في

مثل الفرض على لزوم الحلف على المنكر، فضلا عن رده الى المدعى، و تفصيل ذلك موكول الى بحث القضاء، و لو قيل بكفاية تعيين القابل صاحب الذمة بقصده في صحة الشراء و وقوعه لزيد يكون الأمر في مقام الاختلاف ايضا كذلك، بل الأمر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 337

ظهر من ذلك التنافي (1).

______________________________

كذلك فيما إذا اختلفا في صورة العقد و قال البائع بعتك المال و اشتريته، و قال المشترى بل اشتريته لزيد بإضافة شرائى اليه، أو بتعيينه صاحب الذمة فيقدم قول البائع، لموافقته لأصل لفظي معتبر، و هي أصالة عدم ذكر المشتري القرينة على خلاف ظهور الشراء الذي أشرنا إليه، فيكون المشترى مدعيا لادعائه خلاف الأصل المزبور و يحلف البائع على نفى تعيين القابل كما لا يخفى.

(1) قد تقدم ان وقوع الشراء للغير يكون بإضافته إلى الغير تارة، و باعتبار الثمن في عهدته أخرى، و على ذلك فيقع الكلام فيما إذا جمع العاقد بين المتنافيين و للجمع صورتان: الأولى- بأن أضاف الشراء الى الغير و اعتبر الثمن بذمته و الثانية- ان يضيف الشراء الى نفسه و يعتبر الثمن على عهدة الغير.

و قد ذكر المصنف (ره) في الصورة الاولى انه يحتمل بطلان الشراء لان قصد إنشاء الشراء لا يحصل من العاقد مع اعتباره العوض على عهدة الغير و قصده دخول المعوض الى ملكه، و يحتمل إلغاء أحد القيدين بالالتزام بحصول قصد إنشاء الشراء اما بان يكون قصده الشراء للغير لغوا فيصح الشراء للعاقد، و اما ان يلغى اعتبار المال على عهدته فيكون الشراء فضوليا.

و ذكر في الصورة الثانية انه لا يحتمل بطلان الشراء لحصول قصد إنشائه و يحتمل وقوع الشراء للغير لانه

مع اعتبار الثمن على عهدة الغير يكون قصده الشراء لنفسه، مبنيا على بنائه بان ما على عهدة الغير، ملك له عدوانا أو اشتباها، و هذا هو الفرق بين هذه الصورة و الصورة الاولى.

و يحتمل وقوع الشراء لنفسه لأن إضافته إلى نفسه أولا، مقتضاه اعتبار المال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 338

يقع للمشتري لكل حال (1) و ان كان في الذمة لغيره و أطلق اللفظ (2)

______________________________

على عهدته، فيكون قصده ثانيا الثمن على عهدة الغير لغوا.

(أقول) لا فرق بين الاشتراء للغير بمال في ذمته كما هو الحال في الصورة الاولى و بين الشراء لنفسه بمال في ذمة الغير، كما هو الحال في الصورة الثانية في انه لا يمكن فيهما قصد إنشاء الشراء حقيقة، فإن مقتضاه كما تقدم دخول أحد العوضين في ملك من يعطى العوض الآخر.

و ما ذكر (ره) في الصورة الثانية من احتمال وقوع الشراء للغير باعتبار ان كون الغير صاحب الذمة، مقتضاه دخول المعوض الى ملكه و اضافة العاقد الشراء الى نفسه مبنى على تملك ما في ذمة الغير غير صحيح، فإنه مع انه لا يخرج عن الاحتمال ان البناء على تملك ما بذمة الغير لا معنى له، و لا يقاس على الاستيلاء بعين خارجي مملوكة للغير كما لا يخفى.

و الحاصل ان الشراء حقيقة في الصورتين غير محقق فيحكم ببطلانه إلا إذا قيل بعدم كون مقتضاه دخول المعوض في ملك من يعطى عنه المعوض و لا تحتاج المسئلة إلى تأمل زائد.

(1) لعل المراد بكل حال وقوع البيع للمشتري سواء أجاز الشراء مالك الثمن أم لا، و وقوعه له مع اجازة المالك بمعنى دخول المبيع في ملك المشترى مع خروج الثمن من

ملك المجيز، و وقوعه له مع عدم أجازته ثبوت بدل ذلك الثمن على المشترى.

(2) يعني لو اشترى المتاع بثمن بذمته و قصد كون الشراء للغير من غير ذكر ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 339

و يؤيده رواية البارقي (1)

______________________________

في العقد كما إذا قال بعد قول البائع بعت المال بعشرة دنانير قبلت فإن أجاز ذلك الغير وقع الشراء لذلك الغير، فيدخل المبيع في ملكه، و يثبت الثمن بذمته، و ان رد ذلك الغير نفذ الشراء على القابل، و يثبت الثمن بذمته، و الوجه في نفوذ اجازة الغير هو اضافة الشراء إليه في القصد، فيلغى اعتبار العاقد كون الثمن بذمته، كما ان الوجه في نفوذ الشراء على العاقد على تقدير رد ذلك الغير، هو كون الثمن بذمته فيلغى قصد كون الشراء للغير، و لا يضر في وقوعه عن العاقد بين وفاء العاقد ما بذمته بمال ذلك الغير أم لا.

(1) قد ذكرنا سابقا انه ليس في تلك الرواية ما تكون قرينة على ان بيع الشاة أو شرائها كان بالمعاطاة و التمسك بإطلاق قوله (ص) فيها بارك اللّه في صفقة يمينك و عدم استفصاله عن عروة بأن بيع الشاة الواحدة بدينار كان بالإيجاب و القبول اللفظيين أو بالمعاطاة، و مقتضى ذلك، تمام المعاطاة الفضولية بالإجازة، يمكن دفعه بأنه يحتمل ان يكون عروة كان ملتفتا الى ان بيعه الشاة بدينار فضولي، يحتاج إلى اجازة النبي (ص) و حيث كان عالما بأنه لا بد في تمام بيع الفضولي بالإجازة وقوعه بغير المعاطاة فباعها بالإيجاب و القبول اللفظيين، و مع احتمال ذلك يكون حمل بيعه على الصحيح من غير جهة الإجازة، مغنيا عن الاستفصال، و لذا لم يسئل

رسول اللّه (ص) عن حصول سائر شرائط البيع و عدمه.

نعم لا يجرى ذلك في صحيحة محمد بن قيس لان المفروض فيها عدم علم المشترى بكون البيع فضوليا و مقتضى حمل فعله على الصحة من غير جهة اجازة المالك لا يقتضي الشراء بغير المعاطاة، و لو كان في تمام بيع الفضولي وقوعه بغير المعاطاة معتبرا لكان الاستفصال عنه في الجواب متعينا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 340

لدل على عدم ترتب الأثر المقصود (1)

______________________________

(1) قد تقدم سابقا ان النهى عن عقد الفضولي لو كان مقتضيا فساده، لما يتم ذلك بإجازة المالك و ذلك فان العقد لا يكون بنفسه سببا تاما للنقل، بل هو مع رضا المالك و النهى لا يتعلق برضا المالك، و انما يتعلق بنفس العقد، و معنى صحته كونه جزء السبب للنقل و إذا حكم بفساده باقتضاء النهي ينتفي كونه جزء السبب، فلا يثمر معه اجازة المالك.

و ذكر النائيني (ره) وجها آخر لعدم جريان تمام عقد الفضولي بإجازة المالك في المعاطاة الفضولية و هو ان إنشاء البيع بالإيجاب و القبول، يكون له بقاء، و يتعلق الإجازة بذلك الأمر الباقي، حيث ان تبديل المالين في الإضافة الحاصلة بإنشاء البيع المعبر عن ذلك بالمعنى الاسم المصدري، أمر مغاير لإنشائه المعبر عنه بالمعنى المصدري الذي ينقضي بانقضاء التكلم، و يتعلق الإجازة بذلك الأمر الاسم المصدري و هذا بخلاف إعطاء المالين فإنه ليس للإعطاء اسم مصدر الا العطاء المتحد مع الإعطاء خارجا و الإعطاء عبارة أخرى عن تبديل المالين من حيث المكان و تبديل المالين من حيث المكان، لا يتعلق به الإجازة.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه ليس المعاطاة مجرد الإعطاء و تبديل المالين مكانا،

بل بقصد تبديلهما في الملكية، و المفروض ان هذا التبديل أمر اعتباري منشأ بالفعل و يتعلق به الإجازة كالتبديل المنشأ باللفظ.

هذا مع ما تقدم من ان البيع بمعنى اسم المصدر عين البيع بمعنى المصدر و تغايرهما بالاعتبار و ان البيع بهذا الاعتبار، قابل للبقاء اعتبارا، و لذا يتعلق به الفسخ بالخيار أو بالإقالة كما ذكرنا تفصيل ذلك في تعريف البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 341

و قد يستدل على ذلك بان المعاطاة منوطة (1) و اما على القول بالإباحة (2)

______________________________

(1) و حاصله انه يعتبر في المعاطاة التراضي بالملك بناء على كونها مفيدة للملك أو التراضي بإباحة التصرف بناء على كونها مفيدة للإباحة، و من الظاهر ان التراضي بالملك أو الإباحة من شئون المالك، و لا معنى لحصوله من غير المالك.

و لذا ذكر الشهيد الثاني ان المكره و الفضولي قاصد ان اللفظ دون المدلول و ايضا يعتبر في المعاطاة حصول القبض و الإقباض مقارنا بالتراضي على الملك، أو التراضي على الإباحة، و من الظاهر ان التراضي عليهما لا اثر له الا إذا صدر عن المالك أو بإذن منه.

و أجاب عن ذلك المصنف (ره) من ان اعتبار القبض و الإقباض في المعاطاة عند من اعتبرهما فيها لإنشاء الملك أو الإباحة كما يكون باللفظ، كذلك يكون بالفعل و كما ان في صورة إنشائهما باللفظ، يمكن الإنشاء من غير المالك و الوكيل فضولا كذلك في صورة إنشائهما بالفعل، و كما انه لا يعتبر رضا المالك مقارنا لإنشاء المالك أو الإباحة باللفظ، كذلك لا يعتبر مقارنته لانشائهما فيما إذا كان بالفعل، و دعوى اعتبار مقارنته لإنشاء الفعلي دون الإنشاء القولي تحكم.

(2) لا يخفى ان الإباحة في المعاطاة

على تقديرها شرعية، لا مالكية، فإن المفروض في المعاطاة قصد الملك، لا الاذن لصاحبه في التصرف في ماله، فالقائل بالإباحة لا بد من ان يلتزم بورود التقييد في دليل إمضاء البيع، و نفوذه بالإضافة إلى البيع المعاطاتي قبل حصول أحد الملزمات، و يكون حصول أحدها في ذلك البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 342

مع ان حصول الإباحة قبل الإجازة (1)

______________________________

كالقبض في بيع الصرف و السلم شرطا لحصول الملك، و قبل حصول أحدها يكون كل من المالين مباحا للآخر، و مقتضى ذلك الاقتصار في التقييد على مورد اليقين، و هي صورة تعاطى المالكين، و في غيرها يرجع الى إطلاق حل البيع و نفوذه، فتكون النتيجة ان المعاطاة فضولا كالبيع اللفظي فضولا في حصول الملك بالإجازة في كشفها عن الملك السابق.

و الحاصل لا تكون في مورد المعاطاة فضولا الا حصول الملك لا الإباحة، و دعوى ان الإباحة في المعاطاة مالكية، لأنها و ان تكون بقصد الملك الا انها تتضمن الإباحة المالكية الضمنية، أمر لا أساس لها، حيث انه لا معنى للإباحة المالكية الا الاذن في التصرف في ماله. و من الظاهر ان جعل المالك ملكية ماله للطرف، لا يجتمع مع الاذن له في التصرف في ماله، فان معنى البيع نقل المال و معنى الإباحة إبقاء المال في ملكه.

(1) هذا هو الوجه الثاني في عدم جريان الفضولي في المعاطاة على القول بالإباحة، و تقريره ان الإجازة معتبرة في بيع الفضولي بنحو الكشف، فتكون كاشفة عن صحة كل تصرف وقع من الأصيل في مال المالك قبل أجازته، و هذا الكشف بناء على الإباحة غير ممكن، إذ لا يعقل الكشف في الإباحة المالكية، و لا في

الإباحة التي من الحكم التكليفي، فإن الأحكام التكليفية تكون للافعال المستقبلة لا الماضية التي انتهت أمرها بالوجود أو العدم، مثلا إذا باع الأصيل مال الآخر قبل إجازته فإنه بعد أجازته البيع الأول يحكم بصحة البيع الثاني أيضا لاعتبار وقوعه في ملك الأصيل، و هذا على القول بالملك.

و اما بناء على حصول الإباحة فلا يحكم بصحة البيع الثاني حتى بعد إجازة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 343

[الإجازة و حكمها]
اشارة

و استدل عليه كما عن جامع المقاصد و الروضة (1)

______________________________

المالك لما ذكرنا من ان الإجازة لا تكشف عن اباحة تصرفات الأصيل التي منها البيع الثاني لتكون الإباحة بالإضافة إلى التصرفات الموقوفة على الملك ملازمة لحصول الملك للمتصرف قبل تصرفه أو مقارنا له.

و الحاصل لا تعقل في الإجازة على القول بالإباحة في المعاطاة إلا النقل اى الالتزام بحصول الإباحة من زمان الإجازة و لعله الى ذلك أشار (ره) بقوله فافهم بعد احتماله تمام البيع الثاني من الأصيل مع الإباحة الواقعية المكشوفة بالإجازة اللاحقة.

نعم هذا مبنى على ما هو الصحيح من كون الإجازة معتبرة بنحو الكشف الحكمي و اما بناء على الكشف الحقيقي فلا مانع عن كشف الإجازة عن كون تلك التصرفات مباحة من حين وقوع المعاطاة فضولا.

(1) يستدل على اعتبار الإجازة في عقد الفضولي بنحو الكشف بوجوه:

أولها ما عن المحقق و الشهيد الثانيين من ان الموضوع لوجوب الوفاء هو العقد، و يقتضي وجوب الوفاء به حصول الملك، و يعلم تمام العقد الموضوع لوجوب الوفاء، بإجازة المالك، و أورد عليه المصنف (ره) بان العقد أي الإيجاب و القبول لا يكون تمام الموضوع لوجوب الوفاء و تمام السبب لحصول الملك، بل تمامه هو العقد مع صدوره برضا المالك،

و لا يعلم ذلك بإجازة المالك حيث لا تكشف الإجازة، عن مقارنة رضا المالك بصدور و العقد لا عن رضاه الفعلي في ذلك الزمان، و هذا ظاهر و لا عن رضاه التقديري بمعنى انه لو كان ملتفتا بالعقد لكان راضيا به، فإنه يمكن ان تكون أجازته لحصول البداء له و تغير اعتقاده الى صلاح العقد بعد كونه جازما بعد صلاحه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 344

..........

______________________________

نعم لازم القول بصحة الفضولي، هو الالتزام بان اجازة المالك يقوم مقام رضاه المقارن لصدور العقد و ان الإجازة أحد القيدين المعتبرين في العقد على سبيل التخيير. و على ذلك فكما يتم بالرضا المقارن الموضوع لوجوب الوفاء، و يحصل به الملك. كذلك بالإجازة اللاحقة.

و بعبارة أخرى الإجازة يكون بها تمام الموضوع لا ان تكون كاشفة عن تمام الموضوع و السبب قبلها.

اللهم الا ان لا تكون الإجازة بنفسها شرطا، بل الشرط لوجوب الوفاء تعقب العقد بها، و هذا التعقب يحصل من الأول على تقدير حصول الإجازة في المستقبل، و يكون حصولها كاشفا عن اتصاف العقد به زمان صدوره و لكن هذا خلاف الظاهر حيث ان الشرط في تمام العقد نفس الرضا و طيب نفس المالك لا لحوقه.

لا يقال المراد بالشرط في المقام ما يكون لحوقه بالعقد موجبا لحصول الملك فإطلاق الشرط على الرضا باعتبار ان المؤثر في الملك الحاصل بالعقد لحوقه لا انه بنفسه دخيل.

فإنه يقال إطلاق الشرط على شي ء مقتضاه كون ذلك الشي ء بنفسه دخيلا و كون المراد بالشرط ذلك ظاهر الأدلة فإن ظاهرها كون رضا المالك و طيب نفسه معتبرا في التجارة و حل أكل مال الغير أو التصرف فيه و وجوب الوفاء بالعقد و لازم

ذلك ان لا يحصل شي ء من ذلك قبل حصول الإجازة و لا يفيد فيه وصف لحوق الإجازة في العقد كما احتمل كفاية وصف لحوقها صاحب الفصول، و التزم به بعض المعاصرين و يتفرع على دخالة وصف لحوق الإجازة و كونه شرطا في تمام العقد انه لو علم الأصيل حصول الإجازة فيما بعد لجاز له التصرف في مال الطرف حتى الموقوف على كون المتصرف مالكا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 345

..........

______________________________

ثم انه لا بأس بالالتزام بما ذكر و ان المراد بالشرط لحقوقه في مثل اشتراط صوم المستحاضة بغسلها بعد الفجر أو للعشائين بان يقال بان المعتبر في صحة صومها عند طلوع الفجر اتصاف إمساكها عند الفجر بلحوق الاغتسال و لو في الليلة الاتية و يقال في الغسل يوم الخميس ان اتصاف المكلف بكونه لا يتمكن على الاغتسال يوم الجمعة دخيل في استحباب الغسل له يوم الخميس و اتصافه بكونه يدرك مستقبلا هلال الشوال دخيل في وجوب الزكاة عليه من أول شهر رمضان.

و لكن مع ذلك قد يقال بامتناع تحقق وصف التعقب فعلا قبل حصول ذلك اللاحق و انه لا يمكن تصحيح مذهب الكشف بالالتزام بان الشرط في حصول الملك بالعقد تعقبه بالرضا و ان وصف التعقب حاصل حال العقد على تقدير حصول الإجازة فيما بعد فان المتضايفين متلازمين في القوة و الفعلية فاتصاف أحد بالأبوة لا ينفك عن اتصاف الآخر بالبنوة و اتصاف شي ء بالعلية لا ينفك عن اتصاف الآخر بالمعلولية و عنوان التعقب و التقدم و التأخر من الإضافات.

و الحاصل ان اتصاف شي ء بأحد الوصفين المتضايفين في زمان مع عدم اتصاف الآخر بالوصف الآخر في ذلك الزمان أمر غير معقول فلا يعقل

ان يقال بحصول وصف التعقب بالإجازة للعقد قبل حصول الإجازة.

أقول الأوصاف الإضافية التي يوصف بها الشي ء ليست في حقيقتها الا باعتبار العقل و قياس أحد الموجودين بالآخر فان كن الموجودان متحدين زمانا يكون اتصاف أحدهما بوصف ملازما لاتصاف الآخر بالوصف الآخر المقابل لا محالة لفعلية الموجود الآخر في ذلك الزمان ايضا على الفرض كما في وصفي العلية و المعلولية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 346

..........

______________________________

أو الأبوة و البنوة و نحوهما و ان كان الموجود ان في زمانين كما في الموصوفين بوصفى التقدم و التأخر فلا يمكن اتصاف أحدهما بوصف في زمان ملازما لفعلية الموجود الآخر أو فعلية وصفه في ذلك الزمان فضلا عن لزومها لان تحققه فيه خلف.

نعم لا بأس بتوصيف ذلك الآخر بالوصف المقابل بلحاظ طرف وجوده و لو بملاحظته بالعنوان الإجمالي و يكفي في انتزاع وصف التقدم للموجود المتقدم ملاحظة المتأخر بعنوانه الإجمالي و لو ادعى في فعلية وصف التقدم للمتقدم أو وصف التعقب له لزوم فعلية المتأخر لزم ان لا يوجد الموصوف الحقيقي بالتقدم و التأخر أصلا لأن الموصوف بالتأخر في ظرف وجود المتقدم معدوم و الموصوف بالتقدم في ظرف فعلية المتأخر قد انقضى عنه الوجود فأين فعلية الموصوفين و فعلية وصفيهما هذا بالإضافة إلى الاعتبار العقلي.

و اما جعل المتأخر موضوعا لحكم مقدم فهو أمر ممكن لا استحالة فيه كما يأتي فتصوير الملكية للطرفين من زمان العقد و جعل موضوعها تحقق الإجازة مستقبلا لا يوجب محالا فان المراد بشرط الحكم قيد الموضوع و لا يفرق في ذلك بين موارد كون ذلك الحكم وضعيا كالملكية كما في المقام أو كونه حكما تكليفيا و قد يعبر عن قيد موضوع الحكم

في الأحكام التكليفية بالسبب كقولهم دخول الوقت سبب لوجوب الصلاة و الجنابة سبب لوجوب الغسل و طلوع الفجر سبب لوجوب الصوم.

و قد يعبر عنه بالشرط كقولهم الاستطاعة شرط لوجوب الحج و بلوغ المال حد النصاب شرط لوجوب الزكاة كما انه يعبر عن قيد الحكم الوضعي بالشرط كما يقال رضا المالك أو معلومية العوضين شرط في صحة البيع و حصول النقل و الانتقال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 347

..........

______________________________

و قد يعبر عنه بالسبب كما يقال التقاء الختانين أو خروج المنى سبب للجنابة و خروج البول أو غيره سبب للحدث الى غير ذلك.

و لكن كما ذكرنا ان ذلك مجرد تعبير و المراد في جميع ذلك قيد الحكم و موضوعه تكليفا كان أو وضعا و من الظاهر ان قيد الموضوع و منه اجازة المالك ليس شرطا باصطلاح الفلسفي في مقابل السبب و المانع من اجزاء العلة ليقال بعدم إمكان تقديم المشروط على شرطه، فإنه من تقدم المعلول على علته زمانا، بل الشرط في المقام و هو قيد الموضوع، تابع لجعل الحكم.

فإنه قد يكون الحكم متقدما على موضوعه زمانا، و عليه فيمكن ان تكون اجازة المالك العقد شرطا في حصول الملك بنحو الشرط المتأخر بأن يجعل الشارع ملكية المال للطرف الأصيل بالعقد مراعى بحصول الإجازة، بحيث تكون الإجازة مع كونها بنفسها شرطا لحصول الملك كاشفة عن حصول الملك للأصيل بحصول العقد، و لكن اعتبار قيد للموضوع في خطاب الحكم أو غيره ظاهره، نحو الشرط المقارن، و اما المتقدم و المتأخر فاعتبارهما و ان كان ممكنا الا انه يحتاج إلى قرينة خاصة.

لا يقال إذا كان أمر شرطا للحكم يكون له دخل في ذلك الحكم لا محالة

و الا لكان جعله شرطا بلا ملاك و إذا فرض دخالته فيه فكيف يحصل ذلك الحكم قبل حصوله.

(فإنه يقال) كما ذكرنا في بحث الأصول ان الحكم المجعول، غير جعله، كما هو شأن كل إنشاء مع منشئه، بخلاف الإيجاد، و الوجود فإنهما أمر واحد، و يختلفان بالاعتبار و ذلك الأمر، بلحاظ نفسه وجود و بلحاظه الى فاعله إيجاد، و اما الإنشاء و المنشأ، فهما متعددان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 348

..........

______________________________

مثلا الملكية التي يعتبرها العاقد بعنوان البيع أو غيره منشأ و قصد إبرازه بقوله بعت أو آجرت و نحوهما إنشاء و إذا كان في ملكية المال للطرف من حين العقد صلاح على تقدير اجازة المالك فيما بعد فيعتبرها الشارع كذلك، فلا تكون ملكية على تقدير عدم حصولها فيما بعد فدخالة الإجازة في الملكية ليست نظير دخالة الشرط الفلسفي في مشروطه، لان حصول الملكية يكون بالجعل و الاعتبار على الفرض، و الداعي للجاعل الى جعلها، اعتقاد الصلاح في المجعول، كما يأتي توضيحه.

و الحاصل ان دخالة الشرط و هي الإجازة في المقام عبارة عن كونها قيدا لموضوع الملكية المجعولة من الشارع و هذا في الأحكام الوضعية.

و اما في الأحكام التكليفية كالوجوب و الحرمة فإنهما أيضا أمر إنشائي يحصل بالإبراز و الإنشاء و الجعل فالاستطاعة في وجوب الحج مثلا لا تكون دخيلة في حصول الوجوب نظير دخالة الشرط الفلسفي بل باعتبار كونها قيدا لموضوع وجوب الحج و الداعي إلى جعل وجوبه اعتقاد الجاعل الصلاح في الحج عند حصول الاستطاعة و حيث ان الصلاح و الفساد في موارد الوجوب النفسي و الحرمة النفسية يكون في متعلقهما فلا محذور في ترتب الصلاح أى الغرض على الفعل على تقدير

مقارنته، بأمر يعبر عن ذلك الأمر بالشرط المقارن أو على تقدير تقدم أمر على ذلك الفعل أو تأخره عنه و يعبر عنهما بالشرط المتقدم أو المتأخر.

و بهذا يظهر ان ما ذكره صاحب الكفاية من ان الدخيل في شرط الحكم مقارنا كان أو متقدما أو متأخرا لحاظ ذلك المقارن و المتقدم و المتأخر خلط بين الدخالة في الجعل أي الداعي اليه و بين الدخيل في المجعول حيث ان الدخيل في الجعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 349

و بان الإجازة متعلقة بالعقد (1)

______________________________

هو لحاظ ذلك الأمر المقارن أو المتأخر أو المتقدم و لكن الدخيل في الحكم المجعول أي المأخوذ في موضوعه نفس ذلك الأمر كما لا يخفى.

و المتحصل من جميع ما ذكرنا انه لو تم دليل على ثبوت الملكية شرعا قبل حصول الإجازة فيلتزم به مع التحفظ على كونها شرطا في حصول الملكية، و لو بنحو الشرط المتأخر و لا يلزم من ذلك أى محذور.

(1) الوجه الثاني للقول بالكشف ذكره ايضا الشهيد و المحقق الثانيان، و حاصله ان تعلق الإجازة بالعقد الصادر سابقا رضاء بمضمون ذلك العقد، و مضمونه نقل العوضين من حينه لا من حين الإجازة.

و أورد عليه المصنف (ره) بأمور الأول- ان الإجازة و ان تكون متعلقة بالعقد السابق الا ان مضمونه نفس النقل لا المقيد بكونه من حين العقد و بتعبير آخر يقع العقد في ذلك الزمان باعتبار ان العقد زماني لا ان معنى بعت بنحو الإنشاء هو النقل من ذلك الزمان، و ان شئت فلاحظ القبول بالإضافة إلى الإيجاب فإن القبول رضا بمضمون الإيجاب و لكن لا يحصل الملك بعد تمام الإيجاب و قبل القبول و ليس هذا الا

باعتبار ان معنى الإيجاب هو نفس النقل، و في أي زمان يتم العقد يحصل الملك من ذلك الزمان و كما ان تمام العقد من المالكين يكون بعد القبول فيحصل الملك بعده كذلك تمام عقد الفضولي يكون بعد الإجازة فيكون الملك بعدها.

و أيضا بما ان مدلول العقد نفس النقل لا النقل من حينه، لم يكن الفسخ و إبطال مضمونه إلغاء للنقل من حين العقد بل يكون إلغاء لنفس النقل ففي أي زمان حصل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 350

..........

______________________________

الإلغاء، يبطل النقل من ذلك الزمان.

أضف الى ذلك انه لا ينبغي الإشكال في حصول الإجازة بقول المالك قد رضيت بكون مالي لزيد بكذا مع ان المالك المجيز لم يتعرض في القول المزبور لبيع ماله فضولا من زيد فضلا عن تعرضه بزمان نقله و قد ذكروا ان تمكين الزوجة من الزوج فيما إذا زوجها الآخر منه فضولا اجازة لنكاح الفضولي باعتبار ان التمكين كاشف فعلى عن رضاه بالزوجية المنشأة من غير نظر الى زمانها من حيث المبدء.

أقول الإيراد المزبور على الاستدلال غير صحيح و ذلك فإن الملكية أمر اعتباري و إنشائها ليس من الإيجاد الحقيقي الذي يكون عين الوجود حقيقة و يتحد زمانهما لا محالة. بل الإنشاء كما تقدم توضيحه غير المنشأ و بينهما تعدد.

و لذا يمكن التفكيك بينهما فيمكن إنشاء الملكية المستقبلة بأن يكون الإنشاء فعليا، و المنشأ أمرا استقباليا، كما في الوصية التمليكية، و على ذلك فاللازم على العاقد في اعتبار ملكية المبيع للمشتري من تعيين المبدء فيكون الزمان المزبور قيدا للنقل أي الملكية، و لا يقاس الإجازة بقبول الإيجاب، فإن الموجب في إيجابه لا يجعل ملكية المبيع للمشتري مطلقا، حتى و لو

لم يقع منه قبول بل الظاهر ان اعتبارها له معلق على قبوله بنحو الشرط المقارن، و هذا بخلاف اجازة المالك فإن الملكية المنشأة بالعقد لا تكون معلقة عليها كما يظهر الحال بملاحظة بيع الغاصب و على تقدير التعليق يكون بنحو الشرط المتأخر، كما إذا باعه لتوقع اجازة المالك.

و الحاصل ان الإجازة تتعلق بمدلول العقد الذي هو الملك من حينه و يدخل العقد بها في موضوع الإمضاء و اللزوم و قبل الإجازة لا يكون إمضاء و لا لزوم و اما قضية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 351

..........

______________________________

الفسخ فإنه إلغاء للعقد بقاء فيكون إلغاء الملكية أيضا في بقائها و لا منافاة بين ان يكون مبدء الملكية في الإجازة حين العقد و مبدئها في الإلغاء حين الفسخ، فان الفسخ لا يقابل الإجازة بل مقابل الإجازة، هو الرد و هو عبارة عن إلغاء العقد من أصله، و لا فرق فيما ذكر كله بين ان تكون الإجازة بالقول أو بالفعل كتمكين الزوجة المزوجة فضولا، و لا يخفى ان مرادنا بمدلول العقد، ليس مدلوله بالدلالة الوضعية ليقال بان بعت مثلا إنشاء لا يدل على الزمان فكيف تكون دالا على مبدء الملكية، بل المراد الدلالة و لو بالقرينة التي أشرنا إليها من لزوم المبدء للمنشإ لا محالة.

و لا يخفى ان ما ذكره المصنف (ره) في الإيراد على الاستدلال الثاني على الكشف بقوله (و بتقرير آخر ان الإجازة من المالك قائمة) ليس تقريرا آخر للإيراد المزبور بل التقرير يناسب الرد على الاستدلال الأول الذي ذكر فيه ان العقد سبب تام للنقل و الانتقال و اجازة المالك كاشفة عن كون عقد الفضولي عند حدوثه تاما.

ثم انه (ره) ذكر الإيراد الثاني

على الاستدلال المتقدم بقوله (و ثانيا لو سلمنا عدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا) و حاصله ان القول بالكشف لا يساعد عليه دليل بان يكون المبيع ملكا للمشتري شرعا و الثمن ملكا للمالك المجيز من حين العقد و لو قيل بتعلق الإجازة بالعقد السابق الذي مدلوله النقل من حينه أو ان الإجازة اللاحقة تجعل العقد السابق كأنه سبب تام للنقل و ذلك فان العقد الفضولي ما لم ينتسب الى المالك، لا يعمه دليل وجوب الوفاء به و خطاب حل البيع فإنه يصير بإجازة المالك عقده، و البيع بيعا برضاه، و لازم ذلك ان لا يكون نقل و انتقال قبل حصول الإجازة لأن حدوث ملكية المبيع للمشتري و انتقال الثمن إلى البائع يلازم حدوث وجوب الوفاء الذي يحدث بالإجازة كما ان حل البيع بمعنى حل التصرفات المترتبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 352

و ثالثا سلمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع (1)

______________________________

على البيع تحدث بالإجازة و من الظاهر ان حدوث الحلية المزبورة، ينتزع عنها النقل و الانتقال.

أقول هذا الإيراد أيضا غير صحيح و ذلك فان العقد و ان يكون بالإجازة منتسبا الى المالك المجيز من حين الإجازة و ان البيع بالإجازة يكون بيعا برضا المالك فيدخل العقد المزبور من حين الإجازة في موضوع الخطابين الا ان خطاب وجوب الوفاء بالعقد ليس حكما تكليفيا بالإضافة إلى البيع و نحوه حتى لو فرض ان البائع إذا أمسك بالمبيع و لم يسلمه إلى المشتري فقد عصى بعصيانين أحدهما التصرف في مال المشتري بإمساكه بالمبيع، و الثاني عدم وفائه بالعقد، بل هو إرشاد إلى لزومه، و عدم كونه قابلا للفسخ كما ان خطاب حل البيع ليس ناظرا إلى

الحلية التكليفية بل الى الحل الوضعي أي الإرشاد إلى إمضاء الشرع، البيع من حيث المدلول، و إذا فرض ان مدلول البيع المزبور، ملكية المبيع للمشتري من حين تحقق العقد، يكون إمضائه بمدلوله عبارة عن اعتبار الشرع الملكية على طبق إنشاء العاقد. و رضا المالك المجيز به و قد ذكرنا في محله ان الملكية و نحوها من الأحكام الوضعية، قابلة للجعل بنفسها، و الالتزام بانتزاعها من التكليف بلا وجه.

(1) و هذا هو الإيراد الثالث على الاستدلال المتقدم. و حاصله لو سلم إمضاء الشارع عقد الفضولي على طبق اجازة المالك المفروض كونها رضاء بالعقد بمدلوله و هو النقل من حينه و لكن حكم الشارع و إمضائه يحدث عند حصول الإجازة. و لازم ذلك ان يكون ملكية المبيع للمشتري و ملكيته الثمن للمالك المجيز بالإضافة إلى الأزمنة بعد الإجازة حقيقية و بالإضافة إلى الأزمنة السابقة على الإجازة تنزيلية، بمعنى انه يترتب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 353

..........

______________________________

بعد الإجازة الآثار الممكنة بالإضافة إلى تلك الأزمنة، كما إذا حصل للمبيع نماء بعد العقد و قبل الإجازة فإنه يحكم بعد الإجازة، بأن النماء المزبور ملك المشترى و هذا في الحقيقة قول بالنقل يشترك مع القول بالكشف في بعض الآثار، و الوجه في عدم كون الملكية بالإضافة إلى الأزمنة قبل الإجازة حقيقية هو عدم كون العقد في تلك الأزمنة سببا تاما للملكية حيث لم يكن معه رضا المالك الذي جزء السبب أو شرط له.

أقول و أنت خبير بأنه لا يمكن المساعدة على هذا الإيراد أيضا و انه يتعين الالتزام بكون الملكية كما أنها بالإجازة واقعية بالإضافة إلى الأزمنة اللاحقة كذلك انها واقعية بالإضافة إلى الأزمنة السابقة حيث ان

التنزيل بجعل الآثار يكون في الموارد التي لا يمكن فيها جعل الموضوع بنفسه حقيقة كما في تنزيل الفقاع منزلة الخمر و اما الموضوع القابل للجعل بنفسه كالملكية التي لها آثار فلا موجب لجعل آثارها بل تجعل نفسها فيترتب عليها تلك الآثار.

و دعوى ان العقد لم يكن سببا تاما للملك في الأزمنة التي قبل الإجازة فقد تقدم انه لا سببية و لا مسببية في الملكية الشرعية بمعناهما المصطلح عند الفلسفي بل العقد مع رضا المالك بنحو الشرط المقارن أو بنحو الشرط المتأخر موضوع للملكية الشرعية.

و المتحصل الى هنا ان الاستدلال الثاني على الكشف مقتضاه الكشف الحكمي بخلاف الاستدلال الأول فإن مقتضاه كان الكشف الحقيقي.

لا يقال لا يمكن الالتزام بالكشف الحكمي فإنه كيف يعقل جعل ملكية متاع لزيد مثلا في زمان انقضى و قد كان المتاع فيه ملكا للآخر كما إذا اشترى زيد متاع عمرو فضولا فإنه ما لم تحصل الإجازة فالمتاع باق على ملك عمرو و لو صار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 354

..........

______________________________

المتاع بعد الإجازة ملكا لزيد حتى في الأزمنة التي انقضت قبل الإجازة لزم كون المتاع المزبور في تلك الأزمنة التي قد انقضت ملكا لكل من عمرو و زيد مستقلا بل لا يمكن جعل ملكية المتاع لزيد في تلك الأزمنة إلا بإعادة الأزمنة المنقضية أو الالتزام ببقائها في الأزمنة اللاحقة و كل من الإعادة و بقائها أمر غير معقول اما الأول فظاهر و اما الثاني فلاستلزامه كون الزمان في زمان.

و الحاصل ان المتاع المزبور كان ملكا لعمر و في زمان واقعي قد انقضى و لا يمكن ان يكون المتاع المزبور لزيد في ذلك الزمان الواقعي لانقضائه و اما جعل الملكية

بفرض ذلك الزمان الماضي فهو في الحقيقة ملكية في زمان فرضي موهوم مستلزم لكون كل من عمرو و زيد مالكا مستقلا لذلك المتاع في زمان واحد.

فإنه يقال الحل ما تقدم من الإنشاء و المنشأ غير الإيجاد و الوجود فإن الإيجاد و الوجود في الحقيقة واحد و اختلافهما بالاعتبار فقط و إذا كان الإيجاد في زمان يكون الوجود في ذلك الزمان لا محالة.

و إذا انقضى زمان فارغا عن وجود الشي ء فيستحيل إيجاد ذلك الشي ء في ذلك الزمان الماضي بأن يكون الإيجاد في الزمان اللاحق و الوجود في الزمان المنقضي الا ان يقع المستحيل و هو عود ذلك الزمان الماضي و كذا الحال في إيجاد شي ء استقبالي بأن يكون الإيجاد في الحال و الوجود في المستقبل فإنه أيضا لا يمكن الا ان يقع المستحيل و هو جر الزمان الاستقبال الى الحال و اما الإنشاء و المنشأ فلا استحالة في التفكيك بين زماني الإنشاء و المنشأ فان الموصى لداره للغير بالوصية التمليكية يحصل إنشائه حال حياته و لكن منشئه و هي ملكية داره تحصل من زمان موته و كما ان الموصى حين الوصية يعتبر ملكية داره مثلا للغير و لا تكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 355

..........

______________________________

الملكية المعتبرة مطلقة بل مقيدة بالزمان المستقبل و يكفي في الوصية ان يلاحظ الموصى ذلك الزمان و يعتبر الملكية المقارنة له كذلك يمكن للمنشئ لحاظ الزمان الماضي و يعتبر الملكية المقارنة لذلك الزمان فان الاعتبار ليس من الإيجاد الحقيقي و المعتبر شبيه بأمر خيالي لو لم يكن عينه يجعله العقلاء و الشرع تنظيما لأمر معاش العباد و معادهم.

و من الفروع التي توضح المقام ما إذا اختلف الوارث مع

الآخر في عين كانت مملوكة للمورث باعترافهما فقال الآخر قد تملكتها من المورث بالهبة و قال الوارث بل العين من تركة مورثه و انه لم يملكه لأحد في حياته فإنه لا ينبغي الريب في تقديم قول الوارث أخذا باستصحاب بقائها في ملك المورث الى زمان موته و من الظاهر ان هذه عبارة أخرى عن التعبد في الزمان اللاحق بالملكية السابقة و التعبد بها معناه جعل الملكية بالإضافة إلى الزمان السابق بعنوان الحكم الظاهري و اما قضية كون ملكية المتاع في زمان واحد لمالكين مستقلا فلا محذور فيه فيما إذا كان زمان الاعتبار متعددا و اى محذور في ان يعتبر ملكية المتاع لعمرو في زمان سابق بان يكون زمان الاعتبار سابقا على زمان المعتبر لغرض ثم يعتبر بعد انقضاء زمان المعتبر ملكيته في ذلك الزمان الماضي لزيد لغرض آخر و قد ذكرنا سابقا ان الأحكام الوضعية و منها الملكية لا تقاس بالتكليفية حيث ان الأحكام التكليفية لا يمكن تعلقها بالافعال الماضية لأن الأفعال الماضية بانتهاء أمرها بالوجود أو العدم لا يفيد فيها النهى و الأمر و الترخيص و هذا بخلاف الأحكام الوضعية فإنها لا تتعلق بالافعال و ليست من سنخ البعث أو الزجر أو الترخيص و تقبل اعتبارها للأمور الماضية و المستقبلة كاعتبارها للأمور الحالية كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 356

..........

______________________________

فتحصل مما ذكرنا ان ما ذكره النائيني (ره) في وجه استحالة الكشف الحكمي من ان اعتبار ملكية مال لعمرو في زمان معين ثم اعتبار ملكية ذلك المال لزيد في ذلك الزمان بعينه غير ممكن لان المصحح للتعدد تعدد زمان المعتبر لا تعدد زمان الاعتبار و ان مع وحدة زمان المعتبر

يكون الحال من قبيل الحكم بوجوب فعل في زمان ثم الحكم بحرمة ذلك الفعل في ذلك الزمان و لذا لا يمكن في مسئلة التوسط في الدار المغصوبة الحكم بحرمة التصرف فيها بالخروج قبل الدخول فيها و الحكم بوجوبه بعده لما ذكرنا في ان الفعل بعد انقضاء زمانه لا يقبل البعث اليه أو الزجر عنه أو الترخيص فيه و ان تعلق الحرمة بفعل مقتضاه وجود المفسدة الملزمة الخالصة فيه و تعلق الوجوب مقتضاه وجود المصلحة الملزمة الخالصة و الترخيص مقتضاه عدم ثبوتهما و لا يمكن حصول الملاكين في فعل واحد في زمان واحد بخلاف ملكية المال في زمان واحد فيمكن ان يتعدد الغرض فيها باعتبار تعدد زماني الاعتبار لأن المصلحة كسائر الأحكام الوضعية تكون في نفس اعتبارها.

لا يقال إذا كان كل من ملكية المال لعمرو في زمان و ملكية ذلك المال لزيد في ذلك الزمان مورد الغرض فيمكن اعتبارهما و لو مع وحدة زمان الاعتبار أيضا.

(فإنه يقال) لا يمكن ذلك فان معنى اعتبار ملكية المال لعمرو في زمان مقتضاه استقلال عمرو في التصرف في ذلك المال في ذلك الزمان دون غيره و اعتبار ملكية ذلك المال لزيد في ذلك الزمان معناه استقلال زيد في ذلك الزمان للتصرف دون غيره و لا يمكن ذلك مع وحدة زمان الاعتبار بخلاف ما إذا كان زمان الاعتبار متعددا فان اعتبار الملكية لعمرو في زمان أو لا مقتضاه انه يجوز له في ذلك الزمان التصرف في ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 357

فالظاهر من صحيحة قيس الكشف (1).

______________________________

المال و بالإضافة إلى التصرفات الخارجية يكون الجواز بمعنى الترخيص و الإباحة تكليفا و بالإضافة إلى التصرفات المعاملية بمعنى نفوذها

و صحتها و انه لا يجوز لغيره زيدا كان أو غيره التصرف في ذلك المال و عدم الجواز بالإضافة إلى التصرفات الخارجية هي الحرمة و بالإضافة إلى التصرفات المعاملية بمعنى عدم نفوذها.

ثم بعد اجازة عمرو المعاملة الفضولية و اعتبار ذلك المال لزيد في ذلك الزمان يكون مقتضى الاعتبار إمضاء تصرفات زيد في ذلك الزمان و كون نماء المال في ذلك الزمان له لا لعمرو كما لا يخفى.

و اما ما استدل به فخر المحققين على القول بالكشف بأنه لولاه لزم تأثير المعدوم في الموجود باعتبار ان المؤثر في الملكية هو العقد و لو قلنا بان اجازة المالك كاشفة عن حصول الملكية من زمان العقد فلا محذور و اما إذا قلنا بحدوث الملكية حين الإجازة لزم تأثير العقد المعدوم في ذلك الزمان في الملكية فلا يخفى ما فيه فإنه بعد الإحاطة بما ذكرنا من ان العقد لا يؤثر في الملكية الشرعية بل تلك الملكية حكم شرعي مجعول للشارع يمكن ان يكون موضوعه الأمر المقارن للحكم زمانا و يمكن ان يكون تمام الموضوع أو بعض قيوده الأمر المتأخرين عن الحكم و ليس للموضوع أي تأثير خارجي في الحكم بل ثبوته على تقدير الموضوع لتحقق الجعل في ذلك الفرض و عدم تحقق الحكم مع عدم الموضوع لعدم الجعل مع عدمه و ان شئت الاستيناس للمقام فلاحظ الملكية شرعا في بيع الصرف و السلم فإنها تحدث حين حصول القبض في المجلس و العقد في ذلك الحين معدوم.

(1) وجه ظهورها في الكشف هو ما تقدم من دلالتها على سقوط قيمة الولد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 358

..........

______________________________

عن عهدة المشتري بإجازة المولى البيع الواقع على وليدته فضولا و

اما التفرقة بين صحيحة ابى عبيدة الواردة في تزويج الصغيرين فضولا و بين سائر الأخبار بدلالتها على الكشف الحقيقي بخلاف سائر الأخبار فباعتبار انه لم يذكر في تلك الاخبار حكم يناسب خصوص الكشف الحقيقي بخلاف الصحيحة فإن الوارد فيها و هو لزوم عزل نصيب الصغيرة و هو يناسب خصوص الكشف الحقيقي فقط كما يأتي توضيحه في التعليقة الاتية و الحاصل ان الحكم لأب البائع بأخذ ابن الوليدة لا يصح الا إذا كان الأخذ المزبور لقيمة الولد فقط أو مع قيمة ما استوفاها المشترى من سائر منافع الجارية.

ثم لا يكون إرساله بعد اجازة البيع الأعلى مذهب الكشف دون النقل فإنه على النقل لا يسقط قيمة الولد أو قيمة سائر منافعها التي استوفاها عن عهدة المشتري ليتعين على أب البائع إرسال الولد بخلاف القول بالكشف حقيقيا كان أو حكميا.

و اما وجه تعلق المشترى بالبائع الفضولي فلعله باعتبار ضمانه الثمن المدفوع إليه فأية كما كان بيعه فضوليا كان قبضه الثمن فضوليا سواء كان المدفوع اليه نفس الثمن أو وفائه و انه إذا أجاز مولى الوليدة بيعها كانت إجازته إجازة للقبض المزبور ايضا و قد سأل المشتري هذه الإجازة عنه بقوله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني.

و احتمال ان البائع كان مديونا للمشتري ببدل الثمن بمقتضى ضمانه و المشترى كان مديونا للمولى بقيمة الولد و قيمة منافع الجارية فلعل الإجازة معتبرة بنحو النقل و ان إرسال المولى ولد المشترى و إرسال المشتري البائع أي ابن المولى كان لإسقاط المولى دين المشترى في مقابل دين الابن البائع لا يمكن المساعدة عليها لان هذا الاسقاط لا يحتاج إلى إجازة بيع الجارية و ظاهر الرواية ان إرسال

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 2، ص: 359

فإطلاق الحكم بالعزل منضما الى عموم الناس مسلطون (1).

______________________________

الولدين كان علاجه بإجازة البيع و لا تكون أجازته علاجا إلا إذا اعتبر الإجازة بنحو الكشف و ان تكون بحيث تعم اجازة قبض الثمن ايضا.

(1) المراد من إطلاق الحكم بالعزل عدم تقييده بصورة رضا الورثة و هذا الإطلاق بانضمامه الى عموم الناس مسلطون على أموالهم المقتضي لسلطنة سائر الورثة لجميع حصصهم من تركة الزوج الميت يفيد مسلك الكشف الحقيقي حيث بناء على هذا المسلك لا يكون لزوم عزل نصيب الزوجة تخصيصا لعمومه بخلاف مسلك النقل أو الكشف الحكمي فإنه بناء عليهما يكون المقدار المعزول ملكا لسائر الورثة واقعا و قد منعوا عن التصرف في ملكهم بتعين العزل عليهم.

(أقول) لا يمكن المساعدة على الاستظهار المزبور و ذلك لما تقرر في الأصول من بحث العام و الخاص انه إذا علم عدم شمول حكم العام لشي ء و دار أمر عدم الشمول بين ان يكون بنحو التخصيص أو بنحو التخصيص فلا يمكن التمسك بعموم العام في إثبات كون الخروج بنحو التخصص لا التخصيص كما إذا قام دليل على عدم لزوم الاجتناب عن غسالة الاستنجاء و دار أمر الغسالة بين كونها تخصيصا في خطاب كون الماء المتنجس منجسا و بين ان يكون خروجها عن الخطاب المزبور بالتخصص بان تكون الغسالة المزبورة طاهرة فإنه لا يمكن إثبات طهارتها بالأخذ بعموم خطاب كون الماء المتنجس منجسا هذا أولا.

و ثانيا انه على الكشف الحقيقي يكون تعين عزل سهم الزوجة أيضا تخصيصا في خطاب اعتبار الاستصحاب فالمتعين ان العزل حكم ظاهري و احتياط في الواقعة التي من الشبهة الموضوعية كوجوب عزل نصيب الحمل و جعله أكثر ما يحتمل عادة.

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 2، ص: 360

..........

______________________________

و الحاصل ان الحكم بتعين عزل نصيب الزوجة مع احتمال إجازتها بعد بلوغها منضما الى عموم خطاب الاستصحاب مقتضاه عدم الكشف الحقيقي و قد أورد بعض الأعاظم على دلالة الصحيحة على اعتبار الإجازة بنحو الكشف أو غيره بأنه لم يظهر منها ان التزويج المفروض فيها فضولي و ان رضاء الصبي و الصبية به بعد بلوغهما اجازة لذلك التزويج الفضولي بل ظاهرها ان النكاح المزبور قد وقع من الوليين و ان ذلك النكاح جائز أي صحيح و لكن يكون لكل منها بعد بلوغهما الخيار في فسخه و إقراره و ان من شرط التوارث بين الزوجين المفروضين رضا كل منهما بالنكاح المزبور أى فسخه و إقراره و إذا مات أحدهما بعد رضاه به و قبل بلوغ الآخر يكون الإرث مشروطا برضاء الآخر بعد بلوغه و هذا ظاهر الرواية أي ظاهر جواز النكاح و فرض صدوره من الوليين و لا موجب لحملها على نكاح الفضولي ثم حمل الرضا الوارد فيها على الإجازة و الاستظهار يكون اعتبارها بنحو الكشف نعم قوله عليه السلام في ذيلها (فان كان أبوها هو الذي زوجها) ظاهر في ان نكاح الأب لا يكون كنكاح غيره و لا يعتبر في نكاحه خيار الفسخ بل يلزم و يثبت التوارث و لو قيل بأن الأب يعم الجد أي أب الأب يكون نكاح الجد كنكاح الأب فيختص صدرها بنكاح غير الأب و الجد هذا مع ان الذيل معارض بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام عن الصبي يزوج الصبية قال إذا كان أبوهما اللذان زوجاهما فنعم جائز و لكن لهما الخيار إذا أدركا فإن رضيا بعد ذلك فان المهر على الأب

قلت فهل يجوز طلاق الأب على ابنه في صغره قال لا «1».

______________________________

(1) الوسائل الجزء 14 الباب 6 من أبواب عقد النكاح الحديث (8).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 361

اما الثمرة على الكشف الحقيقي (1).

______________________________

و كذا معارض بذيل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين قال فقال اما تزويجه صحيح الى ان قال فان ماتت أو مات يوقف الميراث حتى يدرك أيهما بقي ثم يحلف باللّه ما دعاه الى أخذ الميراث الا الرضا بالنكاح «1».

أقول إذا تسلم أطال اللّه بقائه ان قوله عليه السّلام في ذيل صحيحة ابى عبيدة الحذاء يكون دالا على نفوذ نكاح الأب و ثبوت التوارث معه و ان الأب يعم الجد فيلزم عليه ان يحمل الوليين في صدرها على غير الأب و الجد و من الظاهر ان غير الأب و الجد لا يكون وليا شرعيا فيكون نكاحه فضوليا لا محالة و حمل الوليين على خصوص الوصي مع ان ولايته على النكاح الصغيرة غير محرزة حمل بعيد و أبعد منه حمله على نكاح الحاكم الشرعي لضرورة الطفل و اما معارضة ذيلها بصحيحة محمد بن مسلم و صحيحة الحلبي فلا يضر بالاستدلال فإنه لا يمكن العمل بمثلهما في مقابل غير واحد من الروايات الدالة على نفوذ نكاح الأب و الجد و عليه شهرة قديما و حديثا و تمام الكلام في ذلك موكول بكتابي النكاح و الإرث.

(1) لا تظهر الثمرة على الكشف الحقيقي بين كون الشرط في صحة المعاملة تعقبها بالإجازة أو تكون الإجازة بنفسها شرطا متأخرا و انه يجوز لكل من المالك المجيز و

الأصيل التصرف فيما انتقل اليه قبل حصول الإجازة على تقدير إحراز حصولها فيما بعد سواء كان التصرف أمرا خارجيا أو اعتباريا و يأتي الاعتراف بذلك من المصنف في بيان الثمرة بين الكشف الحقيقي و الكشف الحكمي.

______________________________

(1) الوسائل الجزء 17 الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج الحديث (4).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 362

[و اما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي]

و اما الثمرة بين الكشف الحقيقي و الحكمي (1).

______________________________

(1) إذا وطأ المشتري الجارية التي اشتراها من الفضولي قبل اجازة المالك فأولدها ثم أجاز الشراء مالكها فعلى القول بالكشف الحقيقي يكون الوطي المزبور حلالا واقعيا لوقوعه في لملك واقعا كما انه حرام واقعا على الكشف الحكمي و تكون الجارية المزبورة أم ولد للمشتري على الكشفين و هذا بناء على الكشف الحقيقي ظاهر لحدوث الوطي في الملك الواقعي للمشتري و على الحكمي باعتبار انه بعد الإجازة يملك المشتري الجارية حتى بالإضافة إلى الأزمنة السابقة و منها زمان الوطأ و احتمل (ره) عدم كونها أم ولد بذلك لان الاستيلاد لم يحدث في الملك و ان حكم بملكية الجارية في ذلك الزمان للمشتري و لكن لا يخفى ما في الاحتمال من الضعف فان مقتضى اعتبار الجارية ملكا للمشتري زمان الاستيلاد مقتضاه كون الجارية أم ولد.

و ذكر السيد الخوئي أطال اللّه بقائه انه لا يحكم على الأمة بناء على الكشف الحكمي بأنها أم الولد لان ظاهر ما دل على انها لا يباع أو غيره من الأحكام ترتبها على أمة يحدث استيلادها في ملك الواطى و على الكشف الحكمي يكون الاستيلاد بقاء في ملكه نظير ما شرع في صلاته بقراءة سورة ثم تركها في الأثناء بالعدول إلى سورة أخرى فإنه بالعدول و إتمام السورة الثانية

و ان تكون الأولى زائدة الا انها لا تحسب زيادة في الصلاة و لا تعمه قوله عليه السّلام من زاد في صلوته فعليه إعادتها فان ظاهره احداث الزائد لا جعل الحادث سابقا زائدا فيما بعد.

أقول إذا فرض مبدء الملكية المجعولة هو الزمان السابق يكون الاستيلاد بحدوثه محكوما بوقوعه في الملك لا محالة و لا يقاس بمسئلة الزيادة في الصلاة فان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 363

و لو نقل المالك أم الولد عن ملكه (1).

______________________________

مبدء اتصاف القراءة السابقة بالزيادة من حين العدول إلى السورة اللاحقة نظير ما أخبر القائل بأنه يفعل كذا صباح الغد مع بنائه على الفعل المزبور ثم بدا له صباح الغد فلم يفعله يكون اتصاف الكلام المزبور بالكذب بحسب نظر المتكلم من حين البداء له بل يقاس بما إذا اغتسل المكلف بماء مشكوك طهارته أخذا بأصالة طهارته.

ثم بعد الاغتسال و الصلاة علم بان الماء المزبور كان متنجسا قبل الاغتسال و شك في وقوع المطهر عليه قبل اغتساله فإنه لا إشكال في ان الماء الى حين حصول هذا العلم و الشك كان محكوما بالطهارة و بعد حصولهما يحكم على الماء المزبور حتى بالإضافة إلى حين الاغتسال بالنجاسة مع انه يلزم عليه طال بقاه الحكم بصحة الاغتسال و لا أقل بعدم وجوب قضاء صلاة صلاها بذلك الغسل لأنهما مقتضى قاعدة الطهارة السابقة أو أصالة عدم وجوب قضائها.

(1) و حاصله انه لو اشترى الأمة فضولا فأولدها و نقلها مالكها عن ملكه ثم أجاز الشراء المزبور فعلى الكشف الحقيقي يحكم ببطلان النقل المزبور و بصحة الشراء لأن الإجازة تكشف عن وقوع نقله في ملك المشترى واقعا و يحتمل بطلان اجازة الشراء لان النقل

سابقا بمنزلة رده الشراء المزبور و سيأتي ان من شرط نفوذ الإجازة عدم سبقها بالرد هذا على الكشف الحقيقي.

و على الكشف الحكمي فيحكم بصحة النقل المزبور و على المالك المجيز أداء عوض الأمة أى قيمتها إلى المشتري جمعا بين صحة النقل المزبور و بين المعاملة مع الجارية المزبورة بعد الإجازة معاملة ملك المشترى بالإضافة إلى الأزمنة الماضية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 364

..........

______________________________

و يكون المقام نظير ما إذا فسخ ذو الخيار العقد مع نقل المال عن ملكه قبل ذلك فان بعد فسخه عليه بدل المال جمعا بين نفوذ نقله و رجوع ذلك المال بالفسخ الى مالكه الأول.

و الحاصل ان ضابط الكشف الحكمي انه يترتب آثار الملكية بالإضافة إلى الأزمنة السابقة بعد حدوث الإجازة فإن كان الجمع بين تلك الآثار و تصرف المالك قبل أجازته ممكنا فهو و الا كما إذا أتلف المالك المال حقيقة أو شرعا كالعتق بطلت الإجازة لفوات محلها و ان يحتمل الرجوع اليه بالبدل مع الإتلاف أيضا جمعا بخلاف الكشف الحقيقي فإنه بالإجازة ينكشف كون المال ملكا للغير واقعا من حين عقد الفضولي فيبطل كل تصرف من المالك لا حق بالعقد المزبور.

أقول مجرد تلف المال أو العتق لا يوجب التنافي بينه و بين اجازة عقد الفضولي فإنه بعد أجازته يرجع الأصيل إلى المالك المجيز ببدل المال المتلف أو المعتق كما في مسئلة البيع بشرط الخيار للمشتري فإنه إذا تلف المبيع في يد المشتري أو أعتقه فيرجع إليه البائع بعد الفسخ ببدل التالف أو المعتق بل التنافي بين الإجازة و التصرف من المالك المجيز يتصور في موارد لا يكون فيها الرجوع الى المالك المجيز بالبدل كما إذا زوج الفضولي

المرأة من زيد ثم المرأة مع جهلها بالحال زوجت نفسها من عمرو فإنه لا يمكن الجمع بين نفوذ النكاح الثاني و اجازة النكاح الأول و في مثل ذلك لا ينبغي الريب في نفوذ النكاح الثاني و فساد النكاح الأول و ذلك فان النكاح الثاني بحصوله يعمه ما دل على مشروعية النكاح و نفوذه و مع هذا الشمول لا تفيد إجازتها النكاح الأول حيث لا يمكن ان يعمل ذلك الدليل بل يمكن ان يقال الأمر كذلك حتى على الكشف الحقيقي لا لكون النكاح الثاني ردا للنكاح الأول

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 365

..........

______________________________

حيث نفرض وقوع النكاح الثاني غفلة عن النكاح الأول بل لأن الإجازة المصححة للنكاح الأول إجازة الخلية لا اجازة ذات البعل.

و اما إذا لم يكن تصرف المالك المجيز منافيا لصحة عقد الفضولي بإجازته فقد يقال كما عن المصنف (ره) و غيره بأنه يجمع بين التصرف الثاني و عقد الفضولي بإجازته برجوع الأصيل إلى المالك المجيز ببدل ذلك المال نظير رجوع من عليه الخيار إلى المشتري بعد فسخ الشراء ببدل المبيع التالف حقيقة أو حكما.

و لكن لا يخفى انه لا يمكن المساعدة على الجمع بذلك في المقام بل المتعين هو الالتزام بان تصرف المالك في المبيع و نقله الى الغير أو إتلافه يوجب ان لا يبقى مورد للإجازة لا لكون التصرف المزبور ردا فعليا لعقد الفضولي ليقال بان تصرفه مع غفلته عن جريان العقد فضولا على ماله لا يكون من الرد الذي من الإنشائيات و لا يحصل بدون القصد سواء كان بالفعل أو بالقول بل لان المعتبر في الإجازة ان تكون موجبة لاستناد عقد الفضولي إلى المالك المجيز بان يصح ان

يقال انه باع ماله أو آجره أو صالحه الى غير ذلك و لا تكون الإجازة مع التصرف المزبور مصححة لذلك لان نفوذ ذلك التصرف يوجب كون المالك أجنبيا عن المال المزبور و لا تكون أجازته موجبة لان يقال انه باع داره و آجرها أو صالحها الى غير ذلك.

و هذا هو السر فيما يأتي من ان من شرط الإجازة ان يكون المجيز مالكا للمال الذي جرى عليه العقد فضولا لو لا أجازته و بتعبير آخر المصحح لاستناد عقد الفضولي إلى المجيز بإجازته كونه مالكا للمال لولاها و المفروض انه مع التصرف المزبور لا يكون مالكا لتكون جازته باعتباره مصححة للاستناد بل الأمر كذلك في صورة تلف المال فان المال بعد تلفه في يد مالكه لا يعتبر ملكا له و لا يقاس بما إذا اشترى متاعا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 366

[الثمرة بين الكشف و النقل]

و للشهيد الثاني في الروضة عبارة توجيه المراد منها (1).

______________________________

بشرط الخيار له و تصرف في ذلك المال بالنقل أو تلف في يده فإنه يكون له فسخ الشراء و يرجع البائع إليه ببدل المبيع و ذلك فان الخيار حق له متعلق بالعقد الواقع و التصرف في المبيع إذا لم يكن بقصد إسقاط الخيار لا يوجب سقوطه فيكون له فسخه و يتعين عليه بعد الفسخ دفع البدل و الإجازة في المقام ليست من قبيل الحق المتعلق بالعقد و لذا لا يكون للمالك المجيز إسقاطها بل اعتبارها لكونها مصححة لاستناد عند الفضولي اليه و وجه التصحيح ما ذكرنا من كونه مالكا للمال لولا الإجازة.

فتحصل مما ذكرنا انه على الكشف الحكمي يكون تلف المال أو تصرف مالكه بنقله الى الغير أو عتقه موجبا لانقضاء مورد

الإجازة فيصح تلك التصرفات و يلغو عقد الفضولي.

بل يمكن ان يقال ان الحال كذلك حتى على الكشف الحقيقي فإن المعقول منه هو الالتزام بكون الإجازة شرطا متأخرا أو ان الشرط تعقب العقد بالإجازة و ما هو شرط متأخرا و لحوقه شرط هي اجازة المالك لولاها لا مجرد اجازة المالك حال العقد و يأتي بقية الكلام في ذلك في بحث اشتراط كون المجيز مالكا.

(1) قال في الروضة و تظهر الفائدة يعني فائدة القولين الكشف و النقل في النماء فان جعلناها كاشفة فالنماء المنفصل للمبيع المتخلل بين العقد و الإجازة للمشتري و نماء الثمن المعين للبائع و لو جعلناها ناقلة فهما للمالك المجيز انتهى.

و ذكر المصنف (ره) ان توجيه المراد من هذه العبارة بأن تحمل هذه العبارة على خلاف ظاهرها اولى من الأخذ بظاهرها و التكلف في تطبيق ذلك الظاهر على القواعد و توضيح ذلك ان نماء المبيع المتخلل بين العقد و الإجازة للمشتري و نماء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 367

و منها ان فسخ الأصيل لإنشائه قبل إجازة الآخر مبطل (1).

______________________________

عين الثمن للبائع على الكشف الحقيقي أو الحكمي و النماء المزبور يكون للمالك الأصلي على النقل و مراد الشهيد من المالك المجيز هو المالك الأصلي الشامل لمالك المبيع و مالك الثمن مع فرضه الفضولية في العقد من الطرفين فيصح ان يقال انه بناء على النقل يكون نماء كل من المبيع و الثمن للمالك المجيز اى لمالكهما الأصلي و هذا الحمل اولى من الأخذ بظاهرها بان يقال إذا كان العقد فضوليا من طرف البائع مثلا يكون نماء المبيع و الثمن له على النقل اما نماء المبيع فظاهر حيث ان المبيع لا يخرج عن

ملكه قبل الإجازة على الفرض و اما نماء الثمن له فلان الأصيل بإقدامه على المعاملة الفضولية قد رفع يده عن الثمن و عن نمائه من حين العقد.

و الاولى المذكور في كلام المصنف (ره) من قبيل الاولى في آية إرث اولى الأرحام و ذلك فان تعليل ظاهر كلام الشهيد الثاني بما ذكر ضعيف غايته و مجرد إقدام المشتري الأصيل على المعاملة الفضولية لا يوجب خروج الثمن عن ملكه حين العقد حتى يتبعه نمائه بل قد لا يعلم المشتري بأن البيع من البائع المزبور فضولي.

(1) يعني إذا فسخ الأصيل العقد ثم اجازه المالك فعلى الكشف الحقيقي يحكم ببطلان فسخ الأصيل فإنه بناء عليه يعلم بوقوع فسخه بعد تمام العقد بخلاف ما إذا قيل بالنقل فإنه بناء عليه يحكم ببطلان الإجازة و كونها لغوا لان لكل من المتعاقدين إلغاء إنشائه قبل تمام العقد جزءا أو شرطا بالإجماع.

أقول ينبغي ان يذكر هذه ثمرة بين الكشف الحقيقي المبنى على كون الشرط في تمام العقد تعقبه بإجازة المالك و بين غيره سواء قيل بالنقل أو بالكشف الحكمي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 368

..........

______________________________

أو الحقيقي المبنى على كون الإجازة بنفسها شرطا متأخرا فإنه بناء على جميع ذلك يكون تمام العقد بنفس الإجازة فيكون الفسخ المزبور قبل تمامه فلا تفيد الإجازة بعده.

و لكن نوقش في الثمرة كما تعرض لها المصنف (ره) بما حاصله انه لا اثر لفسخ الأصيل و انه يتم العقد بلحوق الإجازة على الكشف و النقل و ذلك فان العقد سبب للنقل مع حصول شرطه و الشرط في المقام بناء على النقل أو الكشف على بعض فروضه هي الإجازة و إذا حصلت يترتب الأثر على العقد السابق

لتمام السبب معها و ترتب الأثر على تمام السبب من أحكام الوضع يعنى غير موقوف على إرادة أحد المتعاقدين ليكون فسخه موجبا لبطلان هذا الترتب و لكن المناقشة ضعيفة لان من شرط صحة العقد و ترتب الأثر عليه عدم تخلل الفسخ قبل تمام السبب و مع تخلل الفسخ كما ذكر لا يتم العقد بشرطه ليترتب عليه أثره.

اللهم الا ان يمنع عن هذا الاشتراط بعدم ثبوت الإجماع المدعى و مقتضى الإطلاقات عدم اعتباره. مثلا إذا أنشأ البائع البيع و فسخه قبل قبول المشتري أو قبل حصول شرطه، فمقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بطلان الفسخ المزبور.

و ذكر النائيني (ره) انه فرق بين فسخ الإيجاب قبل القبول و بين الفسخ بعد الإيجاب و القبول و قبل حصول سائر الشرائط فإن فسخ الإيجاب قبل القبول لا بأس به حيث لا يتم عنوان العقد الا بعد القبول بخلاف الفسخ بعد الإيجاب و القبول و قبل حصول سائر الشرائط فإن الفسخ المزبور غير جائز كما هو مقتضى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

نعم إذا قام في مورد دليل خاص على جواز الفسخ قبل حصول سائر الشرائط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 369

..........

______________________________

أيضا يلتزم به كما في الهبة و الوقف قبل القبض و اما مع عدم قيامه فمقتضى خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وجوب إنهاء العقد و عدم جواز فسخه و هذا حكم تكليفي انحلالي يتعلق بكل من البائع و المشترى و ليس من النقل و الانتقال الذي من قبيل الحكم الوضعي و الحكم التكليفي المزبور يترتب على العقد و ان لم يترتب عليه الحكم الوضعي باعتبار عدم حصول بعض الشرائط و الإجازة في المقام شرط للحكم الوضعي حيث لا يحصل النقل و الانتقال بدون

حصولها.

و الحاصل وجوب الوفاء و عدم جواز الفسخ موضوعه العقد الذي يحصل بالإيجاب و القبول و على ذلك فلا يجوز للأصيل فسخ العقد قبل اجازة المالك المجيز سواء قيل بأن إجازته كاشفة عن تمام العقد قبله أو قيل بالنقل و لا يقاس الفسخ على القول بالنقل بفسخ الموجب إيجابه قبل قبول المشتري.

أقول وجوب الوفاء بالعقود لا يمكن ان يكون حكما تكليفيا بالإضافة إلى مثل البيع و الإجازة من المعاملات، فان الوفاء بالعقد بمعنى عدم فسخه لإيراد من تحريمه حرمة مجرد التكلم بلفظ فسخت و نحوه مع قصد انحلال العقد مع بقاء العقد بحاله فتحريم الفسخ يمكن فيما إذا كان الفسخ مقدورا و حاصلا بالإنشاء المزبور و إذا فرض حصول الفسخ في موارد حرمته لا يكون خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ دالا على لزومها و عدم انحلالها بالفسخ كما يتمسك هو (ره) و غيره بالخطاب المزبور لا ثبات لزوم المعاملات فالمتعين ان يكون وجوب الوفاء بالعقود بالإضافة إلى مثل البيع حكما وضعيا و إرشادا إلى لزومها و من الظاهر ان العقد المحكوم باللزوم في مثل البيع و الإجارة مما يكون من العهد المشدود هو العقد المنتسب الى المالكين و ما لم تحصل الإجازة لم يتحقق ذلك العهد و لا يترتب الحكم باللزوم سواء قيل بأن الإجازة ناقلة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 370

و منها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل (1).

______________________________

أو كاشفة بكشف حكمي أو حقيقي بمعنى كون الإجازة بنفسها شرطا متأخرا.

نعم إذا قيل بعدم كون الإجازة بنفسها شرطا بل الشرط تعقب العقد بالإجازة فيمكن ان يقال انه لا يكون لفسخ الأصيل أثر لوقوع ذلك الفسخ بعد تمام العقد لان وصف

التعقب يحصل للعقد من حين إنشائه فتحصل عما ذكرنا ان مع تخلل الفسخ بين العقد و الإجازة لا تحصل بالإجازة عنوان العقد المشدود المنسوب الى المالكين نظير تخلله بين إيجاب مالك المبيع و قبول المشترى بل الأمر كذلك فيما إذا تخلل الفسخ بعد حصول العقد المشدود و قبل حصول بعض الشرائط المعتبرة في ترتب الأثر على ذلك العقد كما إذا فسخ البائع بيع الصرف قبل حصول القبض في المجلس فان الحكم على العقد باللزوم باعتبار مدلوله الممضى شرعا و ما لم يحصل إمضاء مدلوله بحصول ذلك الشرط لا يحكم عليه باللزوم و إذا حصل الفسخ قبل حصوله لا يحصل العقد المشدود بحصول الشرط لان المفروض إلغائه قبل حصوله.

(1) هذه أيضا ثمرة بين القول بالكشف الحقيقي و بين غيره من النقل و الكشف الحكمي فإنه بناء على النقل أو الكشف الحكمي يجوز للأصيل التصرف فيما انتقل عنه و لو بتصرف ينافي انتقال المال عنه و ذلك فان المال بناء عليهما قبل الإجازة ملكه فيجوز له ترتيب آثاره تكليفا و وضعا فلو باع جارية من فضولي فللبائع الأصيل وطيها قبل الإجازة و ان استولدها صارت أم ولد فيفوت محل الإجازة باعتبار انه لا يجوز بيع أم الولد و كذا إذا زوجت نفسها من آخر فضولا يجوز لها التزويج من غيره و يخرج نكاح الفضولي عن جواز لحوق الإجازة به الى غير ذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 371

..........

______________________________

و الحاصل انه بناء على النقل و الكشف الحكمي لا يحصل تمام الموضوع لوجوب الوفاء بالعقد قبل الإجازة ليمنع وجوبه على الأصيل عن ترتيب آثار بقاء ملكه فلا يصح ما يظهر من المحقق الثاني من عدم جواز

هذا النحو من تصرف الأصيل حتى بناء على النقل حيث ذكر في بيع العين بالثمن المغصوب انه لا يجوز تصرف البائع الأصيل و لا المشترى الغاصب في تلك العين لاحتمال حصول الإجازة سيما على القول بالكشف انتهى.

و ربما يقال بجواز التصرفات للأصيل ظاهرا حتى على الكشف باعتبار انه لا يعلم حصول الإجازة و انتقال المال عنه واقعا و مقتضى أصالة عدم انتقاله و بقائه في ملكه جوازها.

نعم حصول الإجازة فيما بعد كاشف عن بطلان تلك التصرفات فيأخذ المالك المجيز العين مع بقائها و بدلها مع تلفها.

و لكن منع المصنف (ره) عن ذلك و ذكر انه بناء على الكشف أي الحقيقي منه لا يجوز للأصيل التصرف المنافي للإجازة حتى مع علمه بعدم حصول الإجازة و ذلك فإنه بناء على هذا الكشف يكون الموضوع لوجوب الوفاء و هو نفس العقد حاصلا فيجب على الأصيل الوفاء به و هذا الوجوب يمنعه عن ترتيب آثار بقاء الملك الى ان يحصل الرد من المالك المجيز حيث يكون إلغاء العقد و إبطاله برده فقط.

لا يقال كيف لا يجوز الأصيل التصرف في المال المحتمل بقائه في ملكه و لا يجوز له التصرف في المال الآخر مع أنه لو لم يجز له التصرف في الأول واقعا لجاز التصرف في الآخر بمقتضى المبادلة بينهما.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 372

..........

______________________________

فإنه يقال لا يجوز له التصرف المنافي فيما كان ملكا له كما لا يجوز له التصرف في المال الآخر مطلقا و ذلك فان العقد الموضوع لوجوب الوفاء به و ان كان بمعنى مطلق العهد الحاصل بالإيجاب و القبول الا ان التكليف بالوفاء قرينة على ان المراد هو العهد على نفسه و ما

هو عهد المكلف على نفسه هو انتقال ماله الى ملك المشترى أي صاحب الثمن و التكليف بالوفاء به يمنعه عن التصرف في ماله بما ينافي الإجازة المتوقعة و التصرف في المال الآخر لا يعمه وجوب الوفاء و لا يناسبه حيث انه لا يكون من العهد على نفسه.

لا يقال قد تقدم جواز هذه التصرفات للأصيل بناء على النقل و الكشف الحكمي مع ان العهد على نفسه موجود عليهما أيضا.

فإنه يقال قد مر ان تمام الموضوع لوجوب الوفاء هو نفس العقد بناء على الكشف الحقيقي فلا يجوز للأصيل نقضه بخلاف النقل أو الكشف الحكمي فإن الموضوع له لا يكون العقد فقط بل العقد مع قيد الإجازة حتى لو قيل في تصحيح الكشف الحقيقي بكون الشرط تعقبه بالإجازة و يجب الوفاء به مع الشرط المزبور لكان مقتضى أصالة عدم حصول الشرط في صورة الشك في الإجازة جواز التصرف ظاهرا بخلاف ما لو قيل بأن الإجازة في المستقبل كاشفة عن كون العقد من الأول تمام الموضوع لوجوب الوفاء.

لا يقال انتقال المال عن الأصيل و دخوله في ملك الآخر و ان كان عهدا على نفسه الا انه مشروط بحصول أمر و هو انتقال الثمن عن الآخر إليه بإزاء ماله و لا يعلم هذا الشرط غالبا لاحتمال عدم حصول الإجازة فيكون المقام نظير النذر المشروط في ماله حيث ذكروا أنه يجوز للناذر التصرف في المال المزبور قبل حصول الشرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 373

..........

______________________________

فإنه يقال فرق بين النذر المشروط و المقام فان العهد في باب النذر كما هو قضية الشرطية في قول الناذر معلق و مراعى بخلاف المقام حيث يكون احتمال الإجازة و انتقال المال اليه داعيا

له الى تمليك ماله بإزاء المال الآخر كما هو ظاهر قول البائع بعتك هذا المال المزبور بذلك فلا يكون حصول الشراء من الآخر و لو احتمالا شرطا و تقديرا في الإيجاب المزبور.

أقول ما ذكر (ره) من انه على الكشف لا يجوز للأصيل التصرف المنافي للإجازة حتى مع إحرازه عدم الإجازة مستقبلا بدعوى ان وجوب الوفاء بالعقد يمنعه عن التصرف المزبور ضعيف و ذلك فان كون الإجازة كاشفة عن الملكية و تعلق الوفاء بالعقد من الأول مرجعه الى اعتبار الإجازة بنحو الشرط المتأخر بأن يكون الموضوع لوجوب الوفاء و هو العقد، له قيد و ظرف تحقق ذلك القيد، هو الاستقبال و إذا لم يحرز حصولها في المستقبل فأصالة عدم حصولها مقتضاها جواز تصرف الأصيل في ماله و لو حصلت بعد ذلك تكون كاشفة عن بطلان ذلك التصرف و وقوعه على ملك الغير كما مر.

و مما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكر في القواعد من ترتب أحكام المصاهرة على التزويج فضولا هذا أولا.

و ثانيا ان وجوب الوفاء بالعقد اما تكليف بعدم جواز نقضه عملا بان يتصرف في المال الذي ملكه الغير و هذا التكليف من جهة حرمة التصرف في مال الغير و الإمساك به و لا يكون الا بعد حصول الملكية لذلك الغير و اما إرشاد إلى لزوم العقد و عدم نفوذ فسخه و الموضوع في اللزوم و عدم لزوم الفسخ هو العقد المنسوب الى المالكين الذي لا يحصل الا بعد الإجازة و بعبارة أخرى وجوب الوفاء حتى على القول بكونه تكليفا انحلاليا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 374

..........

______________________________

يعم كلا من الأصيل و المالك الآخر و يكون الموضوع لحكم كل منهما العقد المنسوب إليهما

فقبل اجازة الطرف الآخر لا يتم الموضوع حتى في حق الأصيل و على ذلك فيجوز لكل منهما التصرف المنافي قبل الإجازة بل يجوز لهما التصرف المنافي بعد تمام الإيجاب و القبول المنتسبان المالكين و قبل حصول تمام شرائط صحته كالتصرف في بيع الصرف و السلم قبل القبض و ذلك فان خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و ظاهره لزوم العقد و عدم جواز نقضه بعد الفراغ عن تمامه فما لم يحصل الشرط المعتبر فيه فلا يتم العقد.

لا يقال على ذلك لا يمكن الحكم بلزوم العقد فيما إذا لم يكن في البين خطاب آخر دال على تمامه و إمضائه حدوثا مثلا مقتضى قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ ظاهره إمضاء كل بيع فيمكن عند الشك في لزوم بيع و جوازه كالمعاطاة التمسك بعموم وجوب الوفاء بالعقود و الحكم بلزومها و اما إذا لم يكن خطاب على إمضاء عقد فلا يمكن التمسك المزبور.

و الحاصل يلزم على ما ذكر ان لا يصلح خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ للتمسك به في صحة عقد و فساده.

فإنه يقال لا بأس بالتمسك بخطاب وجوب الوفاء لا ثبات صحة عقد و لزومه فان الموضوع لوجوب الوفاء و إن كان هو العقد التام الا ان المراد هو التام بحسب اعتبار العقلاء كما ان الموضوع للحلية في خطاب حل البيع هو البيع بحسب اعتبار هم حيث انه ليس للعقد و البيع حقيقة شرعية و إذا كان العقد التام بحسب نظرهم محكوما باللزوم يكون محكوما بالصحة أيضا لا محالة.

غاية الأمر إذا ثبت شرط لتمام العقد شرعا كاعتبار القبض في بيع الصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 375

إلا إذا فسخت على اشكال في الأم (1).

______________________________

يكون ذلك تقييدا لموضوع وجوب الوفاء

و لو بلسان الحكومة بمعنى ان تمام العقد في مورده يكون بعد القبض.

و المتحصل مما ذكرنا انه يجوز للأصيل التصرف فيما انتقل عنه على النقل و الكشف الحكمي و يخرج عقد الفضولي مع التصرف المنافي عن القابلية للحوق الإجازة و لا يجوز على الكشف الحقيقي سواء كان الشرط تعقب بالإجازة أو نفس الإجازة بنحو الشرط المتأخر فيما إذا علم الإجازة فيما بعد و اما إذا لم يعلم يكون جواز التصرف حكما ظاهريا.

و اما الفسخ فيجوز للأصيل سواء كان قوليا أو فعليا حتى على الكشف الحقيقي الذي يلتزم فيه بكون الإجازة شرطا متأخرا كما تقدم.

لا يقال كيف يمكن على الكشف استصحاب عدم الإجازة و الحكم للأصيل بجواز تصرفه فيما انتقل عنه و لو بما ينافي الإجازة مع ان المستفاد من صحيحة عبيدة الحذاء المتقدمة الإمرة بعزل حصة المزوجة فضولا من زوجها المتوفى عدم الاعتبار باستصحاب عدم الإجازة.

فإنه يقال المستفاد من الصحيحة المشار إليها عدم الاعتبار بالاستصحاب لتجويز تصرف سائر الورثة في جميع التركة و اما عدم الاعتبار به بالإضافة إلى تصرفات الأصيل في نكاح الفضولي فضلا عن تصرفات الأصيل في سائر العقود فلا دلالة لها عليه كما لا يخفى.

(1) يعنى يجوز للمباشر أى للأصيل نكاح الخامسة و أخت المنكوحة فضولا و أمها بعد رد المنكوحة و لكن في جواز نكاح أمها إشكال و وجه ان نكاح البنت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 376

و في الطلاق نظر (1).

______________________________

في زمان ما و لو مع عدم الدخول بها كاف في حرمة أمها إلى الأبد بخلاف نكاح الخامسة أو نكاح أخت المنكوحة فإن حرمة الخامسة أو الأخت ما دام زوجاته الأربع أو الأخت في حباله و

مع رد المنكوحة فضولا لا يكون دخول كما انها تخرج عن حباله فلا يحرم عليه بنتها.

(1) يعنى لوارد الزوج الأصيل طلاق المنكوحة فضولا قبل إجازتها أوردها ليجوز له بالطلاق المزبور نكاح الخامسة أو التزويج بأختها أو بنتها أو أمها ففي الطلاق المزبور اشكال حيث انها إزالة علقة الزوجية فيكون بعد تمام النكاح لا قبلها نعم لو كان النكاح فضوليا من ناحية الزوج دون الزوجة فلا يجوز للزوجة نكاح نفسها من شخص آخر قبل رد الزوج أو إجازته و لو أراد الزوج المزبور طلاق الزوجة المزبورة فلا إشكال في صحته لان طلاقه كاشف عن أجازته النكاح فيكون الطلاق بعد تمام النكاح و حصول الزوجية كما لا يخفى.

بقي الكلام في مسئلة النذر المشروط فنقول ان كان الشرط المفروض فيه قيدا لأصل النذر و التعهد كما إذا قال ان جاء ولدي من سفره فلله على التصدق بمالي هذا فلا ينبغي الإشكال في جواز تصرف الناذر في نذره قبل حصول الشرط لانه ما دام لم يحصل الشرط لم يجب عليه التصدق بالمال المزبور حتى لا يجوز ضده الخاص و بعد حصوله لا يكون التصدق المزبور مقدورا حتى يجب عليه من غير فرق بين ان يكون حال التصرف عالما بحصول الشرط فيما بعد أو عدمه و دعوى عدم جواز التصرف قبل حصول الشرط مع العلم بحصوله مستقبلا لكونه تفويتا لملاك ملزم لا يمكن المساعدة عليها فإنه لا طريق لنا الى تحصيل العلم بالملاك الملزم غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 377

..........

______________________________

الأمر بالفعل و مع عدمه قبل حصول الشرط كما هو الفرض لم تصح دعوى تفويته و بتعبير آخر يكون التصدق بالمال المزبور نظير سائر الواجبات المشروطة

أو الموقتة في عدم وجوب حفظ القدرة عليها قبل حصول الشرط و الوقت.

و ان كان الشرط قيدا للمنذور بان كان النذر فعليا و التقدير للمنذور نظير الواجب المعلق كما إذا قال اللّه على التصدق بمالي هذا عند مجي ء ولدي يكون وجوب الوفاء بالنذر فعليا و مقتضى فعليته إبقاء المال مع العلم بحصول الشرط و اما إذا احتمله لم يجب عليه الا بقاء بل يجوز التصرف أخذا بأصالة عدم حصول الشرط فان القيد الاستقبالي في الواجب المعلق على ما هو التحقيق يرجع الى شرط الوجوب بنحو الشرط المتأخر و أصالة عدم حدوثه في ظرف يثبت عدم وجوب ذلك الفعل نعم إذا كان في هذه الصورة و في الصورة السابقة قصد الناذر إبقاء المال الى زمان يحتمل حصول الشرط لزم الوفاء بنذره على ما هو عليه قصده.

ثم انه إذا تصرف في المال المنذور بما ينافي الوفاء بالنذر فان كان في موارد جوازه فلا إشكال في صحة ذلك التصرف و نفوذه و اما إذا تصرف فيه في مورد كون وجوب الوفاء فعليا أو لزم إبقاء المال يكون التصرف المنافي غير جائز تكليفا لا لحرمة نفسه لعدم اقتضاء الأمر بالنذر النهى عنه بل باعتبار ترك الوفاء بالنذر معه و لكن المعاملة نافذة وضعا لأن النهي عن معاملة لا يقتضي فسادها فضلا عما إذا لم يتعلق بها نهى كما ذكرنا و دعوى فسادها باعتبار تعلق الحق بالمال أو لعدم التمكن على تسليم ذلك المال الى الطرف مع وجوب الوفاء بالنذر لا يمكن المساعدة عليها فإنه لا يوجب النذر حقا للمنذور له بالإضافة إلى المال و لذا لا يسقط وجوب الوفاء بالنذر بإسقاط المنذور له مع انه لا دليل على ان

تعلق كل حق بالمال يمنع عن التصرف فيه فان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 378

ثم ان بعض متأخري المتأخرين (1).

______________________________

ما في كلمات الأصحاب في شرائط العوضين كون ملكهما طلقا تعبير عن موارد خاصة قد تعلق النهى فيها بالبيع كما في بيع الوقف و أم الولد و نحوهما فلا يجري في موارد لم يكن فيها ذلك النهى و انه بعد التصرف لا مانع من شمول خطابي حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد لذلك التصرف لسقوط وجوب الوفاء بالنذر بخروج المال عن ملك الناذر كما هو مقتضى الخطابين.

و الحاصل ان القدرة على التسليم المعتبرة في ظرفه و هو تمام المعاملة حاصل في المقام أيضا لأن تسليم المال المنذور الى مشتريه كبيعه منه لا يكون في نفسه محرما و انما الحرام ترك الوفاء بالنذر و لذا لا يفرق في فرض ترك الوفاء بالنذر بين ان يبيع المال من الغير و يسلمه إليه أوان لا يبيع أصلا بل لو كان بيعه حراما كما إذا حلف على ترك بيعه لم يكن حرمة البيع تكليفا موجبا لفساده و انتفاء القدرة على تسليمه فإنه يكفي في صحة البيع التمكن على التسليم و لو بنفس إنشاء البيع و إمضائه كما لا يخفى.

(1) حكى عن كاشف الغطاء انه ذكر ظهور الثمرة بين القول بالكشف و النقل في موارد: الأول- ما إذا خرج أحد المتبايعين و نفرضه الأصيل بعد العقد و قبل الإجازة عن قابلية كونه مالكا لموته أو عروض الكفر كما إذا ارتد سواء كان ارتداده عن فطرة أو غيرها مع كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا فيصح على الكشف دون النقل و كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا قيد

للارتداد غير الفطري فقط و كان المرتد الفطري لا يملك شيئا بعد ارتداده و ينتقل أمواله التي كانت له قبل ارتداده الى ورثته فخروجه عن قابلية كونه مالكا يعم كل مبيع و اما المرتد غير الفطري فلا يملك العبد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 379

..........

______________________________

المسلم و المصحف و يملك سائر الأموال و احتمال رجوع القيد الى مطلق الارتداد ضعيف و الا لكان الأنسب أن يقول بعروض كفر كما إذا ارتد مع كون المبيع عبدا مسلما أو مصحفا لا كون عدم القابلية لتملك المصحف أو العبد المسلم من أحكام الكفر معروف فلا حاجة الى التصريح بالتعميم لقسمي الارتداد فالتصريح بالتعميم قرينة على التفصيل المزبور.

و لكن ذكرنا في كتاب الإرث ان غاية ما دلت عليه الروايات انتقال أموال المرتد الفطري إلى ورثته بارتداده و اما ما يملك و يكسبه بعد ارتداده فلا دلالة لها على حكمه و مقتضى عموم أدلة إمضاء المعاملات و إطلاقاتها جواز التكسب له وضعا و تكليفا كسائر الناس.

ثم ان بطلان البيع على النقل في فرض موت الأصيل مختص بما إذا كان العوض كليا بذمته و الا فلو كان كلا العوضين عينا خارجية يكون العقد قابلا للإجازة غاية الأمر على الكشف تثبت المعاملة لمن كان مالكا حال العقد و على النقل تقع على ملك الورثة فتحتاج إلى إجازتهم و كذا الحال في الخروج عن القابلية بالارتداد الفطري فإنه إذا كان الثمن كليا بذمته يصح البيع له بناء على كون الإجازة كاشفة و لا يمكن ان يصح له و لا للورثة على النقل بخلاف ما إذا كان العوض عينا خارجية فإنه يكون معه البيع بناء على النقل فضوليا حتى بالإضافة إلى

الورثة فيحتاج إلى إجازتهم.

نعم لا يعتبر كون الثمن كليا على العهدة في غير الفطري لأن الثمن الشخصي لا ينتقل بارتداده الى ورثته فيكون بيع المصحف منه بإزاء الثمن المزبور غير قابل للإجازة على مسلك النقل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 380

ربما يعترض على الأول بإمكان ظهور الأدلة (1).

______________________________

المورد الثاني ما إذا خرج أحد العوضين بعد العقد و قبل الإجازة عن قابلية المعاملة عليه فبناء على الكشف يصح البيع السابق بالإجازة حيث يثبت الملك بالإضافة إلى زمان كان فيه العين قابلة له بخلاف مسلك النقل.

و الثالث ما إذا طرء القابلية على أحد العوضين أو على أحد المتبايعين بعد ما كان غير قابل في زمان العقد كما إذا أسلم الكافر الذي اشترى العبد المسلم أو المصحف حال كفره فإنه يصح بالإجازة على النقل دون الكشف و مثل ذلك ما إذا قارن العقد فقد بعض شرائط الصحة و تجدد الشرط المزبور قبل الإجازة.

(1) المعترض هو صاحب الجواهر (ره) فإنه اعترض على الثمرة في الموارد الثلاثة بأنه يحكم ببطلان البيع فيها على كلا المسلكين اما في المورد الأول فإن ظاهر الأدلة اعتبار استمرار قابلية الأصيل للتملك الى حين الإجازة لتكون كاشفة عن حصول المالك له من حين العقد الى حينها و اما في المورد الثاني فإنه يعتبر ايضا بقاء العوضين قابلا للملك الى حين الإجازة حيث يعتبر في اجازة المالك ان يكون مالكا لو لا الإجازة و مع خروج المال عن قابلية الملك لا تكون الإجازة عن المالك المزبور و اما في المورد الثالث فان العقد المزبور غير قابل للإجازة على الكشف و النقل لفقد شرط صحة العقد مع قطع النظر عن رضا المالك على الكشف

و كون إنشاء العقد في مورد غير قابل له على النقل.

و تسلم المصنف (ره) الاعتراض على المورد الثالث و منعه في الأولين حيث قال في المورد الأول انه ليس في البين ما يدل على اعتبار بقاء قابلية المتبايعين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 381

..........

______________________________

للمالكية إلى حين الإجارة بل الأمر بالعكس فان بعض الروايات ظاهرة و بعضها صريحة في عدم اعتبار بقاء القابلية و المراد من بعض الروايات الظاهرة ما ورد في اتجار العامل في المضاربة بغير متاع اشترط مالك رأس المال الاتجار به حيث لم يستفصل فيها بين بقاء الطرف في تجارة العامل على الحياة حين الإجازة و عدمه و نحوها ما ورد في الاتجار بمال اليتيم و مراده من بعض الصريح رواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي اشترى أباه و أعتقه و يدل على عدم الاعتبار فحوى الخبر الوارد في تزويج الصغيرين و ذلك فان كلا من الزوجين في النكاح كالعوضين و البيع ركن و إذا دلت الرواية على عدم اعتبار بقاء الركن الى حين الإجازة كان عدم اعتبار بقاء المتبايعين على القابلية أولى لعدم كونهما ركنين في البيع.

و ايضا يدفع اعتبار كون الإجازة كاشفة عن تملك المتملك و استمراره الى حين الإجازة ما ذكروه في مسئلة ترتب العقود على مال المالك من ان اجازة السابق من العقود تكون موجبة لصحته و صحة اللاحق فان تملك الأول في الفرض المكشوف عنه بالإجازة غير باق الى حينها كما هو مقتضى صحة العقود المترتبة عليه.

أقول يمكن ان يقال دعوى صاحب الجواهر اعتبار بقاء الأصيل على قابلية المالكية لتكون الإجازة كاشفة عن تملكه المال المنقول اليه و استمرار ذلك التملك الى

حينها لو لا نقله الى الغير و في فرض ترتب العقود على مال المجيز يكون عدم البقاء لنقل الأصيل لا لسقوطه عن قابلية المالكية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 382

الذي يصلح ردا لما ذكر في الثمرة الثانية (1).

مضافا الى إطلاق رواية عروة (2).

______________________________

(1) الموصول مع صلته وصف لخبر تزويج الصغيرين لا للفحوى يعنى الخبر المزبور صالح لرد ما ذكر صاحب الجواهر في اعتراضه على الثمرة في المورد الثاني و وجه صلاحه له أن الزوجين في عقد النكاح بمنزلة العوضين في عقد البيع و إذا دل الخبر المزبور على صحة النكاح بالإجازة في فرض خروج أحدهما بالموت عن قابلية الزواج كان مقتضاه صحة البيع أيضا بالإجازة في فرض خروج أحد العوضين عن قابلية الملك بالتلف و نحوه.

(2) و هذا وجه ثان لرد ما ذكر صاحب الجواهر (ره) في اعتراضه على الثمرة الثانية من اعتبار بقاء العوضين على المالية إلى حين الإجازة و وجه الرد ان إطلاق رواية عروة البارقي يعني عدم استفصال النبي صلّى اللّه عليه و آله منه حين أجازته عن بقاء الشاة التي باعها عروة بدينار واحد أو تلفها دليل على عدم اعتبار بقائها حال الإجازة.

أقول ما ذكر (ره) من ظهور بعض الروايات و صريح بعضها الأخرى غير تام و لا دلالة كما تقدم في ما ورد في المضاربة و الاتجار بمال اليتيم على حكم بيع الفضولي أصلا كما ان رواية ابن أشيم المفروض فيها دفع المال الى العبد المأذون لم يفرض فيها موت الأصيل الذي هو مولى العبد المعتق بالفتح و لا موت المالك المجيز الذي هي الورثة و اما الدافع فلم يكن طرفا في عقد الفضولي أصلا.

و رواية عروة

البارقي واردة في قضية خاصة فلعل النبي صلّى اللّه عليه و آله كان يعلم بقاء الشاة المبيعة فضولا و لبعد تلف الشاة في تلك المدة القصيرة و خبر تزويج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 383

..........

______________________________

الصغيرين باعتبار تضمنه لحكم تعبدي و هو لزوم الحلف على المجيز بان إجازتها لا تكون لأجل الميراث غير صالح للتعدي منه الى غير مورده فضلا إلى سائر العقود.

ثم انه اعترض النائيني (ره) على الثمرة في المورد الثاني بأنه يحكم بفساد عقد الفضولي و عدم صحته بالإجازة سواء على الكشف أو النقل اما على النقل فظاهر و اما على الكشف فإنه مقتضى فساد البيع بتلف المبيع قبل القبض و لكن لا يخفى ما فيه فان تلف أحد العوضين قبل الإجازة لا يلازم كونه قبل القبض حيث يمكن كون العين المبيعة فضولا عند مشتريها بنحو العارية أو إجارتها من مالكها ثم اشترائها من بائعها فضولا و تلفها قبل اجازة مالكها و يصح هذا الشراء بإجازته على الكشف دون النقل.

فقد تحصل من جميع ما تقدم انه لا يمكن الأخذ بالأخبار الخاصة في إثبات الثمرة في الموارد الثلاثة المتقدمة أو عدم ثبوتها و الصحيح انه يمكن إثبات الثمرة بين النقل و الكشف في الموردين الأولين بالأخذ بإطلاق حل البيع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فان مقتضاهما تمام بيع الفضولي بالإجازة على الكشف الحقيقي و لا يمكن تصحيحه بها على النقل و الكشف الحكمي لأن مع سقوط الأصيل عن قابلية المالكية لا يمكن جعل الملكية له حال الإجازة و لو كان مبدء الملكية من السابق و كذا في صورة سقوط الشي ء عن قابلية الملك.

و بتعبير آخر الموضوع للحلية أو وجوب الوفاء هو البيع و

العقد المنتسب الى المالكين و مع سقوط الأصيل عن صلاحية الانتساب أو سقوط أحد العوضين عن المالية لا يكون حال اجازة العقد المنتسب إليهما أو تمليك مال بعوض و اما المورد الثالث فالثمرة غير تامة بإطلاقها فإنه لا يعتبر في جميع الشروط حصولها من حين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 384

بظهور الثمرة في تعلق الخيارات (1) و حق الشفعة (2) و احتساب مبدء الخيارات (3).

______________________________

العقد بل الشرائط مختلفة و يكفي في بعضها حصولها بعد العقد فلا بد من ملاحظة اعتبار كل منها سواء قيل بالنقل أو الكشف.

(1) كما إذا تغيرت القيمة السوقية أو تعيب المبيع بعد العقد و قبل الإجازة و لم يعلم به المشتري الأصيل حتى أجاز المالك فإنه على النقل يثبت له خيار الغبن أو خيار العيب لكون المبيع عند تحقق البيع معيوبا أو مشتريه مغبونا بخلاف القول بالكشف الحقيقي بمعنى كون الشرط في تمام البيع تعقبه للإجازة كما لا يخفى.

(2) كما إذا باع الفضولي نصف الأرض المملوكة للغير من زيد بنحو المشاع ثم باع مالكها نصف تلك الأرض من آخر ثم أجاز بيع الفضولي فإنه بناء على مسلك الكشف لا يثبت حق الشفعة لمن اشترى نصفها المشاع من مالكها حيث ان تملك المشترى من البائع الفضولي نصف الأرض كان قبل تملكه بل يثبت حق الشفعة للمشتري من البائع الفضولي بخلاف القول بالنقل فإنه عليه يثبت الشفعة للمشتري من المالك.

(3) اما خيار الحيوان فإن مبدأه على النقل حين الإجازة لأن مشتري الحيوان يصبر حينها صاحبا له بخلاف الكشف الحقيقي فإن كونه صاحبه من زمان العقد و اما مبدء خيار المجلس أو القبض المعتبر في بيع الصرف أو السلم فبناء

على ان الإجازة شرط متأخر يكون تحقق البيع بشرائطه حين الإجازة كما هو الحال على النقل و الكشف الحكمي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 385

و الايمان و النذور (1) ان الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي (2)

______________________________

و الحاصل أن مجلس البيع أو القبض مجلس حصول الإجازة الا على الكشف الحقيقي بمعنى كون الشرط في تمام البيع هو تعقبه للإجارة فإنه على ذلك الكشف يكون مجلس البيع مجلس العقد كما لا يخفى.

(1) فإنه إذا حلف المشتري الأصيل التصدق بالمبيع قبل الإجارة ثم أجار المالك فإنه يبطل الحلف المزبور على النقل و يصح على الكشف.

(2) و حاصله ان الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس خلافا في معنى قول المالك أجزت العقد أو رضيت به أو نحوهما بل الخلاف في ان الملكية و غيرها من أحكام المعاملة تترتب من حين العقد لكون الإجازة معتبرة بنحو الكشف أو أنها تترتب من حين الإجازة و يرجع ذلك الى البحث عن نحو اعتبار رضا المالك و انه معتبر بالنحو الشرط المقارن أو الأعم منه و من الشرط المتأخر أوان المعتبر تعقب العقد بالإجازة و كيفية الاعتبار يظهر بملاحظة أدلة اعتبار الرضا و وجوب الوفاء بالعقود و الروايات الخاصة التي مداليلها لا يرتبط بمعنى الإجازة.

بل يمكن ان يقال انه على الكشف يترتب تلك الأحكام من حين العقد حتى فيما إذا كان مراد المالك من قوله أجزت و نحوه الرضا بالعقد من حين الإجازة و على النقل يترتب تلك الأحكام من حين الإجازة حتى فيما إذا أراد المجيز الرضا بالعقد من حين العقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 386

ظاهر رواية

البارقي وقوعها بالكناية (1).

و الظاهر ان الفعل الكاشف (2).

فيه نظر (3).

______________________________

أقول الصحيح هو التفصيل و ذلك لما ذكرنا سابقا ان العقد مدلوله النقل من حينه و لو بضميمة قرينة خارجية و هي عدم إمكان الإهمال في الأمر الاعتباري من جهة المبدء و حيث ان الإجازة عبارة عن إظهار الرضا بالنقل المزبور يكون مقتضى أدلة الإمضاء هو الكشف الحكمي و لو أظهر المالك رضاه بالنقل من حين إظهاره الرضا لا من حين العقد فلا يكون ذلك رضاء بمضمون ذلك العقد ليكون موجبا لتمامه و شمول أدلة الإمضاء له.

و الحاصل أن الإجازة لا تصحح عقد الفضولي إلا إذا تعلقت بمضمون العقد و مدلوله نعم بناء على ان مضمونه مطلق النقل أو من حين تمام ماله الدخل في المعاملة كما هو مقتضى مسلك النقل تكون اجازة العقد من حين العقد رضاء بمضمونه بالإضافة الى جميع الأزمنة التي منها زمان حصول الإجازة فيصح.

(1) المراد بالكناية ذكر شبه اللازم و ارادة الملزوم أو بالعكس و في قوله (ص) للعروة (بارك اللّه) تبريك له في بيعه و هذا لا يكون الا بعد فرض وقوع البيع و تمامه.

(2) بان يكون الفعل المزبور كاشفا نوعيا عن ارادة المالك ثبوت العقد و تمامه فيكون من الأمارة المعتبرة من باب الكشف النوعي.

(3) يعني في تمامية الاستقراء المزبور تأمل بل لو لا شبهة الإجماع على اعتبار الإنشاء في الإجازة لكان الأقوى كفاية رضا المالك بأي وجه علم حصوله.

أقول قد ذكرنا سابقا ان العقد ربما يكون فضوليا باعتبار عدم رضا من يعتبر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 387

..........

______________________________

رضاه في صحة العقد و تمامه و هذا القسم يكفى فيه إحراز الرضا بأي وجه كان

نظير رضا السيد بنكاح عبده أو رضا العمة و الخالة بنكاح بنت الأخ أو بنت الأخت بل لو انكشف الرضا بوجه معتبر قبل العقد لم يكن فضوليا و ربما يكون العقد فضوليا باعتبار عدم انتساب العقد الى من يعتبر في شمول دليل الاعتبار له انتسابه اليه و هذا القسم لا يكفى فيه العلم بحصول الرضا مطلقا بل يعتبر إنشاء رضاه بالعقد ليتم انتسابه اليه سواء كان الإنشاء بفعله أو قوله و ليس فيما ذكر المصنف من الوجوه دلالة على كفاية مجرد إحراز الرضا في هذا القسم.

و يظهر ايضا حال الفسخ أو الرد و انه لا يكفى فيهما مجرد إحراز عدم الرضا بل يعتبر الإنشاء و إلغاء العقد بفعل أو قول عمن له ولاية الفسخ أو الرد.

لا يقال كيف يعتبر في الفسخ أو الرد أو الإجازة الإنشاء و لا يكفى فيها مجرد عدم الرضا مع أنهم ذكروا أنه لو حلف على نفى الاذن في المعاملة التي أوقعها الوكيل انفسخت المعاملة حيث ان غاية ما يدل عليه الحلف المزبور عدم الرضا بتلك المعاملة و لا يدل على قصد الحالف بإلغائها و ذكر سلام اللّه عليه في بعض اخبار خيار الحيوان فإن أحدث المشتري حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضى منه فلا شرط قيل و ما الحدث قال ان لامس أو قبل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء حيث ظاهره ان مجرد الرضا ببقاء العقد مسقط للخيار و لا يحتاج معه الى قصد الاسقاط و في صحيحة ابن بزيع قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوجت نفسها رجلا في سكرها ثم أفاقت فأنكرت ذلك ثم ظنت انه يلزمها

ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج إحلال هو لها أم التزويج فاسد لمكان السكر و لا سبيل للزوج عليها فقال إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 388

[الأمور المعتبرة في الإجازة]

الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد (1).

______________________________

منها قلت و يجوز ذلك التزويج عليها فقال نعم «1» فإنه يتعين حملها على صورة التزويج بالوكالة حيث ان إنشاء العقد لا يتحقق من السكران الفاقد للقصد فيكون توكيلها في حال السكر موجبا لكون الزواج فضوليا و رضاها بعد إفاقتها بالنكاح إجازة.

أقول اما قولهم بانفساخ البيع بحلف الموكل فلا بد من أن يراد عدم تمام تلك المعاملة فتكون فضولية و الا فلا مورد للانفساخ حقيقة في الفرض حيث أن حقيقته بطلان المعاملة بقاء بعد تمامها حدوثا و اما ما ورد في خيار الحيوان فلا نضائق بأن إظهار الرضا بإبقاء العقد الى تمام الثلاثة بالفعل كاظهاره بالقول عبارة أخرى عن إسقاط الخيار على كلام يأتي التعرض له في بحث الخيارات و اما صحيحة ابن بزيع فالمفروض فيها إظهار الرضا بالفعل كما لا يخفى.

(1) و حاصل ما ذكره (ره) في هذا الأمر هو أنه يعتبر في نفوذ الإجازة و تمام العقد بها ان لا يسبقها الرد و الوجه في ذلك مع ظهور الإجماع بل تصريح بعض بالإجماع ان المجيز بإجازته يكون أحد طرفي العقد فان كان مالكا للمبيع يكون بايعا و ان كان مالكا للثمن يكون مشتريا و تقدم سابقا أن تخلل الإلغاء من أحد طرفي العقد قبل تمامه يوجب ارتفاع عنوان العقد الذي بمعنى المعاهدة و العهد المشدود و أيضا تأثير الرد قبل الإجازة في إلغاء العقد السابق

و جعله كالعدم مقتضى قوله عليه السّلام الناس مسلطون على أموالهم لان مقتضى سلطنة المالك على ماله ان يكون له قطع علاقة الأصيل عن ملكه.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (14) الباب (14) من عقد النكاح الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 389

..........

______________________________

أقول دعوى الإجماع التعبدي في المقام كما ترى و ايضا عدم صدق عنوان العقد على الإيجاب و القبول الصادرين عن الأصيل و الفضولي بإلغاء المالك ممنوع و لا يقاس بصورة إلغاء البائع إيجابه قبل قبول المشتري أو إلغاء المشتري قبوله قبل حصول شرط تمام البيع فان انتفاء عنوان العقد مع الإلغاء المزبور لو لم يكن مقطوعا فلا ينبغي في عدم إحراز عنوان العقد معه و ايضا لا يكون قبل تمام عقد الفضولي بإجازة المالك علاقة للأصيل في مال المالك المجيز ليجوز للمجيز قطع تلك العلاقة لان العلاقة و هي الملك للأصيل غير حاصل قبل الإجازة و لا علاقة أخرى حتى يقطعها المالك و كون عقد الفضولي بحيث لم انضم إليه اجازة المالك لتملك الأصيل ماله ليس من تعلق حق الأصيل بذلك المال بل هو مقتضى تحقق بعض الموضوع للحكم في كل مورد كما لا يخفى. و مع الإغماض عن ذلك فإثبات جواز قطع علاقة الأصيل عن ملك صاحبه كاثبات صحة مطلق العقد فضولا بإجازة المالك خارج عن مدلول الرواية كما ذكرنا في بحث المعاطاة فإن مدلولها السلطنة على التصرفات المشروعة المتعلقة بالأموال من المعاملات و نحوها و أنها ثابتة لملاكها و اما ان أى تصرف في المال مشروع فليست واردة في مقام بيان ذلك و لعله الى ذلك أشار في ذيل كلامه بقوله فتأمل.

و عن النائيني (ره) انه كما لا يصح الرد

بعد الإجازة كذلك لا تصح الإجازة بعد الرد و فيه أن القياس مع الفارق فإن بالإجازة يتم العقد و ينتقل المال الى ملك الطرف الآخر و خروج المال ثانيا عن ملكه و عوده الى مالكه الاولى يحتاج الى سبب ناقل أو موجب لفسخ العقد و لم يثبت ان الرد سبب ناقل بل مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود لزوم العقد و عدم جريان الرد و الفسخ فيه بخلاف الرد السابق على الإجازة فإن كونه موجبا لإلغاء عقد الفضولي بحيث لا يتم موضوع النقل و الانتقال بالإجازة اللاحقة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 390

نعم الصحيحة الواردة في بيع الوليدة (1).

الرابع الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله (2).

______________________________

يحتاج الى دليل.

(1) قد ذكرنا عند التعرض لها في أدلة صحة عقد الفضولي بإجازة المالك أنه لا ظهور للصحيحة في نفوذها مع سبق الرد فراجع.

و اما الاستدلال على عدم قدح الرد قبل الإجازة بصحيحة ابن بزيع المتقدمة فلا يخفى ما فيه لعدم الملازمة بين إنكار النكاح و رده فإنه قد تقدم تعين حملها على وقوع النكاح بنحو التوكيل باعتبار أن إنشاء النكاح كإنشاء سائر العقود لا يقع من السكران الفاقد للقصد و الالتفات و حيث أن التوكيل المزبور وقع حال السكر يكون النكاح المزبور فضوليا و إنكار الزوجة بعد إفاقتها يمكن أن يكون لعدم التفاتها الى وقوع النكاح بتوكيلها و بعد ما استيقنت بوقوعه أقامت مع الزوج المزبور لتوطين نفسها للرضا به و لو حمل التزويج المفروض على التزويج بالمباشرة لكون سكرها خفيفا لا ينافي القصد و الالتفات فيخرج النكاح المزبور عن الفضولي و لا يرتبط الوارد فيها بمسئلة الإجازة بعد الرد بل يكون حكما

تعبديا و أنه يعتبر فيمن زوج نفسها حال السكر الخفيف رضاها بذلك النكاح بعد ارتفاع ذلك السكر.

(2) و بتعبير آخر نفوذ العقد و تمامه بالإجازة كسائر آثار الملك من الأحكام و إذا فرض إرث المبيع فضولا تكون اجازة الورثة البيع موجبة لتمام ذلك البيع باعتبار كونهم مالكين للمبيع و يثبت في حقهم ما ثبت لسائر الملاك و يأتي عدم اعتبار اتحاد المجيز مع المالك حال العقد في نفوذ الإجازة و الفرق بين إرث الإجازة و نفوذ إجازتهم لكونهم مالكين يظهر فيما إذا لم يرث بعضهم من المال المزبور كما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 391

..........

______________________________

المبيع فضولا عقارا حيث ان الزوجة لا ترث من العقار فلا تكون لها اجازة بيع الفضولي أو رده.

و ايضا لكل من الورثة أن يجيز البيع في حصته لأنها ملكه بخلاف ما إذا قيل بإرث الإجازة بدعوى أنها كحقي الخيار و الشفعة من الحقوق القابلة للإرث فإنه بناء عليه يكون الموروث حقا واحدا فكل من سبق من الورثة إلى إعمال ذلك الحق ينفذ فيصح البيع الواقع على تمام المال أو يعتبر اجتماعهم على الرد أو الإجازة.

و قد يقال أن اجازة الورثة بما أنهم ملاك المال لا لارثهم الإجازة حتى و ان قلنا بأن الإجازة كالخيارات من الحقوق الا أنها تختلف عن الخيارات في أن الخيارات تورث و الإجازة لا تورث و ذلك فإن الورثة بما انهم ملاك المال لهم حق إجازة العقد الواقع على مالهم بالأصالة و إذا كان لهم بالأصالة هذا الحق فلا يعقل ان يكون لهم الإجازة بإرثها لأن حق الإجازة لا يتعدد لشخص واحد بالإضافة إلى عقد واحد و لا يقاس بتعدد الخيار

لشخص واحد في بيع واحد كما إذا اشترى حيوانا بشراء غبن فإن للمشتري المزبور خيار المجلس و الحيوان و الغبن و هذا لا مانع عنه لان الخيارات لاختلاف أحكامها متعدد بخلاف الإجازة.

و الحاصل أن الإجازة و ان قيل بأنها من الحقوق الا أنها كحق القسم للزوجة غير قابلة للإرث و فيه ما لا يخفى فإن الورثة لا يمكن لكل منهم اجازة بيع الفضولي الواقع على المال إلا بالإضافة إلى حصته من المال فإنه غير مالك لتمام المال بخلاف الإجازة الموروثة فإنها حق واحد ثابت لطبيعى الورثة أو لمجموعهم حيث كان لمورثهم حق واحد و لا تتبعض على كل تقدير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 392

لان مرجع اجازة القبض إلى إسقاط (1) يحتاج الى دليل معمم (2)

______________________________

(1) المراد من ضمان الثمن ضمان تسليمه فإنه على عهدة المشتري فلا يجب عليه بعد اجازة القبض أخذ ذلك الثمن من البائع الفضولي و دفعه الى المجيز و ذلك فان تسليم الثمن الى المجيز حق للمجيز على المشترى فيجوز له رفع يده عن حقه بإجازته القبض المزبور و مرجع إجازة الإقباض إلى حصول المبيع بيد المشترى برضاه و بتعبير آخر إجازة الإقباض إظهار للرضا بحصول المبيع في يد المشترى و أنه لا يكون بين المبيع و المشترى أي مانع فيترتب على حصوله بيده ما يترتب على القبض الصحيح كعدم جواز استرداده ليتسلم الثمن و أن تلفه في يد المشترى بعد ذلك لا يكون من تلف المبيع قبل القبض.

(2) يعني إذا كان الثمن في العقد فضولا كليا على عهدة المشترى و فرض قبض البائع الفضولي ذلك الكلي ففي نفوذ إجازة المالك بالإضافة إلى القبض المزبور اشكال و وجهه

أن المدفوع إلى البائع فضولا كان بعنوان الوفاء (بما) على الذمة لا بعنوان مبادلة ما على ذمته بالمدفوع ليكون الدفع معاملة أخرى قابلة للحوق الإجازة بها و الكلى على العهدة انما يتعين في المدفوع فيما أخذه المستحق مباشرة أو تسبيبا كما في موارد ولاية القابض أو وكالته و المفروض في المقام عدم ولاية القابض أو وكالته عن المالك المجيز.

أقول إجازة القبض في الحقيقة اذن للبائع فضولا في الإمساك بما دفع اليه ثمنا أو وفاء بالثمن فيكون إمساكه بقاء من قبض المستحق و لا يعتبر في القبض الموجب لتعين الثمن بالمدفوع كون القبض بحدوثه من قبض المستحق الا ترى انه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 393

و عن المختلف أنه حكى عن الشيخ (ره) (1)

______________________________

لو كان لزيد عنده الف دينار أمانة و باع متاعا من زيد بألف دينار بذمته و قال للبائع الألف الذي لي عندك خذه بحساب الثمن فإنه لا ينبغي الريب في تمام القبض بذلك.

و الحاصل أن اجازة القبض في الحقيقة توكيل فيكون البائع الفضولي مأذونا في استيفاء الثمن و الإمساك به و هذا بخلاف ما إذا كان الأثر مترتبا على الفعل الحدوثى فإنه لا يفيد فيه الإجازة اللاحقة مثلا للحاج ذبح هديه بالاستنابة كما إذا أمر الآخر بذبحه و اما إذا ذبح الآخر هدية بتخيل أنه هدي نفسه أو عدوانا أو بقصد النيابة عن مالكه فلا يجدي اجازة المالك في إسقاط وجوب الهدى عن نفسه.

ثم ان اجازة القبض التي في الحقيقة توكيل تكون كسائر العقود الإذنية في عدم تعقل الكشف فيها حيث أن الاذن لا يحصل الا حال الإجازة و إذا تحقق الإجازة يحكم بتمام عقد الفضولي فيما إذا كان

القبض شرطا في صحة ذلك العقد كما في الهبة فإنه تدخل العين الموهوبة في ملك الموهوب له المجيز من حين إجازة القبض أو كان القبض الخاص شرطا كما في بيع الصرف و السلم فان مع رضا المالك المجيز يكون الثمن في يد البائع فضولا يحصل القبض في مجلس انتساب البيع الى المجيز هذا مع بقاء المعوض و العوض الى زمان اجازة البيع و إجازة القبض و اما مع تخلل تلفهما أو تلف أحدهما قبلها فيدخل المقام في المسئلة المتقدمة من تلف أحد العوضين أو كلاهما قبل الإجازة كما لا يخفى.

(1) هذا استشهاد لما ذكره في أول التنبيه من ان اجازة العقد لا تكون اجازة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 394

وجهان (1).

الإجازة ليست على الفور (2).

______________________________

للقبض و الإقباض.

لا يقال كيف لا تكون إجارته اجازة لإقباض المبيع مع فرض حصوله بيد المشترى و تملكه إياه بالإجازة.

فإنه يقال يجوز للمالك المجيز مع إجارته البيع أخذ المبيع من يد المشترى ليتسلم منه الثمن و بإجارته الإقباض يسقط هذا الحق.

(2) يتعين في الفرض الحكم ببطلان البيع فإنه لا مجال لصون إجازته عن اللغوية أو حملها على الإجازة النافذة مع تصريحه بخلافها و عدم اعترافه الا بالبيع الفاسد و البيع اللغو و قد ظهر مما ذكرنا الى هنا انه إذا وقع التقابض في بيع الصرف بين الأصيل و الفضولي فبإجازة المالك البيع و القبض يتم البيع و كذا في قبض الثمن في بيع السلم.

لا يقال كيف يعتبر التقابض في مجلس البيع مع عدم اقتضاء الإجازة حصوله في ذلك المجلس فإنه يقال المراد من التقابض في ذلك المجلس عدم تأخره الى ما بعد مجلس العقد لا حدوثه فيه

و لو كان مال كل من المتبايعين عند الآخر من قبل و قال أحدهما للآخر في مجلس آخر بعت ما عندك بما عندي و قال الآخر قبلت يتم بيع الصرف.

(1) لا يعتبر في تمام العقد بالإجازة وقوعها في أول أزمنة الإمكان بل في أي زمان فرض حصولها يكون العقد داخلا في أدلة الإمضاء و وجوب الوفاء بالعقود و هذا هو المراد من اقتضاء العمومات عدم الفورية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 395

فالأقوى تداركها بالخيار أو إجبار المالك (1).

______________________________

و اما صحيحة محمد بن قيس فدلالتها على عدم الفورية باعتبار أنه مقتضى نفوذ الإجازة فيها بعد امتناع المالك عنها و إلحاح المشترى و إلجائه الى على عليه السّلام و تعليمه طريق الوصول إلى اجازة المالك كما لا يخفى.

و اما المؤيدات المذكورة بعد الصحيحة فمقتضى إطلاقها نفوذ الإجازة حتى مع لحوقها بالعقد في آخر أزمنة إمكانها فإن ما ورد في المضاربة و الاتجار بمال اليتيم مطلق لم يستفصل فيهما عن رضا مالك رأس المال أو ولى الطفل بتجارة العامل أو المتصرف في مال الطفل بمجرد اطلاعهما أو بعده كما لا يخفى.

(1) قد مر آنفا ان الموضوع لوجوب الوفاء هو العقد التام و البيع قبل انتسابه الى كلا الطرفين لا يكون عقدا حيث أنه عهد مشدود و عليه فلا يجب على الأصيل قبل اجازة المالك شي ء ليجبر ضرر تأخير المالك في رده و إجازته بخيار أو جواز إجبار المالك على الإجازة أو الرد بل لا مجال للخيار أو الإجبار على تقدير لزوم العقد على الأصيل فيما إذا كان مقدما على المعاملة الفضولية و في فرض عدم اقدامه كما إذا كان جاهلا يكون البائع فضوليا يرتفع لزوم

العقد عليه لكونه ضرريا فيجوز له التصرف فيما انتقل عنه و معه يخرج عقد الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به لان مع التصرف يتلف أحد العوضين و هو مخرج للعقد عن قابلية لحوقها على النقل و الكشف الحكمي كما تقدم.

و الحاصل أن حرمة تصرف الأصيل فيما انتقل عنه لم تكن لخروجه عن ملكه على النقل و الكشف الحكمي بل باعتبار أنها مقتضى لزوم العقد عليه و إذا انتفى اللزوم جاز تصرفاته بل إلغائه البيع كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 396

هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما و خصوصا. (1)

______________________________

(1) اختلاف الإجازة مع العقد في العموم و الخصوص تارة يكون باعتبار العوضين و أخرى باعتبار الاشتراط و عدمه بان يبيع الفضولي شيئين بثمن كذا و يجيز المالك بيع أحدهما أو ان يبيع الفضولي متاعا و يجيز المالك بيع نصف ذلك المتاع بنحو المشاع أو يبيع الفضولي بشرط كذا فيجيز المالك بلا شرط أو يبيع بلا شرط و يجيزه المالك مع الاشتراط و إذا كانت الإجازة مختلفة مع العقد في العوضين باعتبار الكل و الجزء فلا يوجب ذلك بطلان الإجازة بل يتم معها البيع في البعض و ضرر تبعض الصفقة على الأصيل يجبر بالخيار نظير ما إذا باع المالك متاعين بثمن و ظهر أحدهما غير مملوك فإنه يتم البيع بالإضافة إلى الآخر و يثبت خيار التبعض للمشتري.

و الوجه ما ذكرنا سابقا من انحلال البيع الى البيوع المتعددة بالإضافة إلى الأبعاض المشاعة للعوضين و بالإضافة إلى الجزء الخارجي المعين فيما كان بيعه مع الآخر بنظر العرف من بيع المتعدد و الإجازة كما تقدم من أحكام الملك فيجوز للمالك اجازة بعض

تلك البيوع.

و بهذا يظهر الفرق بين الإجازة و خيار الفسخ حيث لا يجوز لذي الخيار الا فسخ البيع بتمامه و وجه الظهور أن الإجازة من آثار الملك فللمالك ان يبيع بعض ماله كما ان له ان يبيع كله و لكن بخلاف الخيار فإنه حق و سلطنة على فسخ العقد و ظاهر أدلة الخيار ثبوت حق واحد بالإضافة إلى البيع المنشأ ابتداء لا ثبوت حقوق متعددة بالإضافة إلى البيوع المنحلة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 397

..........

______________________________

و ذكر المصنف (ره) بطلان الإجازة فيما كان العقد مشروطا بشرط على المالك فأجاز المالك العقد بلا شرط و لا يقاس الفرض بإجازة بيع البعض و ذلك فان البيع كما تقدم ينحل الى البيوع المتعددة بالإضافة إلى أبعاض العوضين فتكون اجازة بعضها نافذة بخلاف الاشتراط في العقد فان العقد لا ينحل بالإضافة إلى الشرط حتى يصححه الإجازة و لذا يكون بطلان الشرط في عقد موجبا لبطلانه بخلاف بطلان البيع في الجزء.

و ذكر النائيني (ره) انه يحكم بصحة البيع دون الشرط فان الشرط في المعاملات التزام آخر غير التزام العقدي فاجازة الثاني و عدم إجازة الأول أمر ممكن غاية الأمر يكون عدم اجازة الشرط من قبيل تعذر الشرط الذي يوجب للمشروط له و هو الأصيل في المقام الخيار.

أقول الشرط كما ذكر التزام آخر و لا يكون جزءا لأحد العوضين ليجري عليه حكم الجزء و ارتباطه بالعقد ليس هو مجرد الظرفية و الاتحاد معه في الزمان كما هو مقتضى قولهم الشرط التزام في الالتزام ليمكن اجازة العقد دون الشرط بل وجه ارتباطه بالعقد أن أصل الالتزام المعاملي من المشروط له معلق على التزام الآخر بالشرط أى المشروط فقوله بعت المال

بكذا على ان تخيط لي هذا الثوب معناه ان أصل البيع من البائع معلق على التزام المشتري بالخياطة لا أنه معلق على نفس الخياطة المعبر عنها بالمشروط.

و الحاصل يكون الإيجاب في الفرض معلقا على الشرط بمعنى المصدري أي الالتزام بالخياطة و هذا التعليق لا يقتضي بطلان البيع لان المعلق عليه و هو الالتزام بالخياطة حاصل بالقبول و ما يحتمل عدم حصوله هو الشرط بمعنى المشروط لا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 398

..........

______________________________

الإيجاب معلقا عليه.

و الحاصل أنه إذا قبل المشتري الإيجاب المزبور و التزم بالخياطة تتم المطابقة المعتبرة بين الإيجاب و القبول و يتم البيع حتى و ان لم يفعل المشترى ما التزم على نفسه بترك الخياطة غاية الأمر يثبت للآخر معه خيار تخلف الشرط لان مرجع التزامه بالخياطة ثبوت حق الفسخ للبائع على تقدير عدم حصول الشرط بمعنى المشروط.

و بهذا يظهر أن فساد الشرط في البيع أو غيره لا يوجب فساد أصل البيع أو سائر العقد كما ذكر المصنف (ره) فان في موارد فساده يكون التطابق بين الإيجاب و القبول حاصلا لحصول الالتزام من الطرف الآخر و فساد الشرط معناه عدم وجوب الوفاء للالتزام المزبور أي الإتيان بالمشروط.

و الحاصل أنه يعتبر في تمام البيع تطابق الإيجاب و القبول فيما إذا كان البيع من أصليين و التطابق بينهما و بين الإجازة فيما إذا كان البيع فضوليا حيث ان الإجازة إمضاء للعقد بمضمونه و مصححه لاستناده الى المالك و إذا كان بيع الفضولي على شرط كما إذا باع الفضولي المتاع بألف على ان يخيط للمشتري الثوب و أجاز المالك البيع بدون الشرط المزبور لم يحصل التطابق لان قبول المشترى البيع كان معلقا

على التزام مالك المبيع بخياطة ثوبه و لم يحصل فتبطل الإجازة كما لا يخفى.

لا يقال يلزم على ذلك بطلان الإجازة في صورة وقوع البيع على تمام المتاع و اجازة المالك البيع في نصفه فإنه إذا قال البائع الفضولي بعت المتاع بكذا و قبله المشترى فالبيع المزبور و ان ينحل الى بيع كل نصف الا ان بيع كل نصف بشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 399

..........

______________________________

بيع النصف الآخر و لذا لو ظهر بعض المبيع غير مملوك للبائع يثبت للمشتري خيار تبعض الصفقة.

و الحاصل إذا أجاز المالك البيع في نصف المتاع لم تكن إجازته مطابقة للإيجاب و القبول حيث أن قبول المشترى كان على تقدير التزام مالك المبيع لبيع النصف الآخر و الإجازة وقعت على البيع بدون ذلك التقدير فلم تحصل المطابقة المعتبرة.

فإنه يقال ما ذكرنا من انه يعتبر تطابق الإجازة و العقد فلا مناص من الالتزام به في كل مورد لما بين من أن المصحح لاستناد البيع بمدلوله الى المالك هي الإجازة فكيف تكون مصححة للاستناد مع الاختلاف و لكن إذا كان الشرط بمعنى المشروط هو الفعل كما إذا قال بعتك المتاع بكذا على ان أخيط لك ثوبا و قال المشترى قبلت فما يكون الإيجاب و القبول معلقا عليه هو الالتزام بأمرين أحدهما الفعل أي الخياطة و الثاني الالتزام بثبوت الخيار للمشتري على تقدير عدم الفعل و إذا كان الشرط أى المشروط غير فعل فما علق عليه الإيجاب و القبول هو الالتزام بأمر واحد و هو ثبوت الخيار على تقدير عدم حصول المشروط كما إذا قال بعتك هذا العبد بكذا على أنه كاتب و قبله المشترى فان مرجع اشتراط كون العبد كاتبا

الى ثبوت الخيار للمشتري على تقدير عدم الوصف و إذا باع شيئين و قبله المشترى يكون المشروط في بيع كل منهما ثبوت الخيار على تقدير عدم تمام البيع في الآخر لا الفعل و على ذلك فلو قال الفضولي للمشتري بعتك هذين المتاعين بكذا و قبله المشترى يكون إجازة المالك بيع أحدهما مع الالتزام بثبوت الخيار للمشتري المزبور إجازة موافقة للبيع المجاز كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 400

..........

______________________________

و ذكر (ره) فيما إذا كان العقد مطلقا و الإجازة مشروطة بشرط على الأصيل وجوها ثلاثة الأول- تمام العقد بالإجازة المزبورة و لزوم الشرط على الأصيل في فرض رضاه بالشرط نظير رضا الموجب بالشرط الذي يشترطه عليه القابل في قبوله و مع عدم رضاه يلغو الإجازة.

و الثاني- صحة العقد بالإجازة المزبورة و لا يلزم الشرط على الأصيل حتى في فرض رضاه فإنه من الشرط بعد الإيجاب و القبول.

و الوجه الثالث الذي قواه (ره) بطلان الإجازة و عدم صحة عقد الفضولي بها حتى مع رضا الأصيل لأن الإجازة مع الشرط أمر واحد و إذا بطل شرطها باعتبار وقوعها خارج المعاملة تكون الإجازة باطلة.

أقول الأظهر صحة الإجازة مع رضا الأصيل بالشرط فيتم عقد الفضولي بها و يجب على الأصيل رعاية الشرط أخذا بعموم وجوب الوفاء بالعقود و نفوذ الشروط لان الشرط في الإجازة مع رضا الأصيل به لا يكون شرطا ابتدائيا بل هو شرط في البيع حيث ان تمامه و استناده الى المالك يكون بالإجازة فيكون إلزام المالك إلزاما في بيعه نظير إلزام المشترى في قبوله البائع بأمر و رضا البائع به بعد القبول فلا حظ و تدبر.

بقي في المقام أمور: الأول- ما ذكرناه في

صورة اختلاف الإجازة مع عقد الفضولي بالجزء و الكل بان كان المبيع في عقد الفضولي الكل و المجاز البعض ناظر الى أن اختلاف المزبور لا يضر بالتطابق المعتبر بين العقد و الإجازة لا أنه لا يعتبر التطابق بينهما و فيما إذا كان عقد الفضولي على شرط و أجاز المالك العقد دون الشرط لا يحصل التطابق المعتبر بين العقد المجاز و الإجازة و لذا تبطل الإجازة و كذا فيما كان العقد بلا شرط و إجازة المالك مع الاشتراط فإنه لا يحصل التطابق مع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 401

..........

______________________________

عدم رضا الأصيل بالشرط المزبور و يحصل مع رضاه به.

و الحاصل لا ينبغي الخلاف و الاشكال في اعتبار التطابق بين العقد المجاز و الإجازة في الصور الثلاث حيث ان الإجازة إمضاء للعقد باعتبار مدلوله و انما الخلاف في تحقق التطابق و عدمه في تلك الصور فيكون النزاع و الخلاف في الصور الثلاث صغرويا بعد الاتفاق على الكبرى.

الثاني- قد ذكرنا انحلال البيع باعتبار الأجزاء المشاعة للمبيع في كل بيع و بالإضافة إلى أجزائه الخارجية في خصوص ما كان المبيع بنظر العرف متاعين أو أكثر قد جمع بينهما في عقد واحد و اما في غير ذلك فلا يكون انحلال بالإضافة الى الاجزاء الخارجية و الشاهد للانحلال في الموردين و عدم انحلاله في غيرهما هو العرف و قد ذكر بعض الأعاظم (دامت شوكته) في الاستدلال على عدم انحلال البيع بأنه إذا باع كتابا فلا يصح ان يقال ان البيع المزبور قرارات و بيوع متعددة بعدد صفحات الكتاب و أنه لو انحل البيع بالإضافة الى الاجزاء المشاعة يتعين الالتزام بان البيع الواحد بيوع الى غير النهاية حيث أن

الجزء المشاع لا يقف على حد و أن الإنشاء كالاخبار في عدم الانحلال و كما انه لا ينحل الخبر بالإضافة إلى مدلوله مثلا إذا قال كل ما في الأرض جماد لا يمكن ان يلتزم بان المخبر قد كذب كذبا متعددا بعدد ما في الأرض من الحيوان و الإنسان و النبات و الشجر كذلك لا يمكن الالتزام بتعدد البيع فيما إذا قال بعت الدار بكذا و قال الآخر قبلته فإنه لا ينحل الى بيوع متعددة و كذا الحال في النذر و الحلف و نحوهما فإنه إذا قال اللّه على صوم كل جمعة يكون النذر واحدا و لو ترك الصوم في جمعة واحدة لحصل الحنث و وجبت الكفارة و لا يجب الصوم بعده لا انه نذر الصوم كل جمعة و جمعة على سبيل الاستقلال و الاستيعاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 402

..........

______________________________

و لكن قد التزم هذا القائل الجليل بالانحلال فيما إذا باع ما يملك و ما لا يملك و فيما إذا كان المتاع لاثنين فباعه أحدهما و فيما إذا جمع بين متاعين مالكهما في إيجاب البيع و قبل المشترى بيع أحدهما أو باعهما فضولي و أجاز المالك بيع أحدهما و لا انحلال في غير ذلك.

أقول اما الاستشهاد بعدم انحلال البيع بان بيع الكتاب لا ينحل عرفا الى بيع كل ورقة ورقة من أوراقه فقد ذكرنا أن مع وحدة المتاع لا ينحل بيعه الى الاجزاء الخارجية و انما يكون الانحلال بالإضافة إلى أجزائه المشاعة و هذا الانحلال لا يستلزم البيوع الى غير النهاية لان الاجزاء المشاعة و ان لا تقف الى حد الا ان عدم وقوفها لا يلازم عدم وقوف بيعها و ذلك فإنه

يعتبر في البيع ان تكون للمعوض كالعوض مالية و لا تكون المالية في الاجزاء المشاعة للمتاع الا الى حد معين فإن المالية للجزء كما يأتي في مسئلة تقسيط الثمن ان يكون له قيمة في بيعه بانفراده و عليه فنصف العشر من الكيلو من الحنطة إذا فرض كونه خمسين حبة فلا ينحل بيع الكيلو اليه حيث ان الخمسين من حبة الحنطة لا مالية لها بل و لا غرض في تملكها.

ثم انه لا فرق بين الإنشاء و الاخبار في الانحلال و عدمه و ان الانحلال فيهما باعتبار الدلالة و المدلول لا باعتبار الدال و بتعبير آخر ان الدال و ان لا يتصف بكونه دالا الا مع فرض المدلول له كما انه لا يكون مدلول الا مع فرض الدال عليه كما هو الحال في كل متضايفين الا ان الانحلال يكون في ناحية الدلالة و المدلول لا في ناحية الدال و عليه فان كان موضوع الحكم عنوانا ينطبق على الدال كحرمة الكذب حيث ان الكذب عبارة عن التكلم بكلام لا يكون المقصود منه مطابقا للواقع فلا يتعدد ذلك الحكم و لو كان مدلول ذلك الكلام منحلا الى المتعدد بخلاف ما إذا كان الموضوع عنوانا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 403

[في شرائط المجيز]

بنى على نفوذ منجزات المريض (1)

______________________________

ينطبق على الدلالة أو المدلول فإنه يتعدد بتعدد هما كما في حرمة الاغتياب كما ذكرنا في المكاسب المحرمة فإنها كشف ما ستره اللّه على المؤمن من العيب و إذا قال المخبر كل أولاد زيد قد شربوا الخمر فقد اغتاب بعدد أولاده حيث ان الاغتياب ينطبق على الكشف و الدلالة لا على الدال كما لا يخفى.

و اما النذر أو العهد فكل

منهما عنوان للالتزام و يتعدد بتعدد الملتزم به و إذا قصد الناذر في قوله للّه على صوم كل يوم جمعة الالتزام بصوم كل جمعة على سبيل الاستغراق و الاستقلال فيتعدد الحنث بخلاف ما إذا كان الملتزم به صوم مجموع تلك الأيام و يشهد لانحلال الالتزام بتعدد الملتزم به سقوط بعض الدين بأداء ذلك البعض أو بإبراء الدائن.

الثالث- ما ذكرنا من ان شرط غير الفعل يرجع الى اشتراط الخيار و ان البيع و الشراء يكون معلقا على التزام الطرف بذلك الخيار كما إذا اشترى عبدا و اشترط كونه كاتبا ينحصر بما إذا كان المبيع عينا خارجيا و اما إذا كان بنحو الكلى على الذمة فمرجع الاشتراط الى تقييد المبيع و لو دفع الى المشتري عبدا لا يكتب فلا يكون للمشتري الا استبدال لا فسخ البيع كما ان رجوع الاشتراط الى جعل الخيار يختص بما إذا لم يكن الشرط عنوانا مقوما للمبيع و إذا اشترى فلزا و اشترط كونه ذهبا فبان مذهبا فإنه يبطل البيع لا انه يثبت للمشتري الخيار و تمام الكلام في باب الشروط إنشاء اللّه تعالى.

(1) يعنى بناء على نفوذ منجزات المريض تكون إجازته مفيدة في صحة عقد الفضولي بتمام مدلوله على النقل و الكشف و بناء على انها كالوصية في نفوذها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 404

لا فرق فيما ذكر بين القول بالكشف و النقل (1).

لامتناع تصرفه في العين (2).

______________________________

من ثلث التركة فيكون صحة الإجازة مراعى بان يكون المال الجاري عليه العقد فضولا بمقدار ثلث تركة المجيز أو أقل.

(1) اما على النقل و الكشف الحكمي فظاهر حيث ان تصرف المالك في ماله يكون بإجازته فيعتبر كونه حال الإجازة مالكا

للتصرف و اما بناء على الكشف الحقيقي فالإجازة الكاشفة عن الملك بالعقد هي اجازة المالك الذي يجوز له التصرف في ماله حيث ان الإجازة لا بد من كونها بنحو لو كانت مقارنة للعقد كان العقد مفيدا في النقل و الانتقال بلا فرق بين اعتبار الإجازة بنحو الشرط المتأخر أو بتعقب العقد بها.

(2) اى لا يجوز تصرف الأصيل في العين التي اشتراها لإمكان عدم الإجازة و لإمكان عدم المقتضي يعني عدم دخول تلك العين في ملكه و لا في الثمن لا مكان عدم تحقق الإجازة.

أقول لا يخفى ان احتمال الإجازة لا يمنع عن الأخذ بأصالة بقاء الثمن في ملكه فيجوز تصرفاته ظاهرا مع ان هذا مبنى على لزوم العقد على الأصيل قبل الإجازة فقد تقدم منعه سابقا و ان لزومه على تقديره يسقط في موارد الضرر.

و اما الاستدلال على اعتبار المجيز حال العقد بأنه لو امتنع العقد في زمان امتنع دائما فقد أجاب عنه المصنف (ره) مضافا الى النقض بما إذا كان مالك المال حال العقد في مكان لا يمكن الوصول إليه انه لا ملازمة بين عدم إمكان تمام العقد في زمان و عدم إمكان تمامه بعد ذلك و بتعبير آخر إذا امتنع الشي ء في زمان ذاتا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 405

..........

______________________________

لامتنع دائما.

و اما إذا كان امتناعه في زمان بالغير فيمكن ان يخرج إلى الإمكان بل الوجوب بعد ذلك بتمام علته.

و الحاصل يحتمل ان يكون المراد بالمجيز ذات المجيز أى من يكون شأنه إجازة العقد و لكن احتمال عدم اعتبار هذا المجيز حال العقد أو الجزم بعدمه لا يفيد شيئا في المعاملات المالية كالبيع فإنه لا يمكن تخلف مال عن المالك

أو من له ولاية على مالك ذلك المال.

نعم يصح في مثل النكاح كما إذا زوج الفضولي صبيا من صبية لا يكون لهما أب أوجد بناء على عدم ولاية غير الأب و الجد عليهما حتى الامام عليه السّلام فان ولايته على نكاحهما مورد المناقشة و يحتمل ان يكون المراد بالمجيز من يتمكن على الإجازة حين العقد و إذا كان المالك بعيدا عن مكان العقد بحيث لا يمكن وصول خبره إليه إلى مدة يكون العقد المزبور على الاعتبار غير قابل للإجازة.

ثم انه لا دليل على اعتبار المجيز حال العقد باحتماليه فان البيع أو غيره يستند الى المجيز فيكون بيعا له بإجازته فيعتبر ان يكون حال الإجازة مالكا للتصرف و اما قبلها فكون ذات المجيز أو مع تمكنه على إجازته غير دخيل في تمام عقد الفضولي أضف الى ذلك ما ورد في نكاح الصغيرين حيث لم يستفصل فيه عن وجود الولي عليهما حين العقد أو عدمه و كذا إذا كان المراد بالمجيز وجود من تصح إجازته حال العقد فإذا بيع مال اليتيم بنصف قيمته السوقية ثم تنزلت القيمة بحيث تكون إجازته صلاحا فيصح بالإجازة بناء على عدم الاعتبار بخلاف ما إذا قيل بالاعتبار فإنه لا بد من تجديد العقد و لكن اعتبار وجود المجيز بهذا المعنى ضعيف ايضا يدفعه عدم الاستفصال في مثل خبر نكاح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 406

على خلاف فيه (1) فالأولى منع تسليم دفع الاعتراض (2) الثالث لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف (3)

______________________________

الصغيرين و الإطلاق أو العموم الشامل للعقد بعد لحوق الإجازة به.

و لا يخفى ان اعتبار وجود المجيز حال العقد باحتمالاته الثلاثة على تقديره ينبغي ان يعد

في شرائط المجاز لا من شرائط المجيز الذي يلحق إجازته بعقد الفضولي كما في الشرطين الأول و الثالث.

(1) أى على خلاف في ولاية الوصي.

(2) يعني الاولى الالتزام بورود الاعتراض مع فرض كون المراد بالمجيز من يكون شأنه اجازة العقد فضولا و ان أريد وجود المجيز المزبور مع تمكنه على الإجازة فيمكن فرض عدم هذا المجيز في العقد الجاري على الأموال فضولا حتى مع فرض ولاية المجتهد و العدول لإمكان عدم تمكنهم على إجازته باعتبار عدم اطلاعهم على العقد المزبور.

(3) هذا الأمر ناظر الى ان من يجيز العقد فعلا و انه هل يعتبر في نفوذ إجازته ان يكون حال العقد ايضا نافذ التصرف بحيث لو كانت إجازته في ذلك الزمان لتم بها العقد أو انه لا يعتبر في نفوذ إجازته إلا كونه جائز التصرف حال الإجازة فتصح إجازته فعلا و لو لم تكن له الإجازة في ذلك الزمان سواء كان عدم نفوذ إجازته سابقا لعدم المقتضي أو للمانع و المراد بعدم المقتضى عدم الملك أو الوكالة أو فقد سائر القيود المعتبرة في المالك و المراد بالمانع تعلق حق الغير بالمال الذي وقع مورد العقد فضولا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 407

..........

______________________________

و في المقام مسائل ثلاث: ندرجها في مسألتين تبعا للمصنف (ره): الاولى- ما إذا بيع المال و كان حال البيع فاقدا لما يعتبر في البائع من القيود من كونه بالغا أو عاقلا أو رشيدا أو عدم الحجر عليه بتعلق حق الغير بماله و صار حال الإجازة واجدا لتلك القيود.

و الثانية ما إذا بيع المال حال عدم ملكه ثم ملك المال و أجاز البيع اما الأولى فنقول إذا بيع المال حال جنونه أو صغره

أو سفهه ثم أفاق أو بلغ أو صار رشيدا فأجاز البيع فإنه لا ينبغي الريب في صحة البيع المزبور باعتبار انه يتم بالإجازة الموضوع لاعتبار المعاملة و إمضائها حيث يتم بها استناد المعاملة المفروضة إلى المالك البالغ الرشيد و الاستناد السابق على تقدير المباشرة في إنشاء البيع كان ملغى لخروج بيع الصغير و المجنون و السفيه عن موضوع الإمضاء و لزوم الوفاء لا باعتبار تعلق حق الغير بالمال بل لقصور أنفسهم و إذا باع مع المانع أى مع تعلق حق الغير بماله ثم ارتفع ذلك المانع بسقوط ذلك الحق تتم المعاملة و يشملها دليل الاعتبار من غير حاجة الى الإجازة حيث ان استنادها الى المالك العاقل البالغ الرشيد كان من قبل و انما لم يشملها دليل الاعتبار لتعلق حق الغير بالمال الذي وقع مورد المعاملة ففي أي زمان سقط ذلك المانع يشملها دليل الاعتبار.

و ان شئت فلاحظ المعاملة التي يكون القبض شرطا في تمامها فان دليل الاعتبار لا يعمها ما لم يحصل القبض ففي أي زمان حصل القبض يعمها دليل اعتبارها.

لا يقال لا يقاس المقام بمسئلة اعتبار القبض في الهبة و الوقف فان ما دل على عدم انتقال المال عن ملك الواهب أو الواقف الى ان يقبض العين مقتضاه ترتب الإمضاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 408

..........

______________________________

على الهبة أو الوقف بعد القبض بخلاف بيع المالك المال مع كونه رهنا أو محجورا عليه للفلس فان بيعه في حدوثه مستند الى مالكه و مع ذلك لا يعمه إطلاق حل البيع أو عموم وجوب الوفاء بالعقد باعتبار أن إمضائه أو لزوم الوفاء به مناف لتعلق حق الغير بالمال و بعد ارتفاع المانع و سقوط

الحق دخوله في الإطلاق و العموم يحتاج الى التوضيح.

فإنه يقال قد ذكرنا في بحث الأصول انه كلما دار أمر الفرد بين خروجه عن تحت العام أو المطلق إلى الا بدو خروجه عنهما الى زمان يتعين الالتزام بالثاني للاقتصار على المتيقن لان طرح ظهور العام أو الإطلاق بالإضافة الى ما بعد ذلك الزمان بلا موجب.

و مما ذكرنا يظهر انه لو باع الراهن أو المفلس عين الرهن أو عين ماله فأجاز المرتهن أو الغرماء البيع لا تكون إجازتهم كاشفة عن النقل و الانتقال من حين العقد لا بكشف حقيقي و لا بكشف حكمي بل تكون إجازتهم كفك الرهن أو ارتفاع الفلس موجبا لانتقال العوضين من حين الإجازة و ذلك فان المال بالإضافة إلى الأزمنة السابقة غير قابل للنقل و الانتقال و في أي زمان سقط الحق عن المال و صار ملك طلق يقبل النقل من ذلك الزمان و لا يقاس بإجازة المالك في بيع الفضولي المعروف حيث التزمنا فيه بالكشف الحكمي باعتبار أن المال كان قابلا للنقل في زمان سابق الا ان البيع الناقل لم يكن مستندا الى المالك أو من له ولاية النقل و بإجازته يستند النقل من ذلك الزمان الى المجيز على ما تقدم.

و على ذلك فإذا بيع المال حال صغره أو جنونه أو سفهه ثم صار المالك بالغا أو أفاق أو صار رشيدا فأجاز البيع المزبور تكون إجازته كاشفة بخلاف ما إذا باع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 409

[من باع شيئا ثم ملكه]

الثانية ان يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد (1)

______________________________

المال ثم فك الرهن فإنه يتعين الالتزام في الثاني بالنقل كما لا يخفى.

(1) المسئلة الثانية- ما إذا كان المجيز غير مالك للمال

حال العقد، و لهذه المسئلة صور، و لكن العمدة البحث في جهات: الاولى- ما إذا باع غير المالك، لنفسه ثم ملك المال، و أجاز البيع، و الثانية- ما إذا باع المال لنفسه ثم ملكه و لم يجزه، و الثالثة هل فرق بين ما إذا باع غير المالك لنفسه ثم ملكه أو اجازه أو لم يجزه، و بين ما إذا باع المال لمالكه ثم ملكه و أجاز أو لم يجز.

فنقول قد يقال بان غير المالك إذا باع المال لنفسه ثم ملكه و اجازه يصح البيع المزبور، و بتعبير آخر لا يعتبر في المجيزان يكون مالكا للمال حين إنشاء عقد الفضولي، كما هو ظاهر المحقق في باب الزكاة من المعتبر، حيث ذكر انه لو باع المالك النصاب قبل إخراج الزكاة أو رهنه صح البيع و الرهن بالإضافة الى غير مقدار الزكاة فإن أدى الزكاة من مال آخر، قال الشيخ صح البيع و الرهن في تمام النصاب، و فيه إشكال لأن حصة الزكاة مملوكة لأرباب الزكاة و إذا أدى المالك الزكاة من مال آخر ملك تلك الحصة بملك جديد، فافتقر بيع تلك الحصة إلى إجازة جديدة، كما في مسئلة من باع شيئا ثم ملك انتهى. فان ظاهر هذا الكلام ان المحقق (ره) يرى تمام البيع فيما إذا باع المال ثم ملكه و اجازه.

بل يمكن ان يستظهر مما حكاه عن الشيخ (ره) عدم الحاجة في تمام البيع المزبور إلى الإجازة، و لكن الاستظهار قابل للخدشة، فإنه يحتمل ان يكون تعلق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 410

..........

______________________________

الزكاة من قبيل الكلى على الذمة، و ان العين الزكوية كالرهن لذلك الكلى، فلو امتنع مالك النصاب عن أداء ما

عليه من الزكاة، يجوز لوليها الأخذ بتلك العين لاستيفاء ما على عهدة مالك النصاب، نظير أخذ المرتهن بالعين المرهونة، لاستيفاء ما على عهدة الراهن في فرض امتناعه عن أداء دينه، و على ذلك فالعين الخارجية بتمامها ملك لمالك النصاب، غاية الأمر يتعلق بها حق الزكاة، و يسقط ذلك الحق بأدائها من مال آخر، نظير ما إذا باع الراهن العين المرهونة ثم فك الرهن بأداء دينه فإنه قد مر عدم الحاجة في صحة هذا البيع إلى الإجازة، كما يحتمل ان يكون تعلق الزكاة بالعين الخارجية كتعلق حق الجناية بالعبد في جنايته خطاء بان يجوز لمالك النصاب بيعه بتمامه و يصح منه البيع، كجواز بيع العبد الجاني، و تتعلق الزكاة بذمة المالك، غاية الأمران المالك لو امتنع عن أداء الزكاة و إفراغ ذمته منه، يجوز لولي الزكاة أخذ الزكاة من النصاب بإبطال البيع المزبور، و فسخه في مقدارها، كما في امتناع مولى العبد الجاني من أداء أرش الجناية فيمكن ان يكون ظاهر كلام الشيخ (ره) في عدم الحاجة الى الإجازة مبنيا على ذلك، فلا يرتبط عدم الحاجة الى الإجازة في الفرع المزبور بمسئلة من باع شيئا ثم ملك.

و ذكر السيد اليزدي (ره) في تعليقته ان تعلق الزكاة بالنصاب لا يحتمل كونه من قبيل تعلق حق الجناية بالعبد الجاني خطاء لان المعروف بينهم انه يجوز للساعي و الحاكم تتبع العين فيما إذا باع المالك النصاب قبل أداء الزكاة من مال آخر.

(أقول) ان كان مرادهم من تتبع العين فيما إذا لم يؤد الزكاة بعد بيع النصاب تتبعها مع امتناع المالك من مال آخر فحق الرهانة و حق الجناية مشتركان في ذلك،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 411

..........

______________________________

و ان كان مرادهم تتبعها و لو من غير امتناعه فالأمر أيضا كذلك لان جواز تتبع العين لا يلازم جواز تملكها مطلقا بل جواز التملك يكون بعد امتناع المالك من أداء الزكاة من مال آخر سواء كان تعلقها من قبيل حق الرهانة أو من قبيل حق أرش الجناية.

و الحاصل- ان الفرق بين تعلق حق الرهن و تعلق حق الجناية بعدم تمام بيع العين المرهونة إلا بفك الرهن أو اجازة المرتهن بخلاف بيع العبد الجاني خطاء فإنه يتم، و لكن يكون للمجنى عليه أو وليه حق فسخ بيعه في فرض امتناع مولاه البائع عن أداء أقل الأمرين من قيمته و أرش الجناية- غير مناف لما هو المعروف بينهم من جواز تتبع العين و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام رجل لم يزك أبله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال نعم تؤخذ منه ذكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدى زكاتها البائع «1» و ظاهرها لا ينافي كون الزكاة من قبيل حق الرهن أو حق أرش الجناية.

و لكن الأظهر عدم كون الزكاة من قبيلهما، و لا من قبيل الكلي في المعين لعدم حساب التالف على مالك النصاب فقط، كما لا تكون من الإشاعة في العين، كما هو مقتضى إيجاب الشاة في نصاب الإبل، بل بنحو الإشاعة في المالية و يجوز للمالك التصرف في بعض النصاب فيما إذا كان قصده إخراجها من الباقي، لأن القصد المزبور عزل للزكاة في الباقي، و يصح بيع تمام النصاب مع إخراج الزكاة من مال آخر و لو بعد البيع، و تمام الكلام في محله.

______________________________

(1) وسائل الجزء (6) باب

12 من أبواب زكاة الانعام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 412

و بهذا القول صرح الشهيد (ره) في الدروس (1)

______________________________

(1) اى صرح الشهيد (ره) في الدروس بصحة البيع فيما إذا باع المال لنفسه ثم ملكه و أجازه، و هذا ايضا ظاهر المحكي عن الصيمري، و لكن المحكي عن المحقق الثاني في تعليق الإرشاد هو البطلان، و مال اليه بعض المتأخرين، و الأقوى هو القول بالصحة للأصل و العمومات.

أقول- لعل مراده (ره) من الأصل هو الإطلاق و العموم في أدلة إمضاء البيع و وجوب الوفاء بالعقود فيكون العمومات السليمة عطفا تفسيريا، و لو كان مراده بالأصل أصالة عدم اشتراط كون المجيز مالكا حال إنشاء العقد، فقد ذكر (ره) في موارد من أن مقتضى الأصل العملي في موارد المعاملات هو الفساد، لأصالة عدم ترتب الأثر عليها.

لا يقال- ما الفرق بين المقام اى ما إذا شك في شرطية ملك المجيز حال العقد في صحة البيع، و بين الشك في شرطية شي ء لمتعلق الأمر على ما هو المعروف في دوران أمر الواجب بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، حيث يرجع هناك بأصالة عدم الشرطية، و لا يرجع إليها في المقام.

فإنه يقال- المراد بأصالة عدم الشرطية في دوران أمر الواجب بين كونه مطلقا أو مشروطا هي البراءة عن وجوب المشروط و الفرق بين هناك و المقام ان الحكم المفروض في مسئلة دوران الواجب بين الأقل و الأكثر واحد يتردد متعلقة بين كونه الطبيعي بنحو اللابشرط، أو كونه بشرط شي ء فتجري أصالة البراءة في ناحية تعلقه بالطبيعي بشرط شي ء، بعد معارضة استصحاب عدم تعلق الوجوب بالطبيعي بشرط شي ء مع أصالة عدم تعلقه بالطبيعي بنحو اللابشرط و أصالة البراءة عن وجوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 413

و ربما لا يجرى فيه ما ذكر هناك (1).

______________________________

الطبيعي المشروط بشي ء لا يعارضها أصالة البراءة عن وجوب الطبيعي بنحو لا بشرط، لان رفع التكليف على تقدير تعلقه بالطبيعي بنحو اللابشرط خلاف الامتنان، و لكن لا يجرى ذلك في مثل المقام مما يكون الحكم فيه انحلاليا كحل البيع أو وجوب الوفاء بالعقد فان كل بيع يكون مجيزه مالكا حال إنشائه تعلق به الحل و لزوم الوفاء جزما و الشك في تعلق حل آخر أو وجوب الوفاء بالبيع الآخر أيضا و هو البيع الذي لا يكون مجيزه حال إنشائه مالكا للمال، و استصحاب عدم تعلق الحل و الإمضاء و وجوب الوفاء به يجرى بلا معارض، و لذا يحتاج في الحكم بصحة البيع فيما إذا باع شيئا ثم ملك و أجاز إلى إثبات الإطلاق و العموم في أدلة الإمضاء و لزوم العقد.

(1) يعنى ربما لا يأتي في توجيه الصحة في هذه المسئلة ما وجه به صحة البيع فيما إذا بيع المال فضولا و أجازه من كان مالكا له زمان العقد حيث تقدم في توجيه الصحة هناك ان العاقد و لو قصد البيع لنفسه الا انه في الحقيقة قاصد البيع للمالك حال العقد فان قصده البيع لنفسه مبنى على كونه مالكا للمال و لو عدوانا فيتم البيع للمالك بإجازته بخلاف المقام فان البيع واقع في الحقيقة للمالك حال العقد لا للبائع المفروض كونه مجيزا.

(أقول) قد ذكرنا في تلك المسئلة ان البيع لا يقع للمالك لان حقيقته تمليك عين بعوض و المراد بوقوعه للمالك هو انتسابه اليه و هذا الانتساب و ان لا يدخل في حقيقة البيع الا انه يعتبر في

صحته و نفوذه و يتحقق بمباشرة المالك لإنشاء البيع أو بكون إنشائه بإذنه أو بإجازته.

و الحاصل قصد الفضولي البيع لنفسه لغو و قصد زائد على أصل إنشاء البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 414

الثاني حيث جوزنا بيع غير المملوك (1).

______________________________

و ينتسب البيع الى المالك بالإجازة سواء كان المالك المجيز مالكا للمال حال العقد أيضا أم لا.

(1) و حاصله قد التزمنا بان عقد الفضولي المعروف يتم بإجازة مالك المال مع كون العاقد غير مالك للمال و لم يكن عقده بإذن المالك و برضاه كما انه لم يكن قادرا على تسليم المال لان ملك المال و الرضا و التمكن على التسليم يعتبر في المالك حال العقد الذي يجيزه لأنه البائع حقيقة و المفروض في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز ان المالك المزبور لم يجز العقد بل اجازه من تملك المال بعد ذلك العقد و أجاب (ره) عن ذلك بأنه لا يعتبر في تمام عقد الفضولي ملك المجيز المال حال العقد بل يكفى فيه ملكه حال الإجازة و الرضا لان الوجه في اعتبار كل ذلك عدم حل المال للغير بغير طيب نفس مالكه و رضاه و كون تصرف الغير في المال المزبور بلا رضاه ظلما و تعديا على المالك و ان سلطنة التصرف في المال تثبت للمالك لا لغيره و مع اجازة المالك الجديد يراعى كل ذلك و اما التمكن على التسليم فلا بعد في اعتباره في مالك المال حال العقد لأن الإجازة تصحح العقد الذي لا يكون فيه نقص من غير جهة اجازة المالك.

(أقول) لا وجه لاعتبار القدرة على التسليم في المالك حال العقد بل يعتبر التمكن فيمن يجب عليه

الوفاء بالعقد في ظرف استحقاق الطرف المطالبة بالمال و بإحراز هذا التمكن حال العقد ينتفي الغرر و يتم البيع كما هو مقتضى إطلاق أدلة الإمضاء و عموم دليل وجوب الوفاء بالعقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 415

الإجازة حيث صحت كانت كاشفة على الأصح مطلقا (1).

______________________________

(1) و حاصله ان اعتبار الإجازة يكون على الأصح بطور الكشف لا النقل كما تقدم سابقا و اعتبارها بالنحو المزبور لا يختص بمورد دون مورد بل كلما فرض نفوذ الإجازة و صحتها فاللازم كونها كاشفة لأن الدليل على اعتبارها بنحو الكشف مطلق يعم جميع مواردها و حيث ان اعتبارها في المقام بنحو الكشف بان تكون إجازة البائع المجيز كاشفة عن تمام الملك للطرفين من حين العقد مع الأصيل غير ممكن لاستلزام ذلك دخول المال في ملك الأصيل قبل دخوله في ملك البائع فلا بد من القول بعدم نفوذ الإجازة و كونها لغوا حيث لا دليل على اعتبارها في المقام بالنحو الآخر.

و فيه ان ما ذكر من اعتبار الإجازة بنحو الكشف لا يختص بمورد دون مورد صحيح الا انه ليس لازم ذلك تمام الملك للطرفين من حين العقد فضولا اى من زمان إيجابه و قبوله و لذا تكون في الهبة الفضولية كاشفة عن تمام الملك للمتهب من حين حصول القبض و بما ان من شرط تمام الملك للأصيل انتقال المال اليه من البائع المجيز لانه المالك حال الإجازة و بها يستند البيع اليه فيكون انتقال مال المجيز إلى الأصيل من زمان كون المجيز مالكا و هذا معنى كون الإجازة معتبرا بنحو الكشف و ليس في الالتزام بذلك أى محذور لا محذور فقد المقتضي أي فقد الدليل على اعتبار الإجازة

فإنه يكفي في اعتبارها إطلاق دليل إمضاء المعاملات و عموم وجوب الوفاء بالعقود على ما مر آنفا و لا محذور المانع سواء كان من ناحية العقل أو من الشرع بان قام دليل على إلغاء هذا النحو من الكشف.

لا يقال إذا كان في المقام انتقال المال إلى المشتري الأصيل من حين تملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 416

..........

______________________________

المجيز المتاع تكون أجازته نظير تخصيص المالك حال العقد إجازته في عقد الفضولي المعروف بزمان متأخر عن زمان العقد.

فإنه يقال هذا التخصيص يمنع عن صحة الإجازة فيما إذا كان انتقال المال إلى الأصيل من حين العقد ممكنا و لا يمكن الانتقال كذلك في المقام و كذا لا يضر في إجازة البائع كونها رضاء بالعقد الذي مدلوله النقل من حينه و وجه عدم القدح ان المال غير قابل للانتقال الا من زمان تملك المجيز فيكون عموم الإجازة بالإضافة الى ما قبل ذلك الزمان ملغى نظير الإجازة فيما إذا كان القبض فيه شرطا للانتقال.

أقول لا يخفى ان اجازة البائع في المسئلة تتعلق بالعقد السابق بتمام مدلوله و هو جعل ملكية المال للمشتري من حين ذلك العقد و لكن لا يتبع الإمضاء الشرعي تلك الإجازة الا من زمان تملك المجيز جمعا بين مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و ما دل على عدم سلطنة الإنسان بمال الغير فيكون التفكيك في المقام نظير عدم تبعية الإمضاء الشرعي للبيع في الصرف و السلم الا من حين حصول القبض و لو أجاز البائع في المسئلة بعد تملكه المال العقد السابق لا بتمام مدلوله كما لو صرح بإجازته ذلك العقد بإمضائه بعض مدلوله و هي الملكية من حين تملكه فلا تكون أجازته

مطابقة لمدلوله من غير فرق بين المقام و اجازة عقد الفضولي المعروف كما إذا أجاز المالك فيه على مسلك الكشف بنحو النقل حيث تقدم فساد تلك الإجازة.

و الحاصل إجازة البائع العقد من حين تملكه المتاع غير الحكم بانتقال المتاع إلى المشتري الأصيل من ذلك الحين فإن الثاني يتعين الالتزام به و اما الأول فلا تصحح البيع السابق لما تقدم من انه لا بد من مطابقة الإجازة مع مدلول العقد.

و ذكر النائيني (ره) في المقام انه فرق بين عقد الفضولي و تمامه بإجازة المالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 417

الرابع ان العقد الأول (1).

______________________________

حال العقد و بين مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز حيث ان الإجازة في الثاني لا تؤثر شيئا و الوجه في ذلك ان من شرط الإجازة و نفوذها عدم رد العقد قبلها و ان مع الرد لا يبقى عقد ليتعلق به الإجازة و بيع المالك المال من البائع رد فعلى لذلك العقد فلا ينفعه إجازة البائع بعد تملك المال.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه كما تقدم سابقا لا اثر لرد المالك و ان عقد الفضولي لا يكون معه ملغى و على تقدير الالتزام بنفوذ الرد فلا ينبغي الريب في ان الرد من الأمور الإنشائية يحتاج الى القصد و المفروض في المقام ان المالك باع المال من بايعه و لم يرد إلغاء العقد السابق و ينتفي ببيعه قابلية عقد الفضولي لإجازة المالك حال العقد حيث يخرج ببيعه عن كونه مالكا للمال و يبقى قابليته لإجازة البائع الذي تملك المال من مالكه.

أضف الى ذلك انه ربما يكون تملك البائع فضولا المال لا بالمعاملة مع المالك بل بالإرث و

نحوه و معه لا مجال لتوهم الرد.

(1) و بتعبير آخر صحة الإجازة من البائع موقوفة على تمام البيع الثاني ليتملك البائع المزبور المال من مالكه الأصلي ليجيز بيعه الأول الذي كان فضوليا ففي زمان البيع الثاني لا بد من كون المال ملكا لمالكه الأصلي ليجعل ملكه للبائع المجيز بالبيع المزبور كما يلزم ان يكون ملكا للمشتري في البيع الأول الذي اشتراه من البائع الفضولي باعتبار ان ذلك مقتضى اعتبار الإجازة و صحتها بنحو الكشف.

و الحاصل يجتمع ملكان في زمان واحد في مال واحد و هذا غير ممكن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 418

فيكون صحة الأول مستلزمة لكون المال المعين ملكا للمالك و المشترى معا في زمان واحد (1).

______________________________

لا يقال يأتي هذا الإشكال في كل بيع فضولي فإن صحة الإجازة موقوفة على كون المجيز مالكا حال الإجازة حيث يعتبر في تمام البيع فضولا اجازة المالك و صحة إجازته و اعتبارها بطور الكشف مقتضاها كون المال في زمان الإجازة ملكا للمشتري في ذلك البيع الفضولي فاجتمع في مال واحد في زمان واحد ملكان.

فإنه يقال يكفي في الإجازة و نفوذها الملك الظاهري للمجيز الحاصل له بالاستصحاب بخلاف صحة البيع الثاني في مسئلة من باع شيئا ثم ملكه بالشراء و أجاز البيع الأول فإن الاشتراء لا يتم الا مع ثبوت الملك حقيقة للمالك الأصلي.

(1) يعني يكون صحة بيع البائع فضولا بلحوق أجازته مستلزمة لكون المتاع ملكا للمالك الأصلي ليشتريه البائع منه و يجيز البيع الأول و ان يكون ملكا للمشتري من البائع فضولا في ذلك الزمان كما هو مقتضى كون الإجازة كاشفة فوجود الثاني أي صحة بيع المالك الأصلي يقتضي عدم صحة بيع البائع فضولا و

ان لا يكون المتاع ملكا للمشتري الأول و صحة بيع البائع أي الأول فضولا يقتضي بطلان بيع المالك الأصلي و ان لا يكون مالك الأصلي في زمان البيع الثاني مالكا للمتاع فيلزم ان يكون المالك الأصلي في زمان مالكا و ان لا يكون في ذلك الزمان.

و لا يخفى ان الوجه الرابع كما ذكر مبنى على كون إجازة البائع بعد تملكه المال كاشفة عن حصول الملك للمشتري من حين العقد الأول و لكن قد تقدم في الجواب عن الوجه الثالث ضعفه و ان أجازته تكون كاشفة عن حصول الملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 419

نعم يبقى في المقام الاشكال الوارد (1).

______________________________

للمشتري من حين تملك المجيز فإنه أول زمان إمكان انتقال ذلك المال الى ملك المشترى عن ملك المجيز.

(1) الاشكال العام مبنى على مسلك الكشف الحقيقي فإنه بناء عليه يكون المال قبل حصول الإجازة ملكا للمشتري كما هو مقتضى اعتبارها بنحو الكشف و يكون ملكا للمجيز لتكون أجازته نافذة حيث يعتبر ملك المجيز و إذا انضم هذا الاشكال العام إلى الإشكال الجاري في خصوص المقام يلزم كون المال قبل وقوع البيع الثاني ملكا لثلاثة المالك الأصلي ليصح بيعه من العاقد و للعاقد فإنه مقتضى تلقى المشترى الملك منه و للمشتري كما هو مقتضى اعتبار الإجازة بنحو الكشف و ما ذكر في دفع الاشكال العام بكفاية المالك الظاهري الحاصل للمجيز بالاستصحاب فاسد لان استناد البيع الى المجيز و كشف أجازته عن حصول الملك للطرف يتوقف على كون ذلك المجيز مالكا و إذا أحرز بعد ذلك عدم كونه مالكا فلا يفيد أجازته حيث لا أثر للحكم الظاهري بعد انكشاف الواقع فيكون الفرض كما إذا انكشف

ان المال كان ملكا لشخص آخر.

و الحاصل ان اعتبار الملك في المجيز شرط واقعي.

و ايضا ما ذكره في المقام التفرقة بين نفوذ الإجازة و نفوذ البيع الثاني من اعتبار الملك الواقعي في الثاني دون الإجازة فإن الإجازة إسقاط حق يكفى فيه الملك الظاهري لا يمكن المساعدة عليه فان تمام بيع المالك يكون بإجازته فيلزم كونه مالكا واقعا بل إذا لم يكن له ملك واقعا أو حق كذلك فكيف يصح منه الإسقاط.

أقول لو قام الدليل على اعتبار الإجازة بنحو الكشف الحقيقي فلا بد من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 420

و الخامس ان الإجازة المتأخرة (1).

______________________________

الالتزام بان المعتبر في الإجازة كون المجيز مالكا لو لا الإجازة و لا وجه لما يظهر من المصنف (ره) من التزم بالإشكال العام و انه يلزم عليه اجتماع ملكين مستقلين في مال واحد على مسلك الكشف الحقيقي كما لا يخفى.

(1) و هذا الوجه ايضا مبنى على كون الإجازة كاشفة عن حصول الملك للمشتري الأصيل من حين وقوع البيع الأول فإنه عليه تكون إجازة البائع البيع الأول بعد تملكه المال كاشفة عن حصول ملك ذلك المال للمشتري من حين البيع الأول فيكون بيع المالك الأصلي ذلك المال من البائع الأول مصادفا لملك المشتري الأصيل واقعا فيتوقف نفوذ البيع الثاني على اجازة ذلك المشترى نظير ما صدر البيع الثاني الصادر عن أجنبي و أجاز المالك الأصلي البيع الأول فإن معها تكون صحة البيع الثاني الصادر عن الأجنبي موقوفة على إجازة المشتري الأول بلا كلام و حيث ان في المقام صحة البيع الأول موقوفة على إجازة البائع فضولا تكون النتيجة توقف نفوذ كل من إجازتي المشتري الأول و البائع فضولا على

الأخرى و تكون صحة كلا البيعين موقوفة على إجازة المشتري الأول لاعتبار رضاه في تمام البيع الثاني و لتوقف تمام البيع الأول على البيع الثاني الموقوف على أجازته على الفرض.

و لازم ذلك عدم استحقاق المالك الأصلي شيئا من الثمن و المثمن بل يكون المبيع للمشتري الأول بلا ثمن فيما إذا كان مقدار الثمن في البيع الأول مساويا لمقداره في البيع الثاني لأن الثمن في البيع الأول يستحقه البائع عليه و يستحق المشترى المزبور الثمن في البيع الثاني على البائع باعتبار مصادفة ذلك البيع ملكه واقعا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 421

السادس- ان من المعلوم انه يكفى (1)

______________________________

و بهذا يظهر ان المشترى المزبور يستحق المبيع بأقل من الثمن في البيع الأول فيما إذا كان الثمن فيه أكثر من الثمن في البيع الثاني و تسحقه مع زائد فيما إذا كان الأمر بالعكس.

(1) و حاصل هذا الوجه أن بيع المالك الأصلي المال من العاقد الفضولي فسخ فعلى لبيع الفضولي فلا يكون ذلك البيع قابلا للإجازة و الوجه في كونه فسخا فعليا ان عقد الفضولي لا يزيد على العقد الخياري و كما ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه ببيعه من آخر فسخ فعلى لذلك البيع الخياري كذلك تصرف المالك الأصلي في ماله ببيعه من العاقد الفضولي أو غيره فسخ و إبطال لبيع الفضولي بل يكون تصرف المالك الأصلي أولى بالفسخ من تصرف ذي الخيار حيث يمكن ان يقال ان البيع بعد انعقاده لا يكون ملغى الا بالفسخ القولي بخلاف إلغاء بيع الفضولي فهو باعتبار عدم تمامه قبل الإجازة يكون ملغى بالفعل قطعا.

و أجاب المصنف (ره) عن هذا الوجه بان مجرد تصرف المالك الأصلي في ماله

الجاري عليه البيع فضولا لا يكون ردا و إلغاء لعقد الفضولي حتى لا يكون قابلا للإجازة بل غاية الأمر يكون تصرفه موجبا لفوت محل الإجازة اما مطلقا كما إذا زوجت المنكوحة فضولا نفسها من الآخر أو بالإضافة إلى المتصرف فقط كما في مسئلة بيع المالك الأصلي فإن للتملك اجازة البيع الجاري على ذلك المال فضولا و قياس تصرف المالك الأصلي بتصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه فاسد لان تصرف ذي الخيار فيما انتقل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 422

السابع- الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك (1)

______________________________

عنه لا يمكن الا بفسخ البيع الخياري و إبطاله بخلاف تصرف المالك الأصلي فإن المال باعتبار عدم تمام البيع فضولا باق على ملكه فيجوز له التصرف فيه مع إمكان إجازة البيع الأول و لحوق الإجازة به من مالكه الجديد.

نعم لو كان قصد المالك الأصلي من تصرفه إلغاء البيع الأول يكون تصرفه مع القصد المزبور ردا لذلك العقد فلا يصلح بعده للحوق الإجازة.

أقول قد تقدم في ذيل نقل هذا الوجه عن النائيني (ره) انه لا موجب لرفع اليد عن عموم وجوب الوفاء بالعقد و إطلاق دليل حل البيع بالإضافة إلى البيع الأول فيما إذا اجازه المالك الجديد حتى في مورد قصد المالك الأصلي إلغاء ذلك البيع فإنه ذكرنا عدم الأثر لقصده الإلغاء و لا يمكن إثباته بحديث سلطة الناس على أموالهم.

(1) الأخبار المذكورة في هذا الوجه على طوائف ثلاث: الاولى بعض الاخبار الضعاف الحاكية لنهي النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك كروايتي الحسين ابن زيد و سليمان بن صالح «1» و النهى المزبور يعم ما إذا كان بيع ما ليس عنده

من بيع الكلي أو الشخصي و لكن يتعين رفع اليد عن إطلاقه بالحمل على صورة كون المبيع شخصا لما نشير الى الروايات المعتبرة الدالة على جواز بيع الكلى على العهدة مع عدم ملك الشخص حال البيع كما ان النهى المزبور اما إرشاد إلى فساد

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (7) من أبواب أحكام العقود الحديث (2- 5)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 423

..........

______________________________

بيع ما ليس عنده بالإضافة الى كل من بايعه و مالك المال أو الى فساده بالإضافة إلى بائعه فقط.

و على الأول يرفع اليد عن الإطلاق بالإضافة إلى مالك المال لما تقدم من الدليل على صحة بيع الفضولي و تمامه بإجازة المالك و على التقديرين يكون مقتضى النهى عدم تمام ذلك البيع بالإضافة إلى بائعه سواء تملك المال و أجاز بيعه أم لا بل الظاهر إرادة صورة تملكه لان عدم تمام البيع بالإضافة إلى بائعه في غير صورة تملكه لا يحتاج الى البيان.

و أجاب المصنف (ره) عن الاستدلال بأنه لا نظر في النهي المزبور إلى صورة إجازة بائعه بعد تملكه لأن المنفي بالنهي الإرشادي الصحة التي يراها المتبايعان بحسب معاملتهم و هي انتقال ذلك المتاع إلى المشترى و انتقال الثمن إلى البائع بحيث يكون للمشتري حق إلزام البائع بتحصيل ذلك المتاع و للبائع حق إلزام المشتري بأخذه و التصرف في الثمن و اما الصحة التي يلتزم بها في المقام و هي ترتب أثر المعاملة على البيع بإجازة بائعه بعد تملكه المتاع أخذا بإطلاق دليل حل البيع و عموم وجوب الوفاء بالعقد فلا دلالة للنهى المزبور على نفيها.

أقول لا يخفى أن إلزام المشتري البائع بتحصيل المبيع و دفعه اليه و كذا جواز

تصرف البائع في الثمن من آثار انتقال المالين و إذا كان النهى المزبور بيانا لعدم حصول النقل و الانتقال شرعا يكون مقتضى إطلاقه عدم حصوله حتى فيما أجاز البيع بايعه بعد تملكه المال.

و لو كان مدلول النهى عدم حصول النقل و الانتقال بمجرد البيع المزبور لما صح التمسك به في دفع دعوى حصول النقل و الانتقال في بيع ما ليس عنده بعد تملك البائع المال و حصول التقابض بين البائع و المشترى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 424

..........

______________________________

و الحاصل ان المنفي بالنهي هي صحة المعاملة شرعا و هي حصول النقل و الانتقال كما في النهي عن بيع في سائر الموارد و مقتضى إطلاقه و عدم تقييده بمثل قوله الا ان يجيزه إذا صار المال عندك عدم صحته بإجازة بايعه.

نعم بالإضافة إلى اجازة المالك حال العقد فيرفع اليد عن إطلاق النهى على تقديره بما دل على تمام بيع الفضولي بإجازته أى بالروايات الخاصة الدالة على صحة بيع الفضولي بإجازة المالك حال العقد لا بإطلاق خطاب حل البيع و عموم وجوب الوفاء بالعقد كما لا يخفى.

الطائفة الثانية ما تضمن النهى عن بيع الكلى مع عدم ملك الشخص حال البيع كما هو ظاهر صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يجيئني الرجل يطلب منى بيع الحرير و ليس عندي منه شي ء فيقاولني عليه و أقاوله في الربح و الأجل حتى يجتمع على شي ء ثم اذهب فاشترى له الحرير فأدعوه إليه قال أ رأيت ان وجد بيعا هو أحب إليه مما عندك أ يستطيع ان ينصرف اليه و يدعك أو وجدت أنت ذلك أ تستطيع ان تنصرف اليه و تدعه قلت نعم

قال فلا بأس «1» فلا بد من ان يحمل النهي في هذه على الكراهة أو على التقية لأنها معارضة بالروايات المعتبرة الدالة على جواز بيع الكلى مع عدم تملك الفرد منه حال البيع كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشترى الطعام من الرجل ليس عنده فيشترى منه حالا قال لا بأس به قلت انهم يفسدونه عندنا

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (7)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 425

..........

______________________________

قال و أي شي ء يقولون في السلم قلت لا يرون به بأسا يقولون هذا إلى أجل و إذا كان الى غير أجل و ليس عند صاحبه فلا يصلح فقال إذا لم يكن إلى أجل كان أجود ثم قال لا بأس بان يشترى الطعام و ليس هو عند صاحبه حالا و الى أجل الحديث «1» و قريب منها غيرها و اما صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل أتاه رجل فقال ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية فابتاعه الرجل من اجله قال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه «2» فقد يقال بظهورها في خصوص بيع العين الخارجية.

و لكن لا يخفى ما فيه فان ظهورها في تعلق الشراء الثاني بنفس ما ابتاعه البائع و ان لا ينكر الا انه لم يفرض فيها ان ما ابتاعه البائع كانت عينا خارجية أو كليا على العهدة و يبيعه من طالبه بعد قبضه بل يعم ما إذا كان ما اشتراه كليا و يبيعه من الطالب قبل قبضه و نظيرها صحيحة منصور بن حازم عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام في رجل أمر رجلا يشترى له متاعا فيشتريه منه قال لا بأس بذلك انما البيع بعد ما يشتريه «3».

و الحاصل ان مقتضى تعليل الجواز فيهما بقوله انما البيع بعد ما يشتريه أو بأنه انما يشتريه منه بعد ما يملكه عدم جواز بيع الشي ء قبل تملكه حتى فيما كان البيع ملحوقا بإجازة بايعه غاية الأمر يحمل الصحيحتين على خصوص بيع العين الخارجية لما تقدم من جواز بيع الكلى قبل تملك الشخص.

الطائفة الثالثة ما ورد في بيع العين الخارجية كمصححة يحيى بن الحجاج

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (7) من أبواب أحكام العقود الحديث (1)

(2) الوسائل الجزء 12 الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (8)

(3) الوسائل الجزء 12 الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 426

..........

______________________________

قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قال لي اشتر لي هذا الثوب و هذه الدابة و بعينها أربحك فيها كذا و كذا قال لا بأس اشترها و لا تواجبه قبل ان تستوجبها أو تشتريها «1» و رواية خالد بن الحجاج قال قلت لا بعبد اللّه عليه السّلام الرجل يجي ء فيقول اشتر هذا الثوب و أربحك كذا و كذا قال أ ليس ان شاء أخذ و ان شاء ترك قلت بلى قال لا بأس إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام «2» و مقتضاهما انه لا بد من إنشاء البيع مع المشترى بعد تملك المتاع بان لا يكون في البين إلزام و التزام معاملي بالإضافة الى كل من البائع و المشترى من قبل و لو كان البيع في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز نافذا

لكان في البين إلزام و التزام معاملي من قبل على المشترى للزوم العقد عليه من الأول أو من حين تملك البائع و رضاه ببيعه مع أن ظاهر الروايتين ان المشترى لا بد من أن يكون مختارا حتى بعد تملك البائع و رضاه بالبيع منه و هذا لا يكون الا مع فساد البيع الأول و عدم تمامه بإجازة بائعه.

و لكن في النفس بالإضافة إلى الروايتين احتمال آخر و هو أن يكون الثوب أو الدابة المفروض فيهما كان ملكا للمشتري و طلب من الرجل اشترائه منه نقدا و يبيعه منه ثانيا نسية كما هو قسم من بيع العينة و معه يكون بيع الرجل الثوب أو الدابة قبل تملكه محكوما بالبطلان و لو قيل في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز بصحة البيع الأول و ذلك فان الثوب أو الدابة بيعه من المشترى قبل تملكه من بيع المال من من مالكه و هذا أمر باطل و في رواية حسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام يجيئني الرجل فيطلب العينة فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (13)

(2) الوسائل الجزء (12) الباب (8) من أبواب أحكام العقود الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 427

و منه يظهر الجواب عن الاخبار (1).

______________________________

مكاني قال إذا كان بالخيار إنشاء باع و إنشاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس فقلت ان أهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد و يقولون ان جاء به بعد أشهر صلح قال انما هذا تقديم و تأخير

فلا بأس «1».

و المتحصل من جميع ما ذكرنا أنه يتعين الحكم بالبطلان في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز لا بمجرد بعض الروايات الحاكية لنهي النبي (ص) عن بيع ما ليس عندك ليقال انها ضعيفة سندا لا يمكن الاعتماد عليها و لا بهاتين الروايتين ليقال انهما غير ظاهرتين في المفروض في المقام بل للنهى المستفاد من صحيحتي محمد بن مسلم و منصور بن حازم و يرفع اليد عن عموم ذلك النهي بالإضافة إلى بيع الكلى و يشير الى ان مجرد تملك البائع و أجازته لا يفيد في المقام مصححة الحسن بن زياد الطائي قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام انى كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير إذن مولاي ثم أعتقني اللّه بعد فأجدد النكاح قال فقال علموا انك تزوجت قلت نعم قد علموا فسكتوا و لم يقولوا لي شيئا قال ذلك إقرار منهم أنت على نكاحك «2» و نحوها صحيحة معاوية بن وهب «3» و وجه الإشارة ان مع عتق العبد يكون نكاحه بيده و لو كان لحوق أجازته بنكاحه السابق موجبا لتمامه لما كانت حاجة الى الاستفسار عن علم مولاه بنكاحه و سكوته كما لا يخفى.

(1) يعنى يظهر مما تقدم من ان الصحة التي يلتزم بها في المقام ترتب الأثر

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12 الباب (5) من أبواب أحكام العقود الحديث (4)

(2) الوسائل الجزء (14) الباب (26) من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث (3).

(3) الوسائل الجزء (14) الباب (26) من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 428

..........

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم -

ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 2، ص: 428

______________________________

على البيع السابق بإجازة بائعه بعد تملكه المتاع أخذا بإطلاق دليل حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد و نفى هذه الصحة لا يستفاد من قوله (ص) لاتبع ما ليس عندك و انما يستفاد منه نفى الصحة التي يراها المشترى و البائع بحسب البيع السابق و هي انتقال المتاع إلى المشترى و انتقال الثمن البائع بحيث يكون للبائع التصرف في ذلك الثمن و للمشتري إلزام البائع بتحصيل المتاع بلا حاجة الى إجازة البائع ثانيا- الجواب عن سائر الاخبار و انها ايضا ناظرة إلى نفى هذه الصحة خصوصا بقرينة قوله عليه السّلام في صحيحة يحيى بن الحجاج (و لا تواجبه البيع) اى لا تتم البيع مع المشترى المزبور قبل شرائك.

لا يقال إجازة البائع ثانيا في مورد تلك الأخبار مفروضة حيث ان دفع البائع المال بعد تملكه إلى المشتري إجازة فعلية و النهى عن البيع مع فرض هذه الإجازة مقتضاه فساد ذلك البيع و عدم صحته بلحوق أجازته.

فإنه يقال لا يكون الدفع اجازة حيث انه وقع بعنوان الوفاء بالبيع الذي حصل قبل تملك البائع و يرى البائع انه يلزم بالعمل به و هذا لا تحسب اجازة فإنه يعتبر في الإجازة إظهار رضاه به من غير جهة الالتزام السابق كما هو مقتضى ما دل على دخل طيب النفس في صيرورة المال حلالا للغير.

لا يقال لا يمكن الحكم بصحة البيع السابق بإجازة بايعه لان صحته بها ينافي ما في رواية خالد بن الحجاج حيث ذكر فيها أ ليس ان شاء أخذ و ان شاء ترك و وجه المنافاة أنه بناء على صحة البيع السابق و تمامه بإجازة

بايعه لا يكون للمشتري الامتناع و رفع اليد عن البيع حتى قبل إجازة بايعه لما تقدم سابقا من لزوم عقد الفضولي على الأصيل و لو قبل اجازة المالك مع ان ظاهر الرواية خلاف ذلك و ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 429

ثم ان الواجب على كل تقدير هو الاقتصار على مورد الروايات (1).

______________________________

البيع السابق لا يوجب على المشترى أمرا.

فإنه يقال قوله (ع) (ا ليس ان شاء.) و لو بقرينة صحيحة يحيى بن الحجاج كناية عن انه لا يكون قبل تملك البائع البيع اللازم على الطرفين و لا ينافي حصول اللازم من طرف المشترى فقط.

(1) لا يخفى عدم حسن التعبير فان المراد انه لو قيل بفساد البيع فيمن باع شيئا ثم ملك و أجاز للأخبار المتقدمة فلا بد من الاقتصار في الحكم بالبطلان بمدلول الاخبار و هو ما إذا وقع بيع الشي ء عن البائع منجزا فإنه في هذه الصورة لا يفيد إجازة البائع بعد تملك المال.

و اما إذا باع الشي ء معلقا على اجازة بيعه بعد تملكه المال أو باعه معلقا على تملكه المال فيما بعد فإنه يحكم فيهما بتمام البيع السابق بإجازة بيعه بعد تملكه لخروج الفرضين عن الاخبار.

و يظهر ذلك ايضا من العلامة في التذكرة و المختلف حيث علل المنع بالغرر و بعدم قدرة البائع على التسليم و مع تعليق البيع على تملكه المال أو على أجازته بعد تملكه لا يحصل البيع قبل الشرط ليكون غرريا أو لم يكن متمكنا على تسليم المال بل فعليته تكون مع حصول الشرط و لا يكون في ذلك الزمان في البين غرر و لا العجز عن التسليم.

أقول تقييد البيع بإجازة بائعه بعد تملك المال أو

بنفس تملكه و ان يقتضي عدم حصول البيع الا بعد فعلية الإجازة أو بعد تملك المال حيث ان المشروط لا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 430

..........

______________________________

فعليا الا بحصول شرطه و مع فعلية البيع كما ذكرنا لا يكون فيه غرر اى جهالة في وصول المال إلى المشترى و يحصل القدرة على التسليم لأن القدرة المعتبرة هي القدرة عند تمام البيع و في ظرف لزوم الوفاء بالعقد الا ان مع ذلك يحكم ببطلان البيع في الصورتين أخذا بإطلاق ما دل على اعتبار إنشاء البيع بعد الشراء و التملك كما هو ظاهر صحيحتي محمد بن مسلم و منصور بن حازم المتقدمتين فان مقتضاهما ان البيع لا يقع لبائعه إلا إذا كان إنشائه بعد تملك المال.

و بتعبير آخر كون البائع مالكا شرط في إنشاء البيع و وقوعه له.

هذا مع ان البيع موقوفا على تملك بايعه أو إجازته بعد تملكه من التعليق المبطل للمعاملة.

لا يقال قد تقدم سابقا انه لا مانع من تعليق المعاملة على ما يتوقف عليه صحتها فإنه يقال نعم و لكن قد ذكرنا في المسألة ان تملك البائع ما باعه و اجازة بيعه بعده لا يصحح البيع السابق فلا يكون تعليق البيع على أحدهما موجبا لخروجه عن التعليق المبطل.

و يشير الى ما ذكرنا مثل صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل قال ان تزوجت فلانة فهي طالق و ان اشتريت فلانا فهو حر و ان اشتريت هذا الثوب فهو للمساكين فقال ليس بشي ء لا يطلق الا بعد ما يملك و لا يعتق الا بعد ما يملك و لا يصدق الا بعد ما يملك «1» حيث ان

ظاهرها اعتبار وقوع الإنشاء حال فعلية الملك.

ثم انه بقي في المقام انه كيف يمكن للبائع بيع المال عن نفسه منجزا و

______________________________

(1) الوسائل الجزء (15) الباب (12) من أبواب مقدمات الطلاق الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 431

و لو باع عن المالك فاتفق انتقاله إلى البائع (1).

______________________________

كيف تتم المعاملة كذلك مع بناء المشترى و البائع ان المبيع ملك للغير و لا يجرى هنا ما ذكر في بيع الغاصب سابقا لان بيع الغاصب كان مبنيا على تملك المال قبل بيعه و لو عدوانا بخلاف المقام حيث ان المشترى في المسألة يتملك المال من بايعه مع بنائهما انه ملك الغير و لذا يكون بعد بيعه بصدد شراء ذلك المال من مالكه ليسلمه إلى المشترى.

و يمكن الجواب عن ذلك بأنه لا مانع عن تمليك المال بإزاء الثمن باعتبار البائع نفسه مالكا لذلك المال عند بيعه لا عدوانا بل باعتبار أن عليه تحصيل ذلك المال و تسليمه الى المشتري نظير ما إذا باع المشترى المبيع من ثالث زمان خيار البائع ثم فسخ البائع البيع حيث يعتبر بالفسخ كون البائع مالكا للمبيع مع انه ملك للثالث و كما ان الاعتبار من جهة رجوع البائع ببدله إلى المشتري كذلك اعتبار البائع في المقام مالكا باعتبار ان عليه تخليص ذلك المال و تسليمه الى المشتري.

(1) لا يبعد انصراف اخبار لا تبع ما ليس عندك عن بيع المال لمالكه فاتفق انتقاله إلى البائع و أجاز لأنها ناظرة الى عدم وقوع البيع عن البائع الذي قصد البيع عن نفسه الا ان المذكور في صحيحة محمد بن مسلم ليس به بأس و قوله عليه السّلام انما يشتريه بعد ما يملك يعمه

فان ظاهره اعتبار وقوع إنشاء البيع بعد تملك المال و في الفرض المزبور لم ينشأ البيع بعد تملكه.

و الحاصل ان دعوى خروج الفرض عن مورد الاخبار كدعوى خروج الفرضين المتقدمين بلا وجه نعم دعوى بطلان الإجازة في الفرض لا لما ذكرنا بل لأن الإجازة لا متعلق لها في الفرض لان البيع السابق المنشأ يكون عن المالك الأصلي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 432

و لو باع لثالث معتقدا لتملكه (1).

______________________________

و لا معنى لإجازته بعد خروج المال عن ملكه و البيع عن البائع المجيز غير منشأ لا يمكن المساعدة عليها لما تقدم سابقا من ان البيع عبارة عن تمليك المال بالعوض و اما تعيين مالك المثمن أو الثمن فلا يدخل في حقيقة البيع و مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك من يخرج عن ملكه المعوض و اسناد الغاصب البيع لنفسه و قصده تملك الثمن كان باعتبار بنائه على انه مالك المثمن فلا ينافي إنشاء المعاوضة و قصدها.

و فيما نحن فيه أيضا حقيقة البيع عبارة عن تمليك العين بعوض و حيث ان المثمن حال إنشاء البيع كان لمالكه الأصلي فقصد دخول الثمن في ملكه لا ينافي إنشاء المعاوضة بل يلائمها ثم إذا انتقل ذلك المال إلى البائع فبعد تملكه و أجازته البيع لا يختلف الإجازة عن العقد المجاز.

(1) يعني إذا باع البائع المال عن ثالث اعتقادا بأنه مالكه حال البيع أو عدوانا كما إذا كان ذلك الثالث غاصبا لذلك المال و أجاز هذا البيع مالكه الواقعي حال العقد فلا ينبغي الإشكال في صحته لان الفرض داخل في مسألة بيع الفضولي المعروف و اما إذا اتفق انتقال ذلك المال الى الثالث الذي بيع عنه أو

الى نفس البائع و أجاز ذلك الثالث أو البائع فالظاهر ان هذا يدخل في مسئلة من باع شيئا ثم ملك و أجاز فيحكم بفساده.

و وجه دخوله فيها انه فد استفيد من الاخبار المتقدمة فيها ان اجازة المالك الجديد لا يصحح العقد المنشأ حال عدم ملكه المال فتدبر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 433

ثم انه قد ظهر مما ذكرنا في مسئلة المذكورة (1).

______________________________

(1) و حاصله انه إذا لم يصح البيع في المسألة السابقة أي فيما إذا باع المال ثم ملكه و أجاز بيعه لم يصح البيع فيما إذا باع المال ثم ملكه بطريق الأولوية لأن المفروض في المسألة الثانية عدم اجازة البيع السابق و عدم رضاه به بعد تملكه المال و يزيد هذه على السابقة في ان مقتضى سلطنة المالك على ماله و عدم حله لغيره الا بطيب نفسه عدم تمام البيع السابق بمجرد تملك المال حيث يكون ظاهر رواية السلطنة و اعتبار طيب نفس المالك في تملك الغير ماله سلطنته و طيب نفسه حال كونه مالكا.

لا يقال مقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم لزوم البيع السابق و تمامه باتفاق انتقال المال إلى بائعه و لذا ذكر في الإيضاح انه بناء على تمام بيع الفضولي و صحته بإجازة المالك يصح بيع البائع لنفسه بمجرد اتفاق ملكه المال الذي باعه قبل ذلك من غير حاجة الى إجازته.

فإنه يقال ان بيعه السابق كان خارجا عن عموم وجوب الوفاء بالعقد فيستصحب الخروج بعد اتفاق ملكه و المقام من موارد استصحاب الخروج لا التمسك بعموم العام حيث ان عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بالإضافة إلى الأزمنة استمراري لا أفرادي و على تقدير الإغماض عن ذلك يكون عموم

وجوب الوفاء بالعقود معارضا بعدم حل المال للغير إلا بطيبة نفس مالكه فيرجع الى أصالة الفساد هذا مع جريان فحوى ما ورد في نكاح العبد بدون اذن مولاه و ان عتقه لا يفيد في صحة النكاح السابق حتى مع رضاء العبد بالنكاح المزبور بعد عتقه الذي بمنزلة كونه مالكا لنفسه بل كان المجدي في تمامه سكوت مولاه بعد اطلاعه على نكاحه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 434

و لو باع وكالة عن المالك (1).

المسألة الثالثة- ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف (2).

______________________________

ثم انه لا يجرى عموم وجوب الوفاء فيما إذا باع المتاع عن المالك أو عن ثالث فاتفق ملك ذلك البائع حيث انه لم يكن العقد في إنشائه مستندا إلى البائع ليقال بشمول وجوب الوفاء له بعد ملكه فالبيع في الفرض مع عدم لحوق الإجازة به من بايعه باطل لان شمول العموم له أشكل من الفرض السابق.

أقول قد تقدم ان خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ظاهره العقود المنتسبة الى الملاك بان يكون استناد العقد الى المالك حال كونه مالكا لا حال كونه أجنبيا فيكون خروج بيع الأجنبي عن العموم المزبور بالتخصص قبل تملكه المال و بعده.

و الحاصل ان المقام ليس من قبيل خروج فرد عن العام بالتخصيص ثم وقع الشك في بقاء خروجه أو ثبوت حكم العام له ثانيا كما لا يخفى.

(1) و لو باع عن المالك وكالة ثم بان انعزاله عن الوكالة حال إنشاء البيع بموت الموكل و نحوه فلا ينبغي الريب في عدم وقوع البيع للبائع سواء أجاز البيع أم لا لأن البائع أجنبي عن المال نعم يقع البيع للوارث مع أجازته حيث ان الفرض بالإضافة إلى الوارث يدخل في مسألة

بيع الفضولي المعروف و التقييد بالانعزال باعتبار ان مع عزله و ظهوره بعد البيع يقع البيع للموكل حيث دلت الرواية على ان بيع الوكيل قبل عزله اليه نافذ على الموكل.

(2) كان المفروض في المسئلة الاولى كون المجيز مالكا حال العقد و لكن مع الحجر عليه لسفه أو رهن المال و في المسألة الثانية عدم كون المجيز مالكا حال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 435

..........

______________________________

العقد مع تجدد ملكه بعده و في المسألة الثالثة أي هذه المسألة يكون المفروض ملك البائع و عدم الحجر عليه أو ولايته و لكن مع الاعتقاد بالخلاف بان يعتقد بان المال ليس له بل لغيره أو انه لا ولاية له على مالك المال.

و يقع الكلام في هذه المسألة في صور أربع الأولى- ما إذا باع المال عن مالكه باعتقاد انه لا ولاية له على مالك المال فظهر كونه وليا و المراد بالولاية ما تعم الولاية الشرعية و الوكالة كما إذا باع الجد مال الطفل باعتقاد عدم ولايته عليه أو باع مال الغير جاهلا بكونه وكيلا أو مأذونا عن قبله في بيعه و ينبغي القول بصحة المعاملة في الفرض و تمامها بلا حاجة الى لحوق الإجازة بها و الوجه في ذلك ان تمام العقد من الولي يتوقف على استناده اليه و رضاه به و المفروض حصولهما حيث ان العقد كان بإنشائه و رضاه بانتقال مال الطفل الى الغير بالعوض و كذا إذا كان العاقد مأذونا واقعا أو وكيلا فإنه يكفي في استناد معاملة المأذون أو الوكيل الى المالك أو موكله إظهاره رضاه بالمعاملة سواء كان ذلك الإظهار عند المأذون أو عند الآخرين أو كان إظهاره بنحو يصل الى المأذون

أو السائرين بعد المعاملة أو لم يكن إظهار المالك الا عند نفسه و لذا لو كان العاقد على مال الغير في مكان يراه مالك المال و كتب المالك عند المعاملة أو قبلها في ورقة رضاه بتلك المعاملة و لم يعلم العاقد أو سائر الناس ما كتبه الا بعد المعاملة صح استناد تلك المعاملة إلى المالك.

و بتعبير آخر إظهار المالك رضاه بمعاملة الغير قبل إنشائها أو حينه يوجب خروج تلك المعاملة عن الفضولية.

و عن السيد اليزدي (ره) انه يحتاج العقد المفروض في المقام إلى إجازة العاقد في موردين أحدهما ما إذا كان إظهار المالك رضاه ببيع الآخر عند نفسه فقط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 436

..........

______________________________

فان هذا الرضا لا يصحح استناد البيع الصادر عن الغير اليه حيث لا فرق بين البيع المزبور و بين البيع الصادر عن الأجنبي المقارن لطيب نفس المالك واقعا و قد تقدم عدم خروج العقد بمجرد ذلك عن الفضولية.

و ثانيهما ما إذا باع مال المولى عليه باعتقاد عدم الولاية ثم ظهرت ولايته على المال و الوجه في الحاجة الى الإجازة عدم رضاء الولي بتمليك المال بما هو ولى و يعتبر في نفوذ التصرف في مال المولى عليه اذن الولي و رضاه بما هو ولى و لذا لو كان ملتفتا إلى انه ولى فربما لا يرضى بالبيع المزبور و يختار فردا آخر من المعاملة و هذا كاشف عن عدم رضاه بها بما هو ولي.

أقول لا يبعد اعتبار الإجازة في المورد الأول فإنه لا ينبغي الريب في اعتبار استناد البيع الصادر عن الأجنبي إلى مالك المال بالإذن أو الإجازة و قد ذكرنا مرارا ان كلا من الاذن و الإجازة من

الأمور الإنشائية و يكون الإبراز مقوما لهما و مجرد إظهار المالك عند نفسه رضاه بالمعاملة التي يصدر عن الغير أو صدرت عنه لا يكون إذنا أو اجازة بل لا بد من كون الإظهار بحيث يصل الى الغير سواء كان ذلك الغير هو العاقد أو غيره و بتعبير آخر لا يكون في الحقيقة إظهار فيما إذا كان الإبراز بحيث لا يصل الى الغير و لا يبعد ان يكون المحكي عن القاضي في المقام يرجع الى ما ذكر.

و اما المورد الثاني فلا يحتاج العقد فيه الى الإجازة فإن استناد البيع إلى الولي حاصل بمباشرته لإنشاء العقد و لا فرق بين رضا الولي بذلك العقد و بين رضا الأجنبي به الا في نفوذ رضا الأول و عدم الأثر لرضا الثاني و احتمال دخالة رضا الولي بالمعاملة مع التفاته بأنه ولي مدفوع ببعض الإطلاقات الواردة في نفوذ نكاح الأب و الجد و يتعدى الى مثل بيعهما باعتبار عدم احتمال الفرق في ذلك بين المعاملات.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 437

الثانية ان يبيع لنفسه و انكشف كونه وليا (1).

______________________________

(1) و اما الصورة الثانية فهي ما إذا باع الولي أو المأذون لنفسه مع غفلته عن كونه وليا أو مأذونا و قصده البيع لنفسه يكون ببنائه على تملك المال عدوانا أو اشتباها و على كل تقدير يصح البيع للمولى عليه من غير حاجة الى الإجازة فإن الحاجة إلى الإجازة اما لتصحيح استناد البيع إلى الولي أو المالك أو باعتبار دخالة رضاهما في انتقال المال بالعوض و المفروض حصول الاستناد بمباشرة العقد أو الاذن و كذا الرضا.

و اما قصده البيع لنفسه بان يتملك الثمن بإزاء المبيع اشتباها أو عدوانا فقد

تقدم في تصحيح بيع الغاصب للمالك مع إجازته انه لا اثر للقصد المزبور و غير داخل في حقيقة البيع.

لا يقال لا يصح البيع المفروض في المقام للمولى عليه لعدم ولاية العاقد على البيع بهذا النحو كما ان اذن المالك لا يعمه في موارد الوكالة.

فإنه يقال قد تقدم ان قصد المزبور أمر زائد على إنشاء المعاوضة و البيع و المفروض تمام البيع من سائر الجهات التي منها عدم كونه فسادا لمال المولى عليه فلا وجه لبطلانه أو احتياجه إلى الإجازة.

نعم لا يتم ذلك فيما إذا باع الولي لنفسه مال المولى عليه اشتباها فان رضاه بكون المال للمشتري بإزاء الثمن باعتبار كونه مالكا و لم يعلم رضاه بالانتقال على تقدير كون المال للمولى عليه و لذا لا يجوز الأخذ فيما لو اذن الولي للغير في أخذ مال يعتقد انه ملكه و لكن الغير يعلم بان المال ليس للولي و انما يأذن له في أخذه اشتباها و انه على تقدير التفاته يمكن ان لا يرضى بالأخذ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 438

الثالثة ان يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا (1).

______________________________

و بتعبير آخر ما يذكر في الصورة الثالثة في وجه الحاجة الى الإجازة يجري في الفرض أيضا.

(1) الصورة الثالثة ما إذا باع المال عن الغير باعتقاد ان الغير مالكه ثم ظهر ان المالك هو لا الغير و قد يمثل لذلك ما لو باع مال أبيه باعتقاد حياته ثم ظهر انه حال البيع كان ميتا.

و يقع الكلام في هذه الصورة في جهتين: الاولى- في صحة البيع و فساده بمعنى كونه لغوا لا يترتب عليه أي أثر و الثانية- توقف تمامه على اجازة العاقد أو عدم توقفه

عليها.

اما الجهة الأولى فقد قيل ببطلان البيع لوجوه الأول- ان المنشأ هو البيع للغير و هو غير قابل للإجازة و البيع لنفسه لم ينشأ ليلحق به الإجازة.

الثاني ان البيع المزبور وقوعه للبائع يكون على وجه التعليق و تقديره ان مات ابى فقد بعته و التعليق يوجب بطلانه.

و الثالث ان العاقد غير قاصد للبيع فان مع اعتقاده حياة أبيه و انه مالك المال و لم يأذن له في بيعه لا يحصل إنشائه و قصده حقيقة و لكن لا مجال لشي ء مما ذكر فان قصد بيع المال عن الغير لاعتقاد ان الغير مالكه تمليك في الحقيقة عن المالك و ما ذكرنا ثانيا في كون هذا البيع من البيع المعلق ينافي الأمر الأول حيث ان مقتضى التعليق كون المنشأ البيع لنفسه و مقتضى الوجه الأول وقوع البيع لغيره.

و بالجملة يكفي في حصول عنوان البيع أو المبادلة إنشائها و قصد كونها له أو لغيره غير داخل في أصل البيع و المبادلة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 439

..........

______________________________

و بهذا يظهر ما في الوجه الثالث و ان العاقد كالعابث حيث يبيع المال عن الغير مع اعتقاده كون ذلك الغير مالكا من غير كونه مأذونا أو وكيلا عنه و وجه الظهور ان إنشاء المعاوضة و قصدها لا ينافي الاعتقاد بان المالك هو الغير و لم يأذن له في بيع المال كما في البيع فضولا.

و اما الجهة الثانية و ان تمام البيع للعاقد يحتاج إلى إجازته أو انه لازم له بلا حاجة إليها فقد قيل بعدم الحاجة لأن البيع من الأول مستند الى العاقد باعتبار حصوله بإنشائه فلا معنى لإجازة بيع نفسه و لان رضا العاقد بكون المال المعين الخارجي

للمشتري بإزاء الثمن كاف في رضاه بملك ماله للمشتري و ان لم يلتفت الى كونه ماله فان صدور العقد عن المالك اولى و أقوى من اذنه و أجازته.

و ذكر المصنف (ره) ان الأظهر وفاقا لجماعة توقف تمامه على اجازة العاقد بعد التفاته الى كونه مالك المال و ليس الوجه في الاحتياج إلى إجازته ما ذكره في جامع المقاصد حيث قال ان العاقد لم يكن قاصدا لنقل المال إلى المشتري منجزا بل كان قصده هو النقل مع اجازة المالك حيث باع المال عن الغير باعتقاد ان الغير مالكه ثم أورد على نفسه بان قصد العاقد بيع المال كاف في النقل و توضيح الإيراد ان توقف انتقال المال شرعا على اجازة المالك أو بمجرد العقد ليس من مدلول العقد ليعتبر قصده أو يقدح عدم قصده أو قصده معلقا أو منجزا بل الانتقال المزبور حكم شرعي و المنشأ الذي مدلول العقد هو النقل في اعتبار العاقد و هو منجز بل عدم قصده النقل شرعا الا مع حصول الإجازة لا يضر على الكشف حيث يكون النقل على ذلك المسلك قبل حصولها و يمكن ان يكون قصد النقل عند حصولها مضرا على مسلك الكشف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 440

..........

______________________________

بل الوجه في الحاجة الى الإجازة هو ان يخرج تملك المشترى المال بإزاء الثمن عن عنوان الأكل بالباطل و دخوله في عنوان التجارة عن تراض فان رضا العاقد بنقل المال إلى المشترى مع غفلته عن كون المال ملكه لا يوجب كون البيع المزبور تراضيا من المالك.

و بتعبير آخر قصد العاقد بكون المال الخارجي ملكا للمشتري بإزاء الثمن يوجب حصول إنشاء البيع و اما كون ذلك البيع تراضيا معامليا

منه فلا يكون الا مع رضاه بالبيع بعنوان كونه مالك المال و لذا لا يجوز للمأذون التصرف فيما لو اذن المالك فيه باعتقاد ان المال للغير و المأذون يعلم بان المال ليس للغير بل للمبيح و لكن بحيث لو التفت الى ان المال له لا يرضى بتصرفه.

و لو قال ان هذه زوجتي فطلقها و بعد الطلاق ظهر انها كانت زوجة المباشر للطلاق فلا يصح و كذا لو قال هذا عبدي فأعتقه و بعد العتق ظهر انه كان عبدا للمباشر فإنه يحكم ببطلان العتق.

و الحاصل ان في البين أمرين أحدهما إنشاء البيع و حصول عقده و الثاني رضا من يعتبر استناد البيع اليه و إذا أنشأ المالك البيع لنفسه أو لغيره يحصل إنشاء البيع المفروض في المقام و هو تمليك عين خارجية بإزاء الثمن و قصد كونه لنفسه أو لغيره لا اثر له في حصول إنشائه و اما الأمر الثاني و هو اعتبار رضاه ليكون بيعه تجارة عن تراض فيتوقف على رضاه بالبيع المنشأ مع الالتفات الى كونه مالك المال و مجرد رضاه بكون تلك العين بإزاء الثمن مع الاعتقاد بان المال للغير و ان رضاه بالبيع المزبور من رضا الأجنبي فلا يفيد في انتساب البيع اليه بمعنى كونه تجارة عن تراض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 441

ان هذا الحق للمالك من باب الإجازة لا من باب خيار الفسخ (1).

______________________________

و بتعبير آخر اعتقاد العاقد ان المال للغير و قصده البيع عن المالك بالإضافة إلى البيع لا تكون جهة تقييدية لما ذكرنا من ان قصد كونه لنفسه أو لغيره خارج عن حقيقة إنشاء البيع و اما بالإضافة إلى رضاه بانتقال المال الى الطرف بإزاء

الثمن جهة تقييدية حيث لم يرض بانتقال المال منه الى الآخر بإزاء الثمن المزبور بل إنما رضي بانتقاله إلى الآخر من ناحية الغير نعم لو أجاز العاقد البيع بعد التفاته الى كونه مالك المال يتم البيع و يصير تراضيا معامليا له.

و بهذا يظهر ان الإجازة انما تفيد في العقود حيث تجري الفضولية فيها و اما في الإيقاعات نظير ما أعتق عبدا باعتقاد أنه عبد الغير ثم بان أنه عبده فيحكم ببطلان العتق لعدم جريان الفضولية في الإيقاعات و ايضا يظهر أنه لا تهافت في كلام من حكم في المسألة بتوقف البيع على اجازة العاقد بعد التفاته الى كونه مالك المال و بين حكمه ببطلان العتق المزبور و انما يكون التهافت ممن حكم في مسألة البيع بلزومه و عدم حاجته إلى الإجازة و في مسألة العتق بالبطلان حيث ان مقتضى الحكم بلزوم البيع كفاية الرضا به و لو مع عدم الالتفات الى كونه مالك المال و مقتضى الحكم ببطلان العتق عدم كفاية الرضا المزبور.

(1) يعنى كما ان الإجازة في عقد الفضولي مصححة للعقد بحيث يتم بها استناده الى المالك و يكون تراضيا معامليا له كذلك استناد العقد في المقام الى المالك و رضاه المعتبر بمدلوله يحصل بها فيكون العقد متزلزلا حدوثا بخلاف موارد الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 442

..........

______________________________

التي يكون البيع فيها تاما حدوثا و متزلزلا بقاء و بتعبير آخر ثبوت الخيار الذي في حقيقته ملك فسخ العقد و ازالة بقائه فرع حدوث البيع بان يكون إنشائه و استناده الى من يعتبر استناده اليه و رضاه بمدلوله مفروغا عنه و يثبت الخيار لتضرر أحد المتعاملين باعتبار خصوصيته في أحد العوضين ككونه

معيوبا أو فيه غبن فيكون الضرر في لزوم البيع.

و هذا بخلاف البيع في المسألة فإنه في حدوثه غير تام لتوقف حدوثه على رضا المالك بالبيع مع التفاته الى كونه مالكا للمال.

و الحاصل أنه لا وجه لما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره) من ان البيع في هذه الصورة كبيع المتعلق به الخيار متزلزل بقاء فان الضرر في المقام كالضرر في إجازة بيع الفضولي المعروف يكون في أصل انتقال المال عن مالكه اما لجهله بأصل الانتقال كما في بيع الفضولي المعروف أو لجهله بكون المال له كما في مفروض الكلام.

أقول الضرر هو النقص في المال أو في غيره من العرض و النفس و نحوهما و هو يحصل في موارد الغبن أو العيب بأصل البيع حيث يخرج به ماله عن ملكه بعوض معيوب أو بالأقل كما إذا باع المتاع بأقل من ثمن المثل أو اشترى المال بأكثر منه و لو جرت قاعدة اللاضرر في تلك الموارد تكون مفادها فساد العقد لا انتفاء لزومه و لكن الصحيح انه لا مجرى للقاعدة في موارد ثبوت الخيار كما لا مجرى لها في البيع المفروض في المقام و لا في البيع في مسألة بيع الفضولي المعروف لما ذكرنا من ان عدم تمام البيع في المقام و في مسألة بيع الفضولي باعتبار عدم استناد المعاملة الى من يعتبر استنادها اليه بحيث تكون تراضيا معامليا له و في مورد الغبن و العيب باعتبار اشتراط السلامة أو عدم النقص في المالية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 443

ثم ان الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة (1)

______________________________

في ناحية العوضين و مرجع الاشتراط كما تقدم الى جعل الخيار في صورة التخلف و حيث

لا امتنان في رفع الحكم عن البيع المجعول فيه الخيار فلا تجري فيه قاعدة نفى الضرر لعدم ثقل على المكلف في وضع البيع المزبور و إمضائه كما لا يخفى.

(1) يعنى لو قيل ببطلان بيع الفضولي و عدم تمامه بإجازة المالك فلا يكون ذلك ملازما للقول بالبطلان و عدم تمام العقد بإجازة العاقد فيما إذا باع ماله عن الغير باعتقاد ان المال له.

و الوجه في عدم الملازمة ان العمدة في وجه القول ببطلان بيع الفضولي النهي الوارد عن بيع ما ليس عنده و هذا لا يجري في المقام حيث ان المفروض فيه اجراء المالك البيع على ماله.

نعم لو بنى بطلان بيع الفضولي على حكم العقل بقبح التصرف في مال الغير يتعين البطلان في الفرض أيضا لأن قبح التصرف لا يختص بصورة كون المال للغير واقعا بل يعم مورد التجري أيضا.

أقول لا مجال لمثل المصنف ره ممن لا يرى في التجري قبحا فعليا بل يلتزم فيه بالقبح الفاعلي فقط دعوى التعميم المزبور و لكن لو بنى الحكم ببطلان بيع الفضولي على اعتبار مقارنة طيب نفس المالك لإنشاء العقد كان اللازم الحكم بالبطلان في الفرض ايضا باعتبار ان اللازم حصول طيب نفس المالك مقارنا للإنشاء بما هو مالك و هذا غير حاصل في المقام أيضا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 444

[شرائط العقد المجاز]

و في عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة (1) يشترط كونه جامعا لجميع الشروط (2)

______________________________

(1) الظاهر عدم توقف تمام البيع في الصورة الرابعة على الإجازة لأن الحاجة إليها اما لتصحيح استناد البيع الى المالك أو لرعاية رضاه بملكية المال للطرف بإزاء الثمن بما هو مالك و المفروض حصول كلا الأمرين في الفرض

كما هو مقتضى بيع المالك المال لنفسه و لو باعتقاد انه عدوان على الغير كما لا يخفى.

(2) إذا باع الفضولي صبرة من الحنطة من زيد بمأة دينار و زيد يعلم كيل الصبرة و لكن لا يعلمه البائع و فرض ظهور مقدار الصبرة وكيلها لمالكها فأجاز البيع المزبور فظاهر ما ذكر المصنف (ره) في هذا الأمر عدم تمام البيع المزبور و ذلك فإن الإجازة تكون مفيدة في بيع يكون ذلك البيع تاما حين إنشائه من غير جهة الإجازة و لا يكون البيع في الفرض كذلك باعتبار جهالة كيلها و عدم تعينه حال البيع لغير المشترى.

و بتعبير آخر يجب حصول الشرائط المعتبرة في المتعاقدين لكل من الأصيل و البائع فضولا ليعتبر إنشائهما و كذا سائر الشرائط في نفوذ البيع و صحته يعتبر حصولها حال إنشاء البيع حيث ان ظاهر دليل اعتبارها حصولها في إنشاء البيع و أدلة اعتبار اجازة المالك مقتضية لتمام البيع فيما إذا كان تاما عند إنشائه من غير جهة رضاه و اذنه و كما لا يكفى حصول تلك الشرائط بعد الإيجاب و قبل القبول في سائر البيوع كما إذا باع المالك متاعا مجهولا جنسه أو قدره للمشتري و لكن ظهر المتاع جنسا و قدرا للمشتري قبل قبوله كذلك في المقام.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 445

..........

______________________________

بل لو قيل بالصحة في المثال باعتبار ان العلم بالمبيع قبل القبول علم بحال المبيع قبل تمام إنشاء البيع فلا يمكن القول بالصحة في المقام حيث ان الإجازة لا تكون جزء البيع ليكون حصول الشرط قبلها من حصول الشرط قبل تمام البيع بل البيع كما تقدم في أول الكتاب هو الحاصل بالإيجاب و القبول فلا تكون

الإجازة مقومة لعنوان البيع عرفا و لو أطلق عليها الجزء فهو باعتبار كونها مقومة لعنوان البيع المؤثر أي البيع المنتسب الى المالك.

و الحاصل لا يكفي في صحة بيع الفضولي و تمامه بالإجازة حصول الشرائط من زمان البيع بالإضافة إلى الأصيل على الكشف فقط بان لا يعتبر حصولها على النقل بالإضافة إليه أيضا بل المعتبر حصولها مطلقا أي بالإضافة إلى الأصيل و البائع من زمان العقد و لو على مسلك النقل حيث ان مقتضى ما تقدم ان كل مورد يتم العقد بالاذن السابق يتم بالإجازة أيضا و اما إذا لم يكن الاذن السابق مفيدا كما في نقص العقد من جهة سائر الشرائط فلا يفيده الإجازة اللاحقة.

نعم لو كان الدليل على الاشتراط مقتضاه حصول ذلك الشي ء في ترتب الأثر الشرعي على البيع من غير ظهور في اعتبار حصول ذلك الشرط من حين إنشاء البيع كالقدرة على التسليم حيث ان اعتبارها لأجل ان لا يكون البيع غرريا كما تقدم سابقا فيكفي أن يحرز عند العقد حصولها في ظرف استحقاق التسليم و كذا في إسلام مشتري المصحف أو العبد المسلم حيث ان انتقالهما الى الكافر مناف لعلوم الإسلام و ذل الكفر و مجرد إنشاء الملكية حال كفر المشترى مع إسلامه حين تمام البيع لا يكون علوا للكفر على الإسلام كما لا يخفى.

لا يقال العلم بالعوضين و مقدارهما يعتبر في صحة البيع و لكن المعتبر علم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 446

الثاني هل يشترط في المجاز كونه معلوما بالتفصيل (1) و لذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق (2).

______________________________

المتبايعين لا الأجنبي و استناد البيع الى المالك يكون بإجازته و على ذلك فاللازم اعتبار علم المالك بمقدار

المبيع و الثمن و لو من زمان إنشاء البيع لا العاقد الفضولي فإنه من الأجنبي بالإضافة إلى البيع المزبور كما هو ظاهر المصنف (ره) في الأمر الثاني.

فإنه يقال الإجازة بمنزلة الإذن التفويضي في اعتبار العرف و العاقد فضولا و ان كان أجنبيا عن المال الا ان مع اجازة المالك يعتبر العاقد منزلة المأذون المفوض لا مجرد المأذون في إجراء الإيجاب و القبول و في مثل ذلك يعتبر علم المأذون بمقدار العوضين لا المالك كما يأتي.

(1) بأن يكون العوضان معلومين للمجيز تفصيلا و إذا كان عقد الفضولي بيعا يعتبر علم المجيز بذلك البيع و إذا كان صلحا يعتبر علمه و تعيين الصلح له.

و لا يخفى أن عد ذلك من شرائط صحة الإجازة أولى من عده من شرائط العقد المجاز.

(2) هذا استشهاد لكون الإجازة في معنى العقد و وجهه ان شمول دليل وجوب الوفاء بالعقد للمالك يكون بعد أجازته و شموله بعدها و عدم شموله قبلها كاشف عن كون الإجازة بمنزلة العقد.

و لكن لا يخفى ما في الاستشهاد و ذلك فان المجيز و ان يضاف العقد بعد إجازته إليه فيعمه ما دل على وجوب الوفاء على المتعاقدين الا ان نسبة العقد اليه بعد أجازته ليست من جهة كون أجازته عقدا أو منزلته لئلا تقبل التعليق أو عدم التعيين بل بإجازته

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 447

الثالث- المجاز اما العقد (1).

______________________________

يستند العقد العقد الصادر سابقا اليه كاستناده اليه بالاذن فالذي لا يقبل التعليق أو عدم التعيين هو العقد الصادر سابقا و اما أجازته فليست من العقود.

و بتعبير آخر الإجازة اللاحقة لا تزيد على الاذن السابق و كما ان المالك بمجرد اذنه للغير في بيع

ماله لا يكون بايعا و لا يعمه ما دل على لزوم البيع و وجوب الوفاء به بل الاذن يوجب استناد البيع الصادر عن المأذون اليه و ذلك البيع الصادر لا يقبل التعليق أو الجهالة كذلك الحال في الإجازة اللاحقة.

لا يقال لو لم تكن الإجازة في العقود فلا ريب في أنها إيقاع و التعليق في الإيقاعات أيضا يوجب بطلانها.

فإنه يقال مضافا الى عدم تمام الإجماع على بطلان كل إيقاع بالتعليق بل مورده هي الإيقاعات التي لها عناوين خاصة كالطلاق و العتق و نحوهما ان الإجماع المزبور على تقديره مقتضاه علم المجيز بوقوع العقد لا اعتبار علمه بتعيين العوضين أو نوع العقد فإن الإجازة يصحح استناد العقد الى المجيز كالاذن و يكفى فيه الإجازة مطلقا و بنحو العموم و قد تقدم ان الإجازة ليست بمنزلة الاذن في مجرد إنشاء العقد بان يكون المأذون نظير الإله في إنشاء العقد بل بمنزلة الإذن التفويضي بحيث تكون المساومة و المناقشة في تعيين الثمن و المثمن بعهدة المأذون و في مثله يعتبر علم المأذون بمقدار الثمن و المثمن و لا يعتبر علم المالك.

(1) المجاز اما العقد الواقع على نفس مال الغير و اما العقد الواقع على عوضه و المراد بالعوض الأعم من العوض الاولى لمال المالك أو العوض لعوضه و قوله (ره) على كل منهما اى على كل تقدير يكون المجاز أول عقد وقع على المال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 448

..........

______________________________

الأصلي للمالك أو على عوضه أو يكون المجاز آخر العقد المتعلق بأحدهما أو يكون عقدا بين سابق و لاحق واقعين على مورده اى على المال الأصلي للمالك أو على بدله أو بالاختلاف بان يقع السابق على

العقد المجاز على عين ذلك المال و اللاحق على بدله أو بالعكس و يجمع الكل اى كل فروض العقد المجاز بيوع ثمانية ثلاثة منها واقعة على عين مال المالك المجيز المفروض كونه عبدا (1) بيع العبد بفرس (2) بيع العبد بكتاب (3) بيع العبد بدينار و اثنان منها واقعا على عوض مال المالك اى على عوضه الاولى و هما (4) بيع الفرس بدرهم (5) و بيع الدينار بجارية و ثلاثة منها واقعة على بدل بدل المالك و هي (6) بيع الدرهم برغيف (7) و بيع الدرهم بحمار (8) و بيع الرغيف بعسل و إذا أجاز مالك العبد العقد الواقع على العبد بكتاب تكون أجازته ملزمة له و لما بعده فيما وقع على مورده اى فيما وقع اللاحق على عين المال الأصلي للمالك و هو بيع العبد بدينار و هذا بناء على الكشف ظاهر.

و اما بناء على النقل فيبني على ما تقدم من اعتبار ملك المجيز حين العقد و عدمه يعنى بناء على النقل تكون صحة العقد اللاحق مبتنيا على عدم اشتراط ملك المجيز حال العقد فان المجيز له و هو بايع العبد بالدينار لم يمكن مالكا للعبد حال بيعه على هذا المسلك و هي فسخ بالنسبة الى ما قبله يعنى إجازة بيع العبد بالكتاب فسخ بالإضافة الى ما قبل هذا البيع و هو بيع العبد بفرس سواء على الكشف أو النقل فان البيع الأول لا يصح بالإضافة إلى مالك العبد اى مالكه الأول.

و اما صحة ذلك البيع الأول بالإضافة الى من ملك العبد بإجازة مالكه الأول فمبني على عدم اشتراط كون المجيز مالكا حال العقد و المالك الجديد هو المشترى

إرشاد الطالب إلى التعليق على

المكاسب، ج 2، ص: 449

و اما العقود الواقعة على عوض مال المجيز (1).

و اما إجازة العقد الواقع على العوض (2).

______________________________

الثالث للعبد على الكشف بلا كلام و هو أو المشتري الثاني على النقل و اجازة كل منهما العقد الأول أي بيع العبد بفرس داخل في مسألة من باع ثم ملك و أجاز كما لا يخفى.

(1) قد تقدم ان العقود الواقعة على عوض مال الغير خمسة اثنان منها واقعان على عوضه الابتدائي و هما بيع الفرس بالدرهم و بيع الدينار بالجارية حيث ان كلا من الفرس و الدينار عوض في البيوع الجارية على نفس العبد و ثلاثة منها جارية على عوض مال الغير اى على عوض عوض العبد و هي بيع الدرهم برغيف و بيع الدرهم بحمار و بيع الرغيف بعسل فالأول من هذه البيوع و هو بيع الفرس بالدرهم يتوقف تمامه و صحته على اجازة المالك الأصلي للفرس.

و قوله (ره) و اما العقود الواقعة على عوض مال المجيز من تتمة فرض اجازة المالك بيع عبده بالكتاب فان مع أجازته تكون صحة بيع الفرس بالدرهم موقوفا على اجازة المالك الأصلي للفرس و بدونها لا تصح و اللاحق و هو بيع الدينار بالجارية يكون صحيحا بمجرد اجازة مالك العبد هذا البيع يعنى بيع العبد بالكتاب فإنه بناء على اعتبار أجازته يكون بيع العبد بالدينار و بيع الدينار بالجارية كلاهما صحيحا.

(2) يعني إجازة مالك العبد العقد الواقع على العوض لعوض العبد يعنى بيع الدرهم برغيف صحتها و نفوذها موقوفة على دخول الدرهم في ملك المالك الأصلي للعبد و دخوله في ملكه موقوف على أجازته بيع الفرس بالدرهم و بيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 450

و

ان وقعت من شخص واحد انعكس الأمر (1).

______________________________

عبده بالفرس و لذا قال (ره) فهي ملزمة للعقود السابقة عليه سواء وقعت تلك العقود على نفس مال المالك اعنى بيع العبد بالفرس أو على عوضه و هو بيع الفرس بالدرهم كما أنها ملزمة للعقود اللاحقة على تقدير جريان اللاحق على المعوض اى على المعوض في بيع الدرهم برغيف و هو بيع الدرهم بالحمار فإن الإجازة المزبور تكون كاشفة عن دخول الدرهم في ملك صاحب الرغيف فيتم له بيع ذلك الدرهم بالحمار.

و اما العقد اللاحق الجاري على العوض في ذلك العقد المجاز اى بيع الرغيف بالعسل فصحته موقوفة على اجازة المجيز له مستقلا و هذا هو المراد من قوله (ره) و اما الواقعة على هذا البدل المجاز اى بيع الرغيف بالعسل فحكمها حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداء.

(1) يعنى لو وقع البيوع المتعددة من شخص واحد بان يقع العوض في كل بيع معوضا في بيعه الآخر كما فرضنا ان البائع فضولا باع العبد المفروض كونه للغير بالفرس أولا و باع الفرس بالدرهم ثانيا و باع الدرهم بالرغيف ثالثا و باع الرغيف بالعسل رابعا فان اجازة أي من البيوع الأربعة تكون اجازة له و لما قبله لا البيع الذي بعده و هذا هو المراد من ترامى الأثمان بأن يقع الثمن في كل بيع مثمنا في بيعه الآخر الصادر عن واحد كما في المثال.

و قد يقال انه كيف يجوز للمالك اجازة العقد الجاري على بدل ماله و كيف تكون أجازته ملزمة للعقود الجارية على عين ماله أو بدله فان بيع الدرهم بالرغيف مثلا أجنبي عن مالك العبد فكيف يجوز له أجازته بل يتعين اجازة بيع العبد بالفرس

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 451

..........

______________________________

أولا ثم اجازة بيع الفرس بالدرهم ثم اجازة بيع الدرهم بالرغيف و دعوى ان اجازة بيع الدرهم بالرغيف مستلزمة لإجازة البيوع السابقة أو انها بنفسها اجازة للعقود السابقة فاسدة فإن المفروض ان الإجازة تعلقت ببيع الدرهم بالرغيف و لو كانت هذه اجازة للعقد لسابق لصح السابق دون اللاحق.

و اما الاستلزام فالأمر في دعواه أفسد لأن إجازة بيع الدرهم بالرغيف فعل اختياري له مباد و اجازة بيع العبد بالفرس فعل اختياري آخر يكون له مباد و لا يعقل ان يكون أحد الفعلين الاختياريين مستلزما لفعل اختياري آخر نعم اجازة اللاحق تكشف عن الرضا بالعقد السابق عليه و لكن الرضا لا يكفي في إجازة العقد كما تقدم.

أقول يرد عليه النقض ببيع ذي الخيار و الواهب فإنهم ذكروا ان بيع ذي الخيار المال المنتقل عنه فسخ للبيع السابق و كذا بيع الواهب المال الموهوب رجوع في الهبة مع ان كلا من البيع و الفسخ و الرجوع كالإجازة فعل اختياري و حله انه يمكن ان ارادة أحد الفعلين موجبا لانقداح ارادة الفعل الآخر كما في إرادة ذي المقدمة بالإضافة إلى الفعل الآخر الذي مقدمة له و الفسخ و الرجوع مقدمة لبيع ذي الخيار و الواهب كما ان اجازة العقد السابق مقدمة للعقد اللاحق و بما ان كلا من الفسخ و الرجوع و الإجازة كالتمليك من الأمور الإنشائية و يحتاج بعد الاعتبار إلى الإبراز يكون إبراز الأمر الاعتباري الموقوف على الأمر الاعتباري الأول إبرازا للأمر الأول أيضا.

و ايضا ما تقدم من عدم كفاية الرضا في خروج العقد عن الفضولية هو مجرد الرضا الباطني من دون إظهار و في المقام اجازة العقد الجاري على البدل

يكون مبرزا للرضا بالبيوع السابقة أيضا كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 452

فليس مرادهما ان يعقد على الثمن الشخصي (1) ثم ان في شمول الحكم (2) فقال الأول (3)

______________________________

(1) يعني ليس مرادهما ان يعقد اشخاص على الثمن الشخصي بان يشترى الفضولي ثوبا بعشرة دنانير و باع الآخر تلك العشرة بمأة درهم و باع الثالث تلك العشرة بمأتين درهم فان حكم وقوع البيوع المتعددة من اشخاص على الثمن الشخصي المملوك للغير حكم البيوع المتعددة من أشخاص الواقعة على المفروض كونه للغير في ان اجازة السابق من البيوع يكون موجبا لصحة اللاحق على الكشف.

(2) يعنى ما تقدم من أن للمالك إجازة أي من العقود الجارية على عين ماله أو بدله فيه اشكال فيما إذا دفع المشترى الثمن إلى البائع فضولا مع علمه بالحال.

أقول لو تم الاشكال لكان مقتضاه عدم صحة اجازة المالك العقد الواقع على عوض ماله مع دفع العوض المزبور إلى البائع فضولا مع العلم بالحال و كذا لا يصح اجازة العقد الجاري على عين ماله بذلك العوض و اما العقود الجارية على عين ماله بغير ذلك العوض من الأثمان المختلفة ممن وصلت تلك العين إلى أيديهم فلا بأس بإجازتها.

(3) يعنى قال قطب الدين في توضيح الإشكال الذي أشار إليه العلامة في قواعده أن المشترى العالم بالحال يكون دفعه الثمن إلى البائع الغاصب تسليطا له على الثمن و لو تلف ذلك الثمن في يد البائع المزبور لا يكون للمشتري الرجوع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 453

قال في محكي الحواشي ان المشترى مع علمه بالغصب (1)

______________________________

اليه لعدم الضمان في مورد تسليط الغير على ماله مجانا و في جواز

رجوعه اليه مع بقائه وجهان و على أى حال فلا ينفذ اجازة مالك المبيع في الثمن المزبور فيما إذا تلف بفعل المسلط بالفتح يعنى بفعل البائع فضولا كما إذا دفع هذا البائع ذلك الثمن عوضا لمتاع اشتراه و هذا وجه عدم نفوذ اجازة مالك المبيع في الثمن المزبور.

و اما وجه نفوذها أن الثمن قبل دفعه الى البائع الغاصب قد جعل عوضا للعين المملوكة للغير و عدم اتصاف ذلك الثمن بكونه عوضا لها لأجل عدم صدور البيع عن ذلك الغير و إذا أجاز تكون إجازته بمنزلة صدور البيع عنه فيكون الثمن المزبور عوضا.

أقول ما في كلامه (ره) من ان في رجوع المشترى الى الثمن مع بقائه وجهين ضعيف بل لا ينبغي الإشكال في جواز رجوعه إليه فإن دفعه اليه مع علمه بالحال اما تمليك مجاني أو إباحة مالكية و لا كلام في جواز الرجوع في الهبة المجانية و الإباحة المالكية.

(1) حاصل ما ذكر الشهيد (ره) انه لا يصلح لمالك المبيع اجازة العقد الجاري على الثمن بل لا يصح له اجازة العقد الجاري على المبيع بذلك الثمن و ذلك فان دفع المشترى العالم بالحال ذلك الثمن إلى البائع الغاصب تسليط للغاصب على الثمن المزبور و اذن له في إتلافه و إذا اشترى الغاصب بذلك الثمن متاعا يكون اشترائه إتلافا للثمن على المشترى الأول فيملك الغاصب المتاع الذي اشتراه بذلك الثمن و لا تنفذ اجازة المالك في الثمن لصيرورته ملكا لبائع المتاع قبلها بل لا تنفذ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 454

و يحتمل ان يقال لمالك العين حق تعلق بالثمن (1)

______________________________

إجازته في بيع ماله بذلك الثمن فضولا باعتبار ان الثمن المزبور كان كالمال المأذون

في إتلافه فلا يؤثر فيه الإجازة بعد صيرورته ملكا لآخر و لو نفذ اجازة العقد الجاري على ماله بذلك الثمن يكون المبيع بلا عوض فيكون الإشكال في صحة العقد المترتب على الثمن و في صحة العقد الجاري على المبيع بذلك الثمن.

أقول لا وجه للإشكال أصلا سواء على الكشف أو النقل بل على كل منهما يجوز لمالك المبيع اجازة العقد الجاري على عين ماله أو بدله و ذلك فان دفع المشترى العالم بالحال الثمن إلى البائع فضولا ليس فيه إنشاء آخر ليكون ذلك الإنشاء من الهبة مجانا أو إباحة مالكية بل الدفع المزبور بعنوان الوفاء بالعقد حيث ان الغاصب كما يبيع مال الغير لنفسه بعد البناء على كونه مالكا و هذا البناء مصحح لحصول عنوان البيع كذلك المشترى العالم بالحال يدفع الثمن اليه باعتباره ايضا مالكا للمبيع و بما ان هذا البناء غير ممضى شرعا فلا يجوز للبائع المزبور التصرف في الثمن.

(1) كان مراده انه بناء على مسلك النقل ايضا يحتمل تقديم اجازة المالك لتعلق حقه بالثمن قبل تملك الغاصب الثمن مجانا و هذا الاحتمال كما يذكر المصنف (ره) ضعيف فان تملك الغاصب الثمن غير موقوف على شي ء بخلاف تملك المالك المجيز فإنه موقوف على بقاء ذلك الثمن في ملك المشترى الى حين أجازته و هذا غير حاصل في الفرض.

و أضف الى ذلك انه لا حق للمالك المجيز في الثمن أصلا فان الحق بمعنى الملك غير ثابت و بمعنى غيره غير معهود و قد تقدم أن جواز اجازة المالك من أحكام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 455

[في الرد و أحكامه]
اشارة

فافهم (1) بما هو صريح في الرد (2) لأصالة بقاء اللزوم (3)

______________________________

الملك شرعا لا من

الحق في عقد الفضولي فضلا عن الثمن المقرر فيه.

(1) لعله إشارة الى ان حكمهم بتملك الغاصب الثمن ليس لوجه تعبدي ليؤخذ به في مورد اليقين بل تعليلهم ذلك الحكم بان دفع المشترى الثمن إلى البائع الغاصب مع علمه بالحال تسليط له على ذلك الثمن مقتضاه كونه للتحفظ على قاعدة التسليط.

(2) بل يكفى ما يكون ظاهرا في الرد لان اعتبار الظهور يعم المقام بل يأتي كفاية دلالة الفعل و لا يختص الاعتبار باللفظ.

(3) لا يخفى ان رجوع الوفاء بالعقد بالإضافة إلى الأصيل كما تقدم سابقا غير ثابت ليستصحب و على تقديره فاستصحابه لا يثبت اضافة العقد الى المجيز بإجازته بعد احتمال إلغاء العقد قبلها فإنه من إثبات الموضوع باستصحاب حكمه نظير استصحاب بقاء وجوب الصلاة و إثبات عدم خروج وقتها بل ما نحن فيه من قبيل ما إذا قبل القابل الإيجاب في زمان يحتمل إلغاء الموجب إيجابه بالشبهة الحكمية أو الموضوعية فإن المتيقن في مثله الحكم ببقاء الإيجاب و ضمه الى القبول المحرز بالوجدان و يثبت البيع بذلك فان ترتب البيع المضاف الى المالكين على الإيجاب و القبول شبيه بترتب المسبب الجعلي على السبب حيث يمكن فيه إثبات جزء السبب بالوجدان و الجزء الآخر بالأصل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 456

و كذا يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه (1) و التزويج (2)

______________________________

(1) يعنى يحصل الرد بكل فعل يكون ذلك الفعل مخرجا للمال عن ملك المجيز و الخروج يكون بالنقل و الإتلاف و شبههما كالعتق و النكاح و لكن لا يخفى ان مجرد هذه التصرفات لا تكون ردا للعقد السابق بمعنى إلغائه بل لا يكون معها العقد السابق قابلا للإجازة.

نعم إذا قصد بها

إلغائه تكون ردا كسائر الأفعال المراد بها رده.

و الحاصل عدم قابلية العقد للإجازة بمجرد تلك التصرفات ليس لكونها ردا فعليا للعقد السابق بل انها مخرجة للعقد عن قابلية لحوق الإجازة و لذا لا تبقى معها للإجازة مورد حتى بناء على عدم اشتراط الإجازة بعدم مسبوقيتها للرد كما لا يخفى.

(2) كما إذا زوج غير الولي و الوكيل المرأة من رجل ثم زوجت نفسها من آخر فان مع التزويج الثاني لا يبقى مورد لاجازتها النكاح الأول و الظاهر ان التزويج كالعتق مثال لشبه النقل و الإتلاف و الوجه في عدم بقاء مورد للإجازة معها هو ان مثل هذه التصرفات من المالك صحيحة لوقوعها في زمان كونه مالكا و إذا صحت فلا يبقى مجال لإجازة عقد الفضولي لفوات مورد الإجازة فإن الإجازة تؤثر فيما إذا كان المجيز مالكا للمال لو لا أجازته و المفروض مع التصرفات المزبورة خروج المال عن ملكه قبل أجازته و صيرورته أجنبيا بالإضافة إلى المال المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 457

و اما التصرف الغير المخرج عن الملك (1)

______________________________

و بهذا يظهر نفوذ تلك التصرفات و عدم صحة الإجازة حتى على الكشف الحقيقي فإنه يعتبر عليه ايضا ان يكون المجيز مالكا لو لا أجازته.

و الحاصل ان مع شمول خطابات الصحة و النفوذ للتصرفات المزبورة لا يبقى مورد في العقد السابق لعموم وجوب الوفاء و حل البيع و نحوه كما لا يخفى.

(1) إذا لم يكن تصرف المالك موجبا لخروج المال عن ملكه و لكن تكون صحته منافية لنفوذ الإجازة كان التصرف المزبور كالتصرف الموجب لخروج المال عن ملكه في كونه مفوتا لمورد الإجازة كاستيلاد المالك أمته التي بيعت فضولا أو إجارته الدار التي

بيعت فضولا أو تزويجه أمته التي بيعت فضولا و الوجه في كونها أيضا مفوتة لمورد الإجازة ان نفوذ الإجازة مع صحة تلك التصرفات غير ممكن و إذا فرضت صحة تلك التصرفات باعتبار وقوعها في ملكه فيمتنع وقوع الآخر يعني إجازة العقد فضولا أو ان يكون الآخر يعنى الإجازة تكون مبطلة لتلك التصرفات أو ان تقع الأخر يعنى الإجازة على غير وجهها بان يكون انتقال المبيع إلى المشترى في العقد فضولا بعد انقضاء مدة الإجارة أو انتقاله اليه خاليا عن المنفعة التي وقعت مورد التمليك في الإجارة و حيث ان إبطال الإجازة تلك التصرفات أو وقوع الإجازة على غير نحو الكشف عن انتقال المبيع إلى المشترى من حين العقد غير ممكن فيتعين الأول يعني كون الإجازة فاسدة.

نعم إذا انتفع المالك بماله بالسكنى أو باللبس و نحوهما فلا ينافي ذلك نفوذ الإجازة بنحو الكشف غاية الأمر يثبت على المالك بعد إجازته أجرة المثل للمشتري باعتبار أنه قد فوت عليه المنفعة بسكناه أو لبسه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 458

و دعوى انه لا دليل على اشتراط قابلية التأثير من حين العقد (1).

______________________________

(1) لو تمت هذه الدعوى لكانت نتيجتها صحة الإجازة مع التصرفات التي لا تخرج العين عن ملك مالكها و صحة الإجازة عبارة عن كونها موجبة لانتقال المبيع مثلا إلى المشتري بعد انقضاء مدة الإجارة حتى لو قيل بان مدلول العقد هو النقل من حين العقد و ان الإجازة تتعلق بهذا المدلول و لكن تأثيرها في النقل يكون من زمان كونه قابلا و هو في الفرض زمان انقضاء الإجارة.

و أجاب (ره) عن ذلك بان نفوذ الإجازة على الوجه المذكور بان يكون الانتقال من زمان انقضاء

الإجارة خلاف إجماع أهل الكشف فإنهم يلتزمون بأن الإجازة تكون كاشفة عن حصول النقل و الانتقال من حين العقد فيما كان مجيزه مالكا حال العقد و بما ان المجيز في الفرض مالك حال العقد فلا بد من كون إجازته كاشفة عن النقل و الانتقال من حين العقد و لازم ذلك عدم إمكان الإجازة مع صحة التصرفات المزبورة.

أقول الظاهر التفصيل في المقام و هو انه لا يصح الإجازة بعد استيلاد الأمة المبتاعة فضولا لما تقدم سابقا من ان استناد البيع الى المالك يكون بإجازته سواء على النقل أو الكشف و عليه فاجازة المالك بيع أمته بعد استيلادها بيع لام الولد فلا تصح كما هو مقتضى النهى عن بيع أمهات الأولاد الظاهر في الإرشاد إلى فساد بيعهن.

و اما إجازة بيع الدار بعد إجارتها فلا بأس بها فان الفرض لا يزيد عما إذا آجر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 459

نعم لو قلنا بأن الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي (1).

______________________________

المالك داره سنة مثلا ثم باعها من آخر فإنه يصح الإجارة و البيع معا غاية الأمر مع جهل مشتري الدار بالإجارة يثبت له خيار الفسخ باعتبار ان نقص منفعتها و لو بالإجارة عيب و يثبت هذا الخيار في مفروض الكلام باعتبار حدوث العيب في الدار قبل اجازة بيعها.

و بهذا يظهر الحال في إجازة بيع الأمة التي زوجها سيدها قبل اجازة بيعها و انه يصح البيع و التزويج معا غاية الأمر يثبت لمشتريها خيار الفسخ باعتبار ان التزويج في الأمة عيب.

(1) لا يقال لو صح هذا الكلام بان كانت اجازة المالك كاشفة عن حصول النقل و الانتقال من حين العقد فضولا بحيث يكون استيلاد الأمة بعده واقعا على

غير ملكه لجرى ذلك في القسم الأول من الأفعال أيضا بأن تكون اجازة المالك كاشفة عن حصول النقل و الانتقال من حين العقد فضولا فلا يكون العتق أو النقل و الهبة و التزويج و نحو ذلك نافذة لوقوعها على ملك الغير واقعا.

فإنه يقال فرق بين هذا القسم و التصرفات السابقة فإن مع تلك التصرفات و نفوذها لا يكون المجيز مالكا لتنفذ إجازته فإن من شرط الإجازة وقوعها عن المالك لو لا الإجازة بخلاف مثل الاستيلاد و اجارة البيت أو تزويج الأمة المملوكة فإن مع هذه التصرفات لا ينتفي ملك المالك حتى لا تنفذ أجازته.

ثم ان الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الالتزام بكون الإجازة كاشفة محضا أو كون لحوقها بالعقد شرطا فان الكاشف اجازة المالك لو لا الإجازة كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 460

بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية لملك المشترى من حين العقد (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في نفوذ الإجازة بعد تصرف المالك في ماله تصرفا لا يمنع عن ملك المشترى من حين عقد الفضولي كتعريض المالك المال للبيع بعد وقوع العقد عليه فضولا أو إيقاع البيع الفاسد عليه بعد العقد فضولا.

و ذكر (ره) ان مثل هذه التصرفات فيما كانت مع التفات المالك الى تعلق العقد فضولا بماله تكون ردا و فيما لم يكن ملتفتا الى تعلق العقد بماله فلا رد و يجوز أجازته بعدها و استشهد على كونها مع الالتفات المزبور ردا بوجوه:

الأول- انطباق عنوان الرد الوارد في بعض الروايات عليها مثل ما ورد في تزويج العبد بغير اذن مولاه و في موثقة زرارة ذلك الى مولاه ان شاء فرق بينهما و ان شاء أجاز أو من زوجته

أمه و هو غائب من قوله عليه السّلام و ان شاء قبل و ان شاء ترك.

و لكن أورد (ره) على هذا الوجه بان مدلول الرواية ان للمجيز ترك عقد الفضولي و اما كيفية تركه و أنه إذا تركه يكون كالرد القولي بحيث يخرج المالك المجيز عن كونه أحد طرفي العقد و انه لا ينفعه أجازته بعد ذلك فلا دلالة للرواية عليه.

الوجه الثاني- ان الرد اللفظي كان موجبا لخروج المجيز عن صلاحية كونه أحد طرفي العقد و هذا المانع موجود في الرد الفعلي أيضا بمعنى أنه لا يحتمل الفرق بين الرد فعلا و رد ذلك العقد قولا في الخروج المزبور.

و الوجه الثالث فحوى حصول الفسخ في العقد الخياري بالفعل كوطي البائع الأمة التي باعها بخيار أو بيعها من آخر أو عتقها زمان خياره فان حصول الفسخ بمثل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 461

..........

______________________________

هذه الأفعال باعتبار دلالتها على حل ذي الخيار العقد و إذا اعتبر دلالة الفعل على حل العقد و إزالته التي في الحقيقة رفع لأثر العقد المؤثر بالفعل اعتبرت دلالته على إلغاء العقد المتزلزل من حيث الحدوث.

أقول مجرد التفات المالك الى العقد فضولا لا يوجب كون مثل تعريض ذلك المال للبيع ردا للعقد السابق فضولا لإمكان كون التعريض لاحتمال ان يباع المال بأزيد من الثمن في عقد الفضولي و كان من قصده اجازة ذلك البيع مع عدم وجدان من يشتريه بالأزيد.

و الحاصل أنه لا بد في إنشاء الرد قصده و مجرد الالتفات الى وقوع العقد لا يلازم قصده و الحكم بحصول الفسخ في مثل وطي البائع الأمة التي باعها أو عتقها بعد بيعها حكم ظاهري مستفاد من دليل حمل فعل الغير

على الصحيح و حصول الفسخ واقعا موقوف على قصد البائع و إنشائه بالفعل و هذا الكلام لا يجري في مثل تعريض المال للبيع أو إجراء العقد الفاسد فإنه لا مجال في مثلها لأصالة الصحة فيكون الحكم بالرد بذلك موقوفا على قرينة دالة على قصده إنشاء الرد كما لا يخفى.

هذا كله مع الالتفات الى العقد فضولا و اما مع عدمه فلا يكون مجرد الفعل ردا الا ان يقوم دليل خاص على كون فعل ردا كما في الرجوع في عدة الطلاق و ذلك لما أشرنا إليه مرارا من أن الرد كالإجازة من الإنشائيات و هي لا تحصل بدون القصد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 462

و في حكم ما ذكرنا الوكالة و الوصاية (1) لو لم يجز المالك فان كان المبيع في يده فهو (2)

______________________________

(1) يعنى لا يحصل فسخ الوكالة و الوصاية بمجرد ارادة الفعل المنافي لبقاء عقدهما من دون قصد فسخهما نعم جواز إنشاء فسخهما بالفعل أوضح من جواز فسخ البيع للزوم البيع في نفسه و هما من العقود الجائزة و الأمر في فسخها و إنشائها أهون.

(2) و حاصله انه لا موضوع لرجوع المالك الى غيره مع عدم أجازته العقد فيما إذا كان المبيع بيده و اما مع كونه بيد غيره فله أخذه منه مع بقائه و لو استوفى الغير من منافعه يرجع اليه ببدل تلك المنفعة أيضا كما هو مقتضى قاعدة إتلاف مال الغير بل له الرجوع الى بدل غير المستوفاة على خلاف تقدم في البحث عن أحكام بيع الفاسد هذا مع بقاء المبيع.

و اما مع تلفه فيرجع المالك الى من تلف بيده فيأخذ منه قيمة يوم تلفه على قول و أعلى القيم

من يوم ضمانه الى يوم تلفه على قول آخر و لو كانت الزيادة في يد أحد الشخصين الذين جرى يدهما على المبيع كما إذا نقصت قيمته بعد وقوعه بيد الآخر فيختص الأول بالرجوع اليه بتلك الزيادة باعتبار عدم اشتغال ذمة الآخر بتلك القيمة في زمان حيث لم يجريده على المبيع في زمانها على الفرض.

أقول لا يختص رجوع المالك بمن يكون المبيع بيده كما هو ظاهر (ره) بل له الرجوع الى كل من جرى يده على المبيع و ان تلف في يد غيره كما هو مقتضى ضمان اليد و يكون رجوع المالك إليه بإلزامه بأخذ المبيع من الغير و رده عليه نعم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 463

..........

______________________________

لا يبعد ان لا يكون للمالك الرجوع إليه بأخذ قيمة المبيع منه مع عدم تمكنه على تحصيل المبيع و تمكن المالك على أخذه ممن يكون بيده كما ان للمالك مع تلفه الرجوع الى كل من جرت يده على المبيع غاية الأمر لو رجع الى من تلف بيده فلا يرجع ذلك الى غيره بخلاف ما لو رجع المالك الى غيره فان الغير مع دفع قيمة المبيع الى المالك يرجع الى من تلف في يده فيأخذ قيمته منه و ذلك لما ذكرنا في البحث في أحكام بيع الفاسد من ان الضامن بدفعه البدل يملك التالف فان كان تلف المال بيده فلا موجب لرجوعه الى غيره لانه قد تسلم المبيع سابقا منه.

و اما إذا كان تلفه بيد غيره فان له الرجوع بما ملكه بدفع البدل الى كل من جرى يده على المال المزبور بعده الى ان يستقر الضمان على من تلف بيده.

ثم انه قد تقدم سابقا ان المستفاد

من صحيحة أبي ولاد ان المعيار في الضمان بقيمة يوم حدوث الضمان و عليه فان رجع المالك الى من تلف المال بيده و أخذ منه قيمة يوم دخوله في ضمانه فلا يرجع ذلك الضامن الى غيره و ان رجع المالك الى غيره و أخذ قيمة العين منه يوم دخولها في ضمانه يرجع ذلك الغارم الى من تلف المال بيده بقيمة العين يوم دخولها في ضمان من تلف المال بيده سواء كانت أقل مما دفعها الى المالك أو أكثر كذا الحال بالإضافة إلى منافعها.

و لو كانت العين فاقدة لوصف في يد الضامن الأول ثم صار موصوفا به في يد من تلف المال بيده فليس للمالك الرجوع الى الضامن الأول ببدل ذلك الوصف حيث لم يأخذ العين بذلك الوصف ليكون ضامنا بالإضافة اليه و لا يقاس الوصف بالمنافع حيث ان المنفعة و هي قابلية العين للانتفاع بها أمر فعلى مأخوذ بتبع أخذ العين كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 464

و لا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا (1).

______________________________

(1) إذا كان اعتراف المشترى بكون الثمن للبائع مبنيا على قاعدة اليد القاضية بأن المبيع كان ملكا له فبظهور عدم ملك البائع للمبيع بالبينة أو حتى حكم الحاكم ينتفي الاعتراف المزبور كما هو مقتضى كون الاعتراف من جهة الأخذ بظاهر اليد و إذا كان اعتراف المشترى بكون الثمن للبائع لاعتقاده بان المبيع للبائع حتى بعد علمه بقيام البينة على انه للعير لا للبائع فلا يجوز له الرجوع الى البائع بالثمن حتى مع أخذ الغير المبيع من يده بالمرافعة مع البائع أو معه عند الحاكم لأن أخذ الغير باعتقاده ظلم و إضرار فلا يجوز له

تدارك هذا الضرر بإضرار البائع و إذا لم يعلم حال اعتراف المشترى كما إذا لم يذكر عند اعترافه بأنه مبنى على يد البائع للمبيع أو انه يعلم بان المبيع له فهل للحاكم الأخذ بظاهر إقراره ليحكم بأن الثمن ملك للبائع و ليس للمشتري الرجوع به اليه أو يقدم ظاهر الحال و ان اعترافه مبنى على قاعدة اليد لم يذكر المصنف (ره) ترجيح أحد الوجهين على الآخر و ربما يذكر أنه يحمل اعتراف المشترى على كونه مبنيا على قاعدة اليد لا للأخذ بظاهر الحال فان الظهور ليس ظهورا لفظيا ليكون معتبرا و ظاهر الحال لا يخرج عن مطلق الظن الذي لا يغني من الحق شيئا بل لأن البينة القائمة على كون المبيع للغير بالدلالة الالتزامية تدل على كون الثمن المزبور ملك للمشتري و دليل اعتبارها كما يقتضي اعتبارها في الدلالة المطابقية كذلك يدل على اعتبارها في الدلالة الالتزامية.

نعم لو أحرز أن الاعتراف من المشترى كان مطلقا يكون موجبا لإلغاء تلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 465

و ان كان عالما بالفضولية (1)

______________________________

الدلالة الالتزامية باعتبار انه لا مجال للبينة مع الإقرار على نفسه بخلافها و انه يقدم الاعتراف عليها.

أقول الظاهر ان الأمر بالعكس فان ظهور الاعتراف هو الاخبار عن الواقع و مقتضى دليل نفوذ الإقرار على المقر حتى مع البينة هو طرح البينة في دلالتها الالتزامية لأنه لا اعتبار للبينة مع الاعتراف كما هو المقرر في باب القضاء.

نعم إذا أحرز أن الاعتراف مبنى على قاعدة اليد التي لا مجال لها مع البينة الكاشفة عن الواقع لا يكون في البين اعتراف ليكون موجبا لإلغاء البينة.

هذا مع انه لا يلزم ان يكون حكم الحاكم بان المبيع

للغير بالبينة بل يمكن كونه لليمين المردودة من البائع و معه لا يكون في البين تلك الدلالة الالتزامية.

(1) يقع الكلام فيما إذا كان المشترى عالما بعدم ملك البائع للمبيع و مع ذلك قد دفع الثمن إليه في جهات: الاولى في جواز رجوعه إلى البائع بذلك الثمن مع بقائه.

الثانية- في جواز تصرف البائع في ذلك الثمن.

الثالثة في جواز رجوع المشترى الى البائع بذلك الثمن مع تلفه و ذكر المصنف (ره) في الجهة الأولى جواز رجوعه إلى البائع بالثمن وفاقا للعلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني لوجوه ثلاثة:

الأول- انه ليس في البين ما يكون موجبا لدخول الثمن في ملك البائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 466

..........

______________________________

المزبور.

الثاني انه لو كان مجرد دفع المشترى الثمن إلى البائع المزبور مع علمه بعدم ملكه موجبا لانتقال ذلك الثمن اليه لزم القول بدخول الثمن في ملك البائع في جميع الموارد التي يدفع المشترى فيها الثمن إلى البائع مع علمه بفساد البيع و لو كان فساده من سائر الجهات غير عدم ملك البائع لأن تسليط البائع على الثمن مجانا مع علمه بعدم ملكه جار في جميعها.

و الثالث انه لو كان دفع الثمن إلى البائع المزبور موجبا لملكه لزم عدم كون العقد قابلا لإجازة المالك لان المفروض عدم بقاء الثمن في ملك المشترى ليكون بإجازة المالك ملكا له.

أقول ما ذكر (ره) أولا من انه ليس في البين ما يوجب انتقال الثمن إلى البائع الفضولي صحيح و لكن لو فرض انتقاله اليه يكون الانتقال المزبور من الهبة المجانية التي يجوز للواهب الرجوع فيها مع بقاء العين كما هو الفرض.

و ما ذكر ثانيا من أنه لو كان دفع الثمن إلى

البائع الفضول موجبا لدخوله في ملكه لزم الالتزام بالانتقال في جميع الموارد التي يدفع المشترى فيها الثمن إلى البائع مع علمه بفساد البيع غير صحيح فإنه يمكن القول بان في سائر الموارد التي يكون البائع فيها مالكا للمبيع يكون دفع الثمن بإزاء المبيع بعنوان المعاوضة و حيث لا تكون المعاوضة ممضاة شرعا فلا يدخل الثمن في ملك البائع بخلاف المقام فان المفروض فيه عدم كون المبيع ملك البائع حتى في علم المشترى فيكون دفعه الثمن اليه من تمليكه مجانا لا بعنوان المعاوضة.

و كذا لا يصح ما ذكر (ره) ثالثا فإن الإجازة من المالك كاشفة عن انتقال الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 467

[رجوع المشتري إلى البائع بالغرامات]

و اما لو كان تالفا (1)

______________________________

الى ملك المالك من حين العقد فلا ينفذ تصرف المشترى في الثمن المزبور فان دفعه الى البائع تسليط للبائع على ملك الغير و لعله (ره) أشار الى ذلك بالأمر بالتأمل.

و بتعبير آخر حيث ان العقد لازم من طرف الأصيل كما هو مقتضى مذهب الكشف عند المصنف (ره) يكون تمليك المشترى الثمن إلى البائع أو للآخر و لو بإنشاء التمليك محكوما بالبطلان فلا يمنع هذا التمليك الفاسد المفروض إنشائه بالفعل مانعا عن نفوذ اجازة المالك.

و كيف كان فقد ظهر مما ذكرنا في الجهة الأولى الحال في الجهة الثانية و انه لا يجوز للبائع فضولا التصرف في الثمن المزبور فإنه تصرف بلا مجوز لان المجوز يكون بالملك أو اذن المالك المعبر عنه بالإباحة المالكية أو اذن الشارع المعبر عنه بالإباحة الحكمية و قد تقدم عدم حصول ملك الثمن للبائع كما ان المفروض عدم الإباحة الحكمية و اذن المشترى و رضاه بتصرف البائع بعنوان ان الثمن

ملكه بإزاء المبيع لا الاذن في تصرفه مع بقائه في ملك المشترى كما لا يخفى.

(1) هذا شروع في الجهة الثالثة و هي جواز رجوع المشترى الى البائع بالثمن مع تلفه و قد منع المشهور عن ذلك بل في المحكي عن العلامة و ولده و الشهيد و المحقق الثانيين الإجماع عليه و قد اختاره المصنف (ره) و ذكر ان عدم الضمان مقتضى تسليط المشتري البائع على الثمن من غير تضمين.

و بيان ذلك ان ضمان اليد الجاري في سائر موارد الضمان لا يجري في المقام لانه لا ضمان في مورد جعل المالك الغير أمينا بماله لحفظه كما في الوديعة، أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 468

..........

______________________________

للانتفاع به، كما في العارية، أو لاستيفاء ما ملكه من منفعة ذلك المال، كما في الإجارة.

و الحاصل ان قاعدة على اليد قد خصصت في موارد الاستيمان، و إذا لم يكن ضمان في تلك الموارد يكون عدم الضمان في المقام أولى فإنه إذا لم يكن للغير ضمان مع عدم اذن المالك في التصرف في المال، كما في الوديعة، يكون عدم الضمان مع الاذن في إتلافه أولى و كذا الضمان الثابت في سائر الموارد بقاعدة الاقدام، لا يجري في مورد الكلام لأن البائع الفضولي لم يقدم على ضمان الثمن من كيسه، بل أقدم على ضمانه بالمثمن الذي ملك الغير حتى في علم المشترى.

و بتعبير آخر لم يجعل المشتري البائع ضامنا على الثمن بان تكون خسارة تلفه عليه فيخرج من كيسه ليكون تضمين، بل تسليطه البائع على الثمن في مقابل مال الغير بمنزلة تمليك ذلك الثمن له مجانا.

(لا يقال) دفع المشترى الثمن إلى البائع يكون بعنوان تضمينه غاية الأمر كما ان

البائع يعتبر نفسه مالكا للمبيع و بهذا الاعتبار يصح له قصد عنوان المعاوضة، كذلك المشترى يعتبره مالكا لذلك المبيع و يقصد عنوان المعاوضة حتى مع علمه بعدم كونه ملكا للبائع شرعا و التضمين المعاملي عين قصد المعاوضة، لا انه أمر آخر كما لا يخفى.

و بعبارة أخرى قصد المعاوضة من المشترى التي معنى التضمين حقيقي و انما يكون الادعاء و الاعتبار في أحد طرفي المعاوضة و التضمين و لو لم يكن في المقام تضمين، لم يثبت الضمان للبائع في مورد ظهور المبيع ملكا للغير حتى مع جهل المشتري لأن المفروض فيه جعل البائع ضامنا للثمن بذلك المثمن الذي كان في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 469

..........

______________________________

الواقع ملك الغير، و معه لا يخرج شي ء من كيس الضامن فلا يكون في الحقيقة تضمين حيث ان التضمين عبارة عن جعل عهدة الثمن على شخص ليخرج عوضه من كيسه.

و أجاب (ره) عن ذلك بما حاصله ان التضمين و التمليك بالعوض في موارد علم المشتري ادعائي بالإضافة إلى البائع الفضول و حقيقي بالإضافة إلى مالك المبيع و الشاهد لذلك انتقال الثمن الى المالك بإزاء المبيع بمجرد أجازته و اما ثبوت الضمان في مورد ظهور المبيع ملك الغير فهو باعتبار ان المشترى لا يرضى بتصرف البائع في الثمن بلا عوض ليكون عدم الضمان فيه مستفادا من فحوى عدم الضمان في مثل الوديعة، فيدخل المثال في عموم ضمان اليد.

و الحاصل ان الضمان في صورة جهل المشترى بعدم ملك المبيع للبائع ليس للإقدام و التضمين، بل لقاعدة اليد و كذا يثبت ضمان البائع بالثمن في موارد علم المشترى بفساد البيع من سائر الجهات لا من جهة علمه بعدم كون البائع

مالكا للمبيع حيث ان التضمين و هو قصد خروج البدل من كيس البائع في تلك الموارد حقيقي غاية الأمر لا يكون هذا الضمان المعاملي ممضى شرعا و لذا يثبت فيه التضمين أو ضمان اليد كما لا يخفى.

(أقول) قد ذكرنا ان التضمين المعاملي عبارة عن قصد المعاوضة و إنشائها و إذا فرض ان المتبايعين أي البائع الفضول و المشترى قد قصدا المعاوضة فبانشائها يحصل التضمين المعاملي و اما ضمان اليد فهو تابع على الاستيلاء على مال الغير مع عدم إسقاط ذلك الغير احترام ماله، و جعله للأخذ مجانا و المفروض في مورد الكلام ان المشترى لم يجعل الثمن للبائع مجانا و الا كان الثمن له مجانا فيجوز له تصرفه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 470

نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض الملك (1)

______________________________

فيه مع ان المصنف (ره) صرح في الجهتين المتقدمتين بعدم انتقال الثمن إلى البائع و انه لا يجوز له التصرف فيه.

و ما ذكر (ره) من ان دفع المشترى الثمن إلى البائع مع علمه بالحال ليس الا كدفعه الى شخص ثالث غير البائع فضولا مع علمه بالحال في ان هذا الدفع لا يكون فيه تضمين لا يمكن المساعدة عليه فان دفعه الى الثالث المزبور مع الاذن له في التصرف كيف يشاء، عبارة عن تمليك المال له مجانا، و لذا يجوز لذلك الثالث التصرف فيه، بخلاف البائع فضولا، حيث ان دفع الثمن اليه بعنوان الوفاء بالمعاوضة و لذا لا يجوز له التصرف فيه كما مر.

و الحاصل ان مقتضى دليل ضمان اليد في سائر المقامات ثبوت ذلك الضمان في المقام ايضا و الاقدام على الضمان المعبر عنه بالتضمين، ليس بموجب مستقل للضمان

نعم مع الاقدام على عدم الضمان لا يتم موضوع ضمان اليد كما تقدم بيانه سابقا.

(1) قد ظهر مما ذكرنا ثبوت الضمان حتى في مورد عدم قبول العوض الملك شرعا و ان دفع الثمن إلى بائع الخمر بعنوان المعاوضة على الخمر لا يكون إسقاطا لحرمة الثمن، بان ينتقل الثمن إلى بائع الخمر مجانا بل يكون الدفع بعنوان الوفاء بالمعاوضة المزبورة و لذا لا يجوز لبائع الخمر التصرف فيه، كيف و قد دل النص على كون ثمن الخمر أو الكلب سحتا و لو كان تسليط البائع على الثمن تمليكا مجانيا لكان التمليك من الهبة الصحيحة، و لما كان الثمن سحتا للبائع كما نقول بتلك الهبة فيما إذا قال المالك بعتك المتاع بلا ثمن مع قصد تمليك المتاع، فإنه يجوز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 471

..........

______________________________

للقابل التصرف في المتاع المزبور من غير ضمان، لصيرورته ملكا له مجانا، على ما هو الأظهر، من جواز إنشاء المعاملة بكل لفظ يدل عليها، و لو بالقرينة.

و نظيره ما إذا جعل العوض ما لا يعتبر مالا لأحد في بناء العقلاء كما إذا قال بعتك المال بماء البحر و قبله المشترى. فان دفع البائع المال الى القابل يعتبر من القبض في الهبة، كما في قوله بعتك المال بلا ثمن فلاحظ و تدبر.

(1) يعني إطلاق قولهم كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، يقتضي ضمان البائع فضولا الثمن المدفوع اليه، و لو مع علم المشترى بالحال نعم يحتمل ان لا تقتضي القاعدة الضمان، فإنه يحتمل ان يكون المراد بمدخول كل في قولهم كل عقد، الفرد الخارجي من العقد، و حيث ان الفرد لا يمكن اتصافه بالصحة و الفساد معا، فلا بد من

حمل الصحة و الفساد فيه على التقدير، و الفرض، بان يكون معنى القاعدة ان كل فرد من افراد العقد كان فيه ضمان على تقدير صحته يكون فيه ضمان على تقدير فساده ايضا و كل فرد لا يكون فيه ضمان على تقدير صحته لا يكون فيه ضمان على تقدير فساده ايضا، و من الظاهر ان البيع بلا ثمن و الثمن المدفوع في الفرض على تقدير صحته، لم يكن فيه ضمان بان يخرج بدل المال من كيس الطرف فعلى تقدير فساده، لا يكون ايضا فيه ضمان.

و لكن هذا المعنى في أصل القاعدة و عكسها ضعيف فان المراد بمدخول كل نوع المعاملة أو صنفها و يكون في ضمن ذلك النوع أو الصنف فرد صحيح و فرد فاسد، و إذا لم يكن في الفرد الصحيح منهما، ضمان لم يكن في فاسده ايضا ضمان و مقتضى ذلك ان يكون في البيع بلا ثمن و في الثمن في محل الكلام ضمان، لانه مقتضى ثبوت الضمان في الفرد الصحيح من البيع، اللهم ان يطبق عدم الضمان في مسألة البيع بلا ثمن و في محل الكلام على تلك القاعدة بان لا يراد من أصلها و عكسها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 472

و دفع المشترى الثمن اليه لكونه واسطة (1) لو اشترط على البائع الرجوع بالثمن (2) المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن (3)

______________________________

الفرد الخارجي من العقد أو خصوص النوع المتعارف أى المسمى باسم خاص بل الأعم عنه و من النوع الغير المتعارف الذي لا يكون مسمى باسم خاص و يكون فيه صحيح و فاسد فعلا كما في تمليك المال مجانا فان هذا النوع الغير المتعارف كما يعم تمليك العين

مجانا بقوله وهبتك المال و نحوه المعبر عنه بالهبة، كذلك يعم تمليك العين أو المنفعة مجانا كما في قوله بعتك المال بلا ثمن أو آجرته بلا اجرة و ما إذا دفع المشترى الثمن إلى البائع فضولا مع العلم بالحال.

(أقول) هذا لا يوجب انطباق عدم الضمان في مورد الكلام على القاعدة المزبورة فإن العقد فيها يشمل المتعارف ايضا كالبيع و يكون مقتضى شمولها له ثبوت الضمان في مورد الكلام باعتبار ثبوت الضمان في البيع الصحيح، فيقع التكاذب و التنافي مدلولها، كما لا يخفى.

(1) الظاهر ان هذا من سهو القلم، فإنه كيف يثبت ضمان التلف على البائع فضولا فيما إذا جعله المشتري أمينا بالثمن لإيصاله إلى مالك المبيع على تقدير أجازته.

(2) الوجه في الضمان مع الاشتراط المزبور عدم حصول تسليط البائع مجانا على الثمن المزبور، و لكن في صحة الاشتراط تأمل بل منع.

(3) ما يغترم المشترى للمالك زائدا على الثمن على أقسام: الأول- ان يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 473

..........

______________________________

ذلك في مقابل العين، كما إذا تلف العين بيد المشترى و أخذ منه مالكها قيمتها و هي عشرون مثلا و كان الثمن المسمى عشرة فالعشرة الزائدة على الثمن المسمى قد اغترمها المشترى للمالك في مقابل العين.

الثاني- ان تكون الزيادة في مقابل ما استوفاها المشترى من منافع العين، كما إذا أخذ المالك أجرة السكنى أو عوض اللبن أو الصوف أو الثمرة الى غير ذلك مما استوفاها المشترى من العين المبيعة له فضولا.

الثالث- ان لا يحصل للمشتري بإزاء تلك الزيادة نفع أصلا كالنفقة التي صرفها للعين في المدة التي كانت بيده، و كقيمة الغرس الذي قلعه المالك بعد أخذه الأرض من يد المشترى، و اما

بدل نقص بعض صفات العين أو أجزائها في يد المشترى فهو من القسم الأول كما لا يخفى.

و ذكر المصنف (ره) انه ليس للمشتري الرجوع الى البائع في شي ء من هذه الغرامات الثلاث فيما إذا كان عالما بالحال، و بان المبيع ليس لبائعه، و اما إذا كان جاهلا بالحال فيجوز له الرجوع عليه في القسم الثالث بلا خلاف.

و استدل على عدم جواز رجوعه فيه بأمور: الأول- قاعدة الغرور و المراد به في المقام، إيقاع البائع المشترى في الغرامة المزبورة ببيعه إياه ما ليس له من غير بيان و هذا بخلاف البيع مع علم المشترى بالحال أو مع بيان البائع، فإن الإيقاع في خطرات الضمان لا يكون فيه من البائع، و قوله (و متلف عليه ما يغرمه) اما عطف تفسيري للغرور أو بيان وجه آخر لضمان البائع و هي قاعدة إتلاف مال الغير حيث دفع البائع المبيع إلى المشترى من غير بيان فضولية البيع إتلاف للمال على المشترى المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 474

..........

______________________________

و الحاصل ان ضمان البائع في المقام نظير ضمان شاهد الزور، ضرر المشهود عليه فيما إذا تم الحكم و اعترف بعده ببطلان شهادته، و في صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا هذا السارق و ليس الذي قطعت يده و انما شبهنا ذلك بهذا فقضى عليهما ان غرمهما نصف الدية و لم يجز شهادتهما على الآخر «1» و صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في شاهد الزور قال ان كان الشي ء

قائما بعينه رد على صاحبه و ان لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل «2».

أقول الحكم في الشاهد ليس للغرور و الخدعة كما هو ظاهر الصحيحة الأولى فيعم ضمان الشاهد ما إذا كانت شهادته للاشتباه و اعتقاد الخلاف.

و الحاصل ان ظاهر ما ورد في ضمان شاهد الزور أو رجوع الشاهد كون ضمانه للإتلاف على المشهود عليه، و من الظاهر ان تطبيق قاعدة الإتلاف على شهادته تعبد، لان التلف على المشهود عليه قد حصل بفعل الحاكم و الشاهد معا، و لذا لو رجع الشاهد قبل حكم الحاكم لا يغرم شيئا، و بتعبير آخر لا يمكن استفادة حكم المقام مما ورد في ظهور بطلان شهادة الشاهد، أو رجوعه بعد الحكم عن شهادته، كما لا دلالة لذلك على اعتبار قاعدة الغرور، و لعل هذا الحكم لسد شهادة الزور و التشديد على الناس، لئلا يتسامحوا في شهاداتهم و لو كان الحكم بضمان الشاهد في مسألة رجوعه عن شهادته و في مسألة شهادة الزور، لكون الحاكم متلفا للمال بغرور الشاهد أو كون الحاكم

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (14) من أبواب الشهادات الحديث (1).

(2) الوسائل الجزء 18 الباب 11 من أبواب الشهادات لحديث (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 475

..........

______________________________

نظير من قدم اليه طعام الغير فأكله جهلا بالحال لصح رجوع المشهود عليه الى الحاكم أيضا غاية الأمر يكون قرار الضمان على الشاهد كما لا يخفى.

و نظير ما ورد في شاهد الزور أو رجوع الشاهد ما ورد في ان تدليس ولى المرأة و ظهور حالها بعد الدخول بها و انه موجب لكون المهر المسمى على وليها المدلس، فإنه لا يمكن استفادة حكم غير التدليس في

النكاح منه، فراجعه.

نعم وردوا في بعض الموارد، ما استظهر منه اعتبار قاعدة الغرور، كرواية إسماعيل بن جابر قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نظر الى امرأة فأعجبته فسئل عنها فقيل هي ابنة فلان فأتى أباها فقال زوجني ابنتك فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد أنها غير ابنته و أنها أمة قال ترد الوليدة على مواليها و الولد للرجل و على الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل و خدعه «1» و لكن الرواية ضعيفة سندا و دلالة أما سندا لوقوع محمد بن سنان فيه و اما دلالة فباعتبار أن غاية مدلولها، ان تغرير الرجل الزوج و إيقاعه في ضرر قيمة الولد، موجب لكون تلك القيمة على الغار، و اما تغريره في غير تلك القيمة من الغرامات فضلا عن التعدي من النكاح الى غيره من المعاملات فلا يستفاد منها و يأتي ان ضمان قيمة الولد في مثل الفرض حكم تعبدي.

الثاني قاعدة نفى الضرر فان عدم ضمان البائع لما اغترمه المشترى ضرر عليه، و فيه ان قاعدة نفى الضرر مقتضاها نفى الحكم الشرعي الذي تكون رعايته موجبا لتضرر المكلف، و عدم الضمان ليس من الحكم المجعول، و على تقدير الإغماض عن ذلك فكما ان عدم الضمان ضرر على المشترى، كذلك الضمان ضرر

______________________________

(1) الوسائل الجزء (14) الباب (7) أبواب أحكام العيوب و التدليس الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 476

..........

______________________________

على البائع، و ليس بيع البائع خصوصا مع غفلته عن الواقع و اعتقاده بكون المبيع له، اقداما منه على الضرر الحاصل من ضمان غرامة المشتري كما لا يخفى.

الأمر الثالث صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه

السّلام في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها ثم يجي ء مستحق الجارية قال يأخذ الجارية المستحق و يدفع اليه المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية و قيمة الولد التي أخذت منه «1».

فان الولد الحر إما من قبيل النفع الحاصل للمشتري، أولا، و على الأول يكون دلالتها على جواز رجوعه في الغرامة التي لم يحصل في مقابلها نفع بالفحوى و على الثاني تكون الغرامة المزبورة من القسم الثالث بل توصيف القيمة بالتي أخذت منه فيه إشعار بالعلية و ان الموجب لرجوع المشترى الى البائع هو أخذ المال منه.

أقول هذه الرواية لا دلالة لها على حكم المقام أصلا لا بالفحوى، و لا بغيرها و ذلك فان دفع قيمة الولد الى المالك حكم تعبدي، باعتبار كون الولد في الإنسان تابعا للأب فيكون الولد في المفروض حرا و ليس لمالك الأم إلا أخذ الأم و أجرة المثل لمنافعها التي استوفاها المشتري، أو فاتت بيده، و إذا كان دفع القيمة حكما تعبديا فمن المحتمل ان يكون رجوع المشترى الى بائعها بتلك القيمة حكما تعبديا آخر، و اما ما ذكر من ان توصيف القيمة بالتي أخذت منه اشعار لعلة الحكم، ففيه من المحتمل ان يكون قوله عليه السّلام التي أخذت منه من قبيل تقييد القيمة، لا توصيفها، بان يكون المتعين الرجوع بتلك القيمة، لا قيمة الولد يوم الرجوع، و

______________________________

(1) الوسائل الجزء (88) الباب (14) من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث (5).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 477

و اما السكوت عن رجوع المشترى الى البائع (1) مع ان رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن (2)

______________________________

قد قرر في بحث الأصول أنه لا دلالة في التقييد

على علة الحكم، و لا يستفاد منه المفهوم.

(1) و عن صاحب الحدائق (ره) عدم جواز رجوع المشترى الى البائع بغير الثمن، من الغرامات، و علل ذلك بعدم ذكر جواز رجوعه إليه في صحيحة زرارة و رواية زريق و في الأولى رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها الى أرضه فولدت منه أولادا ثم ان أتاها من يزعم أنها له و اقام على ذلك البينة قال يقبض ولده و يدفع إليه الجارية و يعوضه في قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها «1» و أشار المصنف (ره) الى الجواب عنه، بأن رواية زرارة و رواية زريق «2» لا دلالة لهما على عدم جواز رجوع المشترى الى البائع، لأن السكوت أى عدم التعرض فيهما على جواز رجوع المشترى الى البائع الفضول بالغرامات باعتبار عدم كون الروايتين في مقام البيان من هذه الجهة، و انهما في مقام بيان وظيفة المشترى مع مالك المال، و على تقدير دعوى إطلاقهما فيرفع اليد عنه بالتقييد الوارد في سائر الروايات و سائر ما دل على ضمان البائع الفضولي.

(2) و ذلك فان المفروض فيها شراء الجارية من سوق المسلمين و ظهور المالك بعد ما ولدت من المشترى أولادا و من الظاهر أن الأمة المبتاعة في السوق في ذلك

______________________________

(1) الوسائل الجزء (14) الباب 88 من أبواب النكاح العبيد الحديث (4).

(2) الوسائل الجزء (12) الباب (3) من أبواب عقد البيع الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 478

لان الحاكم من الشارع ليس غارا (1) فالظاهر علم المشترى ببطلان قضاء المخالف (2)

______________________________

الزمان نظير بيع الحيوانات في السوق في زماننا هذا يكون من أشخاص مختلفة و ربما لا يكون البائع في يوم

في السوق بايعا فيه بعد ذلك اليوم، فلا يمكن الظفر به خصوصا إذا كان ذلك بعد مدة طويلة قد انجبت فيها الأمة المبتاعة من مشتريها أولادا.

(1) أقول لا يمكن الالتزام بان الحاكم البائع المنصوب من قبل الشارع ليس بغار فإنه لا يعتبر في جريان قاعدة الغرور الخديعة و على الغار بان ما يدفعه الى الغير ليس بماله بل مال الغير، و لذا قالوا في مسألة من قدم طعام الغير للآخر ليأكله ان المالك إذا رجع الى الأكل فيرجع الأكل الى مقدمه للغرور، و لم يفصلوا بين ما كان مقدمه عالما بالحال أو مشتبها بان اعتقد ان الطعام له بل صرح بعضهم بالتعميم و عليه فالمشتري من القاضي في رواية زريق مغرور، غاية الأمر ليس على الحاكم غرم بان يعطى الغرامة من كيسه بل له الإعطاء من بيت المال، لما دل على ان خطاء القضاة في بيت مال المسلمين، و هذا على تقدير القول برجوع المشترى الى البائع الفضولي في سائر المقامات.

(2) فيه منع ظاهر، فان ما ذكر في الرواية من رجوع المشترى الى مالك المعيشة فيما صرفه في إصلاحها، و دفع النوائب عنها قرينة على جهل المشترى ببطلان البيع و لو كان عالما بفساده لكان وضع يده على المعيشة المزبورة غصبا، و لم يكن له حق في الرجوع الى مالكها بالمال المصروف في إصلاحها، لأنه ليس لعرق الظالم حق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 479

و يؤيده قاعدة نفى الضرر (1)

______________________________

و الحاصل ان الصحيح في الجواب عن الحدائق ما تقدم من ان غاية الأمر دلالة الروايتين على عدم ضمان البائع بالسكوت و الإطلاق في مقام البيان فيرفع اليد عن هذا الإطلاق بما تقدم.

(1)

يعني يؤيد قرار الضمان على البائع بالإضافة إلى المنافع المستوفاة أيضا قاعدة نفى الضرر فان عدم ضمان البائع غرامة المشترى في تلك المنافع ضرر على المشترى و مجرد وصول العوض أى المنافع إلى المشتري لا يوجب ارتفاع عنوان الضرر عن عدم ضمان البائع نعم وصول العوض أى المنافع مع عدم غرور المشترى ينافي صدق الضرر.

و بهذا يظهر ضعف ما ذكر في الرياض من انه لا اعتبار لقاعدة الغرور فيما لا ينطبق على موردها، قاعدة نفى الضرر كما في المقام فان مع وصول عوض الغرامة إلى المشتري باستيفائه منفعة العين، لا ينطبق على غرامته عنوان الضرر.

أقول- قد ذكرنا فيما تقدم عدم جريان قاعدة نفى الضرر في المقام فلا نعيد و على تقدير جريانها تكون دليلا على قرار الضمان على البائع الفضولي، فلا وجه لذكرها تأييدا.

ثم انه (ره) ذكر لقرار الضمان على البائع في المقام، الإجماع و يظهر هذا من ملاحظة ما ذكروه في نظير المقام، و هو رجوع آكل الطعام الى من قدمه إليه ليأكله و الاخبار الواردة في موارد متفرقة، كالواردة في ضمان شاهد الزور، و اما قاعدة الإتلاف فلا تكون مقتضاها قرار الضمان على البائع، لأن مورد قاعدة الإتلاف ما إذا كان المباشر كالالة بحيث يستند الإتلاف إلى السبب، كما إذا وضع في قرب متاع الغير نارا بحيث يضرب الريح العاصف النار على المتاع، و كذا إذا وضع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 480

..........

______________________________

السمن المنجمد في إناء مثقوب في الشمس، فاذابته بإصابتها، فإن إتلاف السمن يسند الى واضعه في الشمس، و تحسب أصابتها وسيلة لإتلافه و مثل ذلك ما إذا اعطى مال الغير بيد المجنون و الطفل الغير المميز فإن

الإتلاف يستند الى الدافع و فيما نحن فيه لا يكون المشترى كالالة في إتلاف البائع و لو كان المتلف هو البائع دون المشترى، فلا يجوز رجوع المالك الى المشتري أصلا، كما هو مفاد قاعدة من أتلف، و القول باعتبار قوة السبب على المباشر فيه ما لا يخفى، فإنه لا دليل على اعتبارها ما لم يكن السبب مما ذكر من إسناد الإتلاف اليه، و كون المباشر كالالة كما في المكره بالفتح، فان الضمان على المكره بالكسر فيما لو أكره الآخر على إتلاف مال الغير.

أقول قد تقدم الكلام في دلالة الاخبار كما تقدم عدم جريان قاعدة نفى الضرر في المقام، و اما الإجماع الظاهر في مسألة من قدم طعام الغير إلى الأكل الجاهل بحال الطعام، فهو مسبوق بالسيرة العقلائية التي هي العمدة في ضمان التلف في اليد، و الإتلاف، و مقتضى تلك السيرة الالتزام بقرار الضمان على البائع في المقام و لكن بالإضافة إلى المنافع التي قدمها البائع إلى المشتري بأن كان البائع مستوليا على تلك المنافع كسكنى الدار و قابلية الحيوان للركوب سواء استوفاها المشتري أم لا.

و اما مثل الثمرة المتجددة على الشجرة مما تكون المنافع من الأعيان المتجددة في العين فلا يجرى فيها السيرة المزبورة حيث ان هذه المنافع لم تكن في يد البائع ليكون دفعه العين إلى المشتري الجاهل بالحال تقديما لتلك المنافع اليه مجانا، بل لا يجوز للمالك الرجوع في تلك المنافع إلى البائع لعدم إتلاف البائع و عدم وضع يده عليها أصلا، فيتعين للمالك الرجوع فيها إلى المشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 481

فيشبه المكره في عدم القصد (1)

______________________________

لإتلافه إياها كما في فرض الاستيفاء، أو وضع يده عليها

كما في فرض عدم الاستيفاء.

و الحاصل سيرة العقلاء جارية على قرار الضمان فيما إذا كان الشخص المستولي على مال الغير مقدما ذلك المال الى آخر، أو الى مالكه، لإتلافه مجانا مع جهل المتلف بالحال، و اما في غير ذلك، فلا موجب لقرار الضمان على الغار، و من هنا ذكروا انه لو دخل دار الغير فأكل فيها طعاما ثم ظهران الطعام كان ملك الأكل و قد غصبه صاحب الدار، فلا ضمان على صاحب الدار بخلاف ما لو دخل داره فقدم اليه الغاصب ذلك الطعام فيكون الغاصب ضامنا.

ثم انه لا وجه لدعوى ان قرار الضمان على البائع في المقام، و على من قدم الطعام الى الجاهل بحاله، مختص بصورة علم البائع أو المقدم، حيث ان مقتضى السيرة المشار إليها عدم الفرق بين علمها، و جهلهما.

فتحصل من جميع ما ذكرنا ان المنافع التي كانت في يد البائع يكون قرار الضمان عليه سواء استوفاها المشتري أم لا و بلا فرق بين جهل البائع بالحال و عدمه.

(1) لا يخفى ان المكره (بالفتح) على إتلاف مال الغير قاصد لإتلافه، فإنه لا يمكن الفرق بين المكره على المعاملة، و المكره على الفعل الخارجي، كالإتلاف و قد تقدم من المصنف (ره) ان المكره على المعاملة قاصد لها فكيف لا يكون المكره على الفعل الخارجي قاصدا له. بل لا يبعد الالتزام بان الضمان في مورد الإكراه على إتلاف مال الغير على المكره (بالفتح) حيث انه المتلف للمال، غاية الأمر ان جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 482

يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين (1)

______________________________

ذلك الإتلاف مقتضى الاضطرار و رعاية التزاحم، و لا يمكن نفى الضمان عن المكره (بالفتح) و إثباته

للمكره (بالكسر) بحديث الرفع، فان الحديث المزبور لا يثبت حكما، و انما يرفع حكما يكون ثبوته مقتضى الخطابات الأولية مع الامتنان في رفع و لا امتنان في نفى الضمان عن المكره (بالفتح) حيث انه مساوق لذهاب مال المالك هدرا.

(1) ذكر (ره) ان المشترى يرجع الى البائع الفضولي بالزائد على الثمن المسمى لقرار ضمان تلك الزيادة عليه بمقتضى قاعدة الغرور، مثلا إذا كانت قيمة العين التالفة عشرين، و الثمن المسمى في عقد الفضولي العشرة و قد أخذ المالك العشرين من المشترى، فيرجع المشترى الى البائع بالعشرة الزائدة.

لا يقال- لا موجب لرجوعه إلى البائع بتلك الزيادة لإقدامه على ضمان العين التالفة غاية الأمر كان اقدام للمشتري على ضمانها بالثمن المسمى، و إذا لم يصح الضمان بالثمن المسمى يكون الضمان بالبدل الواقعي، كما هو الحال في جميع موارد فساد البيع، و مع اقدامه على الضمان لا يكون غرور، و الا كان قرار ضمان مقدار الثمن المسمى ايضا على البائع.

فإنه يقال نعم المشترى مقدم على ضمان بإزاء الثمن المسمى و إذا لم يصح له هذا الضمان يكون ضمانها بالبدل الواقعي أي قيمتها السوقية فيصح للمالك الرجوع الى المشتري بتلك القيمة، و لكن رجوع المالك الى المشتري ليس لاقدام المشترى على ضمان العين بالقيمة السوقية، بل لان الشارع جعل اقدامه على الضمان بالثمن المسمى مع فساد العقد موجبا لضمان العين بها، و بما ان فساد البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 483

فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولى (1)

______________________________

في المقام ناش عن غرور البائع و كذبه في دعوى الملكية، يكون غرامة المشتري بالإضافة إلى الزائد على الثمن المسمى ناشئا عن غرور البائع، و لذا لو كان

البائع صادقا في دعواه كان عليه تلف العشرة فقط دون الزائد.

و الى ذلك يشير (ره) بقوله، و الضمان المسبب عن هذا الإقدام، أي الضمان بالبدل الواقعي المسبب عن إقدام المشترى على الضمان المعاملي يكون لأجل فساد العقد و العقد مسبب عن غرور البائع، فيكون المترتب على فساد العقد، و هو ضمان العشرة الزائدة مستقرا على البائع الغار، أضف الى ذلك انه ليس الموجب لضمان المشترى العين التالفة بقيمتها السوقية في فرض فساد العقد هو اقدامه على ضمانها بالثمن المسمى ليتوهم عدم اجتماع هذا الاقدام مع الغرور بل سبب ضمان المشترى العين بتلك القيمة هو مقتضى وضع يده على مال الغير من غير ايتمان مالكي أو شرعي، و هذا السبب للضمان لا ينافي الغرور.

أقول لا يبتني الإشكال على كون الموجب لضمان المشتري، إقدامه على ضمان العين، ليجاب عنه بان الموجب له ليس هو الاقدام، بل وضع يده على مال الغير بلا ايتمان، بل الاشكال هو ان الغرور مقتضاه قرار الضمان على البائع و إقدام المشتري مقتضاه عدم هذا القرار فلا يجتمعان حتى لو قيل بان الموجب لضمان المشترى هو وضع يده على مال الغير بلا ايتمان.

(1) اما جريان قاعدة الغرور فلما مر من كون المشترى مغرورا بالإضافة إلى العشرة الزائدة على الثمن و اما كونه اولى من رجوع المشترى ببدل المنافع المستوفاة فلان استيفاء تلك المنافع مع كونه نحو وصول العوض إلى المشتري لا يمنع عن رجوعه إلى البائع و يجرى ضمان زيادة القيمة السوقية في مورد تلف العين، و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 484

و لو تجددت بعده (1).

و الظاهر ان حكمه حكم المجموع (2).

و ان كان مما لا يقسط عليه

الثمن (3).

______________________________

لا يكون معه اى وصول للعوض إلى المشتري فيكون رجوعه بغرامة المنافع إلى البائع مقتضيا لرجوعه إليه بغرامة العين بالفحوى.

(1) يحتمل كون الأولوية باعتبار أن إقدام المشترى على ضمان العين بالثمن المسمى في قوة إقدامه على ضمانها بقيمتها السوقية زمان العقد، حيث يكون الاشتراء بالثمن المسمى باعتقاد كونه مساويا للقيمة السوقية، و اما زيادة القيمة السوقية بعد ذلك الزمان فلا يتوهم الاقدام بالإضافة إليها كما لا يخفى.

(2) الظاهر ان تلف الجزء يكون نظير تلف المجموع فيما إذا كان الجزء مما يقسط عليه الثمن كما في بيع المن من الحنطة و اما ما لا يقسط عليه الثمن فحكمه حكم الوصف حيث يعد المبيع مع تلف ذلك الجزء معيوبا و يكون في الوصف قرار الضمان مع الغرور على البائع، لأن كلا من البائع و المشترى ضامن للوصف بضمان اليد، و يكون غروره موجبا لقراره على البائع، من غير أن يكون من المشترى اقدام على ضمان الوصف بمقدار من الثمن كما لا يخفى.

(3) مراده أن الأوصاف التي لها دخل في صحة المبيع في مقابل كونه معيبا، فيقسط عليها الثمن، فيثبت لها حكم الاجزاء، و اما الأوصاف التي لا يكون لها دخل في صحة المبيع كوصف الخياطة فلا يقسط عليها الثمن، و يرجع المشترى في غرامة تلفها إلى البائع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 485

انما هو إذا كان البيع المذكور صحيحا من غير جهة كون البائع (1)

______________________________

أقول- لا يقسط الثمن حتى بالإضافة إلى الأوصاف التي لها دخل في صحة الشي ء، و لذا ذكر المصنف (ره) كغيره ان الأرش في مورد خيار العيب لا يكون جزء الثمن، بل هي غرامة تثبت على البائع بمطالبة المشترى و

لا يقسط الثمن بالإضافة الى اجزاء المبيع أي اجزائه الخارجية، بأن يكون بعض الثمن بإزاء يد الحيوان، و بعضه بإزاء رجله و رأسه الى غير ذلك، بل يقسط على اجزائه المشاعة نعم لو كان المبيع مجموع من المتعدد بنظر العرف كالمن من الحنطة أو مصراعي الباب ينحل الثمن بالإضافة إلى أجزائه الخارجية أيضا كما مر.

(1) و حاصله انه لو كان البيع فاسدا من جهة كون بايعه غير مالك و من جهة أخرى أيضا كما إذا كان المبيع عينا غائبة لم توصف حال العقد بوصف رافع للجهالة، و فرض ان المشترى وضع يده عليها بعد البيع، و تلفت بيده فرجع المالك بها عليه، فان المشتري لا يرجع الى البائع بشي ء من الغرامات، لأنها لم تكن مسببة عن غرور البائع، و كذبه في دعواه مالكية العين، بل لو فرض صدقه في دعواه كانت تلك الغرامات على المشترى، غاية الأمر على تقدير صدقه يكون المستحق لتلك الغرامات هو البائع، و على تقدير كذبه يكون هو المالك، فتكون الغرامات المزبورة من قبيل مساوي الثمن الذي تقدم عدم رجوع المشترى به الى البائع.

لا يقال- لازم ما ذكر من قاعدة الغرور عدم ضمان المشترى منافع المبيع و لو كان فساد البيع من غير جهة كون البائع فضوليا لأن البائع مقدم تلك المنافع إلى المشتري مجانا، لوقوع الثمن بإزاء المبيع، لا المنافع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 486

فان قلت كلا من البائع و المشترى (1) و يمكن ان يكون نظير ذلك ضمان المال على طريقة الجمهور (2)

______________________________

فإنه يقال نعم لا يقع الثمن بإزاء المنافع الا ان المعتبر في قاعدة الغرور جهل المقدم عليه بحال المال، و المفروض علم المشترى

ببطلان تقديم المنافع لان تقديمها يتبع البيع الفاسد، بل لو فرض جهله بفساده لما كان الجهل بحكم الشرع موجبا للغرور من البائع كما لا يخفى.

(1) الاشكال هو ان كلا من البائع الفضول و المشترى باعتبار جريان يدهما على العين ضامن للمالك، و لذا يجوز له الرجوع الى اى منهما و يبقى في البين وجه رجوع البائع إلى المشتري فيما إذا رجع المالك الى البائع، حيث أن تلف المال بيد المشترى لا يصلح لكونه موجبا لذلك.

نعم لو أتلف المشتري العين فيمكن القول برجوع البائع إليه فيما إذا دفع البدل الى المالك، باعتبار ان إتلاف المشتري العين كما أنه إتلافها على المالك كذلك إتلاف للغرامة المزبورة على البائع.

(2) حيث ان ضمان الدين على مذهب الخاصة عبارة عن نقل الضامن الدين عن ذمة المديون الى ذمته بحيث لا يجوز للدائن بعده مطالبة المديون بذلك الدين بل يتعين عليه الرجوع الى الضامن، غاية الأمر لو وفى الضامن بالدين يكون له الرجوع الى المديون، و على ذلك فلا يكون اشتغال ذمم متعددة للمالك الدائن.

و هذا بخلاف الضمان على مذهب الجمهور حيث ان الضمان عندهم عبارة عن ضم ذمة إلى ذمة المديون، بان كان المشغول للمالك الدائن ذمة المديون.

و بالضمان يشتغل له ذمة الضامن ايضا، و لكن تملك الدائن ما على الذمتين على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 487

[تعاقب الأيدي بمال الغير]

ضمان عهدة العوضين (1)

______________________________

البدل، و يلزم على ما عليه الجمهور جواز رجوع المالك الى كل من المديون و الضامن.

(1) المراد أن يضمن أحد عن المشترى للبائع، بأنه إذا ظهر بطلان البيع بكون الثمن ملك الغير، فعليه مع تلف المبيع بيد المشترى، بدل ذلك المبيع، و هذا هو المراد

بضمان عهدة المبيع للبائع، أو يضمن أحد عن البائع للمشتري، بأنه إذا ظهر فساد البيع بكون المبيع ملك الغير فعليه مع تلف الثمن في يد البائع عوض ذلك الثمن، و هذا هو المراد بضمان عهدة الثمن للمشتري، و يكون في ضمان عهدة المبيع كل من المشترى و الضامن المزبور ضامنا للبائع، فله مع تلف المبيع بيد المشترى، الرجوع الى كل منهما، كما يكون في صورة ضمان عهدة الثمن للمشتري الرجوع الى البائع و الضامن المزبور.

أقول الضمان في الأعيان المضمونة هو ان يضمن أحد للمالك تلف العين التي يأخذها الآخر بيد ضمان كمن ضمن للمالك تلف العين المستعارة التي يأخذها المستعير مع الضمان كما في عارية الذهب و الفضة، و على ذلك فيجوز للمالك الرجوع مع تلف العين الى الضامن ايضا و لا يخفى ان هذا الضمان و ما تقدم من ضمان عهدة المبيع أو الثمن من قبيل ضمان العين الخارجية، لا من قبيل ضمان الدين لينتقل الدين إلى ذمة الضامن، فللمالك الرجوع في الموردين الى الضامن و الى من تلف المال بيده، اما الرجوع الى من تلف المال بيده فلضمان اليد و اما الرجوع الى الضامن فإنه مقتضى وجوب الوفاء لعقد الضمان، و لكن ظاهر كلام الأصحاب لا يساعد على رجوع المالك الى من تلف المال بيده بل ما دامت باقية، فله الرجوع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 488

و ضمان الاثنين لواحد (1)

______________________________

الى من بيده العين، و مع تلفها أو عدم إمكان أخذها عمن بيده يرجع الى الضامن.

(1) ينبغي فرض ضمان الاثنين لواحد على سبيل الاستقلال فيما إذا كان كل منهما ضامنا في زمان واحد ليكون شمول ما دل على مشروعية

الضمان بالإضافة إليهما على حد سواء، و الا فلا بد من الحكم ببطلان الثاني، لأن مع الضمان أو لا ينتقل المال إلى ذمة الضامن، فلا يبقى للدائن مال بذمة المديون ليضمنه الآخر و المتحصل ان كلا من المتعددين يصح ان يضمن للمالك فيجوز له الرجوع الى اى منهم، و لكن إذا رجع الى واحد منهم سقط حقه عن الباقين حيث انه ليس له الا مال واحد و قد تسلمه بأخذ بدله فيكون الرجوع الى الآخرين بلا موجب و اما تنزيل هذا الضمان على الواجب الكفائي و انه كما يجب فيه الفعل على كل من المكلفين ما دام لم يحصل طبيعي الفعل، كذلك ثبوت البدل على عهدة كل من المتعددين ما دام لم يدفع البدل الى المالك فلا يخلو عن المناقشة فإن لازمه ان يتعين البدل بالجميع فيما إذا كان أداء الجميع دفعة واحدة اللهم الا ان يقال المملوك للمستحق طبيعي البدل المقيد بالوحدة لا طبيعي البدل و مع أخذ البدل من المتعددين يكون ملك المستحق بالإضافة إلى الأموال المأخوذة من الكلي في المعين فيختار فردا واحدا و عليه رد الباقي الى أربابه.

و الحاصل المتصور من ضمان الأشخاص المتعددة أنحاء ثلاثة:

الأول- ان يكون ضمان كل واحد من الأشخاص مشروطا بعدم أداء الآخرين البدل نظير ما يذكر في الواجب الكفائي من وجوب طبيعي الفعل على كل واحد من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 489

..........

______________________________

المكلفين ما لم يحصل ذلك الطبيعي في الخارج من الآخرين و لا يلزم ما أشرنا إليه من استحقاق المالك جميع ما دفع اليه بعنوان البدل فيما إذا كان الدفع من الكل دفعة واحدة.

الثاني- ان يكون الضامن الأول مديونا بالبدل بان

يثبت البدل بذمته و يكون الثاني ضامنا لأدائه بمعنى انه لو لم يؤد الضامن الأول البدل، يثبت المال بذمته فعليه أدائه و هكذا و لازم ذلك عدم تخيير المالك في الرجوع الى كل واحد منهم، بل له الرجوع الى الثاني مع عدم تمكنه على الاستيفاء من الأول أضف الى ذلك ان دليل الضمان في كل من الأشخاص هي قاعدة اليد و لا يمكن ان يختلف مفادها بالإضافة إلى الضامنين.

الثالث- ان يقال ضمان المال ليس على كل واحد واحد من المتعددين بل يثبت البدل الواحد على الكلى الصالح في انطباقه على كل واحد من المتعددين و بتعبير آخر كما يمكن كون الجامع بين المتعددين مالكا للمال كما في ملك الزكاة لطبيعى الفقير و سهم السادات لطبيعى الهاشمي الفقير فيصح لكل واحد من الافراد أخذ ذلك السهم كذلك يمكن ان يثبت ملك المال للشخص على عهدة الجامع بين المتعددين فيصح لذلك الشخص أخذ ذلك المال من أى من المتعددين.

و لكن مفاد قاعدة على اليد ضمان كل من وضع يده على مال الغير لا ضمان الجامع بينهم فالأظهر في المقام هو النحو الأول فتدبر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 490

و اما حال بعضهم بالنسبة إلى البعض (1).

______________________________

(1) ما ذكر قبل ذلك، كان حال الأشخاص المتعاقبة أيديهم على العين بالإضافة إلى المالك في انه إذا ادى اليه بدل تلك العين أحدهم يسقط البدل عن ذمة الباقين اى لا يكون للمالك حق في الرجوع إليهم، و اما حال بعضهم بالإضافة إلى الآخرين منهم في جواز رجوع مؤدى البدل الى غيره فحاصل الكلام فيه انه إذا كان المؤدى هو الذي تلف العين بيده فمع عدم كونه مغرورا كما

هو الفرض لا يرجع الى غيره و إذا لم يكن تلفها بيده، فله ان يرجع الى كل من تسلم العين منه و لو بالواسطة الى ان يستقر الضمان على من تلف العين بيده.

و ذكر (ره) في وجه ذلك ان من وضع يده على العين ابتداء يكون ضمانه العين قبل ضمان من تسلمها منه كما هو مقتضى ضمان اليد فتكون العين بيد السابق موصوفة بوصف و هو كون العين ذات بدل و إذا تسلم الثاني العين من السابق يكون ضامنا بتلك العين مع أوصافها التي منها الوصف الحادث فيها بيد السابق و مرجع ضمان العين و وصفها المزبور هو ضمان تلك العين أى المبدل و الوصف اى بدلها الثابت بذمة السابق على سبيل البدل و التخيير، حيث لا يمكن ان يكون اللاحق ضامنا للعين فقط، دون وصفها اى البدل الثابت بذمة السابق و الا لخرج البدل الذي يثبت بذمة اللاحق عن كونه بدلا للعين المزبورة حيث يجب ان يكون الثابت بذمة الآخر بدلا عن العين و أوصافها.

و المتحصل ان ما يدفعه اللاحق تدارك للعين الموصوفة أي التي استقر تداركها بذمة السابق بخلاف ما يدفعه السابق، فإنه تدارك لنفس العين معينا، إذ لم يثبت بدلها بذمة أحد قبل أخذه، ليكون ضامنا لذلك البدل ايضا بنحو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 491

..........

______________________________

ما ذكر.

ثم إذا أدى اللاحق البدل الى المالك سقط تدارك السابق لان ضمان اللاحق العين و بدلها الذي كان بذمة السابق تخييري بأن كان ضمان العين للمالك و ضمان بدلها للسابق و لا يجوز للسابق مطالبة اللاحق بالبدل قبل أدائه إلى المالك لان ضمان اللاحق بذلك البدل للسابق من باب الغرامة لا الدين

لذلك السابق و يكون حال الضامن الأول مع الثاني حال الضامن مع المضمون عنه في عقد الضمان، في انه كما لا يجوز للضامن قبل أداء المال إلى الدائن مطالبة المضمون عنه كذلك لا يجوز للضامن الأول في المقام قبل أدائه البدل الى المالك مطالبة الضامن اللاحق.

أقول لا يصلح ما ذكر (ره) وجها لرجوع السابق الى اللاحق، اما أولا فلان الأوصاف المضمونة هي التي يكون لها دخل في مالية العين و ثبوت البدل لها بذمة السابق لا يوجب زيادة ماليتها أو نقصها.

و ثانيا فلان ضمان الأوصاف باعتبار ان وضع اليد على العين وضع لليد على الأوصاف و اللاحق في المقام لا يضع يده على البدل الثابت بذمة السابق ليكون ضامنا له.

و ثالثا فلانه على تقدير وضع يده على البدل المزبور فاللازم ان يكون ضامنا بذلك البدل للمالك للعين و الوصف و لا موجب لضمان اللاحق لأحد شخصين، بأحد أمرين.

و رابعا فلانه لا موجب لتقدم ضمان السابق على اللاحق فان ضمان العين بمعنى ثبوت البدل على العهدة يحصل بتلفها و قبل التلف لا يثبت البدل لا على ذمة السابق و لا على ذمة اللاحق و مع تلفها يثبت البدل على عهدة كل منهما في زمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 492

و ربما يقال (1)

______________________________

واحد.

اللهم الا ان يقال ان زمان ثبوت البدل بالذمة هو زمان الاستيلاء على العين غاية الأمر يكون استقرار ذلك البدل مشروطا بتلف العين بنحو الشرط المتأخر و على ذلك فيكون ضمان اللاحق بمعنى ثبوت البدل بذمته بعد ضمان السابق و لكن اعتبار التلف بنحو الشرط المتأخر غير ظاهر من أدلة الضمان.

(1) القائل صاحب الجواهر و حاصل ما ذكره (ره) ان

رجوع من لم يتلف العين بيده الى من تلفت بيده باعتبار أن البدل ثابت بذمة من تلف العين بيده فقط غاية الأمر يجوز للمالك إلزام السابق بأداء ما يملكه بذمة من تلف العين بيده و إلزامه بذلك مقتضى وضع يده على ملك الغير عدوانا.

ثم ان السابق بأدائه البدل الى المالك يملك ما للمالك بذمة اللاحق بالمعاوضة القهرية أى المعاوضة التي لا توقف على الإنشاء و القصد.

و أورد المصنف (ره) على هذا الوجه بأمور الأول- ان موجب الضمان على السابق و هو حديث على اليد و دلالته على الضمان عليهما على حد سواء فان كان الضمان على اللاحق بمعنى ثبوت البدل على عهدته يكون كذلك في السابق أيضا.

الثاني- ان الفرق بين الخطاب بالأداء و الخطاب الذمي غير واضح فان ثبوت البدل بالذمة (و هو الحكم الوضعي) يكون يتبع التكليف بالأداء.

الثالث- ان الفرق بين السابق و اللاحق بثبوت البدل على اللاحق و عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 493

..........

______________________________

ثبوته على السابق خلاف الإجماع فإن إجراء أحكام الدين على ما بذمة السابق أيضا من تقديمه على الوصايا و ضربه مع الغرماء و جواز مصالحة المالك مع السابق على ما بذمته متسالم عليه عندهم.

الرابع- ان تملك السابق البدل على اللاحق بلا موجب لعدم وقوع المعاوضة الاختيارية مع المالك و لا دليل على المعاوضة القهرية و بتعبير آخر أداء السابق ما على اللاحق الى المالك نظير أداء شخص دين الآخر في ان المؤدى لا يملك على المديون غاية الأمر أداء دين الغير في سائر المقامات مستحب، و في المقام واجب على السابق.

و الخامس- ان لازم ما ذكر عدم جواز رجوع السابق بعد أداء البدل الأعلى خصوص

من تلف العين بيده لا الى كل من تسلمها منه و ان لم تتلف بيده حيث ان البدل الذي ملكه السابق بالمعاوضة القهرية ثابت بذمة من تلف العين بيده دون الآخرين.

أقول الصحيح في وجه استقرار الضمان على من تلف المال بيده ما ذكرنا سابقا من أن دفع الضامن البدل الى المالك معاوضة قهرية بين ذلك البدل و العين التالفة حيث ان عمدة الدليل على الضمان في موارد ضمان اليد هي السيرة الدارجة بين العقلاء و مقتضاها حصول المعاوضة المزبورة بالدفع و لذا لا يكون للمالك بعد تسليم البدل طلب بقايا العين و عليه ففي مورد تعاقب الأيدي على العين و تلفها يجوز لدافع البدل مطالبة ذلك البدل من كل من تسليم العين منه و لو بالواسطة الى ان يستقر الضمان على من تلف العين بيده باعتبار وضع كل منهم يده على تلك العين و لكن لا يجوز له الرجوع الى سابقه لان السابق قد دفع تلك العين اليه قبل ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 494

غرم للمالك بدل الحيلولة (1)

______________________________

فلا يكون لضمان السابق موجب و ربما يقال كما عن بعض الأجلاء العظام ان المبادلة القهرية أمر لا أساس له عند العقلاء و انما ذكرها بعض المتأخرين و لعل احتمالها قد نشأ من تعبير الأصحاب عن الغرامة بالبدل حيث لا يعقل كون المعدوم حال عدمه ملكا لصاحبه أو ملك الغارم.

و فيه انه قد تقدم في توضيح الكشف الحكمي في اجازة المالك إمكان كون شي ء في زمان ملكا لواحد و في ذلك الزمان بعينه ملكا لاخر مع تعدد زمان الاعتبار و عليه فقبل دفع الضامن الأول البدل يعتبر التالف ملكا للمالك في زمان

طريان التلف عليه و بعد دفعه البدل يعتبر ذلك التالف في ذلك الان ملكا للضامن و المصحح لذلك الاعتبار ترتب الأثر عليه، من ملك الضامن بقايا التالف و رجوعه الى الضامن الثاني.

و يشهد لذلك ملاحظة فسخ البائع البيع بالخيار المشروط له مع تلف المبيع في يد المشتري فإنه قبل الفسخ يكون المبيع زمان طريان التلف عليه ملك المشترى و بعد الفسخ يعتبر ذلك المبيع في ذلك الان ملك البائع و لذا يرجع اليه ببدله كما لا يخفى.

(1) يعني إذا لم يمكن انتزاع العين ممن تكون بيده يغرم من رجع اليه المالك، بدل الحيلولة.

أقول قد ذكرنا سابقا انه لا أساس لبدل الحيلولة، بل ان كانت العين بحيث تعد تالفة فللمالك الرجوع الى الضامن بالبدل، و الا فعليه الصبر ليتمكن الضامن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 495

نعم ليس للمالك أخذ مؤنة الاسترداد (1)

______________________________

أو هو على استرداد العين غاية الأمر يكون له عوض المنافع الفائتة، كما تقدم، كما انه بعد أخذ المالك البدل للعين لا يستحقها فيما إذا اتفق إمكان استردادها مستقبلا لحصول المبادلة قبل ذلك.

(1) لا يبعد ان يكون للمالك ذلك فيما إذا لم تكن الأجرة المزبورة زائدة على اجرة المثل، لا مع زيادتها، لان العين له، فلا يجوز للآخرين التصرف فيها و لو بالاسترداد المزبور، و عمل المالك محترم فيستحق الأجرة عليه، نعم إذا كانت الأجرة زائدة على أجرة المثل فلا تتعين تلك الزيادة على الضامن فإنه مقتضى حديث نفى الضرر و لا يعارض بضرر المالك فان عدم استحقاق المالك تلك الزيادة من قبيل عدم النفع و لا يكون ضررا عليه.

و بهذا يظهر الحال فيما إذا لم يتمكن على الاسترداد غير المالك

و طلب من الضامن الزائد على الأجرة المتعارفة فان في الفرض مقتضى حديث نفى الضرر عدم وجوب الاستجابة لتلك الزيادة.

و ظهر ايضا انه لو تمكن الضامن على استرداد العين من غير صرف المال و طلب المالك أجرة المثل ليباشر باستردادها يكون وجوب القبول مقتضى حرمة التصرف في مال الغير بلا اذن مالكه، و احترام عمل ذلك المالك و اللّه سبحانه هو العالم.

ثم انه بقي في المقام أمر و هو انه لو ابرء المالك أحد الأشخاص المتعاقبة أيديهم على المال التالف فهل يسقط حق المالك بمطالبة البدل عنه فقط أو لا يبقى له بعد ذلك حق بان يطالب البدل عن السائرين الأظهر هو الثاني، لأن المال بدل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 496

[بيع ملكه مع ملك غيره بصفقة]
اشارة

الظاهر ان حكمه حكم بيع ما يقبل (1) لظهور الإجماع (2) مضافا الى صحيحة الصفار (3)

______________________________

واحد و ذلك البدل ثابت على كل من الأشخاص المتعددة بحيث يصح له مطالبة اى منهم بذلك البدل و لا يبعد ان يكون جواز المطالبة من حقوق المالك، بحيث له ان يسقطه عن أحد مع إبقاء البدل بذمته كما يشهد بذلك جواز تأجيل الدين بالاشتراط، فبالجملة للمالك ان يسقط حق مطالبته عن أحد مع بقاء المال على عهدته، و لكن إذا أسقط المال عن عهدته، فهو مساوق لاستيفاء ذلك البدل، و قد تقدم ان مع استيفاء البدل من أحدهم يسقط البدل عن عهدة الآخرين، و انه لا يبقى له دين على عهدة الآخرين كما لا يخفى.

(1) وجه الظهور عدم احتمال الفرق بين ما إذا باع ملكه مع غيره بصفقة واحدة و بين ما إذا باع ما يقبل الملك مع مالا يقبله بثمن واحد في

صفقة واحدة.

(2) تعليل للحكم بالصفحة بالإضافة الى ما يقبل الملك فيما إذا باعه مع ما لا يقبله.

(3) يعنى مضافا الى عدم احتمال الفرق بين المسألتين يدل على الحكم في المقام صحيحة الصفار «1» فان قوله عليه السّلام فيها و وجب الشراء فيما يملك وارد فيما إذا باع مملوكه

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12 الباب (2) من أبواب أحكام العقد البيع الحديث (1) ص 252

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 497

نعم لو لا النص و الإجماع (1)

______________________________

مع غيره بصفقة واحدة كما لا يخفى.

(1) يعنى لو لم يكن في البين صحيحة الصفار و الإجماع على الصحة في المسألة الاتية مع ملاحظة عدم الفرق بين المسألتين في الحكم، لأمكن المناقشة في صحة البيع بالإضافة إلى ملك البائع بما يأتي في المسألة الاتية من ان مع اجراء البيع على المجموع بثمن واحد، لا يكون تبعيضه و الحكم بصحته بالإضافة إلى ملك البائع، مقتضى إطلاق دليل الإمضاء حيث أن نقل بعض المثمن لا يكون مقصودا إلا في ضمن نقل المجموع بمجموع الثمن.

أقول التبعيض و الحكم بالصحة بالإضافة إلى ملك البائع أو ما يقبل الملك لا يحتاج إلى الإجماع، أو النص، بل- انحلال البيع بالإضافة الى أجزاء المبيع يعني أجزائه المشاعة على الإطلاق، و أجزائه الخارجية فيما إذا كان بنظر العرف من بيع المجموع من الشيئين كما ذكرنا سابقا- مقتضاه دخول كل من البيوع الانحلالية في دليل الإمضاء على الاستقلال كما في انحلال الموضوع في سائر الخطابات بالإضافة إلى أفراد ذلك الموضوع، و هذا بناء على عدم تمام بيع الفضولي بإجازة المالك.

و اما بناء على تمامه بها، فلا ينبغي الريب في صحته بالإضافة إلى ملك الآخر أيضا مع أجازته،

و بالإضافة إلى ملك البائع مع عدمها غاية الأمر مع صحة البيع في بعض ما جرى عليه العقد فقط يثبت للمتبايعين مع جهلهما بان بعض ما جرى عليه البيع ملك الغير أو لا يقبل الملك، خيار تبعض الصفقة الذي مرجعه الى خيار تخلف الشرط على ما يأتي في بحث الخيارات إنشاء اللّه تعالى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 498

بما سيجي ء في بيع ما يملك و ما لا يملك (1) فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك (2) مقيد في بعض الكلمات بما إذا لم يتولد (3)

______________________________

و نظير جهل البائع ما لو كان بيعه بدعوى وكالته في المال الآخر و أنكرها مالكه فإنه يثبت في الفرض للبائع أيضا خيار تبعض الصفقة و إذا كان البائع أو المشتري عالما بالحال فلا مجال لثبوت الخيار له و لعل كلام الغنية الذي نفى الخيار للبائع يراد به صورة علمه بالحال و كلام الشيخ (ره) في الخلاف الذي قوي ثبوته له ناظر إلى صورة جهله بالحال.

و اما صحيحة الصفار فان كان المراد بالوجوب فيها اللزوم فمقتضاها عدم ثبوت الخيار لا للبائع و لا المشترى حيث ذكر فيها (وجب الشراء من المالك) و هو غير وجوب الشراء على المالك و لكن الظاهر و لا أقل من الاحتمال بان المراد هو ثبوت البيع فلا ينافي كونه خياريا.

(1) بالبناء للمفعول أى بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبل الملك.

(2) بان كان البائع معتقدا بأن المبيع بتمامه ملكه، ثم ظهر خلاف اعتقاده و ان بعضه مملوك الغير، فان مع رد ذلك الغير البيع في ماله، يصح البيع بالإضافة إلى ملك البائع.

أقول لا يحتمل الفرق بين المقام و ظهور بعض

المبيع ملك الغير بل ظهوره ملك الغير من فروض المسألة فلا وجه للاستشهاد للحكم بالصحة في المسألة بالصحة في ذلك الفرض.

(3) كما إذا باع دينارين و درهمين، بدينار و درهم، فإنه يكون صحة هذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 499

..........

______________________________

البيع، و عدم لزوم الربا، باعتبار وقوع كل جنس بإزاء مخالفه، فيكون بيع الدينارين بدرهم، و بيع الدرهمين بدينار، و هذا مستفاد من بعض الروايات الواردة في الفرار من الربا، و إذا ظهر في المثال كون الدينار المنضم الى الدرهم ملك الغير تكون المعاملة بالإضافة إلى الدرهم ربوية، حيث يقع بإزائه أزيد من الدرهم الواحد.

لا يقال مقتضى وقوع كل جنس بإزاء مخالفه لتصحيح المعاملة، صحة بيع الدينارين بالدرهم و بطلان بيع الدرهمين بالدينار، و لا يلزم من ذلك ربا.

فإنه يقال انحلال المبادلة إلى مبادلتين كما ذكر لم يكن من قصد المتعاملين بل بالتعبد المستفاد من بعض الروايات، و لذا تصح المبادلة فيما إذا قصد مبادلة المجموع بالمجموع و على ذلك فلو تم البيع بالإضافة إلى مجموع العوضين يكون مقتضى تلك الرواية وقوع كل جنس بإزاء مخالفة، فلا ربا، و اما مع فساد البيع في بعض العوضين و لو بظهور كونه ملك الغير، فلا موجب للقول بوقوع الجنس المملوك لبائعه بإزاء مخالفه، فان الوقوع كذلك اما بقصد المتعاقدين، أو بالتعبد، و المفروض انتفاء الأول، و ورود التعبد في صورة صحة البيع في الضميمة.

و ربما يقال ان ضم مال الغير للفرار من الربا غير مفيد حتى مع اجازة مالك تلك الضميمة. و كذا في مسألة بيع العبد الآبق، و ذلك فان كلا من المالكين يكون بائعا بالإضافة إلى ماله فقط و مكلفا بالوفاء ببيعه،

فيكون البائع مع كون الضميمة ملك الغير بايعا ماله بجنسه مع الزيادة، مثلا إذا باع دينار غيره منضما الى درهمه بخمسة عشر درهما، و فرض ان الدينار يساوى عشرة دراهم فيكون بيع درهمه بالأزيد من الدرهم، كما يكون بيع الآخر ديناره بالأزيد من عشرة دراهم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 500

[تقسيط الثمن على المالين]

و طريق معرفة حصة كل منهما من الثمن (1)

______________________________

أقول قد ذكرنا أن ظاهر الروايات الواردة في الفرار من الربا، وقوع درهم واحد بإزاء درهمه، و الباقي و هي أربعة عشر بإزاء الدينار، فلا ربا مع التعبد بالانحلال بهذا النحو و لم يذكر في تلك الروايات الا اعتبار الضميمة، لا اعتبار كونها ملك البائع أيضا.

نعم ناقش صاحب الجواهر (ره) في استحقاق مالك الدرهم درهما و مالك الدينار أربعة عشر درهما، و لكن لا لاعتبار ملك البائع الضميمة بل مناقشته مع الالتزام بصحة البيع، و ايضا لا وجه لاعتبار ملك الضميمة في مسألة بيع العبد الآبق فإنه و ان ذكر في بعض الروايات ان الضميمة باعتبار أنه لو لم يظفر المشترى بالآبق يكون قد وصل إليه بإزاء ثمنه تلك الضميمة، الا ان المراد ان لا يخرج تمام الثمن عن ملكه بلا عوض أصلا، و لا يقتضي ذلك اعتبار كون الضميمة ملك بايع العبد و تملكها منه.

(1) ذكر (ره) في تعيين حصة البائع من الثمن مع اجازة المالك و عدمها، ان يقوم كل من مال البائع و المال الآخر منفردا، و يجمع قيمتها، و يلاحظ نسبة قيمة كل الى ذلك المجموع فيؤخذ من الثمن المسمى بتلك النسبة مثلا إذا كانت القيمة لمال البائع أربعة دراهم و القيمة السوقية للمال الآخر ثمانية، يصير مجموعهما اثنى

عشر درهما فتكون قيمة ما للبائع ثلث المجموع، و لو فرض ان الثمن المسمى ستة دراهم فيستحق البائع منه الثلث، يعنى درهمين، و يجرى هذا حتى فيما إذا كان للهيئة الاجتماعية دخل في زيادة القيمة السوقية كمصراعي الباب، و الى هذا النحو من التقسيط يشير ما في الإرشاد من انه يقسط المسمى على القيمتين أى على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 501

و لعله ايضا مرجع ما في الشرائع و القواعد (1)

______________________________

القيمة السوقية لمال البائع و القيمة السوقية للمال الآخر فإن تقسيط الثمن المسمى عليهما لا يكون الا بما ذكر.

(1) ذكر في الشرائع و القواعد و اللمعة في تعيين حصة البائع من الثمن، انه يقومان معا، ثم يقوم أحدهما و لعل المراد بذلك ايضا ما تقدم من تقوم كل من المالين منفردا ثم جمع القيمتين و تعيين نسبة أحدهما إلى المجموع و الأخذ من الثمن المسمى بتلك النسبة.

و يؤيد كون المراد ما ذكر تفسير جامع المقاصد عبارة الإرشاد بما في الكتب المزبورة و لكن للمناقشة في ذلك مجال واسع فان ظاهرها تقويم المالين معا ثم تقويم أحدهما منفردا و تعيين النسبة بين قيمة أحدهما منفردا و قيمة كليهما معا، و الأخذ من الثمن المسمى بتلك النسبة، مثلا إذا كان المبيع مصراعي الباب و قوم المصراعان معا بعشرة دراهم و قوم أحد المصراعين بدرهمين تكون النسبة بين قيمة أحدهما منفردا و قيمة كليهما معا الخمس، و لو فرض الثمن المسمى خمسة دراهم فيرجع المشترى الى البائع بخمس الثمن، اى بدرهم واحد و يبقى للبائع أربعة دراهم بإزاء مصراع واحد و الوجه في ظهور عبارة الكتب في ذلك ان المذكور فيها تقويم أحدهما بعد

تقويم المالين و هذا لا يكون إلا إذا كان تقويم المالين بتقويمهما معا.

و هذا بخلاف الطريق السابق فإنه عليه يكون للبائع نصف المسمى اى درهمان و نصف و يرجع المشترى بنصفه الآخر لأن النسبة على الطريق المزبور بين قيمة أحدهما و مجموع القيمتين هو النصف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 502

فان الالتزام هنا بالنسبة المذكورة يوجب الجمع (1) فان قلت ان المشترى إذا بذل (2)

______________________________

(1) و لكن لا يلزم الجمع بين العوض و المعوض على التقسيط الذي ذكره (ره) بل بناء عليه يرجع المشترى بنصف الثمانية باعتبار ان قيمة كل من الجارية و أمها على الانفراد عشرة فيصير مجموع قيمتها عشرين و النسبة بين قيمة إحداهما أي العشرة و المجموع هو النصف، و لكن ينبغي أن يعد هذا الفرض على تقدير اتفاقه اشكالا ايضا على التقسيط الذي ذكره (ره) و استظهره من عبارة الإرشاد و غيره حيث لا وجه لاستحقاق البائع أربعة دراهم مع كون ملكه مساويا لتمام الثمن المسمى.

(2) و حاصله ان المتعين في طريق تقسيط المسمى هو ما ذكر في الشرائع و القواعد و اللمعة، و لكن ينبغي أن يكون المراد بأحدهما في قولهم (يقومان جميعا ثم يقوم أحدهما) هو مال البائع و انه إذا قوم المالان ثم قوم مال البائع منفردا و عين النسبة بينهما يكون البائع مستحقا من المسمى بتلك النسبة كما إذا قوم الباب بمصراعيه بعشرة دراهم و قوم مال البائع بدرهمين و النسبة بين الدرهمين و العشرة هي الخمس فيستحق البائع درهما في فرض كون المسمى خمسة دراهم و الوجه في تعيين التقسيط بهذا النحو هو جريان البيع على المالين مع الهيئة الاجتماعية و ما تم

بيعه هو مال البائع منفردا.

و على ذلك يستحق البائع في مثال الأمة و أمها تمام الثمانية لأنه لا قيمة للهيئة الاجتماعية و لا يلزم من استحقاق الثمانية الجمع بين العوض و المعوض هذا.

و لكن ما ذكر غير صحيح، و ان البائع في بيع مصراعي الباب، يستحق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 503

[و لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار]
اشارة

و لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار (1)

______________________________

نصف الثمن المسمى و الوجه في ذلك ان الهيئة الاجتماعية من قبيل الأوصاف، و الأوصاف لا تقع بإزائها الثمن ليقسط عليها كتقسيطه على المالين و هذا في الضمان المعاوضي و اما في ضمان اليد فالأوصاف و منها الهيئة الاجتماعية تدخل في الضمان و يكون تلف الوصف في يد الغاصب كتلف نفس العين مضمونا عليه.

أقول- بالتأمل في جميع ما تقدم يظهر انه يعتبر في تقسيط الثمن على المالين تقويمهما حال بيعهما اجتماعا ثم تقويم ملك البائع منفردا في فرض عدم اجازة مالك الآخر البيع في ماله و ان البائع يستحق من الثمن المسمى بتلك النسبة كما انه يقوم مال البائع بلحاظ بيعه منضما الى المال الآخر في فرض اجازة مالك المال الآخر، فإن عدم ضمان الهيئة الاجتماعية كسائر الأوصاف بضمان معاوضي، ليس مقتضاه تقويم كل من المالين منفردا مع دخالة الهيئة الاجتماعية في زيادة الثمن كما لا يخفى.

(1) و حاصله لو فرض اشتراك الاثنين أو الأزيد في عين بنحو الإشاعة كما إذا كانت الدار مشتركة بينهما بالمناصفة و باع أحدهما نصفها فان علم إرادة البائع بيع حصته شريكه أو الإشاعة بين الحصتين فلا كلام، و اما إذا لم يقصد الا مدلول قوله بعت نصف تلك الدار بكذا و فرض قبول

المشترى ذلك المدلول، فهل ينتقل إلى المشتري تمام حصة البائع من تلك الدار أو يكون المبيع نصف كل من حصتي البائع و شريكه، فيكون البيع المزبور نافذا بالإضافة الى نصف حصة البائع، و فضوليا بالإضافة الى نصف حصة شريكه، احتمالان.

و يقتضي الأول ظهور النصف و انصرافه في مقام التصرف الى ما ينفذ فيه تصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 504

..........

______________________________

البائع و لكن هذا الظهور معارض بظهور النصف في نفسه في الإشاعة بين الحصتين كما انه معارض بظهور بيع البائع في كونه بالأصالة.

و بالجملة ان البيع بالإضافة الى نصف حصة البائع محرز، و اما بالإضافة إلى نصفها الآخر أو نصف حصة شريكه فمقتضى المعارضة المزبورة عدم إحراز شي ء منهما.

و بهذا يفترق المقام من قول البائع بعت غانما حيث ان الغانم بمعنى العبد، من الكلي الطبيعي الصادق على كل من عبد البائع و عبد غيره، و يحمل على عبد البائع بمقتضى وقوعه مقام التصرف، و ظهور الهيئة في قوله بعت غانما في الأصالة من غير ظهور معارض، و هذا بخلاف ما إذا قال بعت نصف الدار المفروض كونها مشتركة بين الاثنين بنحو الإشاعة، فإن ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين مانع عن الحمل على خصوص حصة البائع.

ثم إذا كان البائع المزبور وكيلا عن شريكه أو وليا عليه فهل يكون الحكم كما في صورة كونه أجنبيا أم لا الصحيح ان يقال إذا كان المعارض لظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين في الصورة السابقة، هو ظهور النصف بقرينة مقام التصرف في النصف المختص للبائع كما هو الأظهر، فلا معارضة في صورتي الوكالة و الولاية بل يؤخذ بظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين، لان الموجب لظهور

النصف في خصوص حصة البائع، عدم نفوذ تصرفه في غير تلك الحصة، و مع الوكالة أو الولاية، يكون تصرفه نافذا في حصته و حصة شريكه على السواء.

و على ذلك فمع عدم تعيين احدى الحصتين بخصوصها كما، هو المفروض يحمل المبيع على الإشاعة بينهما.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 505

و ما ذكره الشهيد الثاني (ره) من عدم قصد الفضولي (1)

______________________________

و اما ظهور البيع في كونه بالأصالة فهذا لا يعارض ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين بل ظهور النصف، يكون حاكما على ظهور البيع في الأصالة، فإن ظهور البيع في الأصالة من قبيل الظهور الإطلاقي للفعل و بمقدمات الحكمة و لذا لو قيد البيع بكونه عن الغير أو للغير فلا يكون له ظهور في الأصالة و ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين أيضا ظهور إطلاقي و لا يكون له ظهور في الإشاعة بينهما فيما إذا قيد تلك النصف بسهمه أو سهم شريكه، الا ان ظهور المتعلق و لو كان إطلاقيا يكون حاكما على ظهور الفعل حيث ان المتعلق بالإضافة إلى الفعل من قبيل المقيد بالإضافة إلى المطلق.

و بهذا يظهر انه لو لم يكن في الصورة الأولى ظهور النصف و انصرافه إلى حصة البائع بقرينة مقام التصرف، لكان ظهور البيع في الأصالة محكوما بظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين.

و الحاصل ان مع عدم وكالة البائع أو ولايته لا يحمل النصف على الإشاعة بين الحصتين بل يكون إنشاء البيع مجملا بالإضافة الى بعض المبيع بخلاف صورتي الوكالة و الولاية فإنه يحمل فيهما النصف على الإشاعة و اليه يشير قوله (ره) (فالأقوى فيهما الاشتراك).

(1) و حاصله أنه بناء على كلام الشهيد الثاني من عدم قصد الفضولي مدلول

اللفظ يكون النصف محمولا على خصوص حصة البائع فيما إذا كان أجنبيا و يحمل على الإشاعة بين الحصتين على تقدير كونه وكيلا أو وليا على شريكه و ذلك فإن أصالة القصد في كل متكلم و متصرف و منه البائع يكون معينة للمراد من النصف في قوله (بعت نصف الدار) و ان المبيع خصوص حصته بخلاف صورة الوكالة أو الولاية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 506

الا ان يمنع ظهور النصف إلا في النصف المشاع (1)

______________________________

فإن الأخذ فيهما بظاهر النصف يعني الإشاعة بين الحصتين لا ينافي أصالة القصد حيث ان البائع لكونه وكيلا أو وليا يقصد البيع لا محالة.

(1) و حاصله انه يمكن منع ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين بان يقال غاية ظهوره الإشاعة في مجموع العين لا في كل من الحصتين فيكون مقتضى قوله (بعت نصف الدار بكذا) حتى في صورة وكالته أو ولايته هو بيع خصوص حصته و كما كان في قوله (بعت غانما) مقتضى الأصالة، بيع عبده كذلك في قوله (بعت نصف الدار).

و لذا ذكروا في مسألة ما إذا وهبت الزوجة نصف مهرها لزوجها، ثم طلقها الزوج قبل الدخول بها، انه يستحق الزوج بالطلاق، النصف الباقي، و لو كان النصف ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين، لكان للزوج بعد الطلاق، نصف النصف الباقي، و قيمة نصف الموهوب.

(لا يقال) لا شهادة في الفرع على كون النصف المضاف الى العين ظاهرا في الإشاعة في مجموع تلك العين، لا في الإشاعة بين الحصتين، و ذلك فان استحقاق الزوج النصف الباقي من المهر باعتبار ان حقه الأول هو نصف النصف الباقي، و قيمة نصف النصف الموهوب، و لكن يجوز في القيميات مع التمكن على

المثل دفعه و حيث ان النصف الباقي على ملك الزوجة، مثل النصف الموهوب فلا تعتبر قيمة الموهوب، نظير ما ذكروا في باب القرض انه لو أقرض قيميا، فللمقترض دفع العين التي اقترضها باعتبار أن مع دفعها لا تعتبر القيمة.

(فإنه يقال) نعم يمكن ان يكون ما ذكر وجها لاستحقاق الزوج تمام المهر في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 507

..........

______________________________

الفرض المزبور الا ان ظاهر كلماتهم فيه، لا يساعد على هذا الوجه، بل ظاهرهم ان استحقاق الزوج تمام المهر، باعتبار صدق نصف المهر على النصف الباقي، و انه لا فرق بين النصف المضاف الى العين، و بين سائر الكلي الطبيعي المحمول على الفرد المملوك.

و على ذلك يكون حكمهم باستحقاق الزوج النصف الباقي من المهر بالطلاق قبل الدخول باعتبار صدق النصف عليه، منافيا لما يذكر في المقام من ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين و لكنه يحمل على خصوص حصة البائع بقرينة مقام التصرف.

و أيضا ينافي ما يذكر في المقام ما ذكروه في باب الصلح من انه لو كانت العين بيد أحد و ادعاها اثنان بسبب موجب للشركة بين المدعيين كما إذا قالا انهما ورثاها من أبيهما و فرض إقرار ذي اليد لأحدهما بنصفها و لم يعترف للآخر بنصفها الآخر ثم بعد ذلك صالح المقر له مع المقر في النصف الذي اعترف له بألف دينار، فإنهم ذكروا صحة الصلح و نفوذه في ربع الدار و اما في ربعها الآخر فتمام الصلح موقوف على إجازة المدعي الآخر.

و وجه المنافاة ان النصف الذي وقع مورد الصلح بألف دينار يصدق على كل من نصفها الذي يدعيه المصالح و على النصف الذي يدعيه الآخر، و على النصف من الحصتين

و مقتضى وقوعه في مقام المصالحة و التمليك حمله على النصف الذي ملكه باعتراف ذي اليد، و لذا لو صالح المقر له ذلك مع شخص آخر قبل اعتراف ذي اليد، نفذ الصلح في نصفه المختص.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 508

[الإقرار بالصحة للغير]

و لذا اختار سيد مشايخنا (قدس سرهم) اختصاصه بالمقر له (1) و على كل حال فلا إشكال في ان لفظ (2)

______________________________

(1) يعنى حيث ان ما ذكروه في مسألة المصالحة من نفوذها في ربع المال ينافي ظاهرهم من حمل النصف في مقام التصرف على خصوص حصة المتصرف اختار بحر العلوم (ره) ان النصف في مسألة المصالحة أيضا يحمل على خصوص حصة المقر له فتكون المصالحة نافذة في تمام حصة المقر له و هي نصف العين.

و ايضا فصل في المسالك و قال لو أجريت المصالحة على نصف المقر له أو على نصف العين فتحمل على الحصة الواقعية للمقر له لان مقتضى الإضافة في الأول و مقتضى الظهور في مقام التصرف في الثاني، هو الحمل على حصة المتصرف.

و اما إذا أجريت على النصف المعترف به فتحمل على الإشاعة بين الحصتين فتكون نفوذ معا بتمامها محتاجا إلى إجازة صاحبه و لكن يرد على المسالك ان ما ذكر ليس تفصيلا في مسألة المصالحة بل اختيار لقول المشهور القائلين بالحمل على الإشاعة بين الحصتين، لان المفروض في كلماتهم اجراء المصالحة على النصف المعترف به فراجع.

(2) يعنى يحمل النصف المضاف الى العين في مقام الإقرار على الإشاعة بين الحصتين، بلا خلاف نعم مع القرينة على ارادة المقر، حصته أو حصة غيره، فلا كلام، و لهذا أفتوا فيما إذا كانت العين بيد اثنين و كانت يد كل منهما عليها

بالمناصفة و اعترف أحدهما لثالث بثلثها و أنكره صاحبه، بأن ما بيد المعترف من نصف العين يكون بينه و بين الثالث المزبور على حد سواء، كما ان ما بيد الآخر من نصف الدار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 509

..........

______________________________

يكون الزائد على حصته و هو سدس العين محسوبا على المعترف و الثالث على حد سواء.

لا يقال- هذا الفتوى غير مناسب لحمل الاعتراف لثالث على الإشاعة بين الحصتين، فان مقتضى حملة عليها ان يكون ثلث ما بيد المعترف الذي هو سدس العين و ثلث ما بيد الآخر و هو سدسها أيضا لذلك الثالث، و حيث ان صاحب المعترف ينكر الاعتراف، فقد تلف سدس العين على ذلك الثالث، و يبقى له السدس الذي بيد المعترف.

(فإنه يقال) ما بيد المنكر من نصف العين ليس عين ماله، بل مقدار حصته بزعم المقر و زائد على ذلك المقدار، بثلث و لو كان مال المنكر متعينا بما بيده كما إذا كان داران إحداهما بيد زيد و الأخرى بيد عمرو و اعترف زيد لثالث بنصف كل من الدارين ففي هذه الصورة باعتبار تعين مال عمرو بما بيده، يكون النصف الآخر مما بيده تالفا على الثالث فقط للإنكار.

و الحاصل ما بيد المعترف في المثال المتقدم، مقدار حصته مع زيادة لا انه حصته بل حصة ذلك الثالث و المعترف مقدار بلا تعيين خارجي لهما و على ذلك فما يحصل من العين بيد المعترف نسبته اليه و الى الثالث على حد سواء، كما ان ما بيد المنكر زائدا على حصته، و هو سدس العين، نسبته أيضا الى المعترف و الثالث على حد سواء، و نتيجة ذلك هو الحكم بالمناصفة في التالف و

ما بيد المعترف حتى مع حمل الاعتراف على الإشاعة بين الحصتين.

نعم لو قيل بإمكان تعلق الغصب بالمشاع، و بجواز تقسيم أحد الشريكين مع الغاصب في إفراز حصته لأمكن القول بان سدس العين المفروض كونها بيد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 510

نعم يمكن ان يقال ان التلف في هذا المقام (1)

______________________________

المنكر يحسب تالفا على الثالث فقط بدعوى ان وضع كل منهما يده على نصف العين بمنزلة تعيين كل منهما حصته بما بيده، فلا مال للمعترف بيد المنكر ليحسب تالفا عليه و على الثالث معا و لكن تعلق الغصب بالمشاع و ان كان ممكنا الا انه لا يصح الافراز مع الغاصب بل لا بد من كونه برضاء الشركاء.

و يتفرع على ذلك أى على تعلق الغصب بالمشاع و عدم صحة الإفراز مع الغاصب، انه لو كانت الدار لاثنين على الإشاعة و كانا ساكنين فيها و اخرج الظالم أحدهما و سكن مكانه، فيلزم على الشريك الساكن نصف اجرة المثل في نصف الدار لصاحبه الذي أخرجه الظالم لأن حصة الشريك الساكن لا يتعين في النصف الذي يسكن باعتبار عدم صحة الإفراز مع الغاصب، نعم يكون ما على الظالم ايضا من أجرة المثل له و لشريكه بالمناصفة.

(1) يعني يمكن ان يقال عدم جواز الافراز مع الغاصب، لا يلازم عدم الإفراز في المقام، بل في المقام يكون الزائد في يد المنكر محسوبا على المقر له، و ذلك لان إنكاره موجب لجواز وضع يده على نصف المال الزائد على حصته بزعم المقر، حسابا لذلك الزائد على المقر له.

و نظير المقام مسألة الإقرار بالنسب فان مقتضى إنكار الوارث الآخر ان يضع يده على الزائد على حصته حسابا على من لم

يقر بنسبه فلا يكون ما بيد المقر مشتركا بينه و بين المقر له على حد سواء.

و لكن لا يخفى ان مقتضى نفوذ الإقرار على المقر ان يترتب على ما بيده من المال اثر الواقع و المفروض ان ما بيده بحسب إقراره ملك له و للمقر له على حد سواء كما ان الموجود بيد المنكر يكون الزائد منه على حصته مشتركا بينه و بين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 511

..........

______________________________

المقر له كذلك.

أقول لا ينبغي الريب في ان النصف أو نحوه عند إضافته إلى عين لا يكون ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين كما تقدم في تقرير مسألة الطلاق و إذا ملك زيد و عمرو دارا بالمناصفة فأي جزء يفرض من الدار فهو و ان كان مشتركا بينهما بالمناصفة الا ان حصة كل منهما لا ينتصف بينهما بالمناصفة و لذا لا يكون عند ما يقال نصف تلك الدار في مقام البيع و الإقرار ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين بل النصف أو نحوه بالإضافة إلى الحصتين من قبيل الكلي في المعين و المراد بالإشاعة فيه عدم تعيين النصف في جهة العين بكونه طرفها الشرقي أو الغربي بل أى جزء يفرض من العين يقع مورد الحكم بمقدار النصف و اما حساب ذلك المقدار على اى من الحصتين أو عليهما فلا بد من القرينة عليه، و مقتضى القرينة في مقام التصرف حمله على حصة المتصرف فقط حيث ان مقتضى الإطلاق أي مقدمات الحكمة في ذلك المقام وقوع التصرف لنفسه لا عن الآخر بالولاية أو فضولا فان الوقوع عن الأخر كذلك يحتاج الى التقييد و القصد فيما إذا كان المال الذي يتصرف فيه كليا في الذمة، أو كليا

في المعين، و المفروض في المسألة، ان البائع لم يقصد من قوله بعت نصف الدار بكذا، الا ما يكون ظاهرا منه عند تمام الإطلاق.

و لا يبعد ان يكون الأمر كذلك في مسألة استحقاق الزوج تمام المهر مع الطلاق قبل الدخول و بعد هبة الزوجة نصف مهرها له، حيث ان مقتضى خروج النصف من ملك الزوجة إلى ملك زوجها بالطلاق قبل الدخول استحقاق تمام المهر.

و ما تقدم من المصنف (ره) من ان ظهور المتعلق حاكم على ظهور الفعل بمعنى انه لا تتم مقدمات الإطلاق في ناحية الفعل المقتضى لصدور الفعل عن الفاعل بالأصالة مع ظهور المتعلق في الإشاعة بين الحصتين، ففيه أولا ان المتعلق كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 512

و اما مسألة الإقرار بالنسب (1)

______________________________

ذكرنا لا ظهور له في الإشاعة بين الحصتين.

و ثانيا لا يكون ظهور المتعلق بيانا في كل مقام بل ربما يكون ظهور الفعل، بيانا لإطلاق المتعلق، نظير قوله لا تضرب أحدا فإن النهي عن الضرب الظاهر في المولم، قرينة على تقييد المتعلق بالاحياء، و قد ذكرنا (ره) في بحث الاستصحاب ان النهى عن النقص قرينة على اختصاص المراد من اليقين و الشك بموارد الشك في الرافع.

هذا كله في مقام التصرف و نحوه و اما في مقام الإقرار، فليس في البين ما يوجب تعيين المقر به بخصوص حصة المقر، بل الاخبار عن حصة من العين بأنها للغير، مقتضاه ان الحصة المزبورة تخرج عن تمام العين فينفذ من الإقرار بمقدار الإقرار على النفس و لا ينفذ ما يكون إقرارا على الغير.

(1) و مما ذكرنا في مسألة اعتراف أحد الشريكين بثلث العين للآخر يظهر حال إقرار أحد الوارثين بالنسب للثالث في

ان ما يكون بيد الوارث المنكر لا يحسب تالفا على ذلك الثالث فقط بل يكون ما بيد المقر لهما و ما بيد المنكر تالفا عليهما على حد سواء.

نعم في البين روايات «1» و ربما يستظهر منها ان التالف بالإنكار لا يحسب على المقر بالنسب للثالث و لكنها لضعفها غير قابلة للاعتماد عليها و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور فيها ما لا يخفى لان نقل أصحاب الحديث تلك الروايات في كتبهم لا يدل على عملهم بها كما يمكن ان يكون عمل البعض من غيرهم لاعتقادهم

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (26) الحديث (5- 6)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 513

[بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله]

و دعوى انصرافه إلى صورة (1)

______________________________

موافقة مضمونها للقاعدة حيث تقدم دعوى ان مقتضاها حساب التالف بالإنكار على المقر له فقط.

(1) حاصل الدعوى ان المراد بما لا يملك في قوله عليه السّلام و لا يجوز بيع ما لا يملك بعض القرية المفروضة في السؤال و البعض المزبور كان بيعه من بيع مال الغير و بتعبير آخر لا يتصور في قسم الأراضي ما لا يكون قابلا للملك شرعا فإن الأراضي الموقوفة أو المفتوحة عنوة أو الميتة كلها مملوكة حتى مع عدم جواز بيعها و قوله عليه السّلام و وجب الشراء من البائع فيما يملك ناظر الى حكم مورد السؤال الذي فرض فيه كون بعض المبيع غير مملوك للبائع بل مملوك للآخرين فالتعدي إلى حكم المقام يحتاج الى عدم احتمال الفرق في الحكم بين المسئلتين و لا مجال لمنع المصنف (ره) و التزامه بإطلاق الصحيحة و شمولها للمقام كما لا يخفى.

نعم خطاب حل البيع و صحته يعم المقام حيث ان البيع بالإضافة الى ما يقبل الملك

داخل في ذلك الخطاب.

و لكن ربما يناقش في صحة البيع بالإضافة الى ما يقبل الملك ايضا بوجهين:

أحدهما- ان ما قصد بيعه هو لمجموع بإزاء مجموع الثمن و بيع ما يقبل الملك بإزاء بعض الثمن غير مقصود مستقلا و انما المقصود بيعه في ضمن بيع المجموع.

و هذه المناقشة ضعيفة جدا لما ذكرنا سابقا من ان البيع الواقع على المجموع في أمثال المقام ينحل بالإضافة الى اجزاء الصفقة غاية الأمر يكون تمام البيع بالإضافة الى كل من جزئي الصفقة شرطا في بيع جزئها الآخر و لذا يثبت في صورة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 514

..........

______________________________

الجهل بالحال خيار تبعض الصفقة.

و بهذا يظهر ان قياس بطلان البيع بالإضافة إلى مجموع الصفقة ببطلان الشرط بلا وجه فان فساد الشرط ايضا كما سيأتي إنشاء اللّه تعالى في محله لا يوجب فساد البيع و ان البيع لا ينحل بالإضافة إلى شرطه بخلاف اجزاء المبيع كما ذكرنا.

و ثانيهما انه و ان ينحل البيع المتعلق بالمجموع الى بيع اجزائه الا ان دليل حل البيع و لزومه لا يمكن ان يعم ما يقبل الملك لان بيع ذلك الجزء بإزاء بعض الثمن غرري حيث لا يعلم حال البيع مقدار الثمن الواقع بإزائه.

و الحاصل لو أمكن التعدي من صحيحة الصفار بدعوى عدم احتمال الفرق بين المسئلتين فهو و الا لزم الحكم ببطلان البيع بالإضافة الى ما يقبل الملك ايضا.

و الجواب انه لا يعتبر العلم بمقدار الثمن في البيوع الانحلالية بل يكفي في خروج البيع عن كونه غرريا معلومية مجموع الثمن الواقع بإزاء مجموع المبيع بلا فرق بين صورة بطلان البيع بالإضافة الى بعض البيوع الانحلالية و عدمه و بلا فرق بين جهل المتبايعين

أو أحدهما ببطلان بعض تلك البيوع و عدمه لان العلم بالبطلان و عدم الإمضاء شرعا لا يمنع من قصد مبادلة المجموع بالمجموع و لو كان المعلومية في البيوع الانحلالية معتبرة لزم الحكم ببطلان البيع في غالب موارد الانحلال لجهل المشترى بل البائع غالبا بمقدار الثمن في كل واحد من تلك البيوع الانحلالية حال إنشاء البيع المتعلق بالمجموع في مقابل المجموع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 515

مع انه لو تم ما ذكر (1)

______________________________

و قد يقال انه لا يكون الغرر حال البيع موجبا لفساده فيما إذا ارتفع حال التسليم و في المقام يرتفع الغرر عن الثمن بتقويم ما يقبل الملك و ما لا يقبله و ملاحظة النسبة بينهما.

و فيه انه لا يمكن الالتزام بذلك فان ظاهر النهى عن بيع الغرر ان البيع فيما إذا كان في إنشائه متصفا بكونه غررا فهو محكوم بالفساد و لذا لا يمكن الالتزام فيما إذا باع صبرة مجهول المقدار ثم يكال قبل التسليم الى المشترى.

و ما يقال من ان الغرر غير الجهل بالمقدار و في المقام ليس في البيع غرر بل مقدار الثمن مجهول و الدليل على كون الجهالة في الثمن أو في المثمن موجبة لبطلان البيع هو الإجماع و من الظاهر انه ليس في المسألة إجماع لذهاب جل الأصحاب إلى صحة البيع بالإضافة الى ما يقبل الملك.

و فيه ان كان المراد بعدم الغرر في البيع معلومية مجموع الثمن بإزاء الصفقة الجارية عليها البيع فهو و ان كان صحيحا الا انه كما الغرر منتف كذلك الجهالة في ذلك الثمن أيضا منتفية و اما الجهالة في البيوع المتعددة المنحلة و الغرر فيها لا يضر بالبيع لا في المقام و لا

في غيره فلا وجه لدعوى ان الغرر غير الجهالة كما لا يخفى.

(1) يعنى لو تم ان المشترى مع علمه بالحال لا يمكن ان يقصد شراء تمام الصفقة بإزاء مجموع الثمن لزم الالتزام بان قصده في الحقيقة تعلق بشراء ما يملك بإزاء تمام ذلك الثمن لان مع اقدامه على ضمان الصفقة بإزاء تمام الثمن مع علمه بان بعض الصفقة لا يدخل في هذا الضمان في الحقيقة اقدام على ضمان ما يدخل في هذا الضمان بإزائه كما صرح بذلك الشهيد (ره) في حواشي القواعد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 2، ص: 516

بل جزم بعض هنا بوجوب تقويمهما (1).

______________________________

و ما ذكر (ره) في تلك الحواشي يناسب ما ذكروا في بيع مال الغير من العالم بالحال من انه لا يرجع بالثمن لانه سلط البائع على ذلك الثمن مجانا فإنه على ذلك يكون المشترى العالم بالحال في المقام مسلطا للبائع على تمام الثمن اما في مقابل المملوك فقط أو بعضه في مقابل ما يقبل الملك و بعضه مجانا.

(1) و هذا هو الصحيح فإنه في مورد بيع ما لا يقبل الملك بعنوانه كما إذا بيع الخمر بعنوانه فلا بد في تقويمه من تقويمه خمرا و اما إذا بيع بعنوان ما يقبل الملك كعنوان الخل مثلا فلا بد من تقويمه خلا و هذا مقتضى بذل الثمن و جعله في المبادلة بإزائه كما لا يخفى.

هذا كله فيما إذا كان ما لا يقبل الملك شرعا مالا عرفا و اما إذا لم يكن مالا عرفا كما إذا باع الشاة مع الوزغ صفقة بثمن فلا يمكن تقسيط الثمن على الشاة و الوزغ لعدم قيمة للوزغ عرفا و الأمر يدور بين ان يكون تمام الثمن بإزاء

الشاة فهذا خلاف مقصود المتعاقدين و بين ان يكون البيع فاسدا حتى بالإضافة إلى الشاة و هذا هو المتعين باعتبار عدم طريق إلى معرفة الثمن بل لكون أصل البيع غرريا لان عنوان البيع لا يحصل بالإضافة إلى الوزغ حتى بنظر العرف و بالإضافة إلى الشاة غرري إلى هنا انتهى الجزء الثاني من مباحث البيع بقلم مؤلفه أقل العباد جواد بن على عفى عنهما و يتلوه الجزء الثالث إنشاء اللّه تعالى اللهم أنفع به إخواني أرباب الفضل و عشاق العلم و اجعله ذخر اليوم فقري و فاقتي آمين يا رب العالمين.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

[الجزء الثالث]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة شروط المتعاقدين]

[تتمة بيع الفضولي]
[أولياء التصرف]
[يجوز للأب و الجد ان يتصرفا في مال الطفل]

يجوز للأب و الجد ان يتصرفا (1)

______________________________

(1) يجوز للأب و الجد يعنى أب الأب التصرف في مال الطفل بالبيع و الشراء و غيرهما من التصرفات و ولايتهما على الطفل بالإضافة إلى ماله و نكاحه في الجملة مما لا اشكال فيه و يشهد لذلك الروايات الواردة في موارد متفرقة مثل ما ورد في وصية الأب بالمضاربة بمال الطفل كحسنة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع) انه سئل عن رجل اوصى الى رجل بولده و بمال لهم و اذن له عند الوصية ان يعمل بالمال و يكون الربح بينه و بينهم فقال لا بأس به من أجل ان أباه قد اذن له في ذلك و هو حي «1».

فإن ظاهر التعليل ثبوت الولاية للأب بالإضافة الى مال الطفل و قريب منها غيرها و ما ورد من ان الوالد يجوز له الرجوع فيما وهبه لولده إلا إذا كان الولد صغيرا كصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن الصدقة إذا لم تقبض هل تجوز لصاحبها قال إذا كان الأب تصدق بها على ولد صغير فإنها

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (92) من الوصايا الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 4

..........

______________________________

جائزة لأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا و إذا كان الولد كبيرا فلا يجوز له حتى يقبض «1» حيث ان ظاهرها ولاية الأب على مال الطفل الصغير و ما ورد في ولاية الأب و الجد على نكاح الصغير و الصغيرة حيث ان ثبوت الولاية لهما في النكاح و لكونه من الفروج اولى بالاحتياط يقتضي ثبوتها لهما في التصرفات المالية التي أمرها أهون من النكاح

اللهم الا ان يقال مجرد ثبوت الولاية لهما في النكاح لا يقتضي ثبوتها لهما في التصرفات المالية لاحتمال الخصوصية في النكاح و لذا تثبت في النكاح الولاية لهما على نكاح الباكرة الرشيدة و لا يمكن الالتزام بولايتهما في التصرفات في أموالها.

و يظهر من المصنف ره الاستدلال على ولاية الأب و الجد بمال الطفل بما ورد في جواز أخذ الوالد من مال ولده «2» و لكن لا يخفى ان جواز أخذه مال ابنه للإنفاق على نفسه و دفع اضطراره لا يقتضي ثبوت الولاية له بالإضافة الى مال ولده كيف و مورد كثير من الروايات المشار إليها الأخذ من مال الولد الكبير مع انه ليس للوالد ولاية على ولده الكبير كما يظهر من صحيحة على بن جعفر المتقدمة و غيرها مع ان عدم الولاية مقتضى الأصل.

و بهذا يظهر الحال فيما ورد في جواز تقويم الأب جارية الابن و البنت على نفسه و وطيها بالملك كصحيحة الحسن بن محبوب قال كتبت الى ابى الحسن الرضا (ع) انى كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوجتها فلم تزل عندها في بيت زوجها حتى

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (5) أحكام الهبات الحديث (5)

(2) الوسائل الجزء (12) الباب (78) أبواب ما يكتسب به

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 5

..........

______________________________

مات زوجها فرجعت الى هي و الجارية أ فيحل لي ان أطأ الجارية قال قومها قيمة عادلة و اشهد على ذلك ثم ان شئت فطأها «1» فان ظاهرها جواز تملك جارية البنت البالغة و هذا غير الولاية بالتصرفات في مال الصغير.

و كيف كان فلا ينبغي الريب و الكلام في أصل ثبوت الولاية للأب و الجد على الطفل في ماله.

و انما

الكلام يقع في جهات الاولى- في اعتبار العدالة في ولايتهما الثانية- اشتراط تصرفهما بالصلاح للطفل أو باشتراط عدم المفسدة عليه أو عدم اعتبار شي ء الثالثة- ان الأب مع الجد في مرتبة واحدة في الولاية و ان مع فقد الأب يكون الجد القريب مع أبيه في مرتبة واحدة أيضا أو انه لا ولاية للجد البعيد مع القريب.

أما الأولى- فالمنسوب الى المشهور عدم اعتبار العدالة و المحكي عن الوسيلة و الإيضاح اعتبارها و ذكر المصنف ره في وجه عدم الاعتبار، الأصل و الإطلاقات و فحوى الإجماع المذكور في التذكرة على ولاية الأب الفاسق في- النكاح، حيث ان مع ثبوت الولاية فيه للفاسق يكون ثبوتها له في التصرفات المالية أولى.

أقول اما الأصل فإن وصلت النوبة إليه فمقتضاه الاعتبار لما ذكرنا سابقا من انه إذا كان الحكم المجعول انحلاليا يكون ثبوت الحكم لو أجد القيد متيقنا و ثبوت فرد آخر من الحكم لفاقده مشكوكا و مقتضى الأصل عدم جعل ذلك الحكم الآخر و عدم ثبوته سواء كان الحكم من قبيل التكليف كما إذا علم بتحريم اللعب بآلات القمار

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب (79) من أبواب ما يكتسب به الحديث (1)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 6

..........

______________________________

و دار الأمر بين ان يكون متعلق التحريم خصوص اللعب بها مع الرهن أو اللعب بها سواء كان في البين رهن أم لا فان مقتضى الاستصحاب عدم جعل الحرمة للمشكوك و لا مجال في مثل المقام لاستصحاب عدم أخذ خصوصية العوض في متعلق الحرمة فإن استصحاب عدم أخذها فيه لا يثبت ان المتعلق هو اللعب بها مطلقا أو كان من قبيل الوضع كما في المقام فإنه قد علم ان الشارع

قد جعل الولاية للأب و الجد بنحو الانحلال و استصحاب عدم أخذ خصوصية العدالة في الموضوع لا يثبت ان الموضوع مطلق و يكون جعل الولاية للعادل متيقنا و بالإضافة الفاسق مشكوكا فالأصل عدم جعل الولاية للثاني.

اما الأخذ بالإطلاق فهو صحيح فإنه لم يقيد ما دل على ولاية الأب و الجد في النكاح بصورة عدالتهما كما انه لم يقيد الحكم في صحيحة محمد بن مسلم و صحيحة على بن جعفر المتقدمين بما إذا كان الأب عادلا.

و اما دعوى الإجماع في التذكرة أو غيرها على عدم اعتبار عدالة الأب و الجد في النكاح فلا يعتبر عدالتهما في غيره بالفحوى فقد ذكرنا ثبوت الإطلاق في الروايات الدالة على ولايتهما في النكاح و معه يكون الإجماع مدركيا حيث ان مدرك اتفاقهم هو الإطلاق المزبور و لو لم يكن هذا قطعيا فلا أقل من احتماله و مع الاحتمال لا يحرز الإجماع التعبدي فضلا عن التعدي الى غير النكاح بالفحوى مع انا ذكرنا ما في الفحوى المزبور فلا نعيد.

و قيل في وجه اعتبار العدالة ان الولاية في مورد الكلام هي على القاصر من الطفل أو المجنون المتصل جنونه بحال صغره و القاصر لا يتمكن على دفع الضرر عن نفسه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 7

..........

______________________________

و صرف التلف و الفساد عن ماله و يستحيل في حكمة الصانع و لطفه ان يجعل الولاية بنفسه و ماله للفاسق فان جعل الولاية له عبارة عن اتخاذه أمينا على أمواله بحيث يكون إقراراته و إخباراته نافذة على المولى عليه مع ان الشارع لم يجعل الامانة للفاسق كما يدل عليه قوله سبحانه وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ.

أقول لو تم هذا

الوجه لكان مقيدا للإطلاق المتقدم و لكن أورد المصنف ره عليه تبعا لجامع المقاصد ان في دلالة الآية على حكم المقام تأملا و انه لا محذور في ان يجعل الشارع الولاية للأب الفاسق أو الجد الفاسق فإنه متى ظهر عند الحاكم بقرائن الأحوال نظير ضعف جسم الطفل و نحافته أو يرى جده مثلا يصرف على نفسه سرفا مع عدم تملكه المال خيانة أب الطفل أو جده عزله عن الولاية و منعه عن التصرف في أموال الطفل و وضع يده عليها و ما لم يظهر الخيانة فولايته ثابتة.

و ان لم يعلم انه كيف يعامل مع الطفل و أمواله اجتهد بتتبع القرائن و شواهد الأحوال و لعل وجه التأمل عنده (قده) في دلالة الآية على حكم المقام هو ان المراد بالركون الى الظالم الدخول في أعوانه و جعل الظالم وليا على نفسه حيث ان هذا في نفسه أمر محرم كما يفصح عن قوله سبحانه في ذيل الآية فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ و القرينة على كون المراد من الركون ذلك ما ذكر بعد ذلك و ما لكم من دون اللّه أولياء ثم لا تنصرون و لذلك لم يلتزم أحد فيما نعلم باعتبار العدالة في الوكيل أو العامل في المضاربة أو المستعير أو الودعي و نحو ذلك مع ان في جميع ذلك ركون من الموكل و المضارب و المالك الى الوكيل و العامل و المستعير و الودعي.

و قد يورد على الاستدلال بالآية بوجه آخر و هو ان الكلام في المقام في الولاية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 8

..........

______________________________

الشرعية للأب و الجد الفاسقين بالإضافة الى مال الطفل و هذه الولاية على تقدير ثبوتها لهما ركون من الشارع إليهما

لا من العباد ليدخل في المنهي عنه في الآية.

لا يقال إذا كان الركون الى الفاسق من العباد قبيحا و ذا مفسدة يكون من الشارع ايضا كذلك خصوصا بملاحظة قوله سبحانه لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ فإنه يقال لا منافاة بين قبح فعل من العباد و عدم قبحه من اللّه سبحانه الا ترى ان قتل العباد و إتلاف أموالهم أمر قبيح و محرم مع ان اللّه سبحانه يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا و ينزل البلاء من الزلازل و الطوفان على قوم و يدمرهم من بكرة أبيهم الى غير ذلك.

و قوله سبحانه لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ خطاب متوجه الى العباد و لا يعم اللّه سبحانه و بتعبير آخر انه قد يستقل العقل بقبح فعل مطلقا أو بخصوص الحكيم كالظلم و إغراء الناس بالجهل و مثله لا يصدر عن اللّه سبحانه و قد لا يستقل كما في بعض الأفعال التي منع الشرع العباد عنها و في مثله لا طريق لنا إلى إحراز المفسدة فيما إذا صدر عن الشارع.

و قد يقال ان نظر صاحب الإيضاح بنص القرآن إلى آية النبأ الرادعة عن الاعتماد على خبر الفاسق فإن الولاية للأب و الجد لازمها قبول اقراراتهما و أخبارهما بالتصرفات في مال الطفل فيكون ما دل على ثبوت الولاية لهما بإطلاقه مقتضيا لقبول اخبار الأب و الجد الفاسقين و آية النبأ بإطلاقها يمنع عن قبول أخبارهما فيقدم إطلاق الآية لعدم اعتبار الخبر مع معارضته للكتاب العزيز و لا أقل من تساقط الإطلاقين فلا تثبت الولاية لهما مع كونهما فاسقين.

و قد يجاب عن ذلك بعدم الإطلاق في آية النبأ بالإضافة إلى مثل المقام حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 9

عزله و منعه عن التصرف في ماله (1)

______________________________

ان ظاهرها و لو بملاحظة التعليل الوارد فيها عدم جواز الاعتماد على خبر الفاسق في الوقائع المهمة التي بكون العمل فيها بالخبر مع عدم مطابقته للواقع موجبا لفساد مهم و ندامة عامة كالاخبار بارتداد قوم بنى المصطلق.

و لكن لا يخفى ان مورد نزولها كانت واقعة مهمة و الا فالآية حكم انحلالي كسائر الإطلاقات و تعليل لزوم التبين بإصابة القوم لرعاية مورد النزول و الا فالمعيار الندامة على مخالفة الواقع و فوته. و الصحيح في الجواب ان قبول إخبار ذي اليد و الولي بالتصرفات فيما بيده أو بولايته مما جرت السيرة العقلائية من دون نظر الى كونهما عادلين و الردع عما جرت عليه سيرتهم يحتاج إلى النهي عنه بخصوصه و لا يصح بالعموم فضلا عن الإطلاق و قد ذكرنا تفصيل ذلك في بحث عدم كون الآيات الناهية عن اتباع غير العلم رادعة عن العمل باخبار الثقات.

بقي في المقام أمر و هو ما عن النائيني و الإيرواني (قدس سرهما) من ان اعتبار العدالة في الولي بناء على القول به ليس من قبيل اعتبارها في الشاهد و القاضي و امام الجماعة و مرجع التقليد بل اعتبارها طريقي لإحراز وقوع التصرف الصحيح في مال الطفل و لو تصرف الأب الفاسق أو الجد كذلك في مال الطفل مع المصلحة فيحكم بصحته.

أقول لا مجال للالتزام باعتبارها طريقا مع الاستناد في اعتبارها إلى النهي عن الركون الى الظالم أو ان الفاسق كالكافر لا يصلح لإعطاء الولاية نعم لو استند في اعتبارها إلى آية النبأ لكان الالتزام باعتبارها طريقيا وجيها.

(1) لا يخفى ان الولاية الثابتة للأب و الجد ولاية من الشارع و لا دليل على

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 10

و هل يشترط في تصرفه المصلحة (1)

______________________________

نفوذ إلغاء الحاكم و عزله نعم بما ان التحفظ على مال الطفل و الدفع عن نفسه مع عدم الولي أو خيانته داخل في الأمور الحسبية فعلى الحاكم منع ولى الطفل عن التصرف في ماله فيما أحرز خيانته حفظا عن فساده و تلفه.

و بتعبير آخر لا ولاية للأب أو الجد في مال الطفل بالإضافة إلى التصرف الفسادي.

ثم انه لا ملزم لاستعلامه الحال مع عدم علمه بالإفساد بعد كون تصرفات الولي محمولة شرعا على الصحة تكليفا و وضعا.

(1) هذه هي الجهة الثانية و قد يستظهر من الروايات الواردة في جواز أخذ الأب من مال ولده و جواز تقويم جاريته عدم اعتبار الصلاح للطفل بل و عدم اعتبار عدم الفساد ايضا و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع) قال سألته عن الرجل يحتاج الى مال ابنه قال يأكل منه ما شاء من غير سرف و قال في كتاب على (ع) ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء و له ان يقع على جارية ابنه إذا لم يكن الابن قد وقع عليها و ذكر ان رسول اللّه (ص) قال لرجل أنت و مالك لأبيك و موثقة سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) أ يحج الرجل من مال ابنه و هو صغير قال نعم قلت يحج حجة الإسلام و ينفق منه قال نعم بالمعروف ثم قال يحج منه و ينفق منه ان مال الولد للوالد و ليس للولد ان يأخذ من مال والده إلا باذنه و في رواية محمد بن

سنان ان علة تحليل مال الولد لوالده ان الولد موهوب للوالد في قوله تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ و كان التعليل مقتضاه ان يكون مال الطفل موهوبا لوالده بحيث يحسب ماله مالا لوالده و حيث ان المالك مسلط على ماله و يجوز له التصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 11

..........

______________________________

فيه ما لم يكن فيه سرف و تبذير يكون الوالد بالإضافة الى مال ولده كذلك.

و ربما يقال ان آية لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا لا يقتضي اعتبار العدالة في الأب و الجد باعتبار ان ولايتهما لا يكون من قبيل ركون الشارع أو غيره الى الظالم بل ولايتهما باعتبار كون المال لهما كما يقال باستظهار ولايتهما كذلك من قوله (ص) أنت و مالك لأبيك و لو بمعونة رواية عبيدة بن زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال انى لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه إذ جاء رجل يستعدي على أبيه فقال أصلح اللّه الأمير ان ابى زوج ابنتي بغير اذنى فقال زياد لجلسائه الذين عنده ما تقولون فيما يقول هذا الرجل فقالوا نكاحه باطل قال ثم اقبل على فقال ما تقول يا أبا عبد اللّه فلما سألني أقبلت على الذين أجابوه فقلت لهم أ ليس فيما تروون أنتم عن رسول اللّه (ص) ان رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا فقال له رسول اللّه (ص) أنت و مالك لأبيك قالوا بلى فقلت لهم فكيف يكون هذا و هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه قال فأخذه بقولهم و ترك قولي.

أقول ظاهر الروايات المتقدمة و غيرها مما يوافقها كون مال الولد لوالده و لازم ذلك ان

يكون المال الواحد لمالكين مستقلين و حمل كون مال الولد لوالده على ولاية الوالد مع كونه بلا قرينة لازمه ولاية الوالد على ولده الكبير ايضا كما هو مورد بعض تلك الروايات و لا أظن الالتزام كذلك من أحد خصوصا بملاحظة التفصيل الوارد في رواية صدقة الوالد لولده و هذه قرينة جلية على ان المراد بالمال في مثل قوله (ص) أنت و مالك لأبيك ليس الملك الاعتباري فإن الولد لا يكون مملوكا لوالده بهذا المعنى بلا خلاف و ريب بل المراد الملكية التكوينية بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 12

..........

______________________________

كون الأب منشأ لوجود الولد و ماله بحسب نظام الخلقة و هذا ليس من الحكم الشرعي بل يناسب ان يكون ملاكا للحكم الشرعي و هو جواز أخذ الوالد من مال ولده بلا استيذان منه و لو كان الولد كبيرا.

و جواز الأخذ مقيد بصورة حاجة الأب و عدم إنفاق الولد بشهادة صحيحة عبد اللّه بن سنان قال سألته يعني أبا عبد اللّه (ع) ما ذا يحل للوالد من مال ولده قال اما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له ان يأخذ من مال ولده شيئا و ان كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له ان بطأها الا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه الحديث و في حسنة الحسين بن العلاء قال قلت لأبي عبد اللّه (ع) ما يحل للرجل من مال ولده قال قوته بغير سرف إذا اضطر اليه فقلت له فقول رسول اللّه (ص) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال له أنت و مالك لأبيك فقال انما جاء بأبيه إلى النبي (ص) فقال يا رسول اللّه هذا أبى و قد

ظلمني ميراثي من أمي فأخبره الأب انه قد أنفقه عليه و على نفسه و قال أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء أو كان رسول اللّه يحبس الأب للابن فان المستفاد منهما تقييد جواز الأخذ بصورة حاجة الأب و عدم إنفاق الولد فيرفع بهما اليد عن بعض الإطلاقات المتقدمة بحمل ما شاء في صحيحة محمد بن مسلم على عدم كونه زائدا على نفقته المعروفة.

و في صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) ان رسول اللّه قال لرجل أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر (ع) ما أحب أن يأخذ من مال ابنه الا ما احتاج اليه مما لا بد منه وَ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ و يحمل ما في صحيحة سعيد بن يسار من حج الوالد و الإنفاق فيه من مال ولده على صورة تساوى نفقة حجه مع نفقة حضره كما يتفق ذلك كثيرا ممن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 13

ان المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة (1) و قد حكى عن الشهيد في حواشي القواعد (2).

______________________________

يكون منزله قريبا من مكة.

نعم يجوز للأب تقويم جارية الابن و البنت للروايات المتقدمة. و المتحصل انه لا يستفاد بملاحظة مجموع روايات الباب غير الحكم للأب بجواز أخذ مقدار نفقته من مال الولد من غير حاجة الى المراجعة إلى الحاكم أو والي المسلمين و جواز تقويمه جارية الولد و نفوذ نكاح الجد حتى مع عدم رضاء ابنه. و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوي أن يزوج أحدهما و هوى أبوه الآخر أيهما أحق ان ينكح قال

الذي هوى الجد أحق بالجارية لأنها و أباها للجد.

و اما رواية عبيد بن زرارة فلا دلالة لها على ان قول رسول اللّه (ص) أنت و مالك لأبيك ناظر إلى ولاية الجد و ذلك فإن ولاية الجد على نكاح البنت ثابتة في الشرع و إنما استدل الامام (ع) على ولايته بالقول المزبور إلزاما على الحاضرين و لذا لم يذكر قوله (ص) في سائر روايات الولاية نعم ذكر في صحيحة على بن جعفر المتقدمة لأنها و أباها للجد و قد ذكرنا ان ذلك ملاك الحكم بتقديم ولاية الجد على ولاية الأب أضف الى ذلك ضعف الرواية سندا و عدم صلاحها للاعتماد عليها.

(1) يعنى ان المتقدمين ذكروا ان الولي يجوز له كل تصرف يكون صلاحا للطفل من غير استثناء تصرفات الأب و الجد.

(2) يعنى حكى عن الشهيد ره انه قال في حواشيه على القواعد عن قطب الدين عن العلامة انه لو باع الولي بدون ثمن المثل يكون باطلا و اما إذ اقترض الولي ماله،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 14

..........

______________________________

صح، مع ان الاقتراض إتلاف لعين مال الطفل و ربما لا يتمكن على أداء بدله.

و بتعبير آخر قد يكون اقتراض مال الطفل فساده فما وجه الفرق بين البيع بدون ثمن المثل و الاقتراض و توقف (ره) في نفى البأس بالبيع المزبور لانه لا يتمكن على مخالفة الأصحاب حيث ان ظاهرهم عدم جوازه.

أقول لا يجوز الاقتراض ايضا فيما إذا لم يكن الولي مليا بحيث يحتمل عدم تمكنه على رده فان مثل صحيحة منصور بن حازم و ان تقتضي بإطلاقها جواز اقتراض الولي و لو مع احتماله عدم التمكن على أداء بدله الا انه لا يمكن الأخذ بالإطلاق

المزبور في مقابل الآية الناهية عن القرب بمال اليتيم و المانعة عن الاقتراض المزبور و لو بإطلاقها.

نعم يرفع اليد عن منع الاقتراض بالإضافة إلى جارية الولد فان اقتراضها جائز و لو مع عدم كون الأب مليا و آية النهي لا يعم الأب و على تقدير شمولها كما إذا فرض يتم الطفل من ناحية امه فيرفع اليد عن عمومها أو إطلاقها لما تقرر في محله من ان إطلاق الخاص أو المقيد يقدم على عموم العام أو إطلاق المطلق.

لا يقال كيف لا يجوز للولي اقتراض مال الطفل مع عدم كونه مليا و في رواية أحمد بن محمد بن ابى نصر قال سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج اليه فيمد يده و يأخذه و ينوي أن يرده فقال لا ينبغي ان يأكل إلا القصد و لا يسرف فان كان من نيته ان لا يرد عليهم فهو بالمنزل الذي قال اللّه عز و جل إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً.

فإنه يقال جواز الاقتراض حتى مع احتمال عدم تمكنه على الرد مقتضى إطلاقها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 15

و لكن الأقوى كفاية عدم المفسدة (1)

______________________________

فيمنعه إطلاق الآية الناهية المتوجهة إلى الأولياء هذا مع ضعف الرواية سندا بسهل ابن زياد.

(1) استدل على كفاية عدم المفسدة مضافا الى الإطلاق في الروايات الواردة في موارد متفرقة بما ورد في نكاح الجد و نفوذه فيما أراد الجد نكاح البنت من أحد و هوى أبوها نكاحها من آخر معللا بان البنت و أباها للجد فان مقتضى ذلك نفوذ تصرفات الجد ما لم تكن منافية للولاية كما إذا كانت مفسدة للطفل و يرفع بذلك اليد

عن إطلاق الآية أو عمومها لو فرض شمولها للجد، و كذا يدل على اعتبار عدم الفساد قول رسول اللّٰه (ص) أنت و مالك لأبيك على ما تقدم من استشهاد الامام عليه السلام به لنفوذ نكاح الجد و تقديم نكاحه على نكاح الأب فان في الاستشهاد المزبور دلالة على ولاية الجد بمال الطفل.

أقول قد تقدم عدم دلالة شي ء مما ذكر على المدعى فلا نعيد نعم لا ينبغي الريب في عدم جواز التصرف فيما إذا كان التصرف المزبور فسادا لمال الطفل لمنافاته لمقتضى الولاية المجعولة للولي و يمكن ان يقال عدم اعتبار كونه صلاحا لمثل موثقة عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل و يريد جدها ان يزوجها من رجل آخر فقال الجد اولى بذلك ما لم يكن مضارا ان لم يكن الأب زوجها قبله و يجوز عليها تزويج الأب و الجد.

و لكن في التعدي عنها الى التصرف المالي تأمل مع ملاحظة الآية الناهية عن القرب بمال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 16

و لو فقد الأب و بقي الجد فهل أبوه و الجد (1)

______________________________

(1) يعني إذا فقد الأب فهل أب الأب يقوم مقام الأب و يشارك مع الجد البعيد في الولاية على الطفل أو تختص الولاية بالجد القريب أى أب الأب مقتضى ما ورد من ان الشخص و ماله الذي منه مال ابنه لأبيه و من ان البنت و والدها للجد هي المشاركة فإن الولاية لو لم تختص بالجد الأعلى فلا أقل من تساويه الجد الأدنى نظير ما تقدم في ولاية الأب مع الجد و مقتضى آية أولوا الأرحام بعضهم

اولى ببعض هو الاختصاص لكون الجد الأدنى أولى بالميت من الأعلى و الأولوية في الآية ليست بمعنى التفضيل ليكون القريب و البعيد مشتركين في الولاية بل بمعنى المجرد كما في قول القائل فلان أحق بهذا الأمر من غيره.

و الحاصل المستفاد من الآية المباركة اختصاص الولاية بالجد الأدنى و يرفع اليد عن ذلك في مورد اجتماع الأب و الجد فان اشتراكهما بل و اشتراك الجد البعيد أيضا في فرض حياة الأب مقتضى الروايات التي تقدمت بعضها.

أقول لو تم ما ذكر من دلالة قول رسول اللّٰه (ص) أنت و مالك لأبيك و ان الولد و والده للجد على الولاية لكان شموله للجد الأعلى و الأدنى معا موجبا لرفع اليد عن إطلاق الآية و بتعبير آخر لا مجال للأخذ بإطلاق الآية مع تمام الوجه الأول المقتضي لاشتراك الجد الأعلى و الأدنى في الولاية على الطفل بل الصحيح ان الآية لا دلالة لها على الولاية و إرثها بل هي ناظرة إلى إرث المال و لذا لم يلتزم أحد بثبوت الولاية على الطفل بحسب طبقات الإرث و العمدة في ولاية الجد مع الأب ما ورد في نفوذ نكاحهما كما ان الإطلاق في بعض ما ورد في نكاحهما يعم الجد الأعلى و لكن في صورة حياة الأب و لا يبعد ان يقال انه لا يحتمل ثبوت الولاية للجد الأعلى مع حياة الأب و عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 17

[ولاية الفقيه]

و مورده المسائل الفرعية و الموضوعات المستنبطة (1)

______________________________

ثبوتها مع وفاته خصوصا بملاحظة تعليل الحكم بان الجد أولى بالجارية لكونها و أباها للجد.

بقي في المقام أمر و هو ان في استفادة الولاية بمال الطفل للجد مما ورد في

ولاية الجد و الأب في نكاح البنت اشكالا فان هذه الولاية ثابتة لهما في النكاح حتى بالإضافة إلى البنت البالغة الباكرة على الأصح مع أنه لا يمكن التعدي الى مال الباكرة البالغة و عليه فيحتمل اختصاص هذا الحكم بالنكاح و لا يكون للجد مع الأب ولاية في مال الطفل و يمكن دفعه بالتشبث بإطلاق الأب و الوالد و شمولهما للجد ايضا و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) انه قال في الرجل يتصدق على ولده و قد أدركوا إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فان تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره فتدبر.

(1) المسائل الفرعية و هي القضايا المتكلفة للأحكام التكليفية التي تتعلق بأفعال المكلفين أو الوضعية المجعولة لموضوعاتها يرجع في معرفتها الى الفقيه و كذا في الموضوعات المستنبطة الشرعية كالعبادات بل العرفية حيث يرجع فيها ايضا الى الفقيه في جهة سعتها و ضيقها بالإضافة إلى الحكم المترتب عليها فيرجع مثلا في ان حرمة الغناء فيها سعة تعم الكلام الحق أو تختص بما إذا كان في كلام باطل.

و الحاصل ان للفقيه مناصب ثلاثة: الأول- جواز الإفتاء في المسائل الفرعية.

الثاني- جواز القضاء بين الناس و مورد القضاء المرافعات بل و غيرها- في الجملة- و في معتبرة سالم بن مكرم قال قال أبو عبد اللّٰه (ع) إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا الى أهل الجور و لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 18

و الولاية تتصور على وجهين (1)

______________________________

فإنه قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه فإنها و ان تكون ناظرة إلى المرافعات الا ان

التعليل مقتضاه الرجوع إليه في جميع شئون القاضي كالحكم بثبوت رؤية الهلال و اما إثبات نفوذ الحكم الابتدائي عن الفقيه مطلقا فلا يستفاد منها نعم ربما يستفاد ذلك من مقبولة عمر بن حنظلة حيث ورد فيها الراد عليهم كالراد عليه (ع) الا انها للمناقشة في سندها لا تصلح للاعتماد و قد تكلمنا فيها في بحث القضاء مفصلا.

الثالث- ولاية التصرف في أموال و الأنفس على ما يأتي.

و ينبغي ان يعلم أن البحث في ولاية الفقيه بمعنى نفوذ تصرفه في مال الغير أو في وجوب اتباع حكمه بحث فقهي حيث ان الأول كالبحث في ولاية الأب و الجد أو عدول المؤمنين- الثاني كالبحث في وجوب طاعة الوالدين و كل من النفوذ و وجوب الطاعة في المقام بمعنى كون أمر الفقيه بفعل أو نهيه عنه يكون من العناوين الثانوية للأفعال كأمر الوالد و نهيه أم لا حكم شرعي فرعى.

و ولاية النبي (ص) بالتصرف في أموال الناس و وجوب طاعته فيما إذا كان أمره أو نهيه بعنوان الولاية على الرعية أيضا حكم شرعي عملي و لكن بما ان معرفة النبي (ص) و الامام (ع) و الاعتقاد بهما بما لهما من الشئون مطلوب نفسي أيضا فيكون البحث في وجوب معرفتهما و الاعتقاد بهما بما لهما من الشئون من مسائل الكلام كيف و معرفة الأول و الاعتقاد به مقوم للإسلام و معرفة الثاني و الاعتقاد به مقوم للايمان أى المذهب و مع ذلك شرط لصحة الأعمال و لا أقل من كونه شرطا لقبولها.

و هذا الوجوب النفسي للمعرفة و الاعتقاد لا يجري في غير النبي (ص) و الامام المعصوم كما لا يخفى.

(1) الوجه الأول من الولاية ان يجوز للحاكم الشرعي التصدي له

سواء جاز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 19

مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد (1)

______________________________

لغيره ايضا ذلك التصرف بإذنه أم لا و الثاني ما لا يكون للحاكم التصدي لذلك التصرف مستقلا الا أنه يجوز للغير القيام به باذن الحاكم فيكون اذنه شرطا في جواز ذلك التصرف للغير أو وجوبه عليه أو شرطا للواجب و بين الوجهين من حيث المورد عموم من وجه فإنه ربما يجوز للحاكم التصدي كما يجوز لغيره القيام به باذنه كما في التصرف في أموال القصر و القيام بتجهيز ميت من تركته و لا ولى له و هذا مورد الاجتماع.

و ربما يجوز للحاكم التصدي و لا يجوز للغير القيام به كنصب القيم و المتولي و نحوهما بناء على اعتبار المباشرة في جعل هذه المناصب.

و ربما يجوز للغير العمل باذن الحاكم و لكن لا يجوز للحاكم المباشرة استقلالا كما في إيصال السهم المبارك بل سهم السادة الى مصارفهما فإنه لا يجوز للحاكم على قول الاستقلال في الإيصال بقهره على المالك و أخذ المال من يده و يجوز للمالك الإيصال مع الاستيذان و هذا بالإضافة الى غير المالك الممتنع و اما الممتنع فيجوز للحاكم القهر عليه و التفصيل في بحث الخمس إنشاء اللّٰه تعالى.

(1) الأصل عدم ثبوت الولاية بالإضافة إلى أموال الناس و أنفسهم لأحد حيث ان هذه الولاية أمر جعلي اعتباري مسبوق بالعدم و القائل بثبوتها للفقيه يمكن ان يتشبث بان هذه الولاية كانت للنبي و الأئمة عليهم السلام و قد أعطيت للفقيه ايضا من قبلهم.

فينبغي لنا التكلم في مقامات ثلاثة: الأول الولاية التي كانت للنبي (ص) و الامام (ع) ما هي من حيث سعتها و ضيقها بحسب ما بأيدينا

من الأدلة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 20

..........

______________________________

الثاني هل أعطيت تلك الولاية بتمامها للفقيه من قبل النبي (ص) أو الإمام عليه السلام أم لا.

الثالث إذا لم تثبت تلك الولاية للفقيه فهل له ولاية بعض التصرفات في الأموال و الأنفس و ما هي حدود ذلك البعض من حيث السعة و الضيق.

اما الكلام في المقام الأول فقد أشرنا ان الولاية المفروض فيها الكلام أمر اعتباري في مقابل الولاية التكوينية التي عبارة عن تأثير مشية النبي (ص) أو الإمام (ع) في أمر كوني بمجردها أو مع فعل ما يكون ذلك التأثير من قبيل خرق العادة كإحياء عيسى على نبينا و آله و عليه الصلاة و السلام و تفجير موسى (ع) العيون بضرب عصاه الى غير ذلك.

و دعوى ان هذه الأمور تحصل بمشية اللّٰه و لم يكن صدورها عنهم كصدور سائر أفعالهم يكذبها ظاهر الكتاب المجيد قال اللّٰه سبحانه حكاية عن قول عيسى أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ الآية- و ذكر كون هذه الأفعال باذن ربه لا ينافي صدورها عنه (ع) حيث ان الاذن المزبور تكويني و عبارة عن إعطاء اللّٰه جلا و علا القدرة عليها نظير قوله سبحانه مٰا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهٰا قٰائِمَةً عَلىٰ أُصُولِهٰا فَبِإِذْنِ اللّٰهِ.

و ثبوت هذه الولاية التكوينية للأئمة عليهم السلام يظهر من الروايات المختلفة الواردة في الحوادث المتفرقة و الشواهد التاريخية بحيث يحصل للمتتبع الجزم به.

و ربما يستدل في ثبوتها لهم عليهم السلام بكونهم أفضل من أنبياء السلف و ان عليا (ع) كنفس النبي (ص) فكيف لا يثبت لهم عليهم السلام ما كان ثابتا للأنبياء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 3، ص: 21

..........

______________________________

و لكن الاستدلال مخدوش فان كونهم سلام اللّٰه عليهم أفضل ثبوت اكملية أنفسهم و شدة تقربهم اليه سبحانه و سعة علمهم لا ثبوت المعجزة بأيديهم حيث ان وجه الحاجة الى المعجزة يختص بالنبي (ص) و لا يجري في الخليفة و الوصي حيث يكون ذلك بتعيين النبي (ص) و نصبه كما لا يخفى.

و اما الاستدلال على ولايتهم التشريعي فبآيات منها قوله سبحانه النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حيث يقال ان المستفاد من الآية المباركة ان كل تصرف اعتباري يكون للمؤمن فيه ولاية بحيث يكون التصرف المزبور منه نافذا كبيع ماله و طلاق زوجته يكون للنبي (ص) ولاية عليه فيصح ما إذا باع على المالك أو أوقع طلاق زوجته أو وهب ماله الى غير ذلك.

كما يقال ان النبي (ص) بمنزلة نفس المؤمن بل اولى منه فيجوز للنبي (ص) ما يجوز للمؤمن من التصرفات سواء كان تلك التصرفات اعتبارية أو غيرها كانت متعلقة بمال المؤمن أو نفسه.

و قد يقال ان مفاد الآية المباركة لزوم طاعة النبي و ان على المؤمن أن يترك مشية نفسه في مقابل مشية النبي و أمره. و بعبارة أخرى الأفعال التي ثبت في الشرع كون زمامها بيد المؤمن و انه لا إلزام عليه فيها من الشرع بحيث يكون فيها داعي المؤمن إلى الفعل أو الترك نفسه يلزم عليه الأخذ بإرادة النبي و أمره و يترك دعوة نفسه.

و الحاصل أن أمر النبي و نهيه بما هو شارع و مخبر عن اللّٰه سبحانه غير أمره بما هو ولى الأمر على المؤمنين و مقتضى الآية وجوب طاعته بالإضافة إلى القسم الثاني أيضا من أمره.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 22

..........

______________________________

أقول اما

دعوى كون النبي (ص) بمنزلة نفس المؤمن بل هو اولى منه فيجوز له ما يجوز للمؤمن من الأفعال فهذا مما لا يمكن الالتزام به فان من الأفعال ما يجوز للمؤمن باعتبار كون داخلا في العنوان الذي حكم الشرع بجوازه لمن ينطبق عليه ذلك العنوان كجواز الاستمتاع من الزوجة فيجوز الفعل للنبي أيضا فيما إذا دخل في ذلك العنوان و هذا من حكم الشرع يشترك فيه النبي و أمته و اما إذا لم يدخل في ذلك العنوان فلا يجوز له كما لا يجوز لغيره و الأحكام المختصة بالنبي (ص) في الشرع معدود و معروف.

و ما قيل من أنه يجوز كل تصرف للنبي (ص) في نفس الغير و ماله و لكن من جهة الأسباب الشرعية المقررة لجواز تلك الأفعال مثلا يجوز له الاستمتاع بزوجة الغير بعد طلاقها و نكاحها بعد انقضاء عدتها فمرجعه الى ولايته على التصرفات الاعتبارية فقط كما لا يخفى. و كذا دعوى كونه (ص) اولى بالتصرفات الاعتبارية التي يجوز للمؤمن أو الحقوق الثابتة له من حق القصاص و حق أخذ الدية و المطالبة بالدين فإنه لا أظن لأحد الالتزام بأن للنبي القصاص إذا تركه ولى الميت و لم يطالب به أو أبر المديون عن دينه مع مطالبة الدائن.

و قد ورد في معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال أمير المؤمنين (ع) إذا حضر سلطان من سلطان اللّٰه جنازة فهو أحق بالصلاة عليها ان قدمه ولى الميت و الا فهو غاصب «1» نعم التصرفات العامة أو الخاصة المعبر عنهما بالأمور الحسبية و التي يرجع فيها كل قوم إلى رؤسائهم على ما يأتي يكون بيد النبي (ص)

______________________________

(1) الوسائل الجزء (2) الباب (23)

من أبواب صلاة الجنازة الحديث (4)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 23

و اما العقل القطعي (1)

______________________________

و الامام (ع) لكون النبي (ص) و الامام (ع) من بعده ولى الأمر و هذه الأمور من شئون ولى الأمر كما يستفاد ذلك ما ورد في خصوص الحدود و التعزيرات و غيرهما و يقتضيه أيضا ما يأتي في بيان الأمور الحسبية.

و اما الاستدلال على ولايته (ص) على التصرف على أموال الناس بقوله (ص) في قضية سمرة بن جندب للأنصاري اذهب فاقلعها و ارم بها وجهه فلا يمكن المساعدة عليه حيث لا دلالة في الحديث على عدم ضمان الأنصاري النخلة التي قلعها و انما يدل على جواز قلعها و يمكن ان يكون الوجه في جوازه ان حرمة إتلاف مال الغير مع وجوب التحفظ على العرض في الفرض كانا متزاحمين و بما ان وجوب التحفظ على العرض لو لم يكن أهم من حرمة الإتلاف بالقلع فلا ريب في عدم كون حرمة الإتلاف أهم فيجوز في مقام التزاحم رعاية التحفظ على العرض.

و الحاصل ان ما ذكر (ص) لسمرة لا يخرج عن بيان الحكم الشرعي و لذا عنون في الوسائل الباب بان من كانت له نخلة في حائط الغير و فيه عياله فأبى أن يستأذن و ان يبيعها جاز قلعها و دفعها اليه و لو كان الحكم الولاية في المال لكان الأنسب تمليك النخلة من الأنصاري تحفظا على ضياع المال و التعليل بنفي الضرر راجع الى المنع عن الدخول بلا استيذان كما لا يخفى.

(1) و المستقبل ما يستقل به العقل مع قطع النظر عن حكم الشرع بخلاف العقل غير المستقل فإنه يكون بتبع حكم الشرع.

و تقرير الأول في المقام ان الامام

(ع) منعم أى ولي النعمة فإنه ببركة وجوده تنزل السماء مطرها و تسكن الأرض لسكانها و تجري الشمس و القمر بحسبانهما و ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 24

..........

______________________________

كان كل ذلك بمشيته العلى القدير إجلالهم صلوات اللّٰه عليهم و إذا كان الامام منعما فيجب معرفته و طاعته لأن في مخالفته و ترك معرفته احتمال الضرر كما ذكر ذلك في معرفة اللّٰه و رسوله و وجوب طاعتهما.

و اما غير المستقل فإنه وجب في الشرع اطاعة الوالدين و إذا اقتضت الأبوة وجوب طاعة الأب على ابنه في الجملة أي في غير الموارد التي يكون طاعته فيها معصية للّٰه سبحانه كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الامام على الرعية باعتبار ان حقها أعظم من حق الأبوة.

و لكن لا يخفى ان الوجهين من حكم العقل على تقدير عدم المناقشة في الثاني بأنه من القياس الظني و في الأول بأن احتمال الضرر في ترك معرفة الامام و طاعته كاف لا حاجة الى إثبات كونه ولى النعم كما ذكر مقتضاهما وجوب طاعة الامام على الرعية لا نفوذ تصرفاته في أموال الناس كما لم يكن هذه الولاية للوالد على مال ابنه على ما تقدم.

و لا يخفى أيضا ان وجوب طاعة الوالد على الولد غير ثابت بل الثابت حرمة عقوق الوالدين فقط فلا بأس بتركها فيما إذا لم يكن ترك طاعة الوالد إيذاءه و تألمه كما إذا ترك طاعتة في مورد لا يعلم الوالد بذلك.

و المتحصل إلى هنا ان الواجب على الرعية اطاعة الرسول و الأئمة عليهم السلام في أوامرهم و نواهيهم سواء كان الأمر و النهى من قبيل الحكم الشخصي أو الحكم العام بالإضافة إلى عامة المسلمين أو طائفة

منهم و حتى الأمر و النهى من المنصوب من قبلهم عليهم السلام كالوالى و الحاكم فيما إذا لم يكن الأمر و النهى من الوالي أو الحاكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 25

بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع الغير المأخوذة (1)

______________________________

مخالفا على موازين الأحكام الثابتة في الشرع حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و المنصوبين من قبلهم عليهم السلام داخل في عنوان أولوا الأمر في الآية المباركة. و ما ورد في تفسيرها من ان المراد منهم هم الأئمة عليهم السلام لا ينافي ذلك فإن طاعة المنصوب من الرسول (ص) و الامام (ع) طاعة للنبي و الامام.

ثم ان ترك طاعة النبي أو الإمام (ع) ان كان بعنوان الخروج عليهم فذلك موجب لسقوط احترام نفس الخارج سواء كان الخروج للعناد و النصب للإمام (ع) أو لغير ذلك من الدواعي كما يظهر ذلك بملاحظة الحوادث الواقعة في زمان النبي (ص) و خلافة على (ع) غاية الأمر إذا كان الخروج للنصب و العداوة فهو موجب للكفر أيضا و إذا كان بداع آخر غير النصب فكونه موجبا للكفر غير ثابت.

نعم إذا قتل في الحرب مع الإمام أو المنصوب من قبله لا يجب تجهيزه كما يشهد لذلك ملاحظة الغزوات الحوادث الواقعة في زمان خلافة على (ع).

و التمسك في إثبات كفر هم بعموم ما دل على تجهيز كل ميت مسلم بدعوى ان أصالة عمومه بضميمة العلم بعدم وجوبه في قتلي الخوارج و غيرهم يكشف عن كفرهم لا يمكن المساعدة عليه لما تقرر في محله من انه لا اعتبار بالعموم فيما إذا أحرز خروج الشي ء عن حكم العام و دار الأمر بين ان يكون الخروج بنحو التخصص أو التخصيص.

و اما

إذا كان ترك الطاعة كترك طاعة اللّٰه و لمجرد الاحتراز عن كلفة التكليف يكون ذلك من مجرد المعصية نظير المعصية في تكاليف الشرع.

(1) المصالح المطلوبة للشارع الغير المأخوذة على شخص معين المعبر عنها بالأمور الحسبية هي التي علم من الشرع العمل بها و عدم جواز تركها و ان التكليف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 26

أما الولاية على الوجه الأول (1)

______________________________

بها لم يتوجه الى الشخص معين و لا تكون من الواجب الكفائي لتكون مطلوبة على كل أحد كالتصرف في أموال القصر من الذين ليس لهم أولياء و الموقوفات العامة التي لم يعين المتولي لها من قبل الواقفين أو قام الدليل على كونها بيد ولى أمر المسلمين و الحاكمين كإقامة الحدود و التعزيرات و التصديق لجميع الحقوق الشرعية و صرفها لمواردها و التصدي لتنظيم أمر جوامع المسلمين و بلادهم.

و لو فرض الشك في اعتبار الرجوع فلا بد من الاحتياط و الرجوع الى اذن الامام (ع) و لا يمكن التمسك بإطلاق دليل ذلك التصرف سواء كان على الجواز أو المنع كما لا يمكن الرجوع الى أصالة البراءة عن الاعتبار لأن المفروض تمكن المكلف على الرجوع اليه (ع) و مع إمكان الفحص عن المخصص أو المقيد لا يمكن التمسك بالإطلاق أو العموم فضلا عن الأصل العملي. و ما ربما يظهر من عبارة المصنف (ره) من اختصاص عدم الجواز بالأصول العملية فيه ما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في المقام في ان الولاية الثابتة للنبي و الأئمة عليهم السلام تثبت للفقيه العادل في زمان الغيبة أم لا فقد يقال نعم و يستدل عليه بروايات واردة؟؟؟

العلماء منها عن الصدوق (ره) في عيون الاخبار عن الرضا من آبائه عليهم

السلام قال قال رسول اللّٰه (ص) اللهم ارحم خلفائي ثلاث مرات فقيل له يا رسول اللّٰه و من خلفائك قال الذين يأتون من بعدي و يروون عني أحاديثي و سنتي فيعلمونها الناس من بعدي و رواه في معاني الاخبار عن أبيه عن على بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن اليعقوبي عن عيسى بن عبد اللّٰه العلوي عن أبيه عن جده عن على مثله.

و في المستدرك عن صحيفة الرضا بإسناده عن آبائه عليهم السلام قال قال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 27

..........

______________________________

رسول اللّٰه (ص) اللهم ارحم خلفائي ثلاث مرات قيل له يا رسول اللّٰه و من خلفائك قال الذين يأتون من بعدي و يروون أحاديثي و سنتي و يعلمونها للناس من بعدي.

و عن القطب الراوندي في كتاب لب اللباب عن النبي (ص) قال رحمة اللّٰه على خلفائي قالوا و من خلفائك قال الذين يحيون سنتي و يعلمونها عباد اللّٰه و من يحضره الموت و هو يطلب العلم ليحيى به الإسلام فبينه و بين الأنبياء درجة.

و عن السيد هبة اللّٰه نقلا عن الأربعين لقطب الراوندي عن أمير المؤمنين عن النبي (ص) قال أدلكم على الخلفاء من أمتي و أصحابي و من الأنبياء قبلي هم حملة القرآن و الأحاديث عنى و عنهم في اللّٰه و اللّٰه عز و جل و من خرج يوما في طلب العلم فله أجر سبعين نبيا.

أقول هذه الرواية و ان كانت على نقل العيون و معاني الأخبار مسندة الا انه في سندها ضعف لان سند العيون هو اسناد إسباغ الوضوء و سند معاني الأخبار فيه عيسى بن عبد اللّٰه العلوي عن أبيه مع انه لم يعلم ان اليعقوبي هو

داود بن على الهاشمي و المنقولات في المستند مرسلات.

و دعوى ان هذه الرواية لكثرة طرقها لا يخرج عن بعض المراسيل التي يعمل بها الأصحاب كمراسيل ابن ابى عمير لا يمكن المساعدة عليها أو لا فان المراسيل لا يعمل بها حتى مراسيل ابن ابى عمير و ثانيا على تقدير العمل بمراسيل ابن ابى عمير فهو لشهادة الشيخ و غيره بأنه لا يرسل الا عن ثقة و مع الغمض عن أمر السند فدلالتها على الولاية للعلماء بالمعنى المتقدم ممنوعة فإن النبي (ص) و ان كان له منصب زعامة الدينية بمعنى بيان أحكام الشرع و منصب الزعامة الدنيوية بمعنى كونه زعيما للمسلمين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 28

..........

______________________________

بالمعنى المتقدم الا ان هذه الرواية و أمثالها ناظرة إلى الخلافة أى مرتبة من الزعامة الدينية بمعنى نشر الأحكام و إبلاغها للناس و يشهد لذلك ما في ذيلها من قوله يروون أحاديثي و يعلمونها للناس و أجر التعليم.

و دعوى كون ذلك من باب المعرف للولي حيث ان المعروف و المتيقن من معنى الخلافة هي الزعامة الدنيوية لا يمكن المساعدة عليها فإنه قد عطف في بعض النقل على الأمة أصحابه و من الظاهر انه لم يكن لأصحابه ولاية على المؤمنين بالمعنى المزبور ليكون العلماء من غيرهم أيضا خلفاء بالمعنى المزبور.

و منها رواية على بن أبي حمزة قال أبا الحسن (ع) موسى بن جعفر يقول إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة و بقاع الأرض التي يعبد اللّٰه عليها و أبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله و ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شي ء لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها «1» و هذه الرواية ضعيفة في

سندها و دلالتها.

اما سندها فان على بن أبي حمزة كذاب متهم كما عن ابن فضال و معه لا عبرة بوقوعه في سند كامل الزيارات أو تفسير على بن إبراهيم حيث ان وقوعه في سندهما لا يزيد عن التصريح بتوثيقه الذي يسقط عن الاعتبار بالمعارضة و كذا الحال في توثيق الشيخ (ره) في كتاب العدة و قال لأجل ذلك عمل الطائفة باخباره فإنه مع معارضته ما عن ابن فضال و غيره لا يمكن الاعتماد عليه مع ان المتبع في كلمات الأصحاب لا يجد موارد العمل بروايته فيما إذا انفرد.

و ما عن ابن الغضائري في ترجمة ابنه الحسن من أن أباه أوثق منه لا يوجب توثيقه

______________________________

(1) أصول الكافي ج 1 باب فقد العلماء ص 38 الحديث (3).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 29

..........

______________________________

لان الكتاب المزبور لم يثبت انه لحسين بن عبيد اللّٰه الغضائري أو ابنه لأن النجاشي لم لم يذكر أن لشيخه كتاب الرجال مع انه اعرف بحاله و كتابه موضوع لذكر كتب مشايخه و غيرهم كما انه لم يذكر ذلك الشيخ أو غيره من أصحاب الرجال و من المحتمل ان يكون الكتاب المزبور وضعه بعض المخالفين و نسبه الى ابن الغضائري.

هذا أولا:

و ثانيا انه ذكر في الكتاب المزبور في ابنه الحسن أنه ضعيف و أبوه أوثق منه فيكون ظاهر الكلام المزبور ان ابنه الحسن أضعف من أبيه.

و اما ضعف الدلالة فإن كون الفقهاء حصونا للإسلام فمقتضاه كونهم رادعين عن التحريف و التأويل في أحكام الشرع فإن الإسلام في نفسه عبارة عن الأحكام و القوانين المجعولة من الشرع و الرئاسة العامة و ثبوت الولاية له كولاية الرسول (ص) و الامام (ع) لا يستفاد

منها بوجه كما لا يخفى.

و منها معتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخل في الدنيا قيل يا رسول اللّٰه و ما دخولهم في الدنيا قال اتباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم «1» فإنه قد يقال انه يستفاد منها ان العلماء أمناء الرسل في جميع الشئون المتعلقة بهم صلى اللّٰه عليهم أجمعين و أوضحها الزعامة على الأمة و ليس شأن رسول اللّٰه ذكر الأحكام فقط ليكون الفقيه أمينا فيه فقط.

و فيه ان الأمين يطلق على حافظ الشي ء ليرده على صاحبه أو من يأمر صاحبه برده اليه

______________________________

(1) أصول الكافي ج 1 باب المستأكل بعلمه و المباهي به الحديث (5).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 30

..........

______________________________

و هذا بالإضافة إلى الأحكام الشرعية ظاهر فان حافظ الأحكام العالمين بها كلا أو بعضا و إبلاغها و تعليم الجاهلين بها و المستفسرين من وظيفة العلماء.

و اما الزعامة العامة فعلى تقدير ثبوتها لجميع الرسل فليس حفظها من وظيفة العلماء فقط بل كل المسلمين مكلفة بالتحفظ لها و عدم وصولها إلى أيدي الخونة و الجائرين و إقرارها لمن قرر الشارع لخلفائه من بعده و كذا الحال بالإضافة إلى بسط العدالة الاجتماعية.

و بعبارة أخرى الحديث ناظر الى كون العلماء حافظا للشرع من التلف و عدم وصولها إلى عامة الناس و المستفسرين عنها كما يشهد بذلك ما في ذيله فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم و منها التوقيع المروي عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد ابن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب قال سألت محمد بن عثمان العمرى ان يوصل لي كتابا قد سألت عن مسائل أشكلت على

فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (ع) أما ما سألت عنه أرشدك الهّٰر و ثبتك الى ان قال و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم و أنا حجة اللّٰه و أما محمد بن عثمان العمري فرضي اللّٰه عنه و عن أبيه من قبل فإنه ثقتي و كتابه كتابي «1».

و هذا التوقيع ضعيف من جهة سنده بإسحاق بن يعقوب حيث انه مجهول و في جهة دلالته حيث ان المراد بالحوادث غير ظاهر فإنها وردت في الكلام المنقول عن الامام (ع) مسبوقا بالسؤال الذي لم يصل إلينا فلعل كان في السؤال قرينة على إرادة

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (11) من أبواب وجوب الرجوع الى رواة الحديث الحديث (9)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 31

..........

______________________________

الاستفسار عن الوقائع التي يحتاج فيها الى الحاكم لرفع الخصومة و فصل النزاع فيكون التوقيع مساوقا لما دل على وجوب إرجاع المنازعات الى رواة الأصحاب و لا ينافي ذلك ما ذكره المصنف (ره) من القرائن على عدم ارادة وجوب تعلم الأحكام و هي ان الأمر بالرجوع في نفس الحوادث لا في أحكامها و ان تعليله (ع) وجوب الرجوع إليهم بأنه حجته عليهم و انه (ع) حجة اللّٰه مقتضاه التولية و إعطاء الولاية للرواة و لو كان المراد تعلم الأحكام الشرعية لكان التعليل بأنهم حجج اللّٰه عليكم أنسب و ان تعلم الأحكام الشرعية من الرواة من ضروريات الإسلام من السلف الى الخلف فلا مورد لسؤال مثل إسحاق بن يعقوب عنه و جعله من المسائل المشكلة عليه هذا.

مع انه كما ذكرنا لم يظهر حال إسحاق بن يعقوب ليقال انه يبعد سؤاله عن طريق تعلم الأحكام الشرعية و

جعله من المسائل المشكلة عليه كيف و قد وقع السؤال عن طريق تعلمها و ممن يؤخذ معالمها في غير واحد من الروايات.

أضف الى ذلك ان تعليل الإرجاع إلى رواة الحديث بأن الرواة حجته (ع) عليهم و الامام (ع) حجة اللّٰه لا يقتضي ان يكون الحديث ناظرا إلى الولاية العامة بل يمكن ان يكون ناظرا الى القضاء و تعلم الأحكام فان الحجة ما يحتج به فالإمام (ع) يحتج بما ذكر للرواة و الرواة بما ذكر و العامة الناس و التفرقة الواردة في الرواية يمكن ان يكون بهذا الاعتبار و الا فكل من الولاية و الاعتبار على تقديرهما ثابت بأصل الشرع.

و مما ذكرنا يظهر الحال في الاستدلال على ولاية الفقيه بما ذكر في مقبولة عمر بن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 32

..........

______________________________

حنظلة من قوله (ع) فإنه قد جعلته حاكما فإنه لا يستفاد منه الا ثبوت منصب القضاء و الحكم للفقيه و قد يستدل على ثبوت الولاية العامة للفقيه برواية إسحاق بن عمار عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال أمير المؤمنين (ع) لشريح يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي نبي أو شقي «1».

و وجه الاستدلال ان منصب القضاء ثابت للفقيه و إذا لم يكن الفقيه شقيا و نبيا يكون وصيا لا محالة و مقتضى كونه وصيا ثبوت الولاية له و لكن لا يمكن المساعدة على الاستدلال المزبور لما تقرر في الأصول انه إذا علم عدم ثبوت حكم العام لفرد و شك في كونه بنحو التخصيص أو التخصص فلا اعتبار بأصالة العموم أو الإطلاق و الحصر المزبور في الرواية مقتضاه عدم جواز القضاء لغير النبي و الوصي و قد

علم بجواز القضاء للفقيه العادل و يدور الأمر بين كونه بنحو تخصيص المفهوم أو التخصص فلا يمكن إثبات كونه بنحو و دخول الفقيه في عنوان الوصي.

أضف الى ذلك انه لا طريق لنا إلى إثبات ان كل الأنبياء كان لهم الولاية العامة فضلا عن وصيهم و الرواية المزبورة و ان كانت ضعيفة سندا الا انه بمضمونها صحيحة سليمان بن خالد عن أبى عبد اللّٰه (ع) قال اتقوا الحكومة فإن الحكومة انما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبي أو وصى «2» نبي و لكن في نسخة كنبي و على تلك النسخة فلا دلالة فيها على الحصر.

و المتحصل لو كانت للرواية المزبورة أو الصحيحة دلالة فهي عدم جواز القضاء و الحكم لغير النبي أو الوصي و الفقيه العادل كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (3) من أبواب صفات القاضي الحديث (2)

(2) الوسائل الجزء (18) الباب (3) من أبواب صفات القاضي الحديث (3)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 33

..........

______________________________

و منها ما عن تحف العقول مجاري الأمور و الأحكام بيد العلماء «1» حيث ظاهره التشريع أى فليكن مجاري الأمور و الأحكام بيد العلماء.

و بتعبير آخر الأحكام غير الأمور و كون الثاني عطفا تفسيريا للأول خلاف الظاهر فيكون مقتضى الحديث ان الولاية و حق التصدي للأمور و الأحكام بيد العلماء.

أقول لو كان المراد من الحديث ما ذكر لكان الحديث الأمور و الأحكام بيد العلماء إذ لا حاجة الى إضافة المجاري ليحتاج في معناها الى التكلف بل ظاهر الحديث بملاحظة ما قبله و بعده بأن أمور اللّٰه و مناصبه التي وقعت بأيدي غير أهلها مجاريها بيد العلماء بمعنى انهم لو أظهروا الحق و لم يتفرقوا عنه

و لم يختلفوا في السنة بعد البينة لكانت جارية في مجراها و كان المتصدي لها أهلها المقرر لها في السنة.

هذا مع ضعف الرواية سندا و منها مرسلة التحرير عن رسول اللّٰه (ص) علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل «2» و فيه ان الكلام المزبور بيان فضيلة العلماء و مقامهم عند اللّٰه لا تشريع الولاية الثابتة للأنبياء للعلماء مع ان ثبوت الولاية كما تقدم لكل واحد من أنبياء بني إسرائيل غير ظاهر و ان إرساله و لو مع تمام ظهوره يمنع عن الاعتماد عليه.

و منها قوله (ع) في نهج البلاغة أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به ان اولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية.

______________________________

(1) المستدرك الجزء الثالث الباب (11) الحديث (17)

(2) المستدرك الجزء الثالث ص 189 الحديث (30)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 34

..........

______________________________

أقول الظاهر ان المراد بأولى الناس أقربهم منزلة إلى الأنبياء كما هو المراد من قوله سبحانه أَوْلَى النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ الاية و لو كان المراد التصدي بمناصب الأنبياء لكان مقتضاه ثبوت الولاية للأئمة عليهم السلام حيث انهم سلام اللّٰه عليهم اعلم الناس بحسب العصور و بما جاء به الأنبياء و في ذيل الكلام المزبور ان ولى محمد (ص) من أطاع اللّٰه و ان بعدت لحمته و ان عدو محمد بن عصى اللّٰه و ان قربت قرابته.

و منها صحيحة القداح عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّٰه به طريقا إلى الجنة و أن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به و انه يستغفر لطالب العلم من في السماء و من في الأرض حتى الحوت في البحر و فضل العالم على العابد كفضل

القمر على سائر النجوم ليلة البدر و ان العلماء ورثة الأنبياء ان الأنبياء لم يورثوا دينارا و لا درهما و لكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر «1» و وجه الاستدلال ان كون العلماء ورثة الأنبياء مقتضاه وقوع ما ترك الأنبياء بيدهم سواء كان علما و أحاديث أو الولاية على الأمة.

لا يقال ظاهر الرواية انحصار تركة الأنبياء بالعلم و الحديث بمعنى ان شأن النبي ان يكون تركته علما لا مالا.

فإنه يقال لا دلالة للرواية على الانحصار و التصريح بالعلم في الرواية باعتبار كونها واردة في مقام الترغيب اليه لا يقال لم يعلم ان الولاية على الأمة مما تركها الأنبياء حتى يرثها العلماء فإنه يقال يشهد لكون الولاية مما تركها قوله (ع) و أرى تراثي نهبا.

______________________________

(1) أصول الكافي ج 1 باب ثواب العالم و المتعلم الحديث 1.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 35

..........

______________________________

أقول لو سلم ان الولاية داخلة فيما تركه الأنبياء فلا يستفاد من الرواية كيفية إرثها و أنها تنتقل الى كل من العلماء أو أنها تختص بأعلمهم كاختصاص إرث الحبوة بالولد الأكبر و بتعبير آخر ظاهر الرواية ان كلا من العلماء يرث النبي (ص) و اما مقدار إرثه و كيفية إرثه فلا يستفاد منها فمن المحتمل اختصاص الولاية بأعلمهم كما ذكرنا ذلك في بيان قوله (ع) اولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤا به فتكون الولاية منتقلة إلى أئمة الاطهار حيث انهم سلام اللّٰه عليهم اعلم الرعية في كل عصر.

و مما ذكرنا يظهر الحال في رواية أبي البختري عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال ان العلماء ورثة الأنبياء و ذلك ان الأنبياء لم يورثوا درهما و لا دينارا و انما أورثوا

أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشي ء منها فقد أخذ حظا وافرا «1» و التقريب ما تقدم من ان انحصار تركتهم بالأحاديث إضافي و الجواب أيضا ما ذكر.

أضف اليه ضعف هذه الرواية سندا فتحصل انه لا دلالة في هذه الاخبار على ثبوت الولاية الثابتة للنبي و الأئمة عليهم السلام للفقيه لا في زمان حضورهم و لا في زمن الغيبة.

ان قلت كيف يصح القول بأن النبي (ص) و الأئمة عليهم السلام لم يتعرضوا للزعامة في زمان الغيبة و ان يتركوا المؤمنين حيارى مع ان الدين الإسلامي متكفل لاحكام غير العبادات و المعاملات من السياسات التي يكون الغرض منها تنظيم الأمور الاجتماعية للمسلمين و بسط العدالة الإسلامية في بقاع الأرض.

فإنه يقال عدم استفادة الولاية العامة للفقهاء من الروايات المتقدمة لا يوجب

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (8) من أبواب صفات القاضي الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 36

..........

______________________________

ذلك حيث يمكن ان يكون عدم التعرض للوظيفة في ذلك الزمان لعدم حاجة الناس في عصرهم الى بيانه عليهم السلام و انه كان أنسب لرعاية التقية التي كانوا يعيشون حالها و إيكال الأمر و تشخيص الوظيفة إلى فقهاء زمان الغيبة حيث يتمكنون ببركة القواعد الشرعية و الخطابات العامة على كيفية تنظيم الأمور الاجتماعية و تعيين الوظيفة فيها.

و على ذلك فينبغي الكلام في موضعين- الأول ما إذا تصدى أمر المسلمين من ليس أهلا له كما في غالب بلاد المسلمين في عصرنا الحاضر الثاني- ما إذا أراد التصدي لأمور المسلمين من يكون صالحا للتصدى لتنظيم أمور هم و رعاية مصالحهم اما المقام الأول فما لا ينبغي الريب فيه ان الشارع لا يرضى بتصدي الظالم الفاسق لأمور المسلمين لا سيما

إذا كان ذلك الظالم آلة بيد الكفار في تضعيف الإسلام و أهل الايمان و ترويج الفسق و الفجور ليلحق المسلمين و لو تدريجا بركب الكفار في رسومهم و عاداتهم و هدم ما أتعب النبي (ص) و الأئمة عليهم السلام و الصالحين و الشهداء من المسلمين في تشييد أركان الدين و تطبيق أحكامه على نظم بلادهم.

و الحاصل نهى الشارع عن الركون الى الظالم و الأمر بالاعتصام بحبل اللّٰه و الأمر بالكفر على الطاغوت و أولياء الشيطان و الأخذ بولاية اللّٰه سبحانه و رسوله و تمكين الناس من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و غير ذلك شاهد صدق بان على المسلمين قطع أيدي الظلمة عن المؤمنين و بلادهم مع التمكن عليه حيث انه لو أمكن ذلك بالمقدمات التي غير محرمة في نفسها فهو و اما إذا توقف ذلك على ارتكاب محرم في نفسه فلا بد من ملاحظة الأهمية بين المتزاحمين و لا ريب في ان الظالم المزبور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 37

..........

______________________________

إذا كان بصدد هدم الحوزة الإسلامية و إذلال المؤمنين و ترويج الكفر و تسلط الكفار على المسلمين و بلادهم يكون على المسلمين أخذ القدرة من يده و إيكالها الى الصالح فإنه أهم و لو مع توقفه على بعض المحرمات بعنوانه الاولى حتى القتال مع العلم بالظفر و الاطمئنان بأخذ القدرة من يده كل ذلك تحفظا على الحوزة الإسلامية و دفاعا عن المسلمين و اعراضهم و بلادهم من دنس الكفر و الضلال و الفساد هذا كله بحسب الكبرى، و اما بحسب الصغرى فإن أحرز فقيه حال الظالم و انه بصدد إذلال المسلمين و تسليط الكفار عليهم و على بلادهم و الصدمة

على أعراضهم و أموالهم و حكم بحكم على طبق إحرازه فنفوذ حكمه و ان كان مبنيا على نفوذ الحكم الابتدائي للفقيه العادل الا انه إذا اعتقد الناس به و حصل لهم الجزم بصحة إحرازه و لو مع القرائن يثبت الحكم المتقدم.

و لا يخفى ان ما ورد في بعض الاخبار من الأمر بإلزام البيت و الصبر الى خروج السفياني و غيره من العلامات الخروج القائم (ع) لا ينافي ما ذكرنا فان المراد من تلك الروايات أمر الناس بعدم الاستجابة لمن يدعو من أهل بيت النبي (ص) الخلافة لنفسه و ان الأئمة عليهم السلام لا يتصدون لأمر الخلافة و الوصاية للنبي (ص) الى ذلك الزمان و من يدعو الناس الى الخروج انما يريد الخروج لنفسه لا للإمام (ع) و ان لخروجه وقتا محدودا لا بد من انتظاره و اما قضية الدفاع عن الحوزة الإسلامية في زمان الغيبة و التصدي للأمور العامة للمسلمين تحفظا على أعراضهم و أموالهم و تمكين الناس من الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و إسقاط الفسقة و الفجرة عن القدرة و إيكالها على من هو صالح للتصدى لها حسبة من غير ان يدعى المتصدي الوصاية و الخلافة لنفسه فليس فيها نظر الى ذلك فلاحظها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 38

..........

______________________________

و يزيد وضوحا كون تلك الروايات غير ناظرة إلى صورة الهجوم على الحوزة الإسلامية معتبرة يونس عن ابى الحسن الرضا (ع) قال قلت له جعلت فداك ان رجلا من مواليك بلغه ان رجلا يعطى السيف و الفرس في سبيل اللّٰه فأتاه فأخذهما منه و هو جاهل بوجه السبيل ثم لقيه أصحابه فأخبروه ان السبيل مع هؤلاء لا يجوز و أمروه بردهما

فقال فليفعل قال قد طلب الرجل فلم يجده و قيل له قد شخص الرجل قال فليرابط و لا يقاتل قال ففي مثل قزوين و الديلم و عسقلان و ما أشبه هذه الثغور فقال نعم فقال له يجاهد قال لا الا ان يخاف على ذراري المسلمين فقال أ رأيتك ان الروم دخلوا على المسلمين لم ينبغي لهم ان يمنعوهم قال فليرابط و لا يقاتل و ان خاف على بيضة الإسلام و المسلمين قاتل فيكون قتاله لنفسه و ليس للسلطان قال قلت فان جاء العدو الى الموضع الذي هو فيه مرابط كيف يصنع قال يقاتل عن بيضة الإسلام لا عن هؤلاء لأن في دروس إسلام دروس دين محمد (ص) «1» و ظاهرها كما ترى عدم البأس بالقتال مع من يكون استيلائه على المسلمين و بلاده موجبا لضعف الإسلام و انهدام معالمه.

بلا فرق بين زمان الحضور و الغيبة كما لا يخفى.

الموضع الثاني- فنقول لا ينبغي الريب في ان تهيئة الأمن للمؤمنين بحيث يكون بلادهم على أمن من كيد الأشرار و الكفار من أهم مصالحهم و المعلوم وجوب المحافظة عليها و ان ذلك مطلوب للشارع فان تصدى شخص صالح لذلك بحيث يعلم برضاء الشارع بتصديه كما إذا كان فقيها عادلا بصيرا أو شخصا صالحا كذلك مأذونا من الفقيه العادل فلا يجوز للغير تضعيفه و التصدي لإسقاطه عن القدرة حيث ان

______________________________

(1) فروع الكافي الجزء (3) ص 21

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 39

..........

______________________________

تضعيفه إضرار للمؤمنين و نقض للغرض المطلوب للشارع بل يجب على الآخرين مساعدته و تمكينه في تحصيل مهمته و من المساعدة عليه التبرع في الجيش الذي يمهده لحفظه الثغور و الدخول في القوى التي

أو كل إليهم حفظ الأمن الداخل المأخوذ على عاتق الناس حسبة و يشبه المقام ما إذا وضع فقيه عادل يده على مال اليتيم أو على المال الوقف الذي لا متولي له فإنه لا يجوز للغير ممانعته و تهيئة المقدمة لوضع يد نفسه عليها غاية الأمر ان وجه عدم الجواز في الثاني حرمة التصرف في تلك الأموال و في الأول لكونه تضعيفا لحوزة المسلمين و إخلالا لأمر انتظام بلادهم و أمنهم كما لا يخفى.

ثم انه إذا وقف تأمين نظام البلاد على تحصيل المال كالزكاة حيث يجوز صرفها على تحصيل الأمن و نظام البلاد وجب إيصالها اليه مع احتياجه و مطالبته بها بل لو طالب المال تبرعا في صورة احتياجه وجب على الناس الاستجابة كل ذلك تمكينا للمتصدي من المال اللازم لتهيئة أمن البلاد و تأمين الحوائج العامة التي تصدى لتأمينها كما ان للمتصدي تحصيل المال بإخراج المعادن من الأراضي المباحة و وضع اليد على الغابات و نحوها و يكون كل هذه الأموال ملكا للحكومة الإسلامية نظير ملك المال للعناوين و لا يدخل في ملك شخص المتصدي غاية الأمر يكون للمتصدي الولاية في التصرف في تلك الأموال ليصرفها في الموارد التي يتوقف عليه نظام البلاد و تأمين حوائج أهلها.

و لا يبعد أيضا أن يقال بوجوب اطاعة المتصدي المزبور في الأمور الراجعة إلى الجهات التي أشرنا إليها أخذا بقوله سبحانه أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 40

..........

______________________________

و ما ورد في تفسيره من ان المراد بأولى الأمر الأئمة عليهم السلام لا ينافي ذلك حيث ان ذلك لنفى ولاية ولاة الجور و أنهم عليهم السلام هم أولوا الأمر لا

المشار إليهم.

و لا يخفى ان كل تصرف لا يخرج عن حدود التحفظ على حوزة الإسلام و المسلمين نافذ من المتصدي لأمور المسلمين فيما إذا كان مقتضى الأدلة الأولية جوازه كتهيئة مراكز الثقافة لنشر العلوم و بسط الرفاه الاجتماعى و ان كل تصرف يكون مقتضى الأدلة عدم جوازه كالتصرف في بعض أموال آحاد الناس و أخذه قهرا عليهم و أمثال ذلك فلا يدخل في ولاية المتصدي حتى فيما إذا اعتقد المتصدي أو وكلائه جوازه لبعض الوجوه الا فيما أشرنا إليه سابقا كما يجوز لسائر الفقهاء التصدي لبعض الأمور الحسبية فيما إذا لم يكن التصدي لها مزاحمة و تضعيفا لمركز المتصدي للزعامة كنصب القيم لليتيم و التصدي لتجهيز ميت لاولى له و نحو ذلك و اللّٰه سبحانه هو العالم.

ثم ان من الأمور التي يقوم بها الفقيه كما أشرنا سابقا اجراء الحدود و التعزيرات فإنه كما ذكرنا سابقا انه لا يجوز لكل أحد إقامتها على ما يستفاد من بعض الروايات بل يظهر منها ان ذلك للإمام كحسنة الحسين بن أبى العلاء «1» و المراد من الامام من اليه الحكم سواء كان المعصوم (ع) أو نائبه الخاص أو الفقيه الذي يصح له الحكم كما يدل عليه معتبرة حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) من يقيم الحدود السلطان أو

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (17) الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 41

..........

______________________________

القاضي فقال اقامة الحدود الى من اليه الحكم «1».

و يؤيده مثل رواية على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (ع) قال سألته عن يهودي أو نصراني أو مجوسي أخذ زانيا أو شارب خمر ما عليه فقال يقال يقام عليه حدود المسلمين

إذا فعلوا ذلك في مصر من أمصار المسلمين أو في غير أمصار المسلمين إذا رفعوا الى حكام المسلمين «2».

و اما الالتزام بعدم تصدى لإجراء الحدود و التعزيرات لغير الامام (ع) بما في دعائم الإسلام و الأشعثيات عن الصادق (ع) عن آبائه عن على (ع) لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلا بإمام فلا يمكن المساعدة عليه فإنه أولا لم يظهر المراد من الامام انه المعصوم (ع) فقط بل المراد منه يعم الفقيه العادل بقرينة نفوذ حكمه و ثانيا ان رواية دعائم الإسلام لإرساله لا يمكن الاعتماد عليه.

و اما الأشعثيات التي بأيدينا و أخذ الرواية منها لم يعلم أنه كتاب محمد بن محمد بن الأشعث الذي وثقه الشيخ النجاشي و قال له كتاب الحج المذكور فيه ما روته العامة عن جعفر بن محمد عليهما السلام في الحج إذ ما بأيدينا مشتمل على أكثر أبواب الفقه.

و كذلك لم يعلم ان ما بأيدينا ما ذكر الشيخ النجاشي و الشيخ الطوسي في ترجمة إسماعيل بن موسى بن جعفر عليهم السلام ان له كتبا يرويها عن أبيه عن آبائه منها كتاب الطهارة إلى آخر ما ذكراه حيث لم يظهر أن ما بأيدينا هي تلك الكتب مع ان الموجود بأيدينا يختلف عن تلك الكتب و من المحتمل ان تلك الكتب لم تصل حتى الى

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (28) الحديث (1).

(2) الوسائل الجزء (18) الباب (29) الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 42

نعم لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما (1) ثم ان النسبة بين مثل هذا التوقيع و بين العمومات (2)

______________________________

الشيخ الطوسي ره و لذا لم يذكر في كتابيه عنه رواية.

(1) بأن يستنبط

الفقيه المطالب بالزكاة أو الخمس من الأدلة الشرعية اعتبار دفعهما الى الفقيه و انه لا يصح دفعهما بدون ذلك مطلقا أو بعد مطالبة الفقيه فإن العامي إذا أحرز تعين تقليده ابتداء كما إذا كان اعلم من الآخرين أو تخييرا كما إذا كان في رتبة الآخرين يجب إيصالهما اليه مطلقا أو بعد اختياره و هذا في غير مورد الكلام فان مورده ولاية الفقيه و ان أمر الفقيه و حكمه نافذ كحكم الامام (ع) مع قطع النظر عن إفتائه.

(2) يعني مقتضى التوقيع وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة و العمل فيها إلى الرواة سواء كانت الواقعة من الأمور الحسبية أو غيرها من موارد القضاء و نحوها كما ان ما ورد من ان كل معروف صدقة «1» مقتضاه مشروعية العمل بالمعروف و جواز استقلال كل أحد به سواء كان من الأمور الحسبية أو من المستحبات و الواجبات الكفائية و بعد سقوط إطلاقهما في مورد اجتماعهما و هي الأمور الحسبية و نحوها يرجع الى أصالة عدم مشروعية ذلك المعروف بل لا يبعد حكومة مثل التوقيع على مثل العموم المزبور فإنه لا يكون الاستقلال مع إيجاب الرجوع فيها إلى الرواة من المعروف ليعمه كل معروف صدقة و كذا لا يكون الاستقلال عونا للضعيف بل عونه هو الرجوع في أمره الى الحاكم.

______________________________

(1) الوسائل الجزء (11) الباب (1) من أبواب فعل المعروف الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 43

ثم انه قد اشتهر في الألسن و تداول في بعض الكتب (1)

______________________________

أقول العامي الذي يحتمل في الواقعة اعتبار الرجوع فيها الى الفقيه لا يجوز له الاستقلال بمباشرته بها حيث يجب عليه في الشبهة الحكمية الاحتياط أو التقليد ممن يتعين عليه الرجوع

إليه في الوقائع و إذا رجع الى الفقيه احتياطا أو تقليدا فعلى الفقيه ملاحظة الأدلة في تلك الواقعة فإن كان مقتضاها عدم جواز العمل أو عدم ثبوت الولاية لا له و لا لغيره يعمل على مقتضى تلك الأدلة كما إذا رأى انه ليس له و لا لغيره الولاية على تزويج الصغير و الصغيرة. و ان كان مقتضى الأدلة جواز المباشرة أو جواز التوكيل كالتصرف في مال اليتيم يعمل على ما ظهر له حتى لو ظهر منها جواز تصدي العامي للواقعة فله الإفتاء بذلك.

ثم الأمور الحسبية التي يكون مقتضى الأدلة فيها عدم الجواز كالتصرف في مال الغائب أو القاصرين يكون مباشرة الفقيه أو توكيله هو المقدار المتيقن من الجواز فيؤخذ في غير ذلك بإطلاق النهي أو عمومه و مقتضاه عدم كون التصرف المزبور معروفا أو عونا للضعيف بل يكون ظلما و تعديا عليه كما لا يخفى.

و اما الأمور التي يكون مقتضى الأدلة جواز التصدي لكل أحد فللفقيه الإفتاء بذلك فيجوز للعامي التصدي به استقلالا كما في تغسيل ميت لاولى له.

و دعوى اعتبار الرجوع في مثل ذلك ايضا الى الفقيه أخذا بإطلاق التوقيع، فيها ما لا يخفى لضعف التوقيع سندا و دلالة كما تقدم سابقا.

(1) و حاصله ان المراد بالسلطان هو السلطان بحق كما هو فرض الشارع السلطنة لشخص فينحصر مدلول الرواية بولاية الإمام (ع) و استفادة ولاية الفقيه يحتاج الى عموم أدلة النيابة و قد تقدم انه لا عموم فيها و انه لم يثبت ولايته في غير الإفتاء و القضاء و غير الأمور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 44

..........

______________________________

المعبر عنها بالأمور الحسبية التي منها بل و أهمها أمر تنظيم أمر بلاد المسلمين

و تحصيل الأمن لها كما اعترف بعدم العموم جمال المحققين في باب الخمس بعد الاعتراف بان المعروف عند الأصحاب كون الفقهاء نواب الامام (ع) و يظهر التأمل في نيابته كذلك من المحقق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج.

ثم ان المراد بمن لاولى له ليس مطلق انسان لم يكن له ولى بل الذي ينبغي ان يكون له ولى كالصغير و المجنون و المغمى عليه و الغائب عن أمواله و الموقوف عليهم و الميت الذي لاولى له و قاطبة المسلمين بالإضافة إلى ملكهم كالأراضي المفتوحة عنوة و نحو ذلك فينحصر مدلول الرواية بالأمور الحسبية لا الولاية على الرعية قاطبة على حد ولاية النبي (ص).

نعم يستفاد مما يذكر نفوذ التصرف من السلطان فيما يكون ذلك التصرف صلاحا للمولى عليه حتى ما إذا شك في مشروعيته بحسب سائر الأدلة كما إذا أراد تزويج الصغير مع كونه صلاحا له فإنه لم يكن إثبات ذلك بالتوقيع لما تقدم من ان مدلوله ولاية الرواة في كل واقعة يجب العمل فيها و انه يرجع في تلك الواقعة إلى الرواة و هذا بخلاف هذه الرواية فإن مدلولها ثبوت الولاية للسلطان في كل تصرف يكون صلاحا للمولى عليه و لو لم يكن من الأمور الحسبية نعم يعتبر كون التصرف صلاحا للمولى عليه فلا ينفذ التصرف المزبور مع عدم صلاحه له كما هو مقتضى كونه وليا فإنه فرق بين ان يكون للشخص ولاية لأحد كما هو ظاهر الرواية و ان يكون له ولاية عليه فإنه لا يبعد ان يكون مقتضى الثاني النفوذ و لو لم يكن التصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 45

[ولاية عدول المؤمنين]

بل المراد عدم الملكة يعنى أنه ولى من

(1) اعلم أن ما كان من قبيل ما ذكرنا (2)

______________________________

صلاحا.

(1) كل ما ذكر ممن يحتاج إلى الولي بحسب صنفه و اما الاحتياج اليه بحسب الشخص أو النوع أو الجنس فلم يظهر المراد منه و نتيجة البحث الى هذا المقام ان ما يستدل بها من الروايات على ولاية الفقيه بمعنى ثبوت الولاية له على حد ثبوتها للنبي (ص) و سائر الأئمة عليهم السلام لا تكون ناظرة الى ذلك لان جلها تعم الرواة و العلماء الذين كانوا في عصرهم عليهم السلام بل المتيقن من بعضها ذلك و الالتزام بثبوت الولاية لهم مع ولاية النبي و الامام (ع) غير ممكن أضف الى ذلك المناقشة في اسناد جلها و دلالة كلها على ما تقدم و لكن بما ان التحفظ على بلاد المسلمين و الدفاع عنهم و عن الحوزة الإسلامية و الممانعة عن استيلاء الخونة و الفساق و الأشرار فضلا عن المنافقين و الكفار مما يعلم وجوبه على حد وجوب سائر الأمور التي يعبر عنها بالحسبة بل ما ذكر أهمها و الأصل و الأساس لها فالواجب على الفقيه العادل البصير مع تمكنه هو التصدي لذلك مباشرة أو بالتوكيل و لا يبعد دخوله بالتصدي في عنوان ولى الأمر اللازم طاعته و طاعة وكلائه فيما إذا لم يكن أمرهم و نهيهم و سائر تصرفاتهم خارجة عن الحدود التي رسمهما الشرع حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و يأتي ان مع تصديه لا يعلم مشروعية التصدي من غيره كما يعلم عدم جواز معارضته أو تضعيفه بل يجب تقويته و المساعدة و المجاهدة على مهامه التي لم تدخل في العنوان المشار اليه بحسب ما بأيدينا من الأدلة.

(2) و حاصل ما ذكر (ره) في

المقام ان التصرفات المعبر عنها بالأمور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 46

..........

______________________________

الحسبية كالتصرف في أموال القاصرين مع فقد الولي و الحاكم و لو بعدم التمكن من الوصول اليه أو وكيله و في الأوقاف العامة مع عدم متولي خاص لها و فقد الحاكم كما ذكر يتصرف فيها آحاد الناس من العدول للعلم بان هذه التصرفات مطلوب وجودها و غير مأخوذة على شخص خاص و اعتبار الاستيذان من الحاكم الشرعي ساقط للتعذر و اعتبار هذا الاستيذان اختياري لا يسقط مطلوبية التصرف مع تعذره.

نعم فيما إذا احتمل كون الاستيذان شرطا مطلقا بحيث يسقط مطلوبية ذلك التصرف مع عدم التمكن منه فيرجع الى أصالة عدم مشروعيته كبعض مراتب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر كما إذا توقف أحدهما على الجرح حيث ان إطلاقات الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر المقتضية لكون كل منهما واجبا كفائيا لا تعم ما إذا توقف أحدهما على الجرح و الأصل عدم وجوب ذلك الجرح بل عدم جوازه أخذا بما دل على حرمة الإضرار و الإيذاء و الاعتداء.

أقول المشهور عندهم بل كما قيل لا خلاف في ان للأمر بالمعروف و النهى عن المنكر مراتب ثلاث الإنكار بالقلب ثم الإنكار باللسان ثم الإنكار باليد و ان كل واحدة منها في طول الأخرى.

و لكن لا يخفى انه ان كان المراد بالإنكار بالقلب الكراهة الباطنية المتعلقة بالفعل الصادر عن الغير أو الترك كذلك فمن الظاهر ان هذا الإنكار و ان كان من مقتضى الايمان و التسليم لاحكام الشرع الا انه لا يدخل في عنوان الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر حيث ان الأمر و النهى عبارة عن بعث الآخر و تحريكه نحو الفعل

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 47

..........

______________________________

أو الترك.

و ان كان المراد كما قيل إظهار الشخص ان الفعل الصادر عن الغير مكروه له فهذا داخل في عنوان الإنكار باللسان فيجري عليه ما يجرى على الإنكار باللسان و لا يكون وجوبه مطلقا بل على تقدير احتمال التأثير و عدم الخوف من ترتب الضرر.

و كذلك لا يدخل الإنكار باليد ضربا كان أو جرحا أو حبسا في عنوان الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر و ما يستدل على ذلك من بعض الروايات لضعف السند بل الدلالة لا تصلح للاعتماد عليها و على تقديره فلا يكون أحدهما في طول الآخر و في خبر يحيى بن الطويل عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال ما جعل اللّٰه عز و جل بسط اللسان و كف اليد و لكن جعلهما يبسطان معا و يكفان معا «1».

و الحاصل ان ما دل على حرمة الإيذاء و الإضرار و اعتداء خروج الضرب فضلا عن الجرح عن كونه معروفا فلا يمكن الأخذ بقوله (ع) كل معروف صدقة و بعبارة أخرى ضرب الغير أو جرحه مع كونهما موجبين لحمل الغير على المعروف و انتهائه عن المنكر من المتزاحمين و على تقدير عدم إحراز الأهمية يكون وجوب الحمل ساقطا باعتبار عدم اباحة مقدمته مع ان وجوب الحمل في نفسه المعبر عنه بالمنع عن المنكر لا يخلو عن تأمل و ان كان ربما يستظهر جواز ذلك و مطلوبيته بالإضافة الى الأهل و العيال من صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال جاء رجل الى رسول اللّٰه (ص) فقال ان أمي لا تدفع يد لامس قال فاحبسها قال قد فعلت قال فامنع من يدخل عليها قال

قد فعلت قال قيدها فإنك لا تبرها بشي ء أفضل من ان تمنعها من محارم اللّٰه

______________________________

(1) الوسائل الجزء (11) الباب (3) من أبواب الأمر بالمعروف الحديث (2).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 48

و الظاهر ان قوله فان توقع (1) و لعل وجهه (2)

______________________________

عز و جل «1» حيث لا يستفاد منها الا المطلوبية لا الوجوب.

نعم قوله سبحانه يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً يمكن استفادة الوجوب منها بالإضافة الى الأهل و لو كان المنع عن المنكر بالإيذاء و نحوه بشهادة الصحيحة بأن المنع المزبور إحسان بل يمكن ان يقال لا يحتمل عادة ان يكون المنع عن محارم اللّٰه إحسانا و برا بالإضافة إلى الأم و الأهل و لا يكون إحسانا بالإضافة إلى السائرين و لذا لا يبعد جواز المنع مطلقا كما لا يبعد الالتزام بان على الحاكم و والي المسلمين المنع في موارد كون المنكر بشيوعه موجبا لفساد المجامع الإسلامية و طمس معالم الدين عن بلاد المسلمين كما لا يخفى.

(1) يعنى ان هذا ليس من تتمة كلام العامة بل من تتمة ما ذكره (ره) بقوله (و هل يجوز أخذ الزكوات و الأخماس).

(2) و بتعبير آخر ان قوله (ع) كل معروف صدقة في مقام الترغيب الى فعل المعروف و اما تعيين المعروف و مصاديقه فهو خارج عن مدلوله كما هو الشأن في كل خطاب يتضمن الحكم بعنوان القضية الحقيقية و على ذلك فلا يمكن التمسك بالرواية فيما إذا كان مقتضى الأدلة عدم جواز ذلك التصرف و اشتراط كونه بنظر الفقيه كإقامة الحدود حيث ورد أنها وظيفة الامام و الحاكم و كذلك التصدي لجمع الزكوات و الأخماس أخذا بأصالة عدم الولاية التي

لا يكون التصدي بدونها معروفا و لذا لا يمكن التمسك بالرواية المزبورة في نفوذ البيع فضولا فيما إذا كان ذلك البيع

______________________________

(1) الوسائل الجزء (18) الباب (48) الحديث (1) من أبواب حد الزنا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 49

بناء على ان المراد من المماثلة (1)

______________________________

صلاحا للمالك.

و مما ذكرنا يظهر الحال في التمسك بقوله سبحانه وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ حيث ان تعيين البر و التقوى خارج عن مدلولها و كذلك لا يقتضي قوله (ع) و اللّٰه في عون مؤمن ما دام في عون أخيه.

و على الجملة إذا كان في البين ما يدل على عدم جواز الفعل أو عدم نفوذه حتى مع عدم التمكن على الوصول من الفقيه فلا يمكن إثبات الولاية فيه لعدول المؤمنين بما ذكر من الآية و الرواية بل يحتاج جواز التصدي حسبة الى العلم بجواز التصدي كالتصرف في الأوقاف العامة التي لا متولي لها و تجهيز ميت لاولى له أو قيام دليل خاص عليه كالتصرف في أموال اليتامى مع عدم الولي لهم كما لا يخفى.

(1) و حاصله ان نصب القيم من القاضي المفروض في الرواية غير نافذ و يكون تصرف عبد الحميد و مثله من جهة ولايته على الأيتام بحكم الشارع لا من جهة كونه منصوبا من قبل القاضي و المحتمل في المماثلة الواردة في الرواية أمور: الأول- المماثلة في التشيع الثاني- المماثلة في الوثاقة أي فعل ما هو صلاح للأيتام فيكون ملاحظة مصلحة اليتيم في عبارة المصنف (ره) عطفا تفسيريا للوثاقة الثالث- المماثلة في الفقاهة الرابع- المماثلة في العدالة و احتمال ارادة الثالث أي المماثلة في الفقاهة ضعيف لان مفهوم الشرطية على ذلك الاحتمال انه إذا لم

يكن القيم للأيتام فقيها ففي تصرفاته بأس و منع و المنع إطلاقه يجري حتى في صورة تعذر الفقيه مع انه لا يمكن ان تكون الفقاهة بالإضافة الى مال اليتيم شرطا على الإطلاق بحيث لا يجوز لغير الفقيه التصرف حتى مع تعذر الفقيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 50

ففي صحيحة على بن رئاب (1)

______________________________

و هذا بخلاف سائر الاحتمالات فإنه لا بأس عليها بالأخذ بإطلاق البأس و المنع و الالتزام بان تصرف غير الشيعة أو الخائن أو الفاسق في مال اليتيم غير نافذ.

و الحاصل يدور المراد في الاحتمالات الثلاثة الباقية فيؤخذ بالأخص منها و هو اعتبار العدل لكونه متيقنا بالإرادة لأن العادل يكون شيعيا و يكون تصرفه بمقتضى التكليف المستفاد من مثل قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* صلاحا لليتيم.

أقول لا مجال في المقام للتمسك بإطلاق المفهوم و إثبات ان المراد بالمماثلة المماثلة في غير الفقاهة و ذلك للجزم بان البأس في المفهوم لا يعم تصرف غير الفقيه مع تعذر الفقيه و عدم شمول المفهوم لذلك اما بالتقييد كما إذا كان المراد بالمماثلة الفقاهة فإنه لا بد من تقييد المفهوم و اما تقيدا كما إذا كان المراد بها غير الفقاهة نظير ما يقال انه مع العلم بعدم ثبوت حكم العام لشي ء و دوران كونه بالتخصيص أو بالتخصص لا يمكن التمسك بأصالة العموم و إثبات كونه بالتخصص فالصحيح ان الصحيحة مجملة من حيث المراد من المماثلة فيؤخذ بالأخص من الاحتمالات و هي المماثلة في الفقاهة و العدل.

(1) و وجه دلالتها ان قوله (ع) الناظر فيما يصلحهم وصف توضيحي فيكون مفاد الصحيحة نفوذ تصرفات من يكون تصرفاته من جهة صلاح الصغير

المفروض عدم القيم الخاص له و لكنها لا تنافي اعتبار العدالة في القيم فإنه يرفع عن إطلاقها بما دل على اعتبار العدالة كما ان ما دل على اعتبارها يكون مفسرا لإجمال الصحيحة الأولى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 51

و الذي ينبغي ان يقال (1)

______________________________

فتكون النتيجة ان القائم بمصالح الصغير من غير وصاية و من غير توكيل من الحاكم الشرعي يجب ان يكون عدلا.

و اما موثقة سماعة قال سألته عن رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار من غير وصية و له خدم و مماليك و عقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث قال إذا قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس «1» فلا ظهور للثقة فيها فيمن يطمئن بفعله عرفا و لو كان فاسقا بل لا يبعد ظهورها في العدل و لا أقل من الحمل عليه جمعا بينها و بين صحيحة إسماعيل بن سعد برفع اليد عن إطلاق الثانية بالأولى كما لا يخفى.

(1) يعني في الموارد التي يكون فيها لجواز تصرف غير الفقيه و نفوذه دليل خاص اتبع ذلك الدليل في جهة كونه دالا على اعتبار العدالة في المتصرف أم لا.

و اما الموارد التي يكون تصرف غير الفقيه فيها من جهة دخول ذلك التصرف في عموم قوله (ع) كل معروف صدقة و قوله عون الضعيف من أفضل الصدقة أو عموم قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* ففيها تفصيل من جهة ان الفاسق ايضا يجوز له التصدي لتلك التصرفات و يكون تصرفه نافذا كتصرف العادل الا انه لا يسقط التكليف بإصلاح مال اليتيم و حفظه عن الهلاك عن السائرين بمجرد قيام الفاسق بالتصرف

مع عدم إحراز كون تصرف الفاسق صلاحا و إحسانا للطفل و لا يكفي في الإحراز حمل التصرف المزبور على الصحة مثلا إذا باع الفاسق مال الصغير لا يجوز مع جهله يكون ذلك صلاحا للطفل شراء ذلك المال من البائع المزبور و لا يجري

______________________________

(1) الوسائل الجزء (13) الباب (88) من أبواب الوصايا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 52

..........

______________________________

أصالة الصحة في فعل البائع فإن الشك في المقام في أصل وجود المأمور به و هو إصلاح مال الطفل و إيجاد الصلاح فيكون نظير ما إذا شك في ان الغير صلى على الميت أم لا نعم إذا أحرز أصل الصلاة و شك في وقوعها صحيحة أم لا فتحمل على الصحة.

و بتعبير آخر شك المشترى في كون بيع البائع صلاحا للطفل أم لا نظير شكه في بلوغ البائع و ولايته على البيع لا مجرى فيه لأصالة الصحة نعم إذا باع الفاسق مال الطفل لآخر و احتمل ثالث ان المشترى قد أحرز كون شرائه و بيع البائع صلاحا للطفل فيجوز لذلك الثالث حمل شرائه على الصحة و لا يجوز له أخذ الثمن من يد البائع و استرداد المبيع من يد مشتريه بدفع الثمن إليه لأنه لا يعلم ان مال الصغير هو الثمن بل مقتضى أصالة الصحة الجارية في شراء المشترى هو كون ماله هو الثمن لا المثمن أقول قد تقدم سابقا انه لا دلالة لقوله (ع) كل معروف صدقة و لا لقوله عون الضعيف من أفضل الصدقة على حكم المقام فان كون تصرف الأجنبي في مال الطفل انما يكون معروفا و عونا مع ولايته على التصرف و نفوذ معاملته و إذا منع عنه مثل قوله (ع) لا

يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه أو أصالة عدم ولايته على التصرف المزبور فيخرج عن كونه معروفا و عونا كما يخرج زيد باستصحاب عدم كونه فاسقا عن عموم النهى عن إكرام الفاسق.

و اما قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* فهو خطاب متوجه الى من يكون في أيديهم أموال اليتامى من الأولياء و لا يعم غير الولي و لا يعين الولاية لأحد.

و الحاصل ان التصرف في مال الأيتام مستفاد من الروايات المتقدمة و مفادها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 53

..........

______________________________

كما تقدم اعتبار العدالة في المتصرف و أيضا لو فرض ثبوت الولاية على كل واحد في التصرف في مال الطفل أو غيره فلا مانع من حمل فعل المتصدي على الصحة و ليس المقام من قبيل الشك في بلوغ البائع و نحوه ما يكون الشك معه في ولاية المتصرف حيث لا مجرى لأصالة الصحة بدون إحرازها و ذلك فإنه بعد فرض الولاية حتى للفاسق يكون ولاية التصرف محرزا غاية الأمر ان بيعه مشروط يكون ذلك البيع صلاحا للطفل بنظره كما مقتضى جعل الولاية نظير اشتراط علم البائع و إحرازه أوصاف المبيع في صحة بيعه و كما ان المشترى إذا شك في ان بايعه عالم بأوصاف مبيعه أم لا يجوز له الاشتراء حملا لبيعه على الصحة كذلك في المقام فيما إذا احتمل المشترى ان بايع مال الطفل قد أحرز كون بيعه صلاحا و لو كان إصلاح مال الطفل واقعا هو المأمور به لوجب على الآخرين أخذ المال من يد المشترى بدفع الثمن اليه تمسكا باستصحاب بقاء المبيع في ملك الطفل فإنه كما لا مجال لأصالة الصحة في فعل البائع

كذلك لا مجال له في فعل المشتري لأن إصلاح مال الطفل واقعا لا يحصل بمجرد فعل البائع بل به و بفعل المشترى و يكون الشك في صحة شراء المشترى مساويا للشك في أصل وجود المأمور به كما لا يخفى.

ثم بناء على ما ذكرنا من عدم إحراز الولاية لغير العادل من الأمور الحسبية المشار إليها تكون العدالة فيها للمتصدي معتبرة بنحو الموضوعية و اما بناء على ما ذكر المصنف (ره) من ثبوت الولاية فيها للفاسق يكون اعتبار العدالة فيها للمتصدي بنحو حيث تكون عدالة المتصدي طريقا الى وقوع التصرف الصلاح و لو علم وقوع هذا النحو من التصرف من جهة أخرى يكون نافذا كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 54

فالظاهر ان حكم عدول المؤمنين لا يزيد على حكم الأب و الجد (1)

______________________________

(1) أقول الظاهر ان مع وضع عادل يده على مال الصغير يجوز للعادل الآخر مزاحمة الأول لأن بعض الروايات المتقدمة تعم تصرف المزاحم فيما إذا وقع قبل وقوع التصرف من العادل الأول و اما فيما كان القيام من العادل لمجرد كون الواقعة من الأمور الحسبية التي علم بعدم رضاء الشارع بترك التعرض لها فلا يجوز المزاحمة في الأمور الحسبية التي يكون مقتضى الأدلة الأولية المنع عن التصرف فيها كالتصرف في مال الغائب و الأوقاف العامة لأنه يرفع اليد فيها عن تلك الأدلة للعلم بان الشارع لا يرضى بإهمال الواقعة و لا يحصل هذا العلم مع وضع العادل يده على تلك الواقعة حيث يحتمل عدم رضاء الشارع بالتصدي من الآخرين و مزاحمة العادل الذي وضع يده على الواقعة أولا.

نعم الأمور التي يكون مقتضى الأدلة الأولية جواز التصدي لها كالصلاة على ميت

لاولى له فإن الولاية لها ثابتة لآحاد المؤمنين فيجوز لكل واحد منهم إيقاعها مع عدم وقوعها من الآخر قبله.

و مما ذكرنا يظهر الحال في ولاية الفقيه و انه يجوز للفقيه الآخر التصرف و لو مع وضع فقيه يده على الواقعة قبله فيما إذا كان مقتضى الخطاب اللفظي جواز التصدي لكل فقيه كالقضاء في المرافعات و اما في الأمور الحسبية التي يكون تصديه للعلم برضاء الشارع فلا يجوز للآخر المزاحمة باعتبار انه لا علم برضاء الشارع بتصدي الآخر مع فرض وضع الأول يده على الواقعة التي تكون مقتضى الأدلة الأولية عدم جواز التصرف فيها فلا حظ و تدبر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 55

فهل يجوز للآخر مزاحمة (1)

______________________________

(1) يعني هل يجوز للفقيه الآخر مزاحمة الفقيه الذي تصدى للواقعة بوضع يده عليها أولا بأن يرخص الآخر أحدا في الصلاة على الميت أو هو يباشر بنفسه بالصلاة عليه ذكره (ره) انه لو كان المستند لولاية الفقيه في مثل هذه الأمور ما في التوقيع المتقدم من إيجاب إرجاع الحوادث إلى الرواة فيجوز للفقيه الآخر مزاحمة الأول لأن مفاده ان العوام لا يجوز لهم مزاحمة الفقهاء بل يجب عليهم إيكال الحوادث إليهم و اما ان الفقيه لا يجوز له مزاحمة الفقيه فلا دلالة للتوقيع عليه.

و الحاصل ان مفاد التوقيع المزبور ان الفقهاء كل واحد منهم حجة على السائرين و يكون لهم ولاية بحيث يجب على العوام الرجوع إليهم فيكون حال كل فقيه بالإضافة إلى الفقيه الآخر حال كل من الأب و الجد بالإضافة إلى الأخر و من هذا القبيل تصدى أحد الحاكمين للحكم في الواقعة قبل حكم الأخر فيها و لو مع دفع تلك الواقعة الى ذلك

الأخر و نظره و استماع الشهادة و البناء على الحكم فيها.

و اما إذا استفيد ولاية الفقيه من أدلة نيابتها عن الامام (ع) فلا يجوز للفقيه الأخر مزاحمة من وضع يده على الواقعة أولا و ليس المراد الأدلة التي يكون مدلولها كون الفقيه كالإمام أولى بالناس أى بأنفسهم و أموالهم ليقال انه ليس في البين ما يقتضي ولايته كذلك بل المراد ان تصرف الفقيه في مورد له ولاية التصرف فيه كتصرف الامام (ع) فيه كما يظهر ذلك من التعليل الوارد في التوقيع المتقدم فان مقتضاه كون الفقيه حجة من قبله (ع) فتصديه للواقعة كتصديه (ع) لها فإنه لو كان جواز تصدى الفقيه كجواز تصدى الأب و الجد حكما شرعيا لكان الأنسب أن يقول فإنهم حجة اللّٰه عليكم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 56

..........

______________________________

و الحاصل إذا كان تصدى الفقيه لواقعة كتصدى الامام (ع) لها فلا يجوز للفقيه الأخر التصرف فيها بعد وضع اليد عليها من فقيه أولا حيث لا يجوز مزاحمة الإمام (ع).

لا يقال كيف جاز لفقيه الحكم في واقعة قبل تمام الحكم من الفقيه الأخر حتى لو نظر ذلك الأخر في تلك الواقعة و سمع الشهادة و بنى على الحكم فيها مع انه يجرى على تصديه فيها للقضاء أنه كتصدى الامام (ع).

فإنه يقال وجوب القضاء على الفقيه في الواقعة مشروط بسؤال الحكم منه و مع عدم سؤال المتخاصمين كما هو مقتضى رجوعهما الى غيره و لو بعد مراجعتهما اليه يكون التكليف بالقضاء متوجها الى ذلك الغير أقول قد تقدم ان التوقيع المزبور لا يمكن الاعتماد عليه لضعفه سندا و ان الحوادث الواقعة الواردة فيها مجملة لأن السؤال لم يصل إلينا و لعل كان

فيه قرينة على كون المراد بها بعض المخاصمات التي يحتاج فيها إلى الحكومة.

و على تقدير الإغماض و عموم الحوادث فمفاده ان مع وجود الفقيه لا يعذر العامي في ترك الواقعة و عدم العمل بالوظيفة فيها فإن الحجة ما يحتج به كما ان مع وجود الامام (ع) لا يعذر الناس في ترك رجوعهم اليه (ع) و اما مباشرة الفقيه بحادثة بالإضافة إلى فقيه آخر كمباشرة الامام (ع) بالإضافة إلى الفقيه فليس فيه دلالة على ذلك.

و بتغيير آخر جعل الولاية لفقيه بالتصرف في الواقعة لا يلازم جعل تصديه منزلة تصدي الإمام (ع) و ما ذكر (ره) من عدم جواز مزاحمة فقيه لفقيه آخر لاستلزامها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 57

قوله مطلق التقليب و التحريك حتى من مكان الى آخر (1)

______________________________

اختلال النظام فلا يخفى ما فيه فإنه على تقدير الدليل على ولاية كل فقيه يكون المقام نظير ما إذا تعذر المراجعة إلى الفقيه و وصلت النوبة لعدول المؤمنين حيث ذكر (ره) جواز مزاحمة عادل لعادل و مزاحمة فقيه لفقيه آخر لا يزيد عليه.

(1) يعنى يحتمل كون المراد بالقرب تحريك مال اليتيم و إخراجه عن السكون سواء كان تحريكا مكانيا بان ينقل المال من مكان الى آخر أو تحريكا اعتباريا و إدخالا في ملك الغير بيعا أو غيره و التقليب و التحريك بمعنى واحد.

و يحتمل ان يكون المراد بالقرب وضع اليد على مال اليتيم و انه لا يجوز وضع اليد عليه الا فيما كان وضعها عليه أحسن من تركه بحاله.

و يحتمل كون المراد به ما يعد تصرفا سواء كان اعتباريا كالبيع و الإجارة و نحوهما أو غيره من التصرف الخارجي و يترتب على ذلك انه

لو كان التصرف في مال اليتيم أحسن من تركه بحاله فلا يجب التصرف حيث ان مدلول الآية عدم جواز القرب اليه بوجه غير أحسن لا وجوب القرب اليه بوجه أحسن.

و يحتمل ان يكون المراد بالقرب مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم و لو كان الأمر المزبور تركه بحاله و يترتب على ذلك وجوب التصرف في الفرض المتقدم فان تركه بحاله على هذا الاحتمال قرب اليه بوجه غير أحسن فلا يجوز.

ثم ان المراد بالأحسن اما الأحسن من تركه أو الأحسن من تركه و من سائر التصرفات المعبر عنه بالأحسن المطلق أو القرب الحسن بان يكون فيه صلاح للطفل أو القرب الذي لا يكون فيه حرج أى مفسدة.

و الظاهر من معاني القرب هو المعنى الثالث حيث ان القرب الى المال بمناسبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 58

..........

______________________________

الحكم و الموضوع هو التصرف فيه سواء كان اعتباريا أو خارجيا فلا يشمل تركه بحاله كما ان ظاهر الأحسن هو المعنى الثاني أي التفضيل المطلق كما هو مقتضى حذف المفضل عليه في إفادته العموم و على هذا فلو كان بيع مال اليتيم أصلح من تركه و من سائر التصرفات و لم يكن فرق بين بيعه بالدينار أو بالدراهم يكون بيعه بكل منهما جائزا باعتبار كون بيعه بكل منهما أصلح من تركه و من سائر التصرفات و إذا باعه بالدراهم فلا يجوز مبادلة الدراهم بالدينار باعتبار ان هذه المبادلة لا تكون أحسن من تركها.

بخلاف ما إذا قيل بان المراد بالأحسن مطلق ما لا يكون فيه حرج و مفسدة فإنه بناء عليه تجوز تلك المبادلة و كذا ما إذا قيل بان المراد بالأحسن هو الأحسن المطلق و المراد بالقرب

مطلق ما يتعلق بمال اليتيم و لو كان ذلك الأمر تركه بحاله حيث ان في الفرض لا يكون القرب أى ترك مال اليتيم بحاله أحسن من تركه و من سائر الأمور المتعلقة بالدراهم المفروضة بل تركها بحالها و تبديلها بالدنانير على حد سواء فيجوز كل منهما.

ثم ان الأظهر من معاني القرب هو الثالث حيث ان قرب المال بمناسبة الحكم و الموضوع هو التصرف فيه كما ان الأظهر في معنى الأحسن هو التفضيل المطلق أى التصرف الأحسن من تركه و من سائر التصرفات نعم مقتضى التدبر في ملاحظة غرض الشارع أن لا ينحصر القرب بالتصرف بل يعم ترك المال بحاله كما هو المعنى الرابع للقرب فان غرضه ان لا يختار الأولياء في مال اليتيم الا ما كان أحسن كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 59

..........

______________________________

أقول لا ينبغي الريب في ان النهى عن قرب مال اليتيم لا يراد منه معناه الحقيقي من القرب المكاني أو الزماني أو نحوهما بل كناية عن الفعل المناسب للمال فلاحظ النهى عن قرب الشجرة في قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبٰا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ* و النهى عن قرب النساء في قوله وَ لٰا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ و نحوهما و من الظاهر ان الفعل المناسب للمال قسمان التصرف الخارجي بان يلبس الثوب المملوك لليتيم و يسكن بيته و يأكل طعامه الى غير ذلك مما هو استيفاء لمنافع مال اليتيم أو إتلاف أعيان ماله و التصرف الاعتباري كالاتجار بمال اليتيم و المتيقن من المراد هو القسم الأول و ان كان لا يبعد عموم المراد و شموله للقسم الثاني.

و كيف كان فليس الأحسن وصفا للقرب ليقال ان القرب لا يعم التصرفات الاعتبارية

و ان مدلول الآية هو تحريم التصرف الخارجي غير الأحسن فلا يستفاد منه الحكم الوضعي للمعاملات الجارية على مال اليتيم بل الأحسن صلة الموصول المراد به الطريقة و الوسيلة كما هو مقتضى تأنيث الموصول و دخول الباء الظاهرة في الآلية أو السببية عليه و توصيف الطريقة بالأحسن يمكن ان يراد ما يقابل طريق الظلم و العدوان كما في قوله سبحانه الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰامىٰ ظُلْماً و عليه فيما كان وسيلة القرب معاملة معنونة بعنوان الظلم و العدوان يحكم بفسادها كما إذا باع الولي مال اليتيم بثمن نجس جدا حيث لا يمكن مع صحتها ان يكون ترتب الأثر عليها المعبر عنه بالقرب محرما.

و يمكن ان يكون المراد الطريقة التي هي أصلح لليتيم بالإضافة إلى سائر المعاملات و الوسائل فلا يجوز القرب بمال اليتيم بالإجارة إذا كان البيع أصلح و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 60

نعم ربما يظهر من بعض الروايات ان حرمة التصرف هو الضرر (1) و هل يجب مراعاة الأصلح (2) لأن النقل و الانتقال (3) نعم لمثل ما قلنا (4)

______________________________

ظاهر الأحسن و ان كان هو الثاني الا انه قد يقال بكون المراد به هو الأول بقرينة النهي عن أكله ظلما و بعض الروايات الواردة في التصرف بمال اليتيم.

(1) أقول مورد الروايتين و مدلولهما المراودة و المعاشرة مع اليتامى بالدخول الى بيتهم و الأكل من طعامهم و نحو ذلك مما هو صلاح لهم فان انقطاع الناس عنهم و ترك الدخول عليهم أمر غير مرغوب في العادة و تجويزه مع وصول العوض الى اليتامى حتى فيما إذا لم يكن العوض زائدا على المقدار المصروف منهم لا يقتضي جواز مثل بيع مال اليتيم

بثمن المثل فيما إذا كان في البين من يشتريه بالأزيد منه أو جواز بيع مال اليتيم فيما إذا كان تركه مع فعله سيان.

بل لا يبعد القول بجواز الدخول على اليتامى كما ذكر من غير حاجة الى الاستجازة من أوليائهم أو من الحاكم الشرعي أخذا بظاهر الروايتين.

(2) يعنى بناء على لزوم رعاية المصلحة في التصرف فهل يجب رعاية الأصلح و الأكثر نفعا أم لا استشهد (ره) على لزوم رعايته بما في القواعد.

(3) يعنى تجويز الشارع النقل و الانتقال في مال الطفل باعتبار الغرض و الملاك، و عدم المفسدة كسائر العدميات لا يصلح كونه غرضا.

(4) يعنى يحتمل وجوب تحرى الأصلح و دليله مثل ما قلنا في لزوم رعاية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 61

لا لان ذلك لا يتناهى (1) فلا يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك (2) نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك (3) فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه (4)

______________________________

المصلحة و هو كون الولي منصوبا لرعاية المصلحة و أصالة بقاء الملك.

(1) يعنى يحتمل ان لا يجب تحرى الأصلح لأن الأصلح لا آخر له و كل ما يفرض كون صلاحه أكثر يمكن ان يكون تصرف آخر أصلح منه.

(2) يعنى لا يستفاد من الآية وجوب الفعل فيما إذا كان أحسن من تركه لما تقدم من ان ظاهرها عدم جواز غير الأحسن لا وجوب فعل الأحسن.

(3) فإن التصرف في ماله في مورد يكون تركه إتلافا لماله مما يعلم ان الشارع لا يرضى بذلك الترك.

(4) و ذلك لما تقدم في صور الأحسن من ظهور الأحسن في معنى التفضيل.

بقي في المقام أمر و هو انه قد يقال بظهور الاستثناء في آية (لا تقربوا). في أنه

يجوز لكل مكلف التصرف في مال اليتيم إذا كان ذلك التصرف أحسن و أنه لا تختص ولاية التصرف فيه بشخص أو أشخاص خاصة حيث ان الاستثناء بمنزلة اقربوا مال اليتيم بالأحسن.

و يجاب عن ذلك تارة بما ذكر في مفهوم الشرط بأنه إذا كان الجزاء في القضية الشرطية سالبة كلية كقوله (ع) إذا بلع الماء قدر كر لا ينجسه شي ء يكون مفهومه موجبة جزئية لا كلية فإنه ليس المستفاد من المفهوم انه إذا لم يبلغ قدر كر ينجسه كل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 62

..........

______________________________

شي ء بل مفهومه مهمل و مساوق لقوله ينجسه بعض الأشياء.

و هذا يجري في الاستثناء من السابقة الكلية أيضا حيث ان مفاد الاستثناء قطع الحكم المستثنى منه أى ارتفاع السالبة الكلية بثبوت الموجبة.

و اما كون الموجبة كلية فلا يستفاد منها و لو قيل لا تقتل أحدا إلا في غير الأشهر الحرم فلا يكون مفاده اقتل كل أحد في غير الأشهر الحرم و على ذلك فمفاد الاستثناء ان النهى العام أى نهى كل أحد عن قرب مال اليتيم ينتفي إذا كان القرب أحسن و اما التجويز لكل أحد في القرب مع كونه أحسن فلا يستفاد منه.

و اخرى بأنه لو سلم ان مفاد الاستثناء الإيجاب الكلي الا ان عدم ورود الآية في بيان حكم المستثنى يمنع عن التمسك فيه بمقتضى الإطلاق و يشهد لعدم وروده في بيان حكم المستثنى ملاحظة ما قبل الآية من الآيات الواردة في بيان المحرمات و على تقدير الإغماض و عدم إحراز ان الاستثناء مهمل فلا أقل من عدم إحراز وروده في مقام البيان.

أقول قد تقدم في بحث العام و الخاص ان من أدوات العموم وقوع اسم

الجنس في سياق النفي أو النهي كقوله لا يحل شي ء من السباع و قوله لا تكرم فاسقا و عليه فان كان العموم في الجزاء مستفادا من أحد الأمرين فينتفى ذلك العموم في ناحية المفهوم في القضية الشرطية و لا يكون في ناحية المفهوم عموم حيث ان ذلك الاسم الجنس لا يقع في ناحية المفهوم في سياق النفي لأن مفهوم القضية الشرطية التي الجزاء فيها سالبة موجبة كما في قوله إذا بلع الماء قدر كر لا ينجسه شي ء.

و اما إذا كان العموم في الجزاء مستفادا من أمر يكون ذلك الأمر موجودا في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 63

..........

______________________________

ناحية المفهوم ايضا فلا ينتفي العموم كما في قوله كل درهم أو دينار لا يكون فيهما زكاة إذا لم يحل عليه حول فان مفهومه ان كل درهم أو دينار فيه زكاة إذا حال عليه الحول و كذلك الحال في ناحية الاستثناء فإنه لو كان عموم المستثنى منه بأحد الأمرين المتقدمين فلا يكون في ناحية المستثنى عموم كما في قوله لا تقتل أحدا إلا في غير أشهر الحرم.

و اما إذا كان مستفادا من أمر آخر لا ينتفي بقطع حكم المستثنى منه يكون العموم في ناحية المستثنى ايضا كقوله كل دم من المسلم محترم لا يحل الا قصاصا فان مقتضى الاستثناء جواز القصاص من كل مسلم و على ذلك فالعموم بالإضافة إلى عامة المكلفين في خطاب لا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن مستفاد من توجيه الخطاب الى عامتهم لا من وقوع النكرة في سياق النهى فيكون المستثنى عدم الحرمة على كل مكلف بالإضافة إلى القرب بالأحسن.

أضف الى ذلك أن ورود ما قبل الآية في ذكر

المحرمات فقط على تقدير تسليمه لا يمنع الأخذ بمقتضى الاستثناء الوارد لكل من الأحكام الانحلالية باعتبار كل مكلف و ان الأصل في كل خطاب متضمن للحكم و موضوعه وروده في مقام البيان من حيث قيود ذلك الموضوع و الحكم.

و الصحيح في الجواب عن دعوى استفادة الولاية لكل أحد ما ذكرنا من ان الأحسن في الآية صلة للتي المراد بها الوسيلة و المعاملة و ما دل على اعتبار قيام العدول في المعاملة على مال اليتيم يكون حاكما على مدلول الآية حيث ان مقتضاه أن الوسيلة تكون أحسن فيما إذا قام عدل في المعاملة على مال اليتيم فلا يجوز شراء مال لأحد إلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 64

[شرائط العوضين]

[اعتبار المالية في العوضين]

و الاولى أن يقال (1)

______________________________

إذا قام عدل في بيعه.

أضف الى ذلك احتمال اختصاص خطاب النهى بالأولياء بمناسبة كون مال اليتيم بأيديهم و انهم ذوو اليد عليه فتدبر جيدا.

(1) و لعل نظره (ره) الى ان مجرد كون الشي ء ذات منفعة محللة لا يوجب كونه مالا عرفا كالماء على قرب الشاطى فكل مورد تحقق انه ليس بمال عرفا و ان كان له منفعة محللة كالماء المزبور فلا يجوز بيعه لان البيع مبادلة مال بمال و لا بيع إلا في ملك أى المال و ما لم يتحقق فيه أنه ليس بمال فان كان أخذ المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا فيحكم بفساد بيعه أيضا و ان لم يتحقق انه ليس بمال و لم يحرز أن أخذ العوض في مقابلة أكل للعوض بالباطل فان تم إجماع أو قام نص على عدم جواز بيعه كالخمر و الخنزير فهو و الا يتمسك في الحكم بصحته بإطلاق حل البيع و عموم

الوفاء بالعقود.

و بما في حديث تحف العقول من قوله و كل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فكل ذلك حلال بيعه.

أقول إذا لم يحرز كون شي ء ما لا كيف يتمسك فيه بإطلاق حل البيع فإنه يكون من قبيل التمسك بالمطلق في شبهته المصداقية بل لا يحتاج في الحكم بفساده الى النص أو الإجماع بل يكفى فيه أصالة الفساد فان حديث تحف العقول لا يصلح للاعتماد عليه لضعفه سندا بل دلالة لأن وجود جهة صلاح في الشي ء بنفسه لا يوجب جواز بيعه على ما ذكرنا تفصيله عند التعرض للحديث.

و اما التمسك بعموم الأمر بالوفاء بالعقود فهو أيضا غير صحيح لان المفروض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 65

..........

______________________________

في المقام قصد البيع فحصول هذا العقد غير محرز و عقد آخر غير مقصود.

و قد يقال بعدم اعتبار المالية في العوضين في صدق البيع و عليه فالشك في كون شي ء مالا لا يلازم الشك في صدق عنوان البيع حتى لا يمكن التمسك بخطاب حل البيع في الحكم بصحته بل يكفي في صدق عنوان البيع ان يكون المبذول بإزائه المال مورد غرض عقلائي كما إذا راى شخص أثر أبيه المتوفى بيد آخر ككتابه الى صديقه و نفرض الكتاب بنحو لا يبذل بإزائه المال و لو التمس الابن اثر أبيه ممن بيده فطالب العوض و أنه يبيعه بدرهم و لا يعطيه مجانا يكون أخذ الابن الكتاب المزبور بدرهم بعنوان الشراء معتبرا مع أنه لا يبذل الدرهم غير الابن بإزائه.

و يشهد لعدم اعتبار المالية في صدق عنوان البيع مثل قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ. وَ لَبِئْسَ مٰا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ الى غير ذلك.

و

ذكر بعض الأجلة في توضيح عدم الاعتبار ان المبادلة بين الشيئين قد يكون لأجل ماليتهما كما هو الغالب قد تكون لغرض آخر مثلا لو فرض وجود حيوانات مضرة بالزرع كالفأرة و أراد صاحب الزرع جمعها فاشترى كل فارة بكذا يصدق عليه عنوان البيع و لو أتلف الغير تلك الفارة بعد شرائها لم يكن المتلف ضامنا لعدم المالية.

أقول قد ذكرنا في المكاسب المحرمة انه لا شهادة في مثل قوله سبحانه إِنَّ اللّٰهَ اشْتَرىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ على عدم اعتبار المالية في المبيع حيث ان استعمال الشراء فيه انما هو بالعناية و المجاز فإنه من الظاهر أنه ليس في الآية نظر الى تمليك و تملك اعتباريين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 66

[اعتبار الملكية في العوضين]
اشارة

______________________________

كما لا شهادة على ما ذكر في الأمثلة المتقدمة فإنه ربما لا تكون للشي ء مالية الا انه يكون للعمل المتعلق به مالية كما في جمع الكلاب الهراش و قتلها و جمع الفارة و نحوها من أرض الزراعة أو السكنى و قتلها بالسم أو غيره فيجوز أخذ العوض في مقابله فان قوله كل فارة بكذا العوض فيه للأخذ أو القتل كما لا يخفى و على ما ذكرنا يكون أخذ العوض للكتاب المزبور أكلا للمال بالباطل نعم إذا كان ذلك بنحو الهبة المشروطة بأن يعطى الابن المال للآخر ليملكه كتاب أبيه فلا بأس.

و الحاصل ان المالية كما تكون في الأعيان سواء كانت من المنقولات أو غيرها كالأراضي و الأشجار على ما يشهد لذلك الروايات الواردة في بيع الأراضي و شرائها كذلك تكون في منافع الأعيان و الأعمال و الحقوق و تقدم ان البيع عبارة عن تمليك غير العمل و المنافع بإزاء مال في مقابل

الإجارة التي عبارة عن تمليك المنفعة أو العمل بإزاء المال.

ثم انه لم يذكر (ره) في العنوان اعتبار الملكية في العوضين و انما ذكر اعتبار كون كل منهما مالا و النسبة بين كون شي ء مالا و كونه ملكا عموم من وجه و تعرض لمقتضى اعتبار الملكية في العوضين و هو عدم صحة بيع الماء و الكلاء و السموك و الوحوش من الحيوانات قبل اصطيادها و نحوها من المباحات التي تكون خارجة عن ملك الناس و يكون جميعهم إليها على حد سواء و وضع اليد عليها بعنوان التملك موجبا لدخوله في الملك كما في السموك و الوحوش أو يكون الملك بالاحياء كما في حفر الآبار و اجراء القنوات و نحوها كما ان مقتضى اعتبارها في العوضين عدم جواز بيع الأراضي المفتوحة عنوة فإنها و ان تكون مملوكة للمسلمين الا ان ملكيتها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 67

..........

______________________________

لهم سنخ آخر لا الملك بان يكون لكل سهم معلوم من تلك الأراضي ليدخل ذلك الجزء بالإرث و غيره في ملك الآخرين.

و كذا ليس ملكها للمسلمين كالملك في الوقف الخاص لتكون منفعة العين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم بنحو الإشاعة.

كما ان ملك تلك الأراضي ليس من قبيل ملك الزكاة للفقراء أو الملك في الوقف العام كالوقف على العلماء لتكون المسلمون كالموقوف عليهم في الوقف العام و كالفقراء في الزكاة و تكون منفعة تلك الأراضي أو عينها ملكا للقابض نظير منفعة الوقف العام و عين الزكاة بل كون تلك الأراضي ملكا للمسلمين ان منفعتها تصرف على مصالحهم.

أقول اعتبار قيد الملك في العوضين لا يوجب خروج الأرض المفتوحة عنوة عن موارد البيع لأن المذكور في العوضين هو اعتبار الملك لا

الملك بنحو الإشاعة أو كونه بنحو آخر مع أنه لا يعتبر في البيع الملكية في العوضين بمعنى ان يكون كل منهما ملكا قبل البيع بل ما يصح تمليكه بعوض كما في بيع الكلى على الذمة كاف في تحقق عنوان البيع.

و اما اعتبار كون المبيع ملكا للبائع فيما كان عينا خارجية أو من قبيل الكلي في المعين فهو من قبيل الشرط الخارجي للبيع كما لا يخفى.

و المتحصل أن عدم جواز بيع الأراضي الخراجية حتى فيما إذا كان بائعها و الى المسلمين باعتبار النهى عنها لا أنها غير مملوكة نعم يصح التعبير عنها بعد ملاحظة النهي المزبور بعدم كونها ملكا طلقا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 68

..........

______________________________

ثم ان موجب الملك بحسب الاستقراء قسمان الأول- النواقل القهرية سواء كان في البين فعل اختياري كإلقاء البذر في أرض صالحة للزرع أم لم يكن كما في الملك بالإرث.

و الثاني- النوافل الاختيارية و هذه النواقل اما من الأفعال الخارجية كالأحياء بالمباشرة و وضع اليد على المنقول من المباحات و اما من قبيل المعاملات كالاشتراء و الإجارة و غيرهما من المعاملات و اما من قبيل المجموع من الفعل الخارجي و المعاملة كالأحياء أو وضع اليد بالتسبيب.

و ما يعتبر ملكا و ما لا يكون من قبيل الأعيان أو المنافع أو الحقوق و كما ان اعتبار المالية في الأعيان يكون غالبا بملاحظة منافعها الا ان مالية الأعيان و ملكها غير مالية و ملكية منافعها كذلك الحال في المنافع و الأعمال فإن مالية العمل و ان يلاحظ فيها الأثر المترتب عليه غالبا الا ان ماليتها غير مالية الأثر لها فإنه إذا فرض أن الأرض و ادواة البناء يساوى عشرة آلاف و الأجرة

المعينة للبناء أيضا عشرة آلاف و فرض ان البيت الحاصل بعد تمام البناء يساوى ثلاثين آلاف فلا يحسب مالية البيت مالية للعمل العمال.

و لعمري ان هذا كله من الواضحات و التعرض لها في المقام باعتبار وسوسة بعض لتشويش أذهان المؤمنين و سوقهم إلى أطراف بعض القواعد الموضوعة من بعض الأقوام من الملحدين زعما منهم ان تلك القواعد أصلح لحال الجامعة و ربما وصلت الجرية إلى حد يتمسك لإثبات بعض تلك القواعد الضالة ببعض الآيات مثل قوله سبحانه لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ و لكن ملاحظة صدرها و ذيلها شاهد لعدم ارتباطها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 69

[أقسام الأراضي]
اشارة

الأرض اما موات و اما عامرة (1)

[الأول: ما كان مواتا بالأصل]

______________________________

بالملكية و لا المالية فضلا عن دلالتها على انحصار موجبهما و تحديد المالية في الأشياء بالعمل بل أنها ناظرة إلى أن الإنسان سيري ما تحمله في دار الدنيا من الجزاء لتعبه و انه لا ينفعه الا ذلك التعب و السعى و ان غيره زائل.

(1) الأول- ما كان مواتا بالأصل أي لم يسبق بالعمارة من أحد و يمكن إحراز ذلك في مورد الشك باستصحاب عدم حدوث عمارتها.

و ذكر (ره) انه لا خلاف بيننا في ان الأرض المزبورة ملك الامام (ع) لكونها من الأنفال على ما وردت في غير واحد من الروايات.

نعم قد رخص النبي (ص) و من بعده الأئمة عليهم السلام في التصرف فيها فيها بالاحياء و العمارة بلا عوض و في النبوي المروي في بعض كتب الأخبار للعامة موتان الأرض للّٰه و رسوله ثم هي لكم مني أيها المسلمون و في النبوي الأخر عادي الأرض للّٰه و لرسوله ثم هي لكم منى.

ورود في بعض الروايات وجوب أداء خراجها الى الامام (ع) كما في رواية أبي الكابلي المعبر عنها في عبارته بالصحيحة قال وجدنا في كتاب على ان الأرض للّٰه يورث من يشاء و العاقبة للمتقين قال انا و أهل بيتي الذين أورثنا اللّٰه الأرض و نحن المتقون و الأرض كلها لنا فمن أحيى من الأرض من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الى الامام من أهل بيتي و له ما أكل منها.

و رواية عمر بن يزيد المعبر عنها بالمصححة في عبارته و لم يظهر وجه توصيفها بالمصححة لاشتراك عمر بن يزيد بين الثقة و غيره.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 70

..........

______________________________

و دعوى انصرافه إلى الثقة لا

يمكن المساعدة عليها لان كل منهما صاحب الكتاب فتدبر انه سئل أبو عبد اللّٰه (ع) عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها و عمرها و أجرى أنها رها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و شجرا فقال أبو عبد اللّٰه (ع) كان أمير المؤمنين (ع) يقول من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له و عليه طسقها يؤديه الى الامام في حال الهدنة فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن يؤخذ منه.

و وجه (ره) الجمع بين الطائفتين بحمل الثانية على استحقاق الامام (ع) المطالبة بالخراج فيجب على الناس معها إيصاله اليه و لكن الأئمة عليهم السلام قد حللوا لشيعتهم الخراج و لم يطالبوهم به كما هو مقتضى قوله (ع) ما كان لنا فهو لشيعتنا و قوله (ع) في رواية مسمع بن عبد الملك كلما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون.

و نقل عن التذكرة في وجه الجمع ان مع التصرف في أراضي الموات بغير اذن الامام (ع) يكون على المتصرف الخراج و ذكر وجها ثالثا في وجه الجمع و هو ثبوت الخراج على المتصرف حال الحضور و اما في زمان الغيبة فلا ينبغي الريب في عدم الخراج بل الأخبار متفقة على انها ملك لمن أحياها و سيأتي حكاية الإجماع على كونها ملكا بالاحياء.

و ذكر النائيني (ره) ان ما دل على الإباحة للشيعة يحمل على ان الغرض الأصلي هو الاذن لهم و حيث لم يكن اختصاص الحكم بالملك لهم بالاحياء خاليا عن المحذور عمم الشرع الحكم بان كل من أحيى من الأرض الميتة التي من الأنفال يكون ملكا له و لعل المحذور ان مع الاختصاص لا يمكن حلية المساكن المشتراة من الكفار للشيعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 71

..........

______________________________

و يكون ذلك نظير حكمة تشريع العدة فإنها مختصة بمورد اختلاط المياه و لكن الحكم عام.

و يشهد لعموم الاذن في المقام ما ورد في شراء الأرضين من اليهود و النصارى و في صحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن شراء الأرض من اليهود و النصراني قال ليس به بأس و في صحيحة أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن شراء الأرضين من أهل الذمة فقال لا بأس بأن يشتريها منهم إذا عملوها و أحيوها فهي لهم ثم قال (ره) و الظاهر عدم تعلق الخراج بالأرض و دخولها في الملك بالاحياء و مقتضى ذلك اغماضه (ره) عن الروايات الدالة على ثبوت الخراج و طرحها أو تأويلها كما لا يخفى.

أقول و ما ذكره المصنف (ره) من حمل أخبار أداء الخراج على بيان الاستحقاق خلاف ظاهر مثل رواية أبي خالد الكابلي فإن مقتضاها لزوم أداء الخراج و عدم دخول الأرض في ملك المحيي إلى ظهور القائم كما ان حمل الأخبار الدالة على كون الأحياء مملكا لا يمكن حملها على خصوص زمان الغيبة.

و ما ذكره الشهيد (ره) من ثبوت الخراج على المستعمل في فرض الأحياء بلا اذن غير صحيح فإنه قد ذكر الاذن العام لكل من المسلمين مع ثبوت الخراج عليه.

و ما ذكره النائيني (ره) من ان الغرض الأصلي الاذن و التحليل للشيعة و وقع الاذن للعموم حتى لا يكون في البين محذور للشيعة غير صحيح فإنه مع ان اختصاص التحليل لا يوجب محذورا كما ذكرنا ذلك في تحليل الخمس للشيعة من ان التحليل راجع الى غير من تعلق الخمس بالمال بيده جمعا بين روايات التحليل و ما

دل على وجوب إخراج الخمس على من استفاد المال مع فرضه من الشيعة مقتضى بعض الاخبار عدم عموم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 72

..........

______________________________

الاذن و قد ورد في رواية مسمع ان كسب غير الشيعة من الأرض حرام مع ان الجمع بين ثبوت الخراج على المحيي كما مدلول بعض الاخبار مع دلالة غير واحد من الاخبار على دخول الأرض في ملك المحيي بظاهره غير ممكن.

و ذكر الإيرواني (ره) ان ظاهر غير واحد من الروايات كون الأحياء مملكا حتى المخالف و الكافر كصحيحة محمد بن مسلم قال سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى قال ليس به بأس الى ان قال و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها و هي لهم.

و في صحيحة الأخرى عن ابى جعفر (ع) أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها.

و رواية محمد بن مسلم و لا يبعد كونها معتبرة لأن محمد بن حمران الراوي عن محمد بن مسلم هو الهندي الثقة قال سمعت أبا جعفر (ع) يقول أيما قوم أحيوا من الأرض شيئا و عمروها فهم أحق بها و هي لهم و في صحيحة الفضلاء عن ابى جعفر و ابى عبد اللّٰه عليهما السلام قالا قال رسول اللّٰه (ص) من أحيى أرضا مواتا فهي له الى غير ذلك مما ظاهرها كون الأحياء مملكا لا ان النبي (ص) أو الإمام (ع) قد اذن في الأحياء و التملك بإباحة مالكية و اختصاص تلك الإباحة بالمسلمين كما هو ظاهر النبويين.

و الروايات الواردة في ثبوت الخراج لا دلالة لها على كون الخراج أجرة الأرض لتنافى ثبوته على مستعمل الأرض تملك الأرض بالإحياء

بل هو نظير الصداق قرار مالي يثبت على المتملك.

و الحاصل ان الأرض ما دامت ميتة فهي من الأنفال ملك الامام (ع) و بعد الأحياء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 73

..........

______________________________

يخرج عن ملكه و يثبت على المتملك القرار المالي الموسوم بالخراج و يمكن القول بأن الأرض للإمام عليه السلام حتى بعد تملكها بالاحياء و لكن الملك الثابت للإمام غير سنخ الملكية الاعتبارية بل هي نظير ملك اللّٰه سبحانه السموات و الأرض انتهى.

أقول و يشهد لكون الخراج ليس بمعنى أجرة الأرض مثل صحيحة محمد بن مسلم قال سألته من أهل الذمة ما ذا عليهم مما يحقنون به دمائهم و أموالهم قال الخراج و ان أخذ من رؤوسهم الجزية فلا سبيل إلى أرضهم و ان أخذ من أرضهم فلا سبيل الى رؤوسهم حيث ان مقتضاها جواز أخذ الخراج من أهل الذمة مع فرض كون الأرض ملكهم و على ذلك فلا يكون ثبوت الخراج على الأرض بإحيائها منافيا لدخولها في ملك محييها و لو كان الدال على ثبوته تاما لما وقع التعارض بينه و بين ما يدل على دخول الأرض بالإحياء في ملك محييها بل يلتزم مع الملك بثبوته الا ان ما ورد فيه الخراج غير تام سندا بل دلالة و ما يظهر منه- عدم دخول الأرض في ملك المحيي كذيل رواية عمر بن يزيد المتقدمة من قوله فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على ان تؤخذ منه و وجه الظهور انه لو كانت الأرض ملكا للمحيي فلا وجه لأخذها منه و كذلك ما ورد في رواية مسمع من قوله يا أبا سيار الأرض كلها لنا مضافا الى ضعف السند- لا يمكن الأخذ بظاهر الذيل فإنه

لو لم يكن الأحياء مملكا فلا أقل من كونه موجبا لثبوت الحق للمحيي و مع ثبوت حقه فكيف يؤخذ الأرض منه و الأرض في رواية مسمع يمكن ان يراد به أرض البحرين التي ورد الرواية على أنها من الأنفال و لذلك ذكر ان كلها للإمام (ع) و ما ذكر في ذيلها فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم منها صغرة لا يمكن الأخذ بظاهره لما ذكرنا في ذيل رواية عمر بن يزيد كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 74

..........

______________________________

و المتحصل الى هنا ان مقتضى الروايات المعتبرة أن إحياء الأرض موجب لدخولها في ملك المحيي سواء كان محييها شيعيا أو مخالفا أو كافرا.

و يبقى الكلام في ان الأحياء مملك بحكم الشرع أو أنه لإذن مالكي حيث ان رسول اللّٰه (ص) و من بعده الأئمة عليهم السلام أذنوا في ذلك مقتضى كون الأرض الميتة من الأنفال و كونها لرسول اللّٰه (ص) و من بعده للإمام يضعه حيث شاء كون الأحياء كذلك بالاذن و ان الاذن العام قد صدر عنهم عليهم السلام كما هو مقتضى ما ورد في جواز شراء الأرض من الكافر و ان أيما قوم أحيوا أرضا فهي لهم و لكن ظاهر بعض الروايات ان كون الأحياء مملكا بحكم الشرع و في معتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) من غرس شجرا أو حفر واديا لم يسبقه إليه أحد أو أحيى أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّٰه و رسوله و لكن لا يظهر للنزاع ثمرة عملية بعد فرض ثبوت الاذن العام بل يحتمل ان يكون المراد من

الثانية عدم تقطيع النبي (ص) و الأئمة عليهم السلام الأراضي الميتة أو بعضها لأشخاص خاصة فيوافق الاذن.

و ما ذكر في بعض الروايات كصحيحة أحمد بن محمد بن ابى نصر من قوله (ع) من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر و نصف العشر فيما عمر منها أخذه الوالي فقبله ممن يعمره و كان للمسلمين لا دلالة فيه على اختصاص الإذن بالاحياء بالمسلم حيث ان المفروض في موردها إسلام أهل الأرض كما لا يخفى.

فقد تحصل أنه لا خراج على الأرض الميتة التي من الأنفال بعد إحيائها ليدعى حليته للشيعة أو يجمع بين الروايات باختصاص الحلية ببعض الأزمنة و لا يعم بعضها الأخر فلاحظ الكلمات و تدبر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 75

[الثاني ما كانت عامرة بالأصالة]

الثاني ما كانت عامرة بالأصالة (1)

______________________________

(1) الثاني- و هي ما تكون عامرة بالأصالة لا من محي كالاجام أى الأشجار الملفوفة كما في الغابات و سواحل الأنهار و مقتضى ظاهر الأصحاب كونها أيضا للإمام (ع) حيث أطلقوا أن كل أرض لم يجر عليه ملك مسلم فهو للإمام (ع) و لم يقيدوا الأرض بالميتة كما أن كونها له (ع) مقتضى بعض الروايات الواردة في الأنفال كموثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الأنفال فقال هي القرى التي خرجت و انجلى عنها أهلها الى ان قال و كل ارض لا رب لها حيث ان العموم يشمل المعمورة بالأصالة و مثلها رواية العياشي عن ابى بصير عن ابى جعفر (ع) قال لنا الأنفال قلت و ما الأنفال قال منها المعادن و الآجام و كل ارض لا رب لها و كل ارض باد أهلها

فهو لنا.

و عن صاحب الجواهر (ره) ان المعمورة بالأصالة ليست من الأنفال بل هي كسائر المباحات الأصلية كالسمك في البحر و سائر الحيوان في البر و ذلك لتقييد الأرض بالميتة في مرسلة حماد حيث عد فيها من الأنفال كل أرض ميتة لا رب لها، و أجاب بأن الوصف ليس له مفهوم ليوجب تقييد الإطلاق في المثبتين مع عدم وحدة الحكم فيهما هذا أولا.

و ثانيا على تقدير المفهوم ليس للوصف في المقام مفهوم باعتبار كون القيد في المقام واردا مورد الغالب لان الغالب فيما لا رب له كونها مواتا.

و دعوى أنه لا يمكن التمسك بالإطلاق أيضا لكونه محمولا على الغالب أي الأرض الميتة لا يمكن المساعدة عليها لأن كون القيد غالبيا معناه أن أخذه باعتبار كثرة وجوده و من الظاهر أن مجرد كثرة الوجود لا يوجب الانصراف، حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 76

..........

______________________________

ان الموجب للانصراف أنس الأذهان، مع أن العموم في المقام بالوضع لا بالإطلاق.

أقول أضف الى ذلك ان التقييد المزبور قد ورد في مرسلة حماد و لإرسالها لا يمكن الاعتماد عليها، و مع الفض عن السند ان تقييد الأرض بالميتة فيها باعتبار ذكر حكم المعمورة بالأصل قبل ذلك حيث ورد فيها ان الأنفال كل أرض خربة باد أهلها و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صالحوا صلحا و أعطوا بأيديهم على غير قتال و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام و كل أرض ميتة لا رب لها الحديث فان المراد بالآجام بمناسبة الحكم و الموضوع و بقرينة المذكور قبله و بعده ليس نفس الأشجار الملتفة، بل هي مع الأرض التي فيها الأشجار.

و قد

يجاب عن شبهة التقييد المزبور ان الناظر في الروايات الواردة في الأنفال يجد منها ما عليه سيرة العقلاء من ان كل ما لا يكون له مالك خاص أرضا كانت أو غيرها للحكومة من غير فرق بين كونها ميتة بالأصل أو بالعارض أو كانت معمورة و ان الامام (ع) في كل عصر مالك لتلك الأرض أو غير هافله و ضعهما حيث يشاء بالاذن للسائرين في التصرف فيهما و تملكهما بالاحياء و الحيازة.

و على ذلك فلا يكون تقييد الأرض بالميتة للاحتراز عن المعمورة لأن الميتة كالمعمورة بالأصل لا خصوصية لها كما ان الأرض لا خصوصية لها حيث الدخيل و الموضوع لملك الامام (ع) عدم كون الشي ء مملوكا لمالك.

أقول لم يعلم جريان السيرة من العقلاء على اعتبار شي ء ملكا للدولة مع خروجه عن استيلائهم كالبحار و السمك فيها كما هو الحال في الأنفال حيث تكون الآجام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 77

..........

______________________________

و المعادن في أقصى نقاط الأرض ملكا للإمام و لو مع عدم استيلاء المسلمين عليها فضلا عن الامام (ع) بل لو كان الأمر كما ذكر طال بقاه لم يكن السمك أو المرجان في البحر من المباحات بل كانا من الأنفال أيضا مع انه قد التزم بكونهما من المباحات.

و المتحصل أنه بعد الالتزام بأنه لا يكون كل ما ليس له مالك ملكا للإمام (ع) و داخلا في عنوان الأنفال فلا بد في تحديدها من ملاحظة الروايات الواردة فيها، و قد تقدم ان مقتضى العموم في بعض الروايات المعتبرة أن منها الأراضي المعمورة بالأصل.

ثم انه هل يدخل هذا القسم من الأرض في الملك بمجرد وضع اليد و الحيازة فظاهر المصنف (ره) دخولها في الملك و

يقتضيه قوله (ص) من سبق الى ما لا يسبقه إليه أحد فهو أحق به.

و لكن لا يخفى ان النبوي لضعفه سندا لا يمكن الاعتماد عليه، فإنه مروي في المستدرك مرسلا، و مع الإغماض لا دلالة له على جواز التملك و صيرورته ملكا بالسبق، و انما يدل على ثبوت الحق بمعنى عدم جواز مزاحمة الغير.

بل لا يبعد ان يقال بعدم الإطلاق له في ناحية جواز السبق أيضا بأن يدل على جواز السبق الى كل شي ء و لو كان مملوكا للغير ليعم جواز السبق إلى الأرض المعمورة التي ملك الامام (ع)، و انما يدل على أحقية السابق في موارد ثبت فيها جواز السبق من الخارج كالسبق الى الخانات و المباحات الأصلية.

و التزم النائيني (ره) بدخول الأرض المحياة بالأصالة في الملك بعد المناقشة في النبوي- لما ورد عنهم عليهم السلام أنهم أباحوا لشيعتهم ما كان لهم، و ما ورد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 78

[الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت]

الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت (1)

______________________________

في التحليل و ان كان مختصا بخصوص الشيعة الا انه قد تقدم ان مقتضى تعليل الإباحة بأن تطيب ولادة الشيعة كون التملك بالتصرف عاما لكل أحد.

و فيه ما لا يخفى لعدم وفاء تلك الاخبار عن كون السبق إلى الأرض مملكا بل غايتها جواز الانتفاع بالأراضي المعمورة و انما التزمنا في الأراضي الميتة بجواز تملكها بالاحياء للروايات الدالة على كون الأحياء و عمارة الأرض مملكا و من الظاهر أنه لا يصدق الأحياء و العمارة بمجرد السبق و وضع اليد على الأرض نعم في مضمرة سماعة و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها و هي لهم.

و ربما يستظهر منها

كما عن المحقق الإيرواني كون الحيازة أيضا مملكا كالأحياء حيث يصدق على الحيازة العمل في الأرض كما إذا كانت التحجير و نحوه و فيه انه لا يحرز صدق عمل الأرض الأعلى استعمالها بالزرع و نحوه الذي قسم من الأحياء و يكون عطفه على الأحياء من عطف الخاص على العام.

و اما دعوى سيرة العقلاء على كون الحيازة و وضع اليد مملكا ففيها ان الثابت من سيرة العقلاء كون وضع اليد على المنقولات كما ذكر و اما في غير المنقولات كالأراضي فلم يثبت سيرتهم على كون مجرد وضعها موجبا لدخول الأرض أو نحوها في الملك الشخصي لو أضع اليد فلا حظ، نعم سيرتهم جارية على ثبوت الحق للسابق بمعنى عدم جواز مزاحمة الغير في الانتفاع، و جواز الانتفاع كذلك مستفاد من الاخبار الواردة في تحليل حقهم عليهم السلام للشيعة أيضا و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) المراد طريان الأحياء على الموات بالأصالة و اما إحياء الموات بالعرض فسيأتي التعرض له و كون الأحياء في الموات بالأصل مملكا مقتضى ظاهر الروايات المتقدمة و اما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 79

[الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة]
اشارة

الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة (1)

______________________________

الالتزام بعدم ملك الرقبة بل ملك الانتفاع كما يشعر به كلام المبسوط فلا يساعده تلك الروايات.

و اما الشروط المذكورة في كتاب الأحياء فأربعة الأول- ان لا يكون الأرض الموات حدا لعامر و الا فلا يكون ملكا بالاحياء الثاني- ان لا يكون مقطعا من النبي (ص) أو الوصي (ع) لأحد الثالث- ان لا يكون الأرض مقررا للعبادة كأرض المعنى و موقفي العرفة و المشعر الحرام الرابع ان لا يسبق اليه حق التحجير و مع تعلقه لا يدخل الأرض في

ملك المحيي.

(1) القسم الرابع ما لو خربت الأرض المحياة فإن كانت الأرض معمورة بالأصل تكون باقية على ملك الامام (ع) لأن الخربة كالمعمورة بالأصل من الأنفال و ان كانت معمورة معمر ففي بقائها على ملك معمرها أو خروجها عن ملكه و صيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا خلاف مذكور في كتاب احياء الموات و منشأ الخلاف اختلاف الاخبار حيث قيل ان مقتضى ما دل على ان من أحيى أرضا فهي له و أيما قوم أحيوا أرضا فهم أحق بها و هي لهم دخولها في ملك من عمرها ثانيا.

و يقتضيه أيضا صحيحة معاوية وهب قال سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة فإن كانت ارض لرجل قبله فغاب عنها و تركها فأخربها ثم جاء بعد يطلبها، فإن الأرض للّٰه و لمن عمرها، و مقتضى صحيحة سليمان بن خالد بقائها على ملك مالكها السابق، و عدم صيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها و يجري أنهارها و يعمرها و يزرعها ما ذا عليه قال الصدقة قلت فان كان يعرف صاحبها قال فليؤد إليه حقه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 80

..........

______________________________

أقول لو لم تكن صحيحة معاوية بن وهب منصرفة إلى صورة أعراض مالكها السابق بقرينة قوله (ع) فيها فتركها فأخربها فلا أقل من كونها مطلقة تعم صورة إعراضه، كما أن مقتضاه عدم الفرق بين كون الملك للمالك السابق بالإحياء أو بغيره و لكن صحيحة سليمان خالد خاصة بصورة عدم الاعتراض حيث ان قوله فيها فان كان يعرف صاحبها معرفة المالك الفعلي و

هذه الصحيحة أيضا مطلقة من جهة كون الملك للمالك المعروف بالإحياء أو بغيره فيرفع اليد عن إطلاق صحيحة معاوية بن وهب بقرينة الصحيحة الثانية بحمل الاولى على صورة إعراض المالك الأول.

و الحاصل بين الصحيحتين جمع عرفي و معه لا تصل النوبة إلى التخيير بين المتعارضين أو الالتزام بالتساقط و الرجوع الى استصحاب بقاء الملك للمالك السابق.

ثم ان ظاهر أخذ العلم و العرفان في خطاب الحكم هو أخذه طريقا كما في نظائره فظاهر قوله فان كان يعرف صاحبها فرض مالك فعلى للأرض و لذا لا يفرق في بقاء الأرض على ملك المالك السابق بعدم الاعراض و نحوه بين كونه معلوما أو مجهولا فيعامل مع الأرض في كلتا الصورتين معاملة ملك الغير فان كان مالكها معروفا يعتبر الاستيذان منه في الأحياء و التصرف فيها و ان كان مجهولا فيرجع الى الحاكم الشرعي في التصرف فيها كما هو في سائر الأموال المجهول.

و عن التذكرة و تبعه جماعة ان ما طرء عليه الخراب من الأرض ان كانت مملوكة للغير بالاحياء فيزول ملكه بالخراب و اما إذا كانت مملوكة له بانتقالها اليه بالشراء أو الإرث و نحو هما فلا يزول ملكه عنها بمجرد صيرورتها ميتة و قال انه على عدم زوال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 81

..........

______________________________

الملك في الصورة الثانية إجماع و لكن لم يعلم وجه لهذا التفصيل غير ما ربما يستظهر من رواية أبي خالد الكابلي حيث ورد فيها فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الى الامام (ع) و له ما أكل منها فان تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها.

و

فيه مع ما تقدم من ضعف الرواية سندا و عدم إمكان الاعتماد عليها و اشتمالها على حكم لا بد من إرجاعه إلى اهله و هو ثبوت الخراج على معمرها و ان الأرض تؤخذ منه عند ظهور القائم (ع) أنها منصرفة إلى صورة إعراض المعمر الأول و لو بملاحظة ان الأرض في تلك الأزمنة لم تكن نوعا ذات قيمة بعد خرابها ليرغب في التحفظ بها.

نعم على تقدير ثبوت الإطلاق و عدم الانصراف تقع المعارضة بينها و بين صحيحة سليمان بن خالد بالعموم من وجه حيث ان صحيحة سليمان بن خالد الدالة على ثبوت حق المالك الأول عامة من جهة ملك الأرض بالاحياء و غيره و خاصة من جهة عدم الاعراض و رواية الكابلي الدالة على سقوط حق المالك الأول خاصة من ملك الأرض بالاحياء و عامة من جهة إعراض المالك الأول و عدمه و بعد سقوطهما في مورد اجتماعهما و هو ما إذا كانت الأرض مملوكة للسابق بالاحياء مع عدم إعراضه عنها يرجع الى عموم قوله (ع) أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها و نتيجة ذلك كون اللاحق أحق بالأرض.

اللهم الا ان يقال ان العموم المزبور تعم المعمر الأول أيضا و مقتضى كون الأرض ملكا له عدم جواز الأحياء من الثاني الا باذنه و لو وصلت النوبة الى الأصل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 82

..........

______________________________

العملي أيضا فمقتضى الاستصحاب بقاء ملك الأول و عدم خروج الأرض عن ملكه بمجرد الخراب.

نعم إذا ترك الأرض خرابا بمدة طويلة من جهة عدم اعتنائه بالأرض المزبورة ففيه كلام و هو انه قد ورد في بعض الروايات ان تعطيل الأرض و تركها مخروبة

يوجب خروجها عن ملك مالكها و هي رواية يونس عن العبد الصالح (ع) قال قال ان الأرض لهّٰم تعالى جعلها وقفا على عباده فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير علة أخذت من يده و دفعت الى غيره و من ترك مطالبة حق عشر سنين فلا حق له و مرسلته عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال من أخذت منه ارض ثم مكث ثلاث سنين لا يطالبها لم يحل له بعد ثلاث سنين ان يطلبها و ظاهر هاتين الروايتين انتهاء الملك و الحق و سقوط الدين بتعطيل الأرض و ترك المطالبة في المدة المزبورة و لا اعرف من التزام بهذا الظهور مع ضعفهما سندا و معارضتهما بما في نهج البلاغة قال (ع) الحق جديد و ان طالت عليه الأيام و الباطل خذول و ان نصره أقوام.

نعم ربما يستظهر انه مع تعطيل المالك الأرض بعدم الاعتناء بها يجوز للآخرين التصرف فيها بالاحياء من صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة حيث لم يتعرض فيها الامام (ع) للمنع عن الأحياء مع فرض ان المحيي يعرف المالك.

و لكن لا يخفى انه لو كان المراد من رد حق المالك اليه ما يعم رد نفس الأرض فلا موضوع للتعرض لإباحة الإحياء لوقوع السؤال بعد حصول الأحياء خارجا و عليه فلو لم يكن الاستيذان من المالك أظهر أخذا بما دل على ان حرمة مال المسلم كدمه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 83

[بيع الأراضي المفتوحة عنوة]

اما ان تكون العمارة فيه من المسلمين (1) و قلنا بعدم اعتبار الإسلام 2

______________________________

فلا أقل من كونه أحوط من غير فرق بين كون ملك المالك الأول بالإحياء أو غيره.

نعم إذا كانت المماطلة بحيث يوجب الخلل في تهيئة القوت

للناس فيمكن ان يقال بأنه مع امتناع المالك من استعمال الأرض بلا عذر انه يجوز للحاكم الشرعي إجبار المالك على دفع الأرض المزبورة للسائرين للاحياء بالزرع و نحوه و لو مع الأجرة لأن تحصيل القوت و الغذاء للناس واجب كفائي فيكون إجبارا على الواجب الكفائي و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) هذا تمهيد لبيان عدم جواز بيع الأرض المفتوحة عنوة ثم انه قد تقدم ان الموات تدخل بالإحياء في ملك المحيي سواء كان المحيي مسلما أو كافرا و بعد دخولها في الملك لا يزول الملك الا بناقل أو بطريان الخراب بناء على خروج الأرض عن الملك بطروه كما هو أحد القولين المذكورين في القسم الرابع.

و إذا كان الأحياء في غير دار الإسلام فملكه يزول بما يزول به ملك المسلم و باغتنام الأرض منه كاغتنام سائر أمواله فإنه ان أسلم الكافر طوعا فيبقى الأرض كغيرها من سائر أمواله على ملكه و ان لا يسلم طوعا و رفعت يده عنها قهرا يكون الأرض كسائر ما لا ينقل من الغنيمة للمسلمين كافة على المعروف بل بلا خلاف و يشهد لذلك جملة من الروايات.

(2) قد تقدم كون الأحياء مملكا حتى ما إذا كان المحيي كافرا كما هو مقتضى مثل قوله (ع) أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها و هي لهم حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 84

ففي رواية أبي بردة الرجا (1) لا بأس ان يشترى حقه منها (2) فيكون ذلك (3) الا ان يستحيي من عيب ذلك (4) الا من كانت له ذمة (5)

______________________________

يدخل في العموم احياء الكافر و لو كان في أرض الإسلام.

(1) الرواية ضعيفة سندا لجهالة أبي برده

نعم دلالتها كدلالة غيرها على كون ارض الخراج ملكا للمسلمين واضحة.

(2) يعني لا بأس ان يشترى حق البائع من الأرض و لا بأس ان يحول البائع حق المسلمين من اجرة الأرض على المشترى و بتعبير آخر يكون الخراج على المشترى و قوله لعله. في مقام تعليل جواز الشراء و ان الجواز باعتبار انه ربما يكون المشترى أقوى على استعمال الأرض و أكثر تمكنا على أداء خراجها من البائع الذي يبيع حقه المتعلق بالأرض.

(3) أي فيكون الباقي أرزاق أعوان الوالي و يصرف في مصلحة ما يقصده الوالي من تقوية الإسلام بالجهاد و غيره.

(4) شراء ارض الخراج و كون خراجها على المشترى فيه نوع خفة للشباهة لأهل الجزية و ربما لا يقدم بعض الناس على شرائها لذلك فذكر (ع) انه لو ترك الشراء للعيب المزبور فهو و ان يشترى بالنحو المزبور أي بأن يكون الخراج عليه فلا بأس.

(5) أي إلا عن بائع كان عليه عهدة خراج الأرض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 85

المراد انه لا يصح (1) و دليله قرينة (2)

______________________________

(1) و يبقى على المسالك ان القول بدخول الأرض المفتوحة في ملك المتصرف فيها تبعا للآثار و زوال هذا الملك بزوال تلك الآثار خلاف ظاهر الروايات حيث ان مدلولها عدم كونها ملكا لشخص خاص لا حال التصرف فيها و لا قبلها بل غايته ان من بيده الأرض المزبورة له رفع يده عنها بالعوض كما هو الحال في جميع موارد تعلق الحق بالعين بالسبق إليها أو غيره أو نقل ذلك الحق إلى باذل المال.

(2) يعنى استدلاله على جواز بيع الأرض برواية أبي برده الظاهرة في جواز أخذ من بيده الأرض العوض لرفع يده عنها أو

نقل ذلك الحق إلى باذل المال قرينة على كون مراد المستدل من جواز بيع الأرض و شرائها جواز أخذ العوض على حقه منها.

و المتحصل من كلام المصنف ان الأقوال في المعاملة و التصرف في الأراضي الخراجية أربعة: الأول- عدم دخول رقبة الأرض في الملك أصلا و لو تبعا للآثار و لكن يثبت الحق بها بالتصرف و الأحياء و المعاملة و هذا مختاره (قده) الثاني- عدم جواز التصرف و المعاملة عليها أصلا و لا يملك المتصرف فيها لا الأرض و لا الحق كما هو ظاهر عبارة المبسوط و قد حمل (قده) العبارة على أحد وجهين أحدهما ما إذا كان التصرف فيها بالإحياء أو غيره بلا استيذان من الامام حال حضوره و ثانيهما التصرف فيها بقصد تملك الأرض و ينسب التفصيل بين زمان الحضور و الغيبة كما هو الوجه الأول في الحمل الى الدروس.

الثالث- ما عن الشهيد و المحقق الثانيين من دخول رقبة في الملك تبعا للآثار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 86

..........

______________________________

و يزول الملك بزوال تلك الآثار.

الرابع: ما يوهم ظاهر عبارة التهذيب من دخول نفس رقبة الأرض في الملك فيجوز المعاملة على الرقبة مستقلا و لكن الاستدلال على الحكم برواية أبي برده قرينة على كون مراده هو القول الأول.

و عن بعض الأجلة طال عزه أن الأراضي المفتوحة عنوة ليست ملكا لأحد بل هي أراضي محررة موقوفة على مصالح المسلمين و المسلمون ليسوا ملاكا للأرض بنحو الإشاعة أو بأي وجه كان و لا ملاكا لمنافعها كما انهم ليسوا مصرفا لتلك الأرض و ذكر في وجه ذلك ان اعتبار الملكية للمسلمين من الموجودين بالفعل و من يوجد منهم الى آخر الدنيا أمر غير معقول

أو بعيد و ليس للام ظهور في الملكية كما في قوله له الحمد و الملك و له الأسماء الحسنى و له ما في السموات و الأرض الى غير ذلك.

بل ورد في بعض الروايات ان الأرض المفتوحة عنوة في ء المسلمين و العدول عن ذكر الملك الى التعبير بالفي ء فيه تأييد بل دلالة على عدم الملك.

أقول ظاهر اللام هي الإضافة الملكية لكن لا مطلقا بل فيما إذا كان المضاف فيه عنوان المال أو مصداقه مع كون المضاف اليه قابلا للمالكية كقوله لزيد هذا المال أو هذا البيت و اما في غير ذلك كما إذا كان المضاف غير عنوان المال أو مصداقه كقوله له الأسماء الحسنى و له الحمد و الملك أو كان المضاف اليه غير قابل للمالكية كما في قوله الجل للفرس فهذا غير مورد الظهور المزبور و قد تقدم مرارا ان الكلى الطبيعي قابل لاعتبار المالكية كما في ملك الزكاة للفقراء و مال الوقف للموقوف عليهم كما في الوقف العام و بعد كون الملكية بنفسها امرا اعتباريا تكون الملكية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 87

..........

______________________________

غير إنشائها و إمكان التفكيك بين المنشأ و الإنشاء ظاهر فيصح جعل الملكية لعامة المسلمين بنحو الإشاعة بمفاد القضية الحقيقة من غير لزوم قيام الموجود بالمعدوم و بعد دلالة الاخبار على عدم جواز بيع تلك الأراضي حتى في مقدار الحصة التي بيد العامل عليها و نفى الإشاعة و الملك الشخصي يؤخذ بظاهر اللام في الملك غاية الأمر يكون المالك العنوان العام كما في ملك الزكاة.

و ما في مرسلة حماد من كون الأرض المفتوحة عنوة موقوفة مع الإغماض عن سندها فلا دلالة لها على كونها وقفا حقيقة فإن الوقف

كسائر المعاملات يحتاج إلى الإنشاء بل معنى كونها وقفا و لو بقرينة ما دل على انها للمسلمين كونها في حكمه من عدم جواز بيع تلك الأرض أو نقلها الى الغير بالمصالحة و غيرها.

و التعبير عن كون تلك الأراضي بفي ء المسلمين لا يقتضي عدم كونها ملكا فإنه مضافا الى ضعف السند قد ورد في بعض روايات ان الأنفال في ء للإمام (ع) مع ان الأنفال ملكه (ع) حتى عند هذا القائل الجليل و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى عبد اللّٰه (ع) انه سمعه يقول ان الأنفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم و ما كان من أرض خربة أو بطون أو دية فهذا كله من الفي ء و الأنفال للّٰه و للرسول فما كان للّٰه فهو للرسول يضعه حيث يجب و نحوها غيرها.

و يمكن ان يقال في الثمرة بين كونها ملكا للمسلمين و بين كونها أراضي محررة فيما إذا وضع الغاصب يده على تلك الأراضي بأنه لا يكون عليه ضمان بالإضافة الى ما أتلفه من المنافع المستوفاة بناء على كونها محررة كما يأتي ذلك في غصب المسجد و المشهد حيث لا يكون الاستيفاء المزبور إتلافا لمال الغير أو تلفه بيده و يكون عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 88

..........

______________________________

الضمان بالاستيفاء المزبور بناء على الأول حيث انه إتلاف لمال الغير أو تلفه بيده و لو كان ذلك الغير العنوان العام المتقدم.

و قد يقال كما عن النائيني (ره) بان البحث في الأراضي المفتوحة عنوة قليل الجدوى فان الحكم بأن الأراضي المزبورة ملك للمسلمين أى لعنوانه و ان الأرض لا تدخل في ملك مستعملها و لذا

لا يجوز له بيعها و شرائها و انما يكون وضع اليد عليها بوجه مشروع موجبا لتعلق الحق بها و تصح المعاملة على ذلك الحق مختص بالأراضي التي كانت حال فتحها معمورة و حيث ان تشخيص العمارة حال الفتح في الأراضي المفتوحة غالبا غير ميسور و مقتضى الاستصحاب عدم عمارتها حاله فيترتب على ذلك دخول الأراضي في ملك المحيي و من يده عليها و هي محياة يحكم بكونها ملكا له بقاعدة اليد و لا يضر العلم الإجمالي بكون بعض الأراضي كانت حال فتحها معمورة و ذلك لخروج الأطراف الأخرى عن محل الابتلاء.

و بتعبير آخر قوله (ص) من أحيى أرضا فهي له لم يخرج عنه الا الأرض المفتوحة عنوة التي كانت معمورة حال فتحها و استصحاب عدم كون الأرض معمورة حال فتحها يدخل الأرض في العموم المزبور و مع عدم إحراز إحيائها فمن يده عليها يكون مقتضى قاعدة اليد كونها ملكا له و العلم الإجمالي بكون بعض الأرض كانت معمورة حال فتحها غير ضائر لاعتبارها كما تقدم.

و يجرى ذلك في الأرض التي لا يعلم بكونها مفتوحة عنوة فإنه لو كان إحيائها ممن يده عليها يحكم بكونها له أخذا بعموم من أحيى أرضا ميتا فهي له بضميمة استصحاب عدم كونها مفتوحة عنوة أو استصحاب عدم كونها أرضا للمسلمين صلحا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 89

..........

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 3، ص: 89

______________________________

نظير الحكم بحلية نكاح المرأة أخذا بعموم قوله سبحانه أحل لكم ذلك بضميمة استصحاب عدم كونها أختا رضاعيا أو اما رضاعيا

و نحو ذلك و فيما إذا كان وضع يده عليها و هي معمورة يحكم بكونها ملكا له بقاعدة اليد على قرار ما تقدم.

و قد يقال كما عن بعض الأجلة (دامت شوكته) ان استصحاب عدم الموضوع لا يثمر في نفى حكمه الا إذا دل الخطاب الشرعي على عدم الحكم بعدم الموضوع بان كان الموضوع قد ذكر له الحكم في القضية الشرطية و نحوها كما في قوله إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شي ء فان مفهوم الشرطية ارتفاع الاعتصام عن الماء بارتفاع الكرية أو كان الموضوع قد نفى عنه الحكم المذكور له بانتفاء ذلك الموضوع في خطاب آخر و يكون في غير ذلك نفى الحكم بنفي موضوعه مثبتا حيث ان انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي لا شرعي و على ذلك فلا يثمر استصحاب عدم كون الأرض مفتوحة عنوة في نفى كونها للمسلمين و كذلك استصحاب عدم كونها معمورة حال فتحها الى غير ذلك من موارد نفى الحكم باستصحاب نفى الموضوع.

أقول: يرد عليه أولا ان نفى كون الأرض معمورة حال فتحها أو نفى كونها مفتوحة عنوة أو أرض صلح على أنها للمسلمين ليس لنفى الحكم بل لإثبات قيد الموضوع للحكم حيث ان الشارع قد حكم بأن من أحيى أرضا لم تكن مفتوحة عنوة أو لم تكن حال فتحها معمورة أنها ملك لمحييها و احياء الأرض محرز بالوجدان و عدم كونها معمورة حال فتحها أو عدم كونها مفتوحة عنوة أو وقوع الصلح عليها على أنها للمسلمين محرز بالأصل فيتم موضوع ملك المحيي.

و ثانيا ان نفى الحكم الفعلي بنفي موضوعه لو كان مثبتا باعتبار ان نفى الحكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 90

..........

______________________________

بانتفاء موضوعه عقلي

لكان إثبات الحكم الفعلي بإثبات موضوعه ايضا مثبتا لان جعل الحكم لموضوع بنحو القضية الحقيقية يقتضي عقلا فعلية ذلك الحكم بفعلية موضوعه كما انه يلازم نفى فعليته بعدم فعلية موضوعه.

و الحل هو ان العلقة بين تحقق الموضوع و فعلية الحكم كما حصل بجعل الشارع و إنشائه الحكم له بنحو القضية الحقيقية كذلك العلقة بين انتفاء الموضوع و عدم حصوله و بين عدم فعليه الحكم قد حصلت بتلك العلقة فلا حظ موارد جريان قاعدة الفراغ أو الاستصحاب الجاري في مقام الامتثال حيث يفيد كل منهما سقوط التكليف مع ان سقوطه بحصول متعلقة خارجا عقلي و السر في عدم كون ذلك مثبتا ما ذكرنا من ان العلقة بين التكليف و ذلك المتعلق قد حصلت بجعل الشارع فيكون حدوثه و سقوطه قابلا للتعبد.

و الحاصل كما ان الأصل يجري في ناحية إثبات الموضوع و يفيد ثبوت حكمه كذلك يجري في ناحية عدم حصوله و يفيد عدم فعلية التكليف أو سائر الحكم.

بقي في المقام أمر و هو ان اعتبار عمارة الأرض حال فتحها في كونها خراجية و ان الميتة حال الفتح من الأنفال معروف بين الأصحاب و ذكروا في وجه ذلك ان ما يكون للمسلمين هي الأرض المأخوذة من الكفار بعنوان الغنيمة و اما المأخوذة منهم فيما إذا كانت ملكا لغيرهم كالمغصوبة من مسلم فلا تدخل في الغنيمة فاللازم ردها على مالكها و الميتة من أراضيهم لم تكن ملكا لهم بل كانت من الأنفال التي كانت يد هم عليها يد عدوان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 91

فالذي ينبغي ان يصرف الكلام هو بيان الوجه (1).

______________________________

و فيه ان عنوان الغنيمة لم تؤخذ في كون الأرض المأخوذة للمسلمين بل

المعتبر أخذ الأرض من الكفار بالقتال أو بالصلح و هذا يشمل المعمورة و الميتة بل يشمل المأخوذ منهم ما كانت ملكا لمسلم في أيديهم غاية الأمر إذا كانت لمسلم يحكم ببقائها في ملكه لان ما دل على حرمة مال المسلم و عدم تملكه بغير رضاه يعارض ما دل على دخول الأرض المفتوحة في ملك المسلمين بالعموم من وجه و بعد تساقط الاطلافين يرجع الى استصحاب بقائها في ملكه.

و المعارضة بالعموم من وجه و ان تكون ملحوظة بين ما دل على ان الأرض الميتة من الأنفال و بين ما دل على كون الأرض المفتوحة للمسلمين و مقتضى كون العموم في ناحية ما دل على ان الميتة من الأنفال وضعيا تقديمه و على تقدير تساقطهما في مورد الاجتماع يكون الرجوع الى استصحاب بقاء الميتة على كونها من الأنفال الا ان التقييد الوارد في موثقة إسحاق بن عمار يدفع المعارضة حيث عد فيها من الأنفال الأرض الخربة التي لم يوجف بخيل و لا ركاب لان مقتضاه ان لا تكون الميتة المأخوذة بخيل و ركاب من الأنفال و مع ذلك كان الحكم في المسألة متسالم عليه عندهم و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يقع الكلام في الموجب لجواز التصرف في الأراضي الخراجية ليثبت به حقّ الاختصاص المحكوم في الروايات بجواز المعاملة عليه و ذكرا المصنف (ره) ان مع التمكن على الاستيذان من الامام (ع) كما في حال حضورة يجب الرجوع اليه أو الى الوالي من قبله أو وكيله باعتبار ان الأرض ملك المسلمين و الامام (ع) وليهم فله (ع) نقل منفعة الأرض أو عينها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 92

..........

______________________________

أقول المراد بنقل منفعة الأرض قبالتها أو إجارتها

و اما نقل عينها فلم يظهر وجهه بعد كون تلك الأرض موقوفة متروكة غير قابلة للنقل و الانتقال و ولايته (ع) مع النهى عن بيعها معللا بأنها للمسلمين الظاهر في عدم قبولها لنقل العين لا تقتضي إلا نقل منافعها أو الاذن في الانتفاع بها.

و اما في زمان الغيبة فقد ذكر (ره) ان المحتمل أحد وجوه خمسة.

الأول- الرجوع في التصرف فيها الى السلطان أو عماله ممن جوز الشرع أخذ الخراج منه مجانا أو معاوضة بل في صحيحة الحلبي لا بأس ان يتقبل الأرض و أهلها من السلطان و لكن لا دلالة لها على تعين ذلك و عدم موجب آخر للتصرف في تلك الأراضي.

الثاني- جواز التصرف مطلقا اى بلا حاجة الى الاستيذان أو المعاملة لا مع السلطان و لا مع غيره فإنه مقتضى تحليل الأرض للشيعة و يكون التحليل بالإضافة إلى الأراضي القابلة للتملك إذنا فيه و في غير القابلة له إذنا في التصرف و في وضع اليد عليها الموجب لثبوت حق الاختصاص و في رواية عبد الملك عن ابى عبد اللّٰه (ع) يا أبا سيار كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون الحديث و بالجملة تخصيص التحليل بالموات التي ملكه (ع) بلا موجب و يؤيد هذا التحليل ما ورد في جواز أخذ الخراج جائزة أو معاوضة فإنه إذا جاز أخذ الخراج الذي كاجرة الأرض جاز أخذ نفس منفعة الأرض و التعبير بالتأييد لإمكان دعوى ان جواز أخذ بدل منفعتها لا يلازم جواز تصرف الشخص في الأرض استقلالا لان جواز الأول باعتبار إمضاء الشارع معاملة السلطان على ما تقدم في المكاسب المحرمة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 93

..........

______________________________

الثالث الرجوع الى

الحاكم الشرعي فإنه نائب الامام و لا أقل من كون جواز التصرف في تلك الأرض مع الرجوع إليه قطعي و اما غير هذا الفرض فيبقى فيما دل على عدم الجواز وضعا أو تكليفا.

و الرابع التفصيل بين من يستحق أجرة الأرض لكون صرفها عليه من مصالح المسلمين و بين غيرهم فإنه يستفاد جواز التصرف للأول من جواز تصرفه في بدل منفعة الأرض و في رواية أبي بكر الحضرمي قال (ع) على ما في الرواية المزبورة ما منع ابن ابى السماك ان يبعث إليك بعطائك أما علم ان لك في بيت المال نصيبا و لكن لا وجه لتصرف سائر الناس في تلك الأراضي مجانا و لذا افتى غير واحد على ما حكى عنهم بعدم جواز حبس الخراج عن السلطان الجائر نعم استثنى بعضهم ما إذا دفعه الى نائب الإمام (ع).

الخامس التفصيل بين ما عرض له الموت من ارض الخراج فيجوز التصرف فيها بإحيائها كما هو مقتضى الترخيص في الأحياء و كون المحيي مالكا للأرض أو أحق بها كما في عمومات جواز الأحياء و خصوص صحيحة سليمان بن خالد و خصوصيتها باعتبار ورودها في جواز إحياء الخربة الظاهرة في الميتة بعد عمارتها و بين الباقية على عمارتها فلا يجوز التصرف فيها إلا بأحد الوجوه المتقدمة و الأوفق بالقواعد هو الوجه الثالث ثم الرابع ثم الخامس.

لا يخفى انه لو تم الوجه الأول أو الوجه الثاني فلا يختص شي ء منهما بزمان الغيبة بل يعم زمان الحضور فان بعض ما ورد مما يستظهر منه أحد الوجهين موردهما زمان الحضور و في موثقة إسماعيل بن فضل الهاشمي قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص:

94

فان مقتضى القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح (1)

______________________________

رجل اكترى أرضا من أهل الذمة من الخراج و أهلها كارهون و انما يقبلها السلطان لعجز أهلها أو غير عجز فقال إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها الا ان يضاروا الحديث و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن ابى عبد اللّٰه (ع) ان لي أرض خراج و قد ضقت أ فأدعها فسكت على هنيئة ثم قال ان قائمنا لو قام كان نصيبك من الأرض أكثر منها الحديث.

و على ذلك فلا ينبغي الريب في جواز أخذ أرض الخراج من السلطان و استعمالها و عمارتها بل يمكن ان يقال بجواز وضع اليد عليها و لو باشتراء حقوق العاملين عليها بلا حاجة الى الاستيذان من أحد و بلا لزوم دفع خراجها الى السلطان أو غيره كما ربما يظهر من صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) و عن الساباطي و زرارة عن ابى عبد اللّٰه (ع) انهم سألوهما عن شراء ارض الدهاقين من أرض الجزية فقال انه إذا كان ذلك انتزعت منك أو تؤدى عنها ما عليها من الخراج قال عمار ثم اقبل على فقال اشترها فان لك من الحق ما هو أكثر من ذلك نعم لو استولى على الأرض من له ولاية شرعية في زمان الغيبة فلا يبعد ان يقال بلزوم دفع الخراج إليه إذا طلبه حيث ان الأرض ملك للمسلمين و له صرفها في مصالحهم و جواز الامتناع عن دفعه الظاهر من بعض الروايات المشار إليها يختص بما إذا كان الحاكم على الأرض الجائر و عماله فلاحظ.

(1) إذا كان تلك الأمور تابعه للأرض زمان فتحها و باعتبار ذلك كانت محكومة كرقبة الأرض بكونها ملكا

للمسلمين فلا يزول ملكهم بانفصالها و خروجها عن تبعية الأرض كما هو الحال في سائر الموارد التي يدخل الشي ء في ملك أحد تبعا للعين الأخرى نعم لا يبعد ان يقال ان النهى عن بيع ارض المسلمين لا يعم لما بعد انفصالها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 95

[اعتبار كون الملك طلقا]
اشارة

و اعلم انه ذكر الفاضلان و جمع ممن تأخر (1)

______________________________

بل يلتزم بدخولها في ملك من يضع يده عليها بوجه مشروع حيث ان وضع اليد عليها كذلك كسائر ما يكون ملكا لعنوان عام و يصير ملكا بالأخذ و السيرة مستمرة على بيع ما يعمل من الأراضي الخراجية من الكوز و سائر الظروف و نحوها و لم يرد في شي ء من الروايات الردع عن بيعها أو تملكها و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) ذكر الفاضلان و جمع آخر ان العوضين في البيع يعتبر كون كل منهما مملوكا و كون ملكهما طلقا و فرعوا على اشتراط الطلق عدم جواز بيع الوقف الا فيما استثنى و بيع الرهن إلا بإذن المرتهن أو إجازته و لا بيع أم الولد إلا في بعض الموارد و المراد بالطلق ان يكون سلطنة المالك بالإضافة إلى المال تامة بحيث يجوز له نقله مجانا أو بالمعاوضة و جواز النقل باعتبار عدم تعلق حق للغير به مانع عن نقله بلا اذن ذلك الغير.

و الوجه في رجوع المراد بالطلق الى ذلك هو ان تمام السلطنة و كون المالك مطلق العنان في التصرف في معنى جواز نقله مجانا أو مع العوض.

و قوله (ره) (لمرجعه الى ان من شرط البيع) تعليل لقوله و لكن هذا المعنى في الحقيقة راجع الى كون الملك مما يستقل المالك بنقله فيكون حاصل عبارة

الفاضلين ان من شرط العوضين كونهما مملوكا بحيث يصح بيعهما و هذا لا معنى له فإن صحة البيع لا يكون شرطا في صحته كما لا يمكن تفريع عدم صحة بيع الوقف أو الرهن أو أم الولد على الاشتراط المزبور بل عدم كون الملك وقفا أو رهنا أو أم الولد شرط و يتفرع على عدم تعلق تلك الحقوق بالعوضين صحة البيع و على تعلقها بطلانه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 96

ثم عنونوا حق الجاني (1) النذر المتعلق بالعين (2)

______________________________

و على ذلك فليكن المراد بالطلق عدم تعلق الحقوق بالعوضين مما نهى الشارع عن البيع معها و هذه عبارة مختصرة منتزعة عن عدم تعلق تلك الحقوق و قولهم فلا يصح بيع الوقف و الرهن و أم الولد من قبيل تعداد تلك الحقوق و تفصيل لتلك العبارة لا من قبيل التفريع على الشرط فان الشرط في الحقيقة عدم كون العوضين وقفا أو رهنا أو أم ولد و يتفرع على عدم تلك الحقوق كون الملك طلقا.

و الحاصل ان الشارع قد منع عن نقل المال في بعض الموارد باعتبار تعلق حق الغير بالمال المزبور و ينتزع عن عدم تعلق الحق المزبور كون ملك المال طلقا فيكون العمدة التعرض للموارد التي قد منع الشارع عن بيع المال فيها باعتبار تعلق حق الغير به.

(1) يعني الحق المتعلق بالعبد الجاني ان لولي المجني عليه الحق في القصاص أو استرقاقه و في كون هذا الحق مانعا عن تصرف مولاه ببيعه كلام يتعرض (ره) له فيما بعد.

(2) لم يثبت كون تعلق النذر بالعين مانعا عن صحة بيعها فان وجوب الوفاء بالنذر تكليف فيكون بيع العين المنذورة مخالفة للتكليف المزبور و النهى عن معاملة

لا يوجب فسادها خصوصا فيما إذا كان بعنوان خارجي و بهذا يظهر الحال في صورة الحلف على عدم بيع العين.

و دعوى عدم جواز بيع العين المنذورة لتعلق حق اللّٰه أو تعلق حق الفقراء بها لا يمكن المساعدة عليها فان الالتزام بالفعل اللّٰه كما هو مفاد النذر نظير الالتزام بالفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 97

و الخيار المتعلق به (1) و الارتداد (2)

______________________________

للمشروط له في الشرط في العقود لا يكون تمليكا لذلك الفعل فضلا عن تعلق حق المشروط له بالعين التي يتعلق بها ذلك الفعل بل تمليك الفعل كما هو مفاد عقد الإجارة لا يقتضي تعلق حق للمستأجر بالعين بل المستأجر يتملك الفعل المتعلق بها خاصة كما لا يخفى.

و الحاصل ان اللام في قول الناذر للّٰه على ان أتصدق بالمال نظير قول المشروط عليه في ضمن عقد على ان أخيط لك هذا الثوب ليست للملكية بل لمجرد التعدي و كون مدخولة طرف الالتزام بل على تقدير كونها للملك فلا تقتضي تملك الفعل تعلق حق للمتملك بالعين التي يتعلق به الفعل.

(1) اى الخيار المتعلق بالعين. أقول الخيار كما يأتي في بحث الخيارات حق متعلق بالعقد لا بالعين فيكون الذي الخيار حق فسخ العقد و إزالته و ثبوت هذا الحق بل و استيفائه لا يتوقف على بقاء العوضين بل يصح لذي الخيار فسخه حتى بعد تلف العين في يد الآخر غاية الأمر يرجع مع فسخ المعاملة إلى بدل العين من المثل أو القيمة.

نعم فيما إذا كان المشروط على الآخر إبقاء العين و عدم نقلها عن ملكه زمان الخيار كما لا يبعد ذلك في بيع الخيار حيث يكون فيه اشتراط من البائع على المشترى بإبقاء

العين في المدة المضروبة للخيار فلا يجوز للمشتري بيعها تكليفا لوجوب الوفاء بالشرط و الوفاء بالعقد و لا يوجب ثبوت حق للبائع في العين ليوجب ذلك فساد التصرف فيها.

(2) يعنى ارتداد العبد المسلم فإنه يكون بالارتداد في معرض التلف بالقتل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 98

و تعيين الهدى للذبح (1) و اشتراط عتق العبد في عقد لازم (2) و التدبير المعلق على موت غير الولي (3)

______________________________

حدا حتى فيما إذا كان ارتداده مليا حيث انه ايضا في معرض التلف بالقتل بعدم توبته بعد استتابته هذا و لكن كون الشي ء في معرض التلف لا يمنع عن بيعه غاية الأمر يثبت للمشتري الجاهل بالحال خيار الفسخ بالعيب المزبور كما لا يخفى.

(1) و في صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل ان يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه قال ان لم يكن قد أشعرها فهي ماله ان شاء نحرها و ان شاء باعها و ان كان قد أشعرها نحرها.

و يمكن ان يقال انه لا يستفاد منها أزيد من وجوب ذبح الحيوان أو نحره نظير الحيوان المنذور ذبحه و التصدق بلحمه لا النهى عن بيعه ليقال بظهور النهي في فساده فتدبر.

(2) لا يخفى ان اشتراط عتقه من شرط الفعل فيجب على المشروط عليه الوفاء به و مع عدم وفائه يجوز للمشروط له فسخ العقد الذي اشترط فيه عتق العبد و إذا فرض خروج العبد عن ملك المشروط عليه بالبيع أو غيره قبل الفسخ المزبور فيرجع المشروط له اليه ببدل ذلك العبد.

و كيف كان فلا يوجب اشتراط العتق نقصا في ملك العبد و

خروجه عن الطلق كما تقدم في شرط الخيار.

(3) و عليه رواية و مقتضاها انعتاقه بموت من علق انعتاقه على موته و عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 99

و تعلق حق الموصى له (1) و تعلق حق الشفعة (2) و تغذيه الولد المملوك (3) و كونه مملوكا (4)

______________________________

نفوذ التصرفات المنافية لذلك من الورثة.

(1) لا يبعد ان يكون المال في الوصية التمليكية ملكا للموصى له بموت الموصى بلا حاجة الى قبوله نعم يكون للموصى له رد المال و إخراجه عن ملكه و على تقدير القول بالحاجة إلى القبول يبقى الموصى به في ملك الموصى فإن المنتقل إلى الورثة من التركة هو غير الموصى به فيما إذا لم يكن زائدا على الثلث و تمام الكلام في محله.

(2) لا يخفى ان تعلق حق الشفعة في الفرض و كون الشفيع متمكنا على إبطال التصرفات الجارية على المبيع بأخذه بحق شفعته أجنبي عن مورد الكلام فان مع تعلقها لا يلزم تلك التصرفات فتكون في معرض البطلان بالأخذ بالشفعة و كلامنا في اشتراط البيع و توقف صحته على كون الملك طلقا بان لا ينعقد البيع مع عدمه.

(3) لو اشترى امة حلبي مع حملها فعليه ترك وطئها إلى أربعة أشهر و عشرة أيام من مبدء حملها على كلام في اعتبار الزائد على أربعة أشهر و ان وطئها في المدة المزبورة أو بعدها الى ان تضع حملها و أفرغ مائه في فرجها فلا يجوز له بيع ذلك الولد و عليه عتقه على قول يساعد عليه ظاهر الرواية.

(4) (و كونه مملوكا) عطف على تغذيه الولد و كان المراد انه إذا كانت الأمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 100

كما لو قهر حربي (1) و الغنيمة قبل القسمة (2)

[لا يجوز بيع الوقف]
اشارة

لا يجوز بيع الوقف (3)

______________________________

ملكا لاثنين فوطئها أحدهما و أتت بالولد يكون الولد حصة منه ملكا للشريك و لكن ليس له بيعه بل له تقويم حصته و أخذ تلك القيمة من الواطى.

(1) ظاهره التعرض لما ذكره بعضهم من ان الحربي أي الكافر الحربي لو باع أباه أو غيره من قرابته التي تنعتق عليه بان يكون الكافر المزبور استولى على من ينعتق عليه بالقهر و باعه ففي صحة هذا البيع اشكال و وجه الاشكال ان قهره و استيلائه و ان يوجب تملكه الا ان المفروض تحقق القرابة المانعة عن استقرار الملك فلا يحصل البيع حال الملك و لكن في رواية قد سأل عبد اللّٰه اللحام أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل يشترى من أهل الشرك ابنته فيتخذها قال لا بأس و ظاهرها صحة البيع و يمكن حملها على حصول الملك للمشتري بالاستيلاء لا ببيع الوالد.

(2) لا يخفى أن الغنيمة تدخل في ملك المقاتلين باستيلائهم عليها و كونها ملكا لهم بنحو الإشاعة و عدم جواز بيع أحدهم حصته قبل أخذها باعتبار كون حصته مجهولة بحسب المقدار و لا يبعد القول بجواز بيعها بعد تعيينها حتى فيما إذا كان البيع قبل القبض كما هو مقتضى إطلاق دليل حل البيع.

(3) ذكر (ره) في الاستدلال على عدم جواز بيع الوقف بعد الإجماع محصلا و منقولا قوله (ع) في مكاتبة محمد بن الحسن الصفار التي رواها الصدوق بسنده الصحيح انه كتب الى ابى محمد الحسن بن على عليهما السلام في الوقف و ما روى فيه آبائه فوقع (ع) الوقف تكون على حسب ما يوقفها أهلها ان شاء اللّٰه و مقتضاها أن

العين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 101

..........

______________________________

على حسب وقفها فتكون ملكا للبطون بطنا بعد بطن أو للجهة و أنها تبقى كذلك فلا يصح إبدالها.

لا يخفى ان الاستدلال بها موقوف على ان يكون عدم جواز البيع داخلا في عنوان الوقف أو ملازما لتحقق ذلك العنوان و اما بناء على انه حكم شرعي غير داخل في عنوانه و غير ملازم لتحققه فلا حيث ان ظاهر الرواية إمضاء الشارع الوقف كما أنشأه صاحبه و سيأتي التعرض لكون عدم جواز البيع حكما شرعيا أو داخلا في عنوانه أو ملازما له فانتظر.

و رواية على بن الراشد قال سألت أبا الحسن (ع) جعلت فداك اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما و فرت المال خبرت ان الأرض وقف فقال لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها الى من أوقفت عليه قلت لا اعرف لها ربا قال تصدق بغلتها فان مقتضى إطلاق قوله (ع) لا يجوز شراء الوقف هو عدم الفرق بين كون المباشر لبيعه الغاصب أو متولي الوقف أو الموقوف عليهم و الرواية بحسب سندها لا بأس بها فإن الكليني (ره) رواها عن محمد بن جعفر عن محمد بن عيسى عن على بن راشد و محمد بن جعفر سواء كان أبو العباس أو أبو الحسين الأسدي موثق بتوثيق عام أو خاص و على بن راشد ممدوح كما عن الشيخ (ره).

و بما في غير واحد من الروايات من صوره وقفهم عليهم السلام كرواية ربعي عن ابى عبد اللّٰه (ع) تصدق أمير المؤمنين (ع) بداره في المدينة في بني رزيق فكتب بسم اللّٰه الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به على بن أبي طالب و

هو حي سوى تصدق بداره التي في بني رزيق صدقة لاتباع و لا توهب حتى يرثها اللّٰه الذي يرث السموات و الأرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 102

..........

______________________________

و اسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و عاش عقبهن فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين.

و وجه الاستدلال ان توصيف الصدقة بما لا يباع و لا يوهب ظاهر في توصيف النوع أى طبيعي المفعول المطلق لا انه شرط خارجي في شخص الصدقة و ان على الموقوف عليهم في الصدقة المزبورة إبقاء العين و عدم إبدالها فإن الحمل على هذا النحو من الاشتراط خلاف الظاهر حيث انه لو كان الأمر كذلك لكان الأنسب تأخير الشرط عن ذكر هم لا ذكر الشرط قبل تعيينهم و ايضا لو كان ما ذكر شرطا على الموقوف عليهم لكان محكوما بالفساد فإنه يجوز بيع الوقف في حالات فاشتراط عدم جوازه عليهم مطلقا خلاف السنة.

و لكن يمكن الجواب عن الأخير بأن اشتراط عدم البيع إطلاقه محمول على صورة عدم المجوزات و هذا لحمل لازم سواء كان قوله لا يباع و لا يوهب من الاشتراط على الموقوف عليهم أو وصفا لنوع الصدقة مع انه يمكن دعوى لزوم التقييد في صورة توصيف النوع فقط و اما على فرض الاشتراط فيبقى الاشتراط على الإطلاق حيث ان المحتمل علمه (ع) بعدم عروض المجوزات على وقفه و هذا بخلاف صورة إرادة وصف النوع فقط فان العلم بعدم عروض المجوز على شخص من الوقف لا يوجب الحكم على النوع بأنه لا يباع و لا يوهب.

و بالجملة مقتضى أصالة عدم التقييد هو أن ما ذكر اشتراط لا توصيف للنوع أقول لا حاجة الى التقييد على تقدير كون

المراد توصيف النوع و تقييد طبيعي الصدقة و ذلك فان قوله (ع) لا يباع و لا يوهب وارد في مقام إنشاء الوقف و ذكره للقرينة على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 103

..........

______________________________

ارادة الوقف من الصدقة التي بمنزلة الجنس الجامع بين الوقف و بين تمليك المال للآخر مجانا بقصد القربة و ليس في مقام بيان حكم الوقف من حيث عدم جواز البيع ليقال انه لا بد من رفع اليد عن إطلاقه و حمله على صورة عدم عروض المجوزات.

و ذكر بعض الأجلة دام عزه ان احتمال الاشتراط على الموقوف عليهم مبنى على الالتزام بان الوقت من قبيل العقود و يحتاج الى القبول من الموقوف عليهم و اما بناء على ما هو الصحيح من كونه من الإيقاعات فلا معنى للاشتراط ثم انه على الوصف للنوع فلا يمكن استظهار عدم جواز البيع الوقف فيما لم يكن الوقف بعنوان الصدقة كما إذا لم يقصد فيه التقرب فإن النسبة بين الوقف و الصدقة عموم من وجه لاعتبار قصد التقرب في الصدقة سواء كان من قبيل الوقف أو سائر الصدقات المندوبة أو الواجبة و الوقف يعم ما إذا لم يكن فيه قصد التقرب و دعوى الحكم بعدم جواز بيع الوقف مطلقا باعتبار إلغاء الخصوصية لا يخفى ما فيها.

أقول الاشتراط على الموقوف عليهم لا يبتنى على كون الوقف من العقود فان نفوذ هذا الشرط على الموقوف عليهم أو المتولي ليس لدليل وجوب الوفاء بالشرط ليقال ان الشرط لا يعم الا ما إذا كان الإلزام في ضمن عقد بل لقوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و بتعبير آخر ما نحن فيه نظير الاشتراط على الوصي كما إذا اوصى بستانا

من ثلثه للصرف في الحج و الصلاة و سائر الخيرات و اشتراط على الوصي عدم بيعه الى خمس سنوات فإنه لا ينبغي الريب في نفوذ هذا الاشتراط و عدم جواز بيعه قبل تلك المدة بدليل نفوذ الإيصاء مع ان الإيصاء من الإيقاعات فلا يحتاج الى القبول و انما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 104

..........

______________________________

يجوز للوصي رده زمان حياة الموصي مع وصول الرد.

و الحاصل لا ينبغي الريب في ان قوله (ع) لا يباع و لا يوهب وصف و لكن الكلام في انه وصف للطبيعى و تفريع له ليكون المراد عدم جواز البيع و الهبة في الوقف في الجملة حيث لا يمكن الأخذ بالإطلاق في ناحية المنع لذكره في مقام إنشاء الوقف أو وصف للصدقة الشخصية و ان ذلك الشخص لا يباع و لو كان وصفا للشخص مع عدم كونه وصفا للطبيعى فلا بد من حمله على الاشتراط من الواقف و لكن الصحيح ظهور التوصيف في وصف الطبيعي لا لما ذكره المصنف من انه لو كان شرطا لكان الأنسب تأخيره عن ذكر الموقوف عليهم فان مجرد إلا نسبية لا يصحح الظهور مع صحة خلافها بل باعتبار ان إنشاء الوقف لا يتم بمجرد قول القائل تصدقت العين إذ لا دلالة للصدقة على خصوصية الوقف و لذا يوتى بمثل قوله لا يباع و لا يوهب للقرينة على ارادة الوقف و لا يتم القرينة إلا إذا كان عدم جواز البيع و الهبة من قبيل توصيف الطبيعي بوصف نوعه كما لا يخفى.

و قد تحصل مما تقدم انه مع هذا التوصيف لا يكون له إطلاق بحيث يمكن التمسك به في موارد الشك في جواز بيع الوقف بخلاف حسنة

على بن راشد المتقدمة.

و لكن قد نوقش في الاستدلال بها ايضا مع عروض بعض حالات على الوقف و الشك في جواز بيعه معها بأنها غير واردة في مقام الجواب عن جواز بيع الوقف و عدمه بحسب الحالات لأن السائل فيها قد كان يعلم بعدم جواز شراء الوقف خصوصا مع ملاحظة قوله و لما و فرت المال خبرت ان الأرض وقف فان ظاهره انه لو كان يعلم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 105

و مما ذكرنا ظهر ان المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة (1)

______________________________

بالوقف لما أقدم على شراء الوقف بل انما كان بصدد السؤال عن علاج الواقعة مع جهله بالموقوف عليه غاية الأمر قبل تمام ذكره الواقعة أجاب الإمام (ع) بوجوب رد الغلة إلى الموقوف عليهم.

أقول: من المحتمل جدا ان يحتمل السائل صحة شراء الوقف في فرض جهله بالوقف و دفع الثمن و جهالة الموقوف عليهم و حيث ان الامام (ع) ذكر انه لا يجوز شراء الوقف و فهم منه بطلان الشراء في جميع الحالات التي منها الحالة في مورد السؤال سأل ثانيا بأنه كيف يصنع بالغلة مع جهالة الموقوف عليهم.

و الحاصل ان مقتضى الأصل في كل خطاب عام أو خاص يتضمن الموضوع و الحكم ان ذلك الحكم يعم الموضوع في جميع حالاته ما لم تقم قرينة عرفية على خلاف ذلك و ما ذكر لا تعد قرينة لما ذكرنا من الاحتمال و لذا لا بأس بالتمسك بالإطلاق الوارد في الحسنة في كل مورد يفرض فيه احتمال جواز بيع الوقف بطريان بعض الحالات.

(1) لم يظهر كون المانع عن بيع الوقف متعددا فضلا عن كونه ثلاثة فإن الثابت منع الشارع عن بيع الوقف كمنعه

عن بيع أم الولد و نحوها و كون الوقف تمليكا للبطون على نحو الترتب في الوقف الخاص و تمليكا للجهة في الوقف العام لا ينافي مبادلة العين الموقوفة بما يكون العوض ملكا للبطون أو للجهة و تمليك الواقف تلك العين للموقوف عليهم بقصد التقرب لا يكون موجبا الا لعدم جواز رجوع الواقف في الوقف لا عدم جواز بيع الموقوف عليهم أو متولي الوقف فإن الصدقة الواجبة بل المستحبة تكون تمليكا للغير بقصد التقرب مع انه يجوز للفقير التصرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 106

ثم ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف (1)

______________________________

فيها كسائر أمواله و ارادة الواقف كون العين صدقة جارية يكفي فيها قيام بدلها مقامها.

و اما حق البطون فليس الا تملكهم العين حال وجودهم مع بقاء العين على الوقف و إذا انتقل الوقف الى البدل كما إذا قيل بجواز بيع الوقف ينتقل الحق إلى البدل.

و الحاصل ان عدم جواز بيع الوقف المستفاد من الروايات كعدم جواز بيع أم الولد حكم شرعي و لا يكون من الحق القابل للإسقاط غاية الأمر في مورد قيام الدليل على جواز بيع الوقف يكون للبائع الولاية على إبطال الوقف بالإضافة إلى شخص العين الموقوفة بالبيع و يكون العوض ملكا للبطون كالمعوض أو جواز إبطال أصل الوقف كما إذا كان العوض ملكا خاصا للبطن الموجود.

(1) مراده ان جواز بيع الوقف في مورد لا ينافي كون العين موقوفة ما دام لم يقع البيع و ما تقدم من عدم جواز بيع الوقف باعتبار تعلق الحقوق الثلاثة به ليس المراد منه الا ان الوقف يقتضي عدم جواز بيعه لا انه يستلزمه بنحو اللزوم و العلية التامة لينحل الوقف بجواز

بيعه و مجرد الاقتضاء بمعنى ان إبقاء العين على الوصف الذي جعله الواقف قرار مالكي و مع إمضاء الشارع لا يجوز بيعها و نقلها.

نعم إذا طرء أمر فيمكن معه الحكم بجواز بيعه و ان شئت فلا حظ الهبة فإنها تمليك العين مجانا و مقتضاه ان لا يجوز للغير التصرف في العين الموهوبة و لو كان ذلك الغير واهبها و لكن مع ذلك يجوز للواهب التصرف فيها بردها الى ملكه بحسب حكم الشرع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 107

الا انه ذكر بعض في هذا المقام (1)

______________________________

(1) قد يقال ان عدم جواز بيع الوقف باعتبار ان جوازه ينافي الوقف بحيث لا يجتمع جوازه معه فان الوقف كما هو المروي عن النبي (ص) بل الظاهر منه بحسب ما هو المعروف من عنوانه في الأذهان حبس العين و تسبيل المنفعة و المراد بحبس العين جعلها بحيث لا يقبل النقل و الانتقال و إذا صار الوقف محكوما بجواز بيعه فلا يمكن اجتماع هذا الجواز مع بقاء الوقف بل يكون الدليل على جواز بيعه كاشفا عن بطلان الوقف في ذلك المورد.

و أجاب عن ذلك المصنف (ره) بأنه أراد هذا القائل ان جواز بيع الوقف فلا يجتمع مع الحقوق الثلاثة التي تقدم ثبوتها في الوقف بل لا بد في مورد جواز بيعه من سقوط بعضها كما إذا جاز بيع الوقف و مبادلته بما يكون للبطون فان في الفرض يسقط حق البطون عن شخص العين لا عن بدلها أو سقوط حقهم حتى عن بدلها كما إذا كان العوض ملكا طلقا للبطن الموجود فهذا صحيح و ان أراد ان جواز البيع لا يجتمع مع أصل الوقف لمنافاة ذلك الجواز و مضادته

مع الوقف كما هو ظاهر عبارته فهو غير تام.

و الوجه في عدم التمام ان الوقف قسم منه في حقيقته إخراج للعين عن الملكية و جعلها بحيث لا يقبل الملك نظير عتق العبد و كما ان العتق إخراج للإنسان عن الرقية و جعله بحيث لا يمكن صيرورته ملكا للآخر كذلك في وقف المساجد و المشاهد يخرج الأرض و البناء عن قابلية كونها ملكا و لكن مع ذلك لا يكون من المباحات ليتصرف فيه كل أحد بما شاء بل لا يجوز التصرف المنافي للوقف كما هو مقتضى قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 108

فقد جعل الشارع لهم حق إبطال الوقف

______________________________

و هذا القسم لا يقبل النقل باعتبار ان العين لا تصير ملكا لأحد.

و اما سائر الوقوف سواء كان الوقف خاصا أو عاما يكون الوقف فيها تمليكا و لذا يعبر عن هذا القسم بالصدقة التي تكون تمليكا للبطون أو الجهة نعم الوقف ليس مطلق جعل الشي ء ملكا بل بنحو يقتضي الدوام و الاستمرار أى استمرارهم على ملكه و لا يكون هذا الدوام و الاستمرار من قبيل اللازم بل بنحو الاقتضاء بحيث لا ينافي الوقف تخلفه في بعض الموارد و لو كان جواز بيع الوقف منافيا لأصل الوقف بحيث يخرج الشي ء عن كونه وقفا لكان لازم ذلك بطلان الوقف حتى ما لو لم يتفق بيع الوقف كما إذا فرض حاجة الموقوف عليهم و اضطرارهم الى ثمن الوقف و لكن لم يتفق بيعه الى ان ارتفع حاجتهم فيلزم ان يحكم بجواز بيعه بعد ذلك ايضا لبطلان الوقف قبل ذلك.

لا يقال إذا فرض الاعتراف كما هو ظاهر المصنف (ره) بان مع جواز

بيع الوقف ينتقى حق البطون اللاحقة عن شخص العين كما في مورد جواز تبديلها بما يكون ملكا للبطون و عن بدلها ايضا كما في مورد جواز تملك البطن الموجود ثمن الوقف و صرفه في ضرورتهم فلازم ذلك جواز بيع الوقف فيما إذا لم يتفق البيع الى ان ارتفعت ضرورة البطن الموجود و الوجوه في اللزوم ان مع سقوط حق البطون اللاحقة عن العين و عن بدلها ايضا لا موجب لرجوعه ثانيا.

فإنه يقال ليس معنى سقوط حقهم الا قيام الدليل على ثبوت الولاية للبطن الموجود على البطون اللاحقة بمبادلة ملكهم كما إذا كان مدلول دليل جواز البيع مبادلة الوقف بما يكون ملكا للبطون أو مع ثبوت الولاية لهم على تملك الثمن في مورد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 109

فقد جعل الشارع لهم حق إبطال الوقف (1) و في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك (2)

______________________________

جواز صرف ثمن الوقف على ضروراتهم و كذا فيما ثبت جواز بيع الوقف العام يكون مقتضى ذلك الدليل ثبوت الولاية لمتولي الوقف أو الحاكم على العين الموقوفة بمبادلتها بما يكون للجهة الموقوف عليها.

و الحاصل لا يكون جواز بيع الوقف كاشفا عن بطلان ملكية البطون كما عليه ظاهر الجواهر (ره) و انما يكون موجبا لثبوت الولاية و كون تلك الولاية مطلقا أو مقيدا تابع لظاهر الدليل و مع عدم الدلالة يؤخذ بمقتضى الأصل و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الدليل على جواز بيع الوقف في مورد تخصيص أو تقييد في خطاب الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و في مثل قوله (ع) لا يجوز شراء الوقوف.

(1) لا يخفى انه لا دلالة فيما ورد في جواز بيع

الوقف و صرف ثمنه على ضرورة البطن الموجود على ولايتهم على جعل العين الموقوفة ملكا طلقا عند البيع ليقع البيع لهم بحيث لو فرض فسخ العقد يصير الوقف ملكا طلقا لذلك البطن و لو مع اتفاق ارتفاع ضرورتهم عند حصول الفسخ بل المقدار الثابت ولاية البطن الموجود على صرف ثمن الوقف في حوائجهم اضافة على ولايتهم على بيعه فيكون صرفهم نظير صرف أهل العلم مال الامام (ع) على حوائجهم.

(2) يظهر مما ذكر (ره) ان الوقف على نحوين وقف تحريرى كوقف الأرض أو البناء مسجدا و مشهدا و وقف تمليكى تكون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم سواء كان الموقوف عليهم أشخاصا أو عنوانا و يعبر عن ذلك بالوقف الخاص أو العام.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 110

..........

______________________________

و لكن الأمر ليس كذلك بل للوقف أقسام و ذلك فان الواقف قد لا يلحظ في وقفه الا حبس العين على عنوان من غير نظر الى رجوع منافعها إلى أشخاص أو على عنوان و جهة و هذا القسم من الوقف لا يكون فيه الموقوف عليه.

لا يقال هذا القسم لا يدخل في الوقف بل جعل الأرض أو البناء مسجدا أو مشهدا عنوان آخر غير عنوان الوقف و ان يجرى عليه أحكامه من عدم جواز بيعه.

فإنه يقال لو كان الأمر كذلك يصح قول مالك الأرض أو البناء جعلتها مسجدا و لكن ما وقفتها و لا أظن أن يلتزم بذلك أحد.

و الموجب للدعوى المزبورة ان الوقف عنده إيقاف العين على الموقوف عليه و كان العين في الاعتبار على رأسهم تدر منافعها إليهم و قد رأى ان في مورد وقف المكان مسجدا أو مشهدا ليس من يكون إيقاف العين على رأسه

و لكن سنبين ان الوقف بمعنى الحبس و كلمة على للتعدي لا الاستعلاء و لذا لا يفرق بين قوله وقفتها على أولاد زيد أو على طلاب العلم أو وقفتها لأولاد زيد أو لطلاب العلم و بتعبير آخر يحتاج الى تعيين الموقوف عليه أو الموقوف له فيما لوحظ عود منافع العين الى شخص على ما سيأتي و ليس يلازم الوقف فيما إذا لم يكن فيه لحاظ عود المنافع الى أحد.

و الحاصل ان عنوان المسجد ينطبق على الأرض أو البناء المعد للعبادة كالصلاة و غيرها و لا يترتب عليه بمجرد الإعداد أحكام الوقف من خروج العين عن الملك و عدم جواز نقله و غير ذلك من الأحكام و في صحيحة عبيد اللّٰه بن الحلبي انه سأل أبا عبد اللّٰه (ع) عن مسجد يكون في الدار فيبدوا لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه عن مكانه فقال لا بأس بذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 111

..........

______________________________

و على الجملة أن المرتكز في وقف الأرض أو البناء مسجدا و حبسها له هو فك الأرض أو البناء عن علقة الملكية و جعلها بحيث لا تصلح للدخول في ملك أحد و هذا معنى الوقف التحريرى و لا يبعد ان يقال ما يذكر للمساجد من الأحكام كحرمة مكث الجنب و الحائض و وجوب تطهيره لا يعم الا المساجد الموقوفة لعناوينها لانصراف الخطابات إليها و لا فرق في وقفها كسائر الوقوف بين كونه بالإنشاء اللفظي أو بنحو المعاطاة كما هو مقتضى إطلاق قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها كما لا يحتاج في تحققه فيها كسائر الأوقاف إلى القبول من الحاكم أو غيره للإطلاق المزبور.

بل لا يبعد عدم حاجة الوقف

العام الى القبض و انما يحتاج الى القبض في الوقف الخاص بشهادة مثل صحيحة صفوان بن يحيى عن ابى الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يقف الضيعة ثم يبدوا ان يحدث في ذلك شيئا فقال ان كان وقفها لولده و لغيرهم ثم جعل لها قيما لم يكن له ان يرجع فيها و ان كانوا صغارا و قد شرط ولايتها لهم حتى بلغوا فيجوزها لهم لم يكن له ان يرجع فيها و ان كانوا كبارا و لم يسلمها إليهم و لم يخاصموا حتى يجوزوها لهم فله ان يرجع فيها.

و وقف تمليكى و هو ما إذا لم يكن الوقف تحريريا فإنه لا ينبغي الريب في حصول الملك للموقوف عليه فيما إذا أنشأ الواقف ملكية العين له كما إذا قال جعلت الضيعة أو غيرها ملكا لأولاد زيد طبقة بعد طبقة الى ان يرث اللّٰه السموات و الأرض و ان انقرضوا فهي للفقراء.

و انما الكلام فيما إذا كان أنشأ الوقف بعنوان الوقف واردة ما هو مدلوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 112

..........

______________________________

المرتكز و كان من قصده عود منفعة العين الى الموقوف عليهم كما إذا قال وقفت هذه الضيعة لأولاد زيد أو على أولاده ليكون غلتها لهم ففي ذلك يقع الكلام في خروج نفس الصيغة عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليهم.

و استدل المصنف (ره) على خروجها عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليهم بما ورد في غير واحد من الروايات من التعبير عن الوقف بالصدقة التي لاتباع و لا توهب حيث ان من الظاهر كون المعروف من معنى الصدقة تمليك الغير بقصد القربة و يعبر عن التمليك كذلك بالوقف باعتبار

استمرارها و دوامها و عدم صيرورتها ملكا طلقا للموجودين من الموقوف عليهم.

و استدل في الجواهر على دخول العين في ملك الموقوف عليهم فيما كان من قصد الواقف عود منافع العين و صيرورتها لهم ان العين تتبع المنافع في الانتقال و من ان العين الموقوفة كالمنافع تضمن بالإتلاف و التلف في اليد و إذا كانت العين خارجة عن ملك الواقف فلا بد من دخولها في ملك الموقوف عليهم لان المال الذي ليس له مالك لا يضمن و قد يستدل على دخول العين الموقوفة في ملك الموقوف عليهم بما ورد في جواز بيعهم العين الموقوفة في بعض الموارد حيث انه لا بيع إلا في ملك و ان العين إذا لم تكن مكلفا فكيف جاز بيعها.

و عن السيد اليزدي (ره) الاستدلال على خروج العين عن ملك الواقف بان اعتبار الملكية لأحد لا بد فيه من اثر يصحح الاعتبار و مع كون الواقف أجنبيا عن منافع العين إلى الأبد فلا معنى لاعتبار ملكية العين له و لكن احتمل عدم دخولها في ملك الموقوف عليهم بل تكون الداخل في ملكهم هي المنافع فقط كما في مورد اجارة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 113

..........

______________________________

العين و نتيجة ذلك ان يكون الوقف بالإضافة إلى العين الموقوفة فكا عن الملكية.

و لكن قد نوقش في ذلك كله اما التعبير بالصدقة فلان أصالة الحقيقة تجري فيما إذا شك في المراد بعد إحراز المعنى الموضوع له و اما إذا علم المراد و شك في ان الاستعمال على نحو الحقيقة فلا مجرى لأصالتها و فيما نحن فيه يعلم ان المراد بالصدقة هو الوقف بقصد التقرب و يشك في ان إطلاق الصدقة عليه بنحو الحقيقة

حيث انه من إفرادها أو ان إطلاقها عليه بنحو المجاز حيث لا يكون في الوقف تمليك و تملك.

و فيه ان هذه المناقشة قد صدرت عمن جعل فيما تقدم النسبة بين الوقف و الصدقة العموم من وجه و مقتضاه كون الوقف في مورد قصد التقرب معنونا بعنوان الصدقة الجارية حقيقة.

مع انه ان أريد ان إنشاء الوقف بإرادة المعنى الحقيقي للصدقة الجارية غير صحيح فلا يتحقق الوقف فلا أظن الالتزام به و ان أريد انه لم يحرز انطباق عنوان الصدقة بمعناه الحقيقي على ما أراد الموجب بقوله وقفت هذه العين لأولاد زيد طبقة بعد طبقة المعنى المرتكز عند الأذهان للوقف ففيه انه لا يعرف للوقف عند الأذهان في مثل المورد مما كان الملحوظ عود المنفعة إلى الأشخاص و دخولها في ملكهم الا عنوان التمليك و جعل ذلك الملك بنحو إقرار العين و حبسها.

و يقرب من هذا الوقف الوقف الصرفى و هو ما إذا كانت العين محبوسة لصرف منافعها على الموقوف عليهم سواء كان المراد صرف نفس منافعها كما إذا قال وقفت هذه الضيعة على أولاد زيد الأول فالأول ليأكلوا ثمرتها أو كان المراد الأعم من صرف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 114

..........

______________________________

عين منافعها أو بدلها كما إذا قال وقفت هذه الضيعة للعلماء أو الحجاج و في مثل ذلك يجوز لمتولي الوقف بيع ثمرة الضيعة و صرف ثمنها عليهم و وجه قرب الوقف الصرفى الى الوقف التمليكي هو ان العين في الوقف الصرفى ايضا ملك و لكن للعنوان الموقوف عليه لا الأشخاص و انما يملك الأشخاص المنفعة بعد الصرف و القبض و لذا لا يرث الوارث من الموقوف عليه قبل صرف المنفعة و لا

يجب في السهم المقبوض الزكاة لأن الشخص لا يملك المنفعة إلا بعد قبضها لا حين بلوغ الزرع و صيرورته حنطة أو شعيرا أو صيرورة الثمرة عنبا أو ثمرا فإن الثمرة في ذلك الحين كانت ملكا للعنوان و لا يتوجه التكليف بإعطاء الزكاة الا للأشخاص.

و هذا بخلاف الوقف التمليكي فإنه ان مات أحد من الموقوف عليهم يرث سهمه وارثه و يحب على كل من بلغ سهمه مقدار النصاب الزكاة و يشترك القسمان في ضمان العين و منافعها فيما لو أتلف العين أو منافعها متلف أو تلف بيده بخلاف القسم الأول من الأقسام و هو الوقوف التحريرى لانه لا دليل على ضمان المال فيما لم يكن ملكا لأحد أو عنوان بل الموجب له إتلاف مال الغير أو تلفه بيده في غير مورد الاستيمان.

و القسم الأخير من الوقف الوقف الانتفاعى و هو ما إذا كان حبس العين لمجرد انتفاع الموقوف عليهم من غير ان يدخل العين أو منافعها في ملكهم حتى بعد القبض كما في وقف بعض الأشجار لأكل المارة و وقف الخانات للمسافرين و الزوار و المدارس و الكتب العلمية لطلاب علم الدين و في هذا القسم لا يدخل العين و لا منفعتها في ملك الموقوف عليهم و لذا لا يكون توارث و لا تصح المعاوضة على منافع العين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 115

و الثاني عدم الخلاف في عدم جواز بيعه (1)

______________________________

لا من الموقوف عليهم و لا من المتولي و لا يبعد ان يقال ببقاء العين و منافعها على ملك واقفها و لذا يضمن العين أو منافعها بالإتلاف و يكفي في اعتبار الملكية للواقف ترتب هذه الثمرة.

و مما ذكرنا يظهر الحال في

الوجوه المتقدمة للاستدلال على خروج العين من ملك واقفها أو دخولها في ملك الموقوف عليهم و ايضا ظهر ان الوقف في حقيقته عبارة عن حبس العين اما حبسا عنوانيا أو حبسا تمليكيا أو حبسا صرفيا أو حبسا انتفاعيا و المراد بالحبس جعل العين على حالة لا تخرج عنها بحسب قرار مالكها اى لا تصلح الخروج عنها بحسبه كما لا يخفى.

(1) لا ينبغي الريب في ان الوقف إذا كان تحريريا فلا يجوز بيعه و لا سائر المعاوضة عليه بلا استثناء و الوجه في عدم الجواز ليس عدم كون العين ملكا طلقا بل لعدم كونه قابلا للتملك و البيع تمليك العين بعوض و على ذلك فلو خربت القرية التي فيها المسجد أو انقطعت المارة عن الطريق الذي فيه المسجد لم يجز بيعه و الظاهر ان هذا مما لا خلاف فيه.

نعم ذكر كاشف الغطاء (ره) بعد قوله بعدم جواز البيع في هذا القسم من الوقف لعدم كونه قابلا للتملك لرجوع العين الى اللّٰه و دخولها في مشاعره التي يجب تعظيمها ان الأرض مع اليأس عن الانتفاع بها في جهة المسجدية توجر للزراعة و يراعى فيها الآداب اللازمة للمسجد من حرمة تنجيسه و وجوب تطهيره و حرمة مكث الجنب و الحائض فيه و نحو ذلك كما يجب المحافظة على كونه مسجدا بأحكام قبالة الإجارة و سندها لئلا تكون يد المستأجر امارة على كونها ملكا له و تصرف عائد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 116

..........

______________________________

الأرض من الأجرة على مماثله.

مثلا إذا كان المسجد في قرية تصرف الأجرة على مسجد قرية أخرى احتياطا في كون ذلك المسجد أقرب الى الموقوف و أحوج و أفضل و مع تعارض الأقرب

مع الأفضل مثلا يلاحظ الراجح منهما و ان تعذر صرف الأجرة على المماثل تصرف في غيره على مسجد البلد أو الحسينية و نحو ذلك و ان لم يمكن ذلك ايضا تصرف على مصالح المسلمين و لو بإحداث القنطرة و الضوء و نحوها هذا بالإضافة إلى الأرض.

و اما غيرها من الآلات و الأثاث و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح و نحوها فإن أمكن الانتفاع بأعيانها في خصوص المحل الذي عين لها فيجب إبقائها و الانتفاع بأعيانها في ذلك المحل و ان لم يكن الانتفاع بأعيانها في خصوص ذلك المحل ينتفع بأعيانها في مثل ذلك المحل و ان لم يمكن الانتفاع على ذلك انتفع بأعيانها في مطلق مصالح المسلمين كما إذا لم يمكن الانتفاع بخشبة سقف المسجد في ذلك المسجد و لا في مسجد آخر ينتفع بها و لو في مثل القنطرة من مصالح المسلمين.

و إذا لم يمكن الانتفاع بأعيانها أصلا لا في المحل و لا في مماثله و لا في غيره من مصالح المسلمين يكون في البين احتمالات كونها من قبيل الملك بعد أعراض مالكه من دخولها في المباحات فيصح لكل أحد تملكها و التصرف فيها و دخولها في ملك المسلمين كسائر أموال المسلمين فيصرف على مصالحهم كيف اتفق و عودها الى ملك واقفها أو ملك ورثتهم و مع عدم عرفانهم تكون من قبيل الأموال المجهول مالكها.

و الرابع و هو الأقوى المصرح به في كلام بعضهم عدم بطلان وقفها بخروجها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 117

و فيه ان إجارة الأرض و بيع الآلات (1)

______________________________

عن الانتفاع بأعيانها كما ذكر بل تباع احترازا عن تلفها و تصرف في المكان المعدلة بحسب تعيين الواقف

أو على مماثله أو على مطلق مصالح المسلمين على ما مر في صورة إمكان الانتفاع بأعيانها.

(1) لا يخفى ان ما ذكره كاشف الغطاء من إجارة أرض المسجد للزراعة يصح لو قيل بان الوقف بالإضافة إلى الأرض تمليك للمسلمين أو انتفاعى و لو كان وقف الأرض كذلك تصح بيعها ايضا كما يأتي في الوقف التمليكي و الانتفاعى و لكن الظاهر ان الوقف في المسجد و المشهد بالإضافة إلى أرضها تحريرى و معه لا تصح إجارتها كما لا تصح بيعها لا باعتبار عدم كون الأرض ملكا لمن ينتقل اليه العوض ليقال انه لا يعتبر في صحة البيع كون المبيع ملكا له كما في بيع الكلى كما لا يعتبر في الإجارة كون المنفعة ملكا لمن ينتقل إليه الأجرة كما في إجارة الحر نفسه بل لا يصح بيعها و لا إجارتها لعدم إمكان صيرورة الأرض أو منافعها ملكا لأحد كما مقتضى قوله (ع) الوقوف بحسب ما يوقفها أهلها و البيع تمليك العين للمشتري بعوض و الإجارة تمليك المنفعة.

و بهذا يظهر عدم صحة سائر المعاوضات ايضا فلا يختص عدم الجواز بالبيع أو الإجارة.

و دعوى عدم صحة بيع الآلات ايضا مع عدم إمكان صرفها على المماثل أو غيرها من وجوه الخير مبنية على كون وقفها ايضا من قبيل وقف الأرض و لكن يمكن ان يقال ان الوقف بالإضافة إلى نفس العرصة كذلك و اما بالإضافة إلى آلات البناء حيث انها لا تبقى على حالها الى الآخر يكون في نظر الواقف وقفا تمليكيا أو انتفاعيا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 118

..........

______________________________

كما هو الحال بالإضافة إلى فرش المسجد و حصيرة و سائر ما يوضع فيه و لا منافاة في

الاختلاف في كيفية الوقف حتى فيما كان في البين إنشاء واحد فقول الواقف وقفت هذا البناء مسجدا لا ينافي كونه بالإضافة إلى العرصة تحريرا و بالإضافة إلى الآلات تمليكيا أو انتفاعيا نظير ما إذا فرش بساطا في البناء و جعل فيه حب الماء و غيره و قال وقفت البناء و ما فيه بعنوان المسجد.

و اما الاستشهاد على حكم حصير المسجد و نحوه بما ورد في ثوب الكعبة فغير ظاهر لان الثوب المزبور لم يحرز كونه وقفا بل الظاهر انه كسائر المال الذي يهدى للكعبة يصرف في الحجاج و زواره و لذا أجيز أخذه و الانتفاع به و بيعه الى غير ذلك كما لا يخفى.

و العمدة في المقام بيان الوجه فيما ذكر من استعمال الآلات و سائر الأثاث في المماثل ثم في سائر وجوه الخير مع ملاحظة الأقرب فالأقرب إلى الوقف و مع عدم إمكان صرفه بشخصه يباع و يصرف بدله على ما ذكر على الترتيب مع ان الصرف في المماثل أو في الأقرب فالأقرب بشخصه و مع عدم الإمكان ببدله خارج عن مدلول الوقف و ليس في البين الا دعوى استفادة تعدد المطلوب من الوقف في مثل هذه الموارد مما يكون قصد الواقف جعل العين مهما أمكن في الخير المرسوم بنفسها و في غيره على تقدير عدم إمكان ذلك الخير و ببدلها مع عدم إمكان استعمال العين كما يدل عليه و يؤيده ما ورد في قصور مال الوصية و عدم إمكان صرفه في الجهة الموصى بها و في رواية على بن زيد صاحب السابري قال اوصى الى رجل بتركته و أمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا هو شي ء يسير لا يكون للحج

الى ان قال فسألت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 119

يبقى الكلام في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا (1)

______________________________

أبا عبد اللّٰه (ع) ما صنعت بها قال ضمنت أولا يكون لا يبلغ ان تحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ان تحج به من مكة فليس عليك ضمان.

و في رواية على بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجل اوصى بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا فلم يوجد بذلك قال يشترى من الناس فيعتق و في رواية محمد بن الريان قال كتبت الى ابى الحسن (ع) اسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا كيف يصنع بالباقي فوقع الأبواب الباقية اجعلها في البر.

و الحاصل ان الوقف على الجهات التي يكون نظر الواقف فيها صرف المال على جهة من الخيرات فيه قرينة عامة على ان الوقف على جهة خاصة من قبيل تعدد المطلوب بخلاف الوقف الخاص حيث ينتهي أمد الوقف فيه بانتهاء الموقوف عليهم كما لا يخفى.

(1) إذا أحرز ان وقف الحصير على المسجد الفلاني و وضعه فيه لانتفاع المصلين من غير لحاظ خصوصية في ذلك المكان فلا كلام و يجوز في الفرض لمتولي الوقف نقله الى مسجد آخر حتى مع إمكان الانتفاع به في ذلك المسجد و ذكر المصنف (ره) ان هذا النحو من الوقف ظاهر في الماء الموضوع في المسجد فإنه يوضع في مسجد باعتبار انه أحد المواضع التي ينتفع به المصلين فيجوز معه الوضوء به من غير صلاة في ذلك المسجد و ربما يظهر الاختصاص كما في فرش حصير في المسجد و هذا الاختصاص في الترب الموضوعة أوضح و في مثل ذلك

لا يجوز النقل مع إمكان الانتفاع به في المكان الموضوع فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 120

أو بدونه (1)

______________________________

أقول لم يظهر وجه كون الاختصاص في وقف الترب أظهر من وقف الحصير و مع ذلك لا يمكن الاعتماد على ما ذكر من دعوى الظهور بل لا بد في الموارد من ملاحظة السيرة على عموم الانتفاع أو خصوصه و مع الشك في كون الموقوف عليهم هو العام أو الخاص كما إذا شك في وقف الماء على مطلق المصلين أو المصلين في المسجد المزبور فالأصل عدم العموم و لا يعارض بأصالة عدم الوقف على الخاص فان جواز تصرف المصلين في المسجد المزبور محرز فلا مورد للأصل فيه.

(1) اى بدون ما ذكره بعض الأساطين بان يزرع المسجد المزبور بدون اجارة و العمدة في وجه ما ذكر كله من نقل الحصير و نحوه إلى سائر الأمكنة مع ملاحظة الأقرب فالأقرب هي استفادة تعدد المطلوب من وقف الواقف بقرينة عامة تجري غالبا في موارد الوقف الانتفاعى بل الصرفى و تلك القرينة هي إحراز ارادة الواقفين من جعل العين في مكان و وقفها عليه جعلها صدقة جارية و تبديلها بعين أخرى في بعض الموارد فهو ايضا لتلك القرينة المقتضية للاشتراط الضمني على المتولين أو الموقوف عليهم إبقاء تلك الصدقة مهما أمكن و بأي نحو تيسر الممضى بقولهم عليهم السلام الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و لو توقف إبقاء العين على حالها ببيع بعضها و صرف صدقة ثمن ذلك البعض على الباقي يقدم حيث ان إبقاء نفس العين صدقة بحسب تلك القرينة مقدم على إبقاء الصدقة بالعلاج في تمام العين بحسب ماليتها.

و لو أحرز في مورد عدم ارادة الواقف تعدد

المطلوب و إبقاء الوقف بعد انتهاء الموقوف عليهم أو انتهاء عائد الوقف أو زوال العنوان من العين الموقوفة يكون الوقف من المنقطع الأخر و سيأتي إنشاء اللّٰه تعالى حكمه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 121

ففي الضمان وجهان (1) الاولى ان يخرب الوقف (2)

______________________________

(1) لا يخفى ان مفاد حديث على اليد ضمان من تكون يده على العين بغير الايتمان سواء كان هو المتلف أم لا و قاعدة الإتلاف مفادها ضمان المتلف سواء كان المال بيده أو بيده مالكه فتعليله (ره) ضمان الإتلاف بقاعدة اليد من سهو القلم.

و كيف كان فالعمدة في دليل الضمان في موارد اليد و الإتلاف السيرة العقلائية مع ورود روايات في مواردهما في الأبواب المتفرقة و مقتضاهما عدم الفرق بين كون المال ملكا للشخص أو الطبيعي و العنوان كما يشهد بذلك ما ورد في تلك الزكاة و مال الوصية قبل إقباضهما كصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم قال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى تقسم و ان لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان حيث ان بعث الزكاة من العزل الموجب لتعين الزكاة التي تكون ملكا للعنوان قبل التقسيم و الإقباض و هذه الصحيحة قرينة على الجمع بين الروايات الواردة في بعث الزكاة و ايضا لا فرق بين ضمان العين و منافعها.

و ما ذكر (قده) من عدم ضمان المنافع لا يزيد على مجرد الدعوى نعم لم يحرز وجه للضمان في موارد الوقف التحريرى من السيرة أو غيره فلا حظ و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(2)

الصورة الاولى من صور جواز بيع الوقف ما إذا خرب بحيث يسقط العين عن قابلية الانتفاع بها كالحصير الخلق و الجزع البالي أو الحيوان المذبوح و المراد عدم إمكان انتفاع البطون اللاحقة من عين الوقف كما في المذكورات لا سقوطها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 122

..........

______________________________

عن قابلية الانتفاع حتى بالإضافة إلى البطن الموجود و الا سقطت ماليتها فلم يجز بيعها باعتبار عدم ماليتها.

و الحاصل ان المراد صيرورة العين بحيث لو انتفع البطن الموجود بها يكون الانتفاع بها من قبيل إتلافها كصرف الجذوع البالية في الإحراق فلا تبقى عين حتى تنتفع بها البطن اللاحق و القرينة على كون المراد ذلك ما يذكره (ره) من دوران الأمر في هذه الصورة بين أمور ثلاثة الأول ان لا يتصرف البطن الذي تكون العين ملكهم فعلا بل تبقى العين بحالها حتى تتلف الثاني انتفاع البطن الموجود بها بإتلافها كما في الحيوان المذبوح بأكله و في الجذوع البالية و الحصير الخلق بالإحراق و الثالث بيعها و شراء ما يكون قابلا للانتفاع حتى بالإضافة إلى البطون اللاحقة.

ثم ذكر أولا ان جواز البيع في هذه الصورة ليس باعتبار قيام دليل خاص عليه بل باعتبار قصور المقتضى و عدم الدليل على عدم جواز بيع الوقف في مثل هذه الحالة فإن عدم جواز بيع الوقف لم يعم الفرض و رواية عدم جواز شراء الوقف منصرفة الى ما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق من العين مع انتفاع البطن الموجود منها و رواية الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ناظرة إلى إمضاء الوقف بما رسمه الواقف و عدم جواز بيعه ليس مما رسمه بل هو حكم شرعي كما مر بل لو كان إبقاء

العين مما رسمه الواقف كان رسم الواقف و اشتراطه في صورة قابلية العين للانتفاع.

و حيث كان لقائل أن يقول إذا لم يكن دليل على جواز البيع و منعه تصل النوبة الى الأصل العملي و هو استصحاب عدم جواز بيع الوقف ذكر ثانيا ترديد الأمر في هذه الصورة بين أمور ثلاثة ثالثها جواز البيع و شراء ما يصلح للبقاء و جزم ببطلان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 123

نعم يمكن ان يقال إذا كان الوقف مما لا يبقى (1).

______________________________

الأولين ليتعين الثالث فلا تصل النوبة الى الأصل العملي و أضاف إليه عدم جريان الاستصحاب المزبور في نفسه بدعوى انه لو فرض عدم الجواز فعلا لكان هذا منعا جديدا غير المنع السابق فان المنع السابق كان في ضمن وجوب رعاية الحقوق للبطون اللاحقة فلم تبق تلك الحقوق بعد سقوط العين عن قابلية الانتفاع بها كما تقدم.

(1) أقول ظاهر كلامه فرض الخراب في الوقف الخاص و من الظاهر العين الموقوفة فيه باعتبار عدم القرينة العامة على اشتراط إبقاء الوقف ببدلها لو وصلت الى حد يكون انتفاع البطن الموجود منها بإتلافها و الوقف يقتضي جواز الانتفاع بها فعلا و إذا لم يمكن الانتفاع بها بوجه تبقى العين للبطون الآتية يجوز للبطن الموجود ذلك الانتفاع كأكل الحيوان المذبوح و جعل الجذوع البالية وقودا كما يجوز لهم بيعها و بالبيع أو الإتلاف ينتهى أمد الوقف و لا يحتاج البيع إلى إذن المتولي للبطون الآتية لأن مع عدم قابلية العين للبقاء مع انتفاع البطن الموجود لا يثبت للبطن اللاحق حق في الثمن ليشتري بها ما يكون وقفا للبطون كما لا يمنع الوقف عن بيع البطن الموجود لكون العين ملكهم على

الفرض.

إذا كانت العين ملكا طلقا للبطن الموجود بحيث يترتب عليه جواز إتلافها أو بيعها و اختصاص الثمن للبطن المزبور يكون ذلك بعينه ما تقدم من صاحب الجواهر من انتهاء الوقف و انحلاله بجواز البيع فيرد الاشكال المتقدم من أنه لو فرض بقاء العين الى زمان البطن اللاحق كما إذا لم يبعها البطن الموجود و لم ينتفعوا بها و لو بإتلافها لزم ان لا تكون العين ملكا للبطن اللاحق بل ملكا لورثة البطن الموجود و لعله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 124

و مما ذكرنا يظهر ان الثمن على تقدير البيع (1)

______________________________

الى ذلك أشار بقوله فتأمل.

و لكن الظاهر عدم انحلال الوقف بالحكم بجواز البيع حيث انه لو انحل الوقف بجوازه لرجعت العين الى ملك الواقف و لا تكون ملكا للبطن الموجود أيضا فإن ملكيتهم قد حصلت بالوقف و بانتهائه و انحلاله تنتهي الملكية.

و الحاصل ان الملكية المجعولة للبطن اللاحق بمقتضى الوقف التمليكي على تقدير بقاء العين الى زمانهم و إذا فرض عدم حصول المجوز للبيع تبقى العين الى زمانهم بفساد البيع على تقديره و اما إذا فرض جواز بيعها أو إتلافها فباعها البطن الموجود لا تبقى عين و يكون الثمن ملكا للبطن الحاضر و اما إذا لم يبعها البطن الموجود و لم تتلف و بقيت الى زمان البطن اللاحق تكون ملكا لهم و على الجملة يكون انحلال الوقف بالبيع أو الإتلاف فيما إذا لم يكن في البين اشتراط إبقاء الوقف مهما أمكن و لو بماليته فتدبر.

(1) تعرض (ره) في المقام لأمور: الأول انه مع بيع العين الموقوفة لا يختص البطن الموجود بالثمن بل الثمن يكون ملكا للبطون على حد ملك المعوض لهم و

لذا لا يحتاج البدل فيما كان قابلا للانتفاع مع بقاء عينه الى إنشاء الوقف بل يكون ملكا للبطون على حد المعوض بمقتضى المبادلة و مع عدم كون البدل قابلا للانتفاع مع بقاء عينه يشترى به ما يكون قابلا للانتفاع كما ذكر.

و ذكر (ره) في وجه ذلك كله ما توضيحه ان العين الموقوفة ملك فعلى للبطن الموجود لكن لا بملكية مطلقة بل الملكية للبطن الموجود موقتة من حيث المنتهى بحال حياتهم و لذا لا يجوز في الوقف الخاص نقل العين الى الغير بإعطاء ملكيتها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 125

..........

______________________________

الأبدية كما لا يجوز لهم اجارة العين بأزيد من مدة حياتهم الا فضولا بخلاف مالك العين بالملكية المطلقة فإنه يجوز له ان يتصرف في ماله بإعطاء ملكيته الأبدية للغير و إجارته بمدة تزيد على مدة حياته فان ذلك مقتضى الملكية المطلقة الثابتة له.

و الحاصل ان العين في الوقف الخاص ملك للبطن الموجود فعلا و ملك شأنى للبطن للاحق بمعنى ان العين تصير ملكا فعليا للبطن اللاحق بعد انقضاء البطن الموجود بملكية يتلفوها من الواقف الى بمقتضى جعله لا من البطن الموجود كما في موارد الإرث و على ذلك فان كانت العين الموقوفة ملكا فعليا للبطن الموجود يكون بدل العين بمقتضى المعاوضة كذلك حيث لو أمكن عدم قيام البدل مقام العين كما ذكر بان لا يكون البدل ملكا شأنيا للبطن اللاحق لأمكن ان لا يكون ملكا فعليا للبطن الموجود.

ثم ان الحكم بكون البدل ملكا فعليا للبطن الموجود و شأنيا للبطن اللاحق اولى مما ذكروه في دية العبد الموقوف المقتول حيث قالوا ان الدية تكون ملكا للبطن الموجود و البطن اللاحق على قرار الوقف و

وجه الأولوية ان الدية بدل شرعي حكم بها بعد تلف العين فيمكن ان يختص بالبطن الموجود.

و كذلك بدل العين الموقوفة أولى بعدم الاختصاص للبطن الموجود مما ذكروه في تلف العين المرهونة حيث قالوا ان بدل تلك العين يكون رهنا.

و وجه الأولوية انه يمكن ان يقال ان العين المرهونة كانت رهنا بما انها ملك للمالك المديون و قد فرض زوال ملك المديون عن العين فيمكن ان يزول الرهن عنها من غير ان يتعلق بالبدل بخلاف الملك الشأني للبطن اللاحق حيث انه تعلق بالعين لا بما أنها ملك للبطن الموجود بل بما أن الملكية المزبورة كالملكية الفعلية للبطن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 126

..........

______________________________

الموجود مجعولة بجعل الواقف و إنشائه و كل من الملكيتين موقتة كما تقدم.

أقول كل ذلك حسن و لكنه (ره) غفل عن نكتة واحدة و هي انه لا معنى للملك الشأني في المقام الا ان العين على تقدير بقائها إلى زمان انقضاء البطن الموجود تصير ملكا فعليا لذلك البطن و ان الملكية الموقتة للبطن الموجود في هذا الفرض فقط و اما على تقدير تلف العين أو إتلافه حقيقة أو حكما بحيث لا تبقى الى زمان انقضاء البطن الموجود فلم يجعل للبطن اللاحق ملكية و لا تكون ملكية البطن الموجود في فرض تلف العين محدودة موقتة و لذا لا يكون البطن الموجود ضامنا للبطن اللاحق فيما إذا انتفعوا بالعين المخروبة بإتلافها كجعل الجذوع البالية وقودا.

و على ذلك فإن أتلفوا العين ببيعها مع جواز البيع فلا يكون للبطن اللاحق ملكية ليدخل البدل في ملكهم نعم إذا بقيت العين و لم يتصرف فيها البطن الموجود أصلا حتى وصلت العين الى البطن اللاحق تكون ملكا

لهم فلا حظ و تدبر.

الثاني- انه لا يجرى على البدل حتى فيما إذا كان قابلا لانتفاع البطون مع بقاء عينه حكم الوقف الابتدائي من عدم جواز بيعه بل يجوز معاوضته بعين اخرى مع صلاح البطون فان عدم جواز البيع حكم شرعي بالإضافة إلى الوقف الابتدائي أي ما يكون وقفا بإنشاء الواقف و لا يعم ما كان وقفا بالمبادلة و لو كان عدم جواز البيع باعتبار الاشتراط من الواقف فلا ينبغي الريب في ان الاشتراط بالإضافة الى ما إنشاء الوقف له و لا يجري في بدله.

الثالث- انه لا يجب شراء مماثل الوقف بحسب العنوان بل يجوز شراء كل ما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 127

..........

______________________________

يكون صالحا لانتفاع البطون مع رعاية صلاحهم و الوجه في ذلك ما تقدم من عدم كون العين الموقوفة ملكا طلقا للبطن الموجود بل يتعين بيعها و شراء ما يكون قابلا لانتفاع البطون مع بقاء عينه و لو لم يكن البدل داخلا في عنوان المبدل و مماثلا له.

و لكن ذكر في محكي التذكرة ان الوقف مع وصوله الى حد الخراب يباع و يصرف ثمنه في جهة الوقف و يكون صرفه فيها بشراء المماثل مع إمكانه و مع عدمه يشترى ما يجوز الانتفاع به مع بقاء عينه و ان لم يمكن ذلك ايضا يدفع الثمن الى الموقوف عليهم الموجودين يتصرفون فيه بما شاء و علل شراء المماثل مع إمكانه و شراء مطلق ما يصح وقفه مع عدم إمكانه بالجمع بين غرض الواقف و هو انتفاع البطون و العمل باشتراط إبقاء العين حيث ان شراء المماثل إبقاء للعين بحسب نوعها و احتمال لزوم إبقائها بشخصها غير صحيح لاستلزامه في الفرض فوت

غرضه بتمامه كما ان احتمال عدم لزوم الشراء أصلا بأن يدفع الثمن الى البطن الموجود فيتصرفون فيه بما شاءوا ايضا غير صحيح لأنه إخراج للعين أو بدلها عن ملك البطون اللاحقة مع استحقاقهم تلك العين مع عدم وجودهم فعلا كاستحقاق الموجودين.

و ذكر المصنف (ره) في عدم اعتبار شراء المماثل أمرين أحدهما انه لم يظهر ان شراء المماثل أقرب الى غرض الواقف فان غرضه يختلف و لا يقف على حد مثلا ربما يكون غرضه الانتفاع بثمرة البستان و إذا لم يمكن الانتفاع لغور مائه و دار الأمر بين شراء بستان لا ينتفع الموقوف عليهم بثمرته بل يصل إليهم قيمته و بين شراء ملك أخر يصل إليهم اجرة منفعته فلا وجه للقول بان شراء البستان أقرب الى غرض الواقف خصوصا إذا كان الملك الآخر أكثر نفعا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 128

..........

______________________________

و ثانيهما انه لا دليل على وجوب رعاية غرض الواقف بل اللازم اتباع الوقف على النحو الذي رسمه الواقف و إذا كان غرض الواقف خارجا عن مدلول إنشائه و وقفه فلا يعمه قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و الحاصل ان غاية ما يمكن ان يقال في المقام ان العين المخروبة لا تخرج عن ملك البطون و مقتضى ذلك ان لا يجوز للبطن الموجود الانتفاع من الوقف بإتلافها كجعل الجذوع البالية وقودا بل يتعين على تقدير إرادتهم الانتفاع تبديلها بشراء ما يصلح لانتفاع البطون سواء كان مماثلا للعين الموقوفة أم لا كما هو مقتضى إطلاق دليل حل البيع و نفوذه بعد إحراز جواز بيع تلك العين فيكون المقام نظير ما إذا أحرز جواز بيع المصحف و شك في اعتبار إسلام مشتريه كما

لا يخفى.

أقول لو كان المتبع مدلول الوقف فقد ذكرنا ان مدلوله ثبوت الملكية للبطن اللاحق على تقدير بقاء العين الى زمانهم مع إمكانه و إذا فرض وصول العين من الخراب الى حد لم يمكن إبقاء العين للبطن اللاحق مع انتفاع البطن الموجود لم يكن على البطن الموجود إلزام بإبقاء العين من ناحية رسم الواقف و لا من ناحية الشارع فيجوز للبطن الموجود إتلاف عينه أو نقله الى الغير مجانا أو مع العوض و بكل منهما ينتفي التقدير الذي جعل الملكية للبطن اللاحق على ذلك التقدير فيختص الثمن بالبطن الموجود فلا يجب عليهم شراء البدل فضلا عن صيرورته وقفا بمجرد الشراء.

نعم إذا أمكن إبقاء بعض الوقف ببيع بعضه و صرف ثمنه على الباقي تعين ذلك لان إلزام الواقف بالإضافة إلى البعض و نهى الشارع عن بيع كله بحاله هذا كله فيما لم يكن في البين قرينة عامة على إبقاء الوقف مهما أمكن كما في الوقف العام و الا تعين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 129

ثم ان المتولي للبيع هو البطن الموجود (1)

______________________________

شراء البدل.

(1) ذكر (ره) ان المتولي للبيع هو البطن الموجود مع الحاكم الشرعي حيث انه ولى على البطون اللاحقة و ليست للناظر الى الوقف ولاية بالإضافة إلى بيع العين الموقوفة حيث ان النظارة المجعولة له منحصرة بالأمور الراجعة إلى صورة بقاء العين و إبقائها.

و يمكن ان يقال ان البيع راجع الى الناظر و لا يكون للبطن للموجود و لا الحاكم الشرعي مع الناظر الى الوقف أمر حيث انه منصوب من قبل الواقف للأمور الراجعة إلى الوقف و بيعه و شراء البدل من تلك الأمور.

و دعوى عدم شمول حق النظارة للتصرف في

العين بإخراجها عن ملك البطون في صورة جوازه شرعا لم يعلم وجهها بعد كون ذلك من تلك الأمور نعم لا يبعد سقوط نظارته بالإضافة إلى البدل مع إمكان القول ببقاء نظارته حتى بالإضافة إلى البدل.

أقول بعد ما ذكرنا ان العين الموقوفة ملك البطن الموجود فعلا و لهم نفى التقدير الذي تصير معه العين في المستقبل ملكا للبطن اللاحق فلا معنى لدخالة الناظر في نفى ذلك التقدير من البطن الموجود سواء كان ذلك النفي بإتلاف العين حقيقة أو حكما بالبيع و نحوه.

نعم فيما إذا كانت في الوقف قرينه و لو كانت عامة على إبقاء الوقف بأي وجه أمكن و لو ببيع العين الموقوفة و إبدالها كما في الوقف الصرفى أو الانتفاعى يكون ذلك للمتولي من قبل الواقف و مع عدمه يرجع الى الحاكم الشرعي حيث ان ابدال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 130

فلا يجوز دفعه الى البطن الموجود (1) و الربح تابع للأصل (2)

______________________________

العين الموقوفة في الوقف الصرفى أو الانتفاعى من الأمور الحسبية الراجعة إليه كما لا يخفى.

(1) قد تقدم مما ذكرنا ان الثمن في الوقف الخاص يكون للبطن الموجود و لا يجب عليهم شراء عين أخرى قابلة للوقف الا مع الاشتراط عليهم في الوقف و بدون ذلك يكون الشراء احتياطا استحبابيا و يؤيد بل يدل على بعض ما ورد في بيع الوقف المزبور على ما تسمع.

نعم لو لم يمكن في الوقف الصرفى و الانتفاعى شراء البدل ينتظر زمان التمكن على شراء البدل و مع الصلاح يجوز للمتولي الاتجار بثمن الوقف و يكون ربحه تابعا للأصل و لا يصرف ذلك الربح الى الموقوف عليهم إلا إذا فهم من الوقف الصرف عليهم في

كل زمان بأي نحو أمكن.

(2) يعني إذا كان ثمن الوقف مأة درهم مثلا فشروا به فرسا و باعوه بعد ذلك بمأتين فيكون تمام المأتين ملك البطون و لا يختص الربح بالبطن الموجود و وجهه ان الفرس كان ملكا للبطون على ما تقدم و تمام المأتين بدل عن الفرس فلا بد من دخول المأتين في ملك من يخرج عن ملكهم الفرس و هم تمام البطون على قرار ما زعمه المصنف (ره) و الامتياز في ذلك بين مأة الربح و مأة الأصل و هذا بخلاف ما إذا وقف حيوانا على أولاد زيد فانجب الحيوان الولد فإنه يكون ذلك الولد ملكا للبطن الموجود كما هو مقتضى تمليك المنفعة للبطن الموجود و حبس العين على البطون.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 131

وجهان آتيان (1) ان يخرب الوقف بحيث يسقط عن الانتفاع (2) انه ذكر بعض جواز بيع الوقف (3)

______________________________

(1) إذا احتاج العين الموقوفة إلى التعمير و الترميم لأجل بقائها و حصول النماء منها فان عين الواقف ما يصرف في تعميرها فهو و الا صرف نمائها في تعميرها مقدما على حق الموقوف عليهم بلا فرق بين الوقف الخاص و العام حتى فيما إذا استلزم صرف نمائها على تعميره حرمان البطن الموجود و ذلك فان المتفاهم العرفي من الوقف إبقائها و ان وصول منافعها الى الموقوف عليهم ملكا أو صرفا أو انتفاعا بعد لحاظ إبقائها و كأن هذه بقرينة عامة في كل وقف كما لا يخفى.

و لكن لا يجرى هذا فيما إذا كان بعض الوقف خرابا بحيث يجوز بيعه فإنه بالبيع يختص الثمن بالبطن الموجود على قرار ما تقدم فلا يجب عليهم صرفه في عمارة الباقي أو في

عمارة وقف آخر و ان كان ذلك أحوط.

(2) المراد بالخراب في هذه الصورة ان تصل العين الموقوفة من الخراب الى الحد الذي لا يصل الى الموقوف عليهم من المنفعة أو النفع الا مقدار يسير يلحق بالمعدوم مع إمكان تعميره من عائدة أو ببيع بعضه على ما تقدم و الموجب لجواز البيع في هذه الصورة أيضا قصور المقتضى على قرار ما تقدم في الصورة الاولى و يجرى على بيعه من اختصاص الثمن بالبطن الموجود أو تحصيل ما يقبل الوقف بذلك الثمن ما جرى على البيع في الصورة الاولى فلا نعيد.

(3) البعض هو صاحب الجواهر (ره) فإنه ذكر في وجه بطلان الوقف في صورة خراب الوقف ان من شرط الوقف كون العين مع بقائها صالحة لانتفاع الموقوف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 132

..........

______________________________

عليهم و هذا الشرط يكون مرعى في حدوث الوقف و بقائه و فيه انه لا دليل على اعتبار ما ذكر إلا في حدوث الوقف حيث ان الوقف في حقيقته تحريرى و تمليكى و صرفي و انتفاعى و لا يقتضي شي ء من ذلك تمام الوقف بالخراب على ما تقدم مثلا لا تخرج العين الموقوفة عن ملك البطن الموجود أو الطبيعي بمجرد سقوطها عن قابلية الانتفاع بها و كذلك في الوقف الانتفاعى فيما إذا لوحظ في الوقف الانتفاع و لو ببدلها.

و الحاصل ليس اشتراط الوقف بكون العين قابلة للانتفاع بها الا كاشتراط المالية في العوضين في البيع و إذا اشترى مالا و خرج بعد ذلك عن المالية لا يكون خروجه عنها موجبا لبطلان البيع و انحلاله و في المقام يكون سقوط العين الموقوفة عن الانتفاع المعتد به مع عدم إمكان علاجها لا يوجب

الا جواز بيعها و إبطال وقفيتها مطلقا كما في الوقف الخاص أو الى بدل كما في الوقف العام من الصرفى و الانتفاعى على ما مر.

و ألحق (ره) انعدام عنوان العين الموقوفة بصورة خرابها في انحلال الوقف كما إذا وقف بستانا فغار مائه و يبست أشجاره فإنه يبطل الوقف و بطلانه لانتفائه العنوان عن العين المنشأ لها الوقف بذلك العنوان.

و ربما يؤيد ذلك بما ذكروا من انه لو اوصى لزيد دارا و انهدمت الدار قبل موت الموصى بطلت الوصية و أورد المصنف (ره) على ما ذكر من ان انعدام العنوان بعد تمام الوقف ليس كانعدام عنوان المبيع بعدم تمام البيع كما لو اشترى بستانا و غار مائه و يبست أشجاره بعد ذلك فان ذلك لا يوجب انحلال البيع و خروج الأرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 133

..........

______________________________

و الأشجار اليابسة عن ملك المشترى.

و كذلك الأمر في الوقف و حتى في الوصية بعد تمامها و اما بطلانها بانعدام العنوان قبل موت الموصى فهو باعتبار أن متعلق التملك في الوصية هو البستان حال موت الموصى و لذا لا يعتبر وجود الموصى به حال الوصية و مع انعدام العنوان قبل موته لا يكون الموصى به و الى ذلك أشار (ره) من ان بطلان الوصية بانتفاء العنوان قبل موت الموصى من جهة أخرى لا من جهة اعتبار بقاء العنوان في بقاء الوصية أو الوقف.

أقول ما ذكره (ره) حسن فيما إذا كان العنوان المأخوذ مشيرا الى العين الخارجي فقط كما في قوله بعت هذه بكذا و اما إذا لو حظ مشيرا إليها و تحديد الوقف بما دام ذلك العنوان نظير العنوان المأخوذ في موضوعات الأحكام كما في قوله

أكرم كل عالم حيث ان عنوان العالم و ان يؤخذ عنوانا للخارج الا انه مع ذلك لو حظ تحديد الحكم به فلا محالة يرتفع الوقف بارتفاع العنوان و إذا قال وقفت هذا البستان على كذا ما دام كونه بستانا فبارتفاع العنوان عنه بالمرة يرتفع الوقف و يعود العين بعده الى ملك واقفها أى يكشف عن عدم جعل الملكية بعد ذلك للموقوف عليهم من الأول و لذا تدخل العين في ملك ورثة الواقف زمان موته لا ورثته في زمان زوال العنوان.

و إذا مات الواقف عن ولدين ثم مات أحد الولدين عن بنت فترث العين المزبورة البنت مع عمها بالمناصفة نظير ما سيأتي في غير هذا الفرض من الوقف المنقطع آخره أى العين الموقوفة التي تبقى بعد انتهاء الموقوف عليهم نعم فيما إذا تقم قرينة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 134

الصورة الرابعة ان يكون بيع الوقف أنفع (1)

______________________________

على تحديد الوقف بالعنوان نظير ما في المثال فمقتضى كون الوقف من قسم المعاملات كون العنوان مأخوذا لمجرد الإشارة إلى العين كما لا يخفى.

(1) المنسوب الى المفيد (ره) جواز بيع الوقف إذا كان أعود و أنفع للموقوف عليهم و زيادة النفع قد تلاحظ بالإضافة الى جميع الموقوف عليهم كما إذا يشتري بثمن الوقف عينا تكون وقفا على قرار العين الموقوفة و قد تلاحظ بالإضافة إلى البطن الموجود كما إذا قيل باختصاص الثمن للبطن الموجود.

و لكن لا يخفى انه إذا كان الدليل على جواز البيع في هذه الصورة رواية على بن جعفر بن حيان أو رواية الاحتجاج فمقتضاهما كون البيع أنفع بالإضافة إلى البطن الموجود بل مقتضى ما تقدم ان مع بيع البطن الموجود ينتهى التقدير الذي

جعل معه الملكية للبطن اللاحق على ذلك التقدير و لذا يختص الثمن بالبطن الموجود.

و مع الإغماض عن ذلك ما ذكر المصنف (ره) من ولاية البطن الموجود أو بائع الوقف على إسقاط حقوق البطون الآتية قبل بيعهم ليكون المبيع ملكا طلقا لهم فيباع لا يمكن المساعدة عليه فإنه من المحتمل ولايتهم على التصرف في الثمن الذي لا يكون ملكا طلقا لهم.

و تظهر الثمرة بين هذا و ما ذكره (ره) من صيرورة الوقف ملكا طلقا للبطن الموجود قبل بيعهم فيما لو انفسخ البيع المزبور لجهة فإنه يرجع الوقف الى حاله بناء على ما ذكرنا و الى البطن الموجود طلقا بناء على ما ذكره (ره) و ايضا لو كان للبطن الموجود الولاية على إبطال الوقف قبل بيعهم لبطل ملكيتهم للعين أيضا لأن ملكيتهم كانت بالوقف فترجع العين الى ملك الواقف كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 135

كما انه يمكن حمل اعتبار رضا الكل (1)

______________________________

و كيف ما كان فالصحيح عدم صحة بيع الوقف و عدم جوازه حتى في هذه الصورة باعتبار ضعف الروايتين سندا و دلالة على ما ستسمع.

(1) حاصله ان المستفاد من رواية جعفر بن حيان اعتبار اجتماع أمور ثلاثة في جواز بيع الوقف الأول حاجة الموقوف عليهم اى البطن الموجود و الثاني كون البيع أنفع لهم من بقاء الوقف بحاله الثالث اجتماعهم على البيع فلا يجوز لبعضهم بيع الوقف و لكن الأمر الثالث لا يعتبر في بيع الحصة و يحمل اعتبار الاجتماع على صورة بيع تمام الوقف فان هذا الحمل مقتضى الجمع بين هذه الرواية و رواية الاحتجاج المجوزة، لبعضهم بيع ما قدر عليه من حصته و انه لا يعتبر في نفوذ

هذا البيع اجتماع الموقوف عليهم على الرضا.

و بتعبير آخر رواية الجعفري دالة بالإطلاق على عدم نفوذ بيع البعض حتى في حصته و رواية الاحتجاج دالة على نفوذ خصوص بيع البعض حصته من الوقف فيرفع اليد عن الإطلاق بالثاني و يؤيد ذلك صدر رواية على بن مهزيار الآتية الدالة على اذنه (ع) في بيع حصته من الوقف مع كونها بعضا منه و يبقى اعتبار الأمرين الأولين.

و لا يمكن الاستدلال بالرواية على جواز بيع الوقف لمجرد كون بيعه أنفع للموقوف عليهم كما هو المفروض في الصورة الرابعة بل يمكن ان يقال بان مدلول الرواية جواز بيع الوقف لمجرد حاجة الموقوف عليهم و ليس كون البيع خيرا لهم شرطا في جوازه فان قوله (ع) و كان البيع خيرا لهم تمهيد لذكر الجواب و هو جواز البيع مع حاجتهم الى ثمنه و ليس من الشرط التعبدي و وجه ذكره تمهيدا أن الموقوف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 136

و مما ذكرنا يظهر الجواب من رواية الحميري (1)

______________________________

عليهم حيث لا يقدمون عادة على البيع فيما إذا لم يكن البيع أصلح بحالهم و لا يحصل لهم الداعي إلى البيع المزبور إلا في هذا الحال ذكر انه إذا كان البيع أصلح بحيث حصل لهم الداعي إلى البيع فلا بأس.

و الحاصل الشرط المزبور لا يكون قيدا لجواز البيع بل من قبيل فرض الداعي إلى البيع مع احتمال ان يراد بكون البيع خيرا لهم دفع حاجتهم التي فرضها السائل فتكون ظاهر الرواية أو محتملها جواز البيع مع حاجة الموقوف عليهم الى ثمنه و هذا غير الصورة الرابعة بل أمر لم يلتزم به أحد كما يأتي في الصورة الخامسة.

لا يقال رواية الجعفري

واردة في الوقف المنقطع للاقتصار فيها بذكر الأعقاب و لم يذكر فيها ان المال كان وقفا على فقراء المسلمين مثلا مع انقضاء الأعقاب ليكون وقفا مؤبدا فإنه يقال عدم ذكر ذلك لا يدل على الانقطاع بل كان على الامام عليه السلام الاستفصال في جوابه بين كون الوقف مؤبدا كما ذكر أم لا على تقدير الفرق بينهما في الحكم مع انه لا يمكن الالتزام بجواز بيع وقف المنقطع ايضا بمجرد حاجه البطن الموجود و لعله الى ذلك أشار (ره) بقوله فافهم.

(1) لا يخفى ان رواية الحميري ظاهرها جواز بيع الوقف فيما إذا لم يكن المال موقوفا على امام المسلمين و لم يؤخذ فيها قيد الحاجة بل لم يؤخذ فيه كون البيع أصلح بناء على إطلاق الذيل و عدم كونه في صدرها شرطا تعبديا فكيف يظهر الجواب عنها مما ذكره في رواية الجعفري و أيضا إذا فرض انه ليس كون البيع خيرا شرطا تعبديا لقضاء العادة بأن الإنسان لا يقدم على البيع إلا إذا كان أصلح لجرى ذلك في الحاجة أيضا فإن الإنسان لا يقدم عادة على بيع سكناه أو ضيعته إلا إذا كان محتاجا الى ثمنه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 137

..........

______________________________

فلا يكون الحاجة الى الثمن ككون البيع خيرا شرطا تعبديا مع ان الحاجة قد فرضت في السؤال و لم تؤخذ في الجواب ليوجب رفع اليد عن إطلاق الجواز الوارد في رواية الحميري.

و الحاصل ان مقتضى الروايتين جواز بيع الوقف فيما إذا لم تكن العين موقوفة على امام المسلمين مطلقا أو فيما كان البيع أصلح بحال البطن الموجود و لا يعتبر فيه حاجة الموقوف عليهم.

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما ذكر النائيني

(ره) من ان النسبة بين رواية الحميري و مثل رواية على بن راشد الدالة على عدم جواز بيع الوقف و شرائه هي التباين و لكن صورة الخراب خارجه عن مدلول رواية على بن راشد حيث تقدم جواز شراء الوقف في تلك الصورة و بعد إخراج تلك الصورة عن مدلولها تكون أخص مطلق بالإضافة إلى رواية الحميري فيرفع اليد بها عن إطلاق رواية الحميري و كذا رواية الجعفري بحملهما على صورة الخراب الوقف فتكون النتيجة عدم جواز بيع الوقف في غير صورة الخراب و جوازه فيها.

و وجه الظهور ان رواية على بن راشد في نفسها لا تعم صورة الخراب فكيف تكون النسبة بينها و بين رواية الحميري التباين ليعالج بما ذكر هذا أولا.

و ثانيا- انه لا يمكن حمل رواية الحميري على صورة خراب الوقف فان هذا الحمل لو لم يكن من حمل الإطلاق على الفرض النادر فلا أقل من كونه منافيا للتفصيل بين ما إذا كان الوقف على امام المسلمين و غيره كقوم من المسلمين فان جواز البيع في صورة خراب الوقف يعم كلا القسمين و رواية ابن حنان قد فرض فيها ثبوت الغلة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 138

..........

______________________________

للأرض الموقوفة.

و ثالثا- ان النسبة بين الروايتين العموم من وجه لأخذ خصوصية عدم الخراب في رواية على بن راشد المانعة عن بيع الوقف و أخذ خصوصية الوقف على غير الإمام في الرواية المجوزة فتتعارضان فيما إذا لم يخرب الوقف على غير الامام و بعد تساقطهما يرجع الى عموم حل البيع كما لا يخفى و اما صدر صحيحة على بن مهزيار الدالة على جواز بيع حصة الإمام (ع) من الوقف فلم يظهر منها ان

البيع المزبور بيع بعد تمام الوقف كما يأتي.

و عن بعض الأجلة انه يحتمل ان يكون البيع الأرض المفروضة في رواية جعفر ابن حيان على القاعدة بان لا يكون المراد من وقف الغلة الوقف المصطلح فإنه لم يفرض في الرواية وقف الأرض ذات الغلة بل ذكر فيها وقف الغلة و كما يحتمل ان يكون المراد بالغلة الأرض ذات الغلة يحتمل ان يراد بالوقف معناه اللغوي أي الإسكان و الإيقاف عليهم بأن يعين المالك الغلة على قرابته من امه و أبيه و بعد إخراج مقدار منها يقدر بثلاثمائة درهم على الآخر الذي لا قرابة بينه و بين الواقف.

و الحاصل ان الوقف بمعناه اللغوي يصح نسبته إلى الغلة و المنفعة و ما ذكر في الرواية رجل وقف غلة له على قرابته اما ان يراد به الوقف المصطلح بان يحمل الغلة على الأرض ذات الغلة حيث ان المنفعة بنفسها غير قابلة للوقف و اما ان يراد من وقف الغلة معناه اللغوي و يؤيد ذلك ما في نسخة التهذيب أوقف غلة له و الإيقاف كما قيل بان استعماله في الوقف المصطلح قليل و ما في قوله من غلة الأرض التي وقفها يحتمل ان يكون (التي.) وصفا للغلة لا الأرض و من في قوله (يرد ما يخرج من الوقف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 139

..........

______________________________

بيانا لما يخرج و على ذلك يكون بيع الأرض مع هذا الإيقاف اللغوي على القاعدة و يرجع الموصى له إلى المشتري بمقدار حقه أو يشترط البائع على المشترى دفع حقه إليه.

أقول ان كان المراد من وقف الغلة أو إيقافها الإيقاف الخارجي بان هيأ حال حياته أرضا ذات غلة و تركها لتكون غلتها في

تناول يدي قرابته من أبيه و امه مع الوصية ببعض الغلة للآخر يكون المراد بالغلة ايضا الأرض ذات الغلة و انه لا وجه للسؤال بذلك التعبير بل المناسب ان يقول رجل ترك أرضا ذات غلة و اوصى من غلتها للآخر هذا مع ان التعبير عن الوقف المعروف بالإيقاف غير عزيز فلا حظ حسنة على بن راشد المتقدمة حيث ذكر سلام اللّٰه عليه ادفعها الى من أوقفت عليه و ان كان المراد الإيقاف المعاملي فلا نتصور تلك المعاملة إلا الحبس المعروف بالعمرى و الوصية و الوقف بمعناه المعروف.

و الحبس المعروف بالعمرى لا يلائم ما في ذيلها من تجويز البيع بعد انقضاء الموصى له و عقبه لورثة قرابة الميت ان لم يكفهم الغلة حيث ان ذكر عدم كفاية الغلة قرينة على ان المراد من الورثة الورثة للقرابة من أبيه و امه لا ورثة نفس الميت و لو كان الأرض ذات الغلة حبسا كما ذكر لكان البائع ورثة نفس الميت اى و لو كانوا ورثة ورثته.

و ارادة الوصية من الوقف بقرينة التفصيل بين قرابة الميت من أبيه و امه و الآخر الأجنبي في التعبير غير مناسب أضف الى ذلك ما في الرواية من موارد الظهور في الوقف المعروف كقوله يرد الى ما يخرج من الوقف و كون التي وقفها وصفا لنفس الأرض.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 140

و هذا أقل مراتب الفقر الشرعي (1) السادس ان يشترط الواقف بيعه عند الحاجة (2)

______________________________

(1) ذكر في السؤال حاجة الموقوف عليهم و عدم كفاية الغلة لهم و الظاهر ان الثاني بيان لحاجتهم و ان المراد عدم كفايتها لمؤنة سنتهم فتكون ظاهر الجواب جواز بيع العين الموقوفة مع فقر

الموقوف عليهم و إمكان علاجه بالبيع المزبور و اما الحاجة الشديدة المعبر عنها بالاضطرار العرفي فمعى أمر آخر غير الفقر الشرعي و النسبة بينهما عموم من وجه و من الظاهر ان الدليل على ثبوت الحكم لعنوان يكون النسبة بينه و بين الآخر العموم من وجه لا يقتضي ثبوت ذلك الحكم لذلك العنوان الآخر و المتحصل انه لا يمكن إثبات جواز بيع العين الموقوفة في الصورة الخامسة كالرابعة و الثالثة.

(2) الظاهر ان المراد اشتراط الواقف ان يبيع الموقوف عليهم العين الموقوفة عند حاجتهم الى ثمنه و اما إذا كان الشرط بيع الواقف العين لنفسه عند حاجته الى ثمنه فان كان وقفه بعنوان الصدقة كما إذا كان بقصد القربة فلا ينبغي الريب في بطلان شرطه فان كل ما كان بقصد القربة فلا يجوز الرجوع فيه سواء كان بالإنشاء أو بالفعل و من الفعل البيع المشترط.

بل يمكن ان يقال بطلان الوقف مع الاشتراط المزبور كما ربما يستظهر من صحيحة ابن الفضل الهاشمي قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حال حياته في كل وجه من وجوه الخير قال ان احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحق به ترى ذلك له و قد جعله للّٰه يكون له حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة قال يرجع ميراثا على أهله أضف الى ذلك عدم إحراز صدق عنوان الوقف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 141

..........

______________________________

مع الاشتراط المزبور ليعمه قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و بهذا يظهر الحال فيما إذا لم يكن مع الاشتراط المزبور قصد القربة.

و الحاصل مع عدم إحراز صدق عنوان الوقف يؤخذ باستصحاب بقاء المال

في الملك و هذا بخلاف صورة اشتراط البيع للموقوف عليهم في بعض الموارد فان الاشتراط لا ينافي الوقف كما يظهر ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الاتية الواردة في الوقف بينبع.

و اما إذا كان اشتراط البيع للموقوف عليهم مطلقا بان يبيعوا العين في أي زمان شاؤا فلا يبعد منافاته لأصل الوقف ايضا خصوصا فيما إذا لم يكن فيه قيد كون البدل وقفا أو شراء البدل فإن حقيقة الوقف في حدوثه يتقوم باشتراط إبقاء العين بحيث لا ينافيه الاستثناء في بعض الموارد.

و على تقدير الإغماض عن ذلك يكون اشتراط البيع كذلك منافيا لقوله (ع) لا يجوز شراء الوقف و لا يفيد مع النهي الوضعي مثل قوله (ع) المؤمنون عند شروطهم فإنه لا يعم الا الالتزام و الإلزام بين الطرفين مطلقا أو لم يكن ابتدائيا كما إذا كان في ضمن عقد و الوقف لا يكون من العقد و لا الشرط فيه بمعنى الإلزام و الالتزام من الطرفين و لا قوله الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها فإنه مقيد بما إذا لم يكن إنشاء الوقف على نحو غير مشروع و إنشائه بحيث جاز بيعه و شرائه وقف بوجه غير مشروع كما هو مقتضى قوله (ع) لا يجوز شراء الوقف و على الجملة لا يرفع اليد عن النهى بيع الوقف الا فيما كان الاشتراط للموقوف عليه بمنزلة الاستثناء عما يقتضيه الوقف في بعض الموارد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 142

قوله و الا فلا (1).

فإن أراد بيع نصيبا من المال (2)

______________________________

(1) يعني إذا لم يكن شرط البيع في موارد يجوز بيع الوقف فيها بلا اشتراط فلا يصح لا الشرط و لا الوقف بل لا يقع التصرف

المزبور حبسا ايضا و الوجه في عدم وقوعه حبسا ان مورد الحبس يبقى المال في ملك الحابس و يكون للمحبوس له ملك الانتفاع و إلزام الواقف في الفرض بشراء البدل ينافي بقاء المال على ملكه باعتبار ان ظاهر شرط شراء البدل فرض خروج المال عن ملكه و الحاصل لا يكون التصرف المزبور وقفا لبطلانه ببطلان شرطه و لا يقع حبسا لما ذكر.

أقول عدم وقوع الحبس باعتبار عدم قصده و الا شرط شراء البدل ليكون وقفا على قرار المبدل لا ينافي بقاء المال على الملك كما في الوقف الانتفاعى.

(2) ظاهره ارادة بيع بعض الوقف فتكون الرواية دليلا على جواز اشتراط بيع الوقف للبطن الموجود و حمله على ارادة بيع بعض ثمرته ضعيف فإنه لو كان المراد بيع ثمرة الوقف و صرف ثمنه في أداء دينه لكان الأنسب أن يقول فإن أراد ان يقضى به دينه فلا حرج عليه فالعدول- عن المصير الى الاسم الظاهر أى النصيب من المال مع ذكر البيع بقرينة ما قبله من ان يقوم على ذلك الحسن بن على و يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يريد اللّٰه في حل محلل لا حرج عليه- ظاهره ارادة بيع الوقف.

و كذا قوله فبدا له ان يبيعها فليبعها حيث ان الضمير يرجع الى دار الصدقة و احتمال رجوعه الى داره (ع) ضعيف لان جواز بيع الحسن (ع) داره لا يحتاج الى الاشتراط عليه أضف الى ذلك اشتراط تقسيم ثمنها أثلاثا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 143

و التأويل مشكل (1) الصورة السابعة أن يؤدي بقائه إلى خرابه (2)

______________________________

(1) فإن الرواية ظاهرها وقف الأموال المزبورة لا الوصية بها و يفصح عن ذلك قوله (ع) و

ان الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا حيث انه لو كانت وصية لكانت صدقة واجبة بعد مماته (ع) فقط.

و المتحصل ان الرواية ظاهرها الوقف العام الصرفى و قد اشترط فيه للمتولي الاذن في بيع نصيب من المال حينما أراد به قضاء الدين أو مطلقا كما هو ظاهر قوله (ع) و ان شاء جعله سرى الملك أو شروى الملك و لا يبعد التعدي إلى الوقف الخاص لعدم احتمال الفرق بل إلى صورة اشتراط بيع تمام الوقف و تملكه لما ذكرنا من عدم احتمال الفرق كما لا يخفى.

(2) الصورة السابعة و هي صورة الخوف من أداء بقاء الوقف و عدم بيعه الى خرابه مستقبلا بان علم ذلك أو ظن سواء كان ذلك للاختلاف بين الموقوف عليهم أو لأمر آخر و المراد بالخراب اما سقوط العين الموقوفة عن المنفعة المعتد بها أو ما يعم نقص المنفعة.

و اما إذا كان الخراب غير موجب لسقوطها عن المنفعة المعتد بها بان فرض الانتفاع بها بوجه آخر كما إذا كان الوقف قبل خرابه بستانا و بعد خرابه تصير ارض زراعة لا تقل منفعتها عن منفعة البستان لم يجز بيعه نعم لو قيل بان زوال عنوان الوقف يوجب انتهاء الوقف كما تقدم عن صاحب الجواهر (ره) جاز بيعها.

و الصورة الثامنة وجود الاختلاف بين الموقوف عليهم المؤدى مع بقاء الوقف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 144

..........

______________________________

و عدم بيعه الى تلف المال أو النفس علما أو ظنا أو احتمالا و الفرق بين الصورتين ان الصورة السابعة لم تؤخذ فيها خصوصية الاختلاف بين الموقوف عليهم و لكن أخذت خصوصية العلم أو الظن بخراب الوقف مستقبلا و

في الصورة الثامنة أخذت خصوصية اختلاف الموقوف عليهم و لكن لم يؤخذ الأداء الى خراب خصوص الوقف بل المخوف فيها تلف المال كان مال الوقف أم غيره بل لم يؤخذ خصوص تلف المال بل يعم تلف النفس كما لم يؤخذ خصوص العلم أو الظن بل ما يعم احتمال التلف.

الصور التاسعة ان يكون بين الموقوف اختلاف يؤدى مع بقاء الوقف و عدم بيعه الى ضرر كثير سواء كان الضرر ضرر العرض أو النفس.

الصورة العاشرة ان يكون بقاء الوقف و عدم بيعه موجبا للفساد و الخلاف بين الموقوف عليهم بحيث يكون الاختلاف و الفساد مظنة تلف النفوس و استباحتها.

و ذكر (ره) انه لو كان بقاء الوقف و عدم بيعه في هذه الصورة مؤديا إلى خراب الوقف بحيث لا يكون له منفعة معتد بها بان يكون ساقطا عن المنفعة رأسا فلا يبعد جواز بيعه و اما في غير ذلك فلا و الوجه في جواز بيعه في الصورة المزبورة فلان بيعه لا ينافي وقف الواقف و غرضه كما لا ينافيه الأدلة الشرعية و لا حقوق البطون الآتية المعبر عنها فيما تقدّم بحق الواقف و حق البطون و حق الشارع اما عدم منافاته لوقف الواقف و غرضه فان عرضه الانتفاع بالعين و إذا أحرز انه لا يمكن الانتفاع بالعين مستقبلا و دار الأمر بين عدم الانتفاع لا بشخصها و لا بنوعها بان يبقى الوقف، بحاله حتى يخرب أو ينتفع لا بشخصه بل بنوعه بان بيع بما يبقى لانتفاع البطون فإن الثاني أقرب الى غرض الواقف و وقفه و الأدلة الشرعية المانعة عن بيع الوقف ايضا لا تعم الغرض لعدم تمام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 145

..........

______________________________

الإجماع

فيه على عدم جواز البيع و الرواية المانعة منصرفة إلى غيره كما مر في بيان جواز البيع في الصورة الاولى.

ان قلت ما الفرق بين هذا الفرض و الصورة الأولى قلت كان المفروض في الصورة الاولى عدم وقوع البيع قبل الخراب و إمكان بيع الوقف بعد خرابه و شراء ما يصلح لكونه وقفا و المفروض في هذه الصورة إمكان البيع قبل خراب الوقف و إمكان شراء البدل بما ينتفع به البطون بحيث لا يمكن بيعه و شراء البدل و تحصيل البدل بعد الخراب.

أقول لو كان الوقف بحيث لا يمكن بيعه بعد الخراب أو كان البدل المشترى به بعد الخراب مما لا يكون له نفع معتد به فلا ينبغي الإشكال في جواز بيعه في آخر أزمنة إمكان بيعه و شراء البدل فيما إذا كان الوقف من وقف العام سواء كان صرفيا أو انتفاعيا فان المفروض فيه قيام القرينة العامة على شرط بقاء الوقف مهما أمكن على ما تقدم و اما إذا أمكن البيع و شراء البدل بعد الخراب ايضا و لو كان البدل قليل المنفعة بالإضافة إلى العين الموقوفة حال عمارتها فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق قوله (ع) لا يجوز شراء الوقف بل قوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و اما الوقف الخاص فان كان الخراب المترقب في زمان البطن الموجود بحيث لا يمكن بيعه بعد فعلية الخراب جاز بيعه في آخر أزمنة إمكانه و يصير الثمن ملكا للبطن الموجود حيث تقدم ان لهم نفى التقدير الذي جعل معه الملك للبطن اللاحق مع فعليه الخراب و يجرى ذلك الوجه في الفرض و اما إذا كان الخراب المترقب في زمان البطن اللاحق فلا موجب معه لرفع

اليد عن إطلاق قوله (ع) الوقوف على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 146

مع عدم فوت الاستبدال فيه (1) لو دار الأمر (2) بين بيعه و الإبدال به لا يخلو أولهما عن قوة (3)

______________________________

حسب ما يوقفها أهلها و قوله (ع) لا يجوز شراء الوقوف فتدبر جيدا.

(1) يعني إذا فرض إمكان بيع الوقف و استبداله بعين أخرى في زمان لا يمكن بعده البيع و لا الاستبدال فالجواز ظاهر و اما إذا فرض إمكان البيع في ذلك الزمان و لكن لا يمكن شراء البدل فيه بحيث لو أريد شراء البدل فلا بد من وقوع البيع قبل ذلك الزمان ففي تقديم جانب البطون بتقديم البيع إشكال.

أقول قد ظهر مما تقدم عدم الإشكال في تقديم البيع في الوقف الصرفى أو الانتفاعى للزوم إبقاء الوقف مهما أمكن و لو بنوعه و اما في الوقف الخاص فلا يقدم البيع على ما ذكر.

(2) قد تقدم أنه إذا دار الأمر بين صرف منافعه على عمارته لتبقى العين للبطون أو صرفها على البطن الموجود فالأظهر صرفها لعمارته خلافا للمصنف (ره) حيث رجح الثاني و وجه ما ذكرنا أن ظاهر الوقف هو ان للموقوف عليهم المقدار الباقي من حاجة الوقف.

(3) يعنى لو جاز بيع الوقف في غير سقوط العين عن الانتفاع لما أجاب (ع) في رواية على بن راشد بعدم جواز شراء الوقف بلا استفصال و الوجه في ذلك انه لو كان في البين مجوز آخر لبيعه غير خرابه يكون للمشتري الشراء مع احتماله ذلك المجوز حملا لفعل البائع على الصحة و لكن على الامام (ع) الاستفصال عن احتماله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 147

حيث انه يمكن الاستدلال

للجواز (1)

______________________________

ذلك المجوز و عدمه فحكمه (ع) بعد الجواز من غير استفصال مقتضاه عدم جواز بيع الوقف المعمور.

لا يقال لو تم لكان مقتضيا لعدم جواز بيع الوقف المعمور حتى في صورة إحراز خرابه مستقبلا فان مع عدم خرابه فعلا و وجود الغلة له يدخل في ظاهر النهى عن الشراء فإنه يقال نعم و لكن قد تقدم جواز البيع مع اشتراط البائع و القرينة العامة في الوقوف العامة على إبقاء الوقف مهما أمكن مساوق لاشتراط بيعه في آخر أزمنة إمكان البيع و الاستبدال على ما تقدم.

(1) المراد بالقسم الثاني من الصورة السابعة كون بقاء الوقف و عدم بيعه مؤديا علما أو ظنا الى خرابه بمعنى قلة منفعته كما أن المراد بالقسم الأول ما إذا كان بقائه مؤديا كما ذكر الى سقوطه عن الانتفاع رأسا بحيث لا يبقى لها منفعة معتد بها.

و قد أورد (ره) على دلالة المكاتبة على جواز بيع بيع الوقف في القسم الثاني المزبور بأمور: الأول- أن المدعى في ذلك القسم جواز بيع ما إذا علم أو ظن أداء بقائه إلى خرابه كما هو تصريح بعض و ظاهر تعبير بعض آخر عنه بخوف الخراب و الخوف كما يظهر من كلماتهم و موارد استعمالاتهم لا يصدق بمجرد الاحتمال ما لم يكن في البين امارة كما في خوف الضرر في وجوب الإفطار و حرمة السفر مع خوف الهلاك الى غير ذلك مع ان الموارد في الرواية لفظ ربما و ظاهره، يعم الاحتمال حتى ما إذا كان ضعيفا.

الثاني- انه على تقدير كون المراد بالمال في الرواية الوقف فظاهر تلفه سقوطه عن الانتفاع رأسا كما هو القسم الأول من الصورة السابعة فلا تعم الرواية القسم الثاني.

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 148

و اما تقريب الاستدلال بالمكاتبة (1)

______________________________

الثالث- ان ظاهر تلف المال في مقابل تلف النفس تلف مطلق المال سواء كان هو الوقف أو غيره فيكون مقتضى الرواية جواز بيع الوقف تحفظا للمال الآخر و هذا غير المدعي.

أقول الخوف كما يظهر للراجع الى وجدانه حاله يحصل للنفس بمجرد الاحتمال أيضا غاية الأمر قد لا يكون مجرد الخوف موجبا للحكم كما في السفر المخوف فيه هلاك الشخص فإنه لو كان بمجرده موجبا لحرمته لا يبقى في البين سفر حلال يوجب القصر الا نادرا و يكون ذلك قرينه على كون المراد به السفر الذي فيه أمارة موجبة للظن بالهلاك كما لا يخفى.

(1) الصورة الثامنة ما إذا كان بين الموقوف عليهم خلاف بحيث يخاف تلف المال أو النفس في صورة بقاء الوقف و عدم بيعه و الوجه في جواز البيع فيها ظهور المكاتبة في اعتبار الاختلاف الخاص و جواز البيع معه لان الوارد فيه و ان كان جواز البيع مع اختلاف الموقوف عليهم الا ان تعليل الجواز بأنه ربما يجي ء في الاختلاف تلف المال و النفس مقتضاه تقييد الاختلاف بالاحتمال المزبور.

و فيه ان قوله (ع) ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و النفوس أمره دائر بين حمله على التعليل أو على التقريب و بيان الحكمة لجواز البيع مع الاختلاف و لو حمل على التعليل فمقتضاه عدم الخصوصية للاختلاف بل كل ما كان مع بقاء الوقف احتمال تلف المال و النفس من الموقوف عليهم أو غيرهم و أمكن علاج ذلك ببيع الوقف جاز و لو حمل على بيان الحكمة و التقريب فلا يكون في البين تقييد للاختلاف حيث ان الحكمة للحكم لا يكون مقيدا له.

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 149

و مما ذكرنا يظهر تقريب الاستدلال على الصورة التاسعة (1) و اما تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة (2)

______________________________

و يظهر الحمل على الحكمة من كلام الشهيد (ره) في الروضة فإنه ذكر بما حاصله انه لا يعتبر في جواز بيع الوقف الاختلاف الخاص أى الاختلاف الذي يكون فيه احتمال تلف المال أو النفس بل يجوز بيعه مع اختلافهم مطلقا باعتبار ان في الاختلاف بحسب نوعه خوف تلف المال و النفس و لا ينظر إلى أشخاصه و كيف ما كان فشي ء من الحملين لا يناسب فرض الصورة الثامنة كما لا يخفى.

(1) الصورة التاسعة ما إذا كان بين الموقوف عليهم اختلاف يؤدى ذلك الاختلاف مع بقاء الوقف الى ضرر عظيم سواء كان مال الوقف أو غيره و استفادة الجواز في هذه الصورة من المكاتبة مبنى على تقييد الاختلاف فيها بما ذيلها من قوله (ع) فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال الأموال و الأنفس.

و لكن يرد على ذلك ايضا انه ان كان الذيل تعليلا فلا بد من إلغاء الاختلاف و الالتزام بجواز بيع الوقف كلما كان بقائه مؤديا إلى تلف المال أو النفس و مع عدم كونه تعليلا بل تقريبا لجواز بيع الوقف مع الاختلاف فلا بد من الالتزام بجواز- بيع الوقف مع اختلاف الموقوف عليهم كان مؤديا إلى التلف المزبور أم لا.

(2) الصورة العاشرة ما إذا لزم من بقاء الوقف و عدم بيعه فساد يستباح منه الأنفس و وجه استظهار جواز بيعه في الفرض من المكاتبة هو ان ضم تلف الأنفس فيها الى تلف المال باعتبار ان خوف تلف الأنفس يقارن غالبا تلف المال لا لكون تلف المال محوزا بنفسه.

إرشاد

الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 150

لا مطلق الاختلاف لان الذيل مقيد (1)

______________________________

و لكن لا يخفى ان مدلول الرواية على ما ذكر جواز علاج كل فتنة موجبة للاستباحة المزبورة ببيع الوقف و لو لم تكن الفتنة بين الموقوف عليهم و ظاهر الصورة العاشرة وقوع الفساد بينهم كما ان ظاهر الرواية كفاية الاختلاف الذي يحتمل فيه مع بقاء الوقف الاستباحة المزبورة و المفروض في الصورة العاشرة كون بقاء الوقف ملازما لذلك الفساد لا امرا محتملا.

أضف الى ذلك ذكر استباحة الأموال مع استباحة النفوس باعتبار تقارن الأول بالثاني نوعا خلاف ظاهر الرواية بل ظاهرها كون احتمال كل من الضررين مجوزا لبيع الوقف.

(1) يعنى يكون الموجب لجواز البيع بحسب ظهور الرواية هو الاختلاف الموجب لتلف المال أو النفس علما أو ظنا أو احتمالا لا الاختلاف مطلقا و الوجه في تقييد الاختلاف بذلك ليس حمل قوله (ع) (فإنه ربما جاء في الاختلاف.)

على التعليل الحقيقي ليقال ان لازمه اعتبار كل فتنة يكون فيها احتمال تلف المال أو النفس بل لان الذيل بحسب المتفاهم العرفي يكون تقيدا للاختلاف و ان الموضوع لجواز البيع هو الاختلاف الخاص.

و على ذلك تكون النسبة بين فتوى المشهور و مضمون الرواية العموم من وجه لان فتاويهم تعم ما إذا كان في بقاء الوقف مع الاختلاف خوف خراب الوقف بمعنى قلة نفعه و الرواية لا تعم الا تلف المال أو النفس كما ان فتاواهم لا تعم ما إذا كان في بقاء الوقف مع الاختلاف مجرد احتمال التلف و لكن الرواية تعمه فتجتمعان في الاختلاف المؤدى علما أو ظنا الى تلف العين الموقوفة و تفترقان في الاختلاف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 151

أو غير ذلك من الاحتمالات في الفقرتين (1)

______________________________

المؤدى علما أو ظنا الى نقص منفعة الوقف في الاختلاف المؤدي إلى تلف المال أو النفس بنحو الاحتمال.

(1) الفقرة الأولى قوله (ع) ان كان علم الاختلاف بين أرباب الوقف ان يبيع الوقف أمثل حيث يحتمل في هذه الفقرة ان يكون المراد الاختلاف مطلقا أو الاختلاف الخاص و الفقرة الثانية قوله (ع) فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال و الأنفس حيث يحتمل كونه تعليلا حقيقة أو تقييدا أو مجرد تقريب للحكم و المتحصل من كلماته (ره) ان في دلالة المكاتبة على جواز بيع الوقف بعد تمامه تأملا و على تقدير دلالتها في الأخذ بها اشكالا و قد تعرض (ره) للإشكالات في الدلالة و للإشكالات في الأخذ بها في طي الكلمات السابقة.

أقول لا يوجب شي ء مما ذكر الخلل في ظهور المكاتبة في جواز بيع الوقف بعد تمامه لدفع الاختلاف أو تفاقمه الموجب و لو احتمالا لتلف الأموال و الأنفس و ظاهر السؤال هو الوقف المعروف لا الحبس الذي تبقى العين في ملك الحابس و يكون للمحبوس له الانتفاع أو المنفعة في مدة معينة أو ما دام حياة أحدهما.

و يشهد لذلك السؤال عن بيعها و دفع ثمنها الى الموقوف عليهم بمقدار حصصهم من الوقف حيث ان الثمن في الحبس يختص بالحابس و لا يدفع الى المحبوس له و عدم ذكر العقب في الوقف لا يدل على ارادة الحبس بل عدم تعرض السائل لذكره لعدم الحاجة الى ذكرهم حيث ان غرضه السؤال عن بيعه و دفع ثمنه الى البطن الموجود و حملها على الوقف قبل تمامه بالقبض غير صحيح فإنه ينافيه تجويز البيع في الجواب بلا استفصال عن حصول القبض و

عدمه بل بما انه (ع) قد فهم من السؤال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 152

[و اما الوقف المنقطع]

و اما الوقف المنقطع و هووقف على ملا ينقرض (1)

______________________________

ان قد جعل لنفسه التولية كما هو ظاهر قول السائل و ليس يأمن أن الخلاف بعده اى بعد حياته القضاء تصديقه للوقف لم يستفصل عن حصول القبض حيث يكفى فيه قبض المتولي على ما يشهد به مثل صحيحة صفوان بن يحيى المتقدمة كما لم يستفصل عن وجه تصديقه لبيع الوقف مع ان الواقف يصير بالوقف أجنبيا عن العين الموقوفة.

و اما بالإضافة إلى حصة الإمام فيمكن ان لا يجعل التولية لنفسه بالإضافة اليه و لذا سأل أولا عما يصنع بخمس الضيعة أو جعل لنفسه التولية بالإضافة إليه أيضا و سأل عن جواز بيعها و كان عند الامام (ع) مجوز لبيعها كحاجته (ع) الى الثمن أو غير ذلك و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) و هل يصح الوقف المنقطع و هو الذي يوقف المال فيه على من يكون معرض الانقضاء و الانتهاء كوقف البستان على زيد و عقبه فالأظهر صحته بشهادة صحيحة محمد بن الصفار قال كتبت الى ابى محمد (ع) اساله عن الوقف الذي يصح كيف هو فقد روى ان الوقف إذا كان موقتا فهو باطل مردود على الورثة و ان كان موقتا فهو صحيح ممضى و قال قوم ان الموقت هو الذي يذكر أنه وقف على فلان و عقبه فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين الى ان يرث اللّٰه الأرض و من عليها و قال آخرون هذا موقت إذا ذكر انه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين الى ان يرث اللّٰه

الأرض و من عليها الى ان قال (ع) في الجواب الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

و اما تحديد الوقف بالزمان كقوله وقفت هذا البستان لزيد عشر سنوات فإن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 153

..........

______________________________

أريد به الحبس الآتي فيصح حبسا و الا بطل و ذلك لاعتبار التأبيد في تحقق عنوان الوقف و المراد بالتأبيد عدم تحديده بالزمان بان لا يكون بعد ذلك الزمان وقفا فإنه لو لم يكن ذلك محرزا فلا أقل من احتماله و اما التأبيد بمعنى بقاء الوقف الى ان يرث اللّٰه الأرض و من عليها فهو غير معتبر كما هو ظاهر الصحيحة و غيرها.

ثم أنه هل يدخل هذا القسم من الوقف في ملك الموقوف عليهم مستقرا بحيث تكون العين بعد انقراض الأخير من الموقوف عليهم لوارثه و مع عدم الوارث له للإمام (ع) حيث انه وارث من لا وارث له أو تكون ملكه غير مستقر يثبت ما دام كون الموقوف عليه موجودا أو تكون بعده للواقف أو ورثته أو يبقى العين من الأول على ملك واقفه و لا يبعد الثاني و ذلك فان كون العين ملكا للموقوف عليهم مقتضى إنشاء الوقف بالصدقة حتى في الوقف على الأشخاص كما تقدم في بعض الروايات و يؤيده عدم وجدان الفرق بين الوقف المؤبد و المنقطع في مدلول الوقف و لو كان الوقف في المؤبد تمليكا كان كذلك في المنقطع.

و وجه عدم استقرار الملك ان الموقوف عليهم كما تقدم بيانه سابقا يتلقون الملك من الواقف و لا يكون تلقى كل طبقة عن سابقه على حد الإرث و على ذلك ففيما كان عقب زيد منقضيا في طبقة فلا تكون الملكية المجعولة لتلك الطبقة مطلقة

بل مقيدة كالطبقات السابقة بما دام حياتهم فالملكية بعد ذلك باقية للواقف لم يجعلها لأحد فإن الملكية المجعولة بالإضافة إلى الطبقة الأخيرة كالمجعولة لما قبلها بحسب ظهور قول الواقف وقفت على زيد و عقبه بطنا بعد بطن موقتة و محدودة بما دام حياة البطن اللهم الا ان يقال تحديد الملكية لبطن بما دام حياته باعتبار ان ملكية العين بعده مجعولة لبطن آخر و إذا فرض في بطن عدم ملكية البطن الآخر بعده و لو باعتبار انقضاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 154

..........

______________________________

البطون تكون الملكية لذلك البطن مطلقة و يؤيد ذلك ما تقدم من ظهور الروايات من ان الثمن على تقدير بيع العين الموقوفة يكون ملكا للبطن الموجود و يمكن منع التأييد فإنه لم يثبت بيع الوقف إلا في موارد.

منها الاختلاف بين الموقوف عليهم و يكون اختصاص الثمن فيه بالبطن الموجود بالنص أو باعتبار وقوع البيع عن الواقف المتولي و إرادته دفع الثمن إليهم.

و منها موارد اشتراط الواقف بيع الوقف لبطن و صرف ثمنه في ضرورتهم و هذا باعتبار نفوذ الشرط و كون الوقف على حسب ما يوقفها أهلها.

و منها مورد الخراب و لم يثبت فيه اختصاص الثمن بالبطن الموجود و لذا ذكرنا ان الأحوط فيه اشتراء البدل مهما أمكن و الحاصل انه لو شك أيضا في جعل الملكية المطلقة للبطن الأخير بحيث تنتقل العين الموقوفة إلى وارثهم و لو كان الوارث الامام (ع) فالأصل عدم جعل تلك الملكية لهم و لا يعارض باستصحاب بقاء العين في ملكهم لانقضاء الملكة بموت البطن الأخير قطعا سواء كان بالإرث أو بنحو انقضاء البطن كما لا يخفى.

و عن المحقق القمي (ره) انه التزم بان الوقف

المنقطع يقع حبسا و المراد بالحبس إبقاء المالك العين على ملكه و تمليك المنفعة منها للمحبوس له أو جعل الانتفاع منها له و ان قيد ذلك بما دام عمر المحبوس له أو ما دام حياته أو بزمان خاص فهو و ان جعل مطلقا يلزم ما دام حياة الحابس.

و وجه التزامه ان الوقف المنقطع لا يقع وقفا لاعتبار التأبيد في تحقق عنوان الوقف و المراد بالتأبيد جعل العين للموقوف عليهم الى ان يرث اللّٰه الأرض و من عليها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 155

..........

______________________________

و اما وقوعه حبسا فاستشهد بصحيحة عمر بن أذينة قال كنت شاهدا عند ابى ليلى و قضى في رجل جعل لبعض قرابته غلة داره و لم يوقت وقتا فمات الرجل فحضر ورثته ابن ابى ليلى و حضر قرابته الذي جعل له غلة الدار فقال ابن ابى ليلى ارى ان أدعها على ما تركها صاحبها فقال محمد بن مسلم الثقفي اما ان على بن أبي طالب قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت فقال و ما علمك فقال سمعت أبا جعفر بن محمد بن على (ع) يقول قضى على (ع) برد الحبيس و إنفاذ المواريث فقال له ابن ابى ليلى هذا عندك في كتابك قال نعم قال فأرسل و ائتني به فقال له محمد بن مسلم على ان لا تنظر من الكتاب الا في ذلك الحديث قال لك ذلك قال فاحضر الكتاب و أراه الحديث عن ابى جعفر (ع) في الكتاب فرد قضيته.

أقول كان في نسخته (ره) و لم يوقف وقفا و فهم منه ان الجعل إذا لم يكن وقفا يكون حبسا و فيه ما لا يخفى فان الحبس

كسائر العقود و الإيقاع يحتاج الى القصد و مع عدمه بإرادة تمليك العين كما هو الفرض لا يتحقق الحبس و الرواية ظاهرة في إرادة الحبس مطلقا المحكوم بعود العين معه الى ملك الحابس بموته كما لا يخفى.

لا يقال إذا كان الوقف المنقطع بقصد التقرب فكيف يلتزم بعود الملك الى الواقف و انتقاله الى ورثته حين موته مع ما دل على ان ما كان للّٰه لا يرد فإنه يقال معنى عدم رده عدم إرجاع العين بفسخ المعاملة الواقعة بقصد التقرب و اما إرجاعها بعد انتهاء أمد المعاملة فلا يدخل في مدلول ذلك الدليل كما لو تصدق بمنفعة داره الى سنتين فبعد انقضاء المدة لا تكون استرجاع الدار منافيا له و بهذا يظهر الحال في الحبس بقصد القربة فتدبر جيدا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 156

و في جوازه للواقف مع جهالة استحقاق الموقوف عليهم إشكال (1)

______________________________

(1) أقول لا يبعد جواز بيع الدار التي يسكنها المطلقة بالأقراء باعتبار أن جهالة مدة عدتها مع عدم اختلافها بكثير لا يوجب اتصاف البيع بكونه غرريا و اما في مثل المقام فلا ينبغي التأمل في صدق الغرر في البيع باعتبار الجهل بزمان استحقاق تسلم العين بمنافعها مع احتمال الاختلاف فيه بفاحش و لا يقاس مورد الكلام ببيع الدار مع كونها مستأجرة في جواز البيع غاية الأمر يثبت الخيار لمشتريها مع جهله بالحال لان مورد الإجارة باعتبار معلومية زمان الإجارة لا يوجب غررا في البيع بخلاف المقام و لكن مع ذلك دليل النهى عن بيع الغرر لا يزيد على سائر العمومات و المطلقات التي يرفع اليد عنهما بالخاص ان المقيد.

و ما رواه المشايخ في الصحيح عن الحسين بن نعيم الصحاف

ظاهر في صحة البيع مع جهالة استحقاق المشترى تسلم العين بمنافعها قال سألت أبا الحسن موسى (ع) عن رجل جعل داره سكنى لرجل أيام حياته أو جعلها له و لعقبه من بعده هل هي له و لعقبه من بعده كما شرط قال نعم قلت له فان احتاج ببيعها قال نعم قلت فلينتقض بيع الدار السكنى قال لا ينتقض البيع السكنى كذلك سمعت ابى يقول قال أبو جعفر (ع) لا ينتقض البيع الإجارة و لا السكنى و لكن تبيعه على ان الذي اشتراطه لا يملك ما اشتراه حتى تنقضي السكنى كما شرط.

و لا يخفى عدم اختلاف الوقف المنقطع و السكنى بناء على ان الأول كالثاني في بقاء العين على ملك مالكها الأول كما ان إطلاق الرواية و عدم الاستفصال فيها عن بيع الدار ممن جعل له سكناها أو من غيره جواز البيع في كلا الفرضين فلا وجه للتفصيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 157

..........

______________________________

بين البيع منه أو من غيره.

نعم مع الإغماض عنها فقد يذكر هذا التفصيل باعتبار عدم كون البيع ممن جعل له السكنى غررا و لو باعتبار انضمام السكنى حيث ان استحقاق المشترى فيه العين بمنافعها محرز و كذا الحال فيما إذا باع الواقف العين ممن انتقل إليه منفعة العين عن الموقوف عليه و لكن هذا التفصيل غير صحيح باعتبار كون البيع في نفسه كالفرض الثاني غرريا الا ترى انه لا يمكن الالتزام بصحة البيع فيما إذا كانت صبرتان مختلفتان في الكيل و قد علم كيل مجموعهما و قد وهب المالك إحداها من أحد ثم أراد بيع الثانية منه بلا كيل فإنه لا يرتفع الغرر عن البيع بالهبة السابقة.

نعم إذا كان

انتقال المنفعة إلى الواقف ثانيا و أراد الواقف بعد ذلك بيعها بمنافعها فلا مورد للمناقشة كما أنه لا مورد لها فيما إذا اجتمع الموقوف عليه و الواقف على المعاوضة فيكون العوض موزعا على العين و المنفعة و يلزم كون المعاوضة بعنوان الصلح لان غيره و منه البيع لا يتضمن نقل كل من العين و المنفعة استقلالا.

أقول إذا كان الوقف المنقطع محكوما بالصحة فيحكم ببطلان بيعه سواء قيل ببقائه على ملك الواقف أو دخوله في ملك الموقوف عليهم أخذا بما دل على عدم جواز شراء الوقوف و لا موجب لدعوى انصرافه الى الوقف المؤبد بعد كون الوقف المنقطع كالوقف الانتفاعى وقفا مع بقاء العين فيهما على ملك مالكها و الصحيحة المزبورة لا تعم الوقف المزبور لعدم دخوله في عنوان السكنى.

نعم لا بأس بالعمل بالصحيحة فيجوز البيع مع السكنى حتى فيما إذا كانت السكنى محدودة بعمر أحدهما كما هو موردها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 158

و كذا لو باعه من انتقل اليه (1).

و مما ذكرنا يظهر وجه التأمل (2)

______________________________

و اما في الوقف المنقطع فلا يجوز البيع و لا المصالحة و غيرها من المعاملات الناقلة للعين فان الوقف لا يباع و لا يوهب و ليس النهى فيه مختصا بالبيع و مما ذكرنا يظهر الحال فيما ذكر (ره) من أن المعاملة لو كانت مركبة من نقل العين من طرف الواقف و نقل المنفعة من قبل الموقوف عليهم بطور المصالحة ليكون العوض موزعا عليهما صحت لا يمكن المساعدة عليه.

اللهم الا ان يقال بانصراف النهى عن بيع الوقف عن الفرض و هو بيعه زمان البطن الأخير كما يأتي.

(1) أى يجري في بيع العين ممن انتقل اليه حق الموقوف

عليهم ما تقدم في بيعها من الموقوف عليهم من احتمال عدم الجواز لأن معرفة المجموع المركب من ملك البائع و حق المشترى لا يوجب خروج البيع عن كونه غرريا.

و لا يخفى أن حكمه (ره) بالصحة أو لا ثم احتمال عدم الجواز ثانيا يختص بما إذا أراد الواقف بيع العين من البطن الأخير أو ممن انتقل اليه حق هذا البطن و اما إذا أريد بيعها من البطن الأول أو الوسط أو ممن انتقل اليه حق أحدهما فلا يجوز البيع المزبور لان خروج حق البطن الأخير عن المعاملة مع جهالته يوجب الغرر في البيع.

(2) الظاهر ان مراده (ره) مما ذكره هو لزوم كون المعاملة بطور المصالحة و أن نقل العين مع الجهالة بمدة استحقاق الموقوف عليهم غرري سواء بيع ممن انتقل اليه حق الموقوف عليهم أو من غيره.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 159

كما يدل عليه كلامه المحكي عنه في مسألة السكنى (1) صح ما ذكره لإمكان سقوط الحق بالإسقاط بخلاف المال (2)

______________________________

أى يدل على جواز البيع مع اتفاقهما كلامه المحكي في السكنى و لعل وجه دلالته أنه إذا جاز بيع المالك بالإضافة إلى العين خالية عن المنفعة كما هو مقتضى عدم رضا الساكن الذي هو مالك المنفعة أو الانتفاع جاز ايضا فيما كان البين رضاه فإنه لا يحتمل دخل عدم رضاه في جواز بيعها.

(2) أقول لم يحرز ان الثابت في السكنى للساكن حق بحيث يقبل الاسقاط منه بل من المحتمل ان يكون الثابت بها مجرد جواز الانتفاع بالسكنى و كذلك الأمر في بعض موارد الحبس بان يحبس العين للانتفاع بها و على ذلك فيجوز للساكن أو المحبوس له المصالحة مع المشتري بان لا

ينتفع بالعين فلا يجوز لهم بعد المصالحة مزاحمة المشترى في الانتفاع بالعين مدة التحبيس أو السكنى عملا بقصد المصالحة.

و عدم جواز الانتفاع بهذا العنوان لهما لا ينافي جواز الانتفاع بها الثابت لهما قبل هذه المصالحة نظير ما إذا حلف الساكن أو المحبوس له بترك الانتفاع كما لا يخفى.

و الحاصل ان المستفاد من مجموع الروايات ان الحبس و السكنى و العمرى من العناوين المنشأة و يكون اختلافها بالإنشاء و يتفق بعضها مع بعض في النتيجة و جل الأحكام فان بالحبس ينشأ عنوان الحبس الذي لا يكون العين خارجة عن ملك مالكها بان يكون منافعها ملكا لذلك الغير أو ينتفع الغير بها أو يصرف منافعها أو ينتفع بها مطلقا أو ما دام العين باقية أو الى مدة و اما السكنى فهو إنشاء جعل سكنى الدار للغير بان يسكن فيها مطلقا أو الى المدة و اما العمرى و هي جعل الانتفاع بالعين ما دام أحدهما في مقابل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 160

و على الثاني فلا يجوز (1) و على الثالث فلا يجوز (2)

______________________________

الرقبى و هو جعل الانتفاع بالعين في زمان و على ذلك فان كان، مفاد أحدها مجرد الانتفاع فلا يحرز فيه حق قابل للإسقاط بل يجوز المصالحة بنحو ما تقدم و ان كان مفادها تملك المنفعة فيجوز التصرف فيها كما لا يخفى.

(1) عدم جواز البيع للواقف ظاهر فان على الثاني يدخل العين الموقوفة في ملك الموقوف عليهم مستقرا بحيث ينتقل العين من البطن الأخير إلى ورثتهم بالوارثة و اما عدم جواز البيع للموقوف عليهم ففيه منع ظاهر لان اشتراط الواقف إبقاء العين بغرض وصولها الى البطن اللاحق و كذلك النهى عن بيع

الوقف ينصرف الى ذلك و إذا فرض انتهاء البطون و وصول العين بيد البطن الأخير كما هو الفرض فلا يبقى منع عن بيعهم لا عن الواقف و لا عن الشارع فتدبر.

(2) اى على القول بدخول العين في ملك الموقوف عليهم من غير استقرار بان يرجع العين الى الواقف بعد انقضاء البطن الأخير يكون عدم جواز بيع الموقوف عليهم اى البطن الأخير ظاهرا لاشتراط الواقف عليهم إبقاء العين و لو لرجوعها اليه و كذا الحال في النهي الشرعي و اما عدم جواز بيعها للواقف باعتبار عدم ملكه العين فعلا و لا يفيده اجازة البطن الأخير لأنه يعتبر ان يكون المجيز سلطانا على بيع المال و البطن المزبور ليس كذلك نعم إذا قلنا بالصحة في مسألة من باع شيئا ثم ملكه كان بيع الواقف الواقع حال وجود البطن الأخير محكوما بالصحة بعد انقراضهم.

ينبغي في المقام التعرض لأمور منها انه يكون الوقف من المنقطع آخره أو المنقطع الأول أو الوسط و لعل المشهور على صحة الأول و بطلان الثاني و على بطلان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 161

..........

______________________________

الثالث بالإضافة إلى الوسط و ما بعده و قوى السيد اليزدي (ره) صحة المنقطع الأول أيضا بالإضافة إلى الوسط و ما بعده و صحة المنقطع الوسط بالإضافة إلى الأول و الأخير بدعوى ان الوقف المنشأ في المقام نظير الوقف على ما يصح عليه الوقف و ما لا يصح عليه في عرض واحد كما إذا قال وقفت الضيعة على العلماء و من سيولد لزيد من الأولاد حيث ان الوقف يصح في نصفه بالإضافة إلى العلماء و يبطل في نصفه الآخر و دعوى انحلال الوقف في فرض الجمع دون

الوقف المنقطع الأول أو الوسط لا يمكن المساعدة عليه و الا لما صح الوقف بالإضافة إلى الأول أيضا في المنقطع الوسط.

لا يقال الحكم بالتبعيض في الصحة في المنقطع الأول أو الوسط يوجب التعليق في الوقف بان يكون المال وقفا على تقدير انقضاء ذلك الأول أو الوسط.

فإنه يقال التعليق الموجب للبطلان في العقود و الإيقاعات ما إذا كان إنشاء الوقف معلقا و اما إذا كان إنشائه مطلقا و كان التعليق لازم التبعيض في الحكم بالصحة فلا يضر نظير الغرر الحاصل للبيع من الحكم بالتبعيض كما إذ باع ماله و مال غيره بثمن معلوم فلا يوجب الغرر في الثمن الحاصل من الحكم ببطلان البيع بالإضافة الى مال الغير الغرر في إنشائه و على ذلك فيبقى المقدار المحكوم بالبطلان من الوقف على ملك الواقف فله نمائه.

أقول لا ينبغي الريب في عدم انحلال الوقف بالإضافة إلى الموقوف عليهم أى البطون بخلاف انحلاله بالإضافة إلى أفراد البطن الواحد من الموقوف عليهم و إذا قال وقفت الضيعة على أولاد زيد و أولاد بكر و أراد ما ظاهره من كون نصف الضيعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 162

..........

______________________________

وقفا لأولاد زيد و نصفها الآخر لأولاد الآخر فلا يوجب بطلان الوقف بالإضافة إلى نصفها بطلانه بالإضافة إلى النصف الآخر بخلاف ما إذا كان الوقف للبطون و حكم بفساده بالإضافة إلى بطن فإنه لو حكم ببطلان الوقف بالإضافة إلى البطن الأول كما في المنقطع الأول يخرج الوقف المزبور من عموم الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها من الأول فالحكم بدخوله ثانيا بعد انقضاء البطن المزبور موقوف على جواز التمسك بالعام فيما إذا خرج فرد منه في زمان.

بخلاف المنقطع الوسط فإنه لا

موجب لرفع اليد عن العموم المزبور ابتداء فيعمه العموم المزبور ما دام البطن الأول موجودا و بعد انقضائه يرجع الى ملك الواقف أو ورثته عند موته.

و الحاصل ما ذكره (ره) مبنى على جواز التمسك بالعام فيما إذا خرج فرد منه من الأول أو الوسط في زمان و شك في دخوله في العموم المزبور بعد ذلك الزمان و الا فالوجه ما هو المنسوب الى المشهور و اللّٰه العالم.

الثاني قد تقدم أنه يجوز ان يشترط في الوقف بيع العين الموقوفة أو بعضها للموقوف عليهم بان يكون ثمنه لهم و اما اشتراط بيعها أو بيع بعضها للواقف كذلك فهو غير جائز بل يوجب الاشتراط المزبور بطلان الوقف بشهادة صحيحة إسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يتصدق ببعض ما له في حياته في كل وجه من وجوه الخير و قال ان احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحق به ترى ذلك له في حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة قال يرجع ميراثا على أهله حيث ان ظاهر قوله (ع) يرجع ميراثا على أهله الإرشاد إلى بطلان الوقف المزبور و الا فلو كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 163

..........

______________________________

الوقف تاما لما عاد المال إلى أهله ميراثا و حمله على ما إذا تحقق احتياج واقفه و عود المال اليه ثم موته كما عن السيد اليزدي (ره) كما ترى فإنه لم يستفصل الامام (ع) بطر و الحاجة عليه و عدمه بل حكم بكون المال ميراثا و التعبير بالرجوع مع بطلان الوقف من الابتداء بلحاظ نظر الواقف حيث كان يرى انعقاد الوقف.

و مما ذكرنا يظهر فساد ما افاده (ره) من الحكم

بصحة الشرط المزبور أخذا بقوله (ع) الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و ان مرجع الاشتراط المزبور وقف المال ما دام كونه غنيا فيكون الوقف مع الشرط المزبور من الوقف المنقطع حيث لا فرق في الوقف المنقطع بين كون انقطاعه لاعتبار وصف في الموقوف عليهم بان يقف المال عليهم ما دام كونهم عدولا و بين اعتبار وصف في الواقف.

أقول الوارد في السؤال ان احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحق به يعم ما إذا كان المراد عود الوقف الى الملك و انتهائه عند طرو حاجته اليه و ما إذا كان المراد سلطانه على المال بالتصرف فيه ببيعه لنفسه أو صرف غلته لنفسه كسائر الملاك و مقتضى إطلاق الجواب بطلان الوقف في جميع ذلك و بهذا يرفع اليد عن عموم الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها و لكن يمكن المناقشة في ذلك ان المفروض في الرواية عنوان الصدقة و الوقف بقصد التقرب فالتعدي إلى الوقف المجرد لا يخلو عن الاشكال لاحتمال ان يكون هذا الحكم باعتبار كون الوقف للّٰه.

نعم في المروي عن دعائم الإسلام من أوقف أرضا ثمّ قال ان احتجت إليها فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع الى الميراث و دلالته على كون ذلك من حكم مطلق الوقف ظاهر و لكن في جواز الاعتماد عليه مع ضعف السند تأمل.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 164

[بيع الرهن]

و من أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا (1)

______________________________

(1) لا يجوز للراهن بيع الرهن استقلالا اى بلا اذن المرتهن على المعروف بينهم بل عن الخلاف و غيره الإجماع عليه و يستدل على ذلك بالاخبار المشار إليها في خلاف الشيخ (ره) و بما رواه

في المختلف عن النبي (ص) مرسلا ان الراهن و المرتهن كلاهما ممنوعان عن التصرف و ضعف السند منجبر بفتاوى الأصحاب و اتفاقهم.

أقول الظاهر ان المراد الشيخ (ره) من الإجماع في خلافه الأعم من الاتفاق على حكم المسألة أو على القاعدة التي يكون تطبيقها على المسألة و استفادة حكمها منها مبتنيا على الاجتهاد منه (ره) و هذا بقرينة دعواه الإجماع في المسائل المختلف فيها بين الأصحاب بل المراد من الاخبار في ذلك الكتاب ايضا ذلك لا خصوص ورود الخبر في حكم المسألة و على ذلك فيمكن ان يكون اعتماده (ره) في منع الراهن عن بيع الرهن على زعمه بان عدم الجواز في موارد تعلق حق الغير بالمال مورد التسالم مع ورود الرواية في بعضها و المقام من تلك الموارد و يؤيد ذلك أنه لو كان في خصوص المسألة أخبار لنقلها في تهذيبه و استبصاره لوضعهما لنقل الاخبار.

و مما ذكرنا يظهر الحال في المرسل المذكور في المختلف و انه لا سبيل لنا إلى إحراز أنه المستند لمنع المشهور عن بيع الراهن فإنه يحتمل ان يكون استنادهم إلى القاعدة التي أشرنا إليها فلا مجال لدعوى انجبار ضعف المرسلة بالاستناد إليها.

و الحاصل أنه لا يجوز للراهن التصرف بما ينافي عقد الرهن كما هو مقتضى وجوب الوفاء بعقده و اما ما لا ينافي عقد الرهن فيجوز باعتبار عدم ثبوت المنع عنه بل في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) في رجل رهن و جاريته قوما أ يحل له

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 165

و هو الأقوى للعمومات (1)

______________________________

ان يطأها قال فقال ان الذين ارتهنوها يحولون بينه و بينها قلت أ رأيت ان قدر عليها

خاليا قال نعم لا أرى به بأسا و في صحيحة الحلبي قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) الى ان قال نعم لا أرى هذا عليه حراما و الكلام في أن بيع الراهن الرهن بلا اذن المرتهن تصرف ينافي عقد الرهن أم لا و الأظهر عدم منافاته للرهن فيلتزم بصحة بيعه و عدم وقوفه على شي ء من اجازة المرتهن أو غيرها و تعلق حق المرتهن بالعين لا ينافي نفوذ البيع حيث يبقى حقه في العين المنتقلة إلى المشتري غاية الأمر لو كان المشترى عالما بحال المبيع و أنه رهن و مع ذلك أقدم على شرائها فلا يثبت له خيار الفسخ و يثبت مع جهله لأن تعلق الرهن بالمبيع نقص فيه.

و ان شئت توضيح ذلك فلا حظ المسألة الاتية يعني بيع العبد الجاني فإنه يلتزم بصحة بيعه مع تعلق حق الجناية به و يقال ان تعلقه به لا يوجب خروجه عن ملك مولاه فيجوز بيعه و يعمه أحل اللّٰه البيع مع تعلق الجناية به حتى بعد انتقاله الى ملك المشترى مع ثبوت خيار الفسخ له مع جهله بحاله لنقصه باعتيار كونه معرضا للاسترقاق أو القصاص الموجب لذهابه على المشترى و في المقام ايضا لو امتنع المديون عن أداء دينه فللمرتهن استيفائه من الرهن و يكون ذهاب المال من المشترى كما لا يخفى.

(1) بناء على تعلق النهى ببيع الرهن كما إذا اعتمدنا على مرسلة المختلف أو ما في الخلاف فهل يكون بيعه موقوفا على اجازة المرتهن أو يكون كبيع الوقف و أم الولد في وقوعه باطلا ذكر (ره) بما حاصله ان الأظهر هو الأول كما هو مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقد و إطلاق دليل حل البيع فان المانع

عن شمولهما و هو حق المرتهن في العين يسقط بإجازته و يدل عليه ايضا ما ورد في نكاح العبد بلا اذن سيده

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 166

أن التصرف المنهي عنه ان كان انتفاعا (1)

______________________________

فان ظاهره كما مر في بيع الفضولي أن كل عقد يكون النهى عنه باعتبار رعاية حق الآخر يرتفع عنه النهى و يتم ذلك العقد بسقوط ذلك الحق و رضا صاحبه به بخلاف ما إذا كان النهى عنه لمنع الشارع عنه وضعا بالأصالة فإنه لا يصح و لا يلحق به رضا اللّٰه و إمضائه.

بل يمكن استفادة لزوم عقد الراهن بإجازة المرتهن من فحوى صحة بيع الفضولي بلحوق رضا المالك به و الوجه في الفحوى نقص بيع الفضولي من جهة عدم استناده الى المالك و عدم رضاه به بخلاف المقام حيث أن النقص فيه من جهة عدم رضا المرتهن فقط و إذا كانت الإجازة في البيع فضولا مصححة للجهتين فتصحيحها الجهة الواحدة أولى.

نعم ربما يناقش في الفحوى على ما عن التذكرة بأن كل من أبطل بيع الفضولي و لم ير تمامه بالإجازة أبطل بيع الراهن و لم ير تمامه بإجازة المرتهن فان ظاهر ذلك عدم الفرق بين بيع الفضولي و بيع الراهن فلا يكون الثاني أولى بالصحة بالإجازة.

و لكن لا يخفى ما فيه كما لا يخفى ما فيما ذكره بعض المعاصرين من بطلان بيع الراهن و عدم تمامه بإجازة المرتهن باعتبار ان ظاهر النهى عن معاملة فسادها كالنهي عن بيع الوقف و أم الولد بخلاف ما إذا كان النهى عنه لكون المنهي عنه عنوانا ينطبق على المعاملة أحيانا و يعبر عن ذلك بالنهي عن المعاملة بعنوان خارج عنها فان

هذا النهى لا يقتضي فسادها.

(1) قد ذكرنا سابقا ان الأفعال الخارجية المتعلقة بمال الغير المحكومة بالحرمة عند صدورها لا تخرج الى الحلال بالإجازة لأن تلك الأفعال قد انتهت أمرها إما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 167

ربما يتجه الصحة فيما إذا كان الغرض (1)

______________________________

بالوجود فلا يمكن تركها أو الى الترك فلا يمكن فعلها فلا يتعلق الحكم التكليفي بها بعد انتهاء زمانها و لذا يحكم ببطلان الوضوء و الاغتسال بماء الغير حتى مع رضا مالكه فيما بعد فان بطلانهما باعتبار حرمتهما حين صدورهما و لا يكون انقلاب في الحرمة نعم ما يتعلق بمال الغير من الأفعال الاعتبارية التي لها أحكام وضعية كالعقود فيمكن تمام تلك الأفعال بالإجازة.

و قد فصل القائل المزبور فيها بأنها فيما كانت صادرة عن المالك لا تكون موقوفة لأن المعاملة الصادرة عن المالك أصالة لا نيابة و لو تعلق بها نهى تكون فاسدة و الا صحت فعلا بخلاف الاعتباريات الصادرة عن غير المالك فإنها لو وقعت على وجه الظلم و العدوان على المالك بحيث تكون محرمة فلا تصح بلحوق الإجازة كبيع الغاصب بخلاف ما إذا وقعت على وجه النيابة عن المالك فإنه لا يتعلق بها في الفرض نهى لتكون فاسده و هذا القسم يكون تماما بلحوق الإجازة و مما ذكر يظهر التفصيل في بيع المرتهن الرهن بلا اذن الراهن بخلاف بيع الراهن بلا اذن المرتهن فإن الثاني يكون فاسدا لحق به الإجازة أم لا بخلاف الأول فإنها تصح بالإجازة لو صدرت على وجه النيابة.

(1) يعني ربما يقال بصحة بيع المالك بلحوق إجازة ذي الحق فيما كان نهى المالك عن بيع ماله لرعاية مصلحة الآخر كنهي المشتري عن بيع الحصة التي

اشتراها فان الحجر عليه من بيع تلك الحصة لرعاية مصلحة الشريك الآخر ليتمكن من الأخذ بالشفعة و في هذا القسم يقال بصحة بيع المشترى المزبور فيما اجازه الشريك الشفيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 168

و منع اقتضاء مطلق النهى لا لأمر خارج للفساد (1)

______________________________

أقول و على ذلك يكون بيع الراهن ايضا كذلك فان الحجر على الراهن باعتبار رعاية مصلحة المرتهن و المراد ب (هنا) في قوله فالقول بالبطلان هنا هو الأقوى هو بيع الراهن فتدبر.

(1) النهى عن معاملة ظاهره الإرشاد إلى فسادها يعنى عدم إمضاء الشارع لها و صرفه الى التكليف يحتاج الى قيام قرينة و مع قيام القرينة على كونه تكليفا فلا ملازمة بين المنع عن معاملة بمعناها المصدري و ثبوت أثرها على تقدير إنشائها و لذا لا يقتضي النهي عن معاملة فسادها حيث ان النهى عنها كما ذكر كون صدورها مبغوضا و اما ترتب الأثر عليها بعد صدورها أخذا بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إطلاق دليل حل البيع بمعنى إمضائها فلا ينافي النهي المزبور و هذا حال النهى عن معاملة بعنوانها.

و اما إذا كان النهى عنها بعنوان آخر منطبق عليها فان كان ذلك العنوان منطبقا على المعاملة بمعناها المصدري فهو لا يزيد عن النهى عنها بعنوانها و إذا كان العنوان المزبور منطبقا على المعنى الاسم المصدري و الوفاء به كما إذا انطبق عنوان تقوية الكفر و تضعيف الحق و أهل الايمان أو ثبوت السبيل للكافر على المسلم على بيع العبد المسلم منه و الوفاء بها فالظاهر عدم صحة تلك المعاملة و ذلك فان كون المعنى الاسم المصدري مبغوضا مقتضاه عدم إمضاء الشارع له حيث ان إمضائه الملك المزبور تقوية للكفر و

جعل سبيل للكافر على المسلم.

و بتعبير آخر لا يمكن الأمر بالوفاء بتلك المعاملة المقتضى للقبض و الإقباض مع النهى عن تقوية الكفر و ترويج الباطل و جعل الكافر عاليا على المسلم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 169

و قد يتخيل وجه آخر (1)

______________________________

(1) و حاصله ان اجازة المرتهن كاشفة عن دخول العين في ملك المشترى من زمان بيع الراهن فيلزم ان يكون ملك غير المديون يعني المشتري رهنا و بتعبير آخر اجازة المرتهن في المقام نظير إجازة البائع في مسألة من باع شيئا ثم ملك ثم أجاز في عدم إمكان وقوع الإجازة كاشفة و وقوعها بغير نحو الكشف غير صحيح و وجه عدم الإمكان في تلك المسألة أنها لو كانت كاشفة عن انتقال المبيع إلى المشترى من حين بيع البائع لزم كون المبيع ملكا للمشتري بمقتضى إجازة البائع و ملكا لمالكه الاولى ليصح تملك البائع منه بعد بيعه كما يلزم في المقام كونه ملكا للمشتري ببيع الراهن و كونه رهنا ليصح للمرتهن أجازته.

و الجواب ان اجازه المرتهن كما تكون كاشفة عن انتقال المبيع إلى المشترى من زمان البيع كذلك تكون كاشفة عن تمام الرهن من ذلك الزمان فلا محذور.

و الحاصل ان المحذور في مسألة من باع شيئا ثم ملك فأجاز لا يجري في اجازة المرتهن نعم يجرى مثل المحذور في مسألة افتكاك الرهن بعد بيع الراهن فيلزم كون ما هو ملك المشترى رهنا بحسب الواقع على دين الغير إلى زمان افتكاكه فبيع الراهن قبل افتكاك الرهن أو إبراء المرتهن أو إسقاط حقه يشبه مسألة من باع شيئا ثم ملك و على الجملة فرق بين اجازة المرتهن و فك الرهن أو الإبراء فإنه و

ان يسقط حق الرهانة بكل منها الا أن مبدء السقوط في الإجازة من حين بيع الراهن و لذا يدخل البيع المزبور في دليل حل البيع و وجوب الوفاء بالعقد و لكن مبدء انتهاء الرهن في الفك أو الإبراء زمانهما لا حال البيع و لذا يكون دخول البيع المزبور في إطلاق دليل حل البيع و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ مبنيا على جواز التمسك بالعام بعد خروج فرد منه و على تقدير الدخول يكون مقتضاه النقل كما يأتي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 170

و يحتمل عدم لزوم العقد بالفك كما احتمله في القواعد (1) و لكن الإنصاف ضعف الاحتمال المذكور (2)

______________________________

(1) و حاصله أنّه لا دليل في البين على تمام بيع الراهن و لزومه بفك الرهن أو إبراء المرتهن أو إسقاطه حقه و ذلك فان بيع الراهن حال حصوله كان خارجا عن عموم وجوب الوفاء بالعقد و عن إطلاق حل البيع و بعد انقضاء الرهن بما ذكر لا يمكن التمسك بهما لما تقرر في محله من عدم جواز التمسك بالعام أو المطلق فيما إذا خرج فرد عنهما في زمان و شك في حكم ذلك الفرد بعد ذلك إلا إذا كان للعام أو المطلق عموم أو إطلاق زماني بأن يجب الوفاء في كل زمان بوجوب مستقل و لكن الثابت وجوب واحد مستمر و الحلية الثابتة حكم وضعي لا تكليفي فضلا عن كونها زمانية.

و الحاصل يكون المقام من موارد حكم الخاص يعنى استصحاب عدم لزوم البيع المزبور و عدم إمضائه و بقاء الرهن على ملك الراهن بل ما ورد في نكاح العبد من عدم تمامه بمجرد عتقه فيما إذا كان نكاحه بغير اذن سيده ظاهره ان خروج نكاحه

عن عموم وجوب الوفاء بالنكاح حال حدوثه كاف في الحكم بعدم تمامه بالعتق و لا فرق بين النكاح المزبور و بيع الراهن من هذه الجهة.

(2) المراد بالاحتمال هو احتمال بطلان بيع الراهن و عدم تمامه بفك الرهن أو الإبراء و إسقاط المرتهن حقه و وجه ضعفه انه لا مجال لاستصحاب عدم تمام بيع الراهن بعد حصول أحدها فإن عدم تمامه باعتبار تزاحم حق المرتهن مع وجوب الوفاء ببيع الراهن و الترجيح لحق المرتهن لكونه أسبق و إذ سقط الحق المزبور بقي وجوب الوفاء بالبيع بلا مزاحم فالمقام من مورد التمسك بعموم وجوب الوفاء بالعقد.

و بهذا يظهر الفرق بين تمام البيع بعد انقضاء الرهن و بين نكاح العبد بلا اذن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 171

و محصله مقتضى القاعدة النقل (1) و من أجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا (2)

______________________________

مولاه حيث لا يصح الثاني بعتقه بعد النكاح حيث ان نكاح العبد كان خارجا عن عموم وجوب الوفاء بالعقد لقصور المقتضى حيث ان العبد لقصوره لا يستقل في نكاحه و عدم تمام بيع الراهن كان لوجود المزاحم لا لقصور البائع.

أقول لا فرق بين الأمرين و التعبير بان خروج نكاح العبد عن عموم وجوب الوفاء بالعقد لقصور المقتضي أي لقصور نكاحه و عدم استقلال العبد في عقوده و إيقاعاته بلا منافاة بين كونه زوجا و كونه عبدا بخلاف خروج بين الراهن فإنه ليس لقصور عقده بل لكون بيعه منافيا لكون ماله رهنا لا يخفى ما فيه فإنه إذا فرض ان رسول اللّٰه (ص) قد منع عن بيع الراهن و بذلك خرج البيع المزبور عن عموم وجوب الوفاء بالعقد يكون التمسك به بعد انتهاء الرهن

بالفك أو الإبراء من التمسك بالعام الدال على الحكم الاستمراري بعد خروج فرد منه في زمان كما أنه قد خرج نكاح العبد عن العموم المزبور بما دل على اعتبار اذن المولى في نكاح عبده فالتعبير عن أحدهما بالمانع و عن الآخر بعدم تمام المقتضى مجرد تعبير و الا فالموضوع لوجوب الوفاء بعد ورود التخصيص عليه العقد الذي لا يكون من الراهن بلا إذن مرتهنه و النكاح الذي لا يكون من عبد بلا اذن مولاه فتدبر.

(1) قد تقدم في بحث الفضولي ان مقتضى القاعدة الكشف الحكمي لا النقل المعروف.

(2) أى و من أجل كون الإجازة في المقام من قبيل رفع المانع جوز و أعتق الرهن مع لحوق اجازة المرتهن به مع انهم ذكروا بعدم جريان الفضولية في الإيقاعات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 172

ثم ان لازم الكشف كما عرفت (1)

[الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم]

الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم (2)

______________________________

فيعلم بذلك ان عدم جريانها يختص بموارد تكون الفضولية فيها باعتبار قصور المقتضى و لذا جواز العلامة عفو الراهن عن الجناية على عبده المرهون مشروطا بفك الرهن في المستقبل فلا مجال لتوجيه عتق الراهن بلحوق أجازته بكون بناء العتق على التغليب.

(1) لا يخفى ان تمام العقد يكون بالإيجاب و القبول و بإجازة المرتهن على الفرض و قبل ذلك لا يكون في البين وجوب للوفاء على ما تقدم و لو فرض القول بان وجوب الوفاء انحلالي يثبت للأصيل قبل تمام العقد فالوفاء به عبارة عن عدم نقضه بإبطال إنشائه لا وجوب تكميل العقد و إتمامه و لو بدفع حقوق الغير أو طلب الاسقاط من ذي الحق و لذا لا يجب على من باع مال الغير شراء

ذلك المال من المالك ليدفعه إلى المشتري بناء على القول بالصحة في مسألة من باع شيئا ثم ملك.

(2) يعنى من شروط العوضين كون تسليمهما مقدورا نظير ما يذكر في ناحية كون مقدار هما معلوما ثم انه قد لا يكون الشي ء مع عدم التمكن على تسليمه مالا و لا يقع مورد رغبة ليبذل له مال و هذا لا إشكال في عدم جواز بيعه و لو ان الشي ء بعدم القدرة عليه لا يخرج عن ملك الشخص كما إذا طار الطائر الذي لا يرجى عوده أو وقعت السمكة التي اصطادها في البحر ثانيا فإنه لو رجع الطائر اتفاقا أو وقع بيد الآخر أو اخرج السمك عن الماء كذلك كان ملكه و لا يجوز للآخر تملكهما بلا رضاه فعدم أواخر السمك عن الماء كذلك كان ملكه و لا يجوز للآخر تملكهما بلا رضاه فعدم جواز بيعهما لعدم كونهما من الأموال و في صحيحة البزنطي قال سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى الدراهم كثيرة و هو مستوي الجناحين و هو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 173

..........

______________________________

يعرف صاحبه أ يحل له إمساكه فقال إذا عرف صاحبه رده عليه و ان لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له و ان جائك طالب لا تتهمه رده عليه فان ظاهرها عدم خروج الشي ء بعدم القدرة عليه عن كونه ملكا كما لا يخفى.

و الحاصل ان الكلام في المسألة فيما إذا لم يخرج الشي ء مع عدم القدرة على تسليمه عن كونه مالا لوجود المنفعة المقصودة فيه حتى مع عدم التمكن عليه كما في العبد الآبق حيث يمكن عتقه في كفارة أو غيرها و هذا منفعة مقصودة

أو كونه مالا لاحتمال الظفر به كما في غالب الأشياء حيث أنها لا تخرج عن المالية رأسا مع احتمال الظفر بها كما ان ما لا يكون من غير المقدور ملكا للبائع كالسموك في البحار خارج عن البحث في المقام فان عدم جواز بيعها باعتبار عدم ملكها للبائع لا على عدم تمكنه على تسليمها و لذا لو كان متمكنا على تسليمها و لو بالاصطياد بعد البيع لم يصح بيعها.

و بتعبير آخر الكلام في المقام في اعتبار القدرة على التسليم بعد الفراغ عن تمام البيع من سائر الجهات.

ثم أنه ذكر النائيني (ره) ان الشي ء مع عدم التمكن على تسليمه يخرج عن كونه مالا و هذا هو الوجه في ذكر القدرة على التسليم في شرائط العوضين لا في شرائط المتبايعين و قال يذكر في كلمات الفقهاء بطلان البيع مع عدم القدرة على التسليم و يذكر فيها ايضا ان تعذر التسليم يوجب الخيار للطرف الآخر و الفرق ان في مورد التعذر لا يتمكن البائع على تسليمه و لكن يتمكن المشترى على الظفر به و في هذه الصورة يصح البيع و لكن يثبت للمشتري مع جهله بالحال خيار الفسخ و كذا فيما إذا تساهل البائع في تسليم المبيع إلى المشتري حتى تعذر تسليمه فان هذا يوجب الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 174

..........

______________________________

أقول لو صح ما ذكره أولا من خروج الشي ء بعدم القدرة عليه عن كونه مالا لزم الحكم بفساد البيع فيما إذا تساهل في التسليم حتى إذا تعذر بطريان تعذر التسليم فيكون مالية المبيع متلفا قبل التسليم نظير انقلاب الخل الى الخمر قبل تسليم إلى المشتري أو تعيب المبيع بعيب يخرج معه عن كونه مالا.

و

دعوى ان التلف قبل القبض يختص بموارد التلف الحقيقي يدفعها ملاحظة مسألة انقلاب الخل خمرا و تعيب المبيع بعيب موجب لخروجه عن المالية قبل تسليمه الى المشترى و الصحيح ان مسألة تعذر التسليم الموجب للخيار ما إذا أحرز التمكن عليه و لكن لا يحصل هذا التمكن في الزمان المعين مع استحقاق المشتري المطالبة فيه كما في بيع السلم و يفرض ذلك في بيع الأعيان الشخصية كما إذا أحرز فيها التمكن على التسليم و لكن لم يقع هذا التمكن في زمان استحقاق المشترى التسليم نظير الأموال المستوردة من الخارج التي تباع قبل وصولها الى يد بائعها و ربما يتأخر وصولها بحيث لا يتمكن بائعها على تسليمها في الزمان المقرر للتسليم و هذا لا يوجب بطلان البيع و لا يكشف عن بطلانه بل يثبت للمشتري خيار الفسخ لأن مرجع ذلك الى التخلف في شرط القبض كما لا يخفى.

ثم انه يستدل على اعتبار القدرة برواية النهي عن بيع الغرر حيث يصدق عنوان بيع الغرر على بيع ما لا يتمكن فيه على التسليم و التسلم كما يشهد بذلك ما في كلمات اللغويين و الفقهاء من التمثيل لبيع الغرر ببيع الطير في الهواء و السمك في البحر.

و بتعبير آخر المعنى الظاهر للغرر و لو قلنا بعدم إحرازه تفصيلا الا ان صدقه على موارد عدم التمكن على تسليم الشي ء و تسلمه محرز كما هو مقتضى التمثيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 175

..........

______________________________

المزبور كما يصدق عليه في الجملة المنقول عن أمير المؤمنين (ع) ان الغرر عمل ما لا يؤمن معه من الضرر و لا يبعد ان يكون المنقول عن الصحاح و هو كون الغرر بمعنى الخطر يساوق النقل

المزبور حيث ان الخطر هو الاشراف و العرضة للتلف سواء كان المتلف مالا أو نفسا و هذا ظاهر القاموس ايضا حيث ذكر غرر بنفسه تغريرا أو تغره أشرفها على الهلكة و الاسم الغرر محركة و عن النهاية ان بيع الغرر ما كان له ظاهر يغر المشترى و باطل مجهول يعنى ما كان له ظاهر يدعو إلى شرائه مع الجهل بباطنه و عن الأزهري بيع الغرر ما كان على غير عهدة و لا ثقة أي لا يكون بايعه متعهدا به و كأنه يعم عدم العهدة بتسليمه الى المشترى و لا يكون ثقة بحصوله و وصوله الى يد مشتريه.

و ذكر المصنف (ره) و بالجملة فالكل متفقون على أخذ الجهالة في معنى الغرر و لعل استفاد ذلك بان كون الشي ء عرضة للتلف و الضرر يكون بالجهل بالحال سواء كان الجهل متعلقا بأصل وجود المبيع أو بأوصافه كما و كيفا أو بحصوله بيد المشترى.

و لكن قد يقال ان الغرر يختص بموارد الجهل بصفات المبيع و مقداره و لا يعم موارد الجهل بحصوله له بيد المشترى و الا لكان بيع كل مبيع غائب غرريا خصوصا إذا كان المبيع حال بيعه في الطريق البحري لاحتمال غرق السفينة و ضياع المال و في بيع الثمار و الزرع حيث يحتمل تلفهما بالآفة عدم وصولهما بيد المشترى.

و بتعبير آخر لا خطر في بيع المجهول حاله بالإضافة إلى التسليم و التسلم خصوصا بعد جبر ذلك بالخيار على تقدير اتفاق التعذر و أجاب (ره) عن ذلك بان الخطر من حيث الجهل بحصول المبيع بيد المشترى و عدمه أعظم من الجهل بصفات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 176

و لو اشترط ان يبدو الصلاح

لا محالة كان غررا عند الكل (1)

______________________________

المبيع حيث في الثاني يعلم بحصول المبيع بيد المشترى و لو مع عدم العلم بخصوصياته و في الأول لا يعلم حتى بحصول شي ء بيد المشترى لاحتمال ذهاب مال المشترى من من غير ان يحصل له عوضه.

و المتحصل انه لا مجال لدعوى اختصاص الغرر بالجهل بالصفات و المقدار بشهادة التمثيل للغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهوى و دعوى ان التمثيل بهما باعتبار الجهل بصفات المبيع يدفعها ملاحظة كلمات الفقهاء و تمثيلهم بها للعجز عن التسليم أضف الى ذلك شهرة الاستدلال على اعتبار القدرة على التسليم في كلمات العامة و الخاصة بالنبوي المزبور.

و عن الشهيد (ره) في قواعده ان الغرر شرعا هو الجهل بالحصول و بيع مجهول الصفة لا يكون غررا و ان النسبة بين الجهل بالصفة و الجهل بالحصول العموم من وجه يجتمعان في عبد آبق لا يعلم وصفه و يفترقان في المكيل و الموزون إذا لم يعتبر ليعلم الكيل أو الوزن فان ذلك بيع مجهول و لا يكون غررا و في عبد آبق معلوم الصفة حيث يكون بيعه غررا من غير كونه بيعا مجهولا و المراد بالجنس في قوله (و يتعلق الجهل و الغرر تارة بالوجود.) هو الحقيقة كحب لا يدرى انه حنطة أو شعير و بالنوع وصف الحقيقة كعبد لا يدرى انه زنجي أو رومي كبير أو صغير الى غير ذلك كما ان مراده بالغرر هو الجهل لا معناه الشرعي الذي ذكره أولا.

(1) مراده ان بيع الثمرة قبل بدو صلاحها مع اشتراط ان يبدو صلاحها مستقبلا غرر عند الكل و نظيره في الغرر بيع الزرع على ان يصير سنبلا ثم ذكر ان الغرر أى الجهالة

قد تكون في المبيع بالإضافة إلى جهاته التي لها مدخل ظاهر في ماليته كمقداره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 177

حيث ذكر في مسألة تعين الأثمان (1) و لعله كان على وجه خاص (2) و لكن هذا الفرد يكفى (3)

______________________________

و أوصافه فهذه الجهالة توجب بطلان البيع إجماعا و قد تكون بالإضافة إلى الجهات التي تسامح فيها عادة لقلة دخلها في ماليته كأس الجدار و قطن باطن الجبة و عدم العلم بأنه من قسم الجيد أو غيره فإن الجهالة في مثل ذلك لا يضر بصحة البيع و قد يردد الجهة في أنها من الجهة الظاهرة الموجب الجهل بها بطلان المعاملة أو أنها من الجهة التي يتسامح فيها و في كون الجهالة مع تردد الجهة موجبة للبطلان أم لا خلاف كالجزاف في أوصاف العين المستأجرة أو في رأس المال في المضاربة و كالجهالة في الثمرة المباعة قبل بدو صلاحها بلا اشتراط صلاحها و بيع الآبق بلا ضميمة.

(1) كأنه يستفاد من كلامه في شرح الإرشاد معنى آخر للغرر و قد ذكر ذلك المعنى في مسألة جواز كون الثمن في البيع شخصيا حيث منعه العامة بدعوى ان البيع مع كون الثمن شخصيا غرري لإمكان ظهور تلفه أو كونه مستحقا للغير فيبطل البيع حيث منع عن كون البيع مع الثمن الشخصي غرريا فان الغرر هو الاحتمال المجتنب عنه في العرف بحيث يوبخ على عدم اجتنابه و يرد على ذلك ما ذكره في المتن من ان شراء المردد بين الذهب و الفضة بقيمة الفضة لا يكون غرريا كما يرد على استدلال العامة في مسألة تعين الأثمان أنه لو صح ما ذكر لما جاز كون المبيع ايضا شخصيا.

(2) بان

كان نبذ الحصاة أو الثوب معينا للمبيع كما إذا جرى المبيع على مبهم بشرط تعيينه بعده بالنبذ.

(3) مجرد كون بيع سفهيا لا يوجب بطلانه و ليس كونه عقلائيا من شرائطه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 178

منها ما اشتهر عن النبي (ص) من قوله لا تبع ما ليس عندك (1)

______________________________

بعد حصول تمليك عين بعوض و كون كل من العين و عوضه مالا نعم بيع السفيه باعتبار الحجر عليه في أمواله محكوم بالبطلان و اما كون أكل المال في مقابله باطلا فلا يعم بل يختص بما إذا لم يكن المبيع مع عدم التمكن عليه مالا بأن لم يكن من قبيل العبد الآبق.

و دعوى ان مثل العبد ايضا مع عدم التمكن عليه يخرج عن كونه مالا و ان بقي على ملك مالكه لا يمكن المساعدة عليها و لذا ذكروا جواز بيع العبد الآبق بلا ضميمة ممن ينعتق عليه نعم مع عدم المالية له يكون أكل العوض في مقابله باطلا و ان لم يخرج مع عدم التمكن عن الملكية و لذا لو اتفق عوده يكون لمالكه كما لا يخفى.

(1) و تقريب الاستدلال بهذا النبوي المروي من طرق أصحابنا أيضا هو انه ليس المراد به بيع خصوص ما لا يملكه البائع و الا لكان الأنسب ترك الكناية و الإتيان باللام الظاهرة في الملك بان كان التعبير كذا لا تبع ما ليس لك و ايضا ليس المراد خصوص ما لا يتمكن على تسليمه الى المشترى مع كونه ملكا لبائعه فإن هذا ينافي استدلال الفقهاء على حكم من باع شيئا ثم ملكه حيث ان المفروض في تلك المسألة التمكن على الإقباض في زمان استحقاق التسلم خصوصا فيما إذا

كان البائع فيها وكيلا في بيعه و لو عن نفسه بان يبيع المال من شخص آخر أو من نفسه.

و الحاصل ان المراد بقوله ما ليس عنده ما لا يكون لبائعه سلطنة تامة سواء كان عدمها من جهة عدم الملك أو من جهة عدم تمكنه على التسليم و الإقباض و هذه السلطنة التامة من شرائط البيع.

لا يقال على ذلك فلا يصح بيع الفضولي فإنه يقال ما دل على صحته يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 179

..........

______________________________

مخصصا لهذا النبوي أو يقال ان النهى عن البيع المزبور إرشاد الى عدم وقوعه لبائعه فلا ينافي وقوعه لمالكه مع إجازته فإنه عند استناد البيع الى المالك بإجازته لا يكون بيعه داخلا في المنهي عنه.

لا يقال لا يمكن الاستدلال في المسألة بالنبوي المزبور لان المراد منه هو بيع عين خارجية لا يملكها ثم تملكها بالاشتراء أو غيره عن مالكها و تسليمها إلى المشتري الأول فإنه يقال لا قرينة في البين على اختصاص المراد به و في حديث المناهي قال و نهى عن بيع و سلف و نهى عن بيعين في بيع و نهى عن بيع ما ليس عندك و وروده جوابا لحكيم بن حزام و قد سئله عن بيع الشي ء قبل تملكه على ما رواه العامة لا يوجب تخصيصا في عمومه.

لا يقال عموم الجواب باعتبار ان الجواب لا يختص بالحكيم بن حزام بل يعم كل من كان من قبيله بان باع مال الغير ثم تملكه و دفعه الى مشتريه على ما هو شأن الدلال.

و اما عمومه بالإضافة إلى بيع ملكه مع عدم قدرته على تسليمه فلا يكون شأن الدلال.

فإنه يقال لو سلم كون الحكيم بن الحزام دلالا

كان يبيع مال الغير لنفسه أو لغيره الا انه لا مانع من توجيه خطاب اليه تتضمن الكبرى الكلية المتضمنة للحكم في بيع مال الغير لنفسه و الحكم في بيع ماله مع عدم التمكن على تسليمه أضف الى ذلك ورود النهي في مناهي رسول اللّٰه (ص) مستقلا من غير سبق سؤال.

نعم ناقش المصنف (ره) في الاستدلال المزبور بان مفاد النبوي بل حديث النهى عن بيع الغرر عدم تمام البيع مع عدم السلطنة التامة لبائعه فلا ينافي وقوعه مراعى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 180

..........

______________________________

بحصول تلك السلطنة فلو حصلت في زمان لا يفوت مع التسليم فيه الانتفاع المعتد به من المبيع كفى.

و دعوى ان النهى عن بيع ما ليس عنده كالنهي عن بيع الغرر ظاهر في فساده رأسا يدفعها بان الأمر في المقام دائر بين حمل النهى على الإرشاد إلى الفساد المحض بتخصيص النهى المزبور في بيع الراهن الذي يتم بلحوق اجازة المرتهن و في بيع ما يملكه البائع بعد بيعه كما إذا باع الوارث عن مورثه ما يملكه بموته فإنه إذا أجاز الوارث ذلك البيع بعد موته تم البيع على أحد الأقوال و كذا بيع المولى عبده الجاني عمدا حيث لا سلطنة تامة لبائعه باعتبار كونه معرضا للقصاص أو الاسترقاق و مثله بيع المالك المحجور سواء كان الحجر عليه لكونه رقا أو سفيها أو مفلسا حيث يتم البيع بإجازة المولى أو الولي أو الغرماء و بين حمل النهى عن بيع ما ليس عنده على عدم تمام البيع مع عدم السلطنة التامة و كونه مرعى و لا ترجيح للأول على الثاني.

أقول يتعين في المقام الالتزام بالأول و إلا لزم القول بعدم تعين تخصيص

العموم فيما إذا دار الأمر بين تخصيصه أو حمل الحكم في العام على ما لا ينافي العموم مثلا إذا ورد في خطاب أكرم العلماء و في خطاب آخر عدم وجوب إكرام زيد و عمرو و خالد و دار الأمر بين تخصيص العام و الالتزام بالوجوب في باقي الافراد أو حمل الأمر في العام على الاستحباب و الأخذ بعمومه فإنه يتعين ترجيح التخصيص بلا كلام هذا أولا.

و ثانيا ان مفاد حديث النهى عن بيع الغرر غير مفاد النهى عن بيع ما ليس عنده فان مفاد الثاني اعتبار القدرة على التسليم في ظرف لزوم الوفاء بالبيع و لا يعتبر تحققها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 181

و منها ان لازم العقد وجوب التسليم وجوبا مطلقا (1).

______________________________

حال البيع نعم لا بد من إحرازها بوجه معتبر حال البيع لئلا ينطبق على البيع عنوان بيع الغرر و دعوى كفاية انتفاء الغرر بعد البيع لا يمكن المساعدة عليها فان ظاهر النبوي اعتبار عدم كون البيع في تحققه غرريا و لذا لا يصح البيع بمعلومية مساحة المبيع و عدده بعد البيع.

و مما ذكر يظهر انه لو أحرز وصول المبيع بيد المشترى و لو مع عدم تمكن البائع على التسليم كفى في انتفاء الغرر و اعتبار التمكن على التسليم كما يأتي لوصول المبيع بيد المشترى لا لخصوصية في تسليم البائع.

ثم انه في الاعتماد في اعتبار التمكن على التسليم أو التسلم على حديث النهى عن بيع الغرر اشكال لضعف الرواية سندا بل دلالة فإن الجهل بوصول المبيع بيد المشترى لا يوجب صدق الغرر على نفس البيع الذي في حقيقته تملك عين بعوض و الأصحاب في حكمهم في اعتبار القدرة لعلهم اعتمدوا

على ما ورد في بيع مثل العبد الآبق بلا ضميمة و مما ورد في بطلان البيع بالتلف قبل القبض و غير ذلك فلا مجال لدعوى انجبار ضعفه سندا بل دلالة بعملهم كما لا يخفى.

(1) و توضيحه ان كل تكليف و منه وجوب تسليم المبيع إلى المشتري مشروط بالتمكن على متعلقة و لو بنحو الشرط المتأخر و على ذلك فان كانت القدرة على التسليم متحققة في المعاملة تصح مع تحققها فعلا التكليف الفعلي بالتسليم بخلاف ما إذا احتمل حصولها مستقبلا فإنه لا يصح التكليف الفعلي به و انما يصح إيجابه بنحو الاشتراط و التعليق بحصوله مستقبلا و بما أن المستفاد من خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ترتب التكليف الفعلي بتسليم العوضين على العقد فيستكشف من ترتبه عليه اعتبار تحقق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 182

..........

______________________________

القدرة على التسليم في صحته.

و الجواب عن هذا الاستدلال ظاهر فإنه لا يستفاد من وجوب الوفاء بالعقد ترتب وجوب التسليم فعلا بل يترتب عليه مطلق وجوب التسليم سواء كان فعليا أو مشروطا بحصول التمكن على التسليم مستقبلا فلا حظ طريان العجز على التسليم بعد تمام العقد و بعد التمكن عليه حيث لا يكون التكليف بالتسليم بعد طريانه الا مشروطا بحصول القدرة و ان شئت فلا حظ وجوب الوفاء بالنذر فإنه يترتب على تمام النذر و كما إذا نذر التصدق بدرهم على تقدير شفاء ولده مستقبلا لا يكون وجوب التصدق فعليا بمجرد النذر كذلك البيع في المقام حيث لا يتضمن في المقام الا الالتزام بدفع المبيع إلى المشترى على تقدير الظفر به مستقبلا.

و قد يعترض لهذا الجواب بأن الأصل عدم تقييد الوجوب كما يرد هذا الاعتراض بأن الأصل عدم اشتراط البيع

على تحقق القدرة على التسليم و كل من الاعتراض و الرد فاسد اما الاعتراض فلأن المستفاد من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ على تقدير كونه تكليفا ليس الا مطلق وجوب التسليم لا وجوبه الفعلي بلا تقدير كما ذكرناه في وجوب الوفاء بالنذر و مقتضى الأصل العملي أيضا هو مطلق الوجوب حيث انه المتيقن كما لا يخفى.

و اما الرد فلان اشتراط البيع بالتمكن على التسليم مقتضى الأصل العملي حيث ان الأصل في المعاملات الفساد و لو أريد من الأصل التمسك بإطلاق حل البيع فله وجه على تقدير عدم تمام الدليل على التقييد من حديث النهى عن بيع الغرر أو الروايات الواردة في بيع مثل العبد الآبق مع الضميمة فتدبر جيدا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 183

ثم ذكر اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة (1)

______________________________

(1) كان مراد صاحب الجواهر (ره) ان اختلافهم في تلك المسألة باعتبار عدم تسالمهم على اشتراط القدرة على التسليم و الا كان مقتضى لزوم إحراز الشرط عدم جواز بيعهما فالمقدار المتيقن كون العجز مانعا فلا يجوز البيع مع إحرازه لا مع الشك فيه لان مقتضى الأصل عدم المانع.

و أورد عليه المصنف (ره) أولا بأن العجز لا يمكن اعتباره مانعا عن البيع فإنه أمر عدمي و المانع يكون وجوديا يمنع عن الأثر و التقابل بين القدرة و العجز تقابل العدم و الملكة فيطلق العجز على عدم القدرة فيما يمكن اتصافه بالقدرة باعتبار شخصه أو كليه.

أقول المانع في المعاملات و العبادات غير المانع المعد عدمه من اجزاء العلة التامة حيث ان المانع المزبور لا يمكن كونه امرا عدميا لان العدم لا يمنع عن تأثير شي ء بل المراد به ما يكون عدمه مأخوذا في متعلق

الحكم أو موضوعه وضعيا كان أو تكليفيا و تقييد المتعلق أو الموضوع في جعل الحكم كتقييد هما بأمر وجودي أمر ممكن.

و بتعبير آخر لو كان التقييد بأمر وجودي فيطلق على ذلك الأمر الوجودي الشرط و لو كان بأمر عدمي يطلق على ذلك الأمر العدمي المانع فالمانعية ترجع الى الاشتراط لا محالة و بهذا يظهر ان ما ذكر- من ان الالتزام برجوع المانع في حقيقته الى الاشتراط فرار من المطر الى الميزاب لان العدم إذا لم يمكن كونه مانعا فكيف يمكن كونه شرطا حيث ان الشرط ما يكون واسطة في التأثير- لا يخفى ما فيه من خلطه بين الشرط الفلسفي و الشرط باصطلاح الفقيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 184

..........

______________________________

و أورد المصنف (ره) ثانيا بأنه لا مجال للفرق بين كون شي ء شرطا أو عدمه مانعا و انما يكون الفرق فيما إذا كان في البين أمر ان وجوديان مثل الفسق و العدالة و دار الأمر بين كون الفسق أى المعصية مانعا عن جواز الاقتداء في الصلاة مثلا أو العدالة شرطا فان في مثل ذلك يجوز الاقتداء مع الشك في عدالة الشخص و فسقه بناء على مانعية الفسق باستصحاب عدم كون الامام فاسقا و اما بناء على اعتبار العدالة فالأصل عدم كونه عادلا فلا يجوز الاقتداء به.

و السر في عدم الفرق في المقام هو ان مع استصحاب عدم القدرة على التسليم يحرز عدم صحة بيعه فان كانت القدرة شرطا فباعتبار عدم الشرط و ان كان العجز مانعا فباعتبار وجود المانع حيث ان العجز هو عدم القدرة و لو كانت الحالة السابقة هي القدرة فيحكم بالصحة على كلا الفرضين و هذا في الشبهات الموضوعية و اما

الحكمية فكما إذا شك في ان الشرط في البيع القدرة على التسليم في الجملة أو مستمرا و ان المانع العجز حال العقد أو مستمرا ففي غير مورد الدليل على الاشتراط أو المنع يؤخذ بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إطلاق دليل حل البيع بلا فرق بين اشتراط القدرة أو مانعية العجز.

و قد يقال ان استصحاب بقاء القدرة على التسليم لا يثمر في إحراز الشرط فان الشرط هو التمكن على تسليم العوضين و استصحاب التمكن على تسليم ماله الى الغير لا يثبت التمكن على تسليم المال بعنوان العوضين و لكن لا يخفى ما فيه من الوهن فان عنوان التمكن على تسليم العوضين مذكور في كلمات الأصحاب و اما الوارد في الأدلة أى المستفاد من النهى عن بيع ما ليس عنده اعتبار كون المال تحت سلطانه

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 3، ص: 185

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 185

ثم ان العبرة في الشرط المذكور انما هو زمان استحقاق التسليم (1)

______________________________

في جواز بيعه.

و ايضا قد يقال ان استصحاب بقاء القدرة أو استصحاب العجز يثمر بناء على كون القدرة على التسليم شرطا أو كون العجز مانعا كما إذا اعتمدنا على النهى عن بيع ما ليس عنده و اما إذا اعتمدنا على النهى عن بيع الغرر فبمجرد الجهل بكون المال في سلطانه يثبت الغرر في البيع فيحكم بفساده و لكن يمكن الجواب بان استصحاب القدرة يرفع الغرر فان مفاد دليل الاستصحاب اعتبار المكلف عالما بالبقاء كما ذكرنا ذلك في وجه قيام الاستصحاب مقام القطع المأخوذ في

الموضوع و الحاصل ما نحن فيه من قبيل استصحاب بقاء المبيع على كيله السابق أو وزنه السابق في ارتفاع الغرر.

ثم ان اختلاف الأصحاب في مسألة الضال و الضالة فليس وجهه ان القدرة شرط أو العجز مانع بل وجهه خلافهم في جريان دليل نفى الغرر في بيعهما حيث لا يكون على المشترى مع عدم قبض المبيع ضمانه بل ضمانه على بايعه قبل القبض فيقال لا غرر و لذا من التزم بالصحة حكم ببطلان البيع من زمان ظهور العجز لا من الأول و لو كان العجز الواقعي مانعا لقال بانكشاف البطلان من الأول.

(1) حاصل ما ذكر (ره) في المقام أنه لا يعتبر التمكن على التسليم في بيع لا يكون فيه استحقاق التسليم أصلا كما في بيع العبد ممن ينعتق عليه و كما في بيع الشي ء ممن يكون ذلك الشي ء بيده و كذا لا يعتبر التمكن على التسليم في زمان لا يكون فيه استحقاق التسليم للآخر فلا يضر عدم التمكن عليه حال الإيجاب أو القبول في جميع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 186

..........

______________________________

البيوع أو بعد البيع فيما إذا باع على اشتراط التأخير في التسليم الى زمان كبيع السلف أو النسيئة.

و يتفرع على عدم اعتبار التمكن على التسليم قبل تمام العقد أنه لا بأس بعدم التمكن على التسليم في بيع الفضولي قبل اجازة المالك حيث ان المشترى لا يستحق التسليم قبل أجازته و هذا على النقل ظاهر و اما على الكشف يعنى الحقيقي فلا يخلو عن الاشكال باعتبار ان المعاملة لازمة على الأصيل واقعا مع أنه لا يتمكن على تحصيل ما انتقل اليه فيكون البيع المزبور باعتبار عدم تمكنه على تحصيل ماله غرريا و يجرى

هذا الإشكال في مثل بيع الرهن ايضا قبل اجازة المرتهن أو فك الرهن و لا يجرى فيما إذا كانت المعاملة فضولية من الطرفين.

و ايضا يتفرع على عدم اعتبار التمكن على التسليم في غير زمان الاستحقاق انه لو لم يتمكن على التسليم في بيع الصرف الى زمان ثم اتفق القبض تم به البيع المزبور و هذا لعدم انتقال المال قبل القبض ليقال ان البيع مع انتقال المال الى الطرف و عدم تمكنه على تحصيل ذلك غرر و بتعبير آخر يكون عدم التمكن على التسليم في موارد اشتراط القبض نظير عدم تمكن المشترى على تحصيل المبيع حال إيجاب البائع أو حال قبوله في عدم إيجابه الغرر و الى ذلك يشير (ره) و كذا لو لم يقدر على تسليم ثمن السلم. يعنى لا يقدح في المعاملة عدم التمكن على تسليم ثمن السلم لان نفس تسليم الثمن شرط فيه و لو وقع التسليم تم البيع بلا غرر و لو لم يقع فلا بيع ليكون غرريا.

و على ذلك فلو كان عند إنشاء السلم متمكنا على التسليم و بعد إنشائه لم يتمكن على التسليم فبعروض العجز لا يكون البيع غرريا لان المفروض عدم تمام البيع ليكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 187

..........

______________________________

غرريا بل لو كان عروض العجز بعد الإنشاء معلوما حال العقد فلا يضر ذلك في صحة بيع السلم و تمامه لو اتفق التسليم قبل تفرقهما و قد تحصل مما ذكر أمران:

الأول- ان المعتبر من التمكن على التسليم حصول التمكن في زمان يستحق الآخر فيه التسلم فلا اشتراط في بيع لا يكون فيه استحقاق التسلم أصلا كبيع العبد ممن ينعتق عليه أو بيع المال ممن جرى يده

على المال مع الضمان كبيع العين المستعارة من مستعيرها المشروط عليه ضمانها كما لا اشتراط بالإضافة الى غير زمان استحقاق التسلم نظير بيع السلم و بيع النسيئة.

و الثاني انه يثبت الغرر في البيع أو غيره مع عدم التمكن على التسليم و يبطل به البيع في غير موارد يعتبر فيها اشتراط التسليم في نفس المعاملة كما في بيع الصرف و السلم و الرهن و غير ذلك مما يعتبر فيه القبض أقول لو باع المتاع الذي لا يتمكن فعلا على تسليمه بشرط تسليمه في زمان معين معتقدا تمكنه في ذلك الزمان و لكن ظهر بعد البيع عدم تمكنه عليه في خصوص ذلك الزمان فلازم ما ذكر من كون التمكن على التسليم في زمان استحقاق التسلم شرطا بطلان البيع المزبور و لا أظن التزامه أو التزام غيره بذلك.

و قد ذكروا في باب السلف انه لو لم يتمكن البائع على أداء ما عليه عند حلول الأجل فللمشتري الصبر الى وجدان المال أو فسخ العقد و لو كان التمكن حال استحقاق التسلم شرطا لزم بطلان البيع المزبور لا تخيير المشترى و الأظهر ان تسليم البائع المبيع بعد تمام البيع عند إطلاقه أو في الزمان المعين مع تقييد البيع بالتسليم في ذلك الزمان شرط في المعاملة بجعل من المتعاقدين و لو تخلف هذا الشرط و لو بظهور عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 188

فالقبض مثل الإجازة بناء على النقل (1) اللهم الا ان يقال ان المنفي في النبوي (2)

______________________________

تمكن البائع على تسليمه في ذلك الزمان يثبت للآخر خيار الفسخ و اما الشرط في صحة المعاملة شرعا فهو إمكان وصول المبيع بيد المشترى بعدم امتناع البائع عن التسليم

أو امتناع المشترى عن التسلم سواء كان هذا الوصول حال العقد أو بعده في أي زمان.

نعم بتعيين زمان التسليم يحصل أمر آخر معتبر في البيع و هو ارتفاع الغرر و الجهالة عنه و لكن و لا يعتبر في التعيين إحراز التمكن على التسليم في ذلك الزمان بل يكفى فيه احتمال التمكن عليه فيه و الشرط الأول اعتباره مستفاد من النهى عن بيع ما ليس عنده و ما ورد في بيع العبد الآبق أو غيره مع الضميمة.

و اعتبار الأمر الثاني مستفاد من حديث نفى الغرر و مما ورد في لزوم تعيين المدة في بيع السلم و نحوه و لا ينافي ذلك ما تقدم من ان التعيين بالإطلاق أو بالقرينة الخاصة شرط جعلي من المتعاقدين فان الشرط الجعلي يمكن ان يحصل به الشرط الشرعي المعتبر في المعاملة نظير ما إذا باع المكيل على ان يكون كيله كذا فإنه بهذا الاشتراط الموجب تخلفه الخيار يرتفع الغرر عن المعاملة فتدبر جيدا.

(1) يعنى القبض في موارد اعتباره في تمام المعاملة كبيع الصرف و عقد الرهن مثل الإجازة بناء على النقل و اولى من الإجازة بناء على كشفها في أنه كما لا يعتبر التمكن على التسليم قبل الإجازة كذلك لا يعتبر التمكن على التسليم قبل القبض في تلك الموارد.

(2) و حاصله أنه لا وجه للالتزام بأن النهي عن بيع الغرر ناظر إلى مانعية عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 189

و لو لم يقدر على التحصيل و تعذر عليهما (1)

______________________________

التمكن على التسليم في بيع يكون تاما حتى من قبل الشرط الشرعي أيضا ليقال انه لا مورد للنهي في موارد اشتراط القبض في البيع بل ظاهره مانعية الجهل في

بيع يكون تاما بنظر العرف و اعتبار العقلاء كما هو مقتضى كون متعلق النهى عرفيا فيكون المقام نظير الجهالة بمقدار المبيع في بيع الصرف فيما إذا علم بمقداره بالقبض فان الجهل بمقداره عند إنشائه يكون مبطلا و لا يفيد العلم به عند القبض.

أقول لا يخفى ما فيه فان مع اشتراط القبض في البيع لا يكون ذلك البيع غرريا و لو مع عدم إحراز التمكن على التسليم قبل القبض حيث ان القدرة المعتبرة إنما هي القدرة عند استحقاق المشترى التسلم فلا مورد لاعتبار هذه القدرة في بيع يكون القبض من شرط تمامه ليكون الجهالة بها موجبا للغرر بخلاف معلومية مقدار المبيع فإنه يمكن ان يقال باشتراط المعلومية في زمان إنشاء العقد كما مر فلا يفيد المعلومية بعد ذلك.

و المتحصل الجهالة بالتمكن على التسليم الموجب للغرر في سائر الموارد لا يوجبه مع اشتراط القبض في البيع بخلاف الجهالة على مقدار البيع فإنه و ان لا توجب الغرر في البيع مع معلومية المقدار قبل القبض الا انه يمكن ان يقال ببطلان البيع المزبور. لا للغرر بل لان الشرط في بيع المكيل أو الموزون و نحوهما معلومية المقدار حين الإنشاء كما لا يخفى.

(1) يعنى لو لم يقدر المشترى على تحصيل المبيع و تعذر التسليم على البائع و التسلم على المشترى إلا بعد مدة مقدرة عادة بحيث تكون تلك المدة مما لا يتسامح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 190

ففي الصحة إشكال (1) و ربما قيد بالكفاية (2)

______________________________

فيها فلو كان البيع باعتبار علمهما بالحال فلا خيار للمشتري بل عليه الصبر الى تلك المدة فإن البيع مع علمهما بالحال بمنزلة اشتراط التسليم بعدها و لو كان المشترى جاهلا

بالحال مع إطلاق البيع يثبت له الخيار لرجوعه الى تخلف شرط التسليم بعد العقد حيث ان ظاهر إطلاق البيع الالتزام بالتسليم بعده.

و لو كانت مدة التعذر غير مضبوطة فالأظهر بطلانه فإنه ظهر مما تقدم اعتبار تعيين زمان استحقاق التسليم و انه لا يكفي في رفع الغرر مجرد إحراز التمكن على التسليم في زمان ما.

(1) يكفي في تمام البيع تمكن المالك على التسليم حتى فيما كان العاقد وكيله كما أنه يكفى فيه تمكن الوكيل عليه سواء كان مفوضا أو مأذونا في إجراء العقد و اقباض المبيع و الوجه في الكفاية ان المعتبر من قدرة المالك على التسليم الأعم من التسليم بالمباشرة أو بالاستنابة و حيث ان التسليم المعتبر أعم من كونه بالمباشرة أو بالاستنابة فلا يضر الخطأ في الاعتقاد بان اعتقد المشترى تمكن العاقد ثم ظهر عجزه و ان المتمكن هو المالك و كذا الحال في تعيين مقدار المبيع فإنه يمكن الالتزام بكفاية إحراز مقدار الكيل أو الوزن من الوكيل العاقد إذا كان وكيلا في تعيين مقداره فما ذكره المصنف (ره) من عدم العبرة بقدرة العاقد كما لا عبرة بعلمه ضعيف.

(2) حكى في الجواهر عن بعض ان كفاية تمكن المالك على التسليم مع عجز وكيله العاقد فيما إذا كان المشترى حال العقد راضيا بتسلم المال من الموكل و كان الموكل ايضا راضيا برجوع المشترى عليه و مع عدم رضاهما بذلك يكون البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 191

و فيما ذكر من مبنى مسألة الفضولي (1)

______________________________

محكوما بالبطلان و لا عبرة بمجرد تمكن المالك بدون التراضي المزبور و فرع على ذلك بطلان بيع الفضولي و عدم تمامه بإجازة المالك.

و وجه التفريع ان العاقد الفضولي

لا يتمكن على التسليم باعتبار عدم كونه مالكا و مأذونا من المالك و لم يقع التراضي حال العقد من المشترى و المالك ثم اعترض على التفريع بأنه قد يكون العاقد الفضولي متمكنا على تسليم المال لعلمه بتمكنه على إرضاء المالك فيكون بهذا الاعتبار متمكنا على تسليم المال و أجاب عن الاعتراض بخروج الفرض عن بيع الفضولي و لا يكون مثل هذا البيع موقوفا على على اجازة المالك هذا و لو فرض عدم خروجه بذلك عن الفضولي فلا ريب في ان القائلين بصحة الفضولي و تمامه بالإجازة لا يقتصرون بالفرض المزبور بل يلتزمون بتمامه بالإجازة حتى فيما إذا لم يكن العاقد متمكنا على إرضاء المالك.

(1) و اما ما ذكره من مبنى المسألة من عدم كفاية تمكن المالك على التسليم الا مع رضاء المشترى برجوعه إليه و رضاء المالك بذلك ففساده باعتبار ما تقدم من عدم اشتراط ذلك نعم إذا وقع البيع بشرط اقباض العاقد ثم ظهر عدم حصوله الا من المالك يثبت للمشتري الخيار و هذا أمر آخر غير بطلان البيع.

و اما فساد التفريع فإنه يجب الالتزام بصحة عقد الفضولي و تمامه بإجازة المالك حتى إذا التزمنا بمبنى المسألة و ذلك فان المالك بإجازته يكون طرفا للمعاملة و يكون البيع بيعه و هو حال الانتساب متمكن على التسليم و لا يكون العاقد الفضولي طرفا في المعاملة ليعتبر تمكنه على التسليم.

و اما ضعف الاعتراض فباعتبار ان تمكن العاقد الفضولي بإرضاء المالك ليس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 192

[اشتراط العلم بالعوضين]
[المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا]

المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا (1)

______________________________

الا كعلمه بحصول الإجازة و هذا غير تمكن العاقد على تسليم المال و اما ضعف الجواب عن الاعتراض فلان

مع تمكن العاقد على إرضاء المالك مستقبلا لا يكون رضا المالك بالبيع فعليا ليخرج عن الفضولية بل خروج البيع عن الفضولية بالرضا المقارن ايضا مشكل.

(1) المشهور على اعتبار تعيين الثمن في البيع فلا يصح البيع بحكم أحدهما و يستدل على ذلك برواية النهي عن بين الغرر تارة فإن كون البيع غررا مع جهالة الثمن و لو بتردده بين الأقل و الأكثر لا يحتاج الى البيان و اخرى برواية حماد عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال يكره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم لانه لا يدرى كم الدينار من الدرهم «1» بدعوى ان عدم صحة استثناء الدرهم عن الدينار لجهالة نسبتهما و ترددها بين الأقل و الأكثر.

و لكن ظاهر المصنف (ره) كونها تأييدا لا دليلا و لعل ذلك باعتبار عدم ظهور الكراهة في بطلان البيع نعم رواية السكوني ظاهرها بطلان البيع فان فيها رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل، قال فاسد فلعل الدينار يصير بدرهم «2».

و لكن الرواية مقتضاها كون البطلان باعتبار عدم إحراز أصل الثمن في البيع لا للجهل بمقداره، هذا مع أنه يعارضها على ما قيل صحيحة رفاعة النحاس قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) ساومت رجلا بجارية فباعنيها بحكمي فقبضتها منه على ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت هذه الف درهم حكمي عليك ان تقبلها فأبى أن يقبلها منى و قد كنت مسستها قبل ان أبعث اليه بالثمن فقال أرى. أن تقوم الجارية قيمة عادلة فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن ترد عليه ما نقص من القيمة و أن كان

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12- الباب 23- من أحكام العقود.

(2) الوسائل الجزء 12- الباب 23- من أحكام

العقود.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 193

..........

______________________________

ثمنهها أقل ما بعثت اليه فهو له، قلت جعلت فداك ان وجدت بها عيبا بعد ما مسستها قال ليس لك ان تردها و لك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب منه «1» و وجه المعارضة ظهورها في صحة البيع بحكم المشترى.

و قد يجاب عن المعارضة كما عن المصنف (ره) بأنه لا يمكن الأخذ بظاهر هذه و اللازم طرحها قيل بصحة البيع بحكم المشتري أو بفساده و ذلك فإنه لو كان البيع بحكمه صحيحا فلا وجه لضمان المشتري قيمة المثل فلا بد من توجيه ذلك و لو بالقول بتعيين الثمن في قيمة المثل كما في الحدائق كما انه لا بد من توجيهها على تقدير فساد البيع بحكم أحدهما بحملها على التوكيل في بيع الجارية و لو من نفسه و ان الوكيل بعد ما باعها من نفسه بالمعاطاة أو غيره ادعى البائع الغبن في بيعها فيكون دفع المشتري قيمة مثلها تخلصا من فسخ بيعها بخيار الغبن أو بحملها على حمل الجارية بعد بيع الوكيل و صيرورتها أم الولد حيث أن صيرورتها أم الولد مانع عن ردها لا أن الرواية تحمل على صورة تلف الجارية ليقال ان قوله (ع) في ذيل الرواية «و ليس لك ان تردها» قرينة على عدم تلفها هذا كله مع ظهور الغبن، و اما مع عدم ثبوته فلا يكون للمشتري حق استرداد ما بعث به الى البائع من الزيادة على قيمتها.

و الحاصل ان ما عن الحدائق من حكمه بصحة البيع بحكم أحدهما و انصراف الثمن إلى قيمة المثل ضعيف كما ترى و ان ما ذكره الإسكافي من صحة البيع فيما إذا لم يعين

الثمن بأن قال بعتك بسعر ما بعت من غيرك و يكون للمشتري خيار الفسخ و به يرتفع الغرر ضعيف، فأن الخيار حكم شرعي يترتب على البيع الصحيح ثم لو كان

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12- الباب 18- من عقد البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 194

[المعروف أنه يشترط العلم بالمثمن قدرا]
اشارة

المعروف أنه يشترط العلم بالمثمن قدرا (1)

______________________________

مجعولا من المتعاقدين يمكن كونه رافعا للغرر كما في بيع العين الغائبة بالتوصيف الا انه لا يجري في ذكر الثمن بوصف مجهول كما لا يخفى.

و يمكن استظهار اعتبار تعيين الثمن و عدم جواز كونه مجهولا مما ورد في لزوم الاعتبار في المثمن و تعيين المدة المضروبة له بما يرتفع معه التردد بين الأقل و الأكثر كما في تعيين السلف بالشهور لا بوقت الحصاد و نحوه. فإنه لا يحتمل مع اعتبار ذلك في ناحية المثمن أن لا يعتبر في ناحية الثمن و لذا استدلوا على اعتبار تعيين المدة في بيع النسبة بالأخبار الواردة في السلف.

لا يقال فما وجه ضعف ما عليه الحدائق مع كونه موافقا للصحيحة فإنه يقال ظاهر الصحيحة تمام البيع بحكم أحدهما و انتقال المبيع إلى المشتري بالثمن الواقع عليه الحكم فيما إذا لم يكن أقل من ثمن المثل و مع كونه أقل يكون عليه ثمن المثل و ترديد الثمن بين الأمرين أحدهما جعلي و الآخر من الشرع غير معهود و لو كان هذا الحكم مع كثرة الابتلاء بمثل هذه المعاملة ثابتا لكان من الواضحات عند الأصحاب فكيف الظن مع عدم الإفتاء بالظهور المزبور في كلام أحد.

(1) يعتبر العلم بقدر المثمن كالعلم بقدر الثمن بلا خلاف ظاهر و عن التذكرة و غيرها دعوى الإجماع عليه و يشهد له مضافا إلى

حديث النهى عن بيع الغرر ما ورد المدة في خصوص المكيل كصحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) انه قال في رجل اشترى من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم و ان صاحبه قال للمشتري ابتع منى هذا العدل الأخر بغير كيل فأن فيه مثل ما في الأخر الذي ابتعت قال لا يصلح الا بكيل و قال و ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح «لا يصح» مجازفة و هذا مما يكره من بيع الطعام فان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 195

..........

______________________________

ظاهر (ما كان من طعام سميت فيه كيلا) الكناية عن كونه مكيلا كما ان ظاهر عدم صلاح بيعه مجارفة بطلانه و لا ينافي ذلك ما في ذيلها هذا مما يكره من بيع الطعام فإن الكراهة في الروايات لا تكون ظاهرة في المعنى الاصطلاحي المقابل للحرمة و عدم الجواز بل معناها ما يناسب مع كل منهما.

و كذا لا ينافي ما في صدرها من عدم الاعتبار بقول البائع بأن العدل الآخر على قدر ما اشتراه بكيل و وجه عدم المنافاة انه ليس المراد عدم جواز الاعتماد بإخبار البائع في الشراء على شرط ذلك الكيل المخبر به بل المراد شرائه بلا اشتراط زاد أو نقص و على تقدير إطلاق الصدر يرفع اليد عنه بما يدل على جواز الشراء بشرط الكيل المخبر به فيبقى تحت الصدر صورة وقوع الشراء بلا شرط و بنحو المجازفة.

لا يقال توصيف الطعام بكونه مما سميت فيه الكيل ظاهره كون الطعام نوعين مع أنه ليس الطعام خارجا غير المكيل حيث لا يقال للزرع القائم على الأرض أنه طعام و الحاصل انه لا يكون الوصف المزبور كناية عن كون

الطعام مكيلا كما ذكر في وجه الاستدلال لان لازم كونه كناية كونه توضيحيا فلا بد من كون المراد مما سميت فيه الكيل المعنى الأخر كاشتراط الكيل في بيعه أو اخبار البائع به و من الظاهر ان لزوم رعاية الكيل في صورة الاشتراط أو الاخبار به لا يقتضي لزوم رعايته في غير فرضهما كما هو المدعي.

فإنه يقال لو لم يعتبر الكيل في بيع الطعام يكون اشتراط الكيل فيه كسائر الشروط في كون لزوم العمل بها حقّا فيصح للمشروط له إسقاط حقه و لا يناسب ذلك قوله (ع) فإنه لا يصلح مجارفة و كذا في صورة أخبار البائع به فالمتعين حمل قوله (ع) ما سميت فيه كيلا على الكناية عن كون المبيع مكيلا حتى مع اقتضاء ذلك كون الوصف توضيحيا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 196

و رواية أبان عن محمد بن حمران (1)

______________________________

فضلا عن الاحتراز عن صورة كونه موزونا كما في بعض البلاد.

و اما دعوى أن الطعام يعم مثل اللحم و نحوه من غير المكيل فالقيد احتراز عنه، يدفعها ملاحظة موارد استعمال الطعام بلا قرينة حيث ان ظاهره الحنطة و الشعير في الروايات و غيرها فلا حظهما.

و موثقة سماعة قال سألته عن شراء الطعام و ما يكال و يوزن هل يصلح شرائه بغير كيل و لا وزن فقال اما ان تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن تشترى منه مرابحة فلا بأس ان اشتريته منه و لم تكله و لم تزنه إذا كان المشتري الأول قد أخذه بكيل أو وزن و قلت له عند البيع إني أربحك كذا و كذا و قد رضيت بكيلك و وزنك فلا بأس «1» حيث ان دلالتها

على عدم جواز بيع الطعام و سائر ما يكال أو يوزن بغير الاعتبار فيما إذا لم يكن معتبرا في السابق أوضح من الصحيحة السابقة حيث ليس فيها مورد للمناقشة السابقة و لو كانت المناقشة ضعيفة.

(1) ثم ان في البين روايات باعتبار ضعف سندها أو دلالتها لا تصلح للاستدلال و لكن لا تخلو عن التأييد بها، منها صحيحة محمد بن حمران قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) اشترينا طعاما فزعم صاحبه أنه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس فقلت ا يجوز ان أبيعه كما اشتريته بغير كيل قال لا. اما أنت فلا تبعه حتى تكيله «2».

فإنه ربما يقال بدلالتها على عدم جواز بيع المكيل بدون الكيل و لكنه لا يخلو عن التأمل فإن اللازم حمل المنع فيها على الكراهة لان اخبار البائع بكيل المبيع

______________________________

(1) الجزء 12 الباب 5 عقد البيع.

(2) الجزء 12 الباب 5 عقد البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 197

..........

______________________________

طريق شرعي إلى إحراز كيله فبيعه ثانيا من شخص آخر اعتمادا على اخبار بايعه سابقا ليس من بيع الطعام بلا تعيين كيله ليحكم بفساده و لعل النهى المزبور باعتبار ان اخبار البائع ظاهر في الشهادة التي لا تصح بمجرد اخبار البائع الأول.

و اما ما ذكره المصنف (ره) من دلالتها على عدم جواز البيع بغير كيل إلا إذا أخبر به البائع فصدقه المشترى فلا يمكن المساعدة عليه فان فرض كيل الطعام و اخبار البائع به مأخوذ في السؤال لا قيد لنفي البأس في الجواب ليدل القيد على عدم الجواز بدونه.

و منها رواية أبي العطارد عن ابى عبد اللّٰه (ع) قلت فاخرج الكر و الكرين فيقول الرجل أعطنيه بكيلك قال إذا

ائتمنك فلا بأس فإنها بفحوى مفهومها دالة على اعتبار الكيل و انه لا يصح البيع بدونه فإنه إذا لم يجز البيع بكيل لا يصدقه المشترى كما هو المفهوم لم يجز البيع فيما إذا لم يكن كيل أصلا.

و منها مرسلة عن ابن بكير قال سئلت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يشترى الجص بكيل بعضه و يأخذ البقية بغير كيل فقال اما ان يأخذ كله بتصديقه و اما ان بكيله كله فان ظاهر هذه ايضا عدم جواز الشراء بلا اعتبار المبيع و تعيين كيله و لو بإخبار البائع و النهى عن التفكيك إرشاد الى عدم الجدوى فيه فأن مع تصديق البائع لا حاجة الى كيل بعضه ايضا و مع العلم بكذب البائع لا يقيد كيل البعض المزبور من اعتبار الباقي، هذا لو كان المراد بكيل البعض و تصديق بائعه في البعض الآخر عند البيع و اما بناء على كون المراد شراء الكلى و كيل البعض و التصديق في البعض الأخر في مقام الاستيفاء و قبض الكلى فعدم دلالتها على اشتراط البيع أى بيع العين الخارجية بالكيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 198

ثم ان ظاهر إطلاق جميع ما ذكر أن الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي (1).

______________________________

أو بإخبار بايعه به ظاهر.

(1) اعتبار الكيل و الوزن مترتبان في الروايات على كون المبيع مكيلا أو موزونا لا على كون البيع مع عدمهما غررا و بتعبير آخر لو كان المدرك لاعتبار الكيل و الوزن رواية النهي عن بيع الغرر لكان لزوم الكيل و الوزن و عدم لزومهما دائرا مدار الغرر و عدمه و لو لم يكن غرر بدونهما فلا بأس بعدم الاعتبار كما إذا كان جنس مساويا

مع جنس آخر في القيمة السوقية و أريد معاوضة أحدهما بالاخر فإنه لو وضعا في كفتي الميزان بحيث أحرز تساويهما في المقدار كفى في ارتفاع الغرر و أن لم يكن وزن كل منهما معلوما.

و المراد من الاعتبار بالغرر الشخصي ملاحظة كل فرد من البيع و كونه مع عدم الكيل أو الوزن غرريا أم لا و لكن العمدة في اعتبار الكيل أو الوزن الروايات المتقدمة الظاهرة في اعتبارهما و مقتضاها عدم الجواز في المثال و أنه لا يكون دائرا مدار حصول الغرر و عدمه بل المدار كون المبيع مكيلا أو موزونا نعم يمكن ان يكون ارتفاع الغرر حكمة في اعتبار الكيل و الوزن في بيع المكيل أو الموزون و الظاهر ان الحكم يتبع موضوعه لا حكمته و هذا هو المراد بالغرر نوعا.

و قد تحصل مما ذكرنا ان الغرر و ان لم يكن في الأمثلة المذكورة في عبارة المصنف (ره) و لا يعمها حديث النهى عن بيع الغرر و لكن يعمها الروايات الظاهرة في أن المكيل أو الموزون لا يصلح بيعه الا بالكيل أو الوزن و هذا مع قصد البيع و اما إذا أريد إنشاء المعاوضة بين الجنسين فلا تدخل في تلك الاخبار ايضا و قد تقدم في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 199

[ثم أن الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون]
اشارة

ثم أن الحكم في المعدود و وجوب معرفة العدد فيه حكم المكيل و الموزون (1)

______________________________

أول الكتاب أن المعاوضة بإنشائها لا تدخل في عنوان البيع بل المعاوضة عنوان مستقل يعمها مثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

ثم لا يخفى انه ربما يكون جنس مكيلا أو موزونا في حال و يكون معدودا في حال آخر فإن الفضة أو النحاس من الموزون عند عدم

كونهما بصورة الدرهم و الفلس و إذا كان بصورتهما مع رواج سكتهما كالمعمول في عصرنا الحاضر فلا يعتبر وزنهما و لا بأس بجعل أحدهما ثمنا مع الجهالة بوزنه و ايضا لو كان العوض أقل من الأخر المفروض كونهما من جنس واحد كما إذا اعطى المسكوك بسكة مأة فلس بدرهمين مسكوكين كل منهما بخمسين فلسا مع كون العوضين عن جنس واحد و وزن أحدهما أكثر من العوض الأخر فلا يكون من الربا في المعارضة حيث ان الربا لا يجري في المعدود.

(1) يعتبر في بيع المعدود العد بلا خلاف ظاهر قديما و حديثا الا عن الأردبيلي (ره) حيث منع الاعتبار و يستدل عليه بصحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) انه سئل عن الجوز لا نستطيع أن نعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك العدد قال لا بأس و قيل بعدم الدلالة لها على اعتبار العدد فإنه و ان يظهر فيها ان الاعتبار كان مرتكزا للسائل و لكن لا يلزم الردع عن مثل هذا الارتكاز مما لا يوجب ارتكاب الحرام أو ترك الواجب خصوصا مع تجويزه (ع) الكيل في الفرض مع وضوح ان المعدود مع اختلاف حجمه من حيث الصغر و الكبر لا يحرز عدده بالكيل الا على وجه التخمين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 200

وعد العلامة البطيخ و الباذنجان (1).

لو قلنا يأن المناط في اعتبار تقدير المبيع (2)

______________________________

و لا يخفى ما فيه فان لزوم إرشاد الجاهل في الشبهة الحكمية و بيان الحكم الشرعي فيها لا يختص بالواجبات و المحرمات و أن الكيل في مثل الفرض يجعل طريقا إلى إحراز العدد و لذا لا يكفى فيه مجرد

التخمين.

(1) هذا راجع الى تعيين الصغرى و انه في السلم لا بد من اعتبار الوزن حتى في المعدودات و انما يعتبر العدد فيها في بيع الحال باعتبار إحراز وصفها بالمشاهدة و فيه ما لا يخفى فان الوصف فيها حتى من حيث الحجم يعرف بالوصف و مقداره بالعدد فلا وجه لاعتبار الوزن فيها حتى في السلم.

(2) و حاصله انه لو قيل بأن المعتبر في البيع انتفاء الغرر فيه أى الجهالة الموجبة للخطر و الضرر فلا ينبغي التأمل في جواز بيع المكيل بالوزن و بالعكس و كذا بيع المعدود بالوزن أو الكيل مع فرض انتفاء الغرر بهذا النحو من الاعتبار بل يكفي في بيع ما ذكر المشاهدة مع فرض انتفائه و لكن كون المعيار انتفاء الغرر خلاف ظاهر كلماتهم و ان انتفائه في تقدير المبيع بالكيل أو الوزن أو العد حكمة سدا لباب التنازع فيما بعد كما هو الحال في حكمة بعض الأمور المعتبرة في أكثر المعاملات.

و إذا كان الأمر كذلك فيقع الكلام في جواز تقدير كل من المكيل و الموزون و المعدود بالآخر بأن جعل التقدير الأخر طريقا إلى إحراز التقدير المعتبر فيه بان يجعل الكيل طريقا الى وزنه أو عدده و بالعكس و جعله طريقا لا يحصل بمجرد القصد ليقال انه لا دخل للقصد في خروج البيع عن الجزاف و عدم خروجه بل المراد من الجعل نظير الكيل الوارد في بيع الجوز في استكشاف العدد بالكيل أو بالعكس و إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 201

..........

______________________________

كان التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه فيمكن ان يقال بجواز ذلك خصوصا فيما إذا كان التقدير المعتبر فيه عسرا.

و الوجه في الجواز ان المبيع في هذه

الصورة قد بيع بالتقدير المعتبر فيه غاية الأمر قد أحرز ذلك التقدير بالطريق الأخر و يؤيد ذلك رواية عبد الملك بن عمر قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) اشترى مأة رواية من زيت فاعترض رواية أو اثنتين فائتزنهما ثم آخر سايره على قدر ذلك قال لا بأس فإن أخذ سائره بقدر ما فرض وزنه انما يكون بجعل ظرف الزيت طريقا إلى إحراز وزنه و استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذره بوزن واحد من المتعدد و نسبة الباقي اليه.

و عطف على الاستدلال بها قوله و لانه يحصل العلم بالوزن و مقتضى المعطوف عدم انحصار جواز التقدير بالنحو المزبور بصورة تعذر الوزن و تقييد الجواز في كلامه بصورة التعذر لاستظهاره القيد المزبور من الرواية المشار إليها و بما أنه قيد غالبي لا يقتضي انحصار الجواز بتلك الصورة و لكن عدم الاقتضاء مع فرض ان الجواز في التقدير بالنحو المزبور على القاعدة لما ذكرنا من انه في الحقيقة بيع ذلك الشي ء بذلك التقدير و الا لما كان التجويز في فرض التعذر تجويزا لما ذكر مطلقا.

و إذا كان التفاوت المحتمل فيه غير متسامح فيه فالظاهر الجواز ايضا مع البناء على المقدار المستكشف و معنى البناء هو الاشتراط بان لو علم التفاوت لكان للمشتري الرجوع الى البائع بمقدار النقص أو للبائع الرجوع الى المشتري بمقدار الزيادة نظير الاشتراء بإخبار البائع بالوزن أو الكيل و ما تقدم في صحيحة الحلبي من المنع عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 202

ثم أنه لو علم ما ذكرنا أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم (1)

______________________________

كيل أحد العدلين و شراء الأخر بحسابه محمول على الشراء بدون البناء.

أقول

إذا جعل الكيل في الوزن طريقا الى الوزن أو في المعدود طريقا الى العدد بحيث لو انكشف تخلف الكيل المزبور عن العدد المكشوف يثبت للمشتري حق المطالبة بمقدار النقص أو للبائع باسترداد الزائد فلا يفرق في ذلك بين كون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه و عدمه و يكون الفرض كما لو اشترى الموزون بالوزن و انكشف بعد ذلك نقصان الوزن بمقدار يتسامح فيه فإنه يكون للمشتري حق المطالبة بمقدار النقص.

و اما إذا لم يكن الوزن في المكيل أو بالعكس طريقا فالأظهر عدم الجواز بلا فرق بين الموزون و المكيل و ذلك فإن المالية في الموزون يعلم بالوزن و في المكيل بالكيل حتى لو سلم بأن الوزن أصل في الكيل فان كونه أصلا لا ينافي هجره فعلا في تقدير مالية المكيل بحيث يكون بيعه بلا كيل من بيعه جزافا نظير بيعه بمل ء اليد أو بقصعة مجهولة المقدار مع أن ما ذكر (ره) من ان المكائيل المتعارفة على اختلافها في المقدار ليس لها مأخذ الا الوزن يمكن عكسه بأن الموازين المتعارفة المختلفة في الأماكن المختلفة ليس لها مأخذ الا الكيل.

(1) لم يعلم مما تقدم عدم جواز البيع في الموزون بالوزن المتعارف في ذلك البلد فيما إذا لم يعرفه المشترى و لا يكفي معلومية عنوان الحقة أو الوزنة أو غير ذلك من العناوين و كيف يكون الفرض مثل بيع الشي ء بالمشاهدة مع ان في الأول لو أحرز نقص المبيع عن المقدار المعنون لكان للمشتري المطالبة بما يقابله من الثمن بخلاف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 203

فأن الظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال الضرورة (1)

[بقي الكلام في تعيين المناط في كون شي ء مكيلا]

بقي الكلام في تعيين المناط في

كون شي ء مكيلا (2)

______________________________

بيعه بالمشاهدة أضف الى ذلك جريان السيرة على البيع و الشراء من الغرباء الواردين في البلاد المختلفة و المعاملة مع أهلها بالكيل أو الوزن المعروف عند أهل تلك البلاد من غير علمهم بنسبة ذلك الكيل أو الوزن الى الكيل أو الوزن المعروفين في بلادهم فتدبر جيدا.

(1) لم يعلم من ظاهر السؤال ما ذكر بل ظاهره ارتكاز اعتبار إحراز العدد في بيع مثل الجوز و عدم التعرض في الجواب لردعه مقتضاه تقريره على مرتكزه و على ذلك فلا بأس بجعل الكيل أو الوزن طريقا الى العدد على قرار ما تقدم من جعل الكيل طريقا الى الوزن و عكسه اما بيع المعدود بالكيل أو الوزن بما هو من غير جعلهما طريقا الى العدد فالأظهر عدم جوازه فيما إذا كان تعيين مالية المتاع بالعدد دون الوزن أو الكيل بل بيعه بأحدهما لا يخرج البيع عن الجزاف و المشاهدة و ما قيل من كفاية الوزن في بيع المعدود أو تعينه في السلم لا يمكن المساعدة عليه الا إذا أريد ما يكون تعيين المالية فيه بالعدد و بالكيل أو بالوزن ايضا و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(2) و حاصله أنه قد ذكر ان المعيار في كون متاع مكيلا أو موزونا عصر النبي (ص) فكل متاع كان في عصره مكيلا فاللازم بيعه كيلا في جميع البلاد و جميع الأعصار و كذلك ما كان و في عصره موزونا فاللازم أن يباع وزنا كما ذكر حتى فيما جرت العادة على بيعه بالعد و المشاهدة حيث ان البيع على العادة المتأخّرة محكوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 204

..........

______________________________

بالبطلان نعم لو لم يكن شي ء في زمانه (ص) مبيعا بالكيل

أو الوزن و لو بعدم وجود ذلك الشي ء في ذلك العصر فالمتبع فيه عادة البلدان فأن كان في بلد مكيلا فيباع في ذلك البلد بالكيل و في الأخر موزونا فيباع في ذلك الأخر بالوزن و قد نسب ذلك في مجمع البرهان و الحدائق إلى إجماع الأصحاب و اتفاقهم.

و قد أورد على ذلك في الجواهر بان ما في كلمات الأصحاب من أن ما كان يباع كيلا في عصره (ص) يباع كيلا في جميع البلدان و ما كان يباع وزنا يباع في جميع البلدان بالوزن راجع الى جريان الربا في معاوضة الشي ء بجنسه لا إلى مسألة اعتبار التعيين في العوضين في البيع و بتعبير آخر كل متاع كان يباع في عصره كيلا، فلا يجوز مبادلته بجنسه بالزيادة أو النقيصة حتى ما إذا صار ذلك المتاع في العصور التالية من المعدود أو يباع بالمشاهدة و كذلك ما إذا كان في عصره (ص) موزونا و اما أنه يعتبر في بيع الأول، الكيل حتى في العصور التالية و في بيع الثاني الوزن مع خروجهما الى المعدود فلا دلالة في كلماتهم على ذلك فضلا عن ان يكون إجماعا بل المعيار في اعتبار الكيل أو الوزن أو العدد في بيع شي ء عادة كل بلد في كل عصر و دخول الربا في المعاوضة مسألة و اعتبار الكيل أو الوزن في بيع الشي ء مسألة أخرى فلا يكون الإجماع في الأولى إجماعا في الثانية.

و ناقش المصنف في كلام صاحب الجواهر بان ما ذكروه معيارا في كون شي ء مكيلا أو موزونا في باب الربا فهو معيار لاعتبار الكيل أو الوزن في بيع الشي ء في جميع البلاد و جميع العصور.

و استشهد لذلك بوجوه ثلاثة- الأول ملاحظة كلام

الشيخ (ره) في المبسوط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 205

..........

______________________________

حيث ذكر فيه انه لو كانت العادة في عصره (ص) الكيل في بيع شي ء لم يجز بيعه الا كيلا في سائر البلاد و ما كان في عصره (ص) بيعه وزنا لم يجز بيعه الا وزنا في سائر البلاد و الأصل في بيع شي ء كيلا الكيل عند أهل المدينة و في بيعه وزنا الوزن عند أهل مكة هذا كله بلا خلاف.

و اما إذا لم تعرف العادة في عصره (ص) فالمتبع في بيع ذلك الشي ء عادة كل بلد الثاني أن الموضوع في المسئلتين أى مسئلة جريان الربا في المعاوضة و مسئلة اعتبار العوضين بالكيل أو الوزن أمر واحد و هو كون الشي ء ما يكال أو بوزن و إذا ذكر تحديد الموضوع في المسئلة الاولى يكون ذلك تحديدا للموضوع في المسئلة الثانية أيضا الثالث القياس الاستثنائي و هو أن الربا إذا جرى في معاوضة شي ء بجنسه يعتبر الكيل أو الوزن في بيعه في جميع الأعصار و البلدان على ما هو ظاهر كلماتهم و لكن الربا يجرى فيما كان موزونا أو مكيلا في زمان الشارع (ص) فتكون النتيجة أنه إذا كان شي ء في زمانه (ص) مكيلا أو موزونا فيعتبر الكيل أو الوزن في بيعه في جميع البلدان و العصور حتى إذا صار بعد ذلك عادة البلدان على خلاف ذلك و انتفاء الغرر فيه بالعد أو بالمشاهدة فإن انتفاء الغرر كما تقدم حكمة لا أنه علة في اعتبار المبيع و تعيين مقداره.

و يترتب على ما ذكر انه لو ثبت بيع شي ء في عصر النبي (ص) بالمشاهدة ثم جرت العادة في العصور التالية بيعه بالوزن أو الكيل فلا

يعتبر في بيعه الوزن أو الكيل مع ان ذلك خلاف ظاهر الروايات مثل قوله (ع) ما من طعام سميت فيه كيلا فلا يصلح بيعه مجازفة فإن ظاهرها وضع المكيال في بيعه في عصر الامام (ع) أو في عادة عرف السائل أو المتبايعين و أجاب (ره) عن ذلك بأنه يمكن أن يكون هذا التعبير و نظيره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 206

..........

______________________________

باعتبار أنه لم يتغير الأشياء في زمانه (ع) عما كانت عليه في زمان النبي (ص) و لكن يبقى في البين أنه مع إرجاع الاخبار الى اعتبار الكيل أو الوزن في الأشياء التي كانت تباع في زمانهم بالكيل أو الوزن فلا وجه للالتزام بأنه إذا لم يحرز في شي ء ذلك يكون المتبع فيه العرف العام فعلا.

و مع عدم العرف العام و اختلافه فالمتبع في كل بلد عادة عرفه فان الأخبار المشار إليها لا تكون ظاهرة في رعاية هذه الأمور خصوصا بنحو الترتب على ما نطقت به كلماتهم.

و قد تصدى (ره) للجواب عن ذلك كله بحمل الاخبار المشار إليها على لزوم رعاية العادة المعروف بين المتبايعين في كل عصر فان ظاهر تلك الاخبار بيان جعل الحكم بمفاد القضية الحقيقية غاية الأمر يؤخذ في الأحكام الثابتة على خلاف ذلك بالإجماع بأن يقال لو كان شي ء في عرف المتبايعين يباع بالمشاهدة و لكن أحرز أنه كان في عصر النبي (ص) مكيلا أو موزونا لا يجوز فيه الربا و لا يجوز بيعه الا بالكيل أو الوزن في جميع البلاد و جميع العصور.

أقول اما دعوى الإجماع على ان العبرة في حرمة الربا و لزوم تعيين العوضين بالكيل أو الوزن كون طبيعي الشي ء في عصر النبي (ص) مكيلا

أو موزونا بحيث لو خرج عن كونه مكيلا أو موزونا بعد ذلك فيحرم ايضا الربا فيه بل يعتبر الكيل أو الوزن في بيعه إلى الأبد فهذا خارج عن الاخبار الواردة في البابين فان ظاهرها اعتبار الكيل أو الوزن و حرمة الربا في بيع الشي ء و المعاوضة عليه ما دام كونه معنونا بعنوان المكيل أو الموزون كما هو الظاهر الاولى في كل حكم جعل بعنوان القضية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 207

[إخبار البائع بمقدار المبيع]

ثم ان الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا (1)

______________________________

الحقيقة و حمل الاخبار على القضية الخارجية أو على القضية الحقيقية بمعنى ان كون طبيعي معنونا بعنوان المكيل و الموزون في زمان صدور الاخبار يوجب حرمة الربا فيه و اعتبار الكيل و الوزن في بيعه إلى الأبد خلاف الظاهر الاولى في الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية و ما ذكر من ان العبرة في الحكم بزمان النبي (ص) لا يحرز عمومه لاعتبار العوضين و لا يثبت الإجماع في البابين بمجرد كلام الشيخ في المبسوط و العلامة في التذكرة مع ان الإجماع في باب حرمة الربا في المعاوضة أيضا مخدوش لعدم إحراز أصل الاتفاق و عدم إحراز كونه إجماعا تعبديا لاحتمال أنهم أفتوا بما ذكر لزعمهم ان ما ذكر مقتضى بقاء حلال محمد (ص) على حلاله و حرامه على حرمته الى يوم القيمة و أن حكمي على واحد حكمي على الجماعة فتدبر.

(1) اعتبار خبر البائع في صورة كونه مفيدا للاطمئنان و الوثوق أو كون المخبر ثقة لا اشكال فيه و في صحيحة محمد بن حمران قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) اشترينا طعاما فزعم ان صاحبه أنه كاله فصدقناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس

فقلت أ يجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل قال لا اما أنت فلا تبعه حتى تكيله و اما إذا لم يكن خبر البائع كذلك فهل يكفي أخباره في جواز الشراء فقد أشكل المصنف (ره) و ذكر أن الأقوى اعتبار الظن بناء على أن اعتبار تقدير المبيع بالكيل أو الوزن و العد لا يدور مدار الغرر الشخصي فيكفي الاخبار المزبور فيما إذا كان البيع مبينا على المقدار المخبر به لارتفاع الغرر بالاشتراط.

أقول لو كان الملاك اعتبار رفع الغرر فلا حاجة الى الاخبار ايضا بل لو كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 208

و على تقدير الحكم فيه بالصحة فلو تبين (1)

______________________________

البيع بشرط كونه كذا مقدارا صح و لو لم يخبر البائع بذلك المقدار بأن قال أنى لا اعلم وزنه و لكن أبيعه على أن يكون كذا مقدار أو يرتفع الخطر باشتراط الخيار للطرفين من غير تعيين للمقدار ايضا و صحة البيع كذلك يشكل الالتزام بها لقوله (ع) و اما أنت فلا تبعه حتى تكيله فإنه لو لم يجز البيع استنادا الى اخبار البائع الأول فكيف يجوز مع اشتراط الخيار كما لا يخرج عن المجازفة بمجرد اشتراط المقدار.

و الحاصل انما يجوز الشراء بإخبار البائع فيما إذا خرج البيع بالاعتماد عليه عن البيع بالمجازفة و خروجه به عنها يحصل بأمرين كون اخباره موجبا للوثوق و الاطمئنان و كون الشراء مبنيا على المقدار المخبر به و النهى عن البيع قبل الكيل محمول على صورة وقوع البيع بدون الاخبار المزبور و غير مبنى على المقدار المعين و مما ذكرنا يظهر الفرق بين أوصاف المبيع و بين كيله و وزنه فان المعتبر فيه خروج البيع عن الغرر

و في الثاني إحراز كيله أو وزنه كما هو مفاد الاخبار و على ذلك فيكفي في الأوصاف اشتراطها و لا يكفي في الكيل و الوزن إلا إحراز هما بوجه معتبر كما تقدم.

(1) أقول قد تقدم انحلال البيع بالإضافة الى الاجزاء الخارجية فيما إذا كان بيعه من قبيل بيع المتعدد و عليه فظهور النقص يكون من قبيل عدم بعض المبيعات و لازمه رجوع ما يقابله من الثمن إلى المشترى و في صورة ظهور الزيادة يبقى الزائد على ملكه و لا يكون ذلك موجبا لبطلان البيع رأسا كما في صورة اختلاف الموجود خارجا مع عنوان المبيع عرفا كما إذا باع فرسا فبان حمارا و لا يكون من قبيل تخلف الوصف الموجب للخيار بين إبقاء البيع بحاله أو فسخه نعم يجرى فيما نحن فيه مع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 209

[بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء]

بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء (1)

______________________________

التخلف بالزيادة و النقيصة خيار فسخ البيع لتبعض الصفقة كما لا يخفى.

(1) المراد بالبعض ما يقابل تمام المجموع فيعم البعض جميع الأقسام الآتية كما أن المراد بمتساوية الاجزاء كون الجملة مشتملة على أبعاض يساوى بعضها مع بعضها الأخر في العنوان كصاع من صبرة فيمكن أن يريد بقوله بعت صاعا من هذه الصبرة الحصة التي يكون كيلها صاعا و بقوله بعت ذراعا من هذا الكرباس الحصة التي تكون مساحتها ذراعا و بقوله عبدا من العبدين نصف كل منهما و لا ينبغي التأمل في صحة بيع البعض من الجملة كذلك و كون المشترى شريكا مع البائع بالحصة المقدرة بعنوان الصاع و نحوه أخذا بأدلة حل البيع و وجوب الوفاء بالعقود و لكن اختار في التذكرة في بيع عبد من

عبدين أو شاة من الشاتين البطلان فيما إذا كان المراد بالعبد أو الشاة الحصة المشاعة و حيث أنه لا يمكن للعلامة أن يلتزم بعدم جواز تمليك الحصة من العبدين أو الشاتين للآخر مجانا أو بالعوض فلا بد من ان يكون حكمه بالبطلان في الفرضين باعتبار عدم ظهور عبد من عبدين أو شاة من شاتين في الإشاعة و يعتبر في صحة البيع ظهور الكلام في المراد بالإضافة إلى العوضين ايضا.

و بتعبير آخر لا يظهر من لفظ عبد نصف عبدين و من الشاة نصف الشاتين بنحو الإشاعة و لكن لا يخفى ما فيه أولا بأن المعتبر في إنشاء البيع ظهور الكلام في التمليك بالعوض، و اما كون العوضين أي شي ء فالمعتبر فيه علم المتعاقدين به و تعيينهما سواء كان للكلام ظهور فيه أم لا لان مع العلم المزبور يخرج البيع عن كونه غرريا كما تقدم في اعتبار العلم بوزن المبيع أو كيله و المفروض في المقام علم الطرفين بالمراد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 210

..........

______________________________

و ثانيا لو كان ظهور الكلام معتبرا في صحة البيع لما يصح البيع مع إرادة الإشاعة حتى في قوله بعت صاعا من هذه الصبرة لما سيأتي من عدم ظهوره في الإشاعة.

و مما ذكرنا يظهر ما في كلام النائيني (ره) في الإيراد على التذكرة من أن مقام الإثبات لا دخل له في مورد البحث و انما الكلام في مقام الثبوت و وجه الظهور ان ظاهر كلام التذكرة البطلان فيما إذا أراد بقوله بعت عبدا من عبدين أو شاة من شاتين الحصة المشاعة و هذا الحكم صحيح لو قلنا باعتبار ظهور الكلام في تعيين العوضين زائدا على ظهوره في تمليك العين بعوض

و ليس مراد العلامة ان يبيع الحصة من العبدين غير جائز و الا كما تقدم تمليك الغير الحصة منهما بالعوض أو مجانا من الواضحات.

ثم انه قد أشار النائيني (ره) في المقام الى المسئلة المعروفة من كون القسمة و تعيين حصة كل من الشركاء بيعا أو انها إفراز و بنى ذلك على الاختلاف في ان مادة الجسم المطلق تنتهي الى اجزاء لا تقبل شي ء منها القسمة خارجا و لا ذهنا و يسمى بالجزء الذي لا يتجزى أو أنه لا ينتهي الى ذلك و كل ما يكون به الجسم قابل للقسمة الى غير النهاية كما هو المذهب المعروف أو أن الاجزاء الى غير النهاية بالفعل و أن الجسم مؤلف منها كما هو مذهب النظام و على القول بالجزء الذي لا يتجزى يكون القسمة بيعا حيث ان الجزء المزبور لا تقبل الإشاعة فيكون ملكا لأحد الشريكين و بالقسمة يقع المعاوضة بين تلك الاجزاء بخلاف الالتزام بأن الجسم لا ينتهي إلى الجزء كذلك و ان كل جزء مفروض فيه مشترك و يفرز حصة كل من الشركاء في فرد من تلك الحصة.

و بتعبير آخر المملوك لكل من الشركاء حصة من السهم و تلك الحصة في نفسها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 211

..........

______________________________

كلى يقبل الانطباق على غير المعين من المجموع و على المعين منه و بالقسمة يفرز و يعين في المعين أقول في المقام أمران أحدهما ابتناء القول بكون القسمة بيعا ليجري عليه أحكامه من ثبوت خيار المجلس مطلقا و خيار الحيوان فيما إذا كان المال المشترك حيوانا و غير ذلك من الأحكام أو كونها افرازا و تعيين الحصة فيلزم بحصولها و لا يجرى عليه أحكام البيع

حتى على الاختلاف في مادة الجسم و أنها تنتهي إلى الجزء الذي لا يقبل القسمة خارجا و لا ذهنا.

و الثاني في ان المملوك لكل من الشركاء في نفسه كلى يقبل الانطباق على المعين و غيره و بالقسمة يتعين.

اما الأمر الأول فالظاهر أن الاختلاف مادة الجسم و أنها تنتهي إلى الجزء الذي لا يتجزى أم لا؟ و على الثاني تكون القسمة فيها الى غير النهاية فعلية أم بالقوة لا يرتبط بمسئلة كون القسمة بيعا أو افرازا حيث ان الجزء الذي لا يتجرى و كذا الاجزاء غير المتناهية لا تعتبر ملكا أو ما لا بدون فعلية الشي ء و حصوله بصورة. و مع حصوله كذلك يقبل القسمة و يكون مورد الإشاعة كما أن الاشتراك بالإشاعة يجري في الأعمال و المنافع و في بعض الحقوق ايضا مع ان شيئا منها لا يرتبط بالجسم و انتهائه الى الاجزاء و عدمه.

و اما كون المملوك لكل من الشركاء كليا فلان السهم كالنصف في نفسه كلى ينطبق على كل نصف خارجي على البدل و على ما يفرض من الشي ء بعد الافراز و كل ما في الخارج و ان كان متعينا في نفسه الا ان السهم المملوك لأحد الشريكين لا يتعين في الخارج الا بالاعتبار المعبر عنه بالقسمة فلا تكون القسمة بيعا ليجري عليها أحكام البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 212

..........

______________________________

و لا معاوضة ليجري عليها مثل ربا المعاوضة كما إذا كانت في الخارج صبرتان إحداهما حنطة و الأخرى شعير و كانت الشعير ضعيف الحنطة كيلا و الحنطة ضعف الشعير قيمة فيجوز لأحد الشريكين في مقام القسمة اختيار صبرة الشعير مع القراضى من غير لزوم ربا المعاوضة حيث ان حقيقة

القسمة اعتبار تعين السهم اى النصف الكلي في المعين غاية الأمر يكون اعتبار التعين في موارد القسمة الافرازيه بحسب المالية و اجزاء العين و في موارد قسمة التعديل بحسب القيمة و لذا لا يجبر بعض الشركاء على قسمة التعديل مع إمكان القسمة الافرازيه بل يكون الافراز مقدما على التعديل بحسب المرتبة.

لا يقال إذا كان السهم من الشركاء كليا في موارد الشركة بنحو الإشاعة فما الفرق بينه و بين الكلي في المعين و ايضا لو كان السهم كليا فلا واقع معين لذلك الكلى قبل القسمة فكيف يرجع في تعيين ذلك السهم في المعين الخارجي إلى القرعة و يعين بها على ما هو ظاهر كلماتهم مع ان القرعة لا مورد لها إلا إذا كان الواقع فيه مجهولا و لذا التزم صاحب الجواهر بان المملوك لكل من الشركاء سهم معين في علم اللّٰه و لو باعتبار علمه سبحانه بما يخرج بالقرعة مردد بين مصاديق الى ان يخرج عن الترديد.

فإنه يقال كل من السهم في الإشاعة و الكلي في المعين و ان كان كليا في نفسه الا ان الثاني يتعين بحسب الخارج بالاعتبار مع تعدد الافراد و بالانحصار مع عدمه بخلاف الأول فإنه ينطبق على الكسور الخارجية من الجملة و اجزائها و لا يتعين في شي ء إلا بالاعتبار و القسمة كما تقدم.

و بتعبير آخر فيما إذا كان الشي ء الخارجي واحدا كالشاة الواحدة فلا مورد فيها للكلي في المعين و يمكن تحقق الإشاعة فيها و إذا كان ما في الخارج متعددا بحيث يمكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 213

و لا بين العلم بعدد صيعان الصبرة (1)

______________________________

إخراج الكلي منه فكما يمكن فيه بيع الكلي في المعين كذلك

يمكن بيع بعض منه بنحو الإشاعة غاية الأمر الكلي في المعين ينطبق على بعض يكون له وجود مستقل بخلاف البعض بنحو الإشاعة فإنه ينطبق على الكسور و لكن يصلح تطبيقه على البعض الذي له وجود مستقل و يعبر عن هذا التطبيق بالقسمة و ما في الجواهر من فرض تعيين السهم في الواقع بحسب علم اللّٰه قبل القرعة لا دليل عليه بل مخالف لما يعتبره العقلاء في موارد الإشاعة نعم يمكن دعوى استفادة التعيين بالقرعة في مقام تنازع الشركاء في مقام القسمة و عدم رضاهم بها بدون القرعة من بعض الروايات و في صحيحة أبي بصير ليس من قوم تقارعوا ثم فرضوا أمرهم الى اللّٰه الا خرج سهم المحق.

لا يقال المملوك في مورد الإشاعة هي العين الخارجية و كيف يصير الملك لأحدهما السهم الكلى مثلا إذا ورث اثنان البيت الخارجي تدخل نفس ما في الخارج في ملك الوارثين و الا تبقى الخارج في ملك الميت أو تصير بلا مالك فإنه يقال نعم تكون البيت الخارجي ملكا لهما و يكون الكلى المنطبق على الكسور الخارجية من البيت ايضا موردا لاعتبار الملكية حيث لهذا الاعتبار اثر و بما ان الكلى لا وجود له سوى ما في الخارج فلا يعتبر الكلى ملكا و الموجود الخارجي ملكا آخر و ان شئت فلاحظ موارد بيع الكلي في المعين فان ما هو ملك للبائع هو الخارج و إذا باع منها صاعا بنحو الكلي في المعين يكون ذلك الكلي أيضا ملكا لا انه ملك آخر حيث ان اعتبار الملكية في ناحية الكلى باعتبار وجوده و ليس للكلي وجود آخر غير ما في الخارج فتدبر.

(1) و ذلك فان الجهل بصيعان الصبرة لا يوجب جهالة

في مقدار المبيع بعد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 214

و يؤيده انه حكم في التذكرة (1) و ان قصدا معينا من عين (2) و ارتفاع الجهالة في الخصوصية (3)

______________________________

تحديد الكسر المشاع المبيع بالصاع من تلك الصبرة.

(1) و وجه التأييد انه لو كانت الجهالة موجبة لبطلان البيع دون الإبهام لكان على العلامة الحكم بالصحة في الصورة الأولى أيضا فحكمه بالبطلان فيها و بالصحة في الصورة الثانية أي فيما إذا تلف أحد العبدين المتساويين من غير علم بعين التالف ظاهر في ان الإبهام في المبيع في نفسه موجب لبطلان البيع و لذا يحكم بالصحة مع ارتفاعه كما في الصورة الثانية.

(2) المراد بالمعين من عين مقابل الكلي في المعين اى الفرد الخارجي المنتشر و المردد سواء كان التردد بحسب صورة العقد فقط أو المردد الواقعي كما يشهد بذلك تعليل حكمه بالبطلان بالغرر و كونه من بيع المعدوم حيث ان الغرر يجري في المردد بحسب صورة العقد و المعدوم في المردد الواقعي و لو كان مراده المردد بحسب صورة العقد فقط لاختصر بالتعليل بالغرر.

(3) يعنى ان الغرر الشرعي تحققه لا يلازم تحقق الغرر العرفي كما في بيع الفرد المنتشر كبيع أحد العبدين المتساويين في القيمة كما ان الغرر العرفي لا يلازم الغرر الشرعي فيتحقق الأول دون الثاني في بيع العبد الآبق مع الضميمة و إذا كان لا يدرى ان المبيع حنطة أو أرز و فرض تساويهما في القيمة السوقية تكون الجهالة بالماهية موجبة للغرر شرعا مع عدمه عرفا لتساويهما في خصوصية القيمة المنظورة في البيع عند العرف و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 215

..........

______________________________

مما ذكرنا يظهر ان النسبة بين الغررين عموم

من وجه فلا بد من ان يكون مراده بان دائرة الغرر في الشرع أضيق كثرة موارد تحقق الغرر شرعا بالإضافة إلى موارد الغرر العرفي.

أقول ان أريد ببيع الفرد المنتشر ما هو مفاد جاء رجل من أقصى المدينة فبطلان البيع في مثل بيع صاع من الصيعان المتفرقة مبنى على اعتبار رفع الإبهام عن العوضين في عقد البيع و ان أريد بيع المردد الواقعي فالبيع محكوم بالبطلان باعتبار عدم الوجود للمردد فكل ما في الخارج معين و ان أريد مفاد قوله جئني برجل من هؤلاء الرجال فمرجعه الى بيع الكلي في المعين المحكوم بالصحة كما يأتي غاية الأمر اختيار تطبيق الكلى على الفرد الخارجي يكون بيد البائع و إذا اقترن إنشاء العقد بما يكون قرينة على ان التطبيق بيد المشترى فيتبع كما إذا قال بعتك صاعا صاع اى شئت من هذه العصيان.

و الحاصل مقتضى إطلاق خطاب حل البيع و أوفوا بالعقود صحة البيع كما ذكر و لزومه و الإجماع المدعى على كون الإبهام مبطلا لا يجري في المقام كما يأتي في بيع الكلي في المعين كما لا يعم الفرض خطاب النهى عن بيع الغرر.

و ربما يستدل على جواز بيع الفرد المنتشر بمعتبره محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) قال سئلته عن رجل اشترى من رجل عبدا و كان عنده عبدان فقال للمشتري اذهب فاختر أيهما شئت و رد الأخر و قد قبض المال و ذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده الى ان قال فان وجده اختار أيهما شاء و رد الأخر و ان لم يوجد كان العبد بينهما نصفه للبائع و نصفه للمبتاع.

و لكن لا يخفى ان ظاهر الرواية هو بيع الكلي في المعين و

لا وجه لحمله على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 216

..........

______________________________

بيع الكسر المشاع اى نصف كل من العبدين و ما ورد في ذيلها من الإشاعة باعتباران كل من البائع و المشترى يملك الكلي في المعين الموجود بيد المشترى و قد تلف أحدهما و بقي الأخر و حيث لم تعين شي ء منهما في عبد معين يحسب التالف عليهما و و يكون الباقي لهما و ما يأتي من انه لو تلف الجملة و بقي منها فرد واحد يكون ذلك للمشتري الذي يملك الكلي في المعين انما هو في التلف قبل القبض لا في تلف الجملة بعد قبضها من المشترى كما هو ظاهر الرواية.

و ما عن بعض الأجلة من ان التلف في مثل ذلك اى فيما يقبض الكلي في ضمن جملة بحسب على المالك فقط لانه يملك الجملة الخارجية لا يمكن المساعدة عليه فان ملك المالك لا يبقى على تمام الجملة بعد البيع على ما تقدم.

و ايضا قد قيل بتعلق البيع بالفرد المنتشر بما ورد في الوصية بعتق البعض من الجملة بدعوى عدم الفرق بين البيع و الوصية من هذه الجهة و في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (ع) عن الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم فقال كان على (ع) يسهم بينهم و في رواية محمد بن مروان عن موسى بن جعفر (ع) عن أبيه ان أبا جعفر مات و ترك ستين مملوكا فأعتق ثلثهم فأقرعت بينهم و أعتقت الثلث و ظاهرهما الوصية بعتق ثلث العبيد و يحتمل الثاني بالنحو المشاع و لكن لا دلالة لهما على الفرد المنتشر الذي ذكرنا ان مرجعه إلى الكلي في المعين بل ظاهرها نحو المشاع

كما هو ظاهر الألفاظ الموضوعة على الكسر و القرعة في المقام لتعيين السهم الذي يعتق عملا بالوصية أو لتعيين ما أعتقه المولى حال حياته نظير تعيين الوقف بالنحو المشاع بالقسمة و يمكن ان يحمل على الكلي في المعين نظير ما في صحيحة حبيل بن دراج عن ابى عبد اللّٰه (ع) في رجل تزوج خمسا في عقدة قال يخلى سبيل أيتهن شاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 217

فرع على المشهور (1)

______________________________

و يمسك الباقي بأن يقال النكاح المحكوم بالبطلان هو الواحد بنحو الكلى المشاع و الممضى هو الأربع كما ذكر، و يمكن ان يكون المراد بالإمساك بعقد جديد كما لا يخفى.

(1) المفروض في التفريع على بطلان بيع الفرد المنتشر هو تردد المبيع بين الإشاعة و الفرد المنتشر و فرض عدم وقوعه على الكلي في المعين فان تسالما ايضا على عدم وقوعه بنحو الإشاعة يكون ذلك تسالما على بطلان البيع و ان لم يكن هذا التسالم بان ادعى المشترى وقوعه على البعض بالنحو المشاع في قصدهما حال العقد و أنكر البائع ذلك و ادعى قصدهما أو قصده الفرد المنتشر فقد يقال بان مقتضى أصالة الصحة الجارية في البيع وقوعه على البعض بنحو الإشاعة و أضاف في التذكرة الى ذلك بان الصحة مقتضى أصالة عدم التعيين.

و ذكر المصنف (ره) بما حاصله ان الحمل على الإشاعة بأصالة الصحة لا بأس به و لكن فيما إذا تسالما على صورة العقد الظاهرة في وقوعه على الفرد المنتشر كقوله بعت عبدا من هذه العبيد فيحكم بفساد البيع لعدم جريان أصالة الصحة مع أصالة الظهور فان الظهور امارة على المقصود فلا يجرى معها الأصل العملي بل على تقدير كون أصالة

الصحة أمارة فلا دليل على اعتبارها في مقابل أصالة الظهور كسائر الأمارات التي تكون اعتبار بعضها في طول بعضها الأخرى.

و اما أصالة عدم التعيين فإن أريد بها أصالة عدم وقوع العقد على الفرد المنتشر فهي معارضة بأصالة عدم وقوعه على البعض بنحو الإشاعة و ان أريد غير ذلك فلا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 218

و فيه نظر (1) لأنه حينئذ أمر كلي (2)

______________________________

نتعقلها.

أقول كلام العلامة أيضا في الحكم بالصحة ناظر الى عدم تسالمهما على صورة العقد الظاهرة في الفرد المنتشر بقرينة حكمه بالفساد مع ظهور العقد في غير الإشاعة حتى مع قصدها كما تقدم.

ثم انه قد يورد على التمسك بأصالة الصحة بأنه لا تعين للمبيع كما إذا تردد وقوع البيع على الشاة أو الخنزير بان ادعى المشترى وقوعه على الخنزير و البائع وقوعه على الشاة نظير عدم إمكان الحكم في الكلام المردد بين الشتم و السلام انه سلام بأصالة الصحة ليجب رده و فيه ان الدليل على أصالة الصحة هي السيرة العملية الثابتة و موردها ما إذا أحرز عنوان المعاملة و أركانها و شك في سائر شرائطها و المبيع في باب البيع ركن و مع عدم إحراز وقوع البيع على الشاة لا مجرى لها و اما إذا أحرز وقوعه على الشاة و شك في فساده و صحته كما إذا ادعى المشترى جهله بحال الشاة حال البيع و أنكره البائع فيحكم بصحته و ما نحن فيه من هذا لقبيل حيث يعلم ان متعلق البيع بعض من الجملة و يحتمل وقوعه عليه بوجه صحيح و اما أصالة الصحة في الكلام المردد فهي أجنبية عن المقام فان مفادها عدم صدور الحرام عن الفاعل بحيث

يكون ذلك منه فسقا و لا يرتبط بأصالة الصحة الجارية في المعاملة كما لا يخفى.

(1) و ذلك فان الموجب لانعقاد الظهور أو للعلم للمراد منه القرينة العامة أو الخاصة و أصالة الصحة لا تحسب قرينة أو موجبة للعلم بالمراد بل هي أصل عملي لا مجرى له مع الامارة و هي أصالة ظهور العقد كما تقدم.

(2) يعنى وجه الحكم بالصحة فيما لو باع ربعا قبل القسمة بحمله على الإشاعة هو كون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 219

فان قلت المبيع في الاولى (1) و الثاني بأنه معهود في الوصية (2) و يمكن دفع الأول (3)

______________________________

الربع المزبور كليا لا جزئيا خارجيا مبهما ليحكم بفساده.

(1) الاشكال هو ان المبيع في الأولى أي في صورة جريان البيع على الفرد المنتشر أيضا كلي فلا موجب للحكم بفساده و أجاب عن ذلك بالفرق و ان المبيع في صورة جريانه على الفرد المنتشر جزئي خارجي مبهم بحسب صورة العقد فيشبه المبيع الكلي أقول قد تقدم ان المبيع إذا كان مفاد قوله جئني برجل لا يمكن ان يكون جزئيا خارجيا بل هو أمر كلي لا محالة فلا نعيد و على ما ذكر يحكم بصحة البيع في جميع الفروض المتقدمة فيما إذا لم يكن في البين جهة أخرى موجبة للبطلان كما في بيع الكلى من جملة تكون اجزائها مختلفة.

(2) يعنى ان ملكية الكلي في المعين ثابت في مورد الوصية التمليكية و كذا في جعل المهر فكيف لا تكون معهودة و لو قيل بأنها غير معهودة في البيع الذي لا يكون متعلقة كليا في المعين قلنا بان كل قسم من الملكية غير معهود في قسمها الأخرى فإنه إذا كان متعلق البيع كليا

بنحو الإشاعة أو الفرد المعين فلا يمكن ملكية الكلي في المعين فيهما كما لا يتحقق الملكية بنحو الإشاعة أو ملكية الفرد المعين في مورد بيع الكلي في المعين.

(3) أقول لم يعلم كون الوضع مقتضاه الفرد المنتشر فأن التنوين الداخلة على الصاع لو سلم ظهورها في الوحدة الا ان تقييد الطبيعي بالوحدة باعتبار الوجود

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 220

أحدها كون التخيير في تعيينه بيد البائع (1)

______________________________

لا يستلزم كون مدلوله فردا خاصا ليكون جزئيا خارجيا و بتعبير آخر مقتضى الوضع كالمعنى العرفي هو الكلي في المعين و الشاهد لكون المعنى العرفي كذلك انهم يرون اختيار التطبيق بيد البائع خصوصا فيما إذا كان الصيعان مجتمعة كما هو فرض الصبرة و دعوى ان المعنى العرفي هي الإشاعة أي الحصة المقدرة بالصاع لا يمكن المساعدة عليها لأن الصاع ليس موضوعا للسهام و الحصص و اما الصحيحة فظاهرها ايضا كون المبيع كليا في المعين و لا حاجة في حملها عليه إلى القرينة الخارجية أي الإجماع على بطلان بيع الفرد المنتشر مع ملاحظة أن حساب التلف بتمامه على البائع مقتضاه عدم الإشاعة.

(1) المعروف ان مقتضى كون المبيع كليا في المعين كون التخيير في تعيين الكلي في فرد بخصوصه بيد البائع لأن المشتري لا يستحق المطالبة بخصوصية ذلك الفرد فما عن المحقق القمي من ان اختيار التعيين بيد المشترى لا وجه له و ايضا المعروف ان مقتضى كون المبيع كليا في المعين انحصار ذلك الكلي في الفرد الباقي من الجملة في صورة تلفها حيث ان التلف يحسب على البائع فقط لكونه قبل القبض و باعتبار بقاء فرد من الكلى لا يبطل البيع فيجب دفعه إلى المشتري بخلاف التلف

فيما إذا كان المبيع بنحو الإشاعة فإن مقتضى الإشاعة كون كل جزء من الجملة مشتركا بين البائع و المشترى فبتلف البعض يتلف بعض المبيع و ان كان هذا التلف يحسب على البائع لكونه قبل القبض فتكون النتيجة بطلان البيع في بعضه و بقائه في البعض.

و لكن ذكر المحقق الإيرواني (ره) بما حاصله عدم الفرق في الحكمين المتقدمين بين كون المبيع بنحو الإشاعة أو بنحو الكلي في المعين و ان كل ما يذكر فيما إذا كان المبيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 221

..........

______________________________

من الجملة بنحو الإشاعة يترتب على البيع فيما إذا كان المبيع كليا في المعين فيكون اختيار المبيع بالتراضي و تلف بعض من الجملة يوجب بطلان البيع في بعض المبيع لانه لو كان المبيع كليا في المعين يكون الباقي على ملك البائع أيضا كليا في المعين و حيث أنه لا امتياز بين المالين تكون الجملة الموجودة خارجا مشتركا بينهما بمقدار الكلبين و لو عمل بالصحيحة الواردة في احتراق القصب و تعدى منها فيتعدى الى موارد كون المبيع بعضا بنحو الإشاعة أيضا و الا لاقتصر الى موردها و هو بيع القصب.

أقول الشركة الواقعية غير الشركة الصورية و الاختلاط الموجب للشركة الواقعية هو اختلاط المالين الشخصيين الذين لكل منهما مسالك و لا يكون بينهما ميز بعد الاختلاط كامتزاج الخلين أو الحنطتين و أما إذا كان المال الخارجي لمالكين بحيث يكون كل منهما مالكا منه الكلي في المعين كما هو الفرض في المقام فلا دليل على حصول الشركة بالحصص في ذلك المال بل اختلاف نحوي اعتبار المبيع في بيع البعض من الجملة عند العرف دليل على خلافه و لو كانت الشركة الواقعية حاصلة بكل

من بيع الحصة من الجملة و بين بيع الكلى منها على حد سواء في الأثر لما كان لاعتبار الاختلاف وجه.

نعم إذا كان المبيع بنحو الكلي في المعين و قد قبضه في ضمن قبض الجملة كما هو الفرض فلا يمكن ان يحسب تلف البعض على أحد المالكين بخصوصه فإنه ترجيح بلا مرجح بخلاف ما إذا كان هذا التلف قبل القبض فإنه بما ان المبيع في ضمان البائع و يقع تلفه في ما له فلا يكون حساب التلف عليه ترجيحا بلا مرجح و لا يكون قبل القبض الشركة الصورية بخلاف صورة التلف بعد القبض فإنه يعبر عن حساب التلف على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 222

إذا بقي صاع واحد كان للأول (1) نعم لو لم يكن إقباض البائع على وجه الإيفاء (2) الفرق بين مسئلة الاستثناء و مسئلة الزكاة (3)

______________________________

البائع و المشترى معا بالشركة الصورية و مما ذكرنا يظهر الوجه في كون اختيار التعيين بيد البائع فيما لم يشترط في البيع كونه بيد المشتري لأن ما يملك المشترى هو الكلى و على البائع تسليمه الى المشتري.

(1) لما تقدم من ان البائع بعد بيع الأول يملك من الجملة الكلي في المعين كالمشتري و البيع الثاني واقع على مال البائع و حيث ان التالف تمام الكلي الذي كان للبائع قبل وقوع البيع الثاني فلا موجب لشمول ما ورد في التلف قبل القبض للكلي في المعين الذي بيع أولا و هذا بخلاف ما إذا كان كل من البيعين أو خصوص الأول بنحو الإشاعة فإنه يحكم بفساده بنسبة التالف كما لا يخفى.

(2) أقول الظاهر عدم تصور ذلك فإنه إذا كان الكلي في المعين من الجملة ملكا للمشتري

يكون دفع الجملة اليه دفعا للمبيع و إذا لم يكن تمام الجملة ملكا للبائع كما هو الفرض فكيف يكون تمامها امانة بيد المشترى حيث لا يعقل ان يكون ما للمشتري من الجملة أمانة بيده للبائع نعم يتصور ذلك في الكلي على العهدة باعتبار كون المال المدفوع إلى المشتري بعنوان الامانة ملكا بتمامه للبائع فلا ينطبق الوفاء على المدفوع و لو بنحو الإجمال كما هو مقتضى كون أداء الدين عنوانا قصديا كما لا يخفى.

(3) قيل في الفرق بين مسألة استثناء الأرطال و مسألة الزكاة و نحوها مما يحمل الكلى فيه على الإشاعة و بين بيع الكلي في المعين الذي تقدم تعين الباقي بكونه مبيعا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 223

و فيه مع ما عرفت (1)

______________________________

بتلف بعض الجملة وجوب القبض في الثاني و كونه دخيلا في لزوم البيع فمع وجود فرد من المبيع يجب دفعه الى المشترى و أجاب المصنف (ره) بان وجوب القبض حاصل في مسألتي استثناء الأرطال و الزكاة أيضا حيث يجب في الأول دفع الأرطال إلى البائع و في الثاني إلى أرباب الزكاة مع ان وجوب دفع الباقي في بيع الكلى فرع عدم الإشاعة و إثبات عدم الإشاعة بوجوب دفع الباقي تكون مصادرة و اما مسئلة لزوم البيع بالقبض فلا دخل له في الفرق أصلا.

ثم ذكر (ره) الفرق المذكور في مفتاح الكرامة و هو كون ضمان المبيع في بيع الكلي في المعين على البائع فيجب دفع الباقي الى المشتري بخلاف مسئلة الأرطال فإن الأرطال المستثناة امانة للبائع بيد المشترى حيث ان البائع قد اقبض الكل فيكون الكل بيد المشترى فيدخل النقص على المالين أي حصة البائع و حصة المشترى.

(1) و

حاصل ما ذكره في رد مفتاح الكرامة هو انه لو باع الكلي في المعين و تلف بعض الجملة قبل القبض يكون وجوب دفع الباقي الى المشتري متفرعا على عدم الإشاعة و لو لم يكن في هذا لفرض إشاعة فما الموجب لها في مسئلة استثناء الأرطال مع ان البائع يملك فيها الكلي في المعين و يكون تمام الجملة بيد المشترى و كون التلف فيها بعد إقباض البائع يوجب عدم كون البائع ضامنا لتلف مال المشترى و يبقى الإشكال في انه لم يكون تلف بعض الجملة في مسئلة الاستثناء بنحو الإشاعة مع ان ما للبائع بيد المشترى من قبيل الكلي في المعين و لم لا يحسب التلف على المشترى فقط لان ما يستحقه البائع لا يتعين في جزء معين الا بعد اقباض مالك الكل يعني

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 224

..........

______________________________

المشترى.

و ان أريد انه بعد ما باع الثمرة مع استثناء الأرطال يكون ما بيده مشتركا بينه و بين المشترى و إذا دفع الكل إلى المشتري فقد دفع المال المشترك فيقال الموجب لهذا الاشتراك في بيع الكلي في المعين ايضا موجود فيحسب فيه ايضا التلف على المبيع و على الباقي على ملك البائع هذا مع انه لم يظهر التزام القوم بالإشاعة في مسألة الاستثناء حتى بعد دفع الكل إلى المشتري فإنهم لم يذكروا عدم جواز تصرف المشترى في الثمرة بلا استيذان من البائع.

و ذكر بعضهم انه لو فرط المشترى و تلف بعض الثمرة بإفراطه يجب أداء المستثنى إلى البائع من الباقي و لو كان في البين إشاعة لم يصح القول بالأداء من الباقي كما لا يخفى.

أقول قد تقدم عدم الإشاعة في المسألتين و ان

حساب التلف على كل من المشترى و البائع في مسألة الاستثناء باعتبار عدم الترجيح في الضمان حيث ان كلا منهما يملك الكلي في المعين بخلاف مسألة بيع الصاع من الصبرة فإن تلف بعض الجملة فيها قبل القبض و كون ضمان المبيع على البائع مقتضاه خروج البائع من ضمان المبيع بدفع الكلى من الباقي و مما ذكرنا يظهر وجه عدم جريان أحكام الإشاعة في مسئلة الاستثناء و انه يجوز للمشتري التصرف في الثمرة بلا استيذان من البائع و انه لو تلف الثمرة بإفراطه لا ينقص عما يستحقه البائع شي ء و يجب عليه الدفع من الباقي.

و اما ما ذكره المصنف (ره) في وجه حساب التلف في مسألة الاستثناء على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 225

[مسألتي بيع صاع من صبرة و استثناء الأرطال]

و بيع مقدار كقفيز تشتمل عليه (1)

______________________________

المشترى و البائع معا من دعوى ان المتبادر من الاستثناء تمام المستثنى على تقدير سلامة تمام المبيع للمشتري و إذا تلف بعضه سقط من الأرطال بحسابه بان تكون نتيجة ذلك هي الإشاعة بالإضافة إلى التالف و لا يجري أحكام الإشاعة على الباقي فلا يمكن المساعدة عليه فان لازم ذلك جهالة مقدار المبيع فإنه على تقدير بقاء المبيع مقدار و على تقدير تلف بعضه مقدار آخر كما لا يخفى.

ثم ذكر (ره) في مقام الفرق إنه على تقدير الالتزام بالإشاعة في مسألة الاستثناء من أول الأمر ان المستثنى منه المبيع فيها كالمستثنى كلى معين و لا ترجيح في حساب التلف على خصوص المستثنى منه بخلاف مسئلة بيع الصاع من الصبرة فإن مال البائع فيها لا يكون بعنوان الكلي في المعين بخلاف ما تملكه المشترى فلا وجه لحساب التلف عليهما لا يقال يكون ملك البائع

بعد بيع الصاع كليا لا محالة فإنه يقال نعم و لكن ملك الباقي ليس بعنوان تملك الكلي في المعين ليوجب تخصيص التلف على ملك الباقي دون ما تملكه المشترى ترجيحا بلا مرجح.

أقول التملك بالعنوان و عدمه لا يكون فارقا و الا فالمستثنى في مسئلة الاستثناء ايضا ليس مملوكا للبائع بعنوان الكلي في المعين حيث ان ملك البائع كان ثابتا لجميع المال من الأول فيكون بيعه المال باستثناء الأرطال تمليكا للكلي في المعين من المشترى فتكون بعد البيع الباقي في ملكه كليا في المعين لا محالة فتدبر جيدا.

(1) لا يخفى أنه إذا كان مقدار الصبرة معلوما و بيع جميعها كل قفيز منها بكذا فلا بد من الحكم بصحته لعدم اعتبار جمع مقدار الثمن بالذكر في العقد و هذا هو القسم الرابع في كلام الروضة و المحكوم بالفساد في كلام الروضة و غيرها عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 226

..........

______________________________

بيع جميعها بل إيكال اختيار مقدار المبيع إلى المشتري بأن يقول بعتك من الصبرة ما أردت كل صاع منها بكذا و هذا هو القسم الخامس في كلام الروضة و وجه الحكم بالبطلان هو عدم تعيين مقدار المبيع في عقد البيع نظير ما يقال في قوله آجرتك الدار كل شهر بكذا.

و لكن لا يبعد ان يقال بتمام البيع بالإضافة إلى قفيز واحد نظير ما ذكرنا من صحة الإجارة في الشهر الأول بل يمكن ان يقال ان قول البائع بعت من الصبرة كل قفيز بكذا بمنزلة الايجابات المتعددة كما قال بعت قفيزا منها بكذا و قفيزا آخر بذلك السعر و قفيزا ثالثا كذلك و هكذا و إذا ذكر المشترى في قبوله ما يعين به مقدار المبيع

كما إذا قال اشتريت قفيزين كما هو المتعارف في البيوع المتعارفة في زماننا الحاضر فيتم البيع بالإضافة الى ذلك المقدار لعدم الجهالة في مقدار المبيع عند تمام البيع و لا يستفاد من الأدلة المقدمة إلا بطلان البيع الغرري أو تمام البيع من غير تعيين الكيل أو الوزن أو العدد فيه.

و لو لم يذكر المشترى في قبوله ما يعين ذلك فالحكم بالبطلان مبنى على أن يكون المنتهى عنه في الاخبار المتقدمة بيع الشي ء من غير تعيين مقدار المبيع كيلا أو وزنا أو عددا و أما إذا قيل بان مدلولها بيع الشي ء جزافا فلا يحكم ببطلانه في الفرض حيث لا جزاف في ناحية المبيع أو في ناحية الثمن و بهذا يظهر أنه لا يختلف في الحكم بالصحة أو الفساد بين كون الصبرة معلومة من حيث المقدار أم لا و ما ذكر المصنف (ره) في وجه الصحة فيما إذا كانت الصبرة مجهولة المقدار من كون المبيع معلوم بالمشاهدة فلا بد من ان يكون مراده العلم بأوصافه لا كيله أو وزنه و مع الإيجاب المفروض لا يكون في البين جزاف لا في ناحية المبيع و لا في ناحية الثمن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 227

و لا يخلو عن قوة (1) و لو كان من جهة استصحاب الاشتمال (2)

______________________________

(1) اى لا يخلو الحكم بالصحة عن قوة و ليس الوجه هو تدارك الضرر المحتمل بالخيار على تقدير عدم اشتمال الصبرة حيث ان ارتفاع الغرر بالخيار لا يفيد في صحة البيع لان الخيار حكم يترتب على البيع الصحيح و لو لم يتعلق دليل الإمضاء للبيع المنشأ فلا يعمه خطاب الخيار بل الوجه في الحكم بالصحة عدم الغرر في البيع

المزبور.

لا يقال الجهل بوجود المبيع من أعظم الغرر فإنه يقال الثمن المزبور لم يقع في مقابل الموجود مطلقا و لو على تقدير عدم الاشتمال بل البيع الجاري على المقدار المزبور انحلالي و إذا قال بعت الكر من هذا الصبرة بكذا فهو بمنزلة قوله بعت نصف الكر ينصف الثمن و إذا ظهر عدم اشتمال الصبرة إلا لنصف الكر يستكشف بطلان البيع في نصفه و يثبت خيار التبعض للمشتري.

أقول ما ذكره من ان ثبوت الخيار لا ينفع في ارتفاع الغرر صحيح بالإضافة إلى الخيارات الشرعية فإن خطاباتها تثبت الخيار في البيع الممضى و اما الخيارات المشروطة الإمضائية فلا بأس بارتفاع الغرر بها و خيار تبعض الصفقة منها و تفصيل الكلام موكول الى بحث الخيارات.

(2) لا يخفى ان استصحاب الاشتمال لا يفيد في نفى الغرر عن البيع لان الغرر ليس مطلق الجهل بل الجهل الخاص و هو ما فيه خطر و ضرر و استصحاب الاشتمال لا ينفيه نظير ما يقال من ان فوت الفريضة عدم خاص و استصحاب عدم الإتيان بالصلاة في وقتها لا يثبته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 228

إذا شاهد عينا في زمان سابق (1)

______________________________

(1) و حاصل ما ذكره (ره) في مقام من أنه إذا بيعت العين المرئية سابقا فأن علم تغير أوصافها السابقة إلى غيرها عادة فيعتبر في بيعها ذكر الأوصاف الفعلية فتصير ذكرها اشتراطا رافعا للغرر و إذا لم يعلم من العادة التغير أو عدمه فيجوز بيعها اعتمادا على أصالة عدم تغيرها و لو فرض في مورد عدم جواز الاعتماد على الاستصحاب للاطمئنان بتغير أوصافها فيجوز بيعها باشتراط أوصافها السابقة لأن العين المرئية سابقا لا تزيد عن العين العائبة التي لم

ترها المشترى و يشتريها باشتراط أوصافها الفعلية.

ثم أنه إذا اشترى العين بالرؤية السابقة فانكشف التغير ثبت الخيار للمشتري فيما إذا تغيرت بالنقيصة و للبائع فيما إذا تغيرت بالزيادة حيث ان لزوم البيع في الفرض ضرري على المشترى أو على البائع فيثبت الخيار لأحدهما بانتفاء اللزوم.

أقول قد تقدم ان استصحاب بقاء العين بحالها لا يفيد في انتفاء الغرر لان الغرر هو الجهل الخاص و هو ما فيه خطر غاية الأمر ان مع الاستصحاب ينتفي مطلق الجهل لا الجهل الخاص و على ما ذكر فلو احتمل التغير و عدمه في العين المرئية سابقا يكون بيعها باشتراط بقائها على تلك الأوصاف محكوما بالصحة لانتفاء الغرر في بيعها بالاشتراط المزبور و مع بيعها كيف اتفقت يحكم ببطلان بيعها و لا يفيد الاستصحاب في انتفاء الغرر شيئا و لا يخفى ان شراء العين بالرؤية السابقة الذي مرجعه الى اشتراط الأوصاف السابقة مقتضاه ثبوت الخيار مع التخلف حيث لا معنى لاشتراط الأوصاف في بيع العين الخارجية إلا ثبوت الخيار مع عدمها و ليس ثبوته مقتضى قاعدة نفى الضرر لما نذكر في بحث الخيارات من أنه لو جرت قاعدة نفيه في بيع كان مقتضاها بطلانه لأن لأن منشأ الغرر و الحكم الضرري صحته لا لزومه و ليس مفاد القاعدة تدارك الضرر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 229

[بيع العين بالرؤية السابقة]
اشارة

و يضعفه ان الأوصاف الخارجة عن حقيقة المبيع (1) لو اختلفا في التغير (2)

______________________________

ليكون مقتضاها نفى لزومه.

و الحاصل بيع العين المرئية سابقا باشتراط بقائها على أوصافها لا يكون غرريا و البيع المزبور مع تخلف الأوصاف و ان يكون ضرريا الا ان صحته لا تنتفي بالقاعدة حيث ان نفى صحته مع اشتراط

الخيار مناف للامتنان و مقتضى القاعدة نفى حكم يكون في نفيه امتنانا.

(1) و حاصله أن الوصف المذكور للمبيع ان كان مقوما للمبيع فبانكشاف الخلاف يحكم ببطلان البيع حتى فيما إذا أتى الوصف بصورة الاشتراط كما إذا قال بعتك هذا المال على أنه أرز فبان حنطة و الوجه في البطلان ان انكشاف فقد الوصف في الفرض يساوى عدم وجود المبيع خارجا بخلاف ما إذا كان الوصف في بنائهم خارجا عن حقيقة المبيع بحيث لا يكون مقوما له فأن انكشاف الخلاف في هذه الصورة يوجب الخيار لان الوصف مرجعه الى اشتراط الخيار على ما يأتي في بحث الخيارات.

(2) و حاصله انه لو بيعت العين بالرؤية السابقة و ادعى المشترى تغيرها بالنقيصة فله الخيار في فسخ العقد و ادعى البائع كونها على ما كانت فالبيع لازم قيل بتقديم قول المشترى بوجوه ثلاثة- الأول الأصل عدم جواز انتزاع الثمن من يده و برأيه عهدته من الثمن حيث لا ينتزع الثمن من يده و لا يثبت عهدته به الا بالبينة أو إقراره.

الثاني الأصل عدم علم المشترى بالوصف الموجود فعلا في العين الخارجية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 230

..........

______________________________

و دعوى البائع علمه بالوصف المزبور يحتاج إلى الإثبات بالبينة أو إقرار المشتري.

الثالث الأصل عدم وصول حق المشترى الى يده عن البائع ليستحقق عليه المطالبة بالثمن.

و ذكر المصنف (ره) في رد الوجه الأول ان الثمن بيد المشترى ملك للبائع بإقرار المشتري بوقوع البيع الناقل فالثمن بيده امانة للغير فيجب رده عليه بمطالبته غاية الأمر ان المشترى يدعي سلطنته على تملكه بفسخ البيع فعليه إثبات تلك السلطنة، اللهم الا أن يقال الأصل عدم وجوب رد الثمن على البائع بناء على

ما ذكروا من أنه لا يجب على ذي الخيار زمان خياره رد ما بيده من مال الغير و لو مع تسلمه العوض الأخر من صاحبه و لكن لا يخفى أنه لو جرى أصالة لزوم البيع و عدم ثبوت الخيار يكون حاكما على الأصل المزبور لان موضوع لجواز الإمساك الخيار المنفي بأصالة اللزوم.

و في رد الوجه الثاني مع أن أصالة عدم علم المشترى بالوصف الموجود فعلا معارض بأصالة عدم علمه بوصف آخر مفقود ليثبت له الخيار ان الشك في علم المشترى بالوصف الموجود أو المفقود مسبب عن الشك في تغير العين عما كانت عليه و الأصل عدم تغيرها.

و في الوجه الثالث بان حق المشترى من نفس العين قد وصل اليه و لذا يكون له إبقاء البيع و عدم فسخه و ثبوت حق آخر له الموجب للخيار غير محرز و الأصل لزوم البيع و لذا حكم بعض في المقام بتقديم قول البائع.

أقول لا يخفى ان دعوى البائع علم المشترى بالوصف الموجود و جريان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 231

[الاختلاف في تغير العين المرئية سابقا]

و يمكن بناء المسألة (1)

______________________________

البيع على العين بالوصف المزبور لا يكون احتمال صدقها مسببا عن الشك في التغير و عدمه ليكون استصحاب بقاء العين بحالها رافعا للاحتمال المزبور مع ان استصحاب بقاء العين بحالها لا مجرى له لاتفاقها على الوصف الموجود فعلا و الشك في انه كان هذا الوصف في السابق أيضا أم لا فيرجع أصالة عدم التغير الى الاستصحاب القهقرى و لا دليل على اعتباره.

و الحاصل لا مجال في المقام لأصالة عدم التغير و لا تصل النوبة ايضا الى أصالة عدم علم المشترى بالوصف الموجود مع قطع النظر عن معارضة بأصالة عدم علمه

بوصف آخر مفقود لان علم المشترى بالوصف الموجود أو بغيره بنفسه لا يكون حكما و لا موضوعا للخيار على ما يأتي.

(1) و حاصله ان الموضوع للخيار بحسب جعل المتعاقدين هو أخذ الوصف في العين المبيعة و كأن الخيار حكم لهذا الأخذ فيقع الكلام في ان أخذ الوصف فيها هل بمعنى اشتراطه في العقد نظير سائر الشرائط في انه التزام زائد على أصل البيع و يرتبط بالبيع بكون البيع ظرفا له مثلا أو ان أخذ الوصف عبارة عن كونه مأخوذا في متعلق البيع بمعنى جريان البيع على العين المقيدة فليس في البين الا التزام واحد و هو التزام بالبيع غاية الأمر ان جريانه على العين المقيدة يشترك مع البيع المشروط فيه التزام آخر في ضمنه في كون كل منهما موجبا للخيار على تقدير التخلف و لو قيل بالوجه الأول فمقتضى الأصل العملي عدم تحقق التزام أخر غير الالتزام البيعي فيكون قول البائع موافقا للأصل فيحلف على عدم التغير و اما إذا قيل بكون الوصف مأخوذا في المبيع بمعنى جريان البيع على العين المقيدة فالأصل عدم وقوع العقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 232

..........

______________________________

على ما ينطبق على العين بالوصف الموجود فيكون البيع جائزا أي يثبت الخيار للمشتري.

لا يقال الأصل عدم جريان البيع على العين بالوصف المفقود فإنه يقال هذا الأصل لا يفيد و لا يثبت جريان العقد على العين بالوصف الموجود ليترتب لزوم البيع الا بنحو الأصل المثبت.

و الحاصل ما دام لم يثبت جريان البيع على العين بما ينطبق على الوصف الموجود لا يكون دفع العين بالوصف الموجود وفاء للعقد ليجب على المشترى دفع ثمنه و البيع المفروض في المقام نظير الماء المخلوق

دفعة فيما إذا شك في كونه كرا فإن أصالة عدم كون الماء المزبور كرا بمفاد كان الناقصة ليست له حالة سابقة و أصالة عدم الماء الكر بمفاد كان التامة و ان كان لها حالة سابقة الا أنه لا تفيد في إثبات مفاد كان الناقصة بمعنى ان الماء المفروض ليس بكر.

أقول الظاهر وقوع الوهم في كلامه (ره) بين الوصف المأخوذ في المبيع بنحو الكلى و بين الوصف الملحوظ في المبيع الذي يكون عينا خارجية فإن الوصف في العين الخارجية لا يمكن ان يكون مقيدا للعين و المفروض ان الوصف في المقام ليس امرا مقوما و معنى ذلك جريان البيع على العين كان له الوصف السابق أم لا و إذا فرض جريان البيع عليها كذلك فلا معنى للحاظ الوصف السابق الا جعل الخيار على تقدير عدم ذلك الوصف و إذا جرى البيع على عين خارجية بالرؤية القديمة يكون اختلاف المتبايعين في التغير و عدمه راجعا الى دعوى المشترى جعل الخيار له على تقدير فقد الوصف و هو مفقود و ينكر البائع هذا الجعل و الأصل مع البائع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 233

و لذا لا يجوز إلغائها (1)

______________________________

و هذا بخلاف الوصف المأخوذ في المبيع بنحو الكلي فإن أخذ وصف فيه عبارة عن تقييد متعلق البيع و تضيق دائرته و لو ادعى البائع تقييده بوصف و المشترى تقييده بوصف مضاد يكون المورد من موارد التداعي و التحالف و إذا ادعى البائع جريانه على المطلق و المشترى جريانه على المقيد ففي مثل ذلك الأصل عدم جريانه على المطلق فان تسليم ما ينطبق عليه عنوان المقيد وفاء للبيع باتفاقهما و ما يدعيه البائع من كون تسليم الفاقد

ايضا وفاء ينكره المشترى و أصالة عدم جريان البيع على المطلق جارية من غير ان تعارضها أصالة عدم جريانه على المقيد حيث ان أصالة عدم جريانه على المقيد لا اثر لها لان دفع المقيد وفاء للبيع باتفاقهما و إثبات جريانه على المطلق بها من الأصل المثبت كما لا يخفى.

(1) أقول الوصف الذي لا يجوز إلغائه هو المأخوذ في المبيع بنحو الكلى و وجه عدم الجواز وقوع البيع على المقيد و إنشاء البيع على المطلق يحتاج الى بيع جديد بعد اقالة الأول و اما فيما إذا كان المبيع عينا خارجية كما هو الفرض في المقام فالغاء الوصف عبارة عن إسقاط الخيار المترتب على تخلفه و هذا الإلغاء صحيح نظير إسقاط خيار العيب المترتب على اشتراط عدم النقص في المبيع بلا فرق بينهما أصلا.

و ما ذكر (ره) من ان الوصف قيد ملحوظ في المعقود عليه كالجزء كأنه يريد كما ان الجزء يؤخذ في متعلق البيع كذلك وصف المبيع مأخوذ فيه و لكن لا يخفى ان أخذ الوصف و لحاظه في المتعلق صحيح و لكن لحاظه فيه يكون بالتزام آخر غير الالتزام البيعي و هذا فيما إذا كان المبيع عينا خارجية و لم يكن الوصف مقوما كما هو الفرض في المقام بخلاف لحاظ الجزء فإنه يكون أخذه في متعلق البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 234

و مما ذكرنا يظهر الحال (1)

______________________________

بنفس الالتزام البيعي و لذا لو تخلف الجزء و انكشف عدمه يكون البيع بالإضافة إليه باطلا من الأول فتدبر جيدا.

(1) قد يتمسك في تقديم قول البائع في فرض اختلافه مع المشترى في تغير المبيع بالعمومات الدالة على عدم جواز استقلال الغير في تملك مال

أحد و تلك العمومات يعم الثمن في مفروض الكلام حيث انه ملك للبائع فلا يجوز للمشتري تملكه بزعم ثبوت الخيار كقوله سبحانه لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ فان فسخ المشترى لا تكون تجارة عن تراض و وضع يده على الثمن مع عدم ثبوت الخيار له أكل له بالباطل و كذلك قوله (ع) لا يحل مال امرء مسلم الا عن طيب نفسه فان مقتضاه عدم جواز تملك الثمن بلا رضا البائع و قوله (ع) الناس مسلطون على أموالهم فإن مقتضاه ولاية التصرف في المال تثبت للمالك دون غيره و كان هذه العمومات حاكمة على الأصول العملية المتقدمة القاضية بعدم لزوم البيع على المشترى كما في سائر الدليل الاجتهادي في مقابل الأصل العلمي.

و حاصل ما ذكره (ره) في الجواب عن العمومات هو ان العمومات المزبورة مخصصة في المال الذي لم يدفع عوضه في المعاملة إلى المشترى و إذا شك في وصول العوض المزبور فالأصل عدمه و بهذا يدخل الثمن المفروض في المستثنى المحكوم بجواز أكله و حله و سلطنة غير المالك عليه و ما تقدم من أن الأصل عدم وصول حق المشترى إليه يراد به ما ذكر و يرجع إليه أصالة عدم التزام المشترى بتملك ما يدعى تغيره ليجب عليه الوفاء بما التزم.

لا يقال لم يعلم ان الخارج من تلك العمومات معنون بالعنوان المزبور ليكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 235

نعم ما في المبسوط و السرائر و الدروس من أصالة بقاء يد المشترى (1)

______________________________

مقتضى الأصل إخراج الفرد المشكوك عن عموم المستثنى منه و دخوله في المستثنى بل نقول الخارج منها المال الذي وقعت المعاملة بينه و بين

ما لا ينطبق على المدفوع و الأصل عدم وقوع المعاملة على ما لا ينطبق و بذلك يثبت بقاء الثمن المفروض في المستثنى منه فإنه يقال أصالة عدم وقوع المعاملة على ما لا ينطبق على الموجود خارجا لا يثبت وقوعها على ما ينطبق و كون أداء العين أداء لما وقع عليه العقد و وفاء له و هذا الانطباق و الدفع موضوع لزوم العقد و عدمهما موضوع الخيار.

(1) و لعل مراده أصالة بقاء يد المشترى على الثمن الراجعة إلى استصحاب بقاء أولويته عليه فإنه قبل البيع كان اولى به و الآن كذلك و يتمسك بها عند الشك في لزوم العقد و جوازه و لو بالشبهة الحكمية كما إذا شك في كون المعاطاة لازمة أو جائزة و كأن مقتضى الأصل عند هؤلاء عدم لزوم العقد في كل مورد بخلاف الوجهين السابقين فإنهما يجتمعان مع الالتزام بأصالة لزوم العقد المستفاد من العمومات المتقدمة و يخرج مورد الاختلاف في تغير المبيع عن تلك العمومات بالوجهين المزبورين باعتبار إدخالهما المفروض في المقام في عنوان المخصص كما تقدم.

و بتعبير آخر يختص الوجهان بمثل المفروض في المقام بخلاف أصالة بقاء يد المشترى على الثمن فإنها تجري في عقد شك في جوازه و لزومه و لو بالشبهة الحكمية و لكن لا تصل النوبة إليها مع العمومات المتقدمة.

أقول لا تجري الأصل المزبور في نفسه فإن الأولوية المزبورة ان كانت بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 236

و اما دعوى ورود أصالة عدم التغير (1)

______________________________

الملك فقد ارتفعت بالبيع قطعا و ان كانت بمعنى آخر فليست لها حالة سابقة كما لا يخفى.

(1) قد أجاب (ره) عما قيل من حكومة أصالة عدم التغير على الأصول

المقتضية لجواز البيع في مفروض الكلام بوجهين.

الأول ان أصالة عدم التغير لا تجري فيما إذا اتفقا على كون الحيوان سمينا قبل المشاهدة و اختلفا في التغير حين المشاهدة فادعى البائع حصوله حين المشاهدة فلا خيار للمشتري و قال المشترى حصوله بعدها فله الخيار فإنه لا يجري في الفرض أصالة عدم التغير بل الجاري أصالة تأخر التغير عن زمان المشاهدة المقتضية لتقديم قول المشتري.

الثاني ان أصالة عدم التغير الراجع الى عدم كون المبيع حين المشاهدة سمينا لا يثبت جريان البيع على الحيوان المهزول الا بنحو الأصل المثبت و بتعبير آخر أصالة عدم كون الحيوان حين المشاهدة سمينا كأصالة عدم جريان البيع على الحيوان السمين لا يفيد في إثبات موضوع لزوم العقد و هو جريان البيع على الحيوان المهزول.

أقول لا يخفى ان مقتضى العمومات المتقدمة بضميمة أصالة عدم اشتراط السمن في الحيوان المبيع يثبت بقاء الثمن في مدلول تلك العمومات حيث ان الخارج عنها موارد ثبوت الخيار بالأصالة أو الاشتراط و لا يكون في مفروض الكلام خيار بالأصالة و مقتضى الأصل عدم اشتراطه.

و اما الأصول العملية المتقدمة فلا مجال لشي ء منها فيما إذا كان المبيع عينا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 237

الثاني لو اتفقا على التغير بعد المشاهدة (1)

______________________________

خارجية لجريان البيع على تلك العين على كل تقدير و كونها عوضا عن الثمن كذلك و اشتراط وصف مفقود مدفوع بالأصل كما مر و بهذا يظهر الحال فيما إذا اختلفا في العين الخارجية فادعى البائع تغيرها بالزيادة فله الخيار و قال المشترى لا زيادة فيها فأن مقتضى أصالة عدم الاشتراط عدم الخيار للبائع كما لا يخفى.

(1) تعلق البيع في الفرض بالعين الخارجية بوصف خاص متفق

عليه بين المتبايعين و اختلافهما في التغير الى زمان البيع ليكون التغير المزبور موجبا للخيار للمشتري أو حصوله بعد البيع بوجه لا يكون له خيار.

و ذكر (ره) الموضوع للزوم العقد وصول العين بذلك الوصف إلى المشتري بأن ينتقل اليه بذلك الوصف عند البيع و مع الشك في هذا الوصول و الانتقال يكون مقتضى الأصل عدمه فينتفى موضوع لزوم العقد و استصحاب بقاء السمن الى حال البيع لا يثبت وصول السمين إلى المشتري لأن الوصول ليس أثرا شرعيا لبقاء السمن كما ان استصحاب عدم جريان البيع الى زمان فقد ذلك الوصف لا ينفى الوصول المزبور لعدم كونه أثرا شرعيا أيضا.

أقول قد تقدم ان تعلق البيع بالعين الموجودة فعلا متفق عليه كما ان اشتراط الوصف الموجود زمان المشاهدة أيضا متفق عليه بينهما و معنى اشتراطه أنه لو لم يكن في البين ذلك الوصف زمان البيع لكان للمشتري خيار الفسخ و استصحاب بقاء الوصف الى زمان البيع ينفى تحقيق ما علق عليه الخيار فلا خيار للمشتري و هذا ليس من الأصل المثبت في شي ء لما تقدم من ان موضوع الخيار في الخيارات الجعلية للمتعاقدين يؤخذ على وفق جعل المتعاقدين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 238

و لو وجد المبيع تالفا (1)

______________________________

و اما استصحاب عدم وصول حق المشترى الى المشتري فان أريد به عدم انتقال العين الموجود فعلا فهو متفق عليه بين المتعاقدين و ان العين على كل تقدير تعلق بها البيع و الا لكان فقد الوصف و انكشاف التغير موجبا لبطلان البيع كما في تخلف الأوصاف المقومة.

و ان أريد عدم الوصف المشروط زمان العقد فالمفروض ان استصحاب بقاء الوصف جار بلا معارض و بهذا يظهر الحال

فيما ادعى البائع حصول التغير الى زمان البيع بالزيادة فله خيار الفسخ و قال المشترى بحصول الزيادة بعد البيع فلا خيار للبائع و أنه يقدم مدعى اللزوم فان استصحاب بقاء الوصف المشاهد الى زمان البيع ينفى تحقق ما عليه خيار البائع على ما تقدم و لا يعارضه أصالة عدم وقوع البيع الى زمان حصول الزيادة فإنها لا تثبت وقوعه في زمان حصولها كما لا يخفى.

(1) و لعل فرض كفاية التخلية في القبض لتصوير فرض الاختلاف في تقدم البيع على التلف و تأخره عنه بحيث يكون تأخره عن البيع موجبا لذهابه على المشترى و لكن لو قلنا بعدم كفايتها فيمكن أيضا فرض الاختلاف كما إذا كان المبيع قبل البيع امانة بيد المشترى فباعه البائع منه ثم ظهر تلفه و اختلفا في تقدمه على البيع و تأخره عنه و على كل تقدير فالأظهر تقديم قول المشترى و على البائع إثبات وقوع البيع قبل التلف أخذا بأصالة بقاء الثمن على ملك المشترى.

و دعوى انه لا مجال للاستصحاب المزبور لأن أصالة الصحة الجارية في البيع حاكمة عليه لا يمكن المساعدة عليه لأن أصالة الصحة الجارية في المعاملات تجري فيما إذا أحرز تحقق المعاملة و شك في تحقق ما يعتبر في إمضائها و اما إذا لم يحرز تحققها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 239

[بيع المجهول مع الضميمة]
اشارة

لا فرق في عدم جواز البيع المجهول (1)

______________________________

بان شك في حصول المقوم لها أو في ولاية المنشأ لها فلا مورد لها و لا دليل على اعتبارها في احرازهما و من الظاهر ان تمليك المعدوم لا بلحاظ وجوده و لا بلحاظ تمليك بدله من المثل أو القيمة أمر غير معتبر عند العقلاء لأن

البيع عندهم تمليك الموجود بعوض.

و بتعبير آخر إنما تجري أصالة الصحة بعد الفراغ عن أصل وجود المعاملة و نظير دعوى أصالة الصحة في المقام ما تقدم عن بعض فيما إذا باع الراهن الرهن باذن المرتهن و رجع المرتهن عن اذنه و شك في تقدم البيع على الرجوع ليكون الرجوع لغوا لعدم المورد له أو تقدم الرجوع على البيع ليكون له مورد من إجراء أصالة الصحة في الرجوع و لكن كما تقدم انه لا مجال لأصالة الصحة في الرجوع مع عدم إحراز المورد له، لا سيما لو قيل بأصالة الصحة في البيع المقتضية لانتهاء الرهن كما لا يخفى.

(1) و حاصله انه إذا كان بيع شي ء لكونه مجهولا محكوما بالبطلان فلا يخرج ذلك البيع إلى الصحة بضم معلوم اليه و بيعهما معا لان ضم معلوم اليه لا يخرج بيعه عن كونه غرريا بل يكون البيع بالإضافة إلى المجموع محكوما بالبطلان باعتبار كون البيع بالإضافة إلى المجموع غرريا أو مجهولا لان ما يكون بيعه محكوما بالبطلان باعتبار جهالته لا يراد به جهالة كل جزء منه الا ترى انه إذا بيع قطيع غنم لا يعلم عدده و لا وصفه بمقدار من الثمن و لم يعلم و لم يشاهد المتعاقدان من القطيع الا واحدا أو اثنين يكون البيع بالإضافة إلى القطيع غرريا و لا ينفع مشاهدة الواحد أو الاثنين و كذلك إذا اشترى مزرعة شاهد بعضها و لم يعلم أو يوصف الباقي يكون البيع المزبور محكوما بالبطلان و على ذلك فلا يفيد في بيع الصبرة المجهولة مقدارها ضم مقدار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 240

..........

______________________________

معلوم إليها أو في بيع السمك في الأجمة المجهول عددا أو وصفا

ضم القصب الكافي في بيعه المشاهدة.

و ربما يقال ان بيع المجهول انما يحكم ببطلانه فيما كان المجهول مقصودا بالبيع استقلالا أو كان المقصود بالبيع منضما الى المعلوم بحيث يكون متعلق البيع و المقصود تملكه هو المركب من المجهول و الضميمة و اما إذا كان المجهول يعد تابعا للمبيع كأساس الجدار فلا تكون جهالته موجبة لبطلان البيع.

و هذا على ما ذكر المصنف (ره) ليس تفصيلا لان المانعين عن بيع المجهول و لو بالضميمة يرادون بيعه استقلالا أو منضما و اما إذا كان بحيث يعد تابعا فلا يضر حيث لا يخلو بيع الشي ء كالدار و الثوب و نحوهما عن مثل هذه الجهالة.

هذا كله خلافا للشيخ و ابن حمزة و الإسكافي و القاضي بل المنسوب الى المشهور كما في مفتاح الكرامة صحة بيع المجهول مع الضميمة و استدلوا على ذلك بعدة من الروايات.

منها مرسلة البزنطي من ابى عبد اللّٰه (ع) قال إذا كانت أجمة ليس فيها قصب أخرج شيئا من سمك فيباع و ما في الأجمة و ذكر المصنف (ره) ان وجود (سهل) في سندها كارسالها سهل لا يضر باعتبارها و لعل نظره (ره) الى ما يقال في توثيق سهل من كثرة رواياته التي تصدى لنقلها أرباب الحديث كالكليني و الصدوق و الشيخ قدس سرهم و قد يبلغ ما رووا عنه ما بين الألفين و الألفين و خمسمائة حديث و قد ورد عن المعصومين عليهم السلام اعرفوا منازل الرجال بقدر رواياتهم عنا و من كونه شيخ الإجازة و من ان الشيخ (قده) و ثقة في رجاله.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 241

..........

______________________________

و لكن لا يخفى ما في الوجوه فإن كثرة الرواية بمجردها لا تقتضي وثاقة

الراوي حتى مع تصدي أرباب الحديث لنقلها لأن غاية ما يمكن ان يقال في حق أرباب الحديث ان شأنهم نقل الروايات التي تصلح الاعتماد عليها و لو بعد اعتضادها برواية أو روايات اخرى.

و ما ورد في ان كثرة الرواية طريق لمعرفة منزلة الراوي ضعيف سندا و ظاهره ان كثرة الرواية بوجه معتبر تكون طريقا الى جلالة الرجل و محافظته على دينه لا مجرد كثرة الرواية و لو لم تكن بذلك الوجه و كذلك لا دلالة لكون الشخص من المشايخ الإجازة على وثاقته حيث يكون تحمل الرواية بقراءة الشيخ أو القراءة على الشيخ أو وجدانه في نسخة منسوب الى شخص و الإجازة تحتاج إليها في القسم الثالث فإنه يمكن معها ان ينسب الراوي الرواية إليه كما لا يخفى.

و اما توثيق الشيخ (قده) في رجاله فهو سهو من قلمه الشريف أو من النساخ حيث لم يذكر التوثيق في موضع آخر من رجاله بل ذكر في فهرسته انه عند نقاد الحديث ضعيف و كيف ما كان فقد ضعف الرجل النجاشي و غيره و استثناه ابن الوليد من روايات احمد بن محمد بن يحيى و لو لم يكن تضعيفه ثابتا فلا أقل من عدم ثبوت توثيقه خصوصا بملاحظة ما فعل في حقه احمد بن محمد بن عيسى الأشعري من إخراجه من (قم) إلى (الري) و النهى عن الاستماع الى حديثه فان هذا الفعل و ان لا يكون حجة على ضعفه في الحديث كما في فعل ذلك في حق احمد بن ابى عبد اللّٰه البرقي الا انه لا يخلو عن تأييد ضعفه.

و الوجه في عدم كون الإرسال مضرا فلما ذكر الشيخ (قده) في العدة في حق

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 3، ص: 242

..........

______________________________

جماعة منهم ابن ابى عمير و البزنطي من انهم لا يروون و لا يرسلون الا عن ثقة و لكن قد تقدم في التكلم في مراسيل ابن ابى عمير انه لا يمكن الاعتماد على المراسيل أولا فلأن كلام الشيخ (قده) اجتهاد في القول المنقول في حق أصحاب الإجماع.

و ثانيا انه قد علم رواية هؤلاء عن بعض الضعفاء كما يظهر ذلك لمن لاحظ اسناد الروايات و على ذلك فمن المحتمل ان يكون المرسل عنه في الحديث المفروض في المقام ذلك الراوي الضعيف.

و منها موثقة معاوية ابن عمار عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال لا بأس ان يشترى الآجام إذا كانت فيها قصب «1» و المصنف و ان عبر عن هذه بالرواية ألا أنها موثقة لأن الشيخ رواها بسنده عن حسن محمد بن سماعة و محمد بن زياد في سندها هو محمد بن حسن بن زياد العطار الكوفي ثقة يروى عنه ابن سماعة فلا حظ و اما دلالتها على المقام فان المراد في بيع الآجام هو بيع سمكها مع ضميمة القصب الموجود فيها بقرينة ما تقدم و ما يأتي مثل رواية أبي بصير عن ابى عبد اللّٰه (ع) في شراء الأجمة ليس فيها قصب انما هي ماء قال تصيد كفا من سمك تقول اشترى منك هذا السمك و ما في الأجمة بكذا و بكذا «2».

و منها موثقة سماعة قال سألته عن اللبن يشترى و هو في الضرع فقال لا الا ان يحلب لك منه أسكرجة فيقول اشتر منى هذا للبن الذي في الاسكرجة و ما في ضروعها بثمن مسمى فان لم يكن في الضرع شي ء كان ما في الاسكرجة «3» و على ذلك

يحمل

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب 12- الحديث 5.

(2) الوسائل الجزء (12) الباب 12- الحديث 6.

(3) الوسائل الجزء (12) الباب 8- الحديث (1).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 243

..........

______________________________

صحيحة عيص ابن القاسم قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل قال نعم حتى تنقطع أو شي ء منها «1» بناء على ان المراد منها بيع اللبن في الضرع تماما أو بعضه في الضرع و بعضه محلوبا و في الصحيح الى ابن محبوب عن إبراهيم أبي زياد الكرخي قال قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مأة نعجة و ما في بطونها من حمل بكذا و كذا درهم فقال لا بأس بذلك ان لم يكن في بطونها حمل كان رأس ما له في الصوف و في موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن ابى عبد اللّٰه (ع) في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال و بخراج النخل و الآجام و الطير و هو لا يدرى لعله لا يكون من هذا شي ء أبدا أو يكون أ يشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل منه قال إذا علمت ان من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره و تقبل به و ظاهر هذه الموثقة كما قبلها و كموثقة سماعة المتقدمة ان الضميمة يصحح البيع فيما إذا كان المجهول غير معلوم الحصول أصلا لا ان الضميمة المعلوم مقدارها يصحح بيع المجهول مقداره فان المحلوب في الاسكرجة بنفسه مجهول مقداره و كذلك الضميمة المعلوم إدراكها في المذكورات في موثقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي.

و الضميمة المذكورة في رواية إبراهيم الكرخي و هي الصوف على ظهور الغنم في نفسه

غير جائز البيع فكيف يصحح بيع ما في بطون الغنم.

و عن بعض جواز بيع الصوف على ظهور الغنم و لكن مع منعه عن ضم ما في بطنه الى بيعه فظاهر الرواية غير معمول به عند أحد و كذلك الحال في الضميمة المذكورة في روايتي أبي بصير و البزنطي فإن الكف من السمك في نفسه غير جائز البيع حيث ان

______________________________

(1) الوسائل الجزء (12) الباب 8- الحديث (2)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 244

..........

______________________________

السمك من الموزون و لذا يجرى فيه ربا المعاوضة فكيف تصحيح البيع و لو قيل بكفاية المشاهدة في بيع السمك في الأجمة فهو باعتبار عدم اعتبار الوزن في بيع الكثير من الشي ء فيما لم يجعل له الميزان كزبر الحديد.

أقول المتحصل من كلامه (ره) ان الضميمة المذكورة في بعض الروايات في نفسها غير جائز بيعها فكيف تصحح بيع المجهول مع ان مدلولها تصحيح بيع المجهول حصوله لا مقداره و ظاهر بعضها الأخرى كرواية الكرخي غير معمول به عند أحد فلا يصح الاعتماد عليها في الحكم بصحة بيع المجهول مع الضميمة، و لكن لا يخفى عدم كون شي ء مما ذكر موجبا لرفع اليد عن ظاهر الروايات و هو كون ضم ما يصح بيعه من المعلوم الى المجهول موجبا لصحة البيع و الضميمة و ان لا يوجب خروج البيع عن كونه غرريا الا أنه يتعين تخصيص ما دل على النهى عن بيع الغرر لان الروايات الواردة في المقام بالإضافة الى ما دل على النهى عن بيع الغرر من قبيل الخاص الى العام و ذلك فإن موثقة سماعة مثلا ظاهرة في ان حلب مقدار من اللبن في الاسكرجة و ضمه الى ما في ضرع

الحيوان في البيع يوجب صحته و لكن لا نظر لها إلى كيفية ضم ما في الاسكرجة من كون ذلك بعد اعتبار كيل ذلك المحلوب و عدمه بل في مقام لزوم ضم الموجود الفعلي و مقتضى ما دل على اعتبار الكيل في بيع المكيل رعاية كيل ذلك المحلوب و كذلك موثقة معاوية عمار ظاهرها ان ضم القصب الى ما في الأجمة في البيع يوجب صحة البيع و لو مع احتمال ان لا يكون في الأجمة سمك و رواية أبي بصير ظاهرها ان ضم الموجود الفعلي و هو الكف من السمك يوجب صحة بيع ما في الأجمة و السمك مطلقا لم يحرز كونه موزونا بل الظاهر أنه في أطراف الشط و البحر يباع بالمشاهدة و كذا الحال في الصوف على ظهر الغنم و لذا يصح ضم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 245

..........

______________________________

ذلك الصوف الى ما في البطون من الحمل و بيعها بصفقة و دعوى ان ضم الصوف على الظهر الى الحمل لم يلتزم به أحد مجازفة.

نعم يبقى في البين ان المستفاد من هذه الروايات و ما ورد في بيع الآبق مع الضميمة و في بيع الثمرة مع ضم السنة الآتية ان الضميمة تصحح البيع في المجهول الذي لا يحرز حصوله لا المجهول الذي لم يحرز كمه أو وصفه.

و لكن يمكن ان يقال بكفاية الروايات في القول بجواز بيع المجهول مع الضميمة سواء كان المجهول من قبيل مجهول الوجود أو مجهول الحصول أو المقدار أو الوصف و ذلك فأن الظاهر السؤال في موثقة سماعة فرض اللبن في الضرع و لو كان شراء اللبن في الضرع محكوما بالصحة باعتبار ان اللبن في الضرع ليس من

المكيل و الموزون بل من قبيل الثمرة على الشجرة لكان على الامام (ع) ان يجيب بالجواز و لو مع التأكيد على فرض السائل من اعتبار إحراز وجود اللبن في الضرع لكن قد ذكر (ع) في الجواب لا الا ان يحلب لك منه أسكرجة و ظاهره اعتبار حلب بعضه و اجراء البيع على المحلوب و ما في الضرع و قوله (ع) فيما بعد (فان لم يكن في الضرع شي ء كان ما في الاسكرجه) تعرض لصورة نادرة في الفرض و هي اتفاق عدم كون اللبن في الضرع و كون المبيع مقدار المحلوب فقط و انه يصح البيع في تلك ايضا و يكون الثمن في مقابل ذلك المحلوب كما يدل على هذه الجهة أي كون الثمن في مقابل الضميمة على تقدير عدم حصول المجهول ما في رواية الكرخي من أنه ان لم يكن في بطونها شي ء كان رأس ماله في الصوف.

و ما في موثقة سماعة عن ابى عبد اللّٰه (ع) في الرجل يشترى العبد و هو آبق عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 246

..........

______________________________

اهله قال لا يصلح الا ان يشترى معه شيئا آخر و يقول اشترى منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا فان لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا يمكن المساعدة على دعوى جواز بيع اللبن في الضرع بلا ضميمة فيما إذا كان وجود اللبن في الضرع محرزا مع الكراهة جمعا بين صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها بعد السؤال عن رجل له نعم يبيع ألبانها بغير كيل نعم حتى ينقطع أو شي ء منها و بين موثقة سماعة

المتقدمة التي ورد فيها لا الا ان يحلب لك منه أسكرجة أو الحكم بالجواز من غير كراهة بحمل الموثقة على صورة عدم إحراز اللبن في الضرع و الصحيحة على صورة إحرازه و وجه عدم المساعدة هو كون ظاهر الموثقة أيضا إحراز وجود اللبن في الضرع كما لا يخفى.

و اما المجهول وصفه فيمكن استفادة جواز بيعه مع الضميمة من مثل موثقة معاوية بن عمار المتقدمة حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها لا بأس ان يشترى الآجام إذا كانت فيها قصب فان من الظاهر ما في الأجمة من السمك كما يكون مجهولا من حيث المقدار كذلك يكون مجهولا من حيث الوصف أيضا إذ للسمك أنواع مختلفة و يختلف قيمته بالصغر و الكبر و الأجمة الواحدة يشتمل على السماك المختلفة نوعا غالبا و بالصغر و الكبر دائما و مما ذكرنا يظهران ما قيل في وجه تصحيح المعاملة بالضميمة فيما إذا كان الشي ء مجهول الوصف أو الكم بالأولوية من أنه إذا حكم الشارع بصحة البيع فيما إذا كان بعض المبيع مجهول الوجود يكون البيع محكوما بالصحة في مجهول الوصف و الكم بالفحوى لا يمكن المساعدة عليه فان المراد بالصحة فيما إذا كان البعض مجهول الوجود وقوع الثمن في مقابل الضميمة و ذلك المجهول على تقديره

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 247

..........

______________________________

و وقوعه بتمامه في مقابل الضميمة على تقدير عدمه و هذا لا يجري في مجهول الوصف و العمدة في المقام ما ذكرنا.

نعم يبقى في البين دعوى ان تصحيح الضميمة يختص بموارد النصوص أو يعم كل مجهول من حيث الوجود أو المقدار أو الوصف و لا يبعد التعميم لان السمك أو اللبن أو الحمل أو العبد

أو الثمرة من موارد النصوص معرض للجهالة و لذا وقع السؤال عنها و المتفاهم من الأجوبة الواردة فيها ان الضميمة علاج لبيع المجهول.

و لكن المستفاد من النصوص ان كل مبيع يكون النهى عن الغرر مقتضيا لفساد بيعه اما لعدم العلم بوجوده أو بحصوله أو للجهل بأوصافه يكون بيعه مع الضميمة محكوما بالصحة و يرفع اليد بها عن عموم النهى عن بيع الغرر.

و اما إذا كان الشي ء مكيلا أو موزونا أو معدودا بالفعل و أريد في التخلص عن كيله أو وزنه أو عدده بضم الضميمة اليه و بيعها بصفقة فهذا خارج عن مدلولها فان اللبن في الضرع أو السمك في الأجمة أو العبد الآبق أو الحمل في بطن الدابة لا يكون شي ء منها من المكيل أو الموزون أو المعدود بالفعل و لذا يجرى البيع عليها عند العقلاء و لا يعدونها من المكيل أو الموزون أو المعدود و لا يفيد الضميمة في التخلص عن بيعها بالكيل أو الوزن أو العدد أخذا بإطلاق النهي عن بيع المكيل أو الموزون أو المعدود من غير تعيين كيله أو وزنه أو عدده فإن النهي المزبور يعم ما إذا كان بيعها مع ضميمة معلوم كيلها أم لا كما لا يخفى هذا كله ما إذا بيع المجهول مع الضميمة بصفقة واحدة و اما إذا جرى البيع على الضميمة فقط و اشترط في بيعها كون المجهول ملكا للمشتري بلا عوض فيحكم بصحة البيع و الشرط بناء على ما هو الأظهر من ان الغرر في الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 248

[بقي الكلام في ما كان المجهول تابعا]

بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم (1)

______________________________

لا يبطل الشرط و لا البيع إلا إذا كان موجبا للغرر في نفس

البيع.

و اما ما ذكره المصنف (ره) في أول كلامه من ان مقتضى الأدلة ان يبيع المجهول مع الضميمة بصفقة واحدة يوجب بطلان البيع بتمامه فلا يمكن المساعدة عليه فان مقتضى انحلال البيع نظير انحلاله فيما إذا باع ما يملك و ما لا يملك الحكم بصحة البيع بالإضافة إلى الضميمة و البطلان بالإضافة إلى المجهول و يعلم طريق تقسيط الثمن المسمى لكل من المجهول و الضميمة مما تقدم في طريق تقسيطه في بيع ما يقبل الملك و ما لا يقبله بصفقة واحدة فتدبر.

(1) حكى عن العلامة التفصيل في المجهول بأنه إذا كان مقصودا بالبيع بطل و إذا كان تابعا فلا بأس به بمعنى انه يصح البيع و يدخل المجهول في ملك المشترى و يقع الكلام في المراد من التابع و المقصود بالبيع و استظهر المصنف (ره) من كلماتهم ان مرادهم من التابع يختلف و هذا الاختلاف ينتهي إلى وجوه.

الأول ما يظهر من القواعد و التذكرة و غيرهما من انه إذا كان المجهول شرطا في المبيع بحيث يدخل في ملك المشترى يحكم بصحة البيع و جهالة الشرط لا يضر بصحة البيع بخلاف ما إذا جعل جزءا من المبيع بان يكون الثمن بإزاء المجموع من المعلوم و المجهول في مدلول الإيجاب و القبول و على ذلك فلو باع العبد لا يدخل ماله في المبيع بناء على تملكه المال نعم مع اشتراط دخوله في المبيع يدخل العبد في ملك المشترى مع ماله على النحو الذي كان مالكا للمال عند البائع و اما إذا قيل بعدم جواز تملك العبد و جعل المال جزءا من المبيع لاعتبر فيه شرائط البيع و منها معلوميته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 249

..........

______________________________

الثاني ما عن جامع المقاصد و المحكي عن الشهيد فإنه قد ذكر الأول في رد ما تقدم في بيان التابع ان عبارة العقد لا اعتبار بها و ان ما قيل من انه لو كان حمل الحيوان جزءا من المبيع لكان باطلا و ان جعل شرطا صح غير صحيح بل بيع الأم مع حمله محكوم بالصحة لأن الحمل تابع شرطا أو جزءا و لو باع العبد مع ماله يدخل ماله أيضا في المبيع ان قلنا بان العبد يملك سواء جعل جزءا أو شرطا و ان قلنا بأنه لا يملك لا يصح جعل المال في البيع إلا إذا كان معلوما لانه ليس بتابع على هذا القول و المتحصل من كلامه ان ما يعد تابعا عرفا بان يكون الشي ء محسوبا عرفا من فروعات المبيع كالحمل بالإضافة إلى الأم و ان لم يكن تملك الأصل مقتضيا لتملكه ايضا يجوز كونه مجهولا سواء ذكر في العقد بصورة الاشتراط أو بصورة الجزء و كل ما لا يكون كذلك فلا يجوز كونه مجهولا سواء أتى بصورة الاشتراط أو بصورة الجزء كما انه لا يفرق في كون شي ء تابعا كما ذكر بين تعلق الغرض الشخصي من المتبايعين أو أحدهما بتمليكهما و تملكهما معا في مقابل الثمن أو كان عرضهما أو غرض أحدهما تمليك المتبوع و تملكه أو التابع كما يتفق الأخير في شراء بعض افراد الخيل حيث يكون الغرض الأصلي تملك حمله.

الثالث ان يكون كون شي ء تابعا أم لا بقصد المتعاقدين نوعا و إذا كان الغرض الأصلي للمتعاقدين غالبا في تملك المجهول و المعلوم خصوص المعلوم كما إذا كان الثمن في البيع بمقدار يشترى به المعلوم فلا يضر جهالة الآخر جعل سواء جزءا

أو شرطا و إذا انعكس الأمر يحكم ببطلان البيع من غير فرق بين جعل المجهول جزءا أم شرطا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 250

..........

______________________________

الرابع: ان يكون الميزان في كون شي ء تابعا الغرض الأصلي للمتعاقدين بشخصهما فإنه لو كان الغرض الأصلي لهما تمليك و تملك المجهول فيحكم ببطلان البيع جعل جزءا أو شرطا و إذا انعكس الأمر يحكم بصحته.

الخامس: ان الميزان في كون شي ء تابعا الغرض العقدي للمتعاقدين دون الغرض الأصلي الباطني نظير ما قد يفعله المتعاقدان في التخلص عن المخاصمة المحتملة مستقبلا في متاع لعارض من العوارض من اجرائهما البيع على متاع أخر لا يحتمل النزاع فيه و جعل الأخر تابعا و لكن لا يخفى ان مرجع هذا الوجه الى الوجه الأول من ذكر المجهول في عبارة العقد شرطا فيكون تابعا.

ثم انه (ره) قد ذكر عدم الفرق في بطلان البيع بضم المجهول من غير فرق بين كون الضم بنحو الجزئية أو الشرطية للغرر الحاصل بالجهالة نعم إذا كان المجهول تابعا عرفيا للمعلوم بنحو ما تقدم من اضافة البيع الى المعلوم عرفا بحيث لا يعد المجهول امرا آخر منضما الى المبيع بل من فروعاته فان اتى الفرع بصورة جزء المبيع في عقد البيع بطل للجهالة و إذا اتى بطور الشرط فلا يكون داخلا في الغرر كما لا يكون داخلا في معقد الإجماع على كون المبيع معلوما هذا في التابع الذي لا يدخل في ملك المشترى من غير جعله شرطا أو جزءا و اما التابع الذي يدخل في المبيع و ينتقل إلى المشترى و لو كان مغفولا عنه حين البيع و لم يذكر فيه جزءا أو شرطا فالظاهر عدم كون جهالته مضرة بصحة البيع

إلا إذا أوجب جهالة ذلك التابع جهالة المتبوع و هذا خارج عن محل الكلام في الضميمة لأن الكلام فيها ان جهالة المجموع من الشي ء و الضميمة توجب بطلان البيع أو ان معلومية الضميمة كافية في صحته و اما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 251

..........

______________________________

المتبوع الذي جرى عليه البيع مجهولا بجهالة سارية إليه من التابع فليس مورد الكلام في المقام.

أقول قد يذكر للتابع وجه آخر و هو كون المجهول مذكورا في عبارة العقد بعد ذكر المعلوم أولا و على ذلك يحمل الروايات الواردة في ضم المعلوم الى المجهول و لكن لا يخفى فساده لانه لا يفهم فرق في مدلول الكلام بين ان يذكر المعلوم أولا بأن يقول بعت ما في الاسكرجة من اللبن و ما في الضرع بكذا أو يقال بعت ما في الضرع و في الاسكرجة بكذا أضف الى ذلك ما ورد في بيع العقد الآبق من ذكر المجهول أولا و في صحيحة رفاعة النحاس قال سألت أبا الحسن موسى (ع) أ يصلح ان اشترى من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و أطلبها أنا قال لا يصلح شراؤها الا ان تشترى منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم اشترى منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز و ظاهرها جواز جعل المجهول متبوعا في عبارة العقد و كيف كان فقد تقدم ان الوجه الأول و هو التفصيل بين ما إذا كان المجهول شرطا أو جزءا لا يصح في النصوص الواردة في الضميمة فإن ظاهرها جواز جعل المجهول جزءا و لكنها لا تعم ما إذا كان المجهول من قبيل المكيل أو الموزون أو المعدود

و لو كان المجهول منها فلا بد من التفصيل بين جعل المجهول شرطا أو جزءا فيصح على الأول و يبطل البيع بالإضافة إلى المجهول على الثاني و صحته على الأول مبنى على ما هو الأظهر من ان الغرر في البيع موجب لبطلانه و اما الشرط فلا يبطل بالغرر كما ان الشرط المزبور لخروجه عن البيع حيث انه تمليك الشي ء بالعوض لا يوجب الغرر فيه.

و بتعبير آخر و لو يكون الشرط من العقد فيعمه ايضا وجوب الوفاء بالعقد الا انه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 252

..........

______________________________

لا يدخل في البيع و مجرد كونه غرريا لا يوجب الغرر في البيع فما ذكر المصنف (ره) من عدم الفرق بين جعل المجهول جزءا أو شرطا ضعيف غايته بل لو قلنا بان الغرر في الشرط يوجب بطلانه فالباطل هو الشرط فقط و لا يسرى الى البيع لما يأتي في محله من ان بطلان الشرط لا يوجب بطلان أصل البيع و هذا فيما إذا كان الشرط بمعنى المشروط أمرا آخر لا يرجع الى خصوصية المبيع أو الثمن كما هو الفرض في مسألة الضميمة.

و إذا كان الشرط بمعنى المشروط امرا راجعا إلى خصوصية في أحدهما فالشرط على تقدير كونه غرريا يبطل و يوجب بطلان أصل البيع ايضا كما إذا باع المتاع بثمن و اشترط انه لا يسلمه المتاع اليه الا في زمان شاء فبطلان البيع في الفرض باعتبار كونه غرريا كما لا يخفى.

و اما كون الميزان في التابع الغرض النوعي من المتعاقدين بالمعنى المذكور في المختلف من شراء المجموع بثمن يساوى الضميمة المعلومة فيحكم بصحته لعدم الغرر و شرائه بثمن يزيد عنه بمقدار بعتني به فيحكم ببطلانه للغرر فلا

يمكن المساعدة عليه لان الغرر يصدق على البيع في الفرض الأول أيضا لو بالإضافة إلى البائع و كذا الحال على احتمال الغرض الشخصي فإن كون غرض المشترى تملك الضميمة فقط بإزاء الثمن لا يخرج عن كونه غرريا عرفا حيث ان الصدق عندهم لا يكون بملاك الغرض الشخصي من المتبايعين.

نعم لو كانت القيمة السوقية للشي ء لا يختلف سواء إحراز جميع خصوصيات الشي ء أو لم يحرز كخصوصية باطن الثوب فلا يضر الجهل بها مع إحراز عنوان المبيع و لذا يشترى الثوب و لا يدرى أن بطاته قطن مصنوعى أو زراعي و يشترى الثوب و لا يدرى أن مادته من النايلون أو القطن الى غير ذلك مما يتعارف الشراء في السوق من غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 253

[مسألة الإندار للظروف]

يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه (1)

______________________________

إحراز بعض الخصوصيات و لا يدخل البيع بالجهل المزبور في عنوان الغرر و لو فيما فرض ان المشترى على تقدير علمه بواقع تلك الخصوصية لم يقدم على شرائه و هذا أمر آخر لا يرتبط بمسألة الضميمة.

فقد تحصل ان التابع العرفي الذي لا يندرج في المبيع من غير أخذه جزءا أو شرطا لا بد من إحرازه مع أخذه في المبيع جزءا و لا يضر الجهالة به فيما إذا أخذ شرطا فإنه لا يزيد عن الشرط غير التابع و اما التابع الذي يدخل في المبيع من غير حاجة الى ذكره في العقد جزءا أو شرطا أم لا كمفتاح الدار و بيض الدجاجة فجهالته لا يوجب صدق الغرر في البيع أصلا.

(1) المنسوب إلى الشهرة انه يجوز ان يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل زيادة ذلك المقدار على الوزن

الواقعي للظرف و نقيصته و صرح الفخر (ره) بالإجماع على ذلك فإنه قال نص الأصحاب على انه يجوز الإندار للظروف بما يحتمل الزيادة و النقيصة و فرع على هذا الجواز بأنه قد استثنى من المبيع أمر مجهول و استثناء المجهول من المبيع مبطل إلا في هذا المورد و مراده من الاستثناء على ما ذكر المصنف (ره) إخراج الظرف عن متعلق البيع ابتداء بإجراء البيع على المظروف من الأول بأن يقول بعت السمن الذي في هذا لظرف بكذا و الاستثناء الحقيقي أي المصطلح و ان يكون كذلك ايضا بمعنى انه يخرج عن حكم العام ابتداء الا ان هذا الخروج بملاحظة ذكر الاستثناء في الكلام و لو لم يذكر ذلك الاستثناء لشمل الحكم المستثنى بحسب مدلول الكلام كقوله أكرم العلماء الا الفساق منهم بخلاف الاستثناء في المقام فإنه قد ذكر البيع في الكلام ابتداء للمظروف فقط.

ثم ان في المسئلة أقوال ستة: الأول- ان المقدار المندر يعتبر كونه متعارفا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 254

..........

______________________________

عند التجارة و عدم العلم بزيادته على الوزن الواقعي للظرف.

الثاني ما ذكر مع اعتبار عدم العلم بالنقيصة أيضا.

الثالث اعتبار أحد الأمرين من اعتبار العادة و عدم العلم بالزيادة أو النقيصة.

الرابع جواز إندار المقدار المحتمل مطلقا أي تراضى به المتعاقدان أم لا و لكن مع العلم بزيادته يعتبر تراضيهما.

الخامس ما ذكر مع اعتبار تراضيهما في صورة العلم بالنقيصة.

السادس انه يعتبر ان لا يوجب الإندار الغرر في البيع كما إذا لم يحتمل زيادته أو نقيصته الا بمقدار يسير يتسامح فيه ثم ان الإندار للظرف قد يكون بعد اجراء البيع على المظروف بان يوزن المظروف مع ظرفه فيعلم وزنهما معا و بعد ذلك

يجرى البيع على المظروف بنحو الجملة بأن يقول بعت السمن الذي في هذا الظرف بكذا أو بنحو التسعير كما يقول بعت السمن الذي في هذا الظرف كل الكيلو منه بكذا و يحكم بصحة البيع في فرض البيع بنحو الجملة للإجماع على كفاية إحراز وزن المبيع مع ظرفه على ما تقدم في كلام الفخر و لا يحتاج إلى الإندار في هذا لفرض و يبقى الظرف في ملك البائع فيما لو لم يشترط أو لم يهبه البائع للمشتري و الأمر في فرض البيع بنحو التسعير ايضا كذلك و لكن يحتاج تعيين الثمن الذي يستحقه البائع على المشترى الى الإندار و قد يكون الإندار قبل البيع بان يحرز وزن المظروف في نفسه بالإندار أولا ثم يجرى البيع على المظروف المحرز وزنه بالإندار و يحكم بصحة هذا البيع أيضا للإجماع على انه لا يعتبر وزن المبيع في الفرض بغير الإندار من اخبار البائع أو وزن المظروف مستقلا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 255

خصوصا اعتبار التراضي بصورة العلم بالزيادة (1)

______________________________

و استظهر المصنف (ره) من أصحاب الأقوال المتقدمة اختلافهم في تحرير المسئلة و ان بعضهم قد حررها لتعيين وزن المظروف ليجري البيع عليه بعد ذلك و لذا اعتبر ان لا يكون الإندار بحيث يوجب الغرر في البيع و اعترض على من ذكر جواز الإندار بما يعلم زيادته أو نقيصته مع التراضي بأن التراضي لا يوجب صحة البيع الغرري و مع إندار المقدار المعلوم زيادته أو نقيصته يكون البيع غرريا.

و يمكن استظهار هذا الوجه اى كون الإندار موجبا لإحراز وزن المبيع ليجري البيع عليه بعد ذلك من الكلام المتقدم في صدر المسألة عن الفخر و وجه الاستظهار ان الفخر

(قده) قد فرع جواز استثناء المجهول عن المبيع أى جواز اجراء البيع ابتداء على المظروف المجهول وزنه الواقعي للجهل بوزن ظرفه على جواز الإندار فيكون جواز الإندار موجبا لصحة البيع بخلاف فرض تحرير المسألة بحيث يكون الاحتياج إلى الإندار بعد بيع المظروف على وجه التسعير فإنه عليه يكون جواز الإندار متفرعا على جواز بيع المظروف المجهول وزنه الواقعي بنحو التسعير و يحرز بالإندار جملة الثمن الذي يستحقه البائع على المشترى.

(1) قد استظهر (ره) من كلام من اعتبر التراضي في جواز الإندار مع العلم بزيادة المقدار المندر على الوزن الواقعي للظرف أو نقيصته عنه ان هذا القائل قد فرض الإندار بعد بيع المظروف الموزون مع ظرفه على وجه التسعير لتعيين ما يستحقه البائع على المشترى من الثمن و وجه الاستظهار ان الإندار لو كان لتعيين وزن المظروف ليجري عليه البيع بعده فاللازم تراضى المتبايعين في إجراء البيع على المظروف المعلوم وزنه بالإندار سواء كان المقدار المندر محتمل الزيادة و النقيصة أو معلوم الزيادة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 256

..........

______________________________

أو النقيصة إذ لا معنى لصحة البيع بدون تراضى المتبايعين و اما إذا كان الإندار بعد وزن المظروف مع ظرفه و اجراء البيع على المظروف على وجه التسعير لكان للتفصيل المزبور وجه حيث ان مع احتمال الزيادة و النقيصة لا يعلم المشترى باستحقاق البائع بأزيد مما يأخذه منه بعنوان الثمن فلا موجب لتراضيهما.

و اما إذا علم بزيادة المقدار المندر فقد يأخذ البائع من المشترى بأزيد من الثمن الذي يستحقه كما انه إذا علم نقيصته عن وزنه الواقعي يأخذ البائع أقل مما يستحق و يكون أخذ الزيادة أو النقيصة من قبيل التمليك المجاني فيعتبر تراضيهما

و لا وجه في فرض الإندار بعد بيع المظروف على وجه التسعير للإيراد على اعتبار التراضي بأن التراضي لا يدفع الغرر عن البيع و وجه عدم الإيراد ان البيع قد وقع على المظروف قبل الإندار و لو كانت معلومية وزنه مع الظرف غير رافع للغرر عن البيع يكون صحة البيع المزبور بالإجماع أو الرواية مقتضية لتخصيص النهى عن بيع الغرر.

و بذلك يظهر انه على تقدير كون الإندار بعد اجراء البيع على المظروف الموزون مع ظرفه يكون ذكر الإندار في مسألة تعيين العوضين باعتبار ان جواز البيع كذلك تخصيص فيما دل على اعتبار الوزن المستقل في المبيع الموزون.

و يظهر ايضا كون الإندار لتعيين مقدار استحقاق البائع من الثمن على المشترى في فرض بيع المظروف على وجه التسعير من كلام الأردبيلي (قده) حيث ذكر في أول كلامه في عنوان المسئلة انه يجوز بيع الموزون بان يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا فان التعبير ب (ثم) الظاهرة في التراخي مقتضاه فرض الإندار لتعيين مقدار الثمن للمظروف المبيع على وجه التسعير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 257

..........

______________________________

و نظير ذلك كلام الحدائق و ان كان ما ذكره من كون الإندار حقا للمشتري ضعيفا لأن الإندار لتعيين حق البائع على المشترى لا انه حق للمشتري و عليه فيعتبر عدم العلم بالنقيصة كالزيادة كما لا يخفى.

أقول ما ذكر المصنف (ره) من انه لو كان الإندار لإحراز وزن المظروف الذي يجرى عليه البيع بعد ذلك لاعتبر التراضي مطلقا و لم يختص بصورة العلم بالزيادة أو النقيصة لا يمكن المساعدة عليه لأن الإندار في هذا الفرض طريق لإحراز وزن المبيع و من الظاهر اعتبار الشي ء طريقا مع

العلم بمخالفته للواقع غير معقول و لا يصححه تراضى المتعاقدين و على ذلك فلا وجه لاعتبار التراضي في إحراز وزن المبيع بل لا بد من تخصيص اعتبار الإندار بما احتمل ان يكون المقدار المندر مساويا للوزن الواقعي للظرف رضى به المتعاقدان أم لا.

و ايضا لا يخفى ان مقتضى القاعدة الأولية عدم جواز بيع المظروف الموزون مع ظرفه من غير إحراز وزن المظروف منفردا الا مع ثبوت ان القسطاس المستقيم في بيع المظروف الذي يتعارف بيعه في ظرفه هو وزن المجموع على ما جرت عليه السيرة التي لا تحتمل حدوثها بعد زمان الشارع.

و على ذلك فلو كان الإندار قبل البيع لإحراز وزن المظروف منفردا كان مشروطا باحتمال تساويه مع وزن الظرف و ان كان بعد البيع لتعيين الثمن في المبيع على وجه التسعير جاز سواء علم بزيادته، على الوزن الواقعي أم لا لأنه في فرض الزيادة يتضمن التمليك المجاني فيعتبر فيه التراضي و كذا الحال فيما علم نقصانه على ما تقدم، و الحاصل الظاهر ثبوت السيرة على الإندار في كلام المقامين و لكن الإندار في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 258

..........

______________________________

مقام إحراز وزن المبيع قبل البيع مشروط باحتمال تساوى المقدار المندر مع الوزن الواقعي للظرف و في الإندار بعد البيع يجوز مطلقا و لكن مع التراضي في صورة العلم بالزيادة أو النقصان.

بقي للاندار صورة ثالثة و هي ما إذا بيع المظروف باشتراط الوزن المعين ثم في مقام القبض يوزن مع ظرفه و يسقط لمكان الظروف مقدار من الوزن و لا إشكال في جواز البيع في الفرض لان المعتبر في البيع ليس خصوص الكيل الخارجي أو الوزن فعلا بل يكفى اشتراط الكيل المعين

أو الوزن المعين و بهذا الاشتراط يخرج بيعه عن الجزاف و لذا يصح بيع المكيل أو الوزن بنحو الكلى على العهدة أو في المعين و على ذلك فلو كان وزن المبيع مع ظرفه و إندار المقدار المعين معلوما و لو بالتعارف صح البيع لان شراء المال مع التعارف المزبور بمنزلة اشتراط القبض المزبور سواء كان المقدار المتعارف محتمل الزيادة و النقصان أو علم أحدهما و الجواز المزبور لا يحتاج الى التشبث بالسيرة أو بذيل الإجماع أو الرواية بل هو مقتضى القواعد الأولية كما لا يخفى.

بقي في المقام أمر و هو ان الإندار للظروف و ان يعتبر طريقا الى تعيين وزن المظروف سواء وقع قبل البيع أو بعده لتعيين الثمن في المبتاع على وجه التسعير أو كان للوفاء بالبيع المشروط فيه وزن خاص و لكن لو انكشف الخلاف و كون المقدار المندر زائدا أو ناقصا عن وزن الظرف لا يتدارك فيما كان مقدار التخلف متعارفا لان مقتضى السيرة المشار إليها كون الناقص أو الزائد على تقدير التخلف ملكا للآخر مجانا بالشرط الضمني في المعاملة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 259

قيل ظاهره عدم اعتبار التراضي (1)

______________________________

نعم إذا كان التخلف بنحو غير متعارف فلا بد من تدارك الزائد على المتعارف باسترداد مقدار من الثمن أو المثمن هذا مع الغمض عن الروايات و يأتي التعرض لها.

(1) كان مراد القائل ان ظاهر الموثقة عدم اعتبار التراضي فيما إذا كان مما يزيد و ينقص و انه إذا كان المقدار المندر بما يزيد و ينقص فيجوز و مع كونه يزيد و لا ينقص فلا يجوز فيقع المعارضة بينها و بين رواية معلى بن حمزة حيث ظاهرها اعتبار التراضي مع

كون المندر مما يزيد و ينقص و كذا مع رواية قرب الاسناد حيث ان ظاهرها ايضا اعتبار التراضي و لو مع كون المقدار المندر مما يزيد و ينقص.

و ذكر المصنف (ره) عدم المعارضة بينها من هذه الجهة فإن التراضي مفروض في مورد الموثقة فإن الحاسب المفروض فيها البائع أو وكيله فالرضا من قبله متحقق و المحسوب له هو المشترى السائل عن جواز اقدامه على الشراء المزبور و ظاهر هذا السؤال رضاه بالاقدام لو لا المنع الشرعي و يؤيد فرض رضاه نهيه عن الاقدام بالشراء المزبور فان نهى شخص يناسب فرض إرادته ذلك الفعل و على ذلك فيكون حاصل الجواب انه إذا كان المقدار المندر مما يزيد و ينقص فيجوز و ان كان يزيد و لا ينقص فلا يجوز الشراء رضى به المتعاقدان أم لا فيتحد الموثقة مع رواية على بن حمزة و كذا مع رواية قرب الاسناد نعم يقيد إطلاق رواية قرب الاسناد بما إذا لم يكن المقدار المندر بما يزيد و لا ينقص.

و أردف (ره) على ما ذكر ان قوله (ع) ان كان يزيد و ينقص فيه احتمالات ثلاثة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 260

..........

______________________________

الأول كون المقدار المندر في مجموع المبيع يزيد و يقتص بحسب شخص المعاملة و حيث لا يمكن كون المقدار المندر في المجموع بحسب شخص المعاملة زائدا و ناقصا فالمراد احتمالهما.

الثاني ان يكون المراد زيادة المقدار المندر على وزن الظرف في بعض المبيع و نقصانه عنه بالإضافة إلى البعض الأخر في شخص المعاملة.

الثالث ان يكون المقدار المندر مما يزيد و ينقص في نوع المعاملة بأن يزيد في بعض إفرادها و ينقص في بعضها الأخرى فيستفاد كون المقدار المندر

متعارفا مع عدم العلم بزيادته في جميع الموارد و يشهد للاحتمال الأول رجوع الضمير في قوله يزيد و تنقص الى مجموع المقدار المندر كما انه يشهد للثاني عطف ينقص على يزيد بواو العاطفة الظاهرة في الجمع، و استشهد للثالث بما ورد في فضول المكائيل و الموازين كصحيحة على بن عطية قال سئلت أبا عبد اللّٰه (ع). قلت انا نشتري الطعام من السفر ثم نكيله فتزيد قال لي و ربما نقص عليكم قلت نعم قال فإذا نقص يردون عليكم قلت لا قال فلا بأس.

ثم ذكر (ره) انه مع الشك في كون المندر بمقدار الظرف فالأصل عدم زيادة المبيع عليه و عدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشترى من الثمن و لكن هذا حكم ظاهري لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الخلاف و اما مع العلم بزيادة المقدار المندر أو نقصانه فان كان إندار ذلك المقدر عادة فيقتضي العادة كون إسقاطه شرطا ضمنيا مع علم المتبايعين بها و مع عدم ثبوت العادة أو جهلهما بها فلا يجوز الاسقاط المزبور الا باشتراطه في متن العقد بان يقول بعتك ما في هذه الظروف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 261

..........

______________________________

الموزنة مع ظرفها كل رطل بكذا على ان يسقط لكل ظرف منها كذا فيرجع هذا الاشتراط إلى هبة الزيادة من المثمن أو الإبراء من الثمن أو تراضيا على هذه الهبة أو الإبراء بعد تمام البيع هذا مع قطع النظر عن الروايات.

و اما بالنظر إليها فالمتبع موثقة حنان لضعف غيرها أو عدم معارضتها للموثقة و المستفاد منها جواز الإندار جوازا واقعيا فيما إذا كان المقدار المندر امرا متعارفا و لم يعلم زيادته على مقدار الظرف و قد

فهم الشيخ (ره) هذا منها و لذا ذكر ذلك في النهاية مع جريان عادته فيها على التعبير عن الفتوى بمضمون الرواية و لا يجوز المقدار المندر فيما إذا علم زيادته و المراد بعدم جوازه نظير عدم جواز الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامع فيها عدم صيرورة الزائد ملكا للآخر بمجرد الإندار وفاء للمعاملة المزبورة بل يحتاج إلى هبة جديدة.

و الحاصل ان المقدار المندر لو كان مقدار المعتاد و يحتمل الزيادة و النقصان فيجوز واقعا و مع عدم أحد القيدين فان شك في زيادته و نقصانه مع عدم العادة فيجوز الإندار و لكن بحكم ظاهري و مع العادة و العلم بالزيادة أو النقصان يجوز ذلك بناء على كون الزيادة و النقيصة مع العادة بمنزلة الاشتراط الضمني و لكن الحكم محل اشكال ما لم تبلغ العادة حدا يحرز كونها كالشرط في ضمن العقد لان انصراف العقد إلى العادة ليس من قبيل انصراف المطلق الى بعض افراده بل من قبيل إضافة شي ء آخر من الهبة أو الإبراء إلى أصل البيع.

أقول إذا كان المستفاد من الموثقة عدم الجواز في غير ما كان المقدار المندر امرا عاديا يحتمل الزيادة و النقيصة فمقتضاه ان المقدار المندر مع العلم بزيادته أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 262

ثم الظاهر ان الحكم المذكور (1)

______________________________

نقصانه حتى مع العادة يحتاج إلى هبة أو إبراء مستقل أو اشتراط مستقل فلا يحكم بأحدهما بمجرد الشرط الضمني في العقد حيث ان الشرط الضمني المزبور محكوم بعدم الاعتبار.

(1) و حاصله ان الحكم بجواز الإندار لا يختص بظروف السمن و الزيت بل الظاهر عمومه لكل ظرف يجرى البيع على مظروفه كما هو مقتضى رواية قرب الاسناد و لكن

لضعف سندها صالحة للتأييد فقط و يحتمل قريبا ان لا يعم كل مظروف بل يختص بالظروف التي يكون بيع المظروف في ظرفه بمعنى عدم تفريغه منه عند بيعه متعارفا حيث لا يمكن التعدي عن ظروف السمن و الزيت إلى أزيد من ذلك.

نعم كما انه قد يكون بيع الشي ء حال كونه في الظرف متعارفا كذلك يتعارف بيع الشي ء الموزون مع مصاحبه غير الموزون و على ذلك فيحتاج في تعيين مقدار ثمن الموزون إلى الإندار من وزن المجموع و إندار مقدار لصاحبه الغير الموزون كالشمع المنصوب على الحلي المصنوع من الذهب أو الفضة فإن الحلي موزون و مصاحبه غير موزون فيوزنان معا و يندر للشمع مقدار و نظيره ما إذا بيع الظرف و المظروف و لكن كان المقصود بالأصالة هو شراء الظرف و قصد بيع المظروف تبعا كما إذا أراد شراء زقاق و لا يجد الا ما فيه دبس قليل يباع الظرف معه فأن الدبس بما انه موزون يوزن مع ظرفه و يندر للظرف مقدار لتعيين مقدار الدبس و تعيين ثمنه.

أقول تعدية الحكم الى كل ظرف يتعارف بيع مظروفه حال كونه في الظرف لا بأس به للسيرة المشار إليها و عدم احتمال خصوصية لظرف السمن و الزيت من دون منع عن السيرة بل مع كونها مؤيدة برواية قرب الاسناد و كذا فيما إذا كان شراء المظروف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 263

[بيع المظروف مع ظرفه]

يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون (1)

______________________________

تبعا لشراء ظرفه و اما التعدي إلى المصاحب فان أحرز ثبوت السيرة فيه ايضا فهو و الا فمقتضى ما دل على اعتبار الوزن في بيع الموزون عدم الجواز و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يجوز بيع

المظروف الذي يباع وزنا مع ظرفه بوزن المجموع و اجراء البيع عليهما بصفقة واحدة على المشهور بل لم يعرف خلاف من الخاصة إلا ما ذكر في الروضة من نسبة الخلاف الى بعض من غير تعيينه و عن التذكرة نسبة المنع الى بعض العامة و يمكن الاستدلال على المنع بان ما يباع وزنا و هو المظروف غير معلوم وزنه و الظرف لا يباع وزنا بل لو كان الظرف مما يباع وزنا ايضا فلا يفيد العلم بوزن المجموع لان اختلاف المظروف مع الظرف في القيمة يوجب الغرر الموجود في بيع المظروف جزافا.

و ذكر المصنف (ره) في المقام تفصيلا و هو انه إذا كان بيع المظروف في ظرفه بوزن المجموع متعارفا كما تقدم في المسألة السابقة فيكفي وزن المجموع في المقام لأن الإندار في تلك المسئلة كانت لتعيين مقدار الثمن و كان لا يعتبر في بيع مظروفه وزنه منفردا و عليه فلو كان الظرف داخلا في البيع كما هو الفرض في المقام فلا يحتاج إلى الإندار و لم يحصل من ضم الظرف الى مظروفه في البيع مانع آخر أو فقد شرط.

نعم إذا لم يكن الضم من قبيل بيع المظروف مع ظرفه بل من وزن الشيئين الموزونين معا و بيعهما بصفقة واحدة فان لم يحصل من بيعها كذلك غرر كما إذا كان كل منهما مساويا للآخر في القيمة السوقية فلا إشكال في صحة البيع لان الدليل على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 264

..........

______________________________

المنع اما النهي عن بيع الغرر و لا غرر في البين على الفرض و اما ما دل على اعتبار الوزن و ظاهره اعتبار وزن مجموع المبيع لا وزن كل واحد من اجزائه التي

ينحل إليها البيع و لو حصل من جمعهما في البيع غرر كما إذا ضم قطعة الذهب الى قطعة الرصاص يبلغ وزن مجموعهما ألفا بصفقة واحدة مع جهالة وزن الذهب بأنه مأة أو مأتان يحكم ببطلان البيع للغرر لا لاعتبار الوزن.

أقول يحكم بصحة البيع في الفرض ايضا على الأظهر لأن الغرر في البيع مندفع بثبوت خيار الغبن و قد تقدم سابقا ان ما هو المعروف في الألسنة من ان الخيار حكم للبيع الصحيح يتم في الخيار الشرعي التأسيسي كخيار المجلس و الحيوان لا الإمضائي كخيار الشرط و يدخل فيه خيار الغبن على ما يأتي بل قيل كما عن الإيرواني (ره) بصحة البيع حتى مع إسقاط خيار الغبن فان المقام لا يزيد على بيع مالك الذهب ذهبة بقيمة الرصاص و لكنه ضعيف لان مع العلم بكون المبيع ذهبا و العلم بوزنه لا يكون بيعه بقيمة الرصاص غرريا لأخذ الجهالة في معنى الغرر فلا يعمه النهى عن بيع الغرر كما لا يعمه ما دل على بطلان بيع الموزون بلا وزن بخلاف مسألة ضم الذهب الى الرصاص و بيعهما بصفقة واحدة فإن مع الجهل بمقدار الذهب منفردا يعمه النهى عن بيع الغرر.

و ايضا ما يذكر المصنف (ره) من ان المصاحب غير الموزون وزنه مع الموزون و بيعهما بصفقة صحيح فيما إذا كان المصاحب تابعا لا يمكن المساعدة عليه لان وزن المجموع يكفي في موردين أحدهما فيما إذا كان كل من الشيئين موزونا و الثاني ما إذا كان في المظروف الذي يتعارف تعيين وزنه عند بيعه بوزنه مع ظرفه و اما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 265

ثم ان بيع الظرف مع الظرف يتصور على صور (1)

______________________________

في

غير ذلك فلا موجب لرفع اليد عما دل على اعتبار الوزن في بيع شي ء يكون تعيين ماليته بالوزن و المفروض أنه الفضة دون الشمع.

(1) صور بيع المظروف مع ظرفه أربع: الأولى ما إذا بيعا باعتبار انهما متاعين قد بيعا بصفقة واحدة نظير سائر الأمتعة المباعة بصفقة واحدة بحيث لو انكشف بطلان البيع بالإضافة إلى أحدهما يقسط الثمن عليهما بتقويم كل واحد منهما منفردا ثم يؤخذ بنسبة قيمة أحدهما إلى المجموع فإذا قيل بان الظرف قيمته دينار و المظروف قيمته دينار ان يؤخذ للظرف ثلث الثمن كما تقدم في بيع ما يملك و ما لا يملك بصفقة واحدة.

الثانية ما إذا بيع المظروف و الظرف بثمن على ان يكون بعضه بإزاء المظروف على وجه التسعير بان يكون كل رطل منه بدينار و الباقي من الثمن بإزاء الظرف و لو ظهر الظرف أو المظروف مستحقا للغير يعين ثمنه بالإندار.

الثالثة ان يباع الظرف و المظروف الموزنان معا باعتبار هما شيئا واحدا يباع على نحو التسعير و لو كان وزن المجموع عشرة أرطال يباع كل رطل من المفروض شيئا واحد بدينار بحيث لو كان وزن الظرف مفردا رطلين يكون ثمنه دينارين.

و الرابعة ان لا يفرض المجموع شيئا واحدا بحسب التقويم بل يباع الرطل المركب من المظروف و ظرفه بدينار و على ذلك يكون تقسيط الثمن على تقدير الحاجة بحسب القيمة السوقية لكل منهما منفردا مثلا لو كان وزن الظرف خمس وزن المجموع فلا يكون ثمنه خمس تمام الثمن كما في الفرض الثالث بل بحسب قيمة الظرف منفردا و قيمة المظروف منفردا فلو كان قيمة الظرف مساوية مع تمام قيمة المظروف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 266

[دفع المال إلى الغير لصرفه على طائفة]

و لم يحصل للمدفوع إليه ولاية على ذلك المال (1)

______________________________

يكون قيمة الرطل و هو الدينار أربعة أخماسه للظرف و ربعه للمظروف و المصنف (ره) قد ذكر هذه الصورة الثالثة بقوله لا من المركب من الظرف و المظروف لأنه إذا باع إلخ فتدبر.

(1) و تفضيل الكلام في المقام هو ان المال المدفوع الى الغير لصرفه على طائفة قد يكون بحيث للمدفوع إليه ولاية ذلك المال من دون ولاية لدافعة كمال الامام (ع) أو المال المجهول مالكه المدفوع الى الحاكم الشرعي فيتصرف الحاكم في المال المزبور على ما يراه الوظيفة فيهما و لكن ثبوت الولاية كذلك فيهما للحاكم شرعي كلام و ذلك فان نصف الخمس بمقتضى الآية المباركة بملاحظة الروايات ملك للإمام (ع) و لو بعنوان الامام للمسلمين و له (ع) ولاية صرف النصف الأخر على مواضعه بحيث لا يجوز لمن تعلق بماله الخمس المباشرة في وضعه في تلك المصارف كما هو ظاهر امره (ع) بإرسال الخمس اليه أو كون الخمس له مثل قوله (ع) خذ مال الناصب و ادفع إلينا خمسه و في الصحيح عن على بن محمد بن شجاع النيشابوري فوقع (ع) لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته و في صحيحة على بن مهزيار من كان عنده شي ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي و في موثقة عمار عن ابى عبد اللّٰه (ع) فان فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه الى أهل البيت الى غير ذلك.

و على ذلك فلو قيل بأن الولاية الثابتة للإمام (ع) تثبت للحاكم و الفقيه العادل في زمان الغيبة تثبت له أيضا الولاية بالإضافة إلى سهم السادة بحيث لا يجوز للمكلف صرفه على موارده بلا استيذان منه.

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 3، ص: 267

..........

______________________________

و اما بناء على ما هو الأظهر من انحصار ولايته بموارد الأمور الحسبية على ما تقدم تفصيلها فيجوز للمكلف الاستقلال في صرف ذلك السهم بدفعه إلى أربابها حيث ان مقتضى أصالة البراءة عدم اشتراط الاستئذان في دفعه بعد كون مقتضى الآية و الروايات ثبوت الخمس في المال نعم لو طلب الفقيه المتصدي لتنظيم أمور المسلمين، السهم المزبور للصرف على بعض مصارفه لضرورته و حبت الإجابة اطاعة أولى الأمر و لكن هذا لا يفيد الاشتراط بحيث لو خالف المكلف و دفعه الى أربابها لم يجز كما لا يخفى.

و اما بالإضافة إلى السهم المبارك فبما ان المال المزبور ملك الامام (ع) و لا دليل على دخوله في ملك الغير في زمان الغيبة ابتداء حاكما كان أو غيره و لكن يعلم برضاه (ع) بصرفه في مصالح نظير الحوزات العلمية و الاحتفاظ بها و نشر أحكام الشرعية أصولا و فروعا و دفع بعض ضرورات الضعفاء من المؤمنين فيجوز للفقيه صرفه على هذه المواضع مع ملاحظة الأهم و المهم و إذا كان ملاك تصرفه علمه برضاه (ع) فان رضا الدافع بصرف ذلك المال على البعض المعين من تلك المواضع فلا بد للفقيه رعايته لو احتمل دخله في رضاه (ع) نعم على القول بثبوت الولاية للفقيه مطلقا لا في خصوص الأمور الحسبية فلا حاجة الى رعايته.

و اما المال المجهول مالكه فقد تعرضنا لحكمه في بحث المكاسب المحرمة و انه يظهر من بعض الروايات ثبوت ولايته للإمام (ع) و لو قيل بثبوت هذه الولاية للفقيه العادل فيعمل فيه بما وظيفته و على ما ذكرنا من انحصاره ولايته بموارد الأمور الحسبية و انتظام نظام جامعة المسلمين فيعمل كل

من وقع بيده المال المزبور بوظيفة المال من التصدق به بعد يأسه عن الظفر بمالكه بعد الفحص عنه أو قبله و احتمال اعتبار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 268

..........

______________________________

الاستيذان مدفوع بإطلاق الروايات الظاهرة في أن الوظيفة في المال المزبور هو التصدق فراجعها.

ثم انه ذكر (ره) في المقام أى فيما كان المدفوع اليه من طائفة يصرف المال عليهم و لم يكن له ولاية في ذلك المال صور ثلاث الاولى ما إذا علم بقرينة حالية أو مقالية إخراج الدافع المدفوع اليه من ذلك القبيل و عدم رضاه بأخذه من المال كما إذا عين له مقدارا قبل الدفع أو بعده ففي هذه الصورة لا يجوز للمدفوع إليه الأخذ منه لان المال المزبور ملك للدافع أو له ولاية في دفعه و على كل تقدير فلا يجوز أخذه بلا رضاه.

الثانية ما إذا كان في البين قرينة على رضاه بأخذ الدافع لنفسه ايضا فيجوز له الأخذ و لكن فيما إذا اختلف المقدار المعين للأصناف و لو من قبل الدافع فهل الميزان في أخذ المدفوع اليه اعتقاده أو اعتقاد الدافع الأظهر التفصيل بين ان يكون تعيين الدافع على عنوان صنف على وجه الموضوعية فالمتبع إحراز المدفوع اليه و اعتقاده و بين كونه على وجه الداعوية فالمتبع اعتقاد الدافع و إحرازه.

و مراده (ره) من كون عنوان الصنف على وجه الموضوعية ان يكون التعيين للعنوان بنحو القضية الحقيقية فإنه يوكل فيها إحراز عنوان الموضوع في الخارج الى المكلف كما إذا قال ادفع لكل مجتهد كذا و لكل مشتغل كذا و خذ أنت ما يخصك و من كونه على وجه الداعوية كون التعيين بنحو القضية الخارجية حيث ان تطبيق العنوان على

الخارج في التعيين بمفادها بعهدة الدافع و لكن لا يخفى انه كما يكون في المجعول بنحو القضية الحقيقية الميزان نظر المدفوع إليه بالإضافة إلى الأخذ لنفسه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 269

..........

______________________________

كذلك يكون هو المتبع بالإضافة إلى تعيين كون فرد من أى صنف و كذا يكون المتبع في المجعول بنحو القضية الخارجية نظر الدافع بالإضافة إلى المدفوع اليه و غيره.

الصورة الثالثة ما إذا لم تقم قرينة على رضا الدافع بأخذ المدفوع اليه لنفسه و لا عدم رضاه فهل يجوز له الأخذ لنفسه قيل لا مطلقا و قيل يجوز لنفسه مثل ما يعطى لغيره و قيل يجوز لو قال ضع هذا المال في مواضعه أو ما يفيد ذلك و لا يجوز فيما لو قال ادفع المال أو أعطه و قيل بالجواز لو قال ضع هذا المال أو نحوه و اما إذا قال ادفعه أو أعطه فإن كان الدافع عالما بكون المدفوع اليه من القبيل فلا يجوز و ان لم يعلم به فيجوز للمدفوع إليه الأخذ لنفسه و استدل على المنع مطلقا بظهور اللفظ في مغايرة المأمور بالدفع مع المعطى لهم المؤيد بما ورد فيمن و كله المرية في تزويجها فأراد تزويجها من نفسه و فيمن و كله الآخر في الشراء له فاعطى المتاع من عنده و بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج على ما في التحرير قال سألته عن رجل أعطاه رجل ما لا ليقسمه في محاويج أو مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه قال لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه.

أقول دعوى ظهور كلام الدافع في مغايرة المعطى لهم مع المدفوع اليه ممنوع فيما إذا كان

توكيله في تقسيم المال بنحو يفهم منه إيكال إحراز كون المعطى له من أى القبيل الى المدفوع اليه سواء قال ضع هذا لمال لكل مجتهد من البلد أو قال ادفعه اليه و مغايرة الموكل مع المعطى له كاف في صدق الدفع و خصوصا فيما إذا كان المال المزبور من قبيل الزكاة المعتبر فيها مغايرة المكلف بالأداء مع المعطى لهم سواء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 270

..........

______________________________

كان أدائه بالمباشرة أو بنحو التوكيل و التسبيب.

و أما تأييد المنع بما ذكروا في توكيل المرية من عدم جواز تزويج الوكيل المرأة من نفسه فلا يمكن المساعدة عليه فان المنع في تلك المسئلة مورد الخلاف و قد ذكر جماعة جواز ترويج الوكيل المرأة من نفسها فيما كان توكيله بنحو العموم بل مع الإطلاق أيضا و ربما يستدل على المنع فيها بصحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) في حديث انه قال في امرأة ولت أمرها رجلا فقال زوجني فلانا فقال لا زوجتك حتى تشهدي أن أمرك بيدي فأشهدت له فقال عند التزويج للذي تخطبها يا فلان عليك كذا و كذا قال نعم فقال هو للقوم اشهدوا ان ذلك لها عندي و قد زوجتها من نفسي فقالت المرأة ما كانت أتزوجك و لا كرامة و لا امرى الا بيدي و لا وليتك امرى إلا حياء من الكلام قال تنزع منه و يوجع رأسه و لكن لا يخفى عدم دلالتها ما ذكر بل ظاهرها إنكار المرأة توكيلها إلا في تزويجها من شخص معين قد كان خطبها قبل التوكيل أو بعده و انها قد وكلها لاستحيائها في المكالمة مع ذلك الشخص فلا يدل على المنع فيما إذا اعترفت بأنها

و كلته بنحو العموم أو الإطلاق بحيث يعم التوكيل الزواج من كل زوج كما هو المفروض في المقام.

و ان استندوا في المنع في تلك المسئلة بموثقة عمار الساباطي قال سئلت أبا الحسن (ع) عن امراة تكون في أهل بيت فتكره ان يعلم بها أهل بيتها أ يحل لها ان يوكل رجلا يريدان يتزوجها تقول له قد و كلتك فاشهد على تزويجي قال لا، قلت جعلت فداك و ان كانت أيما قال و ان كانت أيما قلت فان و كلت غيره بتزويجها منه قال نعم و لا يخفى ان مقتضاها عدم جواز توكيل المرأة رجلا في تزويجها من نفسه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 271

..........

______________________________

و لو مع التصريح و لذا ذكروا ان المنع باعتبار عدم جواز تولى شخص واحد طرفي العقد في نكاح المتعة كما هو ظاهر السؤال أو مطلقا و هذا ليس مورد الكلام في المقام و يحتمل قريبا ان يكون المنع يختص بما إذا كان المتولي لطرفي العقد زوجا و لا يعم توكيل الواحد من الزوجين في إجراء العقد حيث يحتمل ان يكون ملاك المنع في تولى الزوج دفع التهمة الناشئة من عدم الشاهد للعقد.

و اما التأييد بما ورد من انه ليس للوكيل في الشراء إعطاء المتاع من عنده فهو ايضا مورد الخلاف لمعاوضة الأخبار الواردة فيه و بقرينة التعليل الوارد في بعضها يكون مقتضى الجمع بينهما الحمل على الكراهة نعم في رواية على بن سليمان قلت له الرجل يأتيني فيقول اشتر ثوبا بدينار أو أقل أو أكثر و اشترى له بالثمن الذي يقول ثم أقول هذا الثوب بكذا و كذا بأكثر من الذي اشتريته و لا أعلمه أني ربحت

عليه و قد شرطت على صاحبه ان ينقد بالذي أريد و لا أزد به عليه فهل يجوز الشرط و الربح أو يطيب لي شي ء منه و هل يطيب لي ان أربح إذا كنت استوجبته من صاحبه فكتب لا يطيب لك شي ء من هذا فلا تفعله و لكن مع ضعف سندها ان المنع فيها باعتبار الغش في البيع و إيهام انه اشترى الثوب من صاحبه له بنحو التوكيل بالثمن الأزيد كما لا يخفى.

و يبقى في البين صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و مقتضى الجمع بينها و بين صحيحة الأخرى و سائر الروايات الظاهرة في الجواز هو حمل النهى فيها على الكراهة و اما حمل الصحيحة المانعة عن الأخذ على صورة كون العنوان المفروض لصرف المال داعيا لدافع المال بان يكون دفعه المال لقبيل بنحو القضية الخارجية المحضة و حمل المجوزة على صورة كون الدفع بنحو القضية الحقيقية بأن يكون غرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 272

[خاتمة في احتكار الطعام]

احتكار الطعام و هو كما في الصحاح (1)

______________________________

الدافع صرف المال على كل معنون بذلك العنوان من غير خصوصية لفرد دون فرد فليس من الجمع العرفي.

و قيل بحمل المانعة على ما إذا كان المال المدفوع ملكا لشخص الدافع كما هو ظاهر لفظ صاحبه و المجوزة على ما إذا كان المال المدفوع من الحقوق كالزكاة و لكن هذا الحمل أيضا غير صحيح لورود صاحبه في الاخبار المجوزة أيضا و الأظهر جواز الأخذ لنفسه الا ان يعلم المدفوع اليه بعدم رضا الدافع بأخذه و على تقدير جواز الأخذ لا يختص جواز الأخذ بالمقدار المساوي لما يعطى لغيره كما هو القول الثاني من الأقوال المتقدمة فإن الظاهر و لا أقل

من الاحتمال ان يكون ما في قوله (ع) مثل ما يعطى لغيره مصدرية فيكون مفاده انه كما يجوز إعطائه للغير يجوز الأخذ لنفسه ايضا و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يقع الكلام في الاحتكار بمعنى جمع الطعام و حبسه لتربص الغلاء يقع في مقامين، الأول في حكم الاحتكار من حيث الجواز و عدمه و الثاني فيما للحاكم و ولى المسلمين ان يفعله في معالجة الاحتكار و دفع اضطرار الناس و اما الأول فمن الصدوق و الشيخ في الاستبصار و ابن إدريس و القاضي و العلامة في بعض كتبه عدم جواز الاحتكار فعلى مالك الطعام جعله في معرض البيع مطلقا و عن الشيخ (ره) في المبسوط و المقنعة و الحلبي و العلامة في بعض كتبه جواز الاحتكار ما كان في البين باذل يكفى بذله بحيث لا يقع مع حبسه الناس أو بعضهم في الحرج في تحصيل قوتهم و مع عدم وجود الباذل كذلك فيحرم و ذكر المصنف (ره) كراهة الاحتكار مع وجود الباذل و ادعى بأن الكراهة مسلم عند القائلين بالجواز و يحرم مع عدم الباذل و استدل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 273

..........

______________________________

على ذلك بصحيحة سالم الحناط قال قال أبو عبد اللّٰه (ع) ما عملك قلت حناط و ربما قدمت على نفاق و ربما قدمت على كساد فحبست قال فما يقول من قبلك فيه قلت يقولون محتكر فقال يبيعه أحد غيرك قلت ما أبيع انا من الف جزء جزءا قال لا بأس انما كان ذلك رجل من قريش يقال حكيم بن حزام و قال إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله فمر عليه النبي (ص) فقال يا حكيم بن إياك ان تحتكر «1».

و

صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال سئل عن الحكرة فقال إنما الحكرة ان تشترى طعاما و ليس في المصر طعام يباع فلا بأس ان تلتمس بسلعتك الفضل و في صحيحة حماد قال و سالته عن الزيت فقال إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه و في كتابه (ع) الى مالك الأشتر على ما في نهج البلاغة (فامنع عن الاحتكار فان رسول اللّٰه (ص) منع منه) و ظاهره الحكم الشرعي للاحتكار في نفسه لا الحكم ولاية كما هو مقتضى التعليل بان رسول اللّٰه (ص) قد منع منه خصوصا بملاحظة مثل صحيحة سالم الحناط المتقدمة.

و صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال سئلته عن الرجل يحتكر الطعام و يتربص به هل يصلح ذلك قال ان كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به و ان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره ان يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام و المراد بالكراهة هو التحريم حيث ان الكراهة بمعناها اللغوي يطلق على الكراهة الاصطلاحية و على التحريم و القرينة على إرادة الحرمة في المقام ان الكراهة الاصطلاحية ثابتة في احتكار الطعام مع الباذل بلا ريب فإنه موضع وفاق من القائلين بالجواز

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12- الباب 28 من أبواب آداب التجارة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 274

..........

______________________________

فيكون مقتضى الشرطية الأولى انتفاء الجواز الكراهتى مع عدم سعة الطعام للناس و كان الشرطية الثانية تصريح بالمفهوم من الشرطية الأولى أضف الى ذلك انه لا يناسب الكراهة الاصطلاحية ترك الناس و لا طعام لهم كما لا يناسب شدة الكراهة.

أقول ثبوت الكراهة مع الباذل و سعة الطعام للناس لم يظهر له وجه معتبر

لتكون الشرطية الثانية دالة على ثبوت التحريم نعم عدم مناسبة التعليل مع الكراهة بل مع الكراهة الشديدة صحيح ثم أيد (قده) التحريم مع عدم الباذل كفاية برواية المجالس بسنده عن ابى جعفر (ع) قال رسول اللّٰه (ص) أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع و لكن لا يخفى ما في التأييد حيث انها ضعيفة سندا و دلالة اما من حيث السند فلوقوع على بن محمد الزبير في سندها و كونه راويا لكتب بنى فضال لا يقتضي نقله هذه الرواية من كتبهم التي عرضوها للعسكري (ع) و لا دلالة لقوله (ع) خذوا بما رووا أو ذروا ما رأوا على اعتبار كل رواية وجدت في كتبهم حتى ما إذا كان اتصالها الى المعصوم (ع) بسند ضعيف بل مفاده ان فساد مذهبهم لا يوجب ترك رواياتهم بل يعمل بها على طبق موازين العمل بالخبر الواحد و لذا لم يعهد من أحد الالتزام عند تعارض الخبرين بتقديم ما يكون في سنده من بنى الفضال و بتعبير آخر لا يزيد الكلام المزبور على ما ذكر الكشي في حق جماعة من الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم هذا مع ان في ثبوت القول المزبور عن العسكري (ع) تأملا.

و اما دلالة فلان مقتضى معتبرة السكوني جواز الاحتكار إلى أربعين يوما كما ان مقتضى صحيحة الحلبي المتقدمة جوازه بأكثر منه و لو كان ذلك بالتماس الفضل و الغلاء و أيد التحريم ايضا بما في كتاب ورام بن أبي فراس عن النبي (ص) عن جبرئيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 275

..........

______________________________

قال اطلعت في النار و رأيت واديا

في جهنم يعلى فقلت يا مالك لمن هذا قال لثلاثة للمحتكر و المدمنين للخمر و القوادين و بما ورد في إجبار المحتكر على البيع كما في موثقة غياث الآتية فإن الإجبار على البيع مع عدم حرمة الاحتكار بعيد و ينافي قاعدة تسلط الناس على أموالهم بخلاف ما حرم الاحتكار فإن الإجبار على تركه من الوالي داخل في عنوان المنع عن المنكر.

أقول حرمة الاحتكار مع عدم باذل بقدر الكفاية مقتضى صحيحة سالم الحناط فان قوله (ص) لحكيم بن حزام ظاهر في كونه تحذيرا أو نهيا شرعيا لا بعنوان اعمال ولايته (ص) على الرعية لتنظيم اجتماعاتهم و أمورهم فإن حمل الأمر أو النهى على ذلك يحتاج إلى قرينة و الا كان الظاهر كونه بعنوان أنه الشارع خصوصا بملاحظة مثل ما في موثقة إسماعيل بن زياد من قوله (ع) لا يحتكر الطعام الا خاطئ فإن النهي بالجملة الخبرية و التعبير عن المحتكر بالخاطئ الظاهر في العاصي كقوله سبحانه لا يأكله الا الخاطئون يناسب التحريم و كذلك معتبرة السكوني المتقدمة فإنه و ان ورد فيها التحديد بالأربعين و ثلاثة أيام الا أنه كما يأتي بملاحظة ضرورة الناس و عدمها في ذلك الزمان جمعا بينها و بين غيرها مما تدل على عدم البأس بالحكرة مع سعة الطعام للناس.

و الحاصل انه لا دليل على كراهة الاحتكار في الخصب بل ظاهر الروايات إباحته مع وجود الباذل بقدر الكفاية و عدم جوازه مع الشدة و عدم الباذل و لو لم يحصل حاجة الناس الى حد يوجب الاحتكار هلاك النفس منهم بالجوع و نحوه و على ذلك فيكون التحريم كذلك خلاف الأصل و بتعبير آخر المراد بضرورة الناس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 3، ص: 276

..........

______________________________

الى الطعام ليس الاضطرار الموجب لبذل الطعام إليهم لإنقاذ أنفسهم عن الهلاك بل المراد حاجتهم اليه بحيث يكون حبسه عنهم موجبا لوقوعهم في الضيق و الصعوبة كما هو ظاهر قوله (ع) و ان كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره ان يحتكر و ترك الناس ليس لهم طعام و في صحيحة حماد و سالته من الزيت فقال إذا كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه فإن تصوير الاضطرار الموجب للبذل مجانا أو مع العوض في الزيت غير واقع أو نادر جدا.

و على ذلك فيقع الكلام في موارد الاحتكار و لا خلاف في كون الغلات الأربع من موارده و كذا السمن و المشهور على اضافة الزيت و عن بعض اضافة الملح ايضا و في موثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت و نحوها رواية السكوني و غيرها و اما الملح فلم يرد في رواية و استفادته من فحوى التعليل الوارد في بعض الروايات على ما ذكر المصنف (ره) لا يمكن المساعدة عليها فان قوله (ع) في صحيحة الحلبي فإنه يكره ان يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام لا يستفاد منه الا عدم جواز حبس الطعام مع حاجة الناس اليه.

لا يقال قد ورد المنع عن احتكار الطعام في الروايات المعتبرة و تحديد موارد الاحتكار بالغلات الأربع لكونها الطعام الغالب في ذلك الزمان نظير تحديد الاحتكار في الخصب بأربعين يوما و الشدة بالثلاثة و على ذلك فلو كان الطعام الغالب في زمان آخر في البلاد أو بعضها غير تلك الغلات أيضا كالأرز بالإضافة

إلى عصرنا الحاضر و الذرة في بعض البلاد فلا يبعد الأخذ بما ورد في احتكار الطعام من المنع و الالتزام بعدم جواز احتكاره مع حاجة الناس اليه و لذلك ذكر بعض الفقهاء بأنه لا يبعد تحقق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 277

الثاني روى السكوني (1)

______________________________

الاحتكار المحرم في كل ما يحتاج إليه عامة أهالي البلد من الأطعمة كالأرز و الذرة بالإضافة الى بعض البلاد.

فإنه يقال لم يظهر ان الطعام في تلك الروايات بمعنى ما يطعم به المعبر عنه ب (غذا) بل من المحتمل جدا ان يكون بمعنى الحنطة كما هو الشائع في استعماله بحيث ذكر انه أحد المعنيين له بل يظهر كونه المراد من صحيحة سالم الحناط و على تقديد كونه بمعنى ما يطعم به يكون ظاهر التحديد في مثل موثقة غياث بن إبراهيم حاكما على الإطلاق و ينحصره بالغلات و كيف يمكن المساعدة على الدعوى المزبورة مع ان الأرز و الذرة كانا في زمان الأمة من القوت الغالب كما يظهر ذلك بملاحظة بعض ما ورد في انحصار الزكاة الفريضة بالغلات و مع ذلك ذكر (ع) بأنه ليس الحكرة الا من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت و لا يقاس ذلك بتحديد الاحتكار في الخصب بأربعين يوما حيث ان الحمل المزبور فيه مقتضى الاستشهاد على الجواز و تعليل المنع في الروايات فلا حظ.

(1) حاصله انه قد ورد في معتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) جواز الاحتكار في أيام الخصب بأربعين يوما و في الشدة بثلاثة أيام قال الحكرة في الخصب أربعون يوما و في الشدة ثلاثة أيام فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون

و ما زاد على ثلاثة أيام في عسرة فصاحبه ملعون و يؤيد تحديد الجواز بأربعين يوما رواية أبي مريم المروية في مجالس الاخبار عن ابى جعفر (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد غلاء المسلمين ثم باعه و تصدق بثمنه لم يكن كفارة ما صنع و حكى عن الشيخ و القاضي و ابن حمزة قد سر هم العمل بمضمون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 278

..........

______________________________

معتبرة السكوني و ذكر الشهيد (ره) ان الأظهر تحريم الاحتكار مع حاجة الناس و مظنة الحاجة مضى أربعين يوما في الخصب و ثلاثة أيام في الغلاء و أعقب (ره) على ذلك بان تحديد انتفاء الجواز عن الاحتكار بحاجة الناس كما عن المقنعة و غيرها حسن و كذا حمل معتبرة السكوني على حصول الحاجة في الخصب بالأربعين و ان الأربعين كان مظنتها في الخصب و الثلاثة في الشدة و لذا لا يكون التحديد المزبور تحديدا شرعيا.

أقول ما ذكر المصنف (ره) من تأييد تحديد الجواز بالأربعين يوما في الخصب و في الشدة بثلاثة برواية المجالس عجيب فان ظاهر المعتبرة جواز الاحتكار بأربعين يوما و انما يحرم بعد ذلك و ظاهر رواية المجالس انه حبس الطعام و احتكار بأربعين يوما حرام من غير فرق بين أيام الخصب أو الشدة و أنه لا بد قبل انتهاء الأربعين من جعل الطعام في معرض البيع فكيف يكون الثاني مؤيدا للمستفاد من المعتبرة و من هنا يظهر انه لا يمكن الأخذ بظاهر المعتبرة باعتبار معارضتها بصحيحة إبراهيم بن عبد الحميد عن ابى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام الظاهرة في عدم جواز الاحتكار بأربعين يوما بلا فرق

بين أيام الخصب و الغلاء قال رسول اللّٰه (ص) فيها في عداد المكاسب المكروهة و اما الحناط فإنه يحتكر الطعام على أمتي و لئن يلقى اللّٰه العبد سارقا أحب الى من ان يلقاه سارقا قد احتكر الطعام أربعين يوما فان ظاهره لزوم جعل الطعام في معرض البيع قبل انقضاء أربعين يوما بلا فرق بين أيام الخصب و الضيق و ظاهر المعتبرة عدم لزوم ذلك و انما يلزم بعد انقضاء أربعين يوما هذا أولا و ثانيا قد تقدم ان التحديد المزبور لا يناسب الجواز الوارد في صحيحة سالم الحناط و غيرها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 279

الثالث مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي (1)

______________________________

(1) الظاهر من صحيحة الحلبي في بدو النظر انحصار عدم جواز الاحتكار بما إذا كان تملك الطعام و نحوه بالشراء و أنه إذا كان حبس الطعام المشترى لغرض الاسترباح فلا بأس به مع عدم حاجة الناس و ضرورتهم و لا يجوز ذلك الحبس مع الحاجة و الضرورة و هذه الصحيحة ناظرة إلى تحديد الاحتكار المحرم فيرفع اليد بها عن إطلاق سائر الروايات و عن بعض العامة و الخاصة اختيار ذلك و لكن ذكر المصنف (ره) انه يرفع اليد عن خصوصية التملك بالشراء بقرينة التفريع على الحصر يعنى قوله (ع) فان كان في المصر طعام يباع فلا بأس ان يلتمس بسلعتك الفضل فان مفهوم التفريع عدم جواز انتظار الفضل بالسلعة مع عدم وجود الطعام للناس سواء كان تملك السلعة بالشراء أو بالزرع أو الإرث أو غير ذلك و يؤيد عدم الانحصار تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام و حبسه سواء كان الجمع و الحبس جمعا خارجيا بالزرع أو بالشراء و

نحوه نعم يحتمل ان يراد بالجمع في كلامهم الجمع في الملك أى التملك بالشراء و يؤيد أيضا عدم الانحصار التعليل الوارد في صحيحة الأخرى من قوله (ع) فإنه يكره ان يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام فان مقتضاه عدم جواز الاحتكار مع حاجة الناس في جميع ما ذكر و حتى فيما إذا اشترى الطعام لحاجة غير التجارة و زاد عن حاجته فحبسه ليبيعه أيام الغلاء.

أقول لعل التعبير بالتأييد في كلام أهل اللغة و في التعليل باعتبار انه لا اعتبار بهما مع تمام ظهور الصحيحة في الانحصار حيث انها لدلالتها على تحديد الاحتكار المحرم تكون حاكمة على المطلقات فالعمدة التكلم في تمام ظهورها و عدمه و لا يبعد كون ذكر الشراء للغلبة فإن تملك الطعام في الأمصار يكون به غالبا كما ان قيد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 280

الرابع أقسام حبس الطعام كثيره (1)

______________________________

المصر باعتبار ان أهل الأمصار في معرض الحاجة و الاضطرار غالبا فتدبر.

و اما دعوى كون التفريع قرينة على التعميم فإنه لو كان الشراء دخيلا في الاحتكار المحرم لذكر فيه فان كان في المصر طعام أو لم تشتريه فلا بأس ان تلتمس فلا يمكن المساعدة فيه فان ذكر السلعة يمكن كونه قرينة على فرض الشراء مع ان التفريع بمعنى ذكر بعض المفهوم أمر متعارف.

(1) قد تقدم حرمة الاحتكار مع حاجة الناس و ذكر (قده) في هذا الأمر تحقق الاحتكار بتملك الطعام و حبسه مع ضرورة الناس و حاجتهم اليه و تملكه الاختياري لغرض حبسه تارة و لغرض آخر كالاتجار به اخرى و إذا كان غير اختياري كالانتقال إليه بالإرث فلا مورد للغرض فيه و حبس الطعام يكون الغرض

منه تقليل الطعام إضرارا بالناس في أنفسهم تارة و الإضرار في أموالهم المعبر عنه بحصول الغلاء اخرى و يكون الغرض من الحبس ثالثة عدم الخسارة من رأس ماله من دون حصول الإضرار بالناس في أنفسهم و أموالهم كما يتفق ذلك في الغلاء العارض الحاصل بورود عسكر أو زوار في البلد و توقفهم فيه يومين أو ثلاثة فيحدث في تلك الأيام عزة و لكن لا يضر بأهل البلد في أنفسهم و أموالهم.

هذا كله فيما إذا كان حبسه موجبا لحصول الغلاء و اما إذا لم يوجب حبسه الغلاء كما إذا كان الغلاء لقلة الطعام في آخر السنة سواء حبس هذا الشخص هذا الطعام أم لا و يكون حبسه في هذه الصورة لتحصيل الربح بعد الغلاء أو لإعانة المضطرين في تلك أيام حاجة الناس الى الطعام اما لقوتهم أو للبذر أو علف دابتهم أو للاسترباح بان يبيعوا بالثمن الزائد بعد شرائهم و على الخبير البصير استخراج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 281

..........

______________________________

أحكام كل من الأقسام و تمييز قسم المباح أو المستحب أو الواجب من الاحتكار الحرام.

أقول حبس الطعام الموجب للغلاء المستلزم لحاجة الناس و اضطرار هم الى الطعام غير جائز سواء أريد بالحبس الإضرار بهم في أنفسهم أو زيادة الربح أو عدم الخسارة في رأس ماله أخذا بقوله (ع) و يترك الناس ليس لهم طعام و المفهوم من قوله (ع) فان كان في المصر طعاما غيره فلا بأس ان يلتمس بسلعتك الفضل و قاعدة نفى الضرر لا تنفى الحرمة فيما إذا كان في الاحتكار إضرار الناس و الخلاف في الامتنان لهم.

نعم إذا كان الحبس المزبور لغرض اعانة الزوار أو العسكر مما يعدل الفعل معه

إحسانا إليهم فلا يبعد دعوى انصراف الأخبار المانعة عنه كانصرافها عما إذا كان الحبس لقوت نفسه و عياله لو قيل بدخوله ذلك في عنوان الاحتكار و في صحيحة معمر بن خلاد انه سأل أبا الحسن (ع) عن حبس الطعام سنة فقال أنا أفعله يعني بذلك إحراز القوت و نحوها غيرها و اما إذا لم يكن حبسه موجبا للغلاء فان كان الغلاء حاصلا فعلا بسبب آخر فلا يجوز الاحتكار ايضا لما ذكر إلا إذا كان حبسه و تأخيره في البيع مما يعد إحسانا على مثل الزوار و المضطرين و اما إذا لم يكن بالفعل غلاء بل يحدث مستقبلا فيجوز الاحتكار الى ذلك الزمان كما هو ظاهر الاخبار المجوزة و المراد بحاجتهم و اضطرارهم هو الاضطرار الى الطعام لاكلهم و اما اضطرارهم في البذر أو علف الدابة فوجوب البيع فيه دائر مدار توقف الزرع و تحصيل القوت للناس الواجب كفاية على المكلفين على البيع المزبور و عدمه فلا حظ و تدبر و اللّٰه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 282

..........

______________________________

سبحانه هو العالم.

ثم لا يخفى ان ما ذكر من اختصاص حرمة الاحتكار بموارد خاصه و ان مقتضى الحصر الوارد فيها جوازه في غيرها و لو مع حاجة الناس لانه لا يجب على مكلف قضاء حاجة الآخرين نعم قضاء حاجة المؤمنين و إعانتهم في أمر دينهم و دنياهم مرغوب اليه قد ورد فيه روايات كثيرة جدا متفرقة في أبواب مختلفة من أبواب فعل المعروف و في معتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال قال رسول اللّٰه (ص) من أصبح و لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم و نحوها و غيرها و بما ان الإسلام قد

حدد في الأدلة بالشهادتين فيعلم ان المراد بها نفى كماله و ان الاهتمام بأمر المسلمين أمر مطلوب من المسلم.

هذا كله فيما لم يوجب الاحتكار في سائر الأموال الاختلال و الهدم في السياسة الشرعية لبلاد الايمان و الا فكل فعل أوجب الاختلال و الهدم المزبور و تهيأت به البلاد لسيطرة الفساق و الكفار عليها و على المؤمنين فلا يجوز سواء كان بالاحتكار أو بالإضرابات أو بغيرها لما تقدم في بحث ولاية الفقيه ان اقامة السياسة الشرعية و التصدي لتنظيم أمر بلاد المؤمنين من أول الأمور الحسبية و أهمها و لذا يجب على السائرين اعانة المتصدي بما يتوقف عليه تلك الإقامة على تفصيل تقدم في بحث ولاية الفقيه و على ذلك فلو أحرز ان الفعل الفلاني هدم لتلك الإقامة أو مشاركة في الهدم فلا يجوز.

و اما الكلام في المقام الثاني أي مقدار ولاية المتصدي لتنظيم أمور البلاد و اقامة السياسة الشرعية فيها فلا ريب في ان له إلزام المحتكر على بيع السلعة سواء كانت مما يحرم الاحتكار فيها مع حاجة الناس و ضرورتهم بعنوانه أو سائر الأموال فيما كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 283

..........

______________________________

احتكارها موجبا للاختلال في نظم البلاد أو انهدام السياسة الشرعية فيها بحيث تكون البلاد عرضة للفساد الموجب لسيطرة الفساق أو الكفار عليها حتى و لو لم يعتقد المحتكر كون احتكاره كذلك و الوجه في ذلك كون التحفظ على نظام البلاد و عدم تعرضها للفساد الموجب لما ذكر أهم من رعاية سلطنة المالك و اختياره في بيع ماله أو حبسه بل يمكن دعوى وجوب طاعة ذلك المتصدي في امره ببيع السلعة و ترك احتكارها لما تقدم في بحث ولاية الفقيه

من دخول الفقيه و المتصدي لما ذكر و كذا الوكيل الأمين من قبله في عنوان اولو الامر في جهة تنظيم سياسة البلاد فيجب اطاعة أمره في تلك الجهة.

و الحاصل انه لو أمكن الإلزام القولي بالأمر و النهى فهو و الا فللمتصدى إلزام المحتكر بالبيع و ترك الاحتكار بالمنع العملي لأن المنع العملي عن المنكرات مشروع عن المتصدي الشرعي لأمور البلاد و يؤيد ذلك ما ورد في كتابه (ع) الى المالك الأشتر فامنع من الاحتكار فان رسول اللّٰه (ص) منع منه الى ان قال فمن قازف حكرة بعد نهيك إياه فنكل و عاقب من غير إسراف و الوجه في التعبير بالتأييد إمكان دعوى ظهور المنع في القولي بقرينة الاستشهاد بمنع رسول اللّٰه (ص) و ان الشيخ و ان ذكر ان له الى العهد سند صحيح الا ان تضمن ما وصل الى الشيخ ره بتمام ما في نهج البلاغة قابل للمناقشة و ان لا يبعد ذلك و الا لتعرض الشيخ (ره) و لو في بعض كتبه للعهد و ان الواصل اليه هكذا و أما إذا لم يكن الاحتكار في سائر الأموال موجبا لما ذكر من الاختلال أو الفساد فأقامه الدليل على وجوب اتباع الأمر و النهى عن الفقيه المتصدي فضلا عن غيره من الفقيه العادل مشكل فإنه لا بد من إثبات نفوذ الحكم الابتدائي أو إثبات وجوب طاعة المتصدي لنظام البلاد مطلقا.

ثم ان جواز إجبار المحتكر على ترك الاحتكار و بيع السلعة في موارد حرمة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 3، ص: 284

..........

______________________________

الاحتكار مجمع عليه كما عن جماعة حتى عند القائلين بكراهة الاحتكار في تلك الموارد و هذا الإجبار عندنا داخل في عنوان المنع عن

المنكر و لكن المشهور عدم جواز التسعير على المحتكر و عن المقنعة انه يسعر عليه بما يراه الحاكم و لا يبعد عدم الجواز لموثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام ان رسول اللّٰه (ص) مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم ان تخرج الى بطون الأسواق الى ان قال فقيل لرسول اللّٰه (ص) لو قومت عليهم فغضب رسول اللّٰه (ص) حتى عرف الغضب في وجهه فقال انا أقوم عليهم انما السعر الى اللّٰه يرفعه إذا شاء و يخفضه إذا شاء و ظاهرها نفيه (ص) ولاية التسعير عن نفسه من غير فرق بين الطعام و غيره نعم يجوز للحاكم الشرعي المتصدي للإجبار على تنزيل السرع فيما إذا طالب المالك سعرا لا يتمكن المحتاجين.

على الشراء بذلك السعر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

الى هنا انتهى الجزء الثالث من مباحث البيع و ما يتعلق بها بقلم مؤلفه جواد بن على عفى عنهما و يتلوه الجزء الرابع في بحوث الخيارات و الحمد للّٰه رب العالمين.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

[الجزء الرابع]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 7

[الخيارات]

[مقدمتان]

[الأولى الخيار لغة اسم مصدر]

الخيار لغة اسم مصدر (1).

______________________________

(1) ذكره (قده) ان الخيار اسم مصدر من الاختيار و لعل مراده انه فيما لوحظ قيام السلطنة على فعل بفاعله فيطلق عليه الاختيار و ان لو حظ تلك السلطنة بنفسها مع قطع النظر عن جهة قيامها بفاعله فيقال له الخيار ثم ذكر انه يطلق في كلمات جماعة على ملك فسخ العقد على ما في الإيضاح و هذا من التعريف بالأعم فإنه يدخل فيه السلطنة على الفسخ في العقود الجائزة و جواز إبطال المالك عقد الفضولي الجاري على ماله و ملك الوارث فسخ العقد الذي أجرى المورّث على الزائد على الثلث بناء على عدم نفوذ تصرفاته المنجزة فيما زاد على الثلث كما يدخل فيه ملك العمّة و الخالة فسخ النكاح الجاري على بنت الأخ أو الأخت مع انه لا يطلق على شي ء من ذلك الخيار اصطلاحا لان الخيار حق يترتب على العقد التام و ملك الفسخ في تلك الموارد ليس بحق أو ان العقد فيها غير تام.

و ايضا يدخل في التعريف ملك الأمة بعد عتقها فسخ نكاحها السابق من عبد و كذلك ملك الزوجين في فسخ النكاح من العيوب و لكن مع ذلك يمكن ان يقال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 8

..........

______________________________

انّ التّعبير عن الخيار بملك فسخ العقد لا بالقدرة على الفسخ ظاهر في كون جواز الفسخ في الخيار من قبيل الحق و لذا يورث و يسقط بالإسقاط فلا يعمّ ما إذا كان الجواز من قبيل الحكم كما في جواز الفسخ في العقود الجائزة بالذات و الإجازة و الرد في عقد الفضولي فإن هذا الجواز

حكمي و لذا لا يقبل الإسقاط أو الإرث.

ثم تعرّض (ره) لما ذكر صاحب الجواهر (ره) من ان الخيار ملك إقرار العقد و إزالته و أورد عليه بأنه ان أريد من إقرار العقد ترك فسخه يكون ذكر الإقرار زائدا لأنّ السلطنة على فسخ العقد و التمكن عليه كالتمكن على سائر الأمور لا يتعلق بأحد الطرفين و الّا كان اضطرارا و ان أريد من إقراره جعله لازما بحيث لا ينفسخ فمعناه ان الخيار ملك إسقاط الخيار و فسخ العقد و من الظاهر ان إسقاط الخيار لا يدخل في معنى الخيار و لا يؤخذ في تعريفه لانه من أحكام الخيار و آثاره، هذا أوّلا.

و ثانيا إقرار العقد ظاهره ما يقابل فسخ العقد بجعله لازما مطلقا و عليه فينتقض بالخيار المشترك كخيار المجلس فإن إسقاط الخيار من أحدهما يكون إلزاما للعقد من طرفه لا مطلقا.

أقول: لو صحّ انتقاض التعريف بالخيار المشترك على ما ذكر لصحّ انتقاضه بالخيار المتعدد في العقد الواحد حيث ان إسقاط أحد الخيارين لا يكون إلزاما لذلك العقد مطلقا بل لا يكون إلزاما له من ناحيته أيضا فإن مشتري الحيوان لو أسقط خيار مجلسه مع ثبوت خيار الحيوان له إلى ثلاثة أيام فلا يكون في إسقاط المزبور إلزام للعقد من ناحيته ايضا نعم يكون إلزام من ناحية ذلك الخيار الساقط.

و ذكر السيد اليزدي (ره) ان الاختيار بمعناه اللغوي يتعلق بالفعل لا بالعين و كذلك معناه الاسم المصدري و إذا قيل له اختيار الفعل الفلاني فيراد منه اختيار التصرف، و لعل حذف المتعلق و اسناد الاختيار الى العين باعتبار كون التصرفات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 9

..........

______________________________

أو معظمها في اختياره نظير اسناد التحريم

الى العين و حيث ان الفسخ أحد الأفعال فيكون تغليب على خيار الفسخ من قبيل تغليب المطلق الى بعض أفراده.

و ناقش بعض الأجلّة (دامت أيّامه) بأن إطلاق الخيار على خيار الفسخ لا يكون من باب تغليب المطلق في بعض افراده و ذلك فان الاختيار و ان يتعلّق بالفعل لا بالعين الّا انه أمر تكويني يكون من صفات النفس أو من أفعالها حيث ان الفعل الاختياري له مباد من التصور و التصديق بالفائدة ثم الترجيح ثم الاصطفاء أي الانتخاب ثم الاشتياق في بعض الموارد ثم الإرادة و هي تصميم العزم و لعل الاشتياق مقدم على الاصطفاء و كل من هذه المبادي غير الآخر فما قيل من ان الإرادة هو الشوق المؤكد أو ان نسبة الإرادة إلى القدرة نسبة التمام و الفعلية إلى النقص أو القوة أو ان الاصطفاء هو الفعل خارجا لا يمكن المساعدة عليه فإنّه قد يتحقق القدرة التامة و لا توجد الإرادة و قد لا توجد القدرة مع تحقق الإرادة كما لو تخيّل انه متمكن على الفعل الفلاني فأراد.

و الحاصل: ان الاصطفاء المعبّر عنه بالاختيار صفة للنفس أو من أفعالها فما يقال من ان الفعل الفلاني مراد و مقدور و مختار كل ذلك لا يدلّ على وحدتها، بل يكون من قبيل انطباق المفاهيم المتعددة على الموجود الخارجي.

و بتعبير آخر ان الاصطفاء يعني الاختيار غير الإرادة و مقدمة عليها و على الإيجاد و لا دلالة في مثل قوله سبحانه وَ اخْتٰارَ مُوسىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا على ان الاختيار عين التعيين الخارجي فإنه يصحّ ان يقال انه اختار التعيين و اصطفاه فيكون الاختيار غير التعيين ثم انه لا يكون الاصطفاء و الاختيار اعتباريا أصلا بخلاف الخيار

المراد في المعاملات فإنه سواء كان إمضائيّا كخيار الشرط أو تأسيسيّا كخياري المجلس و الحيوان أمر اعتباريّ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 10

..........

______________________________

لا يقال كيف لا يكون الاختيار اعتباريا فإنه إذا جعل شخص حاكما لبلد فيجعل له اختيار أيّ شي ء في ذلك البلد فإنه يقال لا يكون الاختيار اعتباريا بل الاعتباري هو حق الاختيار و الاصطفاء و بعد ثبوت هذا الحق يكون الاختيار حقيقيا و على ذلك فاختيار الفسخ في موارد ثبوت الخيار حقيقي فاختياره متفرع على ثبوت الخيار فلا يكون الخيار في المعاملات من قبيل تغليب المطلق الى بعض افراده كما عن السيد اليزدي (ره) بل الخيار فيها أمر مباين للمعنى اللغوي للاختيار فان الاختيار نفس الاصطفاء و الخيار حق الاختيار و على ذلك فليس الخيار اختيار فسخ العقد و ملكه بل هو حق اختيار فسخ العقد فلا يرد على ما ذكرنا ما يورد على تفسير الفخر حيث ان لازم التفسير المزبور ان لا يثبت الخيار في المعاملات على القصر فإنه لا يتصور منهم اختيار فسخ العقد أو لا ينفد منهم ذلك الاختيار بخلاف ما إذا قلنا بان الخيار حق الاختيار فان الحق المزبور يثبت للقصر ايضا و يستوفيه أوليائهم لقصورهم.

أقول: يقع الكلام في جهتين الأولى في الاختيار الثابت للفاعل المختار و الثانية في ان الخيار في المعاملات مباين للاختيار فيها أو ان اختلافهما فيها بالمعنى المصدري و الاسم المصدري فنقول في الجهة الأولى ان الاختيار يطلق على إيجاد الفاعل و تعيين أحد طرفي الشي ء خارجا بالتمكن عليه نظير ما يقال انه اختار الكفر أي كفر أو العلم أي علم أو قتل فلان أي قتل الى غير ذلك و من هذا

القبيل قوله سبحانه (وَ اخْتٰارَ مُوسىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا) أي عيّنهم و يطلق على نفس التمكن على الشي ء و القدرة عليه فيقال له اختيار شرب الخمر أو الأكل أو القتل و نحو ذلك و من هذا القبيل إطلاق المختار على المتمكن في مقابل إطلاق العاجز على غير المتمكن و الفاعل بالاضطرار في مثل قوله النار أحرقه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 11

..........

______________________________

ثم انه يكفي في تحقّق الاختياري مقابل الاضطراري مجرد التمكن عليه بمعنى عدم الحاجة الى إرادة ذلك الفعل و القصد إلى إيجاده فلا حظ هدم بيت من غير التفات من الهادم ان في البيت انسان يموت بهدمه فإنه لو هدمه يستند قتل الإنسان المزبور الى الهادم فيقال انه قتله باختياره باعتبار انه كان متمكنا على عدم قتله و لو بعدم هدم البيت نعم بما انّ القتل تحقق في الخارج بلا قصده و إرادته يكون القتل خطائيا.

و الشاهد لكون القتل المزبور اختياريا تمكن الفاعل على تركه و انه يصحّ للشارع العقاب على ذلك القتل فيما إذا أوجب التحفظ عليه من الخطأ كما إذا قال و ان قتلت إنسانا أعاقبك على ذلك القتل فمع وصول هذا الخطاب اليه لو نسي انّ في البيت المزبور إنسانا فهدمه و قتل الإنسان فيصحّ ان يعاقبه على ذلك القتل لكونه متمكنا على التحفّظ بترك الهدم و على التحفظ بذكره بان في البيت إنسانا و هذا هو المراد في حكايته سبحانه عن نبيّه (ص) ليلة المعراج (رَبَّنٰا لٰا تُؤٰاخِذْنٰا إِنْ نَسِينٰا أَوْ أَخْطَأْنٰا)، و لكن لا يمكن للشارع ان يعاقب البالغ العاقل على تحيّزه المكان فيقول له انّي أعاقبك على كونك في مكان و السرّ في ذلك الإنسان

بالإضافة إلى الكون في المكان فاعل بالاضطرار، فلا يصحّ العقاب على فعل لا يستند الى اختيار الفاعل و تمكّنه.

فالمتحصّل ان المصحّح للفعل الاختياري تمكن الفاعل عليه و الإيجاد بالتمكن لا يتوقف على الإرادة و القصد فلا يكون لحاظ الفعل و التصديق بصلاحه و ميل النفس و الإرادة علة للفعل أو من مبادئ العلة أصلا نعم الفعل العمدي يتوقف بعد التمكن على الإرادة و يعبّر عنها بالقصد و العزم و الجزم و الاختلاف في التعبير نظير اختلاف التعبير عن زيد بالإنسان و البشر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 12

..........

______________________________

و الحاصل ان الفعل الاختياري العمدي يتوقف على القصد و الإرادة الموقوفة على لحاظ ذلك الفعل و امّا التصديق بصلاحه و ميل النفس و شوقها اليه فقد لا يكون من مبادئ الإرادة و القصد كما إذا كان الفعل من الفاعل حياء أو تقيّة أو نحو ذلك، نعم الفاعل المختار الحكيم لا يفعل بلا إحراز صلاح ذلك و هذا أمر آخر و التأمل في الأفعال الصادرة عنّا و المراجعة إلى الوجدان عند الفعل و تمييز موارد إمكان ترتب العقاب عن غير مواردها شاهد قطعي لما ذكرنا فتدبّر.

ثم ان الفسخ عبارة عن حلّ العقد و إلغائه و هذا الحل و الإلغاء أمر إنشائي اعتباري بلا ريب و لم يختلف فيه اثنان و إذا فرض الفسخ بعد البيع فإنشاؤه لا يختلف بين أن يكون له خيار الفسخ أو لم يكن. و الحاصل التمكن الواقعي على إنشاء فسخ المعاملة و إلغائه حاصل كان له خيار أم لا غاية الأمر الحل و الإبطال المنشأ قد يكون مع التزام صاحبه به عند المعاملة و قد يكون لا مع التزامه و كذلك

الشارع قد يمضي الحل و الإلغاء منه و قد لا يمضيه و عليه فان كان حلّه و إلغائه ممضى عند الشارع يكون تمكنه على الفسخ شرعيّا ايضا و ان لم يقبل الشرع ذلك الحل و الإلغاء لم يتمكن على الفسخ الشرعي أي لا يكون إلغائه العقد مورد إمضاء الشارع فالمراد بالخيار في المقام هو التمكن على الفسخ الذي يقبله الشرع و يمضيه و كون الفسخ مورد قبول الشرع و إمضائه بأحد أمرين:

الأول: أن يلتزم في المعاملة طرفه بالفسخ إذا صدر عنه و يكون هذا الالتزام من الطرف مورد إمضاء الشرع كما هو مفاد قوله (ص): (المؤمنون عند شروطهم)، أو قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على ما يأتي.

الثاني: ان يعتبر الشارع فسخه بان يمضيه ابتداء أي من غير التزام من طرفه في المعاملة فيكون الخيار الثابت في حقه تأسيسا، و الحاصل ان التمكن و الاختيار من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 13

..........

______________________________

كل من المتعاملين على فعل نفسه و هو إلغاء العقد حقيقي و إذا لم يكن الإلغاء مورد الإمضاء الشرعي بأحد نحوين لا يكون الاختيار و الخيار فيه شرعيين و إذا وقع مورد الإمضاء كما هو المراد بالخيار في المقام يكون التمكن المزبور على الفسخ شرعيا فالخيار الشرعي هو التمكن على فسخ يكون ممضى للشارع و لو عبّر عن هذا التمكن بجواز الفسخ فليس المراد الجواز التكليفي فإنه لا يحتمل حرمة إنشاء الفسخ بل المراد جوازه الوضعي نظير ما يقال في حلية البيع المستفاد من قوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) بمعنى انه إذا وقع بيع يكون ذلك مورد إمضاء الشرع، فالجواز الوضعي الثابت لفسخ أحد المتعاملين أو كلاهما يكون مطلقا تارة أي غير

مقيد بعدم الالتزام في المعاملة أو بعدها بترك الفسخ و إبقاء العقد بحاله فيكون جواز الفسخ حكميا و لا يطلق على التمكن عليه الخيار في الاصطلاح و يكون مقيدا أخرى بعدم حصول ذلك الالتزام فيكون الجواز حقيّا، و يطلق على التمكن عليه في الاصطلاح الخيار، و بتعبير آخر كما يقال له بيع ماله و يجوز له بيع ماله فيراد الجواز الوضعي كذلك يقال له فسخ عقده أو التزامه بترك الفسخ و إبقاء عقده و الفرق في المقام بين الحق و الحكم ان كلا منهما حكم شرعي و انّما الاختلاف بينهما بالاشتراط و الإطلاق حيث لا يقبل الحكم الاسقاط و يقبله الحق، و لعل جواز الفسخ وضعا بجواز حقّي يناسب التعبير في مورده بملك الفسخ و جوازه لعدم التمكن على إسقاط هذا الجواز الوضعي يناسب التعبير بالحكم (و لذا ذكر المصنف (ره) لعل التعبير بملك الفسخ يوجب خروج موارد ثبوت جواز الفسخ حكما حيث ان الملك في المال يطلق في موارد تمكن الشخص على قطع سلطنته عن ذلك المال و قطع أحد المتعاقدين تمكنه على الفسخ ينحصر بموارد كون جواز الفسخ حقّيا و لكن الأمر كما ذكر السيد اليزدي (ره) من ان ملك الشي ء مطلق السلطنة و التمكن عليه سواء كان جواز ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 14

..........

______________________________

الشي ء حقيّا أو حكميا و دخل التمكن على ازالة التمكن عن نفسه في صدقه غير محرز كما يظهر بأدنى تتبّع في إطلاق الملك على السلطنة و التمكن في موارد لا يمكن فيها دفع هذا التمكن فقد تحصل من جميع ما ذكرنا اختيار الفسخ و خياره لا يكون امرا اعتباريا و انما الاعتبار وصف المتعلق

أي الفسخ حيث يعتبر جائزا أي ممضى تارة و لا يعتبر أخرى و مع عدم الاعتبار لا يطلق على تمكن إنشاء الفسخ اختيارا و لا خيارا في الاصطلاح.

ثم انه لم يظهر وجه صحيح في ان الخيار على تقدير كونه حق اختيار الفسخ ان يثبت في حق القاصرين ايضا و لا يثبت لهم على تقدير كونه بمعنى حق فسخ العقد فإنه إذا لم يمكن تحقق الفسخ من القاصر فكيف يتحقق منه اختياره و على تقدير ثبوته لهم بمعنى استيفاء وليّهم فيمكن الاستيفاء على تقدير كونه بمعنى حق الفسخ أيضا.

بقي الكلام فيما ذكره القدماء في تعريف الخيار من ملك فسخ العقد و إقراره و ما أورد عليه المصنف (ره) من انه ان أريد من إقراره ترك فسخه فالقيد مستدرك و ان أريد به جعل العقد غير قابل الفسخ فمرجعه إلى إسقاط الخيار فلا يصح أخذ إسقاط الخيار في تعريف الخيار لأن إسقاطه من حكم الخيار، فنقول قد تقدم ان الخيار الثابت في المعاملات هو التمكن على فسخ يكون جوازه الوضعي حقيّا و معنى كون جوازه حقيّا التمكن على إسقاط هذا الجواز و إسقاطه كما تقدم يكون بالالتزام الإنشائي على ترك الفسخ عند المعاملة أو بعدها فان كان هذا الالتزام عند المعاملة فلا يتحقق معه التمكن على الفسخ المحكوم بالجواز و إذا كان الالتزام المزبور بعد المعاملة يرتفع الخيار من حين الالتزام فيكون المراد بإقرار العقد الالتزام الإنشائي بترك الفسخ عند المعاملة أو بعدها فالتمكن على هذا الالتزام مقوّم لعنوان الخيار على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 15

..........

______________________________

ما تقدم من أنّه يطلق في الاصطلاح على موارد كون جواز الفسخ فيها حقيّا، و عليه فلا

يرد على هذا التعريف النقض بموارد ملك الفسخ بحيث يكون جوازه حكميّا بخلاف تعريف الفخر الذي رضي به المصنف (ره).

و ذكر النائيني (ره) في توجيه اضافة إقرار العقد على فسخه في تعريف الخيار وجها آخر و ان الخيار بمعنى الملك و السلطنة يكون طرفا متعلّقه وجوديين بخلاف تعريف الفخر (قده) فان عليه يكون أحد طرفي متعلّقه وجوديّا و الآخر عدميّا و مهّد على بيان ذلك الوجه مقدّمة و هي ان العقود بحسب مقام الثبوت أي بحسب حكمها الواقعي من حيث لزومها و جوازها على ثلاثة أقسام:

منها ما يقتضي اللزوم بنفسه أي لا يكون لزومه باعتبار التزام خارجي منضم الى مدلوله المطابقي بل العقد بمدلوله المطابقي يقتضي لزومه بمعنى ان الشارع قد حكم عليه باللزوم مع قطع النظر عن التزام المتعاقدين بالوفاء به و إبقائه و قد ظهر من الأدلة ان النكاح و عقد الضمان كذلك، و لا ينافي ذلك ثبوت الخيار في النكاح لبعض العيوب أو ثبوت الخيار للضامن فيما إذا ظهر له فيما بعد إعسار الضامن لان مثل هذا الخيار باعتبار قيام الدليل عليه يكون تخصيصا بالإضافة إلى خطاب لزومهما.

و منها ما يقتضي جوازه أي يكون بمدلوله المطابقي موضوعا للجواز بمعنى ان الشارح قد حكم عليه بالجواز بمدلوله المطابقي و قد علم من الأدلة ان الهبة كذلك و لا ينافي أيضا حكم الشارع باللزوم في بعض مواردها لان ذلك لقيام الدليل لا للالتزام من المتعاقدين فيكون اللزوم في القسم الأول و الجواز في هذا القسم حكميا و الالتزام من المتعاقدين بإبقاء المدلول و عدم إلغائه يكون في الأول مؤكّدا و في الثاني مخالفا لمقتضى العقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 16

..........

______________________________

و

منها ما لا يقتضي بمدلوله المطابقي اللزوم و لا الجواز بل يكون لزومه بالالتزام الخارجي من المتعاقدين بإبقاء ذلك المدلول و عدم إلغائه كما في عقد البيع حيث ان مدلوله المطابقي هي المعاوضة بين المالين و يكون التزام من المتبايعين على إبقاء تلك المعاوضة و عدم إلغائها بقرينة العادة و بناء العرف على ان من أوجد المعاوضة فيلتزم بها و إلّا لم يقدم أحد بالمعاوضة خصوصا في الأشياء الخطيرة، و يعم قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) للبيع بلحاظ المدلول الالتزامي الثابت له بقرينة العادة و بناء العرف فيكون لزومه حقيّا مالكيّا لا حكميّا فيدخل في هذا القسم الخيار بالاشتراط كما يدخل عليه الإقالة حيث ان اشتراط الخيار فيه لا يكون مخالفا لمقتضى العقد فيعمه قوله (ص) المؤمنون عند شروطهم و دخول الإقالة باعتبار ان لكل من المتعاملين ردّ التزام طرفه اليه و المفروض ان حكم الشارع باللزوم تابع لالتزامهما و ان البيع في نفسه لا اقتضاء فيه بالإضافة إلى اللزوم و الجواز.

و بذلك يظهر ما ذكروه من ان الخيار يدخل في كل معاملة تدخل فيها الإقالة و يترتب على ما ذكر من ان الخيار هي السلطنة على إلغاء المعاملة و إبرامها حيث ان باشتراط الخيار يملك أحد المتعاملين التزامه بالمعاملة و التزام طرفه بها و مع عدمه يملك التزام طرفه فقط و بالإقالة يرد عليه ما خرج عن ملكه و يخرج عنه ما دخل في ملكه بالالتزام بالمعاملة.

أقول: ان كان الالتزام من المتبايعين بإبقاء البيع و عدم إلغائه دخيلا في صدق عنوان العقد يكون الأمر كذلك في غيره ايضا كالنّكاح و الضمان و عليه فكما يكون اللزوم في البيع باعتبار ذلك الالتزام يكون الأمر في النكاح

و الضمان ايضا لذلك لان الموضوع لوجوب الوفاء فيها وضعا و هو العقد كما هو مفاد قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا وجه لأخذ الالتزام في موضوع لزوم البيع و لا يؤخذ في موضوع لزوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 17

..........

______________________________

النكاح و نحوه و مجرد عدم مشروعيّة شرط الخيار في النكاح لا يكون دليلا على ذلك لإمكان ان يقال ان شرط الخيار في النكاح ايضا على القاعدة و الالتزام بعدم المشروعية لقيام دليل أوجب التخصيص في قوله (ص) (المؤمنون عند شروطهم)، و بتعبير آخر يكون عدم الالتزام بالوفاء بالنكاح كما هو مقتضى اشتراط الخيار عند الشارع ملغى فيعامل معه معاملة الالتزام بالوفاء و يؤيد أخذ الالتزام في موضوع لزوم النكاح ما ذكره جماعة انه يصحّ اشتراط وصف في الزوج أو الزوجة في النكاح و مع ظهور فقده يثبت الخيار للمشروط له.

و إن قلنا بعدم دخالة الالتزام بالوفاء في عنوان العقد و ان المعاملات بأنفسها عقود فلا وجه للقول بأخذ الالتزام بالوفاء في البيع في موضوع لزومه بل الموضوع له نفس عنوان البيع و الإجارة و نحوهما و مشروعية اشتراط الخيار و دخول الإقالة فيها لا يكشف عن ذلك فانّ الدليل على مشروعيّة شرط الخيار فيه يكون تخصيصا في دليل لزومه كما التزم بذلك التخصيص في قيام الدليل على ثبوت الخيار ببعض العيوب في النكاح و كذا في الإقالة التي في حقيقتها الاجتماع على الفسخ فان جواز الإقالة على خلاف القاعدة حتى على القول بأنّ الالتزام بالوفاء بالبيع مأخوذ في لزومه فإن المأخوذ في لزومه على تقديره هو الالتزام من المتبايعين عند البيع و بتعبير آخر الالتزام منهما بحدوثه مأخوذ للزوم البيع و

بالإقالة بالمعنى الذي ذكره لا ينتفي ذلك الالتزام منهما كما لا يخفى.

ثم ان ما ذكر (ره) في الاستشهاد على أخذ الالتزام بالوفاء بالبيع في موضوع لزومه بالمعاطاة حيث ذكر ان المعاطاة باعتبار عدم الالتزام فيها بالوفاء لعدم العادة و بناء العرف فيها بالوفاء بيع و لا يكون لازما فيحكم بجوازها لا يخفى ما فيه فإنه إذا كانت المعاطاة بيعا لا عقدا، و لذا حكم بجوازها فأين ما ذكره أوّلا من انّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 18

[الأصل في البيع اللزوم]

ذكر غير واحد تبعا للعلامة في كتبه (1).

______________________________

البيع بنفسه لا يكون مقتضيا للّزوم و لا الجواز و دعوى كون الجواز على خلاف القاعدة و لقيام السيرة عليها لا يمكن المساعدة عليها فإنه يمكن دعوى كون البيع بنفسه موضوعا للّزوم و خروج المعاطاة و الحكم بجوازها يكون بالسيرة المشار إليها مع انا قد ذكرنا في محلّه ان المعاطاة كسائر البيع محكومة باللزوم من الأول لا يختلفان في الحكم أصلا. و على الجملة فالخيار هو التمكّن على فسخ النافذ بنحو الحق.

(1) ذكر جماعة تبعا للعلامة في كتبه ان الأصل في البيع اللزوم و علل في التذكرة أصالة اللزوم بأنه مقتضى استصحاب بقاء ملك الثمن للبائع و المثمن للمشتري بعد إنشاء أحدهما الفسخ و بأنّ وضع البيع لنقل العوضين و الشارع قرّره على ذلك، و الغرض من الملك الحاصل بالبيع تمكّن كل واحد منهما على التصرف فيما يملكه و لو كان البيع محكوما بالجواز لا يتمكن على ذلك لعدم الأمن بالفسخ الموجب لنقض الغرض و ذكر جماعة انه يحتمل ان يراد من الأصل أمور:

منها الراجح كما يقال الأصل في الأشياء الصحة و عدم العيب و لا يخفى

ان الرجحان يحصل بالغلبة و ان أريد أنَّ أكثر أفراد البيع لازم لا يقبل الفسخ فمن الظاهر انّ هذا غير صحيح لأنّ أكثر أفراده غير لازم بخيار المجلس و الحيوان و نحوهما و ان أريد ان كل فرد من أفراد البيع في غالب الأزمان لازم بحيث لا ينافي كون غالب أفراده في زمان قليل جائزا فهذا صحيح، و لكن لا يفيد فيما إذا شك في فرد من افراد البيع انه يقبل الفسخ و لو في زمان قليل، أو انه لا يجوز فيه الفسخ أصلا كما إذا شك في ثبوت خيار المجلس في بيع الدين على من هو عليه. هذا، مع ان ارادة غلبة الأزمان لا يناسب قول العلامة في القواعد بأنه يخرج عن الأصل بثبوت الخيار أو ظهور العيب فان مفاده ان ثبوت الخيار أو ظهور العيب خلاف الأصل و انه إذا لم يعلم ثبوت الخيار و العيب يحكم بلزوم البيع و عدم جواز فسخه أصلا كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 19

..........

______________________________

في المثال المزبور. و بتعبير آخر يكون ثبوت الخيار أو ظهور العيب محقق الأصل أي الغلبة لا انهما ينافيانها.

و منها: ان يراد بالأصل القاعدة المستفادة من العمومات أو المطلقات الواردة في العقود و المعاملات الظاهرة في لزومها المعبر عنها بالأصل اللفظي.

و منها: الاستصحاب أي الأخذ بالملك الحاصل للطرفين بالبيع المزبور بعد إنشاء أحدهما الفسخ حيث ان مقتضى الاستصحاب عدم زوال ذلك الملك بذلك الفسخ.

و منها: ان الحكم المجعول للبيوع بناء العرف و الشرع مع قطع النظر عن جعل الخيار هو اللزوم و الخيار حق خارجي يرفع اليد في موارد ثبوته عن الحكم الأول المقتضي لصيرورة المالك أجنبيا عن ماله

السابق بالبيع نظير ما يقال الأصل في الأجسام الاستدارة و انما يخرج عن الاستدارة بالقاصر الخارجي، و قد ظهر مما ذكر في المعنى الرابع ان ثبوت خيار المجلس في كل بيع لا يوجب خروجه عن كون الأصل فيه اللزوم لانَّ خيار المجلس كسائر الخيار حق خارجي قد ثبت في كل بيع بالدليل؛ فما ذكره صاحب الوافية من كون الأصل في البيوع بعد ثبوت خيار المجلس الجواز غير تام و ان أراد بالأصل استصحاب الجواز الثابت في كل البيوع بخيار المجلس فيأتي ما فيه من عدم جريان الاستصحاب في بقاء الجواز بعد التفرق.

أقول: الأصل بمعنى مقتضى العموم أو الإطلاق فلا بأس به و سيأتي التعرض له و كذا بمعنى الاستصحاب في وجه؛ و امّا بمعنى الراجح يعني الغلبة فلا يفيد شيئا لأنه لا اعتبار بالغلبة سواء أريد غلبة الأفراد اللازمة أو غالب الأزمان، و امّا الأصل بالمعنى الرابع فلا مورد له في المقام لان البيع أمر اعتباري و حكمه أيضا اعتباري و البناء العرفي أو الشرعي لا يزيد على الحكم و اعتبار اللزوم فلا يجري فيه ان أصل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 20

بقي الكلام في معنى قول العلامة (1).

______________________________

الشي ء بمعنى انّ تأثير العلة لولا القاصر الخارجي أي المزاحم عن كمال تأثيره ما هو كما لا يخفى.

ثم انَّ ما في التذكرة من تعليل الأصل في البيع اللزوم بأمرين الاستصحاب و كون المراد بالبيع حصول الملك و الفرض من الملك التمكن من التصرف في المال و يكون جواز البيع نقضا لهذا الغرض لا يمكن المساعدة عليه فإنه لو تمّ لكان مقتضاه كون الأصل في كل معاملة يحصل بها الملك هو اللزوم و لو

كانت تلك المعاملة مثل الهبة و ايضا يمكن أن يقال الغرض من الملك التصرف في المال ما دام ملكا و بالفسخ ينتهي الملك و لا ينتقض التصرف الواقع في المال حال ملكه بل يرجع الفاسخ الى بدله من المثل أو القيمة على ما يأتي في أحكام الخيار.

(1) بقي الكلام فيما ذكر العلامة (قده) في القواعد بعد قوله الأصل في البيع اللزوم من انه يخرج عن الأصل بثبوت الخيار أو ظهور عيب فان مقتضاه كون ظهور العيب موجبا لتزلزل البيع في مقابل تزلزله بالخيار و توجيهه بان ذكر ظهور العيب من قبيل عطف الخاص على العام لا يمكن المساعدة عليه فان ظهور العيب لم يعطف على موجبات الخيار بل على نفس الخيار المباين لظهور العيب.

نعم يؤيد التوجيه المزبور عبارة التذكرة حيث عطف فيها ظهور العيب على موجب الخيار و الغرض منه و قال انّما يخرج عن الأصل بأمرين ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص في أحد العوضين بل للتروي الخاصة أي التفكّر في الصلاح من فسخ البيع و إبقائه. و الثاني ظهور العيب في أحد العوضين و لكن ذكر بعد ذلك في ثبوت الخيار للتروي فصولا سبعة و جعل سابعها خيار العيب و مقتضى عطف ظهور العيب على سائر الموجب أي التروّي أن يتكلم في خيار العيب في الأمر الثاني لا في الأمر الأول.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 21

ثم ان الأصل بالمعنى الرابع انما ينفع (1).

______________________________

و وجّه المصنف (ره) عطف ظهور العيب على ثبوت الخيار بوجه آخر و حاصله ان ظهور العيب يوجب في البيع الجاري على المعيب نحوين من التزلزل أحدهما ثبوت الخيار لمن انتقل اليه المعيب و هذا

التزلزل داخل في الأمر الأول و لذا جعل الفصل السابع فيه خيار العيب.

الثاني التزلزل في البيع بالإضافة إلى مجموع الثمن بان يسترد المشتري من البائع بعض الثمن و هذا التزلزل يخالف الخيار في السنخ المعبر عنه بحقّ الأرش و لكن قد ضعّف (ره) هذا التوجيه بما حاصله ان الأرش على ما هو المعروف عندهم يجب دفعه الى المشتري بمطالبته و لا يكون جزءا من الثمن؛ و لذا يجوز لمالك المبيع عدم دفعه من الثمن بل من مال آخر و لو كان ظهور العيب موجبا لتزلزل البيع بالإضافة إلى مجموع الثمن بان كان للمشتري التنقيص من ذلك المجموع كان له إلزام البائع بدفعه من الثمن لا من مال آخر.

و وجّه النائيني (ره) عطف ظهور العيب على الخيار بعين ما ذكره المصنف (ره) و لكنّ تخلّص عن الإشكال الوارد على توجيه المصنّف (ره) بتفسير التزلزل بكونه في ناحية المبيع لا في ناحية الثمن و بان للمشتري حق المطالبة من البائع بضم مقدار من جنس الثمن الى المبيع المعيب ليساوي معه مجموع الثمن.

أقول: حق مطالبة الأرش لا يوجب التزلزل في البيع، و لذا يثبت بعد لزومه، و لا في المبيع، و لذا يجوز دفع الأرش من عين الثمن.

(1) و حاصله: انّ الأصل بالمعنى الرابع يفيد فيما لو شك في ثبوت خيار في بيع فان الخيار حق خارجي يحتاج الى قيام الدليل عليه و مع عدمه يؤخذ بالمقتضي العرفي و الشرعي للبيع و اما لو شك في عقد آخر انه لازم لا ينفسخ أو جائز حكما فلا يمكن الأخذ بالأصل بذلك المعنى لأنه مع الشك المزبور لا يحرز مقتضاه ليؤخذ به.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 22

..........

______________________________

أقول: الأصل بذلك المعنى لا ينفع حتى فيما إذا شك في بيع انه يثبت فيه خيار أم لا و ذلك فإنه لو فرض تصريح الشارع في خطاب بان البيع عنده ايضا لازم و لولا الخيار لا ينفسخ و شك بعد ذلك في بيع ان فيه خيارا أم لا فلا يفيد التصريح المزبور ما لم يكن في البين عموم أو إطلاق أو أصل عملي ينفي الخيار و مع وجوده يدخل الأصل في المعنى الثاني أو الثالث.

و بتعبير آخر الأصل بالمعنى الرابع مبني اعتبار قاعدة المقتضي و المانع الّتي قد ذكرنا في محله انه لا اعتبار بها. و امَّا الأصل بالمعنى الأول أي الأخذ بالراجح فقد تقدّم الكلام فيه و بمعنى الاستصحاب مبنيّ على اعتباره في الشبهات الحكمية و قد منعنا عن ذلك في بحث الاستصحاب و ذكرنا ان الموجب لعدم اعتباره ابتلائه بالمعارض فيها دائما.

و العمدة في المقام العمومات و الإطلاقات المستفاد منهما قاعدة اللزوم المشار إليها. منها قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المفسر بالعهود. في صحيحة عبد اللّه ابن سنان التي رواها علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن النضر بن سويد عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ قال بالعهود و ذكر (ره) في وجه دلالته على اللزوم بأنَّ المستفاد منها ابتداء الحكم الكليفي و هو وجوب ترتيب ما هو عمل بمقتضى المعاملة و إذا كان مفادها تمليك المال بعوض فيلزم العمل على مقتضى كون المال ملكا للغير من لزوم دفعه اليه و عدم جواز الإمساك به أو أخذه و التصرف فيه بلا رضاه حتى فيما إذا كان ذلك الأخذ و التصرف بعد إنشائه الفسخ؛ و

إذا وجب العمل على طبق مدلول المعاملة كذلك ينتزع منه لزوم البيع وضعا فان الحكم الوضعي في المقام كسائر الأحكام الوضعيّة منتزعة عن التكليف و مما ذكر يظهر ما قيل من انه لا يستفاد من الآية لزوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 23

..........

______________________________

المعاملة فإن الوفاء بالعقد هو العمل بمقتضى ذلك العقد من لزوم أو جواز و وجه الظهور ان اللزوم كالجواز حكم شرعي يترتب على المعاملة و ليس داخلا في مدلولها و مدلول البيع مثلا جعل ملكيّة المال للغير بإزاء الثمن و ما يترتب على ملكيّة المال يجب ترتيبه وفاء بالعقد حتى بعد إنشاء الفسخ الملازم للغوية الفسخ فينتزع من هذا الوجوب لزومه وضعا على ما تقدم.

و قد يقال انه لا يمكن التمسك بقوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على لزوم المعاملة و عدم نفوذ فسخها و ذلك فإنّه إذا فرض ان البائع باع المال بشرط أن يكون له خيار يوم الثامن و اقبض المبيع من المشتري و أخذ الثمن ثم فسخها يوم الثامن و أخذ المبيع من يد المشتري و استردّ الثمن لا يكون ذلك خلاف الوفاء بالعقد بخلاف ما إذا أخذ المبيع من يد المشتري قبل يوم الثامن أو امتنع عن الإقباض و الفرق بين يوم الثامن و قبله هو ان العقد يوم الثامن مفسوخ لا بقاء له ليلزم الوفاء به بخلاف قبل ذلك اليوم و عليه فلو شك في بيع ان فيه خيار لأحد المتبايعين أم لا، فبعد إنشائه الفسخ لا يمكن الحكم بعدم جواز أخذه المال من صاحبه أخذا بعموم وجوب الوفاء بالعقود حيث ان بقاء العقد بعد الفسخ المزبور غير محرز و التمسك في بقائه باستصحابه و عدم

انفساخه خروج عن التمسك بالآية.

و أجاب عن الإشكال المحقق النائيني (ره) بان هذا لو كان المراد بالعقد معناه الاسم المصدري فإنّه على هذا التقدير لا يحرز بقاء الاسم المصدري مع إنشاء الفسخ من أحدهما مع احتمال الخيار بخلاف ما ذا كان المراد بالعقد معناه المصدري فإن العهد بمعنى المصدري يتحقق حال الإنشاء فالالتزام العقدي بحدوثه محكوم بلزوم الوفاء به الى الأبد و لا يكون التمسك بلزوم الوفاء به في الحكم ببطلان فسخه من التمسك بالعام في شبهته المصداقية و لذا يكون مورد ثبوت الخيار تخصيصا في العموم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 24

..........

______________________________

المزبور.

أقول: الظاهر عدم الفرق بين ارادة المعنى المصدري و الاسم المصدري في ان التمسك بالآية عند الشك في لزوم عقد أو جوازه لا يكون من التمسك بالعام في شبهته المصداقيّة فإن الاختلاف بين المعنيين بالاعتبار فالعهد بملاحظة صدوره عن الفاعل معنى مصدري و بملاحظته في نفسه معنى اسم مصدري و على كلا التقديرين فالعهد بحدوثه محكوم بلزوم الوفاء به و إنهائه أو بوجوب ترتيب الآثار و العمل بمدلوله نظير ما يقال من ان الشي ء بحدوثه موضوع للحكم أي لحدوثه و بقائه كما في قوله سبحانه (لٰا يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ) و قد يكون موضوعا للحكم بمعنى حدوثه موضوع لحدوث الحكم و بقائه موضوع لبقائه كما في قوله (لا تصلّ خلف الفاسق) و بما أن مناسبة الحكم و الموضوع في المقام كون وجوب الوفاء بالعهد من قبيل الأول فلا يكون التمسك بقوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) في موارد في موارد الشك في كون بيع أو غيره خياريا أو جائزا من التمسك بالعام في شبهته المصداقيّة هذا أوّلا.

و ثانيا: قد تقدم ان المراد

بالعقود العهود سواء كان العهد للّٰه سبحانه كالعهد و النذر أو للغير كما في المعاملات المالية كالبيع و الإجارة أو غير المالية كالنكاح كما يشهد لذلك مضافا الى عموم العهد إطلاق العقد على كل منها في مثل قوله سبحانه لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمٰانِكُمْ وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ و قول سبحانه وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمٰانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ و لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ الى غير ذلك ثم ان متعلق العهد يختلف فتارة يكون فعلا للغير فالوفاء به عبارة عن الإتيان بذلك الفعل و أخرى يكون الأمر الوضعي أي الاعتباري كالملكية مجانا أو مع العوض فالوفاء بالعهد فيه إنهائه و عدم الغاية، أو ترتيب الأثر العملي على ذلك الأمر الاعتباري و وجوب الوفاء بالعهد من القسم الأول تكليفي كما هو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 25

..........

______________________________

ظاهر الأمر بالفعل الخارجي فالوفاء في ذلك القسم عبارة عن الإتيان بمتعلق العهد كما تقدم.

و الأمر بالوفاء في القسم الثاني امّا بمعنى عدم إلغاء العهد لكونه من قبيل الأمر بالمعاملة فيكون ظاهرا في الإرشاد إلى اللزوم المراد ترتيب الأثر على متعلق العهد و العمل بمدلوله في مقابل نقض العهد عملا فالأمر بالوفاء باعتبار كونه أمرا بالأفعال الخارجية يكون ظاهرا في التكليف، و لكن لا أظن أن يلتزم المصنف (ره) أو غيره بان إمساك البائع مثلا بالمبيع ابتداء أو بعد إقباضه يوجب عقابين أحدهما بعنوان ترك الوفاء بالمعاملة؛ و الثاني انه تصرف و إمساك بمال الغير بلا رضاه، كما هو مقتضى قوله عليه السلام (لا يحل مال امرء مسلم) بل لا بدّ من الالتزام بان الأمر بالوفاء و لو بمعنى ترتيب الآثار

إرشاد إلى لزوم المعاملة، فلا يصح دعوى ان مدلول الأمر بالوفاء حكم تكليفي بحيث ينتزع منها الحكم الوضعي.

لا يقال على ذلك يلزم استعمال الأمر بالوفاء في الإرشاد و التكليف فالارشاد بالإضافة إلى العهد في المعاملات و التكليف بالإضافة إلى العهد بالفعل الخارجي كموارد النذر و الحلف فإنه يقال الأمر بالوفاء انحلالي فالأمر بالإضافة الى بعض العهود يكون إرشادا و بالإضافة إلى البعض الآخر تكليفا و قد تقدم سابقا من ان ليس إرادة الإرشاد و التكليف معا من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى لان المستعمل فيه لصيغة الأمر أو مادّته في موردي الإرشاد و التكليف واحد و يختلف الإرشاد عن التكليف بالغرض من البعث الى الفعل و تفصيل ذلك في بحث الأصول).

ثم انّ المصنف (ره) قد أجرى ما ذكره في آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ بدعوى ان المراد بحلية البيع جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 26

و لكن يمكن ان يقال انه إذا كان (1).

______________________________

ترتيب الآثار بمدلول البيع، و إذا جاز ترتيب الأثر على مدلوله حتى فيما إذا فسخ أحدهما بلا رضا صاحبه ينتزع عن الجواز المزبور اللزوم الوضعي، و كذلك الأمر في جواز ترتيب الآثار على مدلول التجارة عن تراض فإنّه ينتزع من جواز الترتيب حتى بعد فسخ أحدهما اللزوم الوضعي للتجارة.

و لكن لا يخفى ان قوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) مدلوله المطابقي كما هو مقتضى إضافة الحليّة إلى المعاملة؛ و منها البيع جوازها الوضعي أي إمضائها، و لذا لو كان بيع البائع بشرط الخيار له أو لصاحبه إلى مدّة يحكم بصحة البيع المزبور و كونه خياريّا أخذا

بإطلاق الإمضاء المستفاد من الآية.

و بتعبير آخر إمضاء البيع على طبق ما قرره المتبايعين في إنشائه فإن كان بشرط الخيار فيحكم بإمضائه كذلك؛ و ان كان بدون شرطه يكون إمضائه مطلقا و على ذلك فيمكن نفي احتمال الخيار الشرعي التأسيسي بناء على ظهور الآية في إمضاء المعاملة بما له الحكم عند العقلاء كما هو ظاهر الآية؛ و امّا إذا ادعي بأنَّ مدلولها هو نفس إمضاء البيع بمدلوله من غير نظر الى إمضاء حكمه عند العقلاء فلا يمكن التمسك به في مورد احتمال الخيار الشرعي التأسيسي أيضا، كما لا يبعد ذلك في قوله سبحانه (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فان مدلوله جواز تملك مال الغير بالتجارة؛ و امّا ان الأحكام المترتبة على التجارة ما هي و ان أحكامها العقلائية كلها ممضاة أم لا كلّ ذلك خارج عن مدلول الاستثناء فتدبر جيّدا.

(1) مراده ان حليّة التصرفات المترتبة على البيع بعد فسخه من أحدهما من غير رضا صاحبه لم تذكر في الآية بخصوصها و كذا حليّة التصرفات المترتبة على التجارة بل المدعى شمول الحلية لتك التصرفات بالإطلاق في الآيتين؛ و عليه فيمكن دعوى ان حليّة التصرفات المترتبة على البيع و التجارة دائرة مدار بقاء البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 27

و منها قوله تعالى لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ (1).*

______________________________

و التجارة، حيث ان ظاهر كل خطاب كون الحكم المذكور فيه حدوثا و بقاء دائرا مدار حدوث الموضوع و بقائه، كما في خطاب لا تصل خلف الفاسق؛ و انَّما خرجنا عن ذلك في آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و قلنا ان تحقق عقد أي عهد في زمان موضوع لوجوب الوفاء حدوثا و بقاء بمناسبة الحكم و

الموضوع المفقودة في الآيتين الأخيرتين).

(1) قد تقدم سابقا ان المراد بالأكل في الآية الاعتباري أي التملك و وضع اليد على مال الغير كما هو مقتضى إضافة الأكل إلى المال و المراد بالباطل الباطل في اعتبار العرف و بنائهم، فيكون النهي عن الأكل المال بالباطل من قبيل النهي عن المعاملة ظاهرا في الإرشاد إلى فساد ذلك الأكل و من الواضح ان تملّك أحد المتبايعين مال الآخر بالفسخ من غير رضا صاحبه تملك بالباطل؛ نعم إذا ثبت الخيار في البيع من الشارع و لو تأسيسا يخرج التملك المزبور عن الباطل شرعا و كذلك الأمر في الأكل الخارجي، فلو اذن الشارع في أكل المار من ثمرة طريقه فلا يكون ذلك من الأكل بالباطل؛ و امّا مع عدم ثبوت الخيار أو الإذن فيكون عموم النهي متبعا و نتيجة ذلك لزوم البيع المفروض.

و لا يخفى انه إذا كان المراد بالأكل ما ذكر فيكفي في التمسك به اتّصاف المال بكونه مالا لشخص فإنه مع كونه مالا له يكون تملّكه و وضع اليد عليه بالوجه الباطل العرفي و منه الفسخ في المعاملة باحتمال الخيار الشرعي محكوما بالبطلان شرعا. و الحاصل انه لا يتوقّف التمسك به على إحراز ان المال بعد الفسخ المحتمل جوازه ملك ايضا لمالكه الأول ليكون التمسك به من قبيل التمسك بالعام في شبهته المصداقيّة؛ اللّهم إلّا أن يقال ان الفسخ لا يكون تملّكا للمال بل هو حل العقد و بعد حلّه يكون التملّك بالسبب الذي كان قبل العقد؛ و لكن لا يخفى ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 28

و مما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله (ص) لا يحل مال امرء مسلم (1).

و منها قوله الناس

مسلطون على أموالهم 2 في دعاء التوبة و لك

______________________________

التملك بالسبب السابق ايضا بعد الفسخ المزبور تملك بالباطل فلا بأس بالأخذ بالآية في الحكم بفساد الفسخ.

(1) و لعل مراده ان المستفاد من الحديث ابتداء الحكم التكليفي أي حرمة التصرفات الخارجيّة المتعلّقة بمال الغير حتى التصرفات الواقعة بعد فسخ أحد المتعاملين و ينتزع من حرمتها عدم نفوذ ذلك الفسخ، و فيه ان الموضوع لعدم جوازها مال الغير بلا رضاه و كون المال بعد فسخ أحد المتعاملين و لو بلا رضا صاحبه مال الغير غير محرز فيكون التمسك بعموم عدم الجواز في الفرض من التمسك بالعام في شبهته المصداقية.

و لو قيل بأنَّ عدم الحلّ يعم التصرفات الخارجية و التصرفات الاعتبارية فيكون عدم الحل بالإضافة إلى التصرفات الاعتبارية حكما وضعيّا، بمعنى الفساد فيشكل التمسك به في الحكم بفساد الفسخ أيضا، لأنَّ الفسخ كما ذكرنا ليس تصرّفا في مال الغير بل هو تصرف في العقد حيث انه حلّه و مدلول الرواية عدم جواز التصرف في مال الغير لا عدم جواز التصرف في المعاملة التي صار بها المال للغير.

و الحاصل ان استفادة الحكم الوضعي أي فساد الفسخ من حرمة التصرفات في المال تكليفا أو وضعا ايضا تمسّك بالعام في شبهته المصداقية و أن فسخ العقد باعتبار عدم كونه تصرفا في المال غير داخل في مدلول الرواية.

(2) لو كان مراده (قده) ان تصرف البائع مثلا في المبيع بعد فسخه غير جائز بل التصرف الحلال ينحصر بالمالك لكان التمسك بالرواية بعد فسخ أحد المتعاقدين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 29

يا رب شرطي (1).

______________________________

من التمسك بالعام في شبهته المصداقية، لأنّ مع احتمال نفوذ الفسخ لا يحرز انّ التصرف في المال

المزبور تصرف من غير المالك. و امّا بناء على ما تقدم منّا سابقا من انّ مفادها ولاية المالك على التصرفات المشروعة في المال و ليس راجعا الى تعيين التصرف المشروع فلا يمكن التمسّك به في المقام لانّ الشك في كون الفسخ تصرفا مشروعا أم لا هذا أولا.

و ثانيا قد ذكرنا ان الفسخ لا يكون تصرفا في المال بل هو تصرف في العقد بحله و التصرف في المال بعد الفسخ المحتمل لم يحرز كونه تصرفا من غير المالك ليحكم بعدم جوازه كما لا يخفى.

(1) كأنّ مراده (قده) ان الالتزام بعدم العود إلى المعصية التزام في ضمن التوبة التي هي في حقيقتها الندم على ما فعل و ان شرط الزهد على الأئمة عليهم السلام قد وقع في ضمن اختياره سبحانه إيّاهم للعناية الخاصة بجعلهم أولياء المجد و العزّ و مهبط الوحي و موارد الكرامة؛ و لكن لا يخفى أن ملاحظة ما ذكر قبل كل منهما يشهد بان المراد منه الإلزام أو الالتزام الابتدائي فإنه سلام اللّٰه عليه ذكر على ما في الدعاء (و قد قلت يا إلهي في محكم كتابك انّك تقبل التوبة عن عبادك و تعفو عن السيّئات و تحب التوابين)، فان هذا بيان لالتزامه سبحانه بقبول التوبة من التائبين و حبّهم، فيكون قول التائب و أوجب لي محبّتك كما شرطت استدعاء للوفاء بالالتزام كما ان توبة النادم من معصية قابلة للتكرار يلازم الالتزام بعدم العود الى مثلها، و يكون هذا دخيلا في تحقق التوبة و الّا فلا يكون ندمه الّا لفظيّا لا أنّه التزام زائد على التوبة فيكون قوله (يا رب شرطي ان لا أعود) بيانا للالتزام المحقق للتوبة و من العجب عن بعض الأجلة

حيث فرّق بين الشرط في قوله أوجب لي محبتك كما شرطت و جعل الشرط فيه بمعنى المعلق عليه لإيجاب المحبة و بين الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 30

..........

______________________________

في قوله لك يا رب شرطي حيث ذكر انه بمعنى الالتزام مع وضوح انه في كلا الموردين بمعنى الالتزام.

و امّا دعاء الندبة فإن إعطاء اللّٰه سبحانه العزّ و المجد و اختياره الأولياء ليس من قبيل المعاملة ليكون شرط الزهد من قبيل الإلزام في المعاملة؛ بل الإلزام فيه بمعنى التكليف و بما انه سبحانه قد علم بطاعتهم و الوفاء بالتزامهم بالزهد و قد شملهم العناية من الأول فأعطاهم ما اقتضى علمه و قضاه جل و علا و مثل ذلك من استعمال لفظ الشرط في الإلزام أو الالتزام الابتدائيين، و لكن و استعماله فيه أو في مطلق الحكم تكليفيا كان أو وضعيّا كما في قوله شرط اللّٰه قبل شرطكم و الشرط في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره حتى يفترقا لا يوجب ظهوره في مطلق الالتزام أو الإلزام ليحمل قوله عليه السلام في صحيحة عبد اللّٰه ابن سنان أو غيرها (المسلمون عند شروطهم) عليه و يتمسك به في موارد الشك في لزوم المعاملة و جوازها بالتقريب المتقدم في قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بان يقال أصل المعاملة شرط فيجب الوفاء بها فينتزع من وجوبه لزومها).

و قد يقال ان الشرط بمعنى مجرد ربط الشي ء بالشي ء و قد يكون الربط أمرا واقعيا خارجيا كالشرط الأصولي و النحوي و قد يكون جعليا كما في التزام الشخص بفعل حيث يربط الشخص الفعل لنفسه و عهدته أو معامليا بان يربط المعاملة بذلك أي على الالتزام به لا على الملتزم به. و

لكن لا يخفى ان ذلك مع عدم تمامه في نفسه كما يأتي لا يوجب ظهور اللفظ في الرواية في مطلق الربط الذي يجعله المسلم سواء كان من قبيل الالتزام الابتدائي أو الالتزام في المعاملة بل المتيقن منه هو الشرط في المعاملة لو لم نقل بظهوره فيه بخصوصه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 31

و ربّما يقال ان مقتضى استصحاب عدم انقطاع علاقة المالك (1).

______________________________

(1) و حاصل ما ذكر (قده) في الجواب عن استصحاب عدم انقطاع علاقة المالك الأوّل هو أنه ان كان المراد بعلاقة المالك الأول، الملك فمن الظاهر انه قد زال بالبيع، و كذا ان كان المراد بها متفرعات الملك فإنّه مع زوال الملك لا تبقى متفرعاته، و ان أريد السلطنة على اعادة العين الى ملكه فهذه السلطنة لم تكن في زمان الملك، و لا يمكن اجتماعها معه إذ إعادة الملك فرض عدم الملك فعلا.

و الحاصل ان هذه السلطنة تحدث بعد زوال الملك بثبوت الخيار في المعاملة.

و ان أريد استصحاب هذه السلطنة بعد انقضاء خيار المجلس فلا مجال لهذا الاستصحاب فإنه لا يجري في موارد عدم ثبوت خيار المجلس، بل مطلقا لانّ خيار المجلس كما هو ظاهر الأخبار ينتهي بالتفرق و مع الشك في لزوم المعاملة و جوازها يكون المورد من موارد الأخذ بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و يكون استصحاب بقاء الملك بعد إنشاء الفسخ من أحدهما جاريا بلا معارض.

أقول: لا يخفى ما في كلامه (قده) من الضعف فإنّه إذا كان خيار المجلس موقتا بالافتراق فلا مجال لاستصحاب هذا الخيار بعد هذا الخيار، و لو كان البيع بعد الافتراق خياريا كما في شراء الحيوان. فالخيار الثابت خيار آخر، و مع عدم قيام الدليل

عليه لا يصحّ استصحاب طبيعي الخيار فإنّه من استصحاب القسم الثالث من الكلي. و لو قيل بان المرجع في العام المخصّص في غير زمان التخصيص هو عموم العام سواء كان عمومه من جهة الزّمان ايضا استغراقيا أو استمراريا كان المرجع في مفروض الكلام عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و ان لم نقل بالتمسك بالعام فيما إذا كان عمومه استمراريّا فيتعين الأخذ باستصحاب بقاء الأثر الحاصل بالعقد فالجمع بين التمسّك بعموم العام و الأخذ بهذا الاستصحاب كما هو ظاهر كلامه غير ممكن. و امّا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 32

نعم هو حسن في خصوص المسابقة (1).

______________________________

ما ذكر في استصحاب عدم انقطاع سلطنة المالك عن المال و كون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب بقاء الأثر ففيه ما تقدم من ان الخيار لا يكون حقّا متعلّقا بالمال بل هو كما تقدم ملك فسخ العقد، و هذا الملك غير ثابت قبل البيع لا للبائع و لا المشتري حتى يستصحب.

و دعوى ان الخيار مرتبة ضعيفة من ملك المال، و لذا يقال ان الحق مرتبة ضعيفة من الملك و بتعبير آخر السلطنة المتعلقة بالمال بمرتبتها القويّة تكون ملكا و ان تنزلت الى مرتبتها الضعيفة فتكون حقّا و على ذلك فيكون استصحاب طبيعي السلطنة على المال من قبيل استصحاب طبيعي السواد للجسم بعد العلم بزواله بمرتبته الشديدة و احتمال بقائه بمرتبته الضعيفة موهومة لأنّ كل من ملك المال و خيار الفسخ في المعاملة أمر اعتباري يؤخذ من العرف و الخيار في المعاملة عندهم كما مرّ حق يتعلّق بفسخ العقد و لا يكون حقّا في المال؛ و لذا يجوز لمن انتقل اليه المال في المعاملة التصرف فيه بما شاء و لو

مع الخيار لصاحبه إلّا إذا اشترط صاحبه عليه إبقائه، كما في بيع الخيار و لا يكون الملك و الخيار عندهم شيئا واحدا يختلفان بالشدة و الضعف. و أمّا ثبوت حق آخر متعلق بالعين غير الخيار في العقد و غير الجواز الحكمي فلا يحتمل في العقود.

(1) و حاصله انه إذا تضمّن العقد التمليك كالبيع و الإجارة أو التسليط، كما في الوكالة حيث ان المالك يسلّط الغير على التصرف في ماله و لم يتمّ دليل على جوازه أو لزومه فيمكن الحكم بلزومه باستصحاب ذلك الملك أو التسليط بعد فسخ أحد المتعاقدين. و امّا إذا لم يتضمن العقد التمليك أو التسليط أي التمليك أو التسليط الفعليّين و ان تضمّن ملكا أو تسليطا تعليقيا و مشروطا كما في عقدي المسابقة و الوصيّة فمع عدم قيام الدّليل على لزومه أو جوازه يكون مقتضى الأصل جوازه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 33

ثم ان ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللّزوم (1).

______________________________

حيث يستصحب فيه عدم الأثر فيقال أنّه قبل ان تحقق فوز السابق لم يكن العوض المقرر ملكا له و بعد فوزه مع فسخ أحد المتعاقدين قبله يشك في استحقاقه و تملكه إيّاه فالأصل عدم انتقال ذلك العوض اليه و كذا الحال في الوصيّة).

أقول: لو وصلت النوبة الى الأصل العملي في مثل عقدي المسابقة و الوصية لكان مقتضى استصحاب بقاء العقد بعد فسخ أحدهما بلا رضا صاحبه لزومه لانّ عقد المسابقة و لو قيل بعدم تضمّنه الالتزام و التعهد بالسبق و النضال بل مدلوله مجرد جعل ملك العوض لمن فاز في السبق بمفاد القضيّة الشرطية على ما قيل بان مفادها مفاد الجعالة الّا ان هذا الجعل بعنوان القضية

الشرطية بقائه مشكوك بعد فسخ أحدهما بلا رضا صاحبه فيستصحب و يجري هذا في الوصية أيضا، فإن جعل ملكية مال لشخص على تقدير وفاة الجاعل كما هو مفاد الوصية التمليكية يستصحب و يكون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب عدم الأثر قبل تحقق الشرط كالفوز في المسابقة و حياة الموصي، فإن الجعل بمفاد القضية الشرطية مفاده فعليّة الجزاء بفعلية الشرط على ما هو المقرر في بحث عدم نسخ الأحكام.

و مما ذكر يظهر أنه لا تصل النوبة في الشك في العقود التي مفادها الملك أو التسليط الفعلي إلى استصحاب ذلك الملك أو التسليط بل الاستصحاب في ناحية بقاء نفس العقد من البيع و الإجارة أو الوكالة أو غيرها، بمعنى عدم إمضاء الشارع إلغائها بعد فسخ أحدهما يكون جاريا و يترتّب عليه بقاء الملك أو التسليط و غيرهما هذا كله مع القول باعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما هو المفروض في المقام.

(1) و حاصله انه إذا شك في لزوم عقد و جواره بالشبهة الموضوعية بأن لم يعلم ان العقد الواقع خارجا ما هو و هل هو داخل في عنوان العقد الجائز أو اللازم فان قيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 34

..........

______________________________

بجواز التمسك بالعام فيما إذا تردّد أمر الفرد بين بقائه تحت العام أو دخوله في عنوان الخاص الخارج فيحكم بلزوم ذلك الفرد أخذا بعموم مثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و ان منعنا عن ذلك تصل النوبة إلى استصحاب بقاء الأثر المتيقن الحاصل بالعقد على كل تقدير و يكون نتيجة هذا الاستصحاب لزوم العقد.

و الأخذ باستصحاب الأثر ينحصر بما إذا لم يكن في البين أصل موضوعي يعين ان الواقع خارجا فرد جائز كما إذا تردد

تمليك العين مجانا بين كونها هبة أو صدقة فإنهما يشتركان في كونهما تمليك المال مجانا و افتراق الصدقة عن الهبة بكون التمليك في الصدقة بقصد التقرب و استصحاب عدم قصد التقرب في التمليك مقتضاه كونها هبة يجوز لصاحب العين ان يرجع فيها ما دامت باقية.

ثم ان ما ذكر من الأخذ باستصحاب بقاء الأثر مع عدم الأصل الموضوعي المحرز لعنوان العقد الجائز فيحكم باللزوم ليس معناه انه باستصحاب بقاء الأثر يثبت عنوان العقد اللازم و يرتب سائر آثاره كما إذا شك في ان تمليك العين كان بعنوان الهبة ليجوز لصاحبها الرجوع فيها ما دامت باقية أو كان بيعا فلا يجوز الرجوع فيها فباستصحاب بقاء ملك العين لمن انتقلت اليه يحكم بلزوم التمليك. و امّا ثبوت عنوان البيع فلا، لأنّ إثبات عنوان الموضوع باستصحاب حكمه أصل مثبت بخلاف إثبات الحكم باستصحاب عنوان الموضوع بل يرجع بالإضافة إلى سائر آثار عنوان العقد اللازم بالأصل الجاري فيها و لو شك في ثبوت العوض بذمّة من انتقل اليه العين فالأصل عدم اشتغال ذمته بالعوض هذا فيما إذا تردد الأمر بين الهبة الصحيحة و البيع الصحيح.

و أمّا إذا تردّد بين الهبة الفاسدة و البيع الفاسد و كانت العين تالفة في يد من انتقل اليه بالعقد الفاسد فيحكم بضمانة تلك العين أخذا بعموم على اليد و لو قيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 35

..........

______________________________

بان خروج المأخوذ بالهبة من عموم حديث (على اليد) مانع عن الأخذ به في الفرد المشكوك فيرجع في الضمان ايضا الى أصالة البراءة.

أقول: ان كان تمليك المال مجانا مطلقا أو من فقير بداع قربى يطلق عليه الصدقة، و ان كان بداع آخر يطلق عليه الهبة

و الهبة يجوز الرجوع فيها ما دامت العين باقية الّا في موارد خاصة كالهبة للأرحام أو مع التعويض و في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه و عبد اللّٰه بن سليمان جميعا قالا سألنا أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يهب الهبة أ يرجع فيها ان شاء أم لا؟ فقال (تجوز الهبة لذوي القرابة) و الذي يثاب عن هبته و يرجع في غير ذلك ان شاء؛ و المراد بالجواز النفوذ و اللزوم و هذا بخلاف الصدقة فإنّه لا ترجع في تمليك يقصد به وجه اللّٰه؛ و في صحيحة زرارة كان النّاس على عهد رسول اللّٰه (ص) ينحلون و يهبون) و لا ينبغي لمن أعطى للّٰه شيئا أن يرجع فيه و ما لم يعط للّٰه و في اللّٰه فإنّه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة). و المراد بلا ينبغي عدم نفوذ الرجوع و لو بقرينة سائر الروايات و على ذلك فإذا شك في كون العقد الواقع خارجا هبة ليجوز الرجوع فيها أو أنها صدقة ليلزم فأصالة عدم قصد التقرب فيه كما هو مفاد استصحاب السالبة بانتفاء الموضوع المعبر عنه باستصحاب العدم الأزلي محرزة لجوازه فإنها تحرز دخول التمليك المفروض في قوله و ما لم يعط للّٰه و في اللّٰه و لا نحتاج في إثبات الجواز إلى إثبات عنوان الهبة ليقال ان عنوان الهبة لا يثبت بالأصل المزبور و يجاب بأن الهبة هي التمليك مجانا غاية الأمر حكم على بعض إفرادها المعبر عنه بالصدقة باللزوم كما هو ظاهر الصحيحة.

ثم ان القبض معتبر في الهبة على المشهور و يدل على ذلك الروايات منها الدالة على ان العين الموهوبة مع عدم القبض يرجع ميراثا للواهب و كذا

الصدقة لا تكون لازمة الّا بالقبض فإنّه و ان ورد في بعض الروايات ما ظاهره عدم اعتبار القبض في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 36

..........

______________________________

الصدقة كرواية أبي بصير و لا يبعد اعتبارها سندا عن أبي عبد الهّٰن عليه السلام قال الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها و الصدقة جائزة عليه الّا أنها تحمل على استحباب القبض بقرينة بعض الرّوايات الدّالة على اعتبار القبض في الصدقة كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليهما السلام قال (إذا كان أب تصدّق بها على ولد صغير فإنها جائزة لأنّه يقبض لولده إذا كان صغيرا، و ان كان ولدا كبيرا فلا يجوز له حتى يقبض)؛ و ايضا ما في بعض الروايات من إطلاق نفوذ الهبة على الأرحام يقيد بما بعد القبض بشهادة موثقة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل وهب لابنه شيئا هل يصلح أن يرجع فيه قال (نعم الّا أن يكون صغيرا)؛ و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال (الهبة و النحلة يرجع فيها صاحبها حيزت أو لم تحز إلّا لذي رحم فإنّه لا يرجع فيها)، فإنّه بناء على ما تقدم يقيد عدم جواز الرجوع في الهبة لذي رحم بما إذا كان بعد القبض أي الحيازة بقرينة موثقة جميل و نحوها.

و امّا مسئلة الاختلاف في كون العقد الواقع هبة أو بيعا فان كان الاختلاف في مجرد اشتغال ذمة من انتقل اليه العين بالعوض و عدمه كما إذا كان الاختلاف بعد تلف العين أو مع كون المنتقل اليه من الأرحام فيجري استصحاب عدم البيع بلا معارض، فالقول قول منكر البيع

فعليه الحلف على عدم البيع، و ان كان الاختلاف في جواز الرجوع في العين و عدمه خاصة، كما إذا ادّعى من انتقل اليه العين انه اشتراها و دفع الى صاحبها ثمنها و قال المالك قد وهبتها فله الرجوع فيها فالقول قول مدّعي البيع أخذا بأصالة بقاء الملك لمن انتقلت اليه فعليه الحلف على عدم وقوع الهبة.

و ان كان الاختلاف في كل من اشتغال الذمة بالعوض و جواز الرجوع كما إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 37

..........

______________________________

ادّعى المالك انه قد باعها بكذا و ادّعى من انتقل إليه أنّه وهبها، فربّما يقال ان المورد من موارد التحالف لان لكل من الهبة التي يدعيها من انتقل اليه العين و البيع الذي يدعي صاحبها أثر خاص فيكون أصالة عدم وقوع البيع معارضة بأصالة عدم وقوع الهبة و بالتحالف يحكم بانفساخ المعاملة و رجوع العين الى صاحبها.

و لكن الصحيح ان المورد ليس من موارد التحالف فان التحالف ينحصر بموارد دعوى كل من المتخاصمين على الآخر شيئا، و في الفرض لا يدّعي من انتقل اليه العين على الآخر شيئا، و لذا يحلف على نفي البيع أو على عدم اشتغال ذمته بالعوض، و لكن يجوز لصاحب العين الرجوع فيها لاتفاقهما على ذلك فإنه يعترف من انتقل اليه بذلك بمقتضى الهبة كما يدعيه صاحبها باعتبار انّه مقتضى تخلف الآخر عن أداء الثمن فان التخلف المزبور أحد موجبات الخيار، كما يأتي فما ذكره المصنف (ره) من الحكم في الفرض بلزوم الملك و عدم اشتغال ذمّة من انتقل اليه بالعوض لا يمكن المساعدة عليه.

هذا كله مع دوران العقد بين الهبة و البيع في مقام المرافعة، و اما دورانه بينهما في غير

مقام المرافعة كما إذا علم بأنّ العين قد تملكها من الآخر و شك في كونه بالهبة أو بالبيع و ان عهدته مشغولة بالعوض فان كانت العين تالفة أو ذي رحم فيأخذ بأصالة برأيه عهدته عن الاشتغال بالعوض و كذا إذا كانت العين موجودة ما دام لم يرجع في الهبة المالك الأول. و امّا رجوعه فيها فعلمه إجمالا بوجوب دفع العين اليه كما لو كانت هبة أو بدله كما إذا كانت بيعا يكون موجبا لوقوع التعارض بين أصالة عدم الهبة و لزوم الملك و بين أصالة عدم البيع و عدم اشتغال عهدته بالبدل فيلزم عليه التصالح كما لا يخفى).

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 38

[أقسام الخيار]

[الأول: خيار المجلس]
اشارة

فالمراد مطلق مكان المتبايعين (1).

______________________________

و امّا مسئلة ضمان المال فيما إذا تردد أمر العقد الفاسد بين كونه هبة فاسدة أو بيعا فاسدا فيحكم فيه بالضمان سواء كان ذلك في مورد الترافع أو غيره و ذلك فإن الإقدام على الضمان لا يكون موضوعا لضمان المال، و لذا لو وضع أحدٌ يده على مال الغير اعتقادا بأنه ماله و تلف ذلك المال في يده يكون ضامنا مع عدم حصول الاقدام على الضمان و لا فرق في الحكم به القول باعتبار (حديث على اليد) و ان الخارج منه موارد إلغاء المالك احترام ماله بدفعه الى الغير مجانا أو بالإذن له بالإتلاف و الإيتمان المالكي أو أخذ المال إحسانا إلى مالكه أم قلنا بعدم اعتباره لضعف سنده فإنّه إذا قيل باعتبار الحديث و خروج الموارد المشار إليها بالتخصيص فالأمر ظاهر لان مع وضع اليد على المال و أصالة عدم إسقاط المالك حرمة ذلك المال بدفعه اليه مجانا يحرز بقاء ذلك المال تحت

عموم على اليد.

و امّا إذا قلنا بعدم اعتباره فلا ينبغي الريب في ان وضع اليد على مال الغير فيما إذا لم يكن مع إلغاء المالك احترامه أو الايتمان أو الإحسان إليه موضوع للضمان في بناء العقلاء الممضى من الشارع كما يكشف عنه عدم وصول الردع بل في وصول الإمضاء في بعض الموارد و عليه فإذا أحرز وضع اليد على المال الغير كما هو الفرض في المقام و جرى أصالة عدم إلغاء المالك احترام ماله بالهبة فيحكم بالضمان لتمام موضوعه بضم الوجدان الى الأصل.

(1) يعني ليس المراد بالمجلس في خيار المجلس ليس خصوص المجلس لئلا يثبت الخيار فيما إذا تبايعا حال المشي بل المراد ثبوت الخيار للمتبايعين حال العقد، و ان لم يكن مكانهما من قبيل المجلس فإنه في الفرض ايضا يثبت الخيار لهما الى افتراقهما و لا خلاف في ثبوت خيار المجلس عندنا، و ان خالف فيه بعض مخالفينا و في موثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام قال (إذا صفق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 39

لا إشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا أصليّين (1).

______________________________

الرجل على البيع فقد وجب و ان لم يفترقا)، و قيل انها تحمل على ثبوت البيع و عدم اشتراط أمر آخر في تمامه كما في بيع الصرف و السلم، لانّ الوجوب في اللغة هو الثبوت.

و لكن لا يخفى انه لا يعد ذلك جمعا عرفيا بين الموثقة و بين مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا فإذا افترقا وجب البيع حيث ان حمل الوجوب في الأول على ثبوت البيع، و في

الثاني على لزومه جمع تبرّعي و عليه فيتعيّن طرحها لكونها معرض عنها عند الأصحاب و موافق لبعض العامة حيث أنكروا خيار المجلس كما مرّ.

(1) و حاصله انه إذا كان المباشر للبيع و الشراء أصليين يثبت لهما خيار المجلس و كذا فيما إذا كانا وكيلين فانّ ثبوته لهما في الجملة أيضا مقطوع، و انّما الكلام في ثبوته للوكيلين مطلقا حتى فيما لو كانا وكيلين في مجرد إجراء صيغة عقد البيع و ذكر العلامة في التذكرة ثبوته للوكيلين و لموكليهما ايضا مع كونهما في مجلس العقد لا مع عدم حضورهما؛ نعم إذا مات أحد الوكيلين قبل الانتقال ينتقل خياره الى موكله الغائب لأنّه أحقّ بالخيار من وارث الوكيل؛ ثم ذكر ان للشافعية القائلين بخيار المجلس قولين أحدهما ثبوت الخيار للموكل ابتداء و الثاني انه يثبت للوكيل.

و ذكر المصنف (ره) انّ الوكيل فيما كان وكيلا في مجرد إجراء لصيغة العقد فلا يثبت له الخيار أصلا، و ذكر لذلك وجوها الأوّل انّ قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا المتفاهم منه غير هذا الوكيل و لو بناء على عموم المتبايعين و شموله للوكيلين ايضا، و الإغماض عمّا ذكره في جامع المقاصد من انصرافهما بملاحظة الغلبة إلى البائع و المشتري المالكين.

و الثاني: ان مقتضى أدلّة الخيار و منها خيار المجلس تعلق حق لكلّ من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 40

..........

______________________________

المتعاقدين على ما انتقل عنه بعد الفراغ عن كونه سلطانا لما انتقل اليه فلم يحرز في المقام سلطنته الوكيل العاقد لما انتقل الى المالك الموكل فيكون ما نحن فيه نظير ما شك في ثبوت خيار المجلس في مورد كون ما انتقل اليه ممن ينعتق عليه أو

احتمال أن يكون ما انتقل اليه مما يجب صرفه في الإنفاق الواجب عليه أو وجوب إعتاقه بالنذر فإنه لا يمكن الحكم بثبوت الخيار في هذه الموارد أخذا بقوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)، و إثبات ان المبيع ليس ممن ينعتق عليه أو لا يجب عليه إعتاقه بالنذر أو لا يجب صرفه في إنفاقه.

الثّالث: انّه لا ينبغي الريب في انّ الخيار الحيوان لا يثبت في حق الوكيل في مجرّد إجراء صيغة شراء الحيوان و قد ذكر مقارنا مع خيار المجلس في الاخبار كما في قوله عليه السلام الشرط في الحيوان الى ثلاثة أيّام و في غيره حتى يفترقا و خيار الحيوان مع خيار المجلس، و ان كانا حكمين يمكن ان يكون الموضوع لأحدهما العاقد المالك و للآخر مطلق العاقد الّا انّ وحدة السياق يشهد بأنّ من ثبت له الخيار في شراء الحيوان الى ثلاثة أيّام هو الذي يثبت له خيار في غيره حتى يفترقا.

الرابع: ان الحكمة في جعل الخيار ملاحظة المتبايعين صلاحهما في البيع الواقع و هذا لا يجري في حق الوكيل في مجرّد إجراء صيغة البيع.

و الخامس: ان سائر الخيارات كالغبن و الغيب و غيرهما لا يثبت في حق الوكيل في مجرد إجراء الصيغة و يكون خيار المجلس ايضا كذلك و لا يبعد ان يكون مراد التذكرة من الوكيل غير هذا الوكيل، فالقول بثبوت الخيار لهذا الوكيل كما عن صاحب الحدائق ضعيف و أضعف منه ثبوته في حقه حتى مع منع موكله عن فسخ البيع بدعوى ان الخيار حق للعاقد فله ان يستوفيه بفسخ العقد و ليس منع المالك مبطلا للحق المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 41

..........

______________________________

أقول: ما ذكره

(ره) من انصراف أدلّة الخيار عن الوكيل في مجرد إجراء الصيغة فله وجه فان البيع و ان ينتسب الى كل من الوكيل و الموكل فيصحّ للوكيل ان يقول بعت دار فلان من فلان كما إذا احتاج اليه في مقام الشهادة و نحوها كما يصحّ للموكل ان يقول بعت داري من فلان و مناسبة الحكم و الموضوع و ملاحظة حكمة الخيار و هو التروّي في صلاح البيع مقتضاه ثبوت الخيار للموكل كما قد يقتضي ملاحظة المناسبة بين الحكم و موضوعه ثبوت الحكم لمن ينتسب اليه الفعل بالتسبيب كقوله عليه السلام (من بنى مسجدا بن اللّٰه بيتا له في الجنّة)، أو ثبوت الجزاء لمن ينتسب اليه الحلق كذلك في قوله من حلق أو قصّر قبل السعي فعليه كذا الى غير ذلك.

و امّا الوجه الثاني: فلا يمكن المساعدة عليه فان الخيار كما تقدم ملك فسخ العقد فلا يكون لذي الخيار سلطنة على ما انتقل عنه و كذا كون الخيار فرع سلطنته الى ما انتقل اليه، و انّما يرجع ما انتقل عنه الى ملكه بالسبب السابق على البيع على تقدير الفسخ، و لذا لا يكون قوله (ص) (الناس مسلطون على أموالهم)، نافيا للخيار في البيع و دعوى ان الخيار فرع الإقالة بمعنى ان الخيار يثبت في حق من شرع في حقه الإقالة، و ان الإقالة لا تثبت في حق الوكيل في مجرد إجراء صيغة البيع، بل يثبت في حق المكلف بالقبض و الإقباض و الوفاء بالبيع فلا يمكن المساعدة عليها أيضا فإن عدم ثبوت الإقالة في حق الوكيل في مجرد إجراء الصيغة بالوجه الأول أي دعوى الانصراف الجاري في خيار المجلس و غيره و مع قطع النظر عنه فيمكن

دعوى صحة الإقالة من الوكيل المزبور ايضا حيث ان الإقالة هو الاجتماع مع الطرف الآخر على فسخ البيع أو غيره كما لا يخفى.

و امّا وحدة السياق فلا شهادة فيها فان ذكر خيار الحيوان مع خيار المجلس في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 42

..........

______________________________

خطاب و العلم بعدم ثبوته خيار الحيوان للوكيل غايته ان لا يكون ذلك الخطاب ظاهرا في ثبوت خيار المجلس للوكيل، و هذا لا ينافي الأخذ بخطاب آخر لم يذكر فيه خيار الحيوان بل ذكر فيه خيار المجلس لعنوان عام يعم الوكيل ايضا، و أيضا بما انّ الحكمة في الحكم و منه حكمة الخيار غير العلة فلا يمكن الاستشهاد لعموم الحكم أو اختصاصه بعموم الحكمة و خصوصها و غاية ما يمكن ان يقال هو استظهار الحكمة من الروايات الواردة في خياري المجلس و الحيوان و انها بحسب المتفاهم العرفي هو التّأمل في صلاح البيع و فساده، و هذا شأن المالك دون الوكيل في مجرّد إجراء الصيغة البيع أو غيره.

و قد يستدلّ على عدم ثبوت الخيار للوكيل بوجه آخر و هو ان أدلة الخيارات تخصيص في عموم وجوب الوفاء بالعقد المستفاد من مثل قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و بما ان وجوب الوفاء في الآية متوجه الى المالكين لما تقدم من انّ المراد بالوفاء بالعقد ترتيب الآثار عليه حتى بعد فسخ أحدهما فيكون وجوبه وظيفة على المالكين و ينتزع منه الحكم الوضعي أي لزوم العقد فيكون أدلّة الخيار تخصيصا في التكليف بالوفاء بالعقد و يكون الخيار حكما للمالكين لا محالة.

و الجواب ان توجه وجوب الوفاء الى المالكين لا يلازم ثبوت الخيار لهما دون الوكيلين حيث ان وجوب الوفاء، إمّا إرشاد إلى لزوم

العقد باعتبار انّه ليس في البين ملاك الحكم التكليفي في الوفاء بعقد البيع و نحوه من المعاوضات فيكون ما دلّ على ثبوت الخيار موجبا لارتفاع ذلك الحكم الإرشادي مطلقا فيما إذا كان الخيار ثانيا للمالكين، و في فرض فسخ ذي الخيار فيما إذا كان الخيار ثابتا للوكيل أو الأجنبي، و امّا تكليف نفسي على ما يظهر من المصنف (ره) و غيره فيكون ثبوت الخيار موجبا لورود التخصيص عليه ايضا كما ذكر و على كل تقدير فتوجه الوجوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 43

و على المختار فهل يثبت للموكلين فيه إشكال (1).

______________________________

الإرشادي أو التكليفي بالوفاء بالمعاملة لا تكون قرينة على انصراف أدلة الخيار الى ثبوته لمن هو مكلف بالوفاء بالعقد فإنه إذا جاز اشتراط الخيار للأجنبي و الوكيل أمكن ثبوت الخيار التأسيسي لهما ايضا فلا بدّ في كونه حقّا للمالك أو غيره من الوكيل أو الأجنبي من ملاحظة أدلة الخيارات و سائر القرائن.

(1) قد ظهر مما ذكرنا ثبوت الخيار في الفرض للموكّلين لاستناد البيع إليهما و الى الوكيلين أيضا الّا أنّ ملاحظة مناسبة الموضوع و الحكم و لو بملاحظة حكمة الخيار الظاهرة من الروايات كون الخيار في الفرض حكما على من ينتسب اليه البيع بالتسبيب بالمعنى المتقدم و لكن ثبوت الخيار للموكلين مختص بصورة حضورهما مكان العقد من حين العقد لاستفادة ذلك من الافتراق الوارد غاية للخيار المزبور فان الافتراق فرع فرض الاجتماع الحاصل حال العقد فيكون العبرة بافتراق الموكلين و لا اعتبار بافتراق الوكيلين هذا.

و لكن قد ذكر بعض الأعاظم (دامت أيامه) ان الخيار كما لا يثبت في الفرض في حق الوكيل كذلك لا يثبت في حق الوكيل، و اما عدم

ثبوته في حق الوكيل لانصراف خطاب الخيار عن الوكيل المزبور فإن الوكالة في مجرد إجراء صيغة البيع أمرٌ نادر ينصرف خطاب الخيار عنه؛ و امّا عدم ثبوته في حق الموكل في الفرض بل في الفرضين الآيتين ايضا لعدم قيام مبدء البيع به و عدم صدوره عنه بل قيامه و صدوره عن الوكيل و دعوى ان الوكيل كالآلة و لسان الموكل كل ذلك غير صحيح لانّ الفاعل المختار لا يكون من آلة الفعل لينتسب الفعل الى من يستعمل الآلة. و الحاصل قيام المبدء بالوكيل و انتسابه إليه حقيقي و قيامه بالموكل و انتسابه إليه مجازي و الجمع بينهما بإرادة كل منهما يكون من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى و الاستعمال المزبور على تقدير إمكانه يحتاج إلى قرينة و استعمال البائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 44

و ان كان وكيلا في التّصرف المالي كأكثر الوكلاء (1).

______________________________

أو البيّع في الجامع بحيث يعمّها لعدم الجامع بين الربطين الذين كل منهما معنى حرفي غير موجود و على تقدير إمكان الجامع يحتاج هذا النحو من الاستعمال ايضا الى القرينة.

أقول: لو فرض شخصان أحدهما بني مسجدا بالمباشرة و صرف مؤنته من ماله و الآخر بنى مسجدا آخر لا بالمباشرة أو شخصان أحدهما حلق رأسه بالمباشرة في إحرام عمرته المفردة قبل سعيه و الآخر حلق رأسه كذلك بالتّسبيب فهل يعمّهما قوله عليه السلام: (من بنى مسجدا بنى اللّٰه بيتا له في الجنة)، و قوله (من حلق أو قصّر قبل سعيه فعليه كذا) أو يختصّ بالمباشر بالبناء أو الحلق فقط لا أظن الالتزام منه طال بقاه أو من غيره بالاختصاص، و ان قال بالعموم كما هو ظهورهما في

ذلك عرفا فيقال نظيره في المقام بالإضافة إلى قوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا)، و أنّه يعمّ الموكل في الفرض و الوكيل في الفرض الآتي بل الوكيل و الموكل في بعض الفروض على ما يأتي و كون هذا الاستعمال بنحو الحقيقة أو المجاز لا يهمّنا بعد التسالم على الظهور فإن العبرة به لا بكون الاستعمال بنحو الحقيقة أو المجاز كما لا يخفى.

(1) و حاصله ان الوكيل في التصرف المالي في مقابل الوكيل في إجراء صيغة البيع فيما كان مستقلا في التصرف في مال الموكّل نظير العامل في مال المضاربة بحيث يكون وكيلا في التصرف في المال المزبور بما يراه مصلحة من بيعه و إقالة ذلك البيع أو فسخه باشتراط الخيار لنفسه و شراء مال آخر ببدله و نحو ذلك فلا يبعد ثبوت خيار المجلس لهذا الوكيل بخلاف ما إذا كان وكيلا في التصرف الخاصّ في ذلك المال كبيعه أو شراء ثوب له و نحو ذلك فان هذا الوكيل لا يثبت في حقه خيار المجلس، و ليس الوجه في ثبوت الخيار في الفرض الأول دون الثّاني انصراف اخبار الباب عن الثاني دون الأول ليقال ان إطلاق البائع و البيّع على الوكيل في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 45

..........

______________________________

الفرضين لتعارفهما شائع بل الوجه ان الخيار سلطنة على اعادة ما انتقل عنه بعد تمكنه على ردّ ما انتقل اليه و يكون للوكيل هذه السلطنة في الفرض الأول دون الثاني لأن المفروض في الفرض الأول انه وكيل في التصرف في المال بما يراه من بيعه و اقالة ذلك البيع و فسخه بشرط الخيار و شراء شي ء آخر بثمنه أو غير ذلك بخلاف الفرض

الثاني فإنه ليس وكيلا إلّا في بيع المال و لا سلطان له على اعادة الثمن و ردّه على مالكه الأصلي بالإقالة أو غيرها لأنه تنتهي وكالته بتمام البيع.

أقول: قد تقدم ان الخيار هي السلطنة على فسخ العقد لا على اعادة المال المنتقل عنه بعد الفراغ عن السلطنة عن ردّ المال المنتقل اليه و ما ذكر المصنف (ره) في الاستشهاد لذلك من قوله ألا ترى انّه لا يجوز الأخذ بعموم البيعان بالخيار و الحكم بكون ما انتقل اليه ليس مما ينعتق عليه أو مما يجب صرفه في النفقة الواجبة عليه أو في الوفاء بالنذر لا يخفى ما فيه فان مسألة ثبوت الخيار في مورد كون المبيع ممن ينعتق عليه يأتي الكلام فيها و على تقدير القول بعدم ثبوت الخيار فيها يكون ذلك تخصيصا في دليل خيار المجلس و يؤخذ بالعموم المزبور في مورد الشك في كون المبيع منه فيحكم بثبوت الخيار بعد جريان الاستصحاب في عدم كونه ممن ينعتق عليه. و امّا في مورد الشك في كون المبيع ممّن يجب صرفه للمؤنة أو في الوفاء بالنذر يحكم بثبوت الخيار حتى مع العلم بوجوب صرفه فيهما لعدم التنافي بين الخيار و جواز الفسخ وضعا و ثبوت التكليف بالصرف في المؤنة أو الوفاء بالنذر و لو فسخ البيع فلا يكون مبغوضيته موجبا لبطلانه لعدم كون النهي عن معاملة، و منها الفسخ موجبا لفسادها.

و على تقدير كون المراد فرعيّة الخيار ملك الفسخ على جواز الإقالة فقد تقدم ان الخيار و الإقالة في مرتبة واحدة و ليس أحدهما فرعا للآخر و على ذلك فلا بأس بالالتزام بثبوت خيار المجلس للوكيل في الصورة الثانية أيضا كالأولى مع عدم جواز

إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 46

..........

______________________________

الإقالة منه لانتهاء وكالته بالبيع لان الفسخ بخيار المجلس حكم وضعي للبائع الصادق على الوكيل و لو مع انتهاء سلطنته على التصرف فيما انتقل الى موكله؛ أضف الى ذلك انّ الوكيل لا يقل عن نفس المالك فيما إذا باع المال و أخذ الثمن و تلف الثمن بيده قبل حصول الافتراق فان مع تلف الثمن لا يكون له سلطنة على ما انتقل اليه التالف مع بقاء خياره حتى يفترقا، كما لا يخفى، و امّا ثبوت الخيار للموكلين فثبوته في الصورة الأولى مشكل جدّا، من حيث ان المالك فيها و ان يكون صاحب المبيع أو الثمن الّا ان الخيار في الأدلة لم يترتب على مالكهما بل على المتبايعين، و لذا لا يصدق عنوان البائع أو المشتري الّا على الوليّ أو العامل في المضاربة و يصح سلبهما عن المولّى عليه أو مالك رأس المال مع كونهما مالكين، لأنّ البائع ما يصدر عنه البيع بالمباشرة أو بالاستنابة و شي ء من ذلك لم يتحقق بالإضافة إلى المالك في هذه الصورة، فلان مع تفويض أمر التصرف في المال الى الآخر بحيث كان له التصرف فيه بالبيع أو المصالحة أو الإجارة أو الهبة المعوضة و غير ذلك يكون البيع باختيار الوكيل فلا يستند الى المالك، بل لو استند لكان الاستناد ضعيفا، و لذا لا يصدق على مالك رأس المال في المضاربة أنّه تاجر يبيع و يشتري بقصد الربح.

لا يقال على ذلك يلزم ان لا يكون حنث لو حلف المالك على ترك بيع المال و باعه وكيله المزبور فإنه يقال الحنث تابع القصد فإن أراد عدم إخراج المال عن ملكه و لو ببيع وكيله حصل الحنث

و الّا فلا.

و امّا ثبوته للموكل في الصورة الثانية التي يعيّن فيها المالك على الوكيل خصوص البيع و الشراء لاستناد البيع اليه كاستناده إليه في صورة التوكيل في مجرد إجراء الصيغة فيثبت له الخيار مع اجتماعه مع الطرف الآخر في مجلس العقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 47

ثم على المختار من ثبوته للموكلين فهل العبرة (1).

______________________________

(1) و عن النائيني (قده) ثبوت الخيار للوكيل في صورة كونه مستقلا في التصرف في المال دون ما إذا كان وكيلا في مجرد إجراء الصيغة أو التصرف الخاص و ثبوته للوكيل في الأول لكونه هو البائع حقيقة، كما إذا كان الأمر عليه فيما كان المالك هو العاقد و عدم ثبوته للوكيل في مجرد إجراء الصيغة أو التصرف الخاص فلعدم تمكنه على الإقالة باعتبار انتهاء وكالته بالبيع فلا يثبت في حقّه الخيار. امّا الموكّل فيثبت له الخيار مع حضوره مجلس العقد الّا في صورة التوكيل المستقل فإنّه يثبت فيه الخيار للموكل و لو مع عدم حضوره مجلس العقد لان حضور الوكيل مجلس العقد و اجتماعه مع الطرف الآخر يحسب حضورا و اجتماعا للموكّل ايضا. و عن بعض تلامذته انه لا يثبت الخيار للوكيل في شي ء من الصور بل يثبت الخيار للمالك و يكون للوكيل الفسخ عنه فيما إذا كان وكيلا في جميع شؤون المعاملة كما في الوكيل المستقل، و لكن لا يعتبر في ثبوت الخيار للمالك حضور مجلس العقد بل العبرة في ثبوت الخيار اجتماع المباشر للعقد و افتراقه في جميع الصور.

أقول: إذا لم يكن المالك حاضرا مكان العقد فكيف يثبت في حقه الخيار خصوصا مع انتهاء وكالة الوكيل بإجراء صيغة البيع و تمام الشراء سواء كانا وكيلين

في مجرد إجراء الصيغة أو في البيع و الشراء فلا يكون بقائهما في مجلس العقد محسوبا لوجود الموكلين في ذلك المجلس ببدنهما التنزيلين بل يجري ذلك فيما إذا كان الوكيل مستقلا بحيث يكون له الوكالة في المال المنتقل الى موكله لأنّ الاجتماع و الافتراق من الوكيلين كالقيام و القعود منهما لا ينتسب الى موكلهما و ليست دعوى كون جلوسهما فيه جلوسا للموكل الّا كدعوى أن أكلهما فيه طعاما أكلا من موكلهما. و الحاصل ان ظاهر اخبار خيار المجلس فرض الاجتماع في مكان العقد في البيعان المحكوم لكل منهما بالخيار الى افتراقهما، و إذا لم يكن الموكل حاضرا مكان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 48

..........

______________________________

العقد حينه فلا يدخل في الموضوع للخيار بلا فرق بين الصور الثلاث المتقدمة.

و على تقدير حضوره و ثبوت الخيار له و لوكيله فهل الثابت لهما خيار واحد بنحو سبق إلى إعماله كل منهما بالإسقاط أو الفسخ نفذ أو بنحو لا ينفذ الّا مع اجتماعهما على الفسخ، و ان لكل منهما خيار مستقل الظاهر من الروايات ان الثابت لكل من البائع و المشتري في معاملة واحدة خيار واحد، و حيث ان ثبوته لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح لاشتراكهما في الدخول في الموضوع للخيار فيكون مشتركا بينهما، نظير ما يأتي من ثبوت خيار واحد للورثة فلا ينفذ الفسخ منهم الّا مع اجتماعهم عليه، و لو افترق واحد من الوكيل أو الموكل مجلس العقد سقط ذلك الخيار لحصول الافتراق بين البيعين الّذين كان لهما الخيار.

و القول بكفاية بقاء واحد من الوكيل أو الموكل مع واحد من الطرف الآخر بدعوى ان الخيار ثابت لعنوان البائع الصادق مع بقاء واحد من الوكيل

أو الموكل لا يمكن المساعدة عليه لانّ مدلول قوله عليه السلام (البيعان بالخيار حتى يفترقا ثبوت الخيار للأشخاص لا لعنوان البائع نظير ما ذكر بعض الفحول في الواجب الكفائي من توجه التكليف بالفعل إلى طبيعي المكلف لا إلى اشخاصه فانّ هذا خلاف ظاهر الروايات. اللّهم الّا ان يقال هذا لا ينافي لاستقلال كل منهما في استعمال الخيار بمعنى ان كل منها سبق الى استعماله نقد كما هو ظاهر اسناد جواز الأمر الواحد الى كل من الوكيل و الموكل.

لا يقال: لم لا يكون لكلّ من الوكيل أو موكله خيار مستقل كما هو مقتضى انحلال خطاب البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإنّه يقال الخطاب المزبور انحلالي بالإضافة إلى أفراد البيع المنشأة ابتداء، و لكن لا انحلال فيه بالإضافة الى كل من صدق عليه عنوان البائع أو المشتري في بيع واحد؛ و لذا لا يثبت لكل من الوارث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 49

تفويض الأمر إلى الوكيل بحيث يصير ذا حق خياريّ (1).

______________________________

خيار مستقل بالإضافة إلى حصّة و كذا لو اشترى حيوانين بصفقة واحدة و أراد فسخ البيع بالإضافة إلى أحدهما دون الآخر، فلا ينفذ ذلك لأنّ البيع المنشأ التام واحد؛ و ظاهر الأدلة ثبوت الخيار فيه لا في البيوع التي ينحل إليها ذلك البيع الواحد.

(1) ظاهر الأدلة ثبوت الخيار للبائع و المشتري و يستفاد مما دلّ على جواز إسقاط الخيار انه من الحقوق أي قابل للإسقاط؛ و امّا جواز نقله الى الغير فلم يدل عليه دليل كما انّه لم يقم دليل على ان كل حق يقبل النقل الى الغير ليؤخذ به في المقام و على ذلك فليس للموكل فيما ثبت له الخيار تفويضه

الى وكيله أو الأجنبي.

نعم حيث انّ للموكل الفسخ و الإمضاء و كل منهما من الأفعال القابلة للنيابة فيمكن ان يوكّل الغير في الفسخ أو الإمضاء، بحيث يكون فسخه أو إمضائه أعمالا لخيار الموكل و هذا ليس من التفويض فان معنى التّفويض نقل الخيار من نفسه الى الغير بحيث لا يكون للموكل خيار بعد النقل و التوكيل في الفسخ أو الإمضاء ليس من هذا القبيل بل للموكل بعده اعمال خياره بنفسه بالإمضاء أو الفسخ و يكون ذلك فسخا عمليا للوكالة.

لا يقال: بناء على إرث الخيار كما عليه المشهور يكون ذلك دليلا على جواز النقل أيضا فإنّه إذا لم يقبل النقل فكيف يورث أضف الى ذلك عموم قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فانّ تفويض الخيار الى الغير بالعوض أو مجانا عقد يجب الوفاء به فإنّه يقال عموم وجوب الوفاء بالعقود منصرف الى العقود المتعارفة بين الناس و لو في كلّ عصر لا خصوص العقود المتعارفة في زمان صدور الآية و تفويض الخيار الشرعي بمعنى نقله الى الغير مجانا أو بالعوض غير متعارف، و المتعارف هو التوكيل في الفسخ و الإمضاء كما تقدم.

و امّا إرث الخيار فهو على تقدير الالتزام به كما يأتي لا يقتضي جواز كل نقل، و لذا لا أظن الالتزام بجواز تفويض مثل حق القصاص الى الغير مجانا أو مع العوض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 50

و ممّا ذكرنا عدم ثبوت الخيار للفضوليين (1).

______________________________

لا بمعنى توكيل الغير في استيفائه مع انّ الحق المزبور موروث بلا شبهة؛ و على الجملة ثبوت النقل القهري لا يقتضي جواز النقل الاختياري.

(1) الأظهر عدم ثبوت خيار المجلس للفضوليين باعتبار ان البيع مع عدم اجازة المالكين و ان

يستند الى الفضوليين الّا انّ عدم ثبوت الخيار لهما باعتبار ان خيار المجلس كسائر الخيارات الشرعية التأسيسية حكم شرعي للبيع التّام المترتب عليه الانتقال الشرعي كما هو ظاهر الرّوايات، فمع اجازة المالكين يستند إليهما البيع و على تقدير اجتماعهما مجلس الإجازة يثبت لهما خيار المجلس و احتمال اعتبار مجلس العقد لا مجال له الّا بناء على الكشف الحقيقي حيث ان الإجازة بناء عليه تكشف عن تمام البيع و ترتب الحكم عليه من حين صدوره و لكن المبنى المزبور كما تقدم في محله ضعيف. و الحاصل ان المعتبر الاجتماع مجلس الإجازة سواء قلنا بالنقل أو بالكشف الحكمي.

و مما ذكرنا يظهر ان ثبوت خيار المجلس في بيع الصرف و السلم بعد حصول التقابض و القبض، و ليس في ذلك محذور أصلا، و احتمال ان يكون اجازة المالكين إسقاطا لخيار المجلس كما عن المصنف (ره) لا يمكن المساعدة عليه فان الخيار حكم شرعي يترتب على العقد بعد الإجازة إلّا مع اشتراط سقوطه و اجازة العقد بمجرّدها لا ظهور لها في اشتراط السقوط و لا فرق في عدم ثبوت الخيار للفضوليين بين كونهما غاصبين أم لا، و حيث انه ليس لهما خيار المجلس، فلو تفاسخا قبل الإجازة لغي الفسخ و يبقى البيع بحاله. نعم لو ألغى أحد الغاصبين إيجابه قبل قبول الآخر لا يكون ذلك البيع قابلا للإجازة لاختلال صورة العقد بالإلغاء المزبور بناء على ما تقدم عن المصنف (ره) من انّ الرد المزبور تسقط الموالاة المعتبرة بين إيجاب العقد و قبوله على كلام تقدم في محلّه و الموالاة بين العقد و أجازته غير معتبرة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 51

و يكفي (ح) الإنشاء أصالة من

أحدهما و الإجازة من الآخر (1) لو كان العاقد واحدا (2).

______________________________

(1) يعني يكفي في ثبوت خيار المجلس فيما إذا كان أحد المتعاقدين أصيلا و الآخر فضوليا فرض مكان قد جمع ذلك المكان الأصيل و المجيز بان حصول الإنشاء من الأصيل و الإجازة من المجيز في ذلك المكان.

(2) و حاصله: انه لو كان العاقد في البيع واحدا كما إذا باع ماله من غيره فيما كان وكيلا أو وليا على ذلك الغير في الشراء له أو باع مال الغير من نفسه فيما كان وليا على ذلك الغير أو وكيلا عنه في البيع و يثبت له خيار البائع و المشتري لأنّ مقتضى قوله عليه السلام (البيعان بالخيار) ثبوت الخيار لكل من صدق عليه عنوان البائع و من صدق عليه المشتري؛ و المفروض ان العاقد المزبور يصدق عليه كل من العنوانين و بتعبير آخر صيغة التثنية هنا لا باعتبار تعدد الوجود من طبيعة كما في مثل الرجلين و المرأتين و نظائرهما، بل باعتبار الطّبيعتين و تعدد العنوانين أي البائع و المشتري نظير قوله (القتيلان في النار)، حيث يعمّ ما إذا كان شخص قاتلا و مقتولا في واقعة.

و دعوى ظهور التّثنية في المقام فيما إذا كان كل من عنوان البائع و المشتري منطبقا على من انفرد بالإنشاء فلا يتحقق الخيار فيما إذا لم يكن في البين انفراد بإنشاء البيع و الشراء، كما إذا كان العاقد واحدا لا يمكن المساعدة عليها، فإنه لا وجه للدعوى المزبورة بعد ظهور الخطاب في كون الخيار حكما لمن ينطبق عليه عنوان البائع أو المشتري و يكفي في الجزم ببطلانها ملاحظة سائر الأحكام الثّابتة لعنوان البائع أو المشتري كثبوت خيار الحيوان فإنه لا ينبغي الشبهة في

ثبوته للولي فيما إذا باع الحيوان المملوك له من المولى عليه.

نعم المذكور في الرّوايات غاية لخيار المجلس افتراق المتبايعين و الافتراق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 52

و فيها ايضا لو اشترى جمدا (1).

______________________________

لا يتحقق الّا مع تعددهما فيكون ذكر الغاية قرينة على اختصاص خيار المجلس بصورة تعدد البائع و المشتري خارجا؛ و قد يقال في الجواب عن ذلك بان (حتى) من أداة الغاية و تدخل على الممكن و الممتنع كقوله سبحانه (حَتّٰى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيٰاطِ) فيكون مقتضى دخول حتى في الروايات على الافتراق ثبوت خيار المجلس أمكن الافتراق أم لا، و لكن لا يخفى ان دخوله في بعض الموارد على الممتنع لا ينافي ظهور مدخولة فيما إذا كان قيدا للحكم في فرض الاجتماع لموضوع ذلك الحكم فلا يكون للخيار موضوع فيما لم يكن اجتماع لبيعين سواء كان عدم الاجتماع بالافتراق حال العقد كعدم حضور الموكل مجلس العقد أو بعدم تعددهما في مفروض الكلام.

و ذكر المصنف (ره) في الجواب عن ذلك بأنّ الافتراق المزبور و ان كان ظاهرا في فرض الاجتماع المختص بصورة تعدد العاقد الّا انّ جعله غاية مبني على الغالب من تعدد العاقد و كون البائع غير المشتري خارجا، فلا يوجب ذلك اختصاص خيار المجلس بصورة التعدد.

أقول: لا يخفى بان الحمل في قيد على الغالبي ينفع فيما إذا كان في البين خطاب يثبت الخيار للبائع و المشتري من غير ذكر الغاية فيه ليمكن الأخذ بالإطلاق و لا يرفع اليد عنه بالقيد الغالبي و لكن ليس في المقام مثل ذلك الخطاب المطلق.

(1) و هل يثبت خيار المجلس فيما إذا لم يكن العين قابلا للبقاء بعد العقد لحصول التلف كلا

أو بعضا قبل الافتراق كالجمد في الصيف. ذكر في التذكرة ان في ثبوت الخيار اشكال؛ و وجهه على ما ذكر المصنف (ره) اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد و الجمد في الفرض لا يكون كذلك. و في جامع المقاصد انّ خيار المجلس لا يسقط بالتلف فكيف يكون عدم قابلية الجمد موجبا لانتفاء الخيار؛

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 53

[لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود سوى البيع]

لا يثبت خيار المجلس في شي ء من العقود (1).

______________________________

و أجاب المصنف (ره) بأنّ التلف لا يكون مسقطا فيما إذا ثبت خيار المجلس قبله بالعقد؛ و في المقام أصل ثبوت الخيار بالعقد غير معلوم.

أقول: إطلاق أدلّة الخيار فيما إذا لم يكن سقوطه شرطا في البيع و لو بنحو الشرط الارتكازي عدم الفرق بين المقام و سائر المقامات.

و هل يثبت فيما إذا كان المبيع دينا لبائعه على المشتري فقد يقال بعدم الثبوت باعتبار ان الدين ببيعه من المديون يسقط و اشتغال الذّمة بإعادة الدين إليها غير معهود. و عن السيد اليزدي (ره) انه يمكن القول بثبوت خيار المجلس مع كون سقوط الدين عن العهدة من قبيل تلف المبيع و بفسخ ذي الخيار يرجع الى بدله.

أقول: و يظهر الثمرة فيما إذا كان الدين من القيميات كما إذا باع حيوانا موصوفا بنحو السلم، ثم باع المشتري الحيوان المزبور من بائعه فإن قيل بثبوت خيار المجلس في البيع الثّاني و كون سقوط الدّين عن العهدة من التلف فيرجع بعد الفسخ إلى قيمة ذلك الحيوان على ما هو المستفاد من العرف و الأدلّة ان الحيوان و غيره من القيميات يضمن بالقيمة، و ان لم نقل بأنّ سقوط الدين عن العهدة من التلف، و ان عود العهدة مع قيام الدليل

عليه ممكن، كما هو الصّحيح فيلتزم بالعود في المقام كما هو مقتضى الخيار الثابت بإطلاق مثل قوله عليه السلام (البيعان بالخيار (إلخ)).

(1) قد ذكر (قده) اختصاص خيار المجلس بالبيع فلا يثبت في سائر العقود اللازمة سواء كانت مالية كالإجارة أم غيرها كالنكاح فان هذا الخيار تأسيس من الشرع و ما ورد فيه لا يعمّ غير البيع، و قد نقل الإجماع على اختصاصه بالبيع في كلمات الأصحاب كالشيخ في الخلاف فإنّه ذكر الإجماع على عدم دخوله في الوكالة و الوديعة و العارية و المضاربة و الحوالة. و في غير موضع من المبسوط صرّح باختصاص خيار المجلس بالبيع، و لكن مع ذلك ذكر أيضا في المبسوط لا مانع من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 54

..........

______________________________

ثبوت خيار المجلس و الشرط في الوكالة و الوديعة و العارية و المضاربة و الجعالة.

و قد حمل في الدروس هذا الكلام على انّه لا يجوز التصرف في العقود المزبور الّا بعد انقضاء المجلس و الشرط، و حيث ان تصرف المالك في ماله لا يصحّ ان يتوقف على مضي زمان ذكر المصنف (ره) ان مراد الشهيد عدم جواز تصرف الطرف الآخر أي غير المالك الّا بعد ذلك الزمان المزبور لأنّ ثمرة هذه العقود تصرف غير المالك في المال و هذا كالتزامه (قده) في البيع بأنه لا يجوز للمشتري التصرف في المبيع و البائع في الثمن الّا بعد مضي زمان الخيار و لم يقبل المصنف (ره) هذا الحمل لتصريح الشيخ (قده) في غير موضع من المبسوط باختصاص خيار المجلس بالبيع فكيف يلتزم مع ذلك بجريانه و جريان خيار الشرط في تلك العقود الجائزة.

و قال الأولى حمل كلامه على ما ذا كانت

تلك العقود الجائزة منشأه في ضمن البيع بنحو شرط النتيجة فإنها مع الشرط كذلك تكون خيارية بخياريّة البيع و لازمة بلزوم البيع. و ذكر في السرائر دخول خيار المجلس و الشرط في العقود و علّل دخولهما فيها بحصول المقصود من الخيارين و هو جواز فسخها. و احتمل المصنف (ره) أن يكون مراد الشيخ (قده) ايضا من دخولهما ثبوت نتيجتهما في تلك العقود بجواز فسخها.

لا يقال كيف يكون مثل الوكالة شرطا في ضمن العقود اللّازمة فتكون لازمة بلزومها مع ان العقود الإذنية تكون قوامها بالأذن، و إذا رجع الموكل عن إذنه للغير في الفعل فلا يبقى الإذن المقوم لها و لو مع اشتراطها في ضمن العقد اللازم.

فإنّه يقال حدوث تلك العقود يكون بالإذن بنحو خاص و ينتزع منه أمر يعبر عنه بالاسم المصدري فيكون المعنى الاسم المصدري باقيا مع عدم قيام الدليل على جواز العقد بالرجوع في الإذن و نحوه؛ و يكشف عن ذلك ما ورد في ثبوت الوكالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 55

[مبدء هذا الخيار من حين العقد]

مبدء هذا الخيار من حين العقد (1).

______________________________

و عدم بطلانها بعزل الموكل فيما إذا لم يوصل عزله الى الوكيل، و إذا أمكن ثبوت الوكالة مع رجوع الموكل عن إذنه السابق فيؤخذ به فيما إذا كانت شرطا في ضمن العقد اللّازم بنحو الشرط النتيجة، حيث ان مقتضى لزوم البيع مثلا نفوذ تلك الوكالة و عدم انفساخها و لو برجوع الموكل و إظهاره عدم مأذونية الطرف في مورد الوكالة كما لا يخفى.

(1) تعرض (قده) لمبدء خيار المجلس و انه من حين تحقق العقد أو من حين ترتب الأثر أي انتقال المالين، و حيث ان الانتقال الشرعي يتوقف في بيع السلم

و الصرف على القبض و التقابض يقع الكلام في انّ الخيار فيهما من حين تحقق العقد أو من حين القبض أو التقابض. و حاصل ما ذكر انّه ان قلنا بوجوب القبض أو التقابض يثبت فيهما الخيار كسائر البيوع من حين تحقق العقد و يكون فائدة الخيار فيها فسخ العقد و إلغائه لئلّا يحصل بترك القبض أو التقابض عصيان و لو لم نقل بوجوب القبض و الإقباض، ففي ثبوت الفائدة للخيار قبلهما تأمّل الّا ان يدّعى ان فائدته إخراج العقد عن قابلية الصحة بلحوق القبض و الإقباض.

و الوجه في وجوب القبض أو التقابض بتحقق العقد أحد الأمرين: امّا ثبوت الربا كما إذا كان العوضان في الصرف من جنس واحد فإنّه على تقدير تحقق القبض من أحدهما دون الآخر يلزم أن يكون في أحد العوضين زيادة حكمية لأنّ للأجل قسطا من الثمن. و أمّا ان مقتضى قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب العمل على مقتضى العقد و الوفاء به قبل القبض أو الإقباض يتحقق بالقبض و الإقباض؛ و نقل في المقام كلام العلامة في التذكرة، حيث يظهر منه ثبوت خيار المجلس في الصرف من حين تحقق العقد حيث ذكر انّه إذا حصل التقابض في بيع الصرف، و أجاز المتبايعين البيع أي أسقطا خيارهما لزم العقد؛ و كذا إذا أجازا العقد قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 56

..........

______________________________

التقابض فإنه يلزم معها التقابض و لو تركا التقابض بعد ذلك الى افتراقهما بطل البيع لعدم حصول الشرط، و لكن لو كان تفرقهما بدون التقابض برضاهما فلا عصيان، لانّ رضاهما اقالة للبيع، و ان كان تفرقهما بمفارقة الواحد منهما عصى ذلك المنفرد.

و كذا كلام الدروس حيث صرح بثبوت

خيار المجلس في الصرف تقابضا أم لا فإن أسقطا خيارهما وجب التقابض فلو هرب أحدهما بعد الاسقاط عصى، و لكن ينفسخ البيع و لو هرب أحدهما قبل إسقاط خياره فلا عصيان و يحتمل قويا عدم العصيان مطلقا لعدم لزوم العقد ما دام لم يحصل التقابض كما عن الشيخ (قده) في المبسوط حيث صرح بعدم وجوب التقابض في الصرف و لم يقيّده بصورة التزامهما به بإسقاط خيارهما.

أقول: ان أراد العلامة (ره) استفادة اشتراط القبض و التقابض في السلم و الصرف من دليل حرمة الرّبا و بطلان المعاوضة الربويّة فلا يمكن المساعدة عليه أولا، فإن الدّليل المزبور لا يجري في بيع السلم مطلقا، و في بيع الصرف فيما إذا كان العوضان من غير جنس واحد كبيع الدراهم بالدنانير؛ و ثانيا حرمة الربا و بطلان المعاوضة الربوية تكون مع اشتراط التّأخير في ناحية أحد العوضين المتجانسين المتساويين وزنا لا بمجرد تأخيرا أحد العوضين بعد انقضاء مجلس العقد مع عدم ثبوت حقّ التّأخير و على ذلك فإثبات اشتراط وجوب التقابض في المجلس بلزوم الربا غير ممكن.

و ان أراد إثبات وجوب التقابض تكليفا، فمن الظاهر انّ مع عدم وجوبه لا يلزم الربا حيث بدون حصول التقابض لا نقل لتكون المعاوضة ربوية و مع التقابض يصحّ و لا موضوع للرّبا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 57

..........

______________________________

و امّا قضية وجوب التقابض أخذا بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فهو ايضا غير ممكن لما تقدم من انّ وجوب الوفاء بالعقود بالإضافة إلى المعاوضات المالية و منها البيع حكم إرشادي إلى التخلص من محذور التصرف في مال الغير من غير رضا صاحبه أو عدم انحلاله بعد حدوثه، و إذا قام الدليل على عدم حصول

النقل في بيع السلم و الصرف قبل القبض و الإقباض فينتفي ذلك الحكم الإرشادي لأن المال قبل القبض ليس من مال الغير و لم تتم المعاملة ليحكم بلزومها و عدم انحلالها؛ و ايضا ما دلّ على اشتراط السلم أو الصرف بالقبض و التقابض، كما يكون مقيدا لقوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و انّ إمضاء البيع في الصرف و السلم بعد القبض و التقابض كذلك يكون حاكما لقوله (البيعان بالخيار حتى يفترقا)، لانّ ظاهر الخطاب ثبوت الخيار للبائع و المشتري في البيع الممضى شرعا. و ظاهر دليل الاشتراط عدم إمضاء البيع قبل القبض و التقابض. و هذا هو المراد من حكومته على قوله (البيعان بالخيار ما لم يفترقا).

و لكن عن بعض الأجلّة (دامت أيّامه) ان الموضوع لخيار المجلس في الروايات البائع و المشتري و مقتضى ذلك ثبوت الخيار لكل منهما من حين تلبسه بالمبدء و على تقدير تحقق البيع من البائع بتمام الإيجاب يثبت الخيار له من ذلك الحين و على تقدير القول بان تلبس كل منهما يكون بتمام القبول يثبت لكل منهما الخيار من ذلك الحين فان قوله عليه (البيعان بالخيار الى ان يفترقا) بمنزلة القول بان لكل من البائع و المشتري خيارا من حين التلبس بالمبدء الى حصول الافتراق من غير فرق في ذلك بين بيع الصرف و السلم و غيرهما؛ لانّ ثبوت الخيار في بيع قبل حصول النقل الشرعي أمر ممكن. و انّما لا يمكن ثبوت الخيار في بيع لا يلحقه الصحة لا في بيع يمكن عروضها له، ثم على تقدير القول بعدم ثبوت الخيار في بيع الصرف و السلم قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 58

[مسقطات خيار المجلس]
[الأول لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن العقد.]
اشارة

لا خلاف

ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه (1)

______________________________

القبض فيشكل إثبات حدوثه لكل من البائع و المشتري بعد القبض لان الدليل قد دلّ على ثبوت الخيار لكل من البائع و المشتري من حين التلبس بالمبدء و بقائه إلى حصول الافتراق، و إذا خرج بيع الصرف و السلم عن الحكم بعدم حدوث الخيار بالتلبس فيشكل إثبات حدوثه لكل منهما بالقبض الى حين الافتراق.

و لكن الاشكال يمكن دفعه بان المقام من صغريات ما إذا خرج فرد عن العام أو المطلق في زمان ثم بعد ذلك الزمان يتمسك بالعام أو المطلق لإثبات حكمهما للفرد المزبور، فان ما دلّ على اشتراط القبض أو التقابض في السلم أو الصرف تخصيص أو تقييد في الحكم المستفاد من قوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) و لو يكون هذا التخصيص أو التقييد بلسان الحكومة أي بنفي البيع قبل القبض لانّ القبض ليس شرطا عرفيا فيهما ليكون خروج بيع الصرف أو السلم قبل القبض لا بنحو التخصيص أو التقييد انتهى.

أقول: قد تقدم ان الموضوع لخيار المجلس أو غيره من الخيارات الشرعيّة ليس مجرد البيع العرفي بل البيع الممضى لظهور أدلتها عرفا في ان الخيار حكم للبيع الممضى نظير ما دلّ على مشروعيّة الإقالة في كل بيع؛ و لسنا ندّعي ظهور البيع في الممضى في كل خطاب حتى في مثل قوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) بل المدعى في المقام الظهور الناشئ عن مناسبة الحكم و الموضوع و على ذلك فما دلّ على اعتبار القبض في السلم أو التقابض في الصرف يوجب دخول البيع فيهما في خطاب الخيار من حين القبض و التقابض من غير ان يكون تخصيص أو تقييد في البين.

(1) مسقطات خيار المجلس

اشتراط سقوطه في البيع و إسقاطه بعد البيع و التفرق و التصرف و الكلام في المقام في سقوطه بالاشتراط في البيع و كأنّ سقوطه بالاشتراط في البيع متسالم عليه بينهم و يقتضيه قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم)

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 59

..........

______________________________

حيث انّ الشرط يعمّ سقوط خيار المجلس و قد يقال ان العموم المزبور معارض بقوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) حيث انّ مقتضاه ثبوت الخيار لكل من البائع و المشتري اشترطا سقوطه في البيع أم لا؛ و لكن يقدم خطاب لزوم الوفاء بالشرط باعتبار المرجح و هو التسالم على سقوط الخيار بالشرط، و أورد عليه المصنف (ره) بأنّ تقديم خطاب لزوم الوفاء بالشرط بالترجيح في مقام المعارضة غير صحيح لفقد المرجّح و التسالم المزبور مدركي حيث يظهر ان وجه التسالم الأخذ بخطاب لزوم الوفاء بالشرط، و إذا فرض معارضته يلزم الإغماض عن التسالم المزبور كما في سائر الإجماعات المدركيّة.

و ايضا قد يقال ان لزوم البيع بشرط سقوط الخيار مقتضى لزوم الوفاء بالعقد المستفاد من قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بملاحظة انّ شرط سقوط الخيار يحسب من العقد الذي يجب الوفاء به، و فيه ان قوله عليه السلام (البيعان بالخيار حتى يفترقا) أخصّ مطلق بالإضافة إلى العموم المزبور فيرفع اليد عن ذلك العموم بل الوجه في عدم الخيار مع اشتراط سقوطه في البيع ان خطاب الخيار متضمن لبيان الحكم أي الخيار للبيع بعنوانه الأولي و خطاب وجوب الوفاء بالشرط حكم للبيع بعنوان ثان فيجري فيهما ما يجري في سائر الخطابات الدّالة على ثبوت حكم ترخيصي لفعل بعنوانه الأوليّ و خطاب آخر دال على حكم آخر له بعنوانه الثانوي في انّ

المتفاهم العرفي مع ملاحظة الخطابين هو ان الحكم الأول ثابت للفعل لولا العنوان الثانوي، فلاحظ ما ورد في استحباب غسل الجمعة أو الوضوء بعد الحدث مع ما دلّ على وجوب الوفاء بالنذر أو العهد و ان الجمع العرفي فيهما إذا تعلّق النذر بالغسل أو الوضوء هو ان الغسل أو الوضوء يجب مع النذر.

و يكشف عن هذا الجمع أي تقديم خطاب الوفاء بالشرط على خطاب حكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 60

..........

______________________________

البيع أو غيره صحيحة مالك بن عطية عن سليمان ابن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن رجل كان له أب مملوك و كانت لأبيه امرأة مكاتبة قد أدّت بعض ما عليها فقال لها ابن العبد هل لك ان أعينك في مكاتبتك حتى تؤدّي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار على أبي إذا ملكت نفسك قالت نعم فأعطاها في مكاتبتها على ان لا يكون لها الخيار قال (لا يكون لها الخيار المسلمون عند شروطهم)، و حيث انّ الشرط الابتدائي غير نافذ فاللازم حمل اشتراط سقوط الخيار في ضمن عقد أو حملها على المصالحة في السقوط.

و الحاصل ما دلّ على خيار زوجة العبد بعد صيرورتها حرّة في فسخ نكاحها نظير ما دلّ على ثبوت خيار المجلس للبائع و المشتري في انّ مقتضى الجمع بينهما و بين ما دلّ على نفوذ الشرط حمل ثبوت الخيار على الحكم الاقتضائي بمعنى ثبوته لولا شرط سقوطه في ضمن عقد لازم.

أقول: يأتي عن المصنف (ره) إبطال هذا الوجه فان الخيار الثابت لو كان من قبيل الحكم للبيع بعنوانه الأولى لكان شرط عدم ذلك الحكم بل ثبوت خلافه محكوما بالبطلان لأنه يعتبر في

صحّة الشرط في المعاملة أن لا يكون على خلاف الحكم المستفاد من الكتاب أو السّنة، كما إذا تزوّج المرأة على ان لا يكون لزوجها اختيار طلاقها فإنه يحكم ببطلان الشرط المزبور لكون المشروط خلاف السنة الدّالة على ان الطلاق بيد الزوج و كذا إذا باع المال بشرط أن لا يكون للمشتري اختيار الرجوع في هبته السابقة فإن شرط عدم الاختيار في الرجوع خلاف السنة الدّالة على انّ للواهب الرّجوع في الهبة ما دامت العين باقية.

و الحاصل لا يكون تقديم خطاب لزوم الشرط على قوله (البيعان بالخيار حتى يفترقا) لمجرد ان الخيار حكم للبيع بعنوانه الاوّلي، و سقوط الخيار حكم له بعنوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 61

نعم قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه (1).

______________________________

الشرط فيه، بل الصحيح في الجواب ما يأتي من انّ الخيار من الحقوق لا من قبيل الحكم و مقتضى كونه حقا سقوطه بكل مسقط من فعل أو قول، فيكون شرط سقوطه في البيع مسقطا أخذا بقوله عليه السلام (المؤمنون عند شروطهم) و لا ينافيه قوله عليه السلام (البيعان بالخيار) فان مقتضى كون الخيار حقا ثبوته في البيع لولا إسقاطه و لو من حين ثبوته كما لا يخفى.

و مما ذكرنا أنّه لا موجب لحمل صحيحة سليمان بن خالد على اشتراط سقوط خيار الأمة في ضمن عقد لازم فإن الهبة إذا كانت مشروطة بشرط من قبيل النتيجة كما إذا وهب المال بشرط أن يكون وكيلا في بيع داره فبمجرّد قبول الهبة يصير لازمة لحصول التعويض، أي الوكالة في بيع الدار فلا يجوز للواهب الرجوع في هبته كما لا يجوز للمتهب الرجوع في شرط الوكالة أخذا بقوله عليه

السلام (المؤمنون عن شروطهم)، و من هذا القبيل هبة المال للجارية بشرط أن لا يكون لها خيار في فسخ نكاح الأب فتدبّر جيّدا.

(1) قد أورد على اشتراط سقوط الخيار في البيع بأمور عمدتها ما أشرنا إليه من كون هذا الشرط مخالفا للسنة الدالة على ثبوت الخيار لكل من البائع و المشتري قبل الافتراق و أجبنا عن ذلك بأنّه انّما يتحقق المخالفة للسنة لو كان الخيار قبل الافتراق من قبيل الحكم ليكون نظير شرط عدم جواز الطلاق للزوج في عقد النكاح؛ و امّا إذا كان من قبيل الحقوق أي القابلة للإسقاط فلا يكون في شرط سقوطه مخالفة لها.

و امّا الأمور الثلاثة التي ذكرها المصنف (ره) من لزوم الدور من شرط سقوط الخيار أو كون شرط سقوطه مخالفا لمقتضى العقد أو كون شرط سقوطه في البيع إسقاطا لما لا يجب فلا مورد لشي ء منها. امّا لزوم الدور فقد يقال في تقريبه من توقف نفوذ الشرط و لزومه على لزوم العقد فان الشّرط في ضمن عقد جائز لا يزيد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 62

..........

______________________________

على أصل العقد في الجواز و إذا فرض توقف لزوم العقد ايضا على لزوم الشرط كما في فرض شرط سقوط الخيار لزم الدور. و الجواب ان الشرط ينفذ فيما إذا كان العقد محكوما باللّزوم و لو بواسطة ذلك الشرط و لا يتوقف على لزومه مع قطع النظر عن الشرط فان الموجب لاشتراط لزوم العقد عدم إمكان لزوم الشرط مع عدم لزوم العقد و بقائه على جوازه و إذا فرض خروج العقد عن الجواز بالاشتراط المزبور صحّ الشرط و لزم بلزوم العقد، أضف الى ذلك ما يأتي من عدم توقف لزوم

الشرط على لزوم العقد و صحة الشرط في العقود الجائزة.

و امّا كون شرط سقوط الخيار منافيا لمقتضى البيع فيأتي انّ المراد من كون الشرط منافيا لمقتضى العقد عدم إمكان اجتماع ذلك الشرط مع تحقق العقد كما في قوله بعتك المال على ان لا يكون المبيع ملكا لك و نحو ذلك. و امّا الشرط الذي يمكن اجتماعه مع تحقق العقد بمدلوله فلا بأس به فيما إذا لم يخالف الكتاب و السنة. و الوجه في عدم البأس ان ما يقتضي العقد لا بشرط لا يكون منافيا لمقتضاه بشرط بمعنى انّ ما يترتب على العقد إذا كان من قبيل الحقوق يكون العقد موضوعا لثبوته بشرط عدم اشتراط سقوطه بان يكون العقد مطلقا، كما لا يخفى.

و امّا الثالث: و هو ان إسقاط الخيار بشرط سقوطه في العقد كإسقاطه قبل العقد إسقاط لما لا يجب، فالجواب انّ إسقاط الشي ء فيما كان أمرا اعتباريا قبل تحقق موضوعه لا بأس به، لانّ موضوعه مقيد بعدم الاسقاط، كما هو مقتضى كونه حقا؛ و قد استفيد من صحيحة سليمان بن خالد جواز إسقاط الخيار في فسخ النكاح قبل تحقق موضوعه و هو صيرورة الأمة المزوجة حرّة.

و الحاصل مقتضى كون الخيار حقا تقيد موضوعه بعدم إسقاط ذلك الخيار.

نعم الإسقاط قبل تحقق موضوعه كما هو ظاهر صحيحة سليمان بن خالد يحتاج الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 63

ثم انّ هذا الشرط يتصوّر على وجوه (1).

______________________________

دليل و مع عدمه فالبطلان لعدم الدليل لا لعدم الإمكان، و امّا إسقاطه بشرط في البيع كإسقاطه فيما بعد فجوازه مقتضى كون الخيار حقّا و موضوعه البيع فيعمّه (المسلمون عند شروطهم) لتمام البيع و الشرط معا كما لا

يخفى.

(1) ذكر (قده) في هذا الاشتراط بأنّه على وجوه: الأوّل- ان يشترط عدم الخيار في البيع بان يكون شرط عدمه بنحو شرط النتيجة مسقطا على ما تقدم من انّ عدم الخيار يحصل بكل مسقط و شرط عدمه ايضا من مسقطاته كما هو مقتضى قوله (صلى اللّٰه عليه و آله) (المسلمون عند شروطهم) و انّ ذلك لا ينافي السنّة الدّالة على (انّ البيعان بالخيار حتى يفترقا) لأن كون الخيار حقّا قرينة على انّ الموضوع له البيّعان مع عدم شرط السقوط.

الثاني: يشترط ترك الفسخ و لا شبهة في جواز هذا الشّرط و كونه من شرط الفعل و لو خالف المشروط عليه فهل ينفذ فسخه و ان فعل محرّما بمخالفته الشرط أو لا ينفذ فسخه ايضا اختار (قده) عدم نفوذه لأنّ شرط ترك الفسخ يوجب أن يكون تركه حقّا للمشروط له، و لذا يجبر عليه المشروط عليه و لو كان في تركه مجرد التكليف لما يجبر عليه إلّا بنحو الأمر بالمعروف من كل أحد، و على ذلك فلا يكون المشروط عليه مستقلا في اختياره الفسخ بان يكون سلطانا على الفعل و الترك لينفذ فسخه نظير ما ذا نذر التصدق بمال ثم باع ذلك المال فإنه قد ذكر غير واحد من الأصحاب بطلان البيع المزبور.

أقول: اشتراط ترك الفسخ لا يوجب حقّا للمشروط له الّا في الترك بان يطالبه من المشروط عليه و يجبره عليه و امّا لفسخ فلا حق له فيه بل الفسخ مجرد تفويت لحق المشروط عليه فيكون محرما و لكن النهي عن معاملة و منها الفسخ لا يوجب فسادها. و بتعبير آخر اشتراط ترك الفسخ على ذي الخيار لا ينافي بقاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 64

..........

______________________________

الخيار لأنّ الخيار التمكن على الفسخ الممضى شرعا و إذا لم يكن بينهما تناف فاللّازم نفوذ الفسخ و لو مع كونه محرما، بل لو لم يكن فسخه نافذا فلا يتصوّر انّ يطالبه المشروط له بترك الفسخ و كيف يعقل إجباره عليه.

و ذكر (ره) في ذيل كلامه وجها آخر لبطلان الفسخ و هو ان وجوب الوفاء بالشرط نظير وجوب الوفاء بالعقد أمر بترتيب الآثار على الشرط و ان كان الشرط عدم الفسخ فاللازم ترتيب آثاره حتى بعد إنشاء المشروط عليه الفسخ و لو جاز للمشتري الإمساك بالمبيع مثلا و لو بعد فسخ البائع المشروط عليه فينتزع منه بطلان الفسخ و لكن لا يخفى ما فيه فان الشرط بمعنى المشروط إذا كان فعلا أو تركا فالوفاء به كالوفاء بالنذر عبارة عن الإتيان بذلك المشروط أي الفعل أو الترك لا ترتيب الآثار و المفروض في المقام كون الشّرط ترك الفسخ لا عدم الانفساخ و بقاء العقد.

و ذكر النائيني (ره) انّ النّهي عن الفسخ في المقام يوجب فساده فإن النهي عن معاملة بمعناها المسبّبي موجب لفسادها بخلاف النّهي عنها بمعناها السببي أو التّسبّبي، و ذلك لأنّ مع مبغوضيّة المسبب بأيّ سبب حصل كما في حصول ملكيّة السّلاح لأعداء الدّين في قتالهم المسلمين كان حصوله بالبيع أو غيره لا يمكن إمضاء ذلك المسبّب بخلاف ما إذا كان النهي عن المعاملة باعتبار مبغوضيّة السّبب أو التسبّب فإنّها لا تنافي إمضاء المسبّب، و في المقام مبغوضيّة الفسخ باعتبار المسبب حيث أنّها في رجوع ما انتقل عن ملكه الى ملكه ثانيا.

و فيه: انّ النهي و المبغوضيّة في المقام في المعاملة بمعناها التسبّبي لا المسبّبي فانّ عود الملك الى مالكه الأصلي

بغير الفسخ أمر جائز تكليفا و وضعا، كما إذا اشترى البائع المبيع من المشتري ثانيا. و الحاصل لا أرى وجها صحيحا لبطلان الفسخ و عدم نفوذه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 65

..........

______________________________

نعم قد يقال كما عن المحقق الايرواني (قده) بأنّ بيع المال بشرط أن لا يفسخ في المجلس بناء على نفوذ الفسخ لا يخلو عن الإشكال فإنّ الشرط انّما يلزم الوفاء به إذا كان العقد و لو بالشرط المزبور لازما و المفروض انّ البيع المزبور لا يكون لازما حتّى بالشرط المزبور حيث ان الفسخ و لو يكون محرّما الّا انّه نافذ على الفرض.

و الجواب انّ المراد بعدم لزوم الشرط مع جواز العقد ان يثبت وجوب الوفاء بالشرط تكليفا و لا يثبت وجوب الوفاء كذلك بالعقد و لو بعد ذلك الشرط. و امّا إذا ثبت وجوب الوفاء بالعقد ايضا كما في المقام حيث ان وجوب ترك الفسخ مساوق لوجوب الوفاء بالعقد تكليفا فلا بأس بالاشتراط المزبور و كذا لا يكون صحة الشرط فيما إذا كان المشروط أمرا وضعيّا منحصرا بصورة لزوم العقد، بل يصحّ مع جوازه ايضا كما إذا أعار المال بشرط ضمان ذلك المال فإنّ العارية مع الضّمان المزبور، جائزة تكليفا و صحيحتان وضعا. و امّا دعوى انّه مع اشتراط ترك الفسخ يكون خطاب وجوب الوفاء بالشرط واردا على دليل خيار المجلس لأنّ الخيار هو التمكن على الفسخ الممضى و مع تحريم الفسخ لا يكون تمكّن على الفسخ فلا يمكن المساعدة عليها فإنّه ان أريد من التمكن جواز الفسخ و تركه تكليفا زائدا على نفوذه فليس في البين ما يدلّ على اعتباره في الخيار و ان أريد مجرّد النفوذ فهو حاصل في

المقام كما هو الفرض.

و امّا مسئلة بيع المال فيما إذا نذر التصدق به فالأظهر فيها إن تعلق النذر لا يخرج المال عن الملك و لا يوجب تعلق حقّ به و ذلك فان قول الناذر للّٰه علي ان أتصدّق بهذا المال ليس الّا التعهّد للّٰه بالتصدق بالمال المزبور نظير التعهد للغير في مورد شرط الفعل في بيع و نحوه كما إذا باع المال من زيد على ان يخيط له ثوبا؛ و من الظاهر انه لا يكون في مورد شرط الخياطة تمليك للخياطة من زيد، و لذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 66

الثالث: ان يشترط إسقاط الخيار (1).

______________________________

لا يكون لزيد المطالبة بعوض تلك الخياطة بل له على تقدير تخلف الشرط فسخ البيع و يشهد على عدم ظهور صيغة النذر في تمليك التصدق بالمال من اللّٰه سبحانه نظير مورد تمليك الفعل من الغير في مورد الإجارة انه لا يكون قوله جعلت خياطة ثوب زيد ملكا للّٰه سبحانه مرادفا لقوله تعالى للّٰه عليّ ان أخيط ثوب زيد بخلاف قوله تعهدت للّٰه أن أخيط ثوب زيد فإنه مرادف لصيغة النّذر؛ و على ذلك فلو خالف و ترك الخياطة تحقّق الحنث، و كذا فيما إذا خالف في نذر التصدق، و باع المال، و لكن يحكم بصحّة البيع لانّ البيع ضد خاص للمأمور به و الأمر بشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص و على تقديره فالنّهي عن معاملة لا يقتضي فسادها.

ثم لو سلم صيرورة التصدق بالمال ملكا للّٰه سبحانه بالنذر فهذا لا يوجب بطلان البيع فإنه بعد كون المال ملكا للناذر يكون بيعه إتلافا لملك اللّٰه سبحانه، فيكون محرما و قد تقدّم انّ ما يذكر في شرائط

البيع كون المبيع ملكا طلقا ليس شرطا مستقلا بل هو أمر انتزاعي عن الموارد الّتي تعلّق فيها النهي الظاهر في الفساد بالبيع و ليس في المقام نظير النهي المزبور.

(1) لو كان المراد اشتراط إسقاط الخيار من الابتداء فيكون الشرط المزبور بنفسه إسقاطا له لا أمرا آخر في مقابل شرط سقوطه، و ان كان المراد اشتراط إسقاط الخيار بعد البيع يكون هذا من شرط الفعل و عليه فان لم يسقط المشروط عليه خياره بل فسخ البيع يجري في الفسخ المزبور ما تقدّم من ان شرط إسقاط الخيار كما قيل يوجب تعلّق حق للمشروط له بخيار ذي الخيار، فلا ينفذ فسخه، و ان وجوب العمل بالشرط و لو بعد الفسخ يوجب بطلان فسخ ذي الخيار، أو انّ النهي عن خلاف العمل بالشرط و هو الفسخ يوجب بطلانه، و لكن ذكرنا عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 67

..........

______________________________

تمام شي ء من ذلك، و انّ الفسخ، و ان كان محرما و لكنّه نافذ لأنّ النهي عن معاملة لا يوجب فسادها.

و لا يخفى انه مع اشتراط عدم الفسخ أو إسقاط الخيار و تخلّف المشروط عليه بالفسخ لا يثبت للمشروط له خيار تخلف الشرط لعدم بقاء البيع مع نفوذ الفسخ ليكون للمشروط له خيار فيه. نعم مع تخلف المشروط عليه في الفرض الثّالث بعدم إسقاط خياره بعد البيع يقع الكلام في ثبوت الخيار للمشروط له.

و ذكر المصنّف (ره) انّه ان قيل بعدم نفوذ فسخ المشروط عليه على تقدير فسخه فلا يثبت للمشروط له خيار لأنّ مع عدم نفوذ فسخ المشروط عليه لا يكون في البين تخلف الشرط حيث انّ عدم نفوذ فسخه مساوق لسقوط خياره، و ان قيل

بنفوذه يثبت للمشروط الخيار لأنّه قد يكون للمشروط له غرض في إسقاط المشروط عليه خياره غير بقاء العقد و عدم فسخه كعدم انتقال خياره الى وارثه على تقدير اتفاق موته بان يخرج عن حال التردد فعلا.

و ذكر بعض الأجلّة (دامت أيّامه) انّ شرط ترك الفسخ أو إسقاط الخيار لا يوجب تعلّق الوجوب بترك الفسخ أو إسقاط الخيار ليقتضي وجوبهما النهي عن ضدّهما العام أو الخاص أي الفسخ و ذلك فان تعلق الوجوب بالوفاء بالشرط لا يسري الى عنوان آخر ممّا يتحد مع عنوان الوفاء بالشرط خارجا و ترك الفسخ أو ترك الخيار متّحد مع عنوان الوفاء بالشرط بحسب الخارج، و كذا وجوب الوفاء بالنذر فإنّه إذا نذر الإتيان بصلاة الظهر في وقتها صحّ و وجب الوفاء بالنذر و لا يوجب ذلك تعلّق الوجوب بنفس صلاة الظهر فانّ تعلّق وجوب الوفاء بالنذر سرايته الى عنوان آخر غير معقول و لو كان ذلك العنوان متّحدا مع العنوان الأول في الخارج فانّ الخارج ظرف لسقوط التكليف لا ظرف لثبوته.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 68

..........

______________________________

ثم ذكر (طال بقاه) أن أوفوا بالشّرط أو النذور لا يكون مشيرا الى وجوب العناوين الّتي يتعلّق بالإتيان بها الشرط أو النذر فانّ العنوان لا يكون مشيرا الى عنوان آخر بل ما ذكر من قبيل الجمع الإجمالي في الخطاب في مقام تعلّق الحكم بذلك الجمع الإجمالي.

و الحاصل ان صلاة الظهر مثلا لا يتعلّق بها وجوب الوفاء بالنذر بل الوجوب يتعلّق بالوفاء بالنّذر أو الشرط، و كيف يتعلّق الوجوب بصلاة الظهر مع انه يوجب تعلق تكليفين و إرادتين بتلك الصلاة و الالتزام بالتأكّد بالوجوبين أمر غير معقول فإنّ التأكد فيما إذا كان

الأمر الثّاني بالفعل و بملاك الأمر الأوّل به.

مع انّه لو سلم كون وجوب الوفاء بالشرط إيجابا لترك الفسخ فلا نسلم ان إيجاب شي ء نهي عن ضده العام أو الخاص لأنّ النهي عن الشي ء يتوقف على المفسدة في متعلّقه و ليس في الضد العام أو الخاص مفسدة و الّا لكان في البين تكليفان فيستحق المكلف عقابين أحدهما على مخالفة الأمر. و الثاني على مخالفة النهي، و النهي عن الشي ء باعتبار المصلحة الموجودة في الآخر إرشاد إلى موافقة ذلك الأمر المتعلّق بذلك الآخر أو تأكيد لأمره فلا يكون في البين نهي تكليفي عن فعل الفسخ ليقال ان النهي عن معاملة لا يوجب فسادها.

أقول: ما ذكر من انّ الأمر بشي ء لا يقتضي النهي عن ضده العام أو الخاص صحيح كما بيّناه في بحث الأصول و ان تعلق الوجوب بعنوان لا يسري الى عنوان آخر فهو ايضا صحيح، و لكن هذا فيما إذا كان كل من العنوانين تقييديّا، كما إذا كان أحد العنوانين منطبقا على تحقق و ينطبق العنوان الآخر على تحقق آخر، و يكون المجمع في هذه الموارد من قبيل الانضمامين على ما تقرر في بحث جواز الاجتماع من بحث الأصول؛ و كذا فيما إذا كان أحد العنوانين تقييديّا و الآخر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 69

بقي الكلام في انّ المشهور ان تأثير الشّرط (1).

______________________________

انتزاعيا، و يكون منشأ انتزاعه غير ما انطبق عليه العنوان التقييدي، أو كانا كلّ منهما عنوانا انتزاعيّا، و لكن منشأ انتزاع أحدهما غير الفعل الذي ينتزع عنه العنوان الآخر، فان العنوانين في جميع ذلك يكون تقييديين بخلاف ما ذا كان كل منهما انتزاعيّا، و يكون منشأ انتزاعهما فعل واحد خارجا

أو كان أحدهما تقييديا و ينتزع العنوان الآخر عن ذلك الفعل فان العنوانين في ذلك و ان يكونان في عالم المفهوم متعدّدا إلّا أنّهما بحسب الخارج متّحدين، و لذا يكون التركيب بينهما في الخارج اتحاديّا و يمتنع فيهما اجتماع الأمر و النهي، حيث انّ الطلب يتعلق بما فيه الملاك و الصلاح و الفساد و هو الخارج لا المفهوم لا يقال التحقق الخارجي أي ما هو بحمل الشائع فعل مسقط للطلب و كيف يتعلّق به الطلب سواء كان الطلب من قبيل الأمر أو النهي فإنّه يقال الحكم طلبا كان أو غيره لا يكون بالإضافة إلى متعلّقه عرضا له ليلزم في تحقق الطلب فعليّة ذلك المتعلق بل الحكم من فعل الحاكم و عرض له و يكون الوجود الخارجي بعنوانه طرفا لإضافته حيث انّ المولى يضيف طلبه الى ذلك المتأخّر بصورته فيكون تلك الصورة مرآة الى ذلك المتأخّر على ما أوضحنا في بحث اجتماع الأمر و النهي من بحث الأصول و عليه فيحصل التأكّد بطرو العنوان الثاني على الفعل لا محالة.

(1) و حاصله ان نفوذ شرط سقوط الخيار بأحد أنحائه الثلاثة كسائر الشروط فيما إذا ذكر في متن العقد و لو ذكر سقوطه قبل العقد مع خلوّ إيجاب العقد و قبوله عن ذكره فلا يكون للمذكور قبل البيع حكم بل يثبت خيار المجلس فان ذكره قبل العقد لا يكون شرطا ليعمّه قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) فان الشرط كما عن القاموس هو الإلزام أو الالتزام في بيع و نحوه.

و لكن عن الشيخ و القاضي ترتّب الأثر على شرط سقوط الخيار فيما إذا ذكر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 70

..........

______________________________

قبل العقد لعموم قوله (ص) المسلمون

عند شروطهم؛ خلافا لبعض الشافعية حيث انهم لا يرون لشرط سقوطه قبل البيع حكم و أورد في المختلف انه انّما يعتبر الشرط فيما إذا ذكر في متن العقد؛ نعم إذا ذكراه قبل العقد ثم تبايعا عليه فيثبت له حكم الشرط ايضا.

و ذكر المصنف (ره) في المناقشة في الإيراد المزبور انه ان كان المراد من ذكر الشرط قبل العقد ثم البيع مع البناء على ذلك المذكور الإشارة في البيع الى المذكور قبله فيدخل هذا في ذكر الشرط في متن العقد و ان كان مجرّد قصد ذلك المذكور قبل العقد من غير ذكر شي ء في البيع؛ فهذا مراد الشيخ و القاضي أيضا فلا يكون ما ذكره في المختلف مغايرا لما ذكره الشيخ و القاضي ثم قال و الصحيح انه لا يفيد في سقوط الخيار ذكره قبل البيع، ثم البيع مع قصده لأنّ المذكور قبل العقد لا يصدق عليه الشرط لما تقدم من أنّه إلزام أو التزام في البيع بل هو، امّا وعد بالالتزام أو الالتزام تبرّعي أي ابتدائي.

لا يقال كيف لا يكفي القصد مع ذكره قبل البيع، و قد تقدم سابقا انّه لو عيّن كل من المثمن و الثمن خارجا ثم قال البائع بعت و المشتري قبلت لتمّ و لا يحتاج إلى إعادة ذكر العوضين فإنّه يقال القصد و النيّة يكفي في متعلّقات البيع حيث انه لا يكون بيع بدون المثمن و الثمن. و امّا غير متعلّقات البيع مما هو خارج عن حقيقته كالشرط فلا يكون له حكم الّا بذكره في البيع و نحوه ليعمّه قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم). و لعلّ الشيخ و القاضي لا يخالف ذلك فإنّه يحتمل أن يكون ما ذكراه في مقابل بعض

الشافعيّة حيث منعوا عن شرط سقوط الخيار في ضمن عقد البيع بدعوى انّ الخيار يثبت بعد تمام البيع فلا يجوز شرطه قبل تمام إيجاب البيع و قبوله فمرادهم من ذكره قبل تمام العقد بان يذكر في الإيجاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 71

..........

______________________________

و القبول.

ثم انه ربّما يذكر في المقام بأنه كيف يصحّ اشتراط أوصاف المبيع كالسلامة، و كذا اشتراط القبض و الإقباض و يثبت بتخلّفهما خيار الفسخ مع انّ شيئا منهما لم يذكر في عقد البيع و أجاب النائيني (ره) عن ذلك بأنّ الشروط الارتكازيّة العرفية لا يقاس بغيرها فإن إنشاء البيع في مورد الشرط الارتكازي دالّ على ذلك الاشتراط بالدلالة الالتزامية و كأنّه مذكور في البيع بخلاف الشرط الذي لا يكون من هذا القبيل فإن إنشاء البيع لا يكون دالا على ذلك الالتزام.

و الحاصل انّما يحتاج الى ذكر الشرط و لو بنحو الإشارة فيما إذا لم يكن البيع دالا عليه بالدلالة الالتزامية لأنّ مع عدم دلالته عليه لا يكون المذكور قبله الّا التزاما تبرعيّا أو وعدا به.

أقول: قد ذكرنا في مباحث البيع عدم صدق البيع أو غيره من عناوين المعاملات على مجرد الالتزام بكون الشي ء ملكا للغير بعوض من دون إنشاء، و لكن تعلق الالتزام الإنشائي بكل من العين و العوض لا يحتاج الّا على العلم بالعوضين حال البيع ذكرا في عقد البيع أم لا؟؛ لأنّ تعلق التمليك بالعوضين ليس أمرا إنشائيا و الأمر الإنشائي هو نفس التمليك. و امّا الشرط في المعاملات فيما إذا كان ارتكازيا فلا يحتاج الى الذكر حيث ان إنشاء تلك المعاملة و إطلاقها كافية في الدلالة على كونها مشروطة، بالشّرط المزبور بخلاف ما ذا لم

يكن ارتكازيا فإنّه يحتاج الى الذّكر ليفهم انّ المعاملة مبنيّة عليه، و لكن لا يعتبر ذكر ذلك في متن عقد البيع بل لو ذكرا هذا الالتزام قبل البيع و بيّنوا على انّ البيع المنشأ بعد ذلك مبني على الالتزام المزبور كفى كما لو قال لو بعتك المال فعليك خياطة ثوبي هذا و رضي بذلك الطرف الآخر، ثمّ قال البائع بعت المال متّصلا أو منفصلا و قال الآخر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 72

[فرع]

فرع- ذكر العلّامة في التّذكرة موردا (1)

[الثاني إسقاط هذا الخيار بعد العقد]

بل هذا هو المسقط الحقيقي (2).

______________________________

قبلت. و امّا إذا لم يذكرا هذا الارتباط قبل البيع بل اعتقد صاحب المبيع انّ طرف الآخر بعد المعاملة على ما كان يلتزم به قبل البيع فهذا لا يكون شرطا بل يكون ذلك من تخلّف الدّاعي.

(1) ذكر العلامة في التّذكرة انه لا يجوز شرط سقوط خيار المجلس و لا سائر الخيارات في البيع فيما إذا نذر المولى عتق عبده إذا باعه فانّ شرط سقوط الخيار مناف للوفاء بالنذر حيث لا يتمّ الوفاء به برفع الخيار- أي- باشتراط سقوطه، و إذا خالف و اشترط سقوطه فيحكم ببطلان البيع المزبور و على قول آخر من عدم سراية بطلان الشرط الى نفس المعاملة يحكم بصحّة البيع و كونه خياريّا و ذكر المصنّف (ره) من انّ تعلّق النذر بعتق العين كاشتراط عدم فسخ البيع يوجب بطلان التصرف المنافي للنّذر أو الشرط.

أقول: لا وجه لتقييد النذر بما إذا تعلّق بعتق العبد إذا باعه بل لو نذر عتقه يكون الأمر كما ذكر فان التّصرف المنافي للنّذر هو اشتراط سقوط الخيار لا نفس بيع العبد، و قد تقدّم ان النّذر أو الشرط لا يوجب بطلان التّصرّف المنافي حيث انّ النّهي عن المعاملة لا يوجب فسادها فضلا عمّا إذا لم يتعلّق به النهي و انّما يكون منافيا للإتيان بالواجب فتدبّر.

(2) و الوجه في ذلك ان مع شرط سقوط الخيار أو الافتراق ينتفي الخيار بانتفاء موضوعه و يشهد لسقوط الخيار بالإسقاط فحوى ما دلّ على سقوطه بالتّصرّف الدال على التزام المتصرّف ببقاء البيع فإنّه إذا كان الفعل الدّال على الإسقاط مسقطا فإنشاء إسقاطه باللفظ أولى بالإسقاط مع انّ الإسقاط مقتضى القاعدة المسلّمة

عندهم بأنّ لكل ذي حقّ إسقاط حقّه و استفيد هذه القاعدة من فحوى ما دلّ على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 73

لو قال أحدهما لصاحبه اختر (1).

______________________________

سلطنة النّاس على أموالهم فإنّه إذا كان الإنسان سلطانا على التّصرف في ماله يكون سلطانا على التّصرف في حقّه الذي دون المال و سلطنة التّصرف في الحق فيما إذا لم يكن قابلا للنقل، يعم الإسقاط بل يمكن الاستدلال على جواز الإسقاط بما دلّ على نفوذ الشرط لو قيل بأنّ الشرط يعمّ الالتزام الابتدائي حيث انّ الإسقاط التزام بعدم الخيار ابتداء أي من غير ان يكون في ضمن المعاملة).

أقول: لعلّ تقييد الحق بما إذا لم يقبل النقل للاحتراز عن مثل حقّي التحجير و السبق حيث يمكن القول بعدم سقوطهما بمجرّد الإسقاط حيث يكون بقاء التحجير و السبق بعد الإسقاط موجبا للحق و انّ الحق في مثل ذلك نحو أولويّة بالإضافة إلى العين لا يسقط إلّا بالنقل أو رفع التحجير و ترك السبق بخلاف ما ذا لم يكن قابلا للنّقل فانّ الفرق بين ذلك الحق و الحكم جواز إسقاط الأول دون الثّاني.

و على ذلك فالعمدة إثبات كون الخيار حقّا لا حكما كما يدلّ عليه ما ورد في كون التّصرف مسقطا معلّلا بأنّه التزام ببقاء البيع. و امّا كون الحق قابلا للإسقاط كما يستظهر من فحوى حديث سلطنة النّاس على أموالهم أو دلالة ما ورد في وجوب الوفاء بالشرط فغير مهمّ.

(1) لو كان لكل من المتبايعين خيار كما في مورد خيار المجلس و قال أحدهما للآخر اختر فان اختار الآخر الفسخ ينفسخ فانّ ذلك مقتضى ثبوت الخيار لذلك الآخر. و امّا إذا اختار إمضاء العقد و إقراره فهل

يسقط خيار الآمر ايضا بحيث يكون البيع لازما من الطرفين أو انّه لا يسقط خيار الآمر الّا مع إرادته بقوله اختر نقل خياره الى صاحبه المعبر عن ذلك بتمليك الخيار و مع عدم ارادة التمليك يبقى خياره مطلقا أو فيما كان الغرض من قوله اختر استكشاف حال صاحبه من انّه يريد فسخ البيع أو إبقائه. و امّا إذا كان الغرض تفويض أمر البيع اليه فيسقط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 74

..........

______________________________

خياره بالأمر بالاختيار.

أقول: امّا مسئلة تمليك خياره للآخر فلا دليل على نفوذ التّمليك فإنّه لم يثبت انّ الخيار يقبل النّقل الاختياري. و ما عن النّائيني (ره) من انّ الخيار انّما لا يقبل النّقل إلى الأجنبي، و امّا نقله الى صاحبه في البيع فلا بأس به ضعيف فانّ عدم النّقل باعتبار عدم الدّليل على نفوذ النّقل، و هذا مشترك بين الطرف الآخر و الأجنبي. و امّا التفويض فان كان المراد توكيل الآخر في الإقرار و الفسخ فلا ينبغي الريب في انّ مع اختيار صاحبه الفسخ أو الإمضاء لا يبقى خيار للآمر حيث انه استعمل خياره بوكيله في الفسخ أو الإمضاء و ان كان المراد بالتفويض أمر آخر غير التوكيل و غير إسقاط الخيار ليكون الآخر مستقلا في فسخ البيع و إمضائه فلم يتّضح لنا ذلك الأمر.

و الإنصاف انه لا دلالة لقوله اختر على التوكيل أو الاستكشاف فلا بد في تعيين أحدهما من قرينة و يستفاد ممّا ورد في قول الزوج لزوجته اختري ان قول الزّوج فيما إذا اختارت نفسها بان يفترق عن زوجها يكون طلاقا و قد أنكر ذلك في بعض الأخبار الأخر، و انّه لا يتمّ الفراق الّا بالطّلاق و لو

بالتوكيل و ورد في المقام ايضا سقوط خيار المجلس بقوله لصاحبه اختر و في النّبويّ المروي في المستدرك من انّهما بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه اختر و كان قوله لصاحبه اختر مسقط لخيار الآخر و على كل فمع ضعف سند النبوي و عدم إحراز ظهور الأمر بالاختيار في إسقاط الخيار أو التوكيل يكون المرجع التمسك بما دلّ على ثبوت الخيار لكل من البائع و المشتري الى حصول الافتراق. بعد إحراز عدم الاسقاط و لو بالأصل.

ثم انّه إذا كان لكلّ من المتبايعين خيار الفسخ و اختلفا في الفسخ و الإمضاء ففسخ أحدهما و أمضاه الآخر ينفسخ البيع سواء كان فسخ أحدهما قبل إمضاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 75

[الثالث افتراق المتبايعين]

و لا إشكال في سقوط الخيار به (1).

______________________________

الآخر أو كان بعده لأنّ إمضاء أحدهما لا يوجب سقوط خيار صاحبه و لا يكون ذلك من باب تعارض الفسخ و الإمضاء.

و انّما يقع التعارض بينهما في موردين أحدهما ما إذا ثبت الخيار للمتعدد من طرف واحد أو لكلّ من الطّرفين، كما إذا قلنا بثبوت خيار المجلس للموكّل و وكيله فاختلفا في الفسخ و الإمضاء و ثانيهما ما إذا صدر عن ذي الخيار أمران يقتضي أحدهما إقرار العقد و الآخر فسخه كما إذا باع العبد بجارية، ثم أعتقهما فإنّ العتق بالإضافة إلى بيع العبد فسخ و بالإضافة إلى الجارية إقرار له فيقع التّعارض.

و قيل انّه في مورد التعارض يقدم الفسخ فيما إذا وقعا دفعة و يؤخذ بمقتضى السابق مع وقوعهما تدريجا و لكنّ في كلا الأمرين تأمّل بل منع لأنّ الثّابت للمتعدد في فرض التّعارض خيار واحد و مقتضاه اتّفاق المتعدد على الفسخ

أو الإمضاء أو رعاية السابق في بعض الموارد و الّا فمع الاختلاف يبقى البيع على حاله و إذا أعتق العبد و الجارية لا يبعد الحكم بانعتاق الجارية دون العبد، لأنّ عتق العبد يتوقّف على إرجاعه إلى ملكه بقصده فسخ العقد و لم يحصل هذا القصد كما هو مقتضى عتق الجارية فتدبّر جيّدا.

(1) ذكروا من مسقطات خيار المجلس افتراق المتعاقدين و عدّه مسقطا لا يخلو عن مسامحة لأنّ الموضوع للخيار المتبايعين ما داما مجتمعين و بالافتراق ينتهي الاجتماع على ما تقدّم. هذا بناء على ما هو المتسالم عليه عندهم كما صرّح بذلك بعضهم من انتهاء الخيار بنفس الافتراق، كما هو ظاهر غير واحد من الرّوايات أيضا فإنّه قد ورد فيها انّ المتبايعين بالخيار حتّى يفترقا.

لا يقال الافتراق الظّاهر في الرّضا ببقاء البيع هو المسقط كما يشهد عليه صحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّٰه قلت ما الشّرط في غير الحيوان قال (البيّعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار لهما بعد الرّضا منهما)، و لذا ذكر المصنّف (ره) ظهور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 76

..........

______________________________

الصحيحة في كون الافتراق الظّاهر في الرّضا ببقاء البيع مسقطا و لكن قد أغمض عن هذا الظهور بالالتزام بكون نفس الافتراق مسقطا، و لعلّ الموجب لالتزامه بذلك التّسالم على الحكم.

فإنّه يقال ظاهر الصحيحة كون الرّضا بالبيع أي الرضا المعاملي الحاصل من حين البيع المكشوف بقائه بترك الفسخ الى حين الافتراق و انّ الافتراق مع هذا الرضا غاية للخيار فلا يكون فيه احتراز الّا عن صورة الفسخ قبل الافتراق لا انّه يعتبر ان يكون في الافتراق ظهور في التزامه ببقاء البيع و عدم رفع يده عنه ليكون الافتراق مسقطا

فعليّا في مقابل المسقط القولي، كيف و الخيار ملك فسخ العقد و ثبوته لا ينافي الرّضا ببقاء البيع، و لذا يصحّ ان يصرّح قبل الافتراق انّه راض فعلا ببقاء البيع مع بقاء حقّه في الفسخ لو بدا له ذلك و التفت الى عدم صلاحه.

و بتعبير آخر الرّضا ببقاء البيع عند الافتراق لا يكون مسقطا بإسقاط ذي الحق بل المسقط إظهار الرّضا بحيث يرفع يده عن حقّه فلا بدّ من الالتزام بان الافتراق مع الرضا المعاملي ببقاء البيع كما ذكر غاية للخيار. و امّا احتمال كون المراد بالرّضا في الصّحيحة الرّضا بالافتراق زائدا على رضاهما بالبيع بان لا يكون عبرة بالافتراق فيما إذا حصل بغير رضاهما مع عدم ظهور الصحيحة في ذلك خلاف ظاهر صحيحة الحلبي و غيرها ممّا يكون ظاهرا في سقوط خيارهما بالافتراق و لو لم يكن صاحبه راضيا بذلك الافتراق و حمله على صورة رضا صاحبه بالافتراق ليس أولى من حمل الصحيحة على رضاهما بالبيع بالمعنى المتقدم مع ما عرفت من انّه ليس من قبيل الحمل بل الأخذ بالظهور.

و قد ظهر ممّا ذكرنا من انّ الافتراق ليس بمسقط بل ينتهي معه موضوع الخيار انه لا دلالة في الصحيحة على ما تقدم من كون الخيار حقّا قابلا للإسقاط، ثم انّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 77

..........

______________________________

المراد بالافتراق ليس تفرّق المتعاقدين عن مجلس كانا فيه حال البيع لأنّه يمكن حصول البيع حال مشيهما أو ركوبهما، و لذا ذكر المصنّف (ره) انّ المراد به زوال تلك الهيئة الاجتماعية الّتي كانت حال البيع و لا عبرة بالجلوس في مكان واحد أو كونهما فيه و يحصل هذا الزّوال بأدنى انتقال يزول معه تلك الهيئة

كما إذا كان البائع و المشتري في سفينتين متلاصقتين فإنّه إذا تحرّك رأس السّفينة عن الأخرى حصل الافتراق و لا يعتبر في تحقّقه المشي من أحدهما و لو خطوة، و ان ذكر الخطوة في بعض الكلمات و لكنّه تمثيل و بيان لبعض افراد الافتراق و لو لم يكن المشي و لو خطوة كما في مثال السّفينتين كفى في سقوط الخيار.

و ناقش بعضهم في كفاية الخطوة بدعوى انصراف الافتراق الى غيره و مقتضى الاستصحاب بقاء الخيار الى حين إحراز حصوله و يؤيّد عدم الكفاية قوله عليه السلام في بعض الرّوايات فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خطاء ليجب البيع حين افترقنا فإنه لو كان المشي خطوة مسقطا للخيار لاكتفى عليه السّلام بذكرها لا بذكر الخطاء.

أقول: الظّاهر من الافتراق بقرينة ثبوت الخيار مع عدم اعتبار المجلس حال البيع زوال المصاحبة الّتي كانت حال البيع و زوال المصاحبة لا يكون بالخطوة أو بتحريك رأس السفينة عرفا بل بحيث لا يكون معه المكاملة المتعارفة. نعم لو شكّ في مورد في صدق الافتراق بحيث تكون الشبهة مفهومية لكان المورد من موارد التمسك بالعموم أي (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا استصحاب بقاء الخيار خصوصا مع ما ذكرنا من عدم اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية).

و ذكر (قده) ان الافتراق كما ذكر عبارة عن زوال الهيئة الاجتماعية أو المصاحبيّة الحاصلة للمتبايعين حال البيع و زوالها لا يتوقف على الحركة من كلّ منهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 78

المعروف انّه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه (1).

______________________________

إلى جهة غير جهة حركة الآخر، بل يحصل بحركة أحدهما و السكون من الآخر و بتعبير آخر تحقق ذات الافتراق تكون من أحدهما و اتّصافها بالافتراق بترك الآخر المصاحبة

و لو تحرك كلّ منهما إلى جهة غير جهة الآخر يكون كل من الحركتين افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر معه و يشهد لحصول الافتراق بحركة أحدهما، كما ذكر ما ورد في الرّوايات الحاكية لشرائه عليه السّلام قال فلمّا استوجبتها قمت فمشيت خطاء ليجب البيع حين افترقنا فأثبت عليه السلام افتراقهما بمشيه فقط.

أقول: ما ذكر من حصول الافتراق بفعل أحدهما كما هو ظاهر حكاية شراء الإمام عليه السلام قرينة ظاهرة على انّ الافتراق لا يكون من قبيل إسقاط الخيار بالفعل فإنّه لا معنى لان يسقط أحد المتبايعين خيار الآخر فإنّه من إسقاط غير ذي الحق حقّ الغير.

(1) المشهور على انه لا عبرة في انتهاء الخيار بالافتراق عن إكراه فيما إذا منع عن التخاير ايضا كما إذا منعهما المكره بالكسر عن فسخ البيع ايضا و كأنّه يبقى الخيار في هذا الفرض الى ان يسقط بمسقط آخر و يستدلّ على ذلك تارة بأن الافتراق الوارد في الروايات غاية للخيار منصرف الى ما كان بالاختيار لا بالإكراه سواء كان الإكراه بنحو يدخل الفعل معه في الاضطرار بمعنى سلب الإرادة و القصد أم لا، و أخرى بأنّ الافتراق في الروايات و ان يعمّ زوال الهيئة الاجتماعيّة مطلقا إلّا ان مقتضى حديث رفع الإكراه عدم العبرة بالافتراق عن إكراه فانّ المقرر في محلّه عدم اختصاص الحديث برفع خصوص الحكم التكليفي، بل يرفع الحكم الوضعي أيضا و منه كون الافتراق غاية للخيار.

و ناقش المصنف (ره) في كلا الوجهين امّا الأوّل فلأن غاية ما يمكن دعوى انصراف الأفعال إلى الاختياري منها في مقابل الاضطراري أي الصادر من غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 79

..........

______________________________

ارادة و قصد فإنّ الإسناد في

مورد الاضطرار يكون ضعيفا بحيث يكون قيام المبدء بجسم المضطر صوريّا بخلاف مورد الإكراه، حيث يكون الشخص فاعلا بالإرادة و القصد، و لو كانت إرادته للتحرّز عن الضّرر المتوعد به، و إذا دخل الفعل الإكراهي في الغاية دخل الاضطراري أيضا لعدم القول بالفصل، و لذا ذكروا ان الافتراق عن اضطرار ايضا موجب لسقوط الخيار فيما إذا كان متمكّنا على التّخاير قال في المبسوط في تعليل الحكم انّه إذا كان متمكّنا على الإمضاء و الفسخ فلم يفعل حتى وقع التّفرّق كان ذلك دليلا على الرّضا و الإمضاء.

و امّا الثاني: فلأنّه لو عمّ حديث الرّفع المقام لما كان فرق بين التمكن على التخاير و عدمه مع انّهم قيّدوا سقوط الخيار بصورة عدم التمكن على التخاير و الصّحيح في الاستدلال على المشهور مع ملاحظة الشهرة المحقّقة، و إمكان دعوى انصراف الرّوايات الى ما كان الافتراق عن رضا بالعقد أي ببقائه صحيحة الفضيل حيث ان ظاهرها اعتبار بقاء الرّضا بالبيع الى تحقّق الافتراق حصل الافتراق بالكره أم بغيره أو كون الافتراق بحيث يكون كاشفا عن كون المتبايعين راضيا ببقاء العقد و الإعراض عن فسخه، و هذا الكشف النّوعي لا يكون مع الإكراه على التّفرق و المنع عن التخاير؛ أقول قد ذكرنا ان الافتراق لا دلالة له على إمضاء العقد حتى ما لو كان الافتراق بلا إكراه بل الكاشف عن الرّضا المعاملي ترك الفسخ مع التمكن عن التخاير و فسخ البيع.

و ذكر النائيني (ره) منع انصراف الأفعال إلى الاختياري بمعنى عدم الإكراه حيث انّ الاختيار بمعنى عدم الإكراه غير داخل في مادة الأفعال و لا في هيئاتها و التمسك بحديث رفع الإكراه في المقام غير صحيح لأنّ المرفوع به الفعل

الّذي يتعلّق به التكليف و لا يعمّ الفعل الّذي يكون موضوعا للحكم و التكليف كالسفر و الإقامة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 80

..........

______________________________

و التّفرق لأنّه لا جامع بين متعلق التكليف و موضوعه، و ذكر الوسوسة و الحسد و الطيرة قرينة على اختصاص الرفع بمتعلق التكليف لانّ تلك الأفعال لو لم تكن مرفوعة لكانت متعلقات التّحريم، و يشهد للاختصاص انه لو سافر أو أقام في بلد إكراها عليهما يجب القصر في الأوّل و التّمام في الثّاني و على ذلك فلا يكون رفع الإكراه مقتضيا لنفي الغائية للخيار عن الافتراق عن إكراه لأنّ الغاية قيد لموضوع الحكم أي الخيار؛ هذا مع انّ نفي الافتراق عن إكراه لا يفيد فإنّه لا يثبت موضوع الخيار أي بقاء الهيئة المصاحبية الّتي يكون المتبايعين معها موضوعا للخيار.

أقول: عنوان ما استكرهوا عليه كعنوان ما اضطرّوا عليه يعمّ الفعل الّذي يتعلّق به التّكليف و ما يكون موضوعا للحكم و المراد من رفعه مقابل وضعه و لو كان الفعل المتعلّق به التكليف موضوعا مع الإكراه أو الاضطرار اليه لكان متعلّقا معهما ايضا، كما ان الفعل الموضوع للحكم لو كان موضوعا مع الإكراه عليه أو الاضطرار اليه لكان موضوعا له معهما أيضا و الأمر في الوسوسة و الحسد و الطيرة أيضا كذلك، و امّا قضيّة الإكراه على السّفر و الاضطرار عليه فعدم كون الإكراه أو الاضطرار رافعا لوجوب القصر فلأنّ حديث الرّفع لا يرفع التكليف و الحكم فيما إذا لم يكن في نفيه امتنان كما انّه لا يرفع وجوب التّمام في الإكراه أو الاضطرار إلى الإقامة فلأنّ الموضوع لوجوب التّمام العلم و الاطمئنان بإقامة عشرة أيّام و الإكراه أو الاضطرار لا

يطرء على العلم و الاطمئنان نظير ما ذكرناه في عدم إمكان قضاء الصلاة أو الصوم بحديث الرفع لأنّ الموضوع لوجوب القضاء فوت الفريضة لا التّرك و على ذلك فلا حكومة لحديث الرفع في الافتراق الّا مع الإكراه على ترك الفسخ أيضا لأنّ الغاية للخيار هو الافتراق مع الرّضا المعاملي ببقاء العقد لأنفس الافتراق و مع المنع عن التخاير لا يحصل الرّضا المعاملي إلّا بنحو الإكراه حيث انّه عبارة أخرى عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 81

..........

______________________________

ترك الفسخ مع التّمكن عليه.

و عن السيّد اليزدي (ره) عدم ثبوت الخيار في الفرض بل ينتهي خيارهما بالافتراق و لو من غير قصد و شعور فضلا عن الإكراه عليهما بالافتراق و منعهما عن التخاير حيث انّ الإجماع على الخيار في الفرض غير ثابت كما يظهر ذلك لمن تتبّع كلمات الأصحاب و الاختيار سواء كان في مقابل الاضطرار أو الإكراه غير داخل في مدلول الأفعال و حديث رفع الإكراه يجري في الأفعال الاعتبارية الّتي يكون قوامها بالقصد، و لا يعمّ سائر الأفعال، و لذا لا حكومة له في إتلاف مال الغير و أسباب الوضوء مع ان الافتراق في الروايات لا يكون إلّا غاية لموضوع الخيار بمعنى انّه ينتهي موضوع الخيار معه لا قيد للخيار و موضوع له فان المتبادر من قولهم عليهم السّلام (البيّعان بالخيار ما لم يفترقا) انّ الخيار يثبت للمتبايعين ما دام مجتمعين و بالافتراق لا يكون اجتماع نظير قوله أكرم زيدا ما دام في المسجد فإنّه إذا خرج من المسجد بأيّ وجه و لو من غير القصد و الشعور ينتهي موضوع وجوب إكرامه.

لا يقال صحيحة الفضيل قد دلّت على اعتبار الرّضا في كون الافتراق

غاية فإنّه يقال المراد بالرّضا منهما الرّضا بأصل المعاملة و الرّضا بها قد حصل بأقدامهما على البيع من غير إكراه و ليس قيدا زائدا.

أقول: قد تقدّم ان عدم أخذ الاختيار في مادة الأفعال و هيئاتها أمر صحيح، و امّا حكومة حديث الرفع فاختصاصهما بالأفعال الإنشائيّة فلا يمكن المساعدة عليه، و لذا لا يكون إتلاف مال الغير مع الإكراه عليه محرّما، و الضمان باعتبار ان نفيه خلاف الامتنان، و امّا عدم الحكومة بالإضافة إلى موجبات الوضوء فلانّ الموجب له ليس هو الفعل ليكون رفع الإكراه و الاضطرار نافيا له بل خروج البول و غيره كما هو مفاد قولهم عليهم السّلام لا ينقض الوضوء الّا ما يخرج عن طرفيك الّذين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 82

لو أكره أحدهما على التّفرق و منع عن التخاير (1).

______________________________

أنعمها اللّٰه عليك فيكون نظير ما تقدم في وجوب قضاء الصّلاة و غيرهما.

و امّا ان رفع الافتراق بالحديث غير ممكن لأنّه لا يثبت موضوع الخيار و هو اجتماع المتبايعين فهو أمر صحيح لأنّ مدلول الحديث هو النّفي لا إثبات الضّدّ الّا ان العمدة في ثبوت الخيار في فرض الإكراه على الافتراق و المنع عن التخاير صحيحة الفضيل الظاهرة في انتفاء الخيار مع الافتراق فيما إذا كان رضاء معاملي ببقاء البيع لا الرّضا بأصل المعاملة و انّ الخيار يبقى مع عدم ذلك الرّضا و لو مع حصول الافتراق و مقتضى حديث رفع الإكراه عدم حصول ذلك الرّضا مع المنع عن التخاير.

و على ذلك فالأظهر بقاء الخيار مع الإكراه على الافتراق و المنع عن التخاير الى ان يتحقّق مسقط آخر).

(1) يفرض الكلام تارة في إكراه أحدهما على الخروج مع منعه عن

التخاير و بقاء الآخر في المجلس مختارا في المتابعة و التخاير و أخرى فيما إذا خرج أحدهما مختارا في خروجه و تخايره و بقاء الآخر في المجلس مع الإكراه و المنع عن التخاير و الكلام فعلا في الفرض الأوّل حيث يعلم به الحكم في الفرض الثّاني أيضا.

و الأقوال أربعة سقوط خيارهما بذلك و بقاء خيارهما و بقاء خيار المكره و سقوط خيار المختار و التّفصيل بين بقاء المختار في المجلس فيبقى خيارهما و بين خروجه فيسقط خيارهما.

و مبنى الأقوال هو ان الافتراق المجعول غاية هل يحصل باختيار هما أو يحصل باختيار أحدهما، و مع اعتبار اختيارهما فهل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره أو انّ مجموع اختيارهما مسقط لكلا الخيارين، فإنه إذا قلنا بكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره يسقط خيار المختار و على القول باعتبار مجموع اختيارهما يبقى الخياران؛ و إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 83

..........

______________________________

قلنا بكفاية اختيار أحدهما في سقوط الخيارين فهل يعتبر الفعل من المختار أو يكفي كونه تركا كالبقاء في المجلس فعلى الأوّل أي اعتبار الفعل يفصل بين بقاء المختار في المجلس فيبقى الخياران و بين خروجه فيسقط كلا الخيارين؛ و على تقدير الثّاني أي كفاية الترك يسقط الخياران.

و نقل المصنف (ره) عن العلامة في القواعد و ولده في الإيضاح انّ سقوط خيار المختار ملازم لسقوط خيار الآخر ايضا، و انّه لا تفكيك بين الخيارين في السّقوط و الثبوت كما استظهر ممّا ذكره في الإيضاح من المبني للسّقوط و الثبوت انّ محلّ الخلاف ما إذا كان المختار ماكثا في المجلس، و امّا مع خروجه و ذهابه فلا خلاف في سقوط الخيارين حيث قال في الإيضاح انّ

الخلاف في المقام مبنيّ على ان بقاء المختار متجدّد أو غير متجدّد و على تقدير عدم تجدّده فهل يحتاج في استمراره إلى العلة أم لا، و ان الافتراق المجعول غاية للخيارين أمر وجودي أو عدميّ، و هل هذا العدم أي عدم تلك الهيئة المصاحبيّة مستند إلى العلّة أم لا فإنّه على تقدير بقاء الأكوان و عدم حاجته إلى المؤثّر أو كون الافتراق عدميّا و عدم استناده إلى العلة لم يسقط خيار المختار و يبقى خيار الآخر ايضا بخلاف ما ذا قيل ببقاء الأكوان و عدم حاجة الباقي إلى المؤثر أو كون الافتراق عدميّا لا يستند إلى العلّة فإنّه يبقى الخياران.

ثم انّه وجه سقوط خيار المختار لأنّه فعل المفارقة فيسقط به الخياران، و هذا الكلام و ان كان مورد المنع لعدم ابتناء الأحكام على مثل هذه التدقيقات العقليّة، بل هي تابعة لحصول موضوعاتها سواء كان لذلك الحصول واقعيّة عينيّة عقلا أم لا إلّا انّه ظاهر في انّ المختار لو خرج عن مجلس العقد اختيارا فلا خلاف في سقوط الخيارين و سقوط خيار المختار يلازم سقوط خيار الآخر كما هو ظاهر كلام والده ايضا، مع انّ ظاهر الشيخ في الخلاف و القاضي اختصاص سقوط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 84

..........

______________________________

الخيار بالمختار، و لعلّ مراد الشّيخ و القاضي انّ سقوط الخيار يستند الى المختار أوّلا، فلا ينافي سقوط خيار المكره ايضا بالتّبع باعتبار الملازمة في سقوط الخيارين و ثبوتهما بحصول الغاية و عدم حصولها.

و ذكر المصنف (ره) ان مقتضى الأصل في الفرض بقاء الخيارين كما أنّ ظاهر الروايات بقائهما حيث ان المتبادر منها ما إذا كان الافتراق برضا المتبايعين لبقاء البيع و هذا أوضح

في صحيحة الفضيل حيث ما ذكر سلام اللّٰه عليه فيها ظاهر في انّ مع الافتراق الظاهر في رضاهما ببقاء البيع لا خيار لهما و لكن ناقش في ذلك ثانيا انه لا مورد للأصل في المقام لانّه يستفاد من الرّوايات كون الافتراق و لو برضا أحدهما مسقطا للخيارين؛ و صحيحة الفضيل و ان كانت ظاهرة في اعتبار رضاهما الّا انّه تعارضها ما ورد في شراء الإمام عليه السلام و قوله فمشيت خطاء ليجب البيع حين افترقنا فانّ ظاهره كفاية الافتراق برضا أحدهما في سقوط الخيارين؛ و الصحيحة و إن كانت أخصّ من الرّوايات الواردة في شرائه عليه السلام حيث انّه عليه السّلام لم يتعرّض فيها لحال المتبايع الآخر، فيمكن دعوى تقييدها بصورة التفات الآخر الى خروج الإمام عليه السلام و عدم متابعته إلّا ان الإطلاق مؤيّد بموارد تسالموا فيها على سقوط الخيارين من غير ان يكون في البين رضاهما ببقاء البيع كما إذا مات أحد المتابعين في المجلس و خرج الآخر فإنّه قد صرّح بعضهم بسقوط الخيارين و كما يظهر عن الإيضاح في ذكر مبنى السقوط و الثبوت حيث ان ظاهره كون خروج المختار عن مجلس العقد موجبا لسقوط الخيارين بلا خلاف).

أقول: قد ذكرنا ان ظاهر الروايات هو انّ الافتراق غاية للخيار فيثبت الخيار للمتبايعين ما داما متصاحبين، و حيث انّ الافتراق ان حصل يحصل بالإضافة إلى كلا المتبايعين و لا يمكن حصوله لأحدهما دون الآخر و يشهد لذلك ايضا ما ورد في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 85

..........

______________________________

شرائه عليه السّلام، فلا بدّ من الالتزام بسقوط كلا الخيارين في هذا الفرض و الفرض الآخر أي بقاء أحدهما في المجلس مكرها ممنوعا عن

التخاير و خروج الآخر اختيارا، و لكن في صحيحة الفضيل دلالة على الرضا من المتبايعين ببقاء البيع الى حصول الافتراق دخلا في سقوط الخيارين بالافتراق، و المراد الرضا المعاملي أي ترك الفسخ مع التمكن عليه، و على ذلك فان كان المتبايعان متمكّنين على الفسخ قبل الافتراق و مع ذلك لم يفسخا الى ان حصل الافتراق فلا خيار لهما بعد ذلك، و ان كان أحدهما فقط متمكنا على الفسخ و قد تركه الى ان حصل الافتراق فلا خيار له و يبقى الخيار للآخر و حال المكره بالفتح في الفرض حال غير المتمكن بمقتضى حديث الرفع الجاري في حقّه.

لا يقال إذا لم يسقط خيار المكره لا يحصل الغاية لخيار الآخر أيضا لأنّ الغاية غاية لكلا الخيارين، و لذلك التزم النائيني (ره) في الفرض ببقاء الخيارين بدعوى انه لا شهادة في اخبار الواردة في شرائه عليه السلام على خلاف ذلك لأنّها حكاية قضيّة، و لعل الآخر كان راضيا بالبيع عند خروجه عليه السلام عن مجلس العقد و دعوى التسالم على السّقوط في بعض الموارد، كما ذكر المصنف (ره) غير ثابت و على تقديره يلتزم بالسقوط في تلك الموارد.

فإنه يقال لا يستفاد من صحيحة الفضيل إلّا دخالة رضاهما ببقاء البيع الى حصول الافتراق بان يكون الافتراق مع كل من الرّضائين مسقطا لخيار الراضي كما هو مقتضى مقابلة الجمع بالجمع أي سقوط الخيارين بالرّضائين و اعتبار مجموع الرّضائين في سقوط الخيارين بحيث لو حصلا سقط الخياران و الّا بقيا فلا يستفاد منها، و على ذلك فالرّضا المعاملي ببقاء البيع مع الإكراه عليه كترك الفسخ مع عدم التمكن عليه في انّه لا يكون دخيلا في سقوط الخيار بمعنى ان الافتراق معه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 86

لو زال الإكراه (1).

______________________________

لا يكون غاية بالإضافة إلى خيار المكره فيبقى خياره دون خيار الطرف الآخر الرّاضي، و لا ينافي ذلك ما ورد في شرائه عليه السلام فان مدلوله حصول الافتراق المسقط بفعله عليه السلام؛ و امّا انّه لا دخل لرضا الآخر فلا يستفاد منه الّا بدعوى الإطلاق أي ترك التعرض و على تقديره فيرفع اليد عنه بصحيحة الفضيل.

ثم انّه كما ذكر في محلّه انّما يرفع الإكراه الحكم فيما إذا كان اختيار الفعل بداعويّة الإكراه فلو كان مكرها على بيع ماله، و لكن بحيث لو لم يكن إكراه لباع ذلك المال ايضا فلا يكون البيع المزبور مشمولا لحديث نفي الإكراه لأنّه لا امتنان في نفي معاملة يريدها صاحبها، و عليه فالمنع عن التخاير لا يوجب بقاء الخيار الّا فيما كان تركه فسخ البيع بداعويّة المنع المزبور لا فيما ترك الفسخ لا من جهة المنع عن التخاير فإنّه لو حصل الافتراق و لو بالإكراه سقط خياره أيضا لأنّ نفي هذا الرّضا المعاملي لا يوجب امتنانا بل لا يبعد القول بسقوط الخيارين فيما إذا تمكّنّا على الفسخ بين البيع الى حصول الافتراق، و لو في زمان لصدق ما في صحيحة الفضيل من قوله عليه السّلام فإنّه لا خيار بعد الرّضا منهما و لا يعتبر استمرار ذلك التمكن، و على ذلك فلو وقع الإكراه على الافتراق و المنع عن التخاير في قسم من ذلك الزّمان فلا يدخل في حديث الرّفع لأنّ الداخل فيه ما يكون دخيلا لو لا الإكراه فتدبّر جيّدا.

(1) المحكيّ عن الشيخ و جماعة امتداد خيار المجلس بامتداد مجلس زوال الإكراه، و المراد بمجلس الزّوال الهيئة التي

كان المتبايعان عليها من القرب و البعد حين زوال الإكراه و لو فرض ان البائع كان في ذلك الحين في مكان و المشتري في مكان آخر فيحصل افتراقهما بانتقالهما أو انتقال أحدهما من ذلك المكان اختيارا.

و استشكل على ذلك المصنف (ره) بأن الهيئة الاجتماعية الّتي كانت حال البيع زائلة فالافتراق حاصل و غاية دليل رفع الإكراه عدم ارتفاع حكم تلك الهيئة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 87

..........

______________________________

الاجتماعية أي الخيار. و امّا كون الهيئة الحاصلة بعده، و منها الهيئة حال زوال الإكراه بمنزلة الهيئة الاجتماعية حال العقد، فليس دليل على هذا التنزيل ليترتّب عليه ما تقدم فيدخل المقام في المسألة الآتية و هي انّه إذا ثبت في مورد خيار و تردّد أمره بين أن يثبت في خصوص أوّل زمان التّمكن على الفسخ أو بنحو التّراخي فهل يؤخذ باستصحاب الخيار أو يرجع بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و الحكم عليه بالفور.

أقول: قد تقدم انّه لو كنّا و الرّوايات الدّالة على المتبايعين بالخيار حتّى يفترقا لم يكن حديث الرفع شاملا للمورد لانّ الموضوع للخيار في تلك الرّوايات هو المتبايعان ما دام متصاحبين و بالافتراق ينتفي الموضوع، و من الظّاهر انّ رفع الإكراه يرفع الحكم في مورد تعلّق الإكراه بموضوع الحكم بان يوجده أو متعلّق التكليف بان يتركه و الإكراه على الافتراق إكراه على إعدام الموضوع لا على إيجاده على ما تقدم في كلام السيّد اليزدي (ره).

و لكنّ العمدة في المقام كانت صحيحة فضيل المتقدّمة فإنّها قد دلّت على انتهاء الخيار بعد الافتراق لكن لا مطلقا بل فيما إذا كان مع الافتراق رضا ببقاء البيع و حديث رفع الإكراه اقتضى ان لا يعتبر ذلك الرّضا المعاملي إكراهيّا

بل يعتبر الافتراق مع الرضا المعاملي الغير الإكراهي. نعم سبق الرّضا على الافتراق لا يستفاد من الصحيحة فإنّ قوله بعد الرّضا متعلّق بنفي الخيار لا لفعل الافتراق فيكون حاصل الصحيحة ان الافتراق بمجرّده لا يكون غاية بل يعتبر في الغاية حصول الرّضا ببقاء البيع ففي أيّ زمان تمّ الافتراق و الرّضا ببقائه ينتهي الخيار، و نتيجة ذلك كون الخيار بعد زوال الإكراه على الفور.

و بتعبير آخر كلمة بعد في قوله فلا خيار بعد الرّضا منهما نظير الزكاة بعد النصاب مدلوله اعتبار مدخولة في الحكم لا حدوث ذلك الحكم بحدوثه، بان يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 88

[الثاني خيار الحيوان]
اشارة

لا خلاف بين الإماميّة (1).

______________________________

الرّضا أو النّصاب تمام الموضوع هذا إذا لم يجعل الافتراق بنفسه كأحداث الحدث في الحيوان المشتري رضاء تعبديا بالبيع و الّا تكون مفاد الصحيحة مفاد الرّوايات المتقدمة في عدم جريان رفع الإكراه في المقام و يتعين الحكم بانتهاء الخيار بالافتراق كيف ما اتّفق.

و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما قيل انّ المقام لا يرجع فيه لا الى استصحاب بقاء الخيار و لا الى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، بل يحكم ببقاء الخيار بعد زوال الإكراه الى ان يسقط بمسقط آخر فانّ ما دلّ على انّ لكل من البائع و المشتري خيار الى حصول الافتراق المسبوق بالرضا بالعقد مقتضاه بقاء ذلك الخيار الى حصول الغاية المزبورة أمكن حصولها أو لم يمكن، كما في المقام حيث انّ مع الإكراه على الافتراق و المنع عن التخاير لا يحصل الافتراق الحدوثي المسبوق بالرّضا ببقاء العقد أو المقارن بذلك الافتراق.

و وجه الضّعف ما تقدّم من عدم ظهور الصّحيحة في سبق الرّضا ببقاء البيع على الافتراق أو ظهورها في

تعلّق الرّضا منهما بنفس الافتراق.

(1) لا خلاف بين علماء الإماميّة في ثبوت الخيار في بيع الحيوان للمشتري و ظاهر الروايات كالفتاوى ثبوته في بيع كل حيوان أي كل ذي حياة كبيرة أو صغيرة حتى العلق و دود القز، و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط)، و في صحيحة الفضيل عنه عليه السلام قلت له ما الشرط في الحيوان قال (ثلاثة أيّام للمشتري)، قلت له ما الشرط في غير الحيوان قال (البيّعان بالخيار ما لم يفترقا و إذا افترقا فلا خيار بعد الرّضا منهما)؛ و في معتبرة ابن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام و في غير الحيوان حتّى يفترقا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 89

..........

______________________________

الى غير ذلك.

و ظاهرها يعمّ ما إذا كان المقصود حياة الحيوان الى آخر عمره، كما في الحيوان المقصود به ركب ظهره أو برهة من الزمان كالحيوان المقصود ذبحه أو نحره للأكل بعد زمان كالبقر و الغنم و لا يبعد دعوى انصرافها عمّا لم يكن المقصود منه عادة حياته كما في السّمك المخرج من الماء و الجراد المحرز في الإناء و غيره لأن كلّ ذلك يباع بما هو لحم في العادة بل يشكل ثبوت الخيار فيما إذا صار الحيوان كذلك بالعرض كالصيد المشرف على الهلاك بإصابة السّهم أو بجرح الكلب المعلّم.

أقول: لعلّ الإشكال فيما إذا اعتبر في حل الحيوان ذبحه لاعتبار دركه حيّا، و امّا إذا لم يعتبر كما إذا لم يسع الوقت لذلك فلا فرق بينه و بين

السّمك المخرج و على تقدير ثبوت الخيار ففي امتداده إلى ثلاثة أيّام مطلقا أو مع بقاء حياته في ثلاثة أيّام و مع عدم بقائه إلى حين موته أو على الفور وجوه، و لكن لا يكون زهوق روحه و لو قبل الثلاثة تلفا للحيوان ليكون ضمانه على بايعه سواء كان قبل القبض أو في مدّة الخيار و ليكن المراد زهوق الروح في صورة عدم اعتبار الذّبح أو ازهاقه فيما اعتبر.

و امّا إذا اعتبر كما إذا أدرك زكاته و تركه بايعه فيما كان الذّبح عليه فيبطل البيع فيما كان قبل القبض أو بعده لأنّ التّرك يعدّ تلفا بخلاف ما إذا كان على المشتري فانّ إتلاف المشتري البيع في زمان الخيار موجب لسقوط خياره، و لكن دعوى انصراف الرّوايات عن المشرف للهلاك قريبة جدّا، فانّ تحديد الخيار بثلاثة أيّام و ما يظهر من الرّوايات عرفا من انّ الحكمة في ثبوت الخيار ملاحظة حال الحيوان في تلك المدة قرينة على الانصراف، و انّ التحديد المزبور خصوصا بملاحظة حكمة جعل الخيار مقتضاه ثبوته في خصوص موارد يقصد من شراء الحيوان فيها عادة حياته و لو في الجملة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 90

..........

______________________________

و ذكر المصنف (ره) انّه هل يختص خيار الحيوان بما كان المبيع معينا أو يعمّ الكلي على العهدة لم أجد من صرح بالاختصاص أو بالعموم؛ نعم يظهر من بعض المعاصرين اختصاصه بالمعين كما هو مقتضى مناسبة الحكمة التي دعت الشرع الى جعل الخيار للمشتري و هي ملاحظة حال الحيوان و الاطّلاع على خصوصياته، و هذا هو الأقوى، و أضاف النّائيني في وجه الاختصاص بالمعيّن وجها آخر و هو انّه لا يمكن الالتزام بثبوت الخيار في

شراء الحيوان سلما قبل استحقاق المشتري المطالبة بالمبيع و ثبوت الخيار بعد قبض الحيوان إلى ثلاثة أيّام خارج عن مدلول اخبار الباب و إذا لم يثبت الخيار في بيع الكلّيّ سلما لا يثبت في بيعه حالا ايضا لعدم احتمال الفرق بينهما في جريان الخيار و عدمه.

أقول: لم يعلم انّ حكمة الخيار يقتضي اختصاصه بالمعين فإنّه يمكن تعميم الخيار و كون حكمة ملاحظة القيود المعتبرة في المبيع و ما لا يعتبر فإنّه ربّما يلتفت المشتري الى عدم الصلاح في شراء الحيوان المزبور و بذلك يظهر انّه مع ثبوت الخيار في بيع السلم يكون مبدأه تمام البيع و لو لم يستحق المشتري المطالبة بالمبيع و يظهر ثبوت الخيار في الكلي على العهدة فضلا عن الكلّي في المعين مثل صحيحة فضيل المتقدمة التي قسم فيها المبيع بين الحيوان و غيره و حكم على الأول بالخيار إلى ثلاثة أيام و على الثاني الى ان يفترقا و من الظاهر ان الكلّي على العهدة أو في المعيّن داخل في الأول.

و لكن ذكر بعض الأجلة (دامت أيّامه) عدم ثبوت خيار الحيوان فيما إذا كان المبيع السّهام في الحيوان كما إذا باع الشّريكان كل منهما النّصف المشاع من الحيوان من واحد سواء كان البيع بصفقة أو صفقتين، و ان كان الأمر فيما إذا باع كل منهما نصفه أوضح و لأن نصف الحيوان لا يكون حيوانا و كذلك لا يثبت الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 91

[المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري]

المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري (1).

______________________________

في الكلي على العهدة فإن الكلي على العهدة حيوان بعنوانه و بالحمل الأولي لا بالحمل الشائع، و هكذا الحال في الكلي في المعين؛ أضف الى ذلك انصراف اخبار

الباب الى شراء الحيوان بنحو الغالب و هو وقوع البيع على شخص الحيوان و لا يقع البيع على الكلي إلّا نادرا. نعم إذا كان الكليّ في المعين منحصرا بواحد صحّ ثبوت الخيار.

أقول: امّا دعوى انصراف الأخبار فيدفعها ملاحظة الأخبار الكثيرة الواردة في شراء الحيوان بنحو السلم فإنّه يظهر منها انّ هذا النحو من الشراء كان متعارفا.

و امّا عدم كون الكلي على العهدة حيوانا الّا بالحمل الأولي فقد تقدم انّ البيع في موارد الكلي الحيوان الخارجي لا مفهومه و عنوانه غاية الأمر انّ الوجود الخارجي غير متعيّن الّا بالعنوان نظير موارد الطلب على ما تقدّم.

(1) المشهور قديما و حديثا ثبوت الخيار في شراء الحيوان للمشتري خاصة بمدة ثلاثة أيّام و يستدلّ عليه بأنّه مقتضى الأخذ بالإطلاق في بعض الرّوايات الدّالة على ان البيعان بالخيار ما لم يفترقا و إذا افترقا وجب البيع حيث يرفع اليد عن لزوم البيع بعد الافتراق بالإضافة إلى المشتري خاصة و يؤخذ به الإضافة إلى البائع بل يمكن الأخذ بعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فيما إذا لم يكن في البيع خيار المجلس بالأصل أو بالعارض كاشتراط سقوطه، و إذا ثبت لزوم البيع بالإضافة إلى البائع في هذه الصورة يثبت لزومه بالإضافة إليه فيما كان في البين خيار المجلس لعدم احتمال الفرق بين الصورتين في ثبوت الخيار لبائع الحيوان و عدم ثبوته.

أضف الى ذلك ظاهر الروايات الواردة في شراء الحيوان حيث صرّح فيها بثبوت خيار الحيوان للمشتري و لو كان خيار الحيوان كخيار المجلس في ثبوته للمتابعين لم يكن وجه لذكر المشتري و ترك ذكر البائع؛ و في صحيحة الحلبي و غيرها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 92

..........

______________________________

عن أبي عبد اللّٰه

عليه السلام قال في الحيوان كله شرط ثلاثة أيّام للمشتري و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط. و في صحيحة الفضيل ما الشّرط في الحيوان قال ثلاثة أيّام للمشتري و ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا و إذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما بل ظاهر قوله في بيع غير الحيوان و إذا افترقا وجب البيع يعمّ ما إذا كان الثمن في بيع غير الحيوان حيوانا و أوضح من ذلك كله الصحيحة المحكيّة عن قرب الإسناد عن أحمد و محمد ابني محمد ابن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي ابن رئاب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أولهما كليهما فقال الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و لكن مع ذلك قد ذهب السيد المرتضى و ابن طاوس الى ثبوت الخيار في شراء الحيوان للمتبايعين و يشهد له صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام و فيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا و ذكر المصنف (ره) انّ هذه الصحيحة تعارضها صحيحة علي بن رئاب و تقدم على تلك الصحيحة ترجيحا في مقام المعارضة فإنّهم قد صرّحوا بترجيح رواية مثل زرارة و محمد بن مسلم من الفقهاء الثقات على رواية غيرهم ممّن يكون دونهم في الثقة و الفقاهة مع انّ صحيحة محمد بن مسلم مروية في الكتب الأربعة بخلاف صحيحة علي ابن رئاب فإن اعتبار كتاب قرب الاسناد أو غيره لا تصل مرتبة اعتبار الكتب الأربعة فإن كثيرا من أصحابنا لا يلتفتون الى

حديث لا يوجد في تلك الكتب مع التفاتهم الى وجود أحاديث في غيرها؛ و امّا سائر الروايات فتقدم صحيحة محمد ابن مسلم عليها للجمع الدلالي بينها و بين تلك الروايات فإن دلالة تلك الرّوايات على نفي الخيار عن بايع الحيوان بالمفهوم أي الاقتصار بذكر المشتري و عدم التعرض للبائع و يمكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 93

..........

______________________________

ان يقال انّ عدم التعرض فيها للبائع ليس لنفي الخيار عنه بل لانّ الغالب في شراء الحيوان وقوع الفسخ من المشتري حيث انّه يطلع في تلك المدّة على خفايا الحيوان و خصوصياته، و لذا اقتصر بذكره، و من الظاهر ان مع وجود الجمع الدلالي لا تصل النوبة إلى إعمال مرجّحات المعارضة ككون احدى الروايتين أشهر ليقال انّ الشهرة في الروايات النّافية للخيار عن البائع. و يبقى في البين الشهرة من حيث الفتوى و لكن لا اعتبار بالإجماع فيما إذا أحرز مدركه فضلا عن الشهرة ثمّ قد قرب (ره) اختصاص خيار الحيوان بالمشتري بدعوى انّ الطائفة الأولى لا يقصر ظهورها في اختصاص خيار الحيوان بالمشتري عن الخبر الدال على ثبوته للمتبايعين و يظهر ذلك بملاحظة مثل صحيحة زرارة حيث انه لو كان خيار الحيوان كخيار المجلس في ثبوته للمتبايعين، لما كان للعدول عن التعبير بالبيعين الى صاحب الحيوان وجه و تلك الطائفة مشهورة بين أصحاب الحديث حتى عند محمد بن مسلم الراوي للخبر المزبور حيث انّه روى ايضا الرّواية الدّالة على انّ خيار الحيوان حق لصاحب الحيوان أي من يملكه بالبيع المفروض فيكون الترجيح لها و على تقدير تعارضهما و تساقطهما يرجع الى عموم قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا، و إذا افترقا وجب

البيع حيث ان المتيقّن من تقييد وجوب البيع بعد الافتراق ثبوت الخيار للمشتري في شراء الحيوان إلى ثلاثة أيّام فيؤخذ بالوجوب بالإضافة إلى البائع فالقول بثبوت الخيار للمتبايعين ضعيف.

نعم هنا قول ثالث أقوى من القول المزبور و هو ثبوت الخيار لمن انتقل اليه الحيوان سواء كان مشتريا أو بائعا و مع كون العوضين حيوانا يثبت الخيار لكلّ منهما إلى ثلاثة أيّام و يقتضيه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول (قال رسول اللّٰه (ص) البيّعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 94

..........

______________________________

ثلاثة أيّام.

لا يقال قد قيّد صاحب الحيوان بالمشتري في موثقة حسن بن علي بن فضّال قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام فإنه يقال تفسير صاحب الحيوان بالمشتري باعتبار الغالب و الغرض من التفسير دفع احتمال ثبوت هذا الخيار للمالك الأصلي للحيوان حيث انّ الغالب في البيوع كون الحيوان مبيعا لا ثمنا فلا تنافي الأخذ بإطلاق الصحيحة الدّالة على ثبوت الخيار لمن انتقل اليه الحيوان بايعا كان أو مشتريا لأنّ غلبة القيد توجب ان لا يرفع اليد به عن إطلاق المطلق و لكن لا توجب صرف الإطلاق إليه.

لا يقال كيف الجمع بين الصحيحة الدّالة على ثبوت الخيار لصاحب الحيوان و الصحيحة الدّالة على ثبوته للمتبايعين فإنه يقال تحمل الصّحيحة الثانية على صورة كون العوضين حيوانا.

و ذكر (ره) في آخر كلامه انه لا يبعد انصراف صاحب الحيوان في الصحيحة الأولى الى المشتري فعليه لا موجب لرفع اليد عن أصالة اللزوم بالإضافة إلى البائع كان الثمن حيوانا أم لا. أقول: امّا صحيحة زرارة

الدالة على ثبوت الخيار لصاحب الحيوان فلا يعارضهما شي ء فان موثقة حسن بن فضال المفسر فيها صاحب الحيوان بالمشتري لدفع احتمال ثبوت خيار الحيوان لصاحبه الأصلي أي البائع، و يحصل هذا الدفع ايضا بكون المشتري بصيغة المفعول صفة للحيوان و الروايات الدالة على ثبوت الخيار لمشتري الحيوان لا دلالة لها على عدم ثبوته للبائع فيما إذا كان الحيوان ثمنا في البيع بل مقتضى التفصيل في مثل صحيحة زرارة بين خيار المجلس و خيار الحيوان في التعبير عدم ثبوت خيار الحيوان كخيار المجلس للمتبايعين. و الحاصل يؤخذ بإطلاق صاحب الحيوان في صحيحة زرارة و يحكم بثبوت خيار الحيوان بايعا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 95

[لا فرق بين الأمة و غيرها]

لا فرق بين الأمة و غيرها في مدة الخيار (1)

[مبدء هذا الخيار من حين العقد]

مبدء هذا الخيار من حين العقد (2).

______________________________

كان أو مشتريا و لا موجب لانصرافه الى خصوص المشتري فان المطلق يعمّ فرده الغالب و غيره و انّما لا يصلح خطاب المقيد فيما كان القيد غالبا لتقييد خطاب المطلق.

و يبقى في البين معارضة هذه الأخبار مع صحيحة مسلم الدالة على ان المتبايعين بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا، و لو أمكن حمل هذه على ما إذا كان كل من العوضين حيوانا كما استظهر ذلك من التعبير بالمتبايعين فان ظاهر باب التفاعل قيام المبدء بكل من الطرفين. و بتعبير آخر المفروض في الصحيحة اتحاد العوضين في العنوانين فيكون الخيار لكل من المتبايعين ثلاثة أيّام؛ و في غير ذلك حتى يفترقا و لو لم يمكن الحمل باعتبار ان البيع يتحقّق بفعل الطرفين لا بواحد منهما و ظهور باب التفاعل في قيام المبدء بكل منهما فيما إذا لم يتوقف تحقق ذلك المبدء بفعلهما فيقع التعارض بين الطائفتين و يقدم الطائفة الأولى لموافقها للعموم في قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) كما لا يخفى.

(1) لا فرق بين الأمة و غيرها في كون الخيار فيهما إلى ثلاثة أيّام. و في صحيحة علي ابن رئاب قال سئلت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما كلاهما فقال الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و لكن عن الغنية و الحلبي ان مدة خيار الأمة مدة أستبرئها اي الحيضة أو خمسة و أربعون يوما و ادّعى في الغنية الإجماع على ذلك و ربّما ينسب هذا القول

الى غيرهما كالمراسم و المقنعة و النّهاية لحكمهم بضمان البائع الأمة مدة استبرائها؛ و من الظاهر ان ضمانه حكم لخيار المشتري و على كل فلا يعرف لهذا القول وجه.

(2) مبدء خيار الحيوان تمام العقد و لو لم يتفرّقا الى ان انقضى ثلاثة أيام ينتهي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 96

..........

______________________________

خيار الحيوان و يبقى خيار المجلس و الوجه في ذلك قوله عليه السلام الشرط في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره الى ان يفترقا فانّ ظاهره كون المبدء للخيارين واحدا. و عن ابن زهرة جعل مبدأه انقضاء خيار المجلس، و كذا الشيخ و ابن إدريس حيث ذكرا ان مبدء خيار الشرط حين التفرق لأنّ الخيار يثبت فيما إذا ثبت العقد و العقد لا يثبت قبل التفرّق، و هذا الدّليل كما ترى يجري في خيار الحيوان ايضا.

و لكنه ضعيف فإنّه ان أريد من ثبوت العقد بتمامه فالأمر ظاهر لأن تمام العقد بتمام البيع لا بانقضاء زمان خيار المجلس و ان أريد من تمامه لزومه فالأمر كذلك أيضا فإنّ الخيار حكم للعقد اللّازم لولا الخيار لا حكم للعقد اللّازم لولا هذا الخيار كما لا يخفى.

و يستدل على القول المزبور بوجوه، أخرى منها استصحاب الخيار بعد ثلاثة أيام من حين العقد بل باستصحاب عدم حدوثه قبل التفرق و فيه انّه لا تصل النوبة الى الأصل العملي مع وجود الدليل الاجتهادي و هو الظهور المتقدم و ايضا فالاستصحاب على التقريب الثاني مثبت لانّ عدم حدوث خيار الحيوان قبل التفرق لا يثبت حدوثه حين التفرق.

و منها ما ورد في انّ التلف في زمان خيار الحيوان على البائع حيث انه ممن لا خيار له و لو كان مبدء

خيار الحيوان من حين التفرق يصحّ التلف عليه لأنه لا خيار له و لا يصحّ فيما إذا جعل مبدأه من حين العقد فإنه لا موجب لحساب التلف على البائع فيما إذا تحقق التلف قبل التفرق حيث انه تلف في زمان الخيار المشترك و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بان ما ورد في كون التلف في زمان خيار الحيوان يحسب على البائع بانحلال البيع مبني على الغالب من وقوع التلف بعد التفرق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 97

..........

______________________________

و انقضاء خيار المجلس.

أقول: الصحيح عدم الفرق بين الصورتين فإنه يحسب التلف على البائع فإنّ ثبوت خيار المجلس لا يكون موضوعا لانحلال البيع بالتلف و لا ينافي ذلك انحلاله بالتلف مع غيره و منها انه إذا كان في البين خيار الحيوان قبل التفرق للزم اجتماع السببين على المسبب الواحد و أجاب (ره) بأنّ خيار الحيوان لو كان مختلفا مع خيار المجلس في المهيّة و النوع فلا اجتماع على مسبب واحد، و ان اتّحدا نوعا فكذلك لأن الأسباب الشرعيّة معرفات و علامات متعددة بل لو كانت مؤثرات فتأثير كل واحد مستقلا يتوقف على عدم انفراده و في صورة اجتماعهما يؤثران معا.

أقول: الصحيح في الجواب انّ الخيارين متحدان في الحقيقة حيث انّ الخيار ملك فسخ العقد و انّما يختلفان بحسب الأحكام، و كل من شراء الحيوان و اجتماع المتبايعين حال العقد موضوع لهما فليس في البين تأثير و لا معرف بمعنى العلامة فالخيار في المقام متعدد لأنّ كلا منهما حكم لموضوع قد تحقق كما لا يخفى.

و ذكر في التذكرة في الجواب عمّا قيل من انّ ثبوت الخيارين معا في عقد واحد يوجب اجتماع المثلين ان الخيار واحد

و الجهة متعددة، و هو كما ترى فإنه كما ذكرنا الخيار متعدد، و لذا يبقى الخيار مع إسقاط أحدهما و قد تقدم ايضا انّ الخيار الشرعي حكم شرعي للبيع كما هو ظاهر الخطاب فيكون تعلقه بالبيع بعد تمامه.

و لو كان البيع مشروطا بالقبض كما في السلم أو التقابض، كما في الصرف فلا يثبت الخيار فيهما الّا بعد القبض أو التقابض و عن السيد اليزدي (قده) انه يمكن ان يقال بعدم ثبوت الخيار المجلس في بيع الحيوان أصلا فإن ذلك مقتضى المقابلة بين بيع الحيوان و غيره في الأخبار، و ان الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري و في غيره الى ان يفترقا و تبعه على ذلك بعض الأجلاء (دامت أيامه) حيث ذكر ظهور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 98

..........

______________________________

الروايات في عدم ثبوت خيار المجلس في بيع الحيوان و شرائه. أقول المطلقات الدّالة على ثبوت خيار المجلس في كل بيع و منه بيع الحيوان موجودا نظير صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (أيّما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا و صحيحة محمد ابن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قال رسول اللّٰه (ص) (البيعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام؛ و نحوها صحيحة زرارة عنه عليه السلام و مقتضاها ثبوت الخيارين لمشتري الحيوان و صاحبه أحدهما الى ان يفترقا و الآخر إلى ثلاثة أيّام.

و انّما الكلام في المقيد الموجود في البين الموجب لرفع اليد عن المطلقات المتقدمة فيقال انّ المقيد هي المقابلة بين الحيوان و غيره في معتبرة علي ابن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول الخيار

ثلاثة أيّام للمشتري و في غير الحيوان الى ان يفترقا و لو كان خيار الحيوان مجتمعا مع خيار المجلس لزم التعبير بأنّ الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، و في كل البيوع الى ان يفترقا و نظيرها صحيحة الفضيل، حيث سأل الإمام عليه السلام بقوله ما الشرط في الحيوان قال (ثلاثة أيّام للمشتري قلت ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار الى ان يفترقا).

و لكن يمكن الجواب عن الأخير بأنّ قوله عليه السلام البيعان بالخيار الى أن يفترقا مطلق يعم بيع الحيوان و غيره و السؤال عن الخيار في بيع غير الحيوان لا يكون مقيّدا للإطلاق الوارد في الجواب، و بتعبير آخر كون البيعان بالخيار ما لم يفترقا يثبت لكل بيع كان المبيع فيه حيوانا أو غيره بخلاف ثلاثة أيام فإنّه حكم لخصوص شراء الحيوان و عدم عطف الى ان يفترقا على ثلاثة أيام باعتبار عدم كون الخيار الى الافتراق حكما لبيع الحيوان و شرائه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 99

[لا إشكال في دخول اللّيلتين المتوسطتين]

لا إشكال في دخول اللّيلتين المتوسطتين (1).

______________________________

و امّا معتبرة علي ابن أسباط فقوله عليه السلام و في غير الحيوان الى ان يفترقا بعد قوله الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري ناظر الى فرض الغالب و هو انّ المفيد لمشتري الحيوان بحسب الغالب خيار الحيوان حيث ان معه لا يحتاج إلى إعمال خيار المجلس فالتقييد باعتبار عدم الفائدة في خيار المجلس لمشتري الحيوان غالبا فلا يوجب رفع اليد عن المطلقات المتقدمة، و هكذا الكلام في صحيحة محمد ابن مسلم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا مع

انه قد تقدّم الإشكال في الأخذ بظهور هذه الصّحيحة و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) لا ينبغي الرّيب في دخول الليلتين المتوسطتين في ثلاثة أيام لا لأنّ الليلتين داخلتان في معنى اليومين فان اليوم يقابل الليل و ظاهره بياض النهار، بل دخول الليلتين باعتبار كون المستفاد من الروايات ثبوت خيار واحد مستمر من حين تمام الشراء الى انقضاء ثلاثة أيّام. نعم مقتضى الظهور العرفي لثلاثة أيّام يعم كونها بنحو التّلفيق بمعنى انه لو وقع البيع عند زوال الشمس من اليوم الأوّل فينتهي الخيار عند الزوال من اليوم الرابع و تدخل الليالي الثّلاث في ثلاثة أيّام لدلالة قرينة استمرار الخيار الواحد على ذلك لا لدخول الليالي في المستعمل فيه للأيّام و هذا يجري في كل مورد يحدّد فيه موضوع الحكم أو متعلّقه أو نفس الحكم بالأيام فيكون ظاهر الخطاب اليوم مقابل الليل، و ان الأيام لو حظت بنحو الاتّصال و انّها تعم بنحو التّلفيق من بياض النّهار من يومين.

نعم ربّما لا يكون فهم عرفي بالإضافة إلى كفاية التلفيق كما إذا كان متعلق الحكم أو التكليف من العبادة كالاعتكاف المحدد بثلاثة أيّام فان في مثله لا بدّ من رعاية اليوم التام و مما ذكر يظهر انّ التّلفيق من بياض النهار في موارد مساعدة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 100

[مسقطات خيار الحيوان]

أحدها اشتراط سقوطه في العقد (1).

______________________________

الفهم العرفي لا بأس به، و امّا التلفيق من الليل بمقدار اليوم فلا يكفي لعدم صدق اليوم على اللّيل.

و قد يقال بثبوت الخيار بثلاثة أيّام مع لياليها لأنّ دخول اللّيلتين فقط يوجب اختلاف مفردات الجمع في الاستعمال، و الجواب انّه ان أريد دخول الليلة الأولى فيما إذا وقع البيع في

الليل فهو حسن، و لكن لا للوجه الّذي ذكره بل لأنّ ذلك مقتضى كون مبدء خيار الحيوان تمام البيع، و ان أريد الليلة الأخيرة فيما إذا وقع البيع أول اليوم ليكمل ثلاثة أيّام و ثلاث ليال فهو غير صحيح و لا يلزم من خروجها اختلاف المفردات في المستعمل فيه للفظ يوم، فإنه بياض النهار و دخول اللّيلتين المتوسطتين باعتبار دلالة الدال الآخر، و هو ثبوت الخيار من حين تمام العقد مستمرا إلى ثلاثة أيّام، و في صحيحة علي ابن رئاب قال سئلت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أولهما كلاهما قال الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء فانّ ظاهرها عدم لزوم العقد قبل مضيّ ثلاثة أيام لا انّ العقد في اللّيالي محكومة باللزوم، و في النهار من تلك الليالي بالجواز كما لا يخفى.

(1) يسقط خيار الحيوان بأمور منها اشتراط سقوطه في العقد حيث تقدم في بحث خيار المجلس ان الخيار من الحقوق و ان اشتراط سقوطه في العقد يكون إسقاطا قوليا و لذلك لا فرق بين اشتراط سقوطه رأسا أو سقوطه في بعض الأيام مع تعدد الخيار فيها، و الّا ففي نفوذه اشكال حيث انّ الخيار الثابت لصاحب الحيوان أو مشتريه واحد لا تعدد فيه حتى بالإضافة إلى الأيام.

و منها إسقاطه بعد العقد قولا و قد تقدم ايضا انّ ذلك مقتضى كون الخيار حقا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 101

..........

______________________________

و منها التّصرف فانّ كون التصرف في الحيوان المشترى مسقطا للخيار في الجملة مما لا خلاف فيه و يشهد له صحيحة علي ابن رئاب عن ابي عبد اللّٰه

(ع) قال (الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط) قيل له و ما الحدث قال ان لامس أو قبّل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشّراء.

و صحيحة محمد بن الحسن الصفار قال كتبت الى أبي محمد عليه السلام في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ إله أن يردّها في الثلاثة الأيّام التي فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الّذي يركبها فراسخ؟ فوقّع عليه السلام إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إنشاء اللّٰه تعالى. و في صحيحة علي بن رئاب المروية في قرب الاسناد قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار فقال الخيار لمن اشترى الى ان قال قلت له أ رأيت ان قبلها المشتري أو لامس فقال إذا قبّل أو لامس أو نظر منها الى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط و لزم البيع.

و استدلّ في التذكرة على كون التصرف مسقطا للخيار بأنّه دليل الرّضا أي كاشف عنه و المراد بالرّضا الرّضا بلزوم العقد و سقوط خياره و ذكر في موضع آخر نظير ما في الغنية بأنّ التصرف اجازة للبيع المزبور.

و لكن لا يخفى انه ان كان المراد من الحدث المسقط التصرف المحرم على غير المالك و المحلّل له أو المأذون منه كما يشير الى كونه محرما الى غير المالك قوله عليه السلام أو نظر الى ما يحرم النظر اليه قبل الشراء أي قبل كونه مالكا فلازمه الالتزام بسقوط الخيار بمطلق استخدام المملوك و

التصرف في الحيوان لأن مطلق التصرف فيه غير جائز على غير المالك و على غير المأذون من قبله، و قد صرّح بسقوط خيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 102

..........

______________________________

العيب بمطلق التصرف في المعيب فلا يجوز معه ردّه على بايعه سواء كان التصرف قبل العلم بالعيب أو بعده و على ذلك يكون جعل الخيار ثلاثة أيّام للمشتري مع كون مطلق التصرف مسقطا كاللغو فإنّ الحكمة في جعل الخيار على ما ذكروه الاطلاع على خفايا الحيوان التي توجب كراهة المشتري و إعراضه عن الإمساك به و لو كان مطلق التصرف في الحيوان مسقطا للخيار لما كان لهذه الحكمة مورد.

و الالتزام بأنّ مطلق التصرف لا يكون مسقطا بل المسقط التصرف الدال على الرّضا ببقاء العقد لا يمكن المساعدة عليه فإنّه لا يناسب الأمثلة التي ذكروها لكون التصرف مسقطا و دعوى انّ تلك التصرفات كلها من قبيل الإسقاط الفعلي أي من قبيل الدّال على الرّضا ببقاء العقد و لو بظهور نوعي كما ترى.

أقول: كون التصرف في خيار العيب مسقطا له بحيث لا يجوز فسخ البيع بعده بل يتعين جواز أخذ الأرش غير مسألة كون التّصرف مسقطا لخيار الحيوان فلا بدّ من ملاحظة الرّوايات في كل من المسئلتين و لو تمّ دلالتها على كون التصرف مسقطا لخيار الحيوان فلا بأس بالالتزام به غاية الأمر لا يكون التّصرف الّذي يتعارف اختبار الحيوان به مسقطا لانصراف الروايات و عدم ظهورها خصوصا بملاحظة ان المتفاهم من جعل الخيار للمشتري ثلاثة أيّام لحاظ خصوصياته في تلك المدة و لا ينافي ذلك جعل الشارع بعض الأفعال حدثا و رضاء بالبيع تعبّدا كما يأتي ذلك في النّظر الى ما يحرم من الأمة

أو تقبيلها و لمسها و على ذلك فالمراد بالرضا بالبيع الالتزام بعدم فسخه فانّ الرّضا بأصل البيع مفروض قبل التصرف و يدلّ على ذلك رواية عبد اللّٰه ابن الحسن، و لكن باعتبار ضعف سندها تصلح للتأييد و رواها عن أبيه عن جعفر بن محمد قال عليه السلام قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله في رجل اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال يستخلف باللّٰه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 103

..........

______________________________

ما رضيه ثم هو بري ء من الضّمان.

و الحاجة الى الاستحلاف مع عدم كون بايعه مدّعيا فانّ الدعوى لا تسمع الّا مع الجزم مبني على سماع الدعوى بنحو التهمة أو يحمل على صورة جزم البائع بإسقاط خياره بالالتزام بالبيع المزبور.

و ذكر (قده) انّ قوله عليه السلام فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضاء منه و لا شرط له يحتمل وجوها الأوّل ان يكون فذلك رضاء منه جزاء للشرط بان يكون احداث الحدث في الحيوان رضاء بالبيع و التزاما به بحيث لا ينفسخ بعد ذلك و حيث انّ الحدث لا يكون إسقاطا للخيار و التزاما بالبيع مطلقا بنحو الإسقاط الإنشائي فيكون الرّضا و الإسقاط بنحو التعبد و الحكم الشرعي.

و الوجه الثّاني ان الجزاء قوله عليه السلام و لا شرط له و قوله فذلك رضاء منه تمهيد للجزاء المزبور ببيان الحكمة له بمعنى ان الحدث في الحيوان لدلالته غالبا على التزام المشتري بشرائه و عدم رفع يده عنه فاعتبره الشارع ملاكا في حكمه بسقوط الخيار بالحدث مطلقا نظير ما تقدم في سقوط خيار المجلس بالافتراق من انّ حصول الافتراق غالبا بداعي الرّضا و الالتزام بالبيع صار

موجبا لاعتبار الشّارع الافتراق في جميع موارده مسقطا و أورد على هذين الاحتمالين ان لازمهما الالتزام بسقوط خيار الحيوان بكل تصرف حتى فيما إذا وقع التصرف لاختبار الحيوان و الاطّلاع على خفاياه و مع الالتزام بذلك يكون ثبوت خيار الحيوان للمشتري كاللغواضف الى ذلك مخالفته لما عليه إجماع الأصحاب من اعتبار دلالة التصرف على الرضا في سقوط الخيار. نعم كون تلك الدلالة بنحو دلالة الألفاظ ظهورا نوعيّا أو يعتبر الظهور في كل مورد يأتي في الوجهين الأخيرين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 104

..........

______________________________

أقول: كون الجزاء للشرط قوله و لا شرط له غير محتمل لانّ الواو العاطفة لا تدخل على الجزاء و يتعين كون الجزاء نفس قوله فذلك رضاء منه. و من الظاهر ان الحدث في الحيوان لا يكون في جميع موارده رضاء بالبيع بالرضا الإنشائي من ذي الخيار فيكون كذلك بنحو التعبد و الحكم الشرعي نظير ما تقدم في كون الافتراق رضاء بالبيع و لا بعد أيضا في الالتزام بان الحدث في الحيوان أي التصرف المغيّر كأخذ الحافر مسقط للخيار فإنّه لا يدخل في الحدث التّصرف غير المغير كركوب الحيوان فان تلك التصرفات إذا كان بداعي الالتزام بالبيع و إظهار إبقائه فتدخل في الإسقاط الفعلي و الّا فلا يسقط الخيار بها مثل أمر الأمة بغلق الباب أو سقيه ماء خصوصا فيما إذا وقعت بغرض الاختبار و الاطلاع على خفايا الحيوان و خصوصيات الأمة و يلتزم بان مثل لمس الأمة و تقبيلها و النظر الى ما يحرم قبل شرائها مسقط للخيار، و ان ما ذكر من قبيل الحدث و لو بنحو التعبد و التنزيل.

الوجه الثالث: أن يكون الجزاء قوله عليه السلام و لا

شرط له و قوله فذلك رضاء منه بيان لعلّه الجزاء و المراد بالرّضا الدلالة عليه نوعا نظير دلالة الألفاظ على كون مراد المتكلم معانيها الحقيقيّة، و حيث انّ الحكم يدور مدار العلّة فيكون سقوط الخيار بالتصرف دائرا مدار دلالة التصرّف فيكون الخيار ساقطا فيما للفعل ظهور نوعي على التزام المشتري بالبيع و لو لم يكن ذلك من قبيل التصرف في الحيوان كما في عرض الحيوان المشترى للبيع. و ظاهر الأصحاب ايضا انّ التصرّف مسقط للخيار بهذا الوجه فإنهم ذكروا انّ كل تصرف يكون اجازة من المشتري يكون فسخا فيما إذا وقع عن البائع، و لو كان التصرف مطلقا مسقطا تعبدّيا لما كان وجه للتعدّي إلى تصرّف البائع.

و ما يذكر من كون التصرف مطلقا مسقطا للخيار لأنّ الأصحاب ذكروه في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 105

..........

______________________________

مقابل الإجازة و إسقاط الخيار غير صحيح.

و الوجه الرّابع: هو ان يكون قوله عليه السلام و لا شرط له هو الجزاء و قوله فذلك رضاء منه بيان العلّة له، و لكن المراد بالرضا الشخصي لا النوعي بأن يكون للتصرف المزبور دلالة فعليّة على رضا المتصرف على التزامه بالبيع و إسقاطه الخيار كما يؤيّد ذلك ظاهر رواية عبد اللّٰه بن الحسن المتقدمة و كون التصرف مسقطا للخيار كذلك، و ان يكون أظهر الاحتمالات، و لكن اعتبار الدلالة بهذا النحو خلاف المتسالم عليه بين الأصحاب فيتعيّن الثالث.

أقول: قد تقدم ان الحدث في الحيوان مسقط، و لكن التصرف الّذي لا يدخل في الحدث يكون إسقاط الخيار به مع ظهوره في الالتزام بالبيع و الإغماض عن حق فسخه، و ان بعض التّصرفات قد حكم بكونها حدثا بنحو التعبد و التنزيل نظير

لمس الجارية و تقبيلها و النظر الى ما كان النظر اليه محرّما قبل شرائها و اللّٰه سبحانه هو العالم).

ثم ان المصنّف (ره) قد ذكر في المقام إشكالين أحدهما ظهور بعض الكلمات في كون مطلق التصرف في الحيوان مسقطا للخيار حتى مثل ركوب الدابة في طريق ردّها على بائعها مع ان ظاهر النصوص و الفتاوى كون التصرف مسقطا لدلالته على الالتزام بالبيع و ارادة عدم فسخه. و ثانيهما انّه إذا كان غالب التّصرفات في الحيوان في ثلاثة أيام يقع مع التردد في فسخ البيع أو مع الجزم بالفسخ كما في ركوب الدابّة في طريق الردّ فكيف يعلّل كون التصرف مسقطا بكونه رضاء بالبيع فإنّه لا يصحّ هذا التعليل إلّا إذا كان غالب التّصرفات دالا على ذلك الرّضا، و ممّا ذكر يظهر عدم كون التصرف مسقطا بل العبرة في السقوط الرضا بالبيع رواية عبد اللّٰه ابن الحسن حيث لم يتعرّض فيها للتصرف في ثلاثة أيام و عدمه مع وقوع بعض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 106

[الثالث خيار الشرط]
اشارة

الثالث خيار الشرط (1).

______________________________

التّصرف فيها عادة؛ و انّما تعرّض لإسقاط الخيار بالرّضا بالبيع و عدمه.

و أوضح منها صحيحة الحلبي في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردّها فقال ان كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد، و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شي ء فان شرب لبنها مع توقفه على التصرف في الحيوان بالحلب لم يحكم بكونه مسقطا للخيار، و الظاهر انّ الردّ فرض قبل تمام الثّلاثة، و الحكم برد ثلاثة أمداد، و ان كان على خلاف القاعدة و ظاهر بعض الروايات الدالة على انّ المنافع مدّة الخيار للمشتري، و لذا

يحمل على الاستحباب الّا ان صدرها ظاهرة في عدم كون التصرف مسقطا للخيار، و ممّا يدلّ على كون المنافع زمان الخيار لمن انتقل اليه العين موثقة إسحاق بن عمّار الآتية.

بقي في المقام أمر و هو ان هل يثبت في بيع الحيوان مع غيره بصفقة واحدة خيار الحيوان بالإضافة الى بيعه و لو مع الالتزام بعدم ثبوت الخيار في البيوع الانحلالية الظّاهر ذلك، غاية الأمر على تقدير فسخ بيعه يثبت للبائع خيار تبعّض الصفقة بالإضافة إلى بيع غيره.

و الوجه في الظهور انّ عدم ثبوت الخيار في كل واحد من البيوع الانحلالية باعتبار انّ ظاهر الأدلة ثبوت خيار واحد لمشتري الحيوان و لو ثبت ذلك الخيار في كل واحد من البيوع الانحلاليّة و لو فيما إذا باع العشرة بصفقة لتعدّد الخيار، و هذا لا يجري فيما إذا كان أحد العوضين حيوانا قد بيع منضمّا الى غيره بصفقة و من هنا يظهر الحال فيما إذا باع حيوانين بصفقة واحدة و ظهر واحد منهما ملك الغير فإنّه يثبت الخيار بالإضافة إلى بيع المملوك.

(1) المراد بخيار الشرط الخيار الثابت باشتراطه في البيع فيكون خيارا شرعيا إمضائيّا في مقابل الخيار الشّرعي التأسيسي، كخياري المجلس و الحيوان،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 107

..........

______________________________

و لا خلاف في صحّة اشتراط الخيار في البيع سواء كان متّصلا بتمام العقد أو منفصلا عنه، و يستدلّ على مشروعيّته بالأخبار العامة كقوله عليه السّلام (المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّٰه و المراد من موافقة كتاب اللّٰه بقرينة المقابلة عدم مخالفة كتاب اللّٰه.

و لكن قد نوقش في هذا الاستدلال بأنّ شرط الخيار في البيع مخالف لكتاب اللّٰه حيث انّه ينافي عموم قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

بل مخالف للسنّة أيضا نظير قوله عليه السلام (و إذا افترقا وجب البيع فيكون العمدة في المقام الرّوايات الخاصة الدّالة على جواز اشتراط الخيار في بعض أفراد المسألة.

و أجاب النائيني (ره) عن إشكال منافاة شرط الخيار للكتاب و السنة بأنّ وجوب الوفاء بالبيع و نحوه من المعاوضات حقّي لا حكمي، و إذا كان الجواز أو اللّزوم في المعاملة حقيا فلا ينافي شرط سقوطه بعضا أو كلا للكتاب الدّال على ذلك الحق أو السنّة الدالة عليه، و الكاشف عن كون لزوم البيع حقيّا لا حكميا دخول الإقالة فيه فان مثل النكاح أو الضّمان لا تقبل الإقالة و البيع و الإجارة تقبلها. و السرّ في قبول الأخيرين دون الأولين انّ كون البيع أو الإجارة عقدا باعتبار الدّلالة الالتزامية فيهما فإنّه كما ينشأ المتعاقدان المبادلة بين المالين بالمطابقة كذلك يلتزم كلّ منهما لصاحبه بتلك المبادلة بحيث يكون زمام التزام كل منهما بيد صاحبه و إذا كان إمضاء الشارع المعاملة كما أنشأت يصحّ لكل منهما فسخ تلك المعاملة باتّفاق صاحبه و موافقته و لا ينافي ذلك وجوب الوفاء بالعقد فيما إذا كان كونه عقدا و التزاما للآخر باعتبار المدلول الالتزامي كما هو الفرض.

أقول: قد تقدم سابقا انّ لزوم البيع و الإجارة و ان كان حقيّا يسقط باشتراط سقوطه الّا انّ مجرّد مشروعيّة الإقالة لا يكشف عن ذلك فإنّ الإقالة عبارة عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 108

..........

______________________________

فسخ المعاملة باتّفاق الطرفين، و كما انّ للشارع جعل الخيار لأحد المتعاقدين تأسيسا كما في خيار الحيوان، و لكلّ من المتعاقدين مستقلا، كما في خيار المجلس كذلك تجويز الفسخ لهما معا، كما هو معنى تجويز الإقالة في المعاملة، و

كما ان القسم الأول أو الثّاني من الخيار لا يدلّ على كون اللزوم حقيّا و الّا لم يثبت هذا الخيار في النّكاح كذلك القسم الثاني، و من هنا لا يتيسر لنا الالتزام بمشروعيّة الإقالة في كل معاملة ماليّة. نعم كما ذكرنا اللّزوم في البيع سواء كان بنحو المعاطاة أو غيرها حقّي، و الدليل عليه الروايات الخاصّة كالواردة في بيع شرط الخيار حيث لا يحتمل الفرق بينه و بين اشتراط الخيار في المقام.

نعم. يمكن دعوى ان فسخ المشروط له مع اشتراط الخيار داخل في الإقالة حيث ان اشتراط الخيار عبارة أخرى عن اشتراط مأذونيّة المشروط له في فسخ البيع عن قبل صاحبه.

و قد أجاب عن الإشكال بعض الأجلّة (دامت أيامه) بأنه ان كان الشرط في العقد من توابع العقد و متمّماته فلا يكون شرط الخيار منافيا لا لعنوان العقد و لا لحكمه؛ امّا عدم منافاته لعنوان العقد فواضح لانّ العنوان لا يسلب عن موضوعه و منطبقة، و كذا لا ينافي حكم العقد فان سلب الحكم عن موضوعه أمر غير معقول، و لا يمكن تعلّق القصد اليه من الملتفت و الاشتراط في المقام لا يتعلّق بسلب وجوب الوفاء بالعقد عن العقد، بل وجوب الوفاء بالعقد المشروط فيه الخيار مقتضاه ثبوت الخيار؛ و ان كان كل من الشرط و العقد مستقلا في وجوب الوفاء به فلا يتعلّق بالعقد المشروط فيه الخيار وجوب الوفاء قبل تعلّق وجوب الوفاء بالشرط ليكون الشرط منافيا لحكم العقد بل يتعلّق وجوب الوفاء بكل من العقد و الشرط في عرض واحد فالشرط يمنع عن تعلّق وجوب الوفاء المطلق بالعقد الخاص و دفع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 109

[لا فرق بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا]

لا فرق

بين كون زمان الخيار متّصلا بالعقد أو منفصلا (1).

______________________________

الشرط عن تعلّق وجوب الوفاء المطلق بالعقد غير مخالف للكتاب المجيد، بل يمكن دعوى انصراف وجوب الوفاء بالعقد عن صورة اشتراط الخيار.

أقول: يعتبر في صحّة الاشتراط في المعاملات ان لا يكون الشرط بمعنى المشروط منافيا للكتاب المجيد و السنّة أي منافيا للحكم الثابت فيهما على ذلك المشروط أو على العقد الذي وقع الشرط بمعنى الالتزام في ضمنه سواء قيل بان وجوب الوفاء بهذا الالتزام مستفاد من وجوب الوفاء بالعقد أم انّه حكم مستقل مستفاد مما ورد في وجوب الوفاء بالشرط و المفروض في المقام ان اشتراط الخيار ينافي اللزوم الثابت في الكتاب المجيد على جميع العقود الّتي يدخل فيها البيع المفروض. و بتعبير آخر اشتراط الخيار في المقام نظير ان يشترط في البيع ان لا يدخل المبيع في ملك المشتري الى ستّة أيّام بأن يبيع المال بثمن كذا على ان لا يدخل المبيع في ملك المشتري الى المدّة فإنّه، كما يحكم ببطلان الشرط المزبور باعتبار كونه منافيا لقوله سبحانه (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) كذلك الحال في اشتراط الخيار بالإضافة إلى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)؛ هذا مع الغمض عمّا ذكرنا من كون لزوم البيع من حين تمامه حقيّا لا ينافي ذلك اشتراط الخيار.

(1) لا فرق بين شرط الخيار في البيع بين كونه متّصلا بتمام البيع أو منفصلا عنه لعموم أدلّة الشروط بعد فرض انّ شرط الخيار لا ينافي الكتاب و السنّة لكون لزوم البيع من الحقوق أو استفادة مشروعيّته مما ورد في بيع الخيار بل يأتي انّ ردّ الثمن في بيع الخيار شرط لحصول الخيار فيكون الخيار المشروط منفصلا عن تمام البيع مع ما تقدم من انّ الفسخ بشرط الخيار

داخل في الإقالة التي لا فرق في حصولها بعد العقد بلا فاصلة أو معها، و ممّا ذكر يظهر ضعف ما يقال بعدم مشروعية صيرورة العقد جائزا بعد لزومه و وجه الضعف بعد النقض بخيار التأخير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 110

..........

______________________________

و الرّؤية ما تقدم من الدّليل على مشروعيّة شرط الخيار.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 110

و المشهور على اعتبار تعيين المدة في الخيار المشترط فمع جهالة تلك المدة يبطل البيع و يستدلّ على ذلك بأنّ البيع مع اشتراط الخيار بلا تعيين مدته غرر فيعمّه النهي عن بيع الغرر لانّ الغرر الجهالة التي يتحرّز عنها العقلاء غالبا في معاملاتهم المبنية على المغابنة و المداقة، و لا عبرة بتسامحهم في الجهالة في معاملة مبنيّة على المداقّة في غالب مواردها و يتحرّزون فيها من تلك الجهالة بخلاف ما إذا تسامحوا بتلك الجهالة غالبا كما في تفاوت المكائيل فانّ ذلك التسامح يعتبر مع عدم منع الشرع عن ذلك التسامح ايضا و يشهد لاعتبار التعيين في الشرط ما ورد في اشتراط تأخير المثمن كما في بيع السلم، و انّه لا بد من تعيين المدة فيه بالشهور و الأيّام و لا يصح التعيين بالدّياس و الحصاد مع تعارف التعيين بهما عند الجاهلين بالشرع. و في موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام (لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم و لا تسلمه الى دياس و لا الى حصاد).

و الظاهر عدم الفرق بين اشتراط المدة

المجهولة في السلم و بين اشتراط الخيار في المدة المجهولة في كون البيع معهما غررا.

و قد يعلّل بطلان شرط الخيار في المدة المجهولة و انه مخالف للكتاب و السنة لأنّه غرر و لا يخفى ما فيه فإنّه قد يكون الشرط في المعاملة محكوما بالفساد لفقد ما يعتبر في الشرط. و في هذا الفرض يفسد الشرط، و لو قيل بأنّ الشّرط الفاسد مفسد فتتبع المعاملة شرطها في الفساد و قد يكون الشرط في المعاملة موجبا لدخول المعاملة في العناوين الّتي حكم الشرع بفساد تلك المعاملات و لا يحتاج في هذا القسم إلى إثبات فساد الشرط بل يحتاج إلى إثبات ان المعاملة داخلة في تلك العناوين، كما في بيع المكيل مع اشتراط عدم الكيل أو بيع شي ء مع اشتراط تأخير الثمن إلى مدة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 111

[لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة]

لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة (1).

______________________________

مجهولة فانّ في هذا القسم يفسد المعاملة فيلغو الشرط المزبور لان الشرط هو الالتزام في ضمن معاملة فيصير الشّرط التزاما ابتدائيا حتى فيما كان الشرط في المعاملة الفاسدة واجدا للشروط المعتبرة في نفس الشرط كما إذا باع الكتاب بثمن مجهول مع اشتراط ان يخيط المشتري له ثوبه الفلاني و الأمر في المقام كذلك فان اشتراط الخيار في مدة مجهولة يوجب الغرر في نفس البيع فيفسد البيع هذا لو أريد من قوله (لأنّه غرر) لأنّ البيع غرر.

و لو أريد انّ الشرط غرر بدعوى انّ الغرر في كل أمر إنشائي و لو كان شرطا يفسده، و إذا فسد الشرط يتبعه البيع الّذي وقع الشرط المزبور في ضمنه يكون الاستدلال على بطلان البيع ببطلان شرطه من قبيل الأكل

من القفا لما تقدم من كون نفس البيع غرريّا بجهالة شرطه.

لا يقال كيف يدخل البيع مع شرط الخيار في بيع الغرر مع ان الخيار حكم للبيع التّام و جهالة مدة الخيار لا يوجب غرر البيع، كما في جهالة مدة المجلس في خيار المجلس، فإنه يقال هذا في الخيار الشرعي التأسيسي. و امّا خيار الشرط فهو ليس حكما للبيع الصحيح لانّه خيار جعلي، و من قبيل الشرط في المعاملة.

و بتعبير آخر شرط الخيار فيما إذا أوجب الغرر في البيع يكون كسائر الشرائط التي يدخل البيع معها في عنوان بيع الغرر فيكون البيع فاسدا حتّى لو قيل بعدم كون الشرط الفاسد مفسدا، و لكن مع ذلك فيما كانت المدة معلومة بعنوانها فقط كما في شرط الخيار ما دام حياة البائع، ففي كون مثل ذلك موجبا للغرر في البيع تأمل كما يأتي.

(1) ذكر (ره) بعد البناء على اعتبار تعيين المدة في شرط الخيار انّه لا فرق في بطلان البيع مع عدم تعيين مدّته بين ذكر المدة المجهولة، كما إذا قال بعتك على أن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 112

..........

______________________________

يكون لي الخيار بقدوم الحاج أو عدم ذكر المدة أصلا كما إذا قال بعتك على ان يكون لي الخيار أو ذكر المدة بنحو الإطلاق، كما إذا قال بعتك على أن يكون لي الخيار مدّة. و الوجه في عدم الفرق اندراج البيع في الصور الثلاث في بيع الغرر المحكوم بالبطلان كما مرّ.

و المحكي عن المقنعة و الانتصار و الخلاف و الجواهر و الغنية ان مع عدم ذكر المدّة يكون البيع محكوما بالصحّة و الخيار إلى ثلاثة أيام، و لعلهم يرون ذلك ايضا فيما إذا ذكر مدة الخيار

مطلقة، و في الانتصار و الغنية و الجواهر الإجماع على ذلك؛ و في الخلاف وجود أخبار الفرقة، و هذا الكلام من الخلاف بمنزلة نقل اخبار بنحو الإرسال يكون ضعفها منجبرا بحكاية الإجماع، و لعلّه لذلك مال الشهيد (قدس) إليه في الدروس بخلاف العلامة في التذكرة حيث لم ينقل التحديد الّا عن الشيخ (قده) و أوّل قوله بوجود أخبار الفرقة بأنّه يريد وجود الاخبار في شرط الخيار في بيع الحيوان.

و مع ذلك جزم السيد الطباطبائي بالقول المزبور و قواه بعض المعاصرين مؤيدا له بأنّه ليس في الأدلة ما يدفع القول المزبور حيث بالتحديد شرعا ينتفي الغرر عن البيع فيكون نظير بيع الحيوان مع الجهل بخيار الحيوان أو مدّته و زاد في مفتاح الكرامة خروج البيع المشروط فيه الخيار من غير تعيين المدة عن دليل النهي عن بيع الغرر بالتخصص لا بالتّخصيص.

و أورد عليه المصنّف (ره) بان التّخصّص غير صحيح و لو قيل بصحّة البيع المزبور و ثبوت الخيار للمشروط ثلاثة أيّام يكون ذلك بالتخصيص في خطاب النهي عن بيع الغرر لأنّ المتعلق فيه للنهي هو البيع الذي يكون غرريّا مع قطع النظر عن حكم الشّرع و تعبّده، و إذا لم يقصد المتبايعان ثلاثة أيام لا يخرج البيع عن كونه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 113

..........

______________________________

غرريّا فيكون الخيار إلى ثلاثة أيام تحديدا شرعيّا للخيار المشروط نظير ما ورد في تعيين بعض الوصايا المبهمة أو يكون الخيار بثلاثة أيّام حكما شرعيّا لموضوع خاص من غير كونه تحديدا للخيار المشروط بان يستظهر انّ الرّواية دالّة على حكم الشارع في البيع بشرط الخيار من غير تعيين المدة بثبوت الخيار للمشروط له إلى ثلاثة أيام نظير ثبوت

خيار المجلس في مطلق البيع و خيار الحيوان في بيعه.

و لكن الكلام في الدّليل على صحّة البيع المزبور و ثبوت الخيار كذلك فانّ وجود أخبار مرسلة بل مرسل واحد غير معلوم لأنّه لو كانت في البين اخبار تعرض الشيخ لكلها أو بعضها في كتابي الأخبار. و من المحتمل جدا انّ الشيخ (قده) قد استظهر القول المزبور من الأخبار الواردة في بيع الحيوان، و ان الخيار الثابت في بيعه ثلاثة أيام شرط أو لم يشرط و الإجماع المنقول لا يكون جابرا لمرسل مجهول العين بل يجبر معلوم العين الظاهر دلالة، أو القاصر دلالته فلا بد من ملاحظة الإجماع المنقول بنفسه و هو ايضا لا يمكن الاعتماد عليه لانّ المجمعين استظهروا القول المزبور من اخبار خيار الحيوان، و ما روي في كتب العامّة مع ان ملاحظة كلام الجواهر و الغنية تقضي بأنّهما قد أخذا دعوى الإجماع في المقام كغالب اجماعاتهما من كلام السيد في الانتصار.

أقول: امّا اعتبار تعيين المدة في شرط الخيار فقد تقدم انّ العمدة فيه دعوى كون البيع مع عدم تعيينها غرريّا، و لكن يمكن المناقشة فيها بان البيع عبارة عن تمليك عين و نحوها بعوض، و إذا لم يكن الشرط بحيث يوجب الجهالة في أحد العوضين، كما في بيع السلم و النسيئة من غير تعيين المدة، و لا في التمليك فلا يكون في البيع غرر و الجهالة في الخيار أمر راجع الى الجهالة في إزالة البيع و فسخه بعد حدوثه، و تمامه و لم يحرز كون الجهالة فيه موجبا لدخول البيع في عنوان الغرر فيؤخذ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 114

..........

______________________________

بعموم حل البيع و المؤمنون عند شروطهم لا سيّما إذا

كانت الجهالة في الخيار باعتبار تعليقه على فعل أحد المتعاقدين، كما إذا باع المال بكذا على ان يكون لكل من ندم و أعطى للآخر المبلغ الفلاني: في المدة المرسومة الخيار في فسخها.

و ليس المستند في صحة المعاملة باشتراط الخيار من غير تعيين مدّته ما يقال كما عن الايرواني (ره) من انّه لو كانت الجهالة في مدة الخيار أو في أصله موجبة لكون البيع غرريّا لبطل جميع البيوع لجهالة مدة خيار المجلس أو خيار العيب أو الغبن خصوصا بناء على ان مبدء الخيار فيهما ظهور العيب أو الغبن فانّ هذا النحو من الاستناد غير صحيح لأنّ المتعلق في خطاب النهي عن بيع الغرر هو البيع الغرري مع قطع النظر عن حكم الشارع عن ذلك البيع و خيار المجلس حكم شرعي يثبت للبيع التّام و لا يضرّ الجهالة الناشئة من ذلك الحكم.

لا يقال ان ذلك بالإضافة إلى خيار المجلس، و امّا بالإضافة إلى العيب و الغبن فالخيار فيهما شرطي كما يأتي فإنه يقال مع ذلك لا دلالة فيما ورد في ثبوت الخيارين على ان الجهل بثبوت الخيار أو مدته لا يوجب الغرر في البيع لانّ مع العلم بخروج مورد ثبوتها عن الخطاب النهي عن بيع الغرر. امّا بالتخصيص أو بالتخصص لا يمكن التمسك بعموم خطاب النهي عن بيع الغرر، و إثبات كون خروجهما بالتخصّص حتى ينتج ان الجهل بثبوت الخيار كما في فرض اشتراطه بنحو التعليق أو بمدته لا يوجب الغرر في البيع- و الحاصل ان العمدة في المقام عدم إحراز كون البيع غرريّا باشتراط الخيار فيه بنحو التعليق أو مع عدم تعيين مدته و لا يبعد ان يقال بما انّ البيع من المعاملات الدارجة عند العقلاء

المبنيّة على المداقة و المعاينة، فلا بدّ أن لا يكون الشرط فيه بنحو لا يكون منشأ المشاجرة و المنازعة بين المتبايعين بعد ذلك فاشتراط الخيار بنحو يكون مدته غير معين بعنوانه ايضا غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 115

..........

______________________________

صحيح، و يمكن ان يستظهر ذلك مما ورد في اعتبار تعيين المدة في السلم و غيره من الروايات الواردة في أبواب مختلفة.

و ذكر النائيني (ره) انه لو اشترط خيار الفسخ إلى الأبد يبطل البيع لا لكون البيع مع الشرط المزبور غرريّا بل لأنّ شرط الخيار إلى الأبد ينافي مقتضى البيع. و فيه ان الشرط المنافي لمقتضى البيع كما يأتي ان لا يمكن تحقق مدلول البيع و إنشائه مع الشرط المزبور، كما في قوله بعتك المال على ان لا يكون في البين ثمن أو أجرتك الدار على ان لا يكون عليك اجرة، و امّا مع تحقق مدلول البيع فلا ينافي الشرط مدلوله. و انّما ينافي أحكامه فإن كان حكمه الّذي ينافيه الشرط من قبيل الحكم المحض فيبطل الشرط دون أصل البيع، و وجه بطلان الشّرط لكون الشّرط بمعنى المشروط مخالفا للكتاب و السنّة، كما في قوله بعتك المال على ان لا يجوز لك التصرف في المال.

و اما إذا كان ذلك الحكم من قبيل الحقوق كما هو الحال في لزوم البيع أو كان الشرط بمعنى المشروط الفعل المباح دون الحكم فيصحّ البيع و الشرط، هذا أولا. و ثانيا انّه لو فرض ان لزوم البيع من الأحكام لا من الحقوق فاشتراط الخيار إلى الأبد يكون منافيا للكتاب و السنة فيبطل نفس الشرط دون البيع. و لذا ذكر السيد اليزدي (ره) و غيره صحة اشتراط الخيار إلى

الأبد و هذا لا يوجب ايضا كون البيع غرريّا.

و امّا إذا اشترط الخيار من غير ذكر المدة له أو مع ذكر مدة من غير تعيين فقد تقدم ان البيع المنشأ بنحو يكون معرضا للمشاجرة فيما بعد خارج من خطاب الإمضاء فيحكم ببطلان ذلك البيع، و الحكم بصحته و بثبوت الخيار إلى ثلاثة أيّام غير ثابت لأنّه لم يحرز انّ الشيخ (قده) أراد بقوله و بذلك أخبار الفرقة غير الروايات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 116

[مبدء هذا الخيار من حين العقد]

مبدء هذا الخيار من حين العقد (1).

______________________________

الواردة في خيار الحيوان و شرط الخيار فيه، و هذا هو المراد من مرسل مجهول العين و لو أحرز انّه أراد غيرها لكان المرسل معلوم العين و الإجماع المنقول قد تقدم حاله حيث ان الإجماع لو كان محصلا لم يكن معتبرا لكونه مدركيّا، فكيف مع النقل و العلم بوجود الخلاف في المسألة.

و ما روي في كتب العامة من ان حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجّة أصابه في رأسه فقال له النبي (ص) (إذا بعت فقل لا خلابة)، و جعل له الخيار ثلاثا؛ و في رواية (و لك الخيار ثلاثا) ضعيف سندا و دلالة فإن ظاهرها اشتراط خيار الغبن و تحديده بثلاثة أيّام و لم يعهد من أحد تحديد الخيار المزبور بثلاثة و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) مبدء الخيار المشروط فيما إذا أطلق و لم يعيّن له زمان آخر يكون من حين تمام العقد، و ذلك لانصراف الإطلاق اليه و لو عيّن للخيار زمان منفصل عن تمام العقد، كما إذا شرط خيار الغد يكون مبدء الخيار المشروط أول ذلك الزمان، أي طلوع الفجر من الغد. و هذا مبني على

ظهور الغد في نهاره، و ان مبدء النهار طلوعه.

و امّا بناء على ما هو الصحيح من كون مبدء النهار طلوع الشمس يكون مبدأه من طلوعها، و لو ذكر ان مبدء الخيار المشروط بعد خيار الحيوان فان قلنا بأنّ مبدء خيار الحيوان من حين العقد صحّ الشرط المزبور، و لكن لو قيل بأنّ مبدء خيار الحيوان من حين انتهاء خيار المجلس يحكم ببطلان الشرط بل البيع للجهل بمدّة الخيار المشروط و لو من حيث المبدء.

أقول: هذا مبني على اعتبار التّعيين في مدة الخيار المشروط مطلقا. و امّا بناء على ما تقدم لنا من عدم اعتبار التعيين. و انّما المعتبر ان لا يكون الشرط بحيث يوجب المشاجرة و معرضا للمنازعة فيحكم في الفرض بصحة البيع و الشّرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 117

..........

______________________________

و عن الشيخ (قده) انّه جعل مدة الخيار المشروط انقضاء خيار المجلس حتى في صورة إطلاق الشرط. و وجهه ما تقدم من عدم إمكان ثبوت الخيارين في زمان واحد و لا معنى لجعل الخيار في عقد جائز لولاه. و لذا يكون مبدء خيار الحيوان ايضا عنده انقضاء خيار المجلس، و قد تقدم ضعف ما ذكر، و انّه لا منع من ثبوت الخيارين في زمان واحد. نعم في خيار الشرط خصوصيّة يمكن بملاحظتها الالتزام بجعل مبدأه حين انقضاء خيار المجلس و تلك الخصوصية ملاحظة غرض المشروط له فانّ غرضه من شرط الخيار تمكنه على فسخ العقد و مع ثبوت الخيار الآخر يمكن له الفسخ بذلك الخيار الآخر، و لكن هذا مع عدم تمامه يختص بما إذا علم المشروط له بالخيار الآخر. و لو قيل بأنّ خيار الشرط يثبت في الفرض ايضا بعد انقضاء

خيار المجلس يلزم الحكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما.

عن النّائيني (قده) انّ الحكم على المتعاقدين على خلاف قصدهما في مثل المقام لا محذور فيه و لا يمكن جعله وجها لبطلان القول المزبور، فان المحذور ينحصر بما إذا كان في البين عنوانان انشائيان مستقلان و قصد المتعاقدين أحدهما دون الآخر فيحكم بوجود ما لم يقصد و بعدم المقصود كما إذا باع العين بعوض، كما هو مفاد البيع و يحكم الشارع بعدم تحققه و بتحقق تمليك منفعتها بذلك العوض، كما هو مفاد الإجارة. و امّا إذا كان الأمر الإنشائي المقصود قابلا للتبعيض في الإمضاء فلا محذور في إمضاء الشارع بعضه دون بعضه الآخر، كما في بيع ما يملك و ما لا يملك بصفقة واحدة حيث يصحّ البيع بالإضافة الى ما يملك ببعض الثمن و لا يصحّ بالإضافة إلى الآخر.

و أورد على ذلك بعض الأعاظم (دامت أيامه) بأنّه لا يقاس المقام ببيع ما يملك و ما لا يملك فانّ انحلال البيع المنشأ الى البيعين يصحّح التفكيك بينهما في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 118

[يصحّ جعل الخيار لأجنبي]

يصحّ جعل الخيار لأجنبي (1).

______________________________

التحقق و عدمه بخلاف الخيار المشروط فإنّه لا ينحل الى المتعدد.

أقول: الظاهر عدم تمام هذا الكلام فانّ التفكيك في الإمضاء لا يتوقف على الانحلال بل يجري في أمر واحد قابل للتبعيض في الإمضاء ألا ترى ان الواهب يقصد ملك المال للمتهب من حين قبوله مع انّ الشارع لم يمض الملكيّة إلّا بعد تحقق القبض، و في بيع السلم يقصد المتعاقدين الملكيّة من حين تمام الإنشاء مع انّ الشارع لم يمضها الّا بعد حصول قبض الثمن في المجلس. و الحاصل إذا كان المحكوم بالتحقق امرا إنشائيّا له عنوان

مستقل غير العنوان المقصود فتحققه بلا قصد غير ممكن لكون تحققه بلا قصد خلف. و امّا في مورد تبعيض المقصود فلا محذور كما في المقام.

هذا فيما إذا أريد عدم ثبوت خيار الشرط في زمان خيار المجلس و ثبوته بعده في بقية الزمان المعين. و امّا لو أريد أن مبدء الزمان المعين يكون بعد زمان خيار المجلس فيرد عليه انّه حكم على المتعاقدين بخلاف قصدهما فتدبّر.

(1) يجوز جعل الخيار في العقد لأجنبي بأن يكون الجعل المزبور بنحو تولية أمر ذلك العقد إليه فإنّ صحة هذا الجعل بمقتضى قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) و تولية الأجنبي غير توكيله فان مع التوكيل يكون فسخ الأجنبي أو إمضائه نيابة عن موكله فينفذ فسخ الموكل و إمضائه أيضا، فيما إذا حصل قبل فسخ الوكيل أو إمضائه بخلاف التولية فانّ لا عبرة مع التولية بفسخ المتعاقدين أو امضائهما.

و على ذلك فان كان الخيار المشروط للمتعاقدين، و اختلفا في الفسخ و الإمضاء يقدم الفسخ لأنّ إمضاء الآخر معناه إسقاط خياره فقط فينفذ فسخ الآخر، و كذا الحال في الأجنبيّين فيما إذا شرط لكل منهما الخيار مستقلا. و امّا إذا كان المتعدد وكيلا عن واحد أو شرط الخيار الواحد للمتعدد فينفذ تصرّف السابق امضاء أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 119

و في الدروس يجوز اشتراطه (1).

______________________________

فسخا.

أقول: هذا إذا كان التوكيل أو شرط الخيار للمتعدد بنحو الواجب الكفائي.

و امّا إذا كان الوكيل أو المشروط له المجموع بما هو المجموع فلا ينفذ تصرّف بعض منهم فسخا أو امضاء بل يحتاج فسخ العقد الى الاتّفاق منهم و الّا بقي العقد بحاله.

و أمّا ما ذكر في الوسيلة من انّه لو كان لكل من

المتعاقدين خيار الفسخ و اتفقا في الإمضاء أو الفسخ نفذ، و ان اختلفا بطل اي بطل البيع، و إذا كان الخيار لغيرهما فان يرضى بالبيع نفذ و الّا كان المبتاع بالخيار، فلا يمكن المساعدة عليه فإنه، إذا كان الخيار لغيرهما و لم يرض بالبيع فان فسخه كان فسخه نافذا، و ان لم يفسخ كان البيع بحاله، و لا يكون للمبتاع خيار الفسخ أو الإمضاء على التقديرين كما لا يخفى.

و عن الايرواني و النائيني (قدس سرهما) انّ المراد ان رضى الأجنبي بشرط الخيار له نفذ ذلك الشرط و لا يكون لمن اشترط الخيار لثالث خيار و الّا بطل ذلك الاشتراط لأنّ النّاس مسلطون على أنفسهم و يكون لمن اشترط الخيار للثالث الخيار لتخلف شرطه و هو عدم ثبوت الخيار له.

أقول: يرد عليه انّ هذا مبني على اعتبار قبول الأجنبي أو شرط الخيار له بنحو التحكيم مع انه على تقديرهما يثبت الخيار للشارط لا للمبتاع.

(1) قال في الدروس يصح جعل الخيار لثالث منفردا أو مع كل من المتعاقدين أو مع أحدهما و في فرض انفراد الثالث بالخيار نفذ فسخه أو إمضائه.

و امّا إذا كان مع أحدهما أو كلاهما و اختلف الثالث معهما أو مع أحدهما في الفسخ أو الإمضاء يمكن أن يقال بأن العبرة بفعل الثالث و الّا لم يكن لجعل الخيار له فائدة.

و ذكر المصنف (ره) انه يقدم الفاسخ كما هو مقتضى ثبوت الخيار للمتعدد على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 120

ثم انه ربما يتخيّل انّ اشتراط الخيار (1)

______________________________

نحو الاستقلال، و إذا كان الصادر عن الثالث امضاء. و عن أحدهما أو كليهما فسخا نفذ الفسخ لأنّ غاية الإمضاء عن الممضى إسقاط خيار

نفسه و جعل العقد لازما من قبله، و إذا كان الصادر عن الثالث فسخا و عن غيره امضاء نفذ الفسخ و الّا لم يكن لخيار الثالث معنى.

أقول: انّما يصحّ ذلك فيما لم يكن إمضاء المتعاقدين أو أحدهما إسقاطا لخيار ذلك الثالث و الّا فالأظهر عدم تأثير فسخ الثالث، لانّ ثبوت الخيار لذلك الثّالث حق لشارط الخيار له فيصحّ للشارط المزبور إسقاطه.

(1) قد تقدم ان لزوم مثل البيع على المتعاقدين حقي لا حكمي، و عليه فيمكن لهما جعل الخيار و الإقالة و جعل الخيار لثالث بنحو التولية أيضا لا ينافي اللزوم الحقي ليقال ان شرط الخيار مناف للكتاب و السنة الدالتين على لزوم البيع. أضف الى ذلك التّسالم الظاهر في المقام المذكور في التذكرة و غيرها. نعم لا يبعد أن يكون اشتراط الخيار للأجنبي منصرفا إلى صورة ملاحظة مصلحة الشارط، و الّا فلا ينفذ فسخه، أو إمضائه لعدم ثبوت الخيار له كذلك؛ و ما وقع عن بعض من تعليل عدم نفوذ فسخه أو إمضائه مع عدم ملاحظة مصلحة الشارط بكونه أمينا غير صحيح، بل الصحيح تعليله بعدم الخيار له كذلك.

ثم ان مقتضى قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) ثبوت الخيار للثالث بمجرد اشتراط المتبايعين في العقد و دعوى اعتبار قبوله لأنّ ثبوت الخيار للثالث بلا قبوله ينافي سلطنة الناس على أنفسهم لا يمكن المساعدة عليها فإنه ليس في البين عموم يدلّ على سلطنة النّاس على أنفسهم بحيث يؤخذ به في المقام بل المتبع في مواردها الخطابات الأخرى الواردة في المعاملات و غيرها؛ و على الجملة الشرط بمعناه المصدري قائم بالمتعاقدين فلا يتحقق الّا بتراضيهما عند العقد. و امّا ثبوت الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4،

ص: 121

[يجوز لهما اشتراط الاستيمار]

يجوز لهما اشتراط الاستيمار (1).

[من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع اليه]

من أفراد خيار الشرط ما يضاف البيع اليه (2).

______________________________

للثالث فهو شرط بالمعنى المشروط كما لا يخفى.

(1) يجوز لأحد المتبايعين أو كلاهما اشتراط الاستيمار مع الأجنبي عن أمر البيع فيأتمر بأمره أو يأتمر بأمر الأجنبي ابتداء. و الظاهر من اشتراطه هو جعل الخيار لنفسه على تقدير أمر الأجنبي بفسخ العقد بعد الاستيمار أو ابتداء فيكون ذلك من قبيل اشتراط الخيار لنفسه معلقا، و قد تقدم انّ ظاهر المصنف و كثير من الأصحاب بطلان البيع باشتراط الخيار معلّقا للغرر. و امّا إذا كان جعل الخيار لنفسه غير معلّق بل المعلّق هو الفسخ بان يكون فسخه بعد أمر الأجنبي به بعد الاستيمار أو ابتداء نظير ما سيجي ء في بيع الخيار من انّ للبائع فيه خيار، و لكن يعتبر ان يكون فسخه برد الثمن أو معه، فان فسخ قبل الاستيمار أو مع أمر المستأمر بالفتح بالإجازة لم ينفذ سواء كان الاستيمار شرطا للخيار أو قيدا للفسخ فان ظاهر اشتراط الاستيمار هو الايتمار بأمره بأحد النحوين.

و لو كان المشروط الاستيمار دون الايتمار بأمره لم يكن له ايضا الفسخ إلّا إذا كان الاستمار أمرا زائدا على اشتراط الخيار و لو أمره بالفسخ لم يجب عليه الفسخ إذ غاية أمره بالفسخ ثبوت خيار الفسخ له أو تمكّنه على الفسخ المشروط، و لو وجب عليه الفسخ فلا بدّ من أن يكون في البين شرط آخر لصاحبه عليه، و هو ان يفسخ البيع مع أمر المستأمر بالفتح؛ و لازم ذلك انّ لصاحبه حق فسخ البيع مع امتناع المستأمر بالكسر عن الفسخ لا مطلقا كما هو ظاهر المصنف (ره) فلا حظ.

(2) من افراد الخيار ما ينسب البيع اليه، و يقال

بيع الخيار، و هذا البيع مشروع عندنا كما في التذكرة و غيرها، و يقتضيه بعد مثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) الروايات الخاصة منها موثقة إسحاق ابن عمّار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 122

[توضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور]
[الأول ان اعتبار ردّ الثمن في هذا الخيار]

الأول ان اعتبار ردّ الثمن في هذا الخيار (1).

______________________________

قال حدّثني من سمع أبا عبد اللّٰه عليه السلام و سأله رجل و انا عنده فقال رجل مسلم احتاج الى بيع داره فجاء إلى أخيه فقال أبيعك داري هذه و تكون لك أحبّ اليّ من أن تكون لغيرك على ان تشترط لي ان أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن تردّ عليّ فقال لا بأس بهذا ان جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه قلت فإنها كانت فيها غلّة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة فقال الغلّة للمشتري ألا ترى انّه لو احترقت لكانت من ماله.

و رواية معاوية بن ميسرة قال سمعت أبا الجارود يسأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل باع دارا له من رجل و كان بينه و بين الرّجل الذي اشترى منه الدار خلطة فشرط انك إن أتيتني بمالي ما بين ثلاث سنين فالدار دارك فأتاه بماله قال (له شرطه) قال أبو الجارود، فان ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال ثلاث سنين قال (هو ماله)؛ و قال أبو عبد اللّٰه (ع) (أ رأيت لو انّ الدّار احترقت من مال من كانت تكون الدار دار المشتري).

و صحيحة سعيد بن يسار قال قلت لأبي عبد اللّٰه انا نخالط أناسا من أهل السواد و غيرهم و نبيعهم و نربح عليهم للعشرة اثني عشر و العشرة ثلاثة عشر و نؤخّر ذلك بيننا و بين السنة

و نحوها و يكتب الرجل على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذه منّا شراء قد باع و قبض الثمن منه فنعده إن هو جاء بالمال الى وقت بيننا و بينه ان نردّ عليه الشراء فان جاء الوقت و لم يأتنا بالدّراهم فهو لنا فما ترى في الشراء فقال أرى أنّه لك ان لم يفعل و ان جاء بالمال للوقت فرد عليه الى غير ذلك. «1»

(1) ذكر (قدّس) في المقام أمورا الأول ان ردّ الثمن في هذا الخيار يتصور على

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 7 و 8 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 123

..........

______________________________

أنحاء أحدها أن يكون ردّه قيدا للخيار على وجه التعليق بان يكون ردّه شرطا لحصول الخيار للبائع أو على وجه التوقيت بان يكون زمان ردّه زمان حصول الخيار، و نتيجة التعليق و التوقيت واحدة، و لذا ذكر (ره) انّه لا خيار قبل الردّ؛ و المراد بردّ الثمن ليس أخذ المشتري السابق الثمن ثانيا حتّى لا يكون خيار للبائع مع امتناع المشتري عن أخذه بل أن يحصل تمام ما يكون من طرف البائع دخيلا في أخذه و ان يمتنع المشتري عنه.

أقول: لو تمّ هذا النحو فلا بدّ من رفع اليد في المقام عمّا تقدم من اعتبار تعيين مدة الخيار من حيث المبدء و المنتهى حيث لو كان ردّ الثمن قيدا لنفس الخيار لكان جوازه تخصيصا في ذلك الاعتبار فانّ مع كون ردّ الثّمن قيدا لنفس الخيار لا يكون تعيين في مبدأه.

و قد يقال ان المجعول يمكن أن يكون الخيار المتقيد من غير ان يكون تعليق فيه و لا توقيت بأن يكون القيد للخيار

طبيعي ردّ الثمن لا الرّد الخارجي، و يكون للمشروط له الخيار الخاص نظير الخيار تحت السقف ثلاثة أيّام من حين تمام البيع، و لكن لا يخفى انّ هذا ايضا يرجع الى التوقيت لأن تقيد الخيار الّذي أمر إنشائي بأمر خارجي زماني مرجعه الى اعتبار اجتماعهما في الزّمان، و الّا لأمكن ان يقال انّه إذا اشترط له الخيار عند قدوم الحاج يكون للمشروط له الخيار الخاص من حين تمام العقد و هو الخيار مع قدوم الحاج.

و بتعبير آخر إذا لم يعين زمان للزماني فلا يكون للخيار المعتبر معه زمان خاص فيكون زمان الخيار من حيث المبدء مجهولا.

الثّاني: أن يكون قيدا للفسخ بأن يكون الخيار للبائع من حين العقد الى تمام المدة المعيّنة كالسنة أو الأقل أو الأكثر، و لكنّ الفسخ يعتبر وقوعه على نحو خاص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 124

..........

______________________________

و هو ردّ الثمن معه أو قبله، و الفرق بين هذا و النحو السّابق هو الفرق بين الواجب المعلّق و الواجب المشروط، و لكن يبقى في البين ان الخيار و ان يكون أمرا اعتباريا الّا ان اعتباره يكون لغرض عقلائي لا محالة، و إذا لم يكن فسخ البائع بدون ردّ الثمن موجبا لانفساخ البيع يكون اعتبار الخيار قبل ردّ الثمن لغوا و لا يقاس بالواجب المعلّق حيث انّ حصول الوجوب و إطلاقه قبل حصول قيد الواجب له أثر عملي، و هو لزوم تحصيل مقدمات الواجب و لو قبل حصول ذلك القيد.

اللّهمّ الّا ان يقال انّ اعتبار الخيار لا يكون لغوا حيث يمكن أن يكون الغرض من إطلاقه و عدم تعليقه التمكن على إسقاطه بعد العقد مجانا أو مع العوض.

الثالث: أن يكون ردّ

الثّمن بنفسه فسخا فلا يحتاج معه إلى إنشاء الفسخ بنحو آخر بان يكون قصد البائع بردّ الثمن تمليكه للمشتري ليتملّك منه المبيع، و على ذلك حمل في الرياض ظاهر الأخبار الدّالة على عود المبيع إلى بائعه بمجرد ردّه الثمن.

و لكن لا يخفى انّما يكون ردّ الثمن فسخا فيما إذا قصد بردّه إلغاء البيع السابق و الّا فتمليك المشتري الثمن ليتملك منه المبيع معاملة جديدة تكون الولاية عليها خارجة عن عنوان الخيار، و فسخ العقد؛ و ان كان الثمن المردود غير ما أخذه سابقا يكون الدفع بعنوان الوفاء بالدين الحاصل بإلغاء البيع؛ و ان كان عينه يكون ردّه بعنوان انّه ملك المشتري بإلغاء البيع لا انّه ملكه يحصل بالتّمليك الجديد.

الرابع: أن يكون ردّ الثمن قيدا لانفساخ البيع بأن يحصل الانفساخ مع ردّ الثمن. و قيل يظهر ذلك من رواية معاوية بن ميسرة حيث ذكر السائل فيها الشّرط في البيع انّ مع مجي ء البائع بالثمن الى ثلاث سنين الدّار داره؛ و أجاب عليه السلام بنفوذ الشرط و قد عنون الغنية المسألة بهذا العنوان، و لكن يحتمل أن يكون المراد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 125

..........

______________________________

من رواية معاوية بن ميسرّة كون الرد قيدا للفسخ، كما هو الاحتمال الثالث كما قيل بظهور موثقة إسحاق بن عمّار و صحيحة سعيد بن يسار فيه حيث ذكر في الأولى ان جاء بالثمن ردّ المبيع إلى بائعه؛ و في الثانية ان جاء به ردّ الشراء و كل منها كناية عن فسخ البيع.

و لكن يستشكل في كون ردّ الثمن قيدا للانفساخ بأنه ان كان ردّه موجبا لانفساخه و ان لم يقصد الرد بردّه فسخه، فهذا و ان كان ممكنا كانفساخ

البيع بتلف المبيع قبل القبض الّا ان حصول الانفساخ قهرا بلا قصد و إنشاء يحتاج الى دليل غير عموم قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) لأنّ العموم المزبور لا يثبت مشروعية المشروط و رواية معاوية بن ميسرة مع ضعف سندها لم يثبت ظهورها في مشروعيّة شرط الانفساخ لاحتماله الوجه الثالث كما ذكرنا.

و مع ذلك يمكن أن يقال بأنّه لا بأس بالالتزام بحصول الانفساخ بنفس الاشتراط فان الانفساخ لا يعتبر فيه سبب خاص غاية الأمر يكون المنشأ حال البيع الانفساخ مقارنا لردّ الثمن و يكون الانفساخ فعليّا بحصول الردّ.

عن النائيني (ره) انه لا يمكن إنشاء الفسخ بالشرط في البيع معلّقا برد الثمن لان شرط الانفساخ مناف لمقتضى البيع لان مقتضى الشرط نفي البيع و لا يخفى ما فيه فان مقتضى شرط الانفساخ معلّقا بنحو شرط النتيجة نفي البيع بقاء لا نفيه حدوثا ليكون منافيا لمقتضى البيع و بقاء البيع مقتضى إطلاقه و عدم لحوق الفسخ به.

و بتعبير آخر شرط انفساخ البيع مطلقا، و ان كان باطلا لخروج البيع معه عن مورد اعتبار العقلاء و منصرف دليل الإمضاء الّا انّ شرط الانفساخ معلّقا لا يكون كذلك.

و الوجه الخامس: أن يكون ردّ الثمن قيدا للإقالة المشروطة بأن يلتزم المشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 126

[الأمر الثّاني الثمن المشروط ردّه]

الأمر الثّاني الثمن المشروط ردّه (1).

و يحتمل العدم بناء على انّ اشتراط الرّدّ بمنزلة اشتراط القبض قبله (2).

______________________________

للبائع ان يوافقه في الفسخ إذا جاء بالثمن في المدة المضروبة، و إذا جاء بالثمن و لم يقبله أجبره الحاكم أو أقال عنه، و ان لم يتمكن من المراجعة إلى الحاكم كذلك يستقل البائع بالفسخ لتخلف شرطه على المشتري و يحتمل هذا في

موثقة إسحاق ابن عمار، و صحيحة سعيد بن يسار بان يكون ردّ المبيع فيهما كناية عن ملزومه أي الإقالة لا عن فسخ البائع كما فهمه الأصحاب.

(1) الثمن المشروط ردّه في الخيار أو في الفسخ على ما تقدم، امّا أن يكون كليّا على العهدة، و امّا أن يكون معينا و على كلّ من التقديرين، امّا أن يقبضه البائع أم لا، فان لم يقبضه يثبت له الخيار، و ينفذ فسخه سواء كان الثمن كليّا أم معيّنا حيث انّ ردّ الثمن قيد للخيار أو الفسخ على تقدير قبض البائع، و في فرض عدم قبضه لا تقييد، و هذا الوجه و ان ذكره المصنف (ره) الّا انه لا يمكن المساعدة عليه فان لازمه الالتزام بثبوت شرطين أحدهما ثبوت الخيار للبائع مطلقا قبل قبض الثمن؛ و الثاني الخيار على تقدير ردّ الثمن بعد قبضه مع انّه لا دلالة لقوله بعت مالي بكذا على ان ترد المبيع ان جئت بالثمن إلى سنة على تعدّد الشرط.

و لكن يمكن أن يوجّه ثبوت الخيار في الفرض بوجه آخر و هو ان المتفاهم من الكلام المزبور ان ردّ الثمن ليس بنفسه متعلق الغرض في تقييد الخيار أو الفسخ؛ بل المتعلق في ثبوت الخيار أو إنشاء الفسخ كون الثّمن بيد المشتري و تحت اختياره، و لذا يصح للبائع الفسخ في فرض قبض الثّمن لو غصبه المشتري أو سرقة من عنده ثانيا.

(2) يحتمل أن لا يكون للبائع خيار الفسخ فيما إذا لم يقبض الثمن فان ظاهر قوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 127

و ان قبض الثمن المعين فامّا ان يشترط ردّ (1).

______________________________

في الإيجاب بعت مالي بكذا على ان ترده إن جئت بالثمن إلى

سنة هو اشتراط الخيار في البيع المزبور بحصول قبض الثمن.

أقول: قد تقدم منع هذا الظهور و ان ذكر ردّ الثمن لغرض أن يكون الثمن تحت اختيار المشتري زمان الفسخ كما لا يخفى.

(1) إذا كان الثمن مقبوضا معينا؛ فامّا ان يشترط في خيار الفسخ ردّ ذلك المعين؛ و امّا أن يشترط ما يعمّ ردّ بدله مع عدم إمكان ردّه بتلف لا من البائع أو مطلقا أي مع إتلاف البائع أيضا أو حتّى مع بقاء ذلك المعين؛ و امّا أن يذكر اشتراط ردّ الثمن من غير تقييد بردّ المعين أو تصريح بما يعمّ ردّ البدل فان اشترط ردٌّ عينه فلا يكون له خيار مع تلفها بفعل البائع لا مطلقا حيث انّ ظاهر اشتراط ردّ العين كون إتلاف البائع مسقطا لخياره فلا يسقط فيما إذا كان الإتلاف من غيره، و لكن لا يخفى ما فيه فان ظاهر الاشتراط تقييد الخيار بصورة ردّها فلا يكون خيار في غير الفرض، و كذلك الحال لو كان ردّها قيدا للفسخ أو الانفساخ على ما مرّ.

و امّا إذا كان الشرط ردّ ما يعمّ البدل فلا إشكال في الخيار في فرض عدم التمكن من ردّ العين فإنه بالفسخ يرجع ذلك المعين إلى المشتري و بما انّه قد تلف فيأخذ بدله.

و امّا إذا كان الشرط ردّ البدل و لو مع التمكن على ردّ المعين ففي الشرط إشكال فإن مقتضى الفسخ رجوع نفس العين الى ملك المشتري، و مع وجوده لا موجب للانتقال الى البدل.

أقول: لا يخفى ان اشتراط ما يعمّ البدل حتى مع التمكن على ردّ العين مرجعه الى توكيل البائع بمعاوضة ذلك المعين بمثله أو بقيمته كما هو الحال في اشتراط ردّ ما يعمّ

القيمة في المثلي، و ردّ ما يعمّ المثل في القيمي و لا يكون التبديل مع التوكيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 128

..........

______________________________

مخالفا للكتاب و السنة و يتصور في بعض الفروض اشتراط المبادلة بشرط النتيجة أيضا حيث لا اشكال فيه و المبادلة بين المالين لا يحتاج إلى إيجاب خاص و يحصل بكلّ ما يكون ظاهرا فيها؛ اللّهمّ الّا أن يقال ان شرط التوكيل أو شرط المبادلة بنحو شرط النتيجة لا يفيد في المقام فإنّه ما دام لم يحصل الفسخ فالثّمن المعين ملك البائع فله التصرف فيه بما شاء و لا معنى لتبديل ماله بمال آخر أو حصول المبادلة بينهما ثم بالفسخ ينحل البيع و لازم ذلك رجوع نفس الثمن الى ملك المشتري، و حيث انه غير تالف فلا معنى للرجوع الى البدل و بعد زوال العقد يزول الشرط بزواله سواء كان شرط التوكيل أو شرط المبادلة بنحو شرط النتيجة فلا موجب لدخول البدل في ملك المشتري و دخول البدل في ملك البائع.

و لكن الصحيح جواز اشتراط ردّ البدل حتى بقاء عين الثمن فانّ تمليك البدل للمشتري ليتملك منه الثمن الأول بنفسه فسخ للبيع السّابق، فانّ الفسخ كما ذكرنا أمر إنشائي يتقوم بالإبراز و إذا اعتبر البائع انحلال البيع السابق فلا يكون هذا الاعتبار بلا إبراز فسخا و إذا اعتبر معه ملكيّة البدل للمشتري بإزاء الأصلي يكون إبراز هذا الاعتبار بردّ البدل إبرازا لانحلال البيع ايضا، و لا يعتبر في صحّة المبادلة حصول الفسخ في زمان قبل زمان المبادلة، بل تقدم الانفساخ على حصول المبادلة بين الثمن الأوّل و البدل في المرتبة، و المعتبر في صحّة المبادلة المزبورة كون الثمن الأول ملكا للمشتري،

و لو في زمانها.

و ان شئت توضيح المقام فلا حظ فسخ ذي الخيار ببيع ما انتقل عنه من شخص ثالث فان البيع من شخص ثالث يتوقف على كون المبيع ملكا له مع ان الفسخ أي فسخ البيع السّابق، و دخول المبيع في ملك ذي الخيار يتحقق بنفس البيع من شخص ثالث حيث ان البيع المزبور كما يكون إبرازا لتمليك المبيع من شخص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 129

[الأمر الثالث حصول الفسخ برد الثمن أو معه]

الأمر الثالث قيل ظاهر الأصحاب (1).

______________________________

ثالث كذلك يكون إبرازا لانحلال البيع السابق، فيحصل الانحلال و البيع من شخص ثالث في زمان واحد و لا دليل على بطلان البيع الّا فيما إذا لم يكن المبيع زمان تحقق البيع ملكا لبائعه.

و إذا صحّ ما ذكر يكون اشتراط هذه المبادلة في البيع صحيحا لأن موطن الشرط أي البيع الثاني لا يكون بعد زمان فسخ البيع ليقال انه لا ينفذ شرط إذا فرض قبله انفساخ المعاملة بل يرجع اشتراط هذه المعاملة إلى تضيّق دائرة الفسخ أو الخيار، و على ذلك فالمقام من هذا القبيل لانّ مرجع الاشتراط الى اعتبار الفسخ الخاص أي الفسخ بمبادلة الثمن الأوّل الموجود ببدله فانّ هذه المبادلة كالبيع الثّاني في المثال يتوقف على انحلال البيع الأوّل بلا فرق بين أن يجعل ردّ الثمن أو بدله مقدمة للفسخ أو قصد الفسخ بالردّ، و المتحصل مما ذكرنا انه يكون ردّ البدل مع وجود المبدل في اشتراط الفسخ أو الخيار امرا مشروعا في نفسه فينفذ بالاشتراط في البيع كما لا يخفى.

و امّا إذا أطلق اشتراط ردّ الثمن فيكون الإطلاق عند المصنف و غيره مقتضيا لردّ ذلك المعين فلا يكون له خيار مع تلفه، و لكن لا

يبعد أن يقال القرينة العامة في بيع الخيار مقتضية لكون المراد ردّ ما يعم البدل حيث انّ الدّاعي للبائع إلى البيع في موارد بيع الخيار حاجته الى الثمن و التصرف فيه بصرفه على حوائجه مفروض، و لعله لذلك ذكر في الدروس حمل الإطلاق على ردّ ما يعمّ البدل، و قد تسلّم المصنف (ره) ما ذكر فيما إذا كان الثمن كليّا و الظاهر عدم الفرق بين الثمن الكلي و الشّخصي من هذه الجهة.

(1) قيل انّ ردّ الثمن أو بدله و ان كان معتبرا في الخيار في بيع الخيار الّا انّ ظاهر الأصحاب عدم تحقق الفسخ به بل الرّدّ مقدّمة للفسخ فيعتبر بعده إنشاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 130

[الأمر الرابع يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد]

يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد (1).

______________________________

الفسخ، و لأنّ الرّدّ من حيث انّه فعل لا يدلّ على الفسخ، و فيه انّ المعتبر في الفسخ إظهار حل البيع و الرّضا برجوع المالين الى مالكهما الأصليين، و مع ظهور الرّدّ في ذلك فلا وجه لعدم كونه فسخا و ما يقال من انّ الرّدّ يدلّ على ارادة الفسخ و الإرادة غير المراد يعني إرادة الفسخ غير تحقّق الفسخ لا يرجع الى محصل لأنّ الأمر الإنشائي المراد يحصل بفعل أو قول يكون ذلك الفعل أو القول ظاهرا في إرادة ذلك الأمر و اعتباره، ثم لا يخفى انّ في كلام المصنف (ره) في المقام ايضا تسامحا حيث انّ ظهور الفعل في إرادة التمليك و التملك لا يكون فسخا بل يعتبر فيه دلالة الفعل على إلغاء البيع السابق على ما تقدم.

(1) و حاصله: انّه لو جعل ردّ الثمن قيدا للفسخ بان كان خيار الفسخ ثابتا من حين العقد فيجوز

إسقاطه بعد العقد كما هو مقتضى فعليّة الخيار، و كونه حقا؛ و امّا على الوجه الأوّل أي جعل ردّ الثمن قيدا لنفس الخيار فيشكل إسقاطه بعد العقد، و قبل الردّ حيث انّ الخيار، و لو كان حقّا الّا ان إسقاط الحق يتوقف على فعليّته و ليس المراد انه لا يمكن إسقاط الحق الّا بعد فعليّته كما يتوهّم من قولهم من انّ الاسقاط قبل الردّ إسقاط لما لا يجب بل المراد ان مقتضى كون شي ء حقّا جواز إسقاطه بعد فعليّته؛ و امّا إسقاطه قبل ذلك فيحتاج نفوذه الى دليل كما هو الحال في شرط سقوط الخيار في العقد حيث انّ الشرط المزبور إسقاط حق يعمه دليل المسلمون عند شروطهم، و كذا في بعض موارد الخيار في فسخ النكاح حيث دلّت الرّواية على جواز إسقاطه قبل فعليّة ذلك الخيار. و الحاصل ان مقتضى ما صرّح به في التّذكرة من انّه لا يصحّ إسقاط خيار الشرط و الحيوان بعد العقد بناء على حدوثهما بعد التفرق كما عليه الشيخ (قده) عدم جواز إسقاط الخيار في المقام قبل الردّ، و لكن يمكن ان يمنع عن ذلك بأنّه يمكن للعلامة الالتزام بعدم جواز الإسقاط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 131

..........

______________________________

في خياري الشرط و الحيوان قبل التفرّق و جواز إسقاط الخيار في المقام قبل ردّ الثمن، فان الافتراق المعلّق عليه انتهاء الخيارين خارج عن اختيار ذي الخيار حيث يمكن للآخر أن يصحبه فلا يحصل الافتراق بخلاف المقام فان كون البائع مالكا لردّ الثمن الموجب للخيار كاف في إسقاطه.

أقول: الفرق المزبور عليل فإنّه ربّما لا يكون البائع في بيع الخيار متمكنا على ردّ الثمن الى زمان لفقد المال، هذا

أولا. و ثانيا: انّه لا يكفي في إسقاط الخيار كون الموضوع له في اختيار الشخص و الّا جاز إسقاط الخيار لمشتري الحيوان قبل شرائه، كما إذا كان الاسقاط بعد إيجاب البائع و قبل قبوله بحيث لا يكون القبول مبنيّا على ذلك الاسقاط فإنّه لو كان مبنيّا عليه لكان من شرط السقوط في العقد.

و الصحيح في الجواب هو القول بجواز الاسقاط بعد العقد في خياري الشرط و الحيوان ايضا حتى على مسلك الشيخ (قده) من حدوثهما بعد التفرق فانّ الخيار المعلّق على التفرق أو ردّ الثمن ايضا حق عند العقلاء، و انّ إسقاطه قبل حصولهما نظير إلغاء الوصيّة التملكية يحسب من رفع اليد عن الحق و يشير الى ذلك قوله عليه السلام في بعض اخبار الحيوان بكون مثل التقبيل و اللمس رضا بالبيع فإنه مقتضاه سقوط الخيار و لزوم البيع في كل زمان بالالتزام ببقاء البيع كان ذلك قبل التفرّق أو بعده.

و يسقط هذا الخيار بانقضاء الزّمان المشروط فيه ردّ الثمن و عدم ردّه أو ردّ بدله في ذلك الزمان على التفصيل المتقدم و لو تبيّن المردود من غير جنس الثمن فلا يتحقق الردّ بخلاف ما إذا تبيّن كونه معيبا فإنه يكفي في الردّ غاية الأمر يكون للمشتري حق الاستبدال، و لكن يمكن أن يقال بعدم الفرق بين الصورتين في عدم الكفاية و ذلك فإنّه انّما يصحّ الفرق بين غير الجنس و المعيب، فيما كان المتعلّق شخصا، كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 132

..........

______________________________

إذا ظهر المقبوض في السلم ثمنا من غير الجنس المذكور في العقد بان باع الحنطة سلما بمأة درهم خارجيّة، ثم ظهر الموجود الخارجي عشرة دنانير، فانّ ذلك لا يكفي

في بعض الثمن فيحكم ببطلان المعاملة بخلاف ما إذا ظهرت تلك الدّراهم معيبة فإنّه يكفي في القبض غاية الأمر يكون للبائع خيار الفسخ باعتبار ظهور العيب في الثمن.

و امّا في مورد كون المتعلق كليّا كما إذا كان في بيع السلم الدّراهم بنحو الكلّيّ على العهدة و ظهر المدفوع بعنوان أداء الثمن من غير الجنس أو المعيب فإنّه لا فرق بينهما و مع بقاء المجلس للبائع مطالبة المشتري بالفرد من الثمن أو بالصّحيح، و مع عدم بقائه يحكم ببطلان السلم سواء قلنا بأنّ المراد بالشّي ء صحيحة في المعاملة للانصراف أو للشرط الارتكازي، و بما انّ المفروض في المقام كون المشروط ردّه كليّا فلا فرق بين ظهور المردود من غير الجنس أو المعيب في عدم كفاية ذلك في نفوذ الفسخ. نعم إذا التفت المشتري الى مال المردود و رضي به كفى في نفوذ فسخ البائع بلا فرق بين الصورتين ايضا.

و لكن الكلام فيما أخذ المردود من غير التفات الى حاله بحيث لو كان ملتفتا لم يأخذه و ربّما يوجّه الفرق كما عن النّائيني (قده) بأنّ الوصف حق للمشتري فيصحّ له المطالبة به و المعيب المدفوع داخل في الثمن، و لكن بما انّ دفع الوصف لا يمكن إلّا في ضمن عين يكون له الاستبدال بخلاف ظهور المدفوع من غير الجنس فإنّه غير داخل في الثمن المشروط ردّه.

و فيه: انّ المدفوع انّما يدخل في عنوان الثمن فيما إذا رضي المشتري بالمعيب مع الالتفات بحاله كما انّه بالرّضا كذلك يحسب غير الجنس ايضا ردّا للثمن المشروط ردّه، و لكن الكلام كما ذكرنا فيما إذا لم يلتفت بالحال فتدبّر جيّدا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 133

و يسقط ايضا

بالتصرف في الثّمن المعين (1).

______________________________

(1) و يسقط ايضا هذا الخيار بالتصرف في عين الثمن المشروط ردّه أو التصرف في الفرد المأخوذ فيما إذا كان مقتضى الاشتراط في العقد أو كان مقتضى إطلاق اشتراطه ردّ تلك العين أو ردّ ذلك الفرد و يدلّ على كون التصرف في الثّمن المزبور موجبا لسقوط الخيار ما ورد في خيار الحيوان من انّ تصرّف ذي الخيار في الحيوان المشتري رضي منه بالبيع فلا خيار حيث انّ الروايات و ان وردت في خيار الحيوان إلّا انّ الأصحاب قد فهموا منها عموم الحكم، و لذا ذكروا سقوط خيار المجلس و الشرط بالتصرف كسقوط خيار الحيوان بتصرف المشتري فيه.

و لكن مع ذلك ذكر المحقق الأردبيلي و صاحب الكفاية عدم سقوط الخيار في بيع الخيار بتصرف البائع في الثمن المأخوذ لأنّ الخيار في بيع الخيار قد جعل للبائع مع فرض تصرفه فيه، و قد أمضى الشّارع البيع المزبور بهذا لنحو و يفصح عن ذلك موثقة إسحاق ابن عمّار المفروضة فيها حاجة المسلم الى بيع داره ببيع الخيار، و من الظّاهر انّ الحاجة الى بيع داره معناها الحاجة الى ثمنها بالتّصرف فيها.

و قد أجاب بحر العلوم (قده) في مصابيحه عن ذلك بعد الطعن على القول المزبور بأنّه مخالف لما عليه الأصحاب بما حاصله انّ الالتزام بسقوط الخيار بتصرف ذي الخيار فيما انتقل اليه لا يوجب محذورا في المقام لانّ التّصرف في الثمن المأخوذ في بيع الخيار يكون قبل ردّ الثمن و هو ليس زمان الخيار فلا يكون التصرف فيه في ذلك الزّمان مسقطا بل المسقط له التّصرف فيه بعد ردّه الى المشتري حيث انّ هذا الزمان زمان فعلية الخيار فيكون تصرّف البائع فيه مسقطا لخياره

مع انّ ما ذكر من لزوم نقض الغرض في فرض سقوط الخيار بالتصرف في الثمن لا يتمّ فيما إذا كان زمان الخيار منفصلا عن العقد كما إذا جعل مدّة الخيار كاليوم الأوّل بعد سنة فانّ التصرف في الثّمن في طول السنة لا يوجب سقوط الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 134

..........

______________________________

و ذكر صاحب الجواهر (ره) انّ ما ذكر بحر العلوم (قده) في مقام الجواب غير صحيح فانّ ردّ الثمن ليس شرطا لحدوث الخيار و إلّا لزم جهالة مدة الخيار من حيث المبدء، و على ذلك يكون سقوط الخيار بالتصرف في الثمن نقضا للغرض من تشريع بيع الخيار، و ايضا يرى العرف قبل ردّ الثمن و بعده زمان الخيار و يظهر ذلك عن كثير من الأصحاب فإنّهم قد ضعفوا ما ذهب اليه الشّيخ (قده) من انّ النقل و الانتقال في البيع يحصل بانقضاء زمان الخيار بالأخبار الواردة في المقام الدّالة على ان غلة الدار للمشتري و وجه الظهور أن غلّة الدار للمشتري باعتبار كون أصل الدار له، و الظاهر انّ هذه الأخبار لا تكون ردّا لما ذهب اليه الشيخ الّا أن يكون كلا من زمان قبل ردّ الثمن و بعده زمان الخيار ليكون تملك المشتري الغلة فيهما دليلا على بطلان ما ذهب اليه الشيخ (قده).

و ذكر المصنف (ره) انّ كلا مما ذكره المحقق الأردبيلي، و الجواب عنه بما في المصابيح؛ و الردّ على الجواب المزبور ضعيف. و حاصل ما ذكره في الإيراد على كلام الأردبيلي بأنّ التّصرف في الثمن يكون مسقطا للخيار فيما إذا كان المشروط في بيع الخيار ردّ عين ذلك الثّمن أو عين ذلك الفرد المأخوذ و الغالب في بيع الخيار

كون الثمن كلّيا، و قد تقدم انّه لا يستفاد من الإطلاق اشتراط ردّ عين الفرد المأخوذ كما هو مورد موثّقة إسحاق بن عمّار أو منصرفها، و مع عدم اشتراط ردّ العين لا يكون في التّصرف في العين دلالة على التزام البائع بإبقاء البيع و قد تقدم انّ قوله عليه السلام فذلك رضى منه بالبيع فلا خيار ليس حكما تعبّديّا محضا بل حكم بسقوط الخيار بالتّصرف الخارجي الذي يكون فيه دلالة نوعيّة على الالتزام بإبقاء البيع فيدخل في المسقط الفعلي و لا يكون التصرف مسقطا فيما إذا علم انّ التصرف لا يكون على هذا الوجه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 135

..........

______________________________

أقول: قد ذكرنا انّه لا فرق بين الثمن الشخصي أو الكلي على العهدة في انّ مقتضى القرينة العامة ان المشروط في بيع الخيار ردّ ما يعمّ البدل و مع اشتراط ردّ ما يعم البدل لا يمكن الالتزام بسقوط الخيار بالتصرف في عين الثمن أو الفرد المأخوذ سواء كان ذلك التصرف من التّصرفات الناقلة أم من التصرفات الانتفاعية. و امّا إذا كان المشروط تصريحا ردّ عين ذلك الثمن أو الفرد المأخوذ فمع التصرف الناقل فيه لا يبقى للخيار موضوع بخلاف التصرف الانتفاعي فإنّه لا موجب لسقوط الخيار معه فإنّه أيضا لا يوجب سقوط الخيار و لا يستفاد سقوطه مما ورد في التصرف في الحيوان المشترى لما تقدم من انّ سقوط الخيار بالإسقاط الفعلي كالقولي، و ان لا يكون أمرا تعبّديّا الّا انّ تطبيق الإسقاط الفعلي على مثل النظر الى ما كان يحرم من الأمة المشتراة أمر تعبدي لا يمكن التعدّي منه الى المقام؛ و ايضا دعوى انّ مورد الموثقة أو منصرفها كون الثمن كليا

على العهدة غير ظاهر كما لا يخفى.

و أورد (ره) على ما ذكر في المصابيح من ان التصرف قبل ردّ الثمن لا يكون تصرفا في زمان فعلية الخيار ليكون مسقطا بأنّ التصرف مسقط فعلي و إذا فرض صحّة إسقاط الخيار بالقول قبل ردّ الثمن على ما تقدم يكون إسقاطه بالفعل أي التّصرف نافذا و لو مع عدم فعليّة الخيار مع انّ كون ردّ الثمن مبدءا للخيار غير صحيح فانّ ظاهر كلمات الأصحاب كون ردّ الثمن قيدا للفسخ؛ و ان زمان الخيار يعمّ قبل الردّ و بعده و لو لم يكن هذا متعيّنا فلا ينبغي الرّيب في انّه يمكن جعل الخيار بنحو يكون ردّ الثمن قيدا للفسخ كما يمكن جعله بنحو يكون قيدا للخيار. نعم إذا جعل الخيار منفصلا كاليوم الأول بعد السّنة يجري فيه الإشكال المتقدم في انّه يجوز إسقاط الخيار فيه قولا قبل ذلك الزمان أم لا، و لو قيل بعدم جواز الإسقاط قولا فلا يكون التصرف فيه في الثمن موجبا لسقوط الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 136

..........

______________________________

أقول: لو قلنا بجواز إسقاط الخيار قولا قبل الردّ الثمن و ان جاز قبله إسقاطه فعلا أيضا الّا انّ ذلك لا يوجب كون التّصرف الانتفاعي في الثمن المشروط ردّه و لو مع عدم قصد إسقاط الخيار موجبا لسقوط الخيار، و ذلك فانّ النص الوارد في الحيوان الدّال على انّ التصرف الانتفاعي في الحيوان و لو مع عدم إسقاط الخيار مسقطا مورده ما ذا كان التصرّف المزبور زمان فعلية الخيار، و ان أمكن التّعدي عن هذا المسقط التعبدي فيلتزم بسقوط كل خيار بالتصرف الانتفاعي فيما انتقل اليه زمان الخيار؛ و لا يعمّ ما إذا كان

التصرف قبل التصرف قبل ذلك الزّمان.

و امّا دعوى انّ إسقاط الخيار المشروط لا يمكن أن يتحقق بالفعل و ليس الفعل كالقول حيث لا يمكن الإسقاط المزبور بالفعل لانّ الفعل لا تعليق فيه و لا يمكن كونه مسقطا فعلا لعدم فعليّة الخيار لا يمكن المساعدة عليها لأنّ الإسقاط فعلا أو قولا إبراز لإلغاء الجعل الذي كان بنحو القضيّة الشّرطية بلا فرق بينهما.

و أورد على ما ذكره صاحب الجواهر (ره) من أنّه لو كان ردّ الثمن قيدا لنفس الخيار لكان مبدء الخيار مجهولا بأنّ الجهالة في مبدء الخيار لا تقدح مع تحديد زمان الخيار بعد حدوثه. نعم ذكروا ان جعل مبدء الخيار في شرط الخيار التفرّق عن مجلس العقد غير جائز فيما كان عند إطلاق الشرط مبدأه تمام العقد؛ و قيل انّ مقتضاه عدم جواز جعل الخيار في المقام من حين ردّ الثمن إلّا انّ التأمّل يقضي بالفرق بينهما بأنّ التفرق أمر غير اختياري لذي الخيار، فلا يمكن جعله مبدءا بخلاف ردّ الثّمن فإنّه أمر اختياري، فيجوز جعله مبدءا.

و أيضا فما ذكره من انّ تضعيف الأصحاب ما ذهب اليه الشيخ (قده) من حصول النقل و الانتقال بعد انقضاء زمان الخيار باخبار الباب يدلّ على انّ ردّ الثمن قيد للفسخ غير صحيح فإنّه يمكن أن يكون ردّ الثمن قيدا للخيار و مع ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 137

[الأمر الخامس لو تلف المبيع كان من المشتري]

الخامسة: لو تلف المبيع كان من المشتري (1).

______________________________

يصحّ تضعيف القول المزبور فإنّه من المحتمل انّهم فهموا من كلام الشيخ ذهابه الى حصول النقل و الانتقال على انقضاء زمان الخيار، و لو كان ذلك الزّمان منفصلا عن العقد فضعفوه باخبار الباب الدالة بعضها على ان غلّة

الدار للمشتري.

أقول: قد تقدّم ما في الفرق بين التفرق و ردّ الثمن بأنّ الأول غير اختياري، و الثّاني اختياري، و تقدّم ايضا انّ ظاهر كلامهم اشتراط التعيين في مدة الخيار من حيث المبدء و المنتهى؛ و المتحصل مما ذكرنا انّ التّصرّف الانتفاعي قبل ردّ الثمن لا يكون مسقطا للخيار أصلا كما انّ التّصرف النّاقل لا يوجب سقوطه فيما ذا كان الشرط ردّ الثمن و لو ببدله كما هو مقتضى القرينة العامّة في بيع الخيار. و امّا إذا كان المشروط ردّ المأخوذ بعينه فينتفي الخيار بالتّصرف النّاقل لانتفاء موضوع الخيار معه كما لا يخفى.

(1) لو تلف المبيع بيد المشتري يحسب التلف عليه سواء كان تلفه بعد ردّ الثّمن عليه أو بعده، و يكون له نماء المبيع ايضا سواء قبل ردّ الثمن أو بعده حيث انّ النماء يتبع العين في الملك. و الظّاهر انّ تلف المبيع بيده لا يوجب سقوط خيار البائع فإنّ الخيار كما تقدم حق لذي الخيار يتعلّق بالعقد لا بالعوضين غاية الأمر يمتاز بيع الخيار من سائر الخيارات بأنّ من عليه سائر الخيارات يجوز له التّصرف فيما انتقل اليه حتى التصرف الموجب لتلف العين أو خروجه عن ملكه لأنّ المال المزبور ملكه فله التصرف فيه بما شاء و حق الخيار لتعلقه بالعقد لا ينافيه بخلاف هذا الخيار فانّ المشروط في هذا البيع أمر آخر ايضا و هو اشتراط إبقاء عين المبيع لبائعه في المدّة المضروبة. و هذا الاشتراط ارتكازي في هذا البيع يشهد له ظاهر بعض الرّوايات المتقدمة من اشتراط إرجاع عين المبيع بعد ردّ الثمن.

و ذكر المصنف (ره) انّه يحتمل ان لا يكون خيار بعد تلف المبيع في يد المشتري

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 138

..........

______________________________

بأن يكون خيار البائع مشروطا ببقاء المبيع و قال لا منافاة بين كون الخيار مشروطا ببقائه و بين وجوب إبقاء عين المبيع.

أقول: لو كان الخيار حقا متعلقا بعين المبيع لما جاز للمشتري التّصرف فيه في سائر الخيارات ايضا. و يبطل تصرفه فيه لتعلّق حق البائع به كما انّه لا يجوز للبائع التّصرف النّاقل في الثمن فيما كان الخيار للمشتري كخيار الحيوان و لا أظنّ الالتزام بذلك كما تقدم في تعريف الخيار.

و امّا إذا كان حقّا متعلقا بالعقد كما ذكرنا يكون عدم جواز تصرف المشتري في المبيع في بيع الخيار بالإتلاف أو بالنقل شرطا آخر بأن يكون المشروط على المشتري التحفظ بعين المبيع، و لازم ذلك ثبوت الخيار في الفسخ حتى بعد تلف المبيع ايضا حتّى فيما كان التلف بإتلافه كما هو مقتضى خيار تخلف الشّرط و على ذلك فكيف لا تكون منافاة بين ثبوت الخيار في صورة بقاء المبيع خاصة و وجوب التحفظ على المشتري بحيث لا يكون في البين الّا شرط الخيار خاصة.

و عن صاحب الجواهر (قده) انّه جعل تلف المبيع قبل ردّ الثمن مسقطا لخيار البائع. و امّا إذا كان تلفه بعده فلا يسقط الخيار لانّ التلف مضمون على المشتري لأنّه وقع في زمان خيار البائع فله حينئذ الفسخ ثم الرجوع الى المشتري بالمثل أو القيمة بخلاف التلف قبل الردّ الثمن فانّ التلف في هذا الفرض ليس مضمونا على المشتري ليكون للبائع الرجوع الى المشتري بعد الفسخ بالمثل أو القيمة بل المتجه في التلف في هذا الفرض سقوط خيار البائع الّا ان يشترط الرجوع عليه عينا أو قيمة مع التلف أيضا.

أقول: هذا التفصيل منه (قده) ينافي ما

تقدم منه في الجواب عن الطباطبائي حيث ذكر في ذلك الجواب انّ مقتضى العرف و ظاهر الأصحاب، و كذا ظاهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 139

..........

______________________________

الأخبار كون قبل الردّ الثمن و بعده زمان الخيار، و انّ ردّ الثمن قيد للفسخ خاصة مع انه لا معنى لضمان المشتري المبيع الّا بضمان معاوضي، و هذا الضمان المعاوضي حاصل قبل ردّ الثمن و بعده. و امّا الضمان الآخر أي ضمان اليد فيحصل بعد فسخ البائع لا بعد ردّ الثمن و لا يفترق في ضمان اليد تلف عين المبيع و عدمه بعد ما ذكرنا من انّ الخيار حق يتعلّق بالعقد لا بعين العوضين هذا كلّه في تلف المبيع.

و امّا تلف الثمن لا بإتلاف البائع فمقتضى ما ذكروه من انّ التّلف في زمان الخيار ممّن لا خيار فيه ان ينفسخ البيع لو قلنا بأنّ ردّ الثمن قيد للفسخ لا لنفس الخيار، و معنى كون التلف ممن لا خيار له انحلال البيع بالتلف المزبور كما في قولهم التلف قبل القبض من مال البائع. و امّا إذا قيل بأنّ ردّ الثمن قيد لنفس الخيار يكون تلف الثمن على البائع كما هو مقتضى الضمان المعاوضي الحاصل على الطرفين بالبيع و على ذلك فان كان المشروط في الخيار في بيع الخيار ردّ عين ذلك الثمن يسقط خيار البائع بانتفاء موضوعه؛ و ان كان ما يعمّ بدل ذلك الثمن يبقى الخيار بحاله، و كذا لو قلنا بأنّ قولهم التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له يختص بتلف المبيع، و لا يعمّ تلف الثمن. و امّا إذا كان تلف الثمن بعد ردّه على المشتري فان قلنا بعموم قاعدة التلف في زمان

الخيار ممن لا خيار له للثمن فينحلّ البيع بالتلف المزبور فيأخذ البائع عين المبيع فانّ الثمن بعد ردّه على المشتري و قبل التلف، و ان كان ملكا للبائع ما دام لم يحصل الفسخ الّا انّ بالتلف ينحل البيع بناء على عموم القاعدة كما ذكر.

و لكن ذكر النّائيني (ره) انّ القاعدة المزبورة لا تعمّ المقام فان موردها ما إذا كان تلف المال المضمون بيد ذي الخيار حيث انّ مقتضى ما دلّ على انّ التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له امتداد الحكم الثابت قبل القبض المستفاد من قولهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 140

..........

______________________________

التلف قبل القبض من مال بائعه الى ما بعد القبض، و المفروض في المقام صيرورة الثمن بيد المشتري و خروجه عن يد ذي الخيار فيكون ضمان الثمن على المشتري نظير الضمان المأخوذ بالسوم حيث ان البائع قد دفع الثمن إلى المشتري ليسترد منه المبيع لا مجانا. نعم إذا تلف الثمن قبل الرد بيد البائع يكون من صغريات تلك القاعدة حتى لو قيل بأنّ ردّ الثمن قيد لنفس الخيار لأن العبرة ليس لنفس زمان الخيار بل بعدم استقرار الملك و كونه في معرض الزوال كما يشير الى ذلك قوله عليه السلام حتى ينقضي الشرط و يصير المبيع للمشتري فإنّ هذا الكلام بمنزلة القول بأنّ عدم استقرار الملك يوجب انحلال البيع بتلف المبيع بيد ذي الخيار و مع التّعدّي إلى تلف الثّمن يكون انحلال البيع في المقام بتلف الثمن بيد البائع المفروض كونه ذا الخيار.

أقول: لم يظهر في قاعدة ضمان تلف المال على من لا خيار له انّ الضّمان بمعنى انحلال البيع ينحصر بصورة كون التلف في يد ذي الخيار،

و لو قبض المشتري الحيوان ثم استودعه عند بايعه و تلف قبل انقضاء ثلاثة أيّام ينحلّ البيع، و لا أظن أن يلتزم أحدا ببقاء البيع بحاله، و ان المشتري على تقدير فسخ البيع يرجع الى بائعه بالقيمة لكون الحيوان قيميّا و يشهد لعدم اعتبار التلف بيد ذي الخيار إطلاق الرّوايات الواردة في تلف الحيوان حيث لم يؤخذ فيها التلف بيد ذي الخيار. نعم قد فرض ذلك في السؤال في بعضها، و من الظاهر انّ الأخذ في السؤال لا يوجب تقييد إطلاق الجواب في غيرها. نعم الروايات كما أشرنا واردة في خيار الحيوان و التعدّي منه الى سائر المبيع فضلا عن الثمن غير ممكن فيؤخذ بقاعدة الخراج بالضمان المقتضية لذهاب المال عن ملك مالكه غاية الأمر انّ التلف على مالكه المفروض كونه ذا الخيار لا يوجب سقوطه خياره بلا فرق بين كون تلف الثمن في المقام قبل ردّه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 141

و انما المخالف لها هي قاعدة الخراج بالضمان (1).

[الأمر السّادس لا إشكال في القدرة على الفسخ]

الأمر السّادس لا إشكال في القدرة على الفسخ (2).

______________________________

على المشتري أو كان بعده كما لا يخفى.

(1) قد تقدم عدم شمول قاعدة التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار لتلف الثمن في المقام و ان عدم الشمول لقصور القاعدة و عدم العموم في دليلها لا لدلالة رواية معاوية بن ميسرة على اختصاصها بالمبيع كما عن الجواهر فانّ تلك الرّواية دالّة على كون نماء المبيع في بيع الخيار للمشتري و تلفه ايضا عليه و شي ء من الحكمين لا ينافي كون ضمان تلف الثمن ايضا عليه، و المنافي لقاعدة ضمان التلف على غير ذي الخيار قاعدة الخراج بالضمان الجارية في ناحية الثمن لأنّها

تقتضي ذهاب الثمن على البائع و القاعدة أخصّ من قاعدة الخراج بالضمان فعلى تقدير عمومها يرفع اليد بها عن قاعدة الخراج بالضمان كما لا يخفى.

(2) لو كان المصرّح به في بيع الخيار ردّ الثمن على نفس المشتري أو وكيله المطلق أو الحاكم أو عدول المؤمنين، سواء كان اشتراط الرّدّ إلى هؤلاء مطلقا أو مع عدم التمكن على الرّد على السابق يحصل التمكن على الفسخ بالردّ المزبور. و امّا إذا كان المشروط ردّ الثمن على المشتري كما هو المتعارف و اتّفق عدم التمكن على الردّ عليه عقلا لغيبته أو شرعا لحصول الجنون أو السّفه له فهل يكفي في التمكن على الفسخ ردّ الثمن على الحاكم الشرعي و مع فقده على عدول المؤمنين أم لا يظهر كفاية رده على الحاكم من المحقّق القمي (ره) في أجوبة مسائله و خالف فيه صاحب المناهل (ره).

و يظهر من صاحب الحدائق قول ثالث و دعوى الاتّفاق عليه و هو عدم لزوم ردّ الثمن على المشتري في الفسخ مع غيبته بل يكفي معها جعل البائع الثمن امانة عنده حيث انّه نقل أولا قول المشهور بأنّه لا يعتبر في فسخ ذي الخيار حضور الخصم و انّه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 142

..........

______________________________

لا يعتبر في الفسخ الاشهاد خلافا لبعض علمائنا؛ و ذكر ثانيا انّ ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري في الفسخ ليفسخ البائع البيع بعد ردّ الثمن عليه فما ذكروه من جواز فسخ البائع مع عدم حضور المشتري، و جعل الثمن عنده أمانة الى أن يجي ء المشتري، و ان كان ظاهرهم الاتفاق عليه، و لكنّه بعيد عن مساق اخبار الباب.

و ذكر المصنف (ره) في الردّ على صاحب الحدائق بأنه لم

يظفر من الأصحاب من تعرّض لفرض غيبة المشتري في بيع الخيار، و انّه يكفي في فسخ البائع جعل البائع الثمن امانة عنده فإنّهم، و ان ذكروا عدم اعتبار حضور الخصم في الفسخ خلافا لبعض العامّة إلّا انّ هذا باعتبار عدم اشتراط الفسخ بحضور المشتري و لا ينافي في ذلك اعتبار حضوره لردّ الثمن عليه الذي شرط في نفوذ الفسخ، و كذا اخبار الباب فانّ موردها و ان يكون حضور المشتري لردّ الثمن عليه الّا انّه لا دلالة لها على اعتبار حضوره في حصول الفسخ لأنّ الفسخ قد يتأخّر عن ردّ الثمن و لو فرض حصول الفسخ برد الثمن لكان اعتبار حضوره لردّ الثمن عليه لا لاعتباره في الفسخ.

ثم ذكر (قده) انّ الأقوى فيما لم يصرّح باشتراط الرد على خصوص المشتري قيام الولي مقامه في انّ مع الردّ عليه يتمكن البائع على الفسخ و ذلك فانّ المراد بقرينة الارتكاز في مقام الاشتراط ردّ الثمن على المشتري هو ان لا يبقى الثمن بيد البائع أو عهدته حين الفسخ بان يدفع الثمن على من يتعيّن دفع الثمن عليه على تقدير عوده الى ملك المشتري، و لذا لو مات المشتري يدفع المال الى وارثه كما أنّه لا خصوصيّة للبائع في ردّ الثمن بان يكون المراد خصوص البائع، و لذا يدفع وارث البائع الثمن إلى المشتري و يفسخ البيع، و ليس ذلك لإرث الخيار فإنه لو كان الشرط في الخيار أو الفسخ ردّ خصوص البائع لا يكون المورد من موارد إرث الخيار باعتبار عدم تحقق شرطه إلّا للبائع خاصة، و انّما يورث الخيار فيما لم يكن شرط يخصّ تحقّقه بأحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 143

و

دعوى ان الحاكم انما يتصرف في مال الغائب (1).

______________________________

المتعاقدين و بتعبير آخر يورث الخيار لا شرطه أو قيد الفسخ.

و لكن مع ذلك قد يقال لو كان الشرط الردّ على المشتري فلا يكفي الدفع الى وليّه أو وكيله لانّ المفروض ان المذكور في بيع الخيار الردّ على المشتري و ليس في البين ما يدلّ على التّنزيل بأن يقتضي ما دلّ على انّ الوكيل أو الوليّ بمنزلة الموكل و المولى عليه بل كون الحاكم الشرعي بمنزلة المولى عليه من المضحكات كما أنّه ليس في للبين ما دلّ على ان قبض الوكيل أو الوليّ قبض للمشتري فإنّ ما دلّ على مشروعيّة التوكيل أو الولاية انّ الفعل الصادر عن الوكيل أو الولي مع كونه فعل الوكيل أو الولي نافذ في حق الموكل و المولى عليه و لكن المفروض في بيع الخيار انه قد جعل شرط الخيار أو قيد الفسخ فعل المشتري أي ردّ الثمن عليه.

و الحاصل: انّ الأظهر في مورد لم يكن فيه قرينة على التعميم في الردّ عدم كفاية الردّ على الوكيل أو الولي في الفسخ.

أقول: مقتضى ما دلّ على مشروعيّة الوكالة انتساب الفعل من الوكيل الى الموكل فيكون بيعه بيعا للمالك فيدخل في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و طلاقه طلاقا للزوج الموكل حيث انّ الوكالة تنحصر مواردها بموارد انتساب فعل المباشر الى الأمر به ايضا و تكون مشروعيتها بمعنى إمضاء الشارع هذا الانتساب كما لا يخفى.

و امّا الولاية فإنّه يكفي في ردّ الثمن على الولي كونه متوليا للأمور الراجعة إلى المولى عليه و من تلك الأمور قبض المال الذي يدخل في ملكه بالوقف أو الهبة أو الاشتراط أو غير ذلك، كما يفصح عن

ذلك ما ورد في هبة الأب أو وقفه المال على ولده الصغار و غير ذلك فتدبّر.

(1) قد يشكل في قبض الحاكم الثمن بأنّ الحاكم انّما يتصرف في مال الغائب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 144

و مما ذكرنا يظهر جواز الفسخ بردّ الثمن (1).

______________________________

على وجه الحفظ و المصلحة، و هذا غير متحقق في قبض الثمن حيث انّ الثمن ملك للبائع قبل أخذ الحاكم و بالأخذ يتمكن على تملّك المبيع بفسخ البيع و قد لا يكون هذا الفسخ مصلحة للغائب أو سائر القصر فلا يكون وليا في قبض الثمن.

و الجواب ان رعاية المصلحة تنحصر بالموارد التي يكون تصرف الولي فيها اختياريّا أي بإرادة لا ملزم له لتلك الإرادة و الأمر في قبض الثمن ليس كذلك فان شرط الخيار أو الفسخ ليس قبض المشتري بل تمكين البائع المشتري أو وليّه أو وكيله المطلق من أخذ الثمن، و هذا يحصل بلا اختيار الولي لأنّه لا يعتبر في حصول ذلك قبض المشتري أو وليّه ليقال انّ قبول الولي مشروط بالمصلحة للمولّى عليه.

(1) و ممّا ذكر أنّه لو لم يتمكّن البائع من ردّ الثمن على الحاكم الشرعي أيضا لفقده و فقد وكيله يجوز له ردّ الثمن الى عدول المؤمنين ليحفظوه للمشتري حسبة على ما هو مقتضى ولايتهم على الغائب أو سائر القصر مع فقد الحاكم و وكيله.

ثم انّه إذا اشترى الأب للطفل بخيار البائع فهل يجوز للبائع الفسخ بردّ الثمن على الوليّ الآخر للطفل أي الجد مطلقا أو مع عدم تمكنه من الردّ على الأب أو لا يجوز وجوه: و يجري مثل ذلك ما إذا اشترى الحاكم للمولى عليه بخيار البائع مالا فهل يجوز للبائع في فسخه

البيع المزبور دفع الثمن الى الحاكم الآخر فالأظهر التفصيل في المقام بين الدفع الى الجد أو الى الحاكم الآخر فإنّه يجوز الدفع الى الجد في فسخ البيع المزبور أخذا بما دلّ على ولاية الأب الشامل لأب الأب على ما تقدم في بحث الولاية. و امّا الدفع الى الحاكم الآخر فغير جائز فإنّه ليس للحاكم الآخر ولاية على الطفل المزبور فان الدليل على ولاية الحاكم في أموال القصر هو دليل الحسبة و لا يجري ذلك الدليل بعد وضع الحاكم الأوّل يده على أمر مال اليتيم؛ و لذا لا يجوز للثاني مزاحمة الأول.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 145

[الأمر السابع إذا أطلق اشتراط الفسخ بردّ الثمن]

إذا أطلق اشتراط الفسخ بردّ الثمن (1).

______________________________

و الحاصل: عدم جواز قبض الحاكم الثّاني بالإضافة إلى المعاملة المزبورة بل مطلقا فيما إذا كانت معاملة الحاكم الأول بعنوان التصدّي لأموال الطفل المزبور حيث لا يثبت معه ولاية للحاكم الثّاني بالإضافة الى ما يتعلّق بالمعاملة المزبورة بل مطلقا كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) في هذا الأمر ما حاصله انّه إذا كان المشروط في بيع الخيار ردّ الثمن قيدا للخيار أو للفسخ فلا يكون للبائع فسخ الّا بعد ردّ تمام الثمن عينا أو بدلا، فان ردّ على المشتري بعض الثمن فلا ينفذ فسخه بل يبقى البيع بحاله و عندئذ لو كان دفع البعض بعنوان الثمنية يبقى المال المزبور على ملك البائع، فلا يجوز للمشتري التصرف في ذلك البعض لكونه ملك البائع، و الظاهر انّه ضامن لانّ المفروض دفعه اليه بعنوان الثّمنية، فمع عدم تحقق الفسخ يكون يده عليه من ضمان اليد و بتعبير آخر لا فرق بين البيع الفاسد و الفسخ الفاسد في ثبوت ضمان اليد في كل منهما.

و امّا إذا دفع البعض إلى المشتري حتى يفسخ المعاملة باجتماع تمام قدر الثمن عنده يكون الموجود بيد المشتري أمانة مالكية، فلا يكون عليه ضمان اليد كما هو مقتضى نفي الضمان عن الأمين.

أقول: إذا فرض فسخ البائع البيع بدفع بعض الثمن و رضا المشتري بالفسخ المزبور لكان ذلك من اقالة البيع فيصحّ للمشتري التصرف في المدفوع لانه ملكه غاية الأمر يبقى باقي الثمن على عهدة البائع. و امّا إذا لم يكن ذلك برضاه فلا يكون أخذ ذلك البعض بعنوان الثمنيّة فعلا، و لو يكون ثمنا مستقبلا فيكون المدفوع اليه فعلا مع عدم فسخ البائع أمانة مالكية لا محالة فلا يكون ضمان المأخوذ عليه.

و امّا إذا كان المشروط فسخ البيع في المقدار المدفوع من الثّمن حتى يتمّ فسخ تمام البيع و بدفع تمام الثمن تدريجا في المدة المضروبة ينفسخ البيع بفسخه في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 146

..........

______________________________

المقدار المدفوع، و على ذلك فلو لم يدفع بقية الثمن و لم يفسخ البيع في تمام البيع حتى انقضت المدة المضروبة يكون للمشتري خيار تبعّض الصفقة الذي مرجعه الى تخلّف الشرط، و هل للمشتري الخيار قبل انقضاء المدّة في فسخ البيع المزبور بدعوى تبعض الصفقة عليه، الظاهر ذلك.

أقول: لم يعلم الوجه في تحقق خيار تبعّض الصفقة قبل انقضاء المدة فإنّ التبعّض قبل انقضائها مما أقدم عليه المشتري، و انّما اشترط عدم التبعض بعد انقضاء المدة فلا وجه لثبوت الخيار في حق المشتري قبل انقضائها.

ثم انّه قد يقال ان اشتراط الفسخ في بعض المبيع مطلقا أو بردّ مقدار يخصّه من الثمن غير صحيح لأنّ الثّابت شرعا جواز اشتراط الخيار في البيع المنشأ ابتداء. و امّا البيوع

الانحلاليّة فاشتراط الخيار في بعضها أو كلّها على نحو الاستقلال فغير ثابت بل مخالف لعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المقتضي للزوم البيع.

و بتعبير آخر لم يثبت كون اللزوم بالإضافة إلى البيوع الانحلاليّة حقيّا، بل ظاهر الكتاب لزوم البيع من جهة المنشأ ابتداء، و من جهة البيوع الانحلاليّة غاية الأمر ثبت كون اللزوم في المنشأ ابتداء حقيّا. و امّا بالإضافة إلى البيوع الانحلاليّة فيؤخذ بظاهره؛ أضف الى ذلك ما عن بعض الأجلّة (دامت أيّامه) انه لا انحلال للبيع المنشأ ليشترط الخيار في بعضها.

أقول: قد تقدم سابقا توضيح الانحلال بالإضافة الى الاجزاء الخارجية فيما إذا كان المبيع من بيع الشيئين بصفقة واحدة، و بالإضافة الى الأجزاء المشاعة بالإضافة إلى عين واحدة و كون اللزوم بالإضافة إلى البيوع الانحلالية ايضا حقيا يظهر من ملاحظة ما إذا اشترى الحيوان مع غيره بصفقة واحدة، ثم تلف الحيوان أيام خياره فإنه لا ينبغي الشك في ثبوت الخيار بالإضافة إلى شراء غير الحيوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 147

[الأمر الثامن كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن كذا يجوز للمشتري اشتراط الفسخ برد المثمن]

كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ (1).

[لا إشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع]

لا إشكال و لا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط. (2)

______________________________

باعتبار تبعض الصفقة مع انّ هذا من اشتراط الخيار في البيع الانحلالي؛ فتدبّر جيّدا، و قد ظهر مما ذكر جواز اشتراط الخيار في فسخ البيع بردّ بعض الثمن معينا أو غير معيّن، و بعد الفسخ يبقى باقي الثمن في عهدة البائع كل ذلك لكون اللزوم في البيع حقيّا يجوز معه اشتراط الخيار مطلقا أو مقيدا برد تمام مقدار الثمن أو بعضه و اللّٰه العالم.

(1) كما يجوز للبائع اشتراط الخيار في الفسخ بردّ الثمن كذلك يجوز للمشتري اشتراط الخيار في فسخ البيع برد المبيع، و يفترق المقام عن اشتراط الخيار للبائع برد الثمن انّ مقتضى إطلاق اشتراط ردّ المبيع اعتبار ردّ عين المبيع، فلا يكفي في خيار المشتري ردّ البدل و لو مع تلف العين حيث انّ القرينة العامّة المشار إليها سابقا منحصرة بمورد اشتراط الخيار للبائع و لا تجري في اشتراط الخيار للمشتري بردّ المبيع، و قد تقدّم ايضا ان مقتضى الفسخ مع بقاء العينين رجوعهما الى مالكهما حتّى لو كان الثمن كليّا، و قد دفع المشتري الى البائع فردا بعنوان الوفاء بالثمن فإنه يرجع ذلك الفرد الى ملك المشتري لأنّ بقائه في ملك البائع بلا وجه؛ و على ذلك فلو اشترط دفع البدل مع بقاء العين في ناحية الثمن أو المثمن يكون ذلك في الحقيقة من اشتراط الفسخ بالمبادلة بين تلك العين و بدله و ذكرنا جواز ذلك و انّه لا فرق بين اشتراط دفع البدل مع بقاء العين و بين ردّ التّالف المثلي بالقيمة أو بالعكس من هذه الجهة فتدبّر جيّدا.

(2) ذكر (ره) انّه لا اشكال و

لا خلاف في جواز اشتراط الخيار في كل معاوضة لازمة كالبيع و الإجارة و الصلح و المزارعة و المساقات. قال العلامة في التذكرة الأقرب دخوله في كل عقد معاوضة خلافا للجمهور، و مراده العقد اللازم حيث

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 148

..........

______________________________

صرّح بعدم دخوله في الوكالة و الجعالة و المضاربة و الوديعة و العارية من العقود الجائزة لأنّه لا معنى لاشتراط الخيار مع جواز العقد دائما.

و الأصل فيما ذكر عموم (المؤمنون عند شروطهم). أقول الظاهر زيادة لفظة بل في قوله بل قال في التذكرة لأنّ ما ذكره أولا عين ما نقله عن التذكرة ثم انّه لم يظهر وجه إدخال الصلح في المعاوضة حيث انّ الصلح هو التراضي و التّسالم بشي ء من الطرفين، و قد يكون ذلك الشي ء معاوضة بين المالين، و قد يكون امرا آخر، و على كل تقدير فالصلح ليس نفس المعاوضة. نعم لا بأس بإدخال المزارعة و المساقات في المعاوضة حيث يمكن القول بأنّ تسليم الأرض إلى الزارع بإزاء حصّة من حاصلها معاوضة بين التسليم المزبور، و بين تلك الحصة بحيث يكون التسليم مملوكا للزارع و الحصّة على تقدير الزرع مملوكا لمالك الأرض كما انها في المساقات معاوضة بين ملك عمل العامل و بين الحصّة من الثّمرة.

ثم انه قد اشتهر الاستدلال بعدم جواز اشتراط الخيار في العقود الجائزة بأنّ اشتراط الخيار فيها لغو محض و لا يقاس باشتراط الخيار في مورد خيار المجلس أو خيار الحيوان حيث يمكن فيه إسقاط خيار المجلس أو الحيوان أو سقوطه و بقاء الخيار المشترط.

و لكن لا يخفى ان الاستدلال المزبور يتم في العقود الجائزة المطلقة كالوكالة و الوديعة و العارية. و امّا العقود

الجائزة الّتي ينتهي الجواز الحكمي فيها فيما بعد كالهبة حيث تلزم بتلف العين أو إتلافها أو تغييرها فلا يكون الاستدلال المزبور مقتضيا لعدم جواز اشتراط الخيار فيها إلى مدة أو الى الأبد بحيث يكون نتيجة اشتراطه جواز الفسخ و الرجوع حتى بعد تلف العين أو تغييرها. و الحاصل ظاهر كلمات بعض الأصحاب جواز اشتراط الخيار في كل عقد لازم سواء كانت معاوضة كالإجارة أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 149

..........

______________________________

غيرها كالصلح حتى فيما كان لزومه من طرف واحد، فانّ مع اللزوم من طرف واحد لا يكون اشتراط الخيار لذلك الطرف لغوا بخلاف الجائز من الطرفين أو من طرف واحد فإنّه يصبح اشتراط الخيار من ذلك الطرف لغوا.

و ذكر المحقق و جمع آخر جواز اشتراط الخيار في كل عقد غير النكاح و الوقف و الإبراء و الطلاق؛ و الظاهر انّ مرادهم غير الجائز، و لذا ذكر في التحرير هذا الكلام بعد منعه عن اشتراط الخيار في العقود الجائزة، و الأصل لهم في الحكم بجواز الاشتراط عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالشروط و ان عدم الدخول في عقد لازم يكون لمخرج عن الأصل المزبور، و لذا ذكر الشهيد في ردّ قول للشيخ بعدم دخول خيار الشرط في بيع الصرف بأنّه لم يعلم وجه المنع بعد عموم دليل جواز الاشتراط.

و كيف كان يقع الكلام في موردين: الأوّل عدم جواز خيار الشرط في الإيقاعات. و الثاني جواز اشتراط الخيار في العقود اللازمة.

امّا الأول فقد يستدلّ على عدم جواز شرط الخيار في الإيقاعات بعد دعوى عدم الخلاف فيه كما يظهر ذلك من الحلي في السرائر في الاستدلال على عدم جواز شرط الخيار في الطلاق بخروجه

عن العقد بأنّ الشرط ما كان بين اثنين كما يظهر ذلك من الأخبار الواردة في أبواب متفرقة، و لا يتحقق ذلك في الإيقاعات لقيامها بفعل واحد و هو الموجب و قد ناقش المصنف (ره) في ذلك بأنّ المستفاد من الاخبار توقف الشرط على المشروط له و المشروط عليه، و في صحيحة عبد اللّٰه ابن سنان من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّٰه فلا يجوز له و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و لا يتوقف على الإيجاب و القبول، فان الشرط يحصل في الإيقاعات أيضا كما يفصح عن ذلك ما ذكروا من جواز اشتراط خدمة العبد مدة في عتقه تمسكا بعموم (المسلمون عند شروطهم) غاية الأمر نفوذ الشرط يتوقف على قبول المشروط عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 150

..........

______________________________

كما قيل في عتق العبد و اشتراط مال عليه من توقّفه على قبول العبد، و هذا غير اعتبار وقوع الشرط بين الإيجاب و القبول.

ثم قال في عدم جريان شرط الخيار في الإيقاعات وجوها: الأول عدم إحراز عموم الشرط للالتزام أو الإلزام في ضمن الإيقاع حيث يحتمل ان لا يعمّ معنى الشرط غير ما يكون في ضمن العقد كما هو ظاهر القاموس حيث ذكر انّ الشرط هو الإلزام و الالتزام في بيع و نحوه.

الثاني على تقدير شمول معنى الشرط فلا يحرز شمول قوله (ص) (المؤمنون عند شروطهم) لشرط الخيار في الإيقاعات حيث انّ شموله لمورد يتوقف على إحراز مشروعيّة المشروط في نفسه في ذلك المورد لانّ خطاب نفوذ الشرط لا يثبت مشروعيّة المشروط بل يثبت نفوذ ما هو المشروع في نفسه فيما إذا التزم به في ضمن عقد أو إيقاع كما هو مقتضى قولهم عليهم

السلام الّا شرطا حلّل حراما أو حرّم حلالا، و مشروعيّة الفسخ في نفسه في الإيقاعات غير محرز.

لا يقال يدلّ على مشروعيّته فيها ما دلّ على جواز رجوع الزوج عن الطلاق الرجعي في عدّة زوجته، فإنّه يقال الرجوع ليس من فسخ الطلاق بمعنى أن يكون حقّا للزوج، و لذا لا يسقط جوازه بإسقاط الزوج؛ و بتعبير آخر الجواز في الرجوع في الطلاق الرجعي كاللزوم في سائر الإيقاعات من الأحكام لا من الحقوق.

الثالث: الإجماع على عدم جريان شرط الخيار في الإيقاعات، كما يظهر عن جمع من الأصحاب، و قد يقال كما عن بعض الأعاظم (دامت أيّامه) ان الإيقاع فعل الموقع فقط فلا يكون التزامه أو إلزامه الآخر بشي ء في ضمن الإيقاع بل بعد تحقق ذلك الإيقاع لا محالة مثلا إذا قال مبرء ذمّة الغير أبرأتك، مما عليك و اشترطت على نفسي الخيار شهرا يكون الاشتراط بعد تحقق الإبراء لا في ضمنه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 151

..........

______________________________

بخلاف ما إذا قال بعتك المال على أن يكون لي الخيار شهرا فان شرط الخيار يكون قبل قبول المشتري و يقع معه شرط الخيار في ضمن البيع.

لا يقال إذا قال أبرأتك و شرطت عليك كذا من دينك يكون من الشرط في ضمن الإيقاع مع انّ البيع ايضا فعل البائع فقط و القبول من المشتري يعتبر في نفوذ الإيجاب كالإجازة في بيع الفضولي فيكون الشرط فيه ايضا بعد البيع.

فإنّه يقال ليس المراد من وقوع الإلزام أو الالتزام في ضمن الالتزام وقوع الألفاظ في ضمن الألفاظ الدّالة على الالتزام الأول بل وقوعه قبل تمام الالتزام الأول مع انّ المثال المزبور خارج من الشروط العقلائية، و ايضا لا يثبت الكلية

يعني تحقق الشرط في الإيقاعات بعد تمامها.

و امّا قضيّة الشرط في البيع فإنّ إنشاء البيع، و ان يحصل بالإيجاب فقط الّا انّ القبول معتبر عند العقلاء، فيكون العقد المؤثّر عندهم بالحمل الشائع بعد القبول فيقع الشرط في ضمن هذا البيع. نعم لو كان الموجب وكيلا عن الطرفين أو وليّا عليهما يكون شرط شي ء خارجا عن تحقق البيع و لا محذور في الالتزام بعدم كون ذلك شرطا حقيقة، و مع الإغماض عن ذلك كلّه، فلا يجوز شرط الخيار في الإيقاعات، و لو قلنا بجريان الشرط في الإيقاعات أيضا فإنّ شرط الخيار فيها يتوقف على البقاء الاعتباري للإيجاب و العقد، و هذا البقاء غير محرز في الإيقاعات بخلاف العقود من المعاملات و غيرها انتهى.

أقول: كون المراد بالشرط الالتزام الذي يكون البيع و نحوه ظرفا له على ما يستظهر من عبارة القاموس غير صحيح و الّا لكان قوله بعت المال بكذا و آجرت الدار سنة بكذا، و قال الطرف قبلتهما بيعا بشرط الإجارة مع انّه لا ينبغي الرّيب في فساده بل هما معاملتان مستقلتان قد أنشأ في زمان واحد، و لذا لو قال الطرف قبلت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 152

..........

______________________________

البيع دون الإجارة لتمّ البيع بخلاف ما إذا قال بعت المال الفلاني على ان تخيط لي الثوب الفلاني بكذا، و قال المشتري اشتريت بلا شرط فإنّه لا يحصل التطابق المعتبر بين الإيجاب و القبول، و كذا لو قال بعتك المتاع بكذا على ان يكون لي سكنى دارك إلى سنة؛ و قال المشتري قبلت البيع لا الشرط.

و الوجه في ذلك انّ الشرط بمعنى المصدري و هو الالتزام معلّق عليه في تمام موارده من المعاملات المعاوضية

و غيرها، و لذا قد يصرّح الشارط بذلك التعليق و يقول إنّما أبيعك المتاع بكذا لو التزمت بخياطة ثوبي الفلاني و يقول الآخر قبلت البيع على الشرط. و امّا الشرط بمعنى المشروط فلا يكون معلقا عليه بل لو كان ذلك المشروط من الأمور الإنشائية كاشتراط الخيار فيحصل بالاشتراط المزبور. و امّا إذا كان من الأفعال المعبر عنه بشرط الفعل فالتزام المشروط عليه بذلك الفعل ينفذ فيجب عليه العمل المزبور سواء كان من الأفعال التكوينية كخياطة الثوب أو من الاعتبارات و الإنشاءات، كالبيع و اشتراط الإجارة فيه، و لو لم يفعل ذلك يكون للطرف الخيار في فسخ أصل المعاملة لكون هذا الخيار ايضا شرطا طوليّا آخر على ما يأتي توضيحه في بحث الشروط إنشاء اللّٰه تعالى.

و على ذلك فلا فرق في الاشتراط بين العقود و الإيقاعات حيث انه كما يكون تعليق إيجاب الموجب على التزام القابل بأمر، أو بالعكس كذلك يمكن تعليق الموجب إيجابه في الإيقاع، على الالتزام الآخر بأمر كما إذا قال ابرئتك عن دينك على ان تخيط لي هذا الثوب، و يقول الآخر قبلت؛ غاية الأمر يكون القبول في العقود إنشاء لالتزام الطرف بالإيجاب من جهة نفس الإيجاب و تعليقه، و في الإيقاعات من جهة تعليقه فقط.

نعم، ربّما لا يكون الشرط في الإيقاعات شرطا حقيقة فلا يحتاج الى القبول، كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 153

..........

______________________________

في مثل عتق العبد، و اشتراط الخدمة لمعتقه أو لغيره مدة لأنّ العبد و منافعه ملك لمولاه فيكون اشتراط الخدمة عليه في الحقيقة بمنزلة استثناء بعض منافعه في العتق و إبقائها في ملكه، فلا يجوز للعبد بعد إعتاقه ترك الخدمة فإنّه من تفويت ملك الغير،

و لذا ذكر بعض انه لو أعتق العبد و اشترط مالا عليه يحتاج ذلك الى قبول العبد دون شرط الخدمة.

لا يقال على ذلك فلو لم يقبل الطرف الشرط في الإيقاعات فلا يتحقق الإيقاع على ما هو مقتضى التعليق فإنّه يقال؛ نعم بل يمكن أن يقال ببطلان الإيقاع على تقدير قبول الطرف ايضا حيث انّ التعليق في الإيقاعات مبطل لها و لا يقاس بالشرط في العقود حيث ان الإيجاب في العقود معلق على حصول القبول لا محالة فلا يكون فرق بين الاشتراط و عدمه و على كل تقدير فلا يكون ذكر الموجب حق الخيار لنفسه في فسخ الإيقاع داخلا في عنوان الشرط لأنّ الإيقاع بما هو إيقاع فعل الموجب فقط ليس له طرف حتى يلتزم ذلك الطرف بالحق، و يتحقق معنى الشرط كما انّه ليس الخيار من فعل الغير ليحتاج الى التزام ذلك الغير به و يحصل معنى الشرط حيث تقدم ان حقيقة الشرط تعليق الموجب إيجابه على التزام الغير بحق أو ملك، أو عمل لو كان ذلك الغير طرفا في نفس التعليق.

و هذا لا ينافي في ثبوت الخيار الشرعي في إيقاع للموجب أو غيره فان الخيار المزبور حكم شرعي، و لا يكون داخلا في عنوان الشرط كما لا ينافي ثبوت جواز الفسخ الحكمي في إيقاع للموجب أو غيره. و من هذا القبيل الرجوع في الطلاق أو انحلال النذر أو اليمين بمنع الوالدين فقد ظهر مما ذكرنا انّ ما تقدم من دعوى عدم اعتبار البقاء في الإيقاعات أو اعتبار كون الشرط بمعنى المشروط مظروفا و العقد أو الإيقاع ظرفا كل ذلك لا أساس له و يتضح ما ذكر بالتدبر و ملاحظة اعتبار

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 4، ص: 154

..........

______________________________

العقلاء في موارد الشرط في المعاملات و غيرها حيث لا يفهم العرف فرق بين قوله تزوج فلان بفلانة أو طلّق فلان زوجته في ان الإنشاء في كل منهما غير ملغى، و هذا معنى بقائهما لا انّ الألفاظ الصادرة من الموجب و القابل في الأول بقصد تحقق الزوجيّة في النكاح باق، و في الطلاق زائل فإنّ هذا من المضحكات.

و قد تحصل ممّا تقدم ان الشرط في الإيقاعات في الموارد التي يكون المشروط من قبيل فعل الغير مع التزامه به شرط حقيقة، و لكن شبهه الإجماع على كون التعليق في الإيقاعات مبطلا لها توجب الاقتصار في الجواز بالموارد التي ورد فيها النصّ على الجواز. و امّا مثل شرط الخيار فلا يصحّ لعدم تحقق معنى الشرط حقيقة لعدم طرف للإيقاع أو للمشروط ليكون تعليق الموجب إيجابه على التزامه محقّقا لمعنى الشرط.

و أمّا ما ذكر المصنف (ره) في وجه عدم جريان شرط الخيار في الإيقاعات من انّ شرط الخيار ينفذ فيما كان المشروط أي الفسخ فيه نافذا و مشروعا بنحو الحق، و كذا سائر الشروط انّما تكون نافذة فيما إذا كان نفس المشروط أمر مشروعا في نفسه كما يستفاد ذلك من ان الاستثناء في قوله عليه السلام (المسلمون عند شروطهم الّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما)؛ و من التقييد في قوله عليه السلام (المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب اللّٰه) و الفسخ في الإيقاعات بعد حصوله غير مشروع أو لم يثبت مشروعيّته فلا يكون شرط الخيار فيه نافذا، و قد تقدم انّ الرّجوع في العدة ليس من فسخ الطلاق، و هذا بخلاف العقود فانّ شرط الخيار فيها يتعلّق بأمر مشروع لانّ جواز فسخ

العقد يستفاد مما ورد في مشروعيّة الإقالة و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما بنحو الحق لا يمكن المساعدة عليه فانّ جواز الإقالة في عقد، و ان يكون كاشفا عن كون وجوب الوفاء على كل من الطرفين في ذلك العقد حقّا لصاحبه عليه، و إذا فسخ أحدهما العقد برضاء صاحبه نفذ و يكون شرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 155

..........

______________________________

الخيار راجعا الى اشتراط المأذونيّة من صاحبه في الفسخ الّا انّ اشتراط الخيار ينحصر بموارد مشروعية الإقالة، و لا يعمّ غيرها و ثبوت خيار الحيوان و المجلس و غيرهما في البيع لا يكشف عن كون وجوب الوفاء بالبيع في غير زمان خيار المجلس و الحيوان و غيرهما حقا فضلا عن كشفه عن وجوب الوفاء بغير البيع عن سائر العقود بنحو الحق لا الحكم و الصحيح انّه لا يمكن إثبات مشروعيّة الخيار بقوله عليه السلام (المسلمون عند شروطهم) في الموارد التي لم يثبت ان وجوب الوفاء فيها من قبيل الحقوق.

لا يقال المستثنى من عموم (المؤمنون عن شروطهم) الشرط المخالف لكتاب اللّٰه و إذا شك في كون شرط مخالفا له فالأصل يعني الاستصحاب مقتضاه عدم المخالفة و ايضا قد تقدم انّ جواز الإقالة في العقد كاشف عن كون وجوب الوفاء فيه حقيا فلا بأس بالأخذ بما دلّ على مشروعيّة الإقالة مطلقا و يلتزم بجواز اشتراط الخيار في كل عقد.

نعم يرفع اليد عن ذلك في موارد خاصّة ممّا دلّ الدليل على كون اللزوم فيه حكما أو كان شرط الخيار منافيا لتحقق أصل ذلك العقد و الأول كما في النكاح و الصدقة و الثاني كما في الرهن.

فإنه يقال المراد بمخالفة الشرط للكتاب يعمّ مخالفة عمومه

و إطلاقه و بما انّ خطاب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) انحلالي و مقتضى إطلاق وجوب الوفاء في كل عقد إرشادا إلى لزومه و عدم انحلاله عدم تأثير الإقالة و الفسخ فيه فيكون شرط الخيار و فسخ أحدهما منافيا لإطلاق وجوب الوفاء حيث انه لو كان وجوبه حقيا في عقد لزم تقييد وجوب الوفاء فيه بما دام لم تحصل الإقالة فيه أي فسخ أحدهما برضا الآخر فيكون شرط الخيار في موارد عدم مشروعية الإقالة شرطا مخالفا للكتاب المجيد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 156

..........

______________________________

و من الموارد التي لم تشرع فيها الإقالة النكاح حيث ان تشريع الطلاق للفرقة بين الزوجين و جعله بيد الزوج مع ما ورد في بطلان اختيار المرأة نفسها عند تخيير زوجها و انه لا يحصل به البينونة كاشف عن عدم مشروعيّة الإقالة في النكاح حيث لو كانت الإقالة مشروعة فيه لكان اختيار المرأة نفسها مع تخيير زوجها كافية فيها، كما لا يخفى؛ و في موثقة عيص ابن القاسم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها بانت منه قال لا هذا شي ء كان للرسول (ص) خاصّة أمر بذلك ففعل، و لو اخترن أنفسهن لطلقن و هو قول اللّٰه عزّ و جلّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ الآية.

و مثل هذه الموثقة و إن كانت معارضة بما دلّ على حصول البينونة باختيار نفسها الّا أنّها محمولة على التقية لكون حصول البينونة باختيارها من بعض المخالفين.

أضف الى ذلك التسالم على عدم جواز شرط الخيار في النكاح كما عن جماعة و عدم عموم أو إطلاق في دليل مشروعية الإقالة بحيث يعمّ النكاح.

و امّا الصدقة و يدخل فيها الوقف فيما إذا قصد به القربة

فالمعروف عدم جواز اشتراطه الخيار فيها و ربّما يقال بعدم جواز اشتراط الخيار في مطلق الوقف لانه فك ملك أو لأنّه ينافي التأييد المأخوذ في عنوان الوقف؛ و يستدلّ على ذلك بصحيحة إسماعيل ابن الفضل عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير قال ان احتجت إلى شي ء من المال فأنّا أحقّ به ترى ذلك له و قد جعله للّٰه يكون له في حياته فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا أو يمضي صدقة قال يرجع ميراثا إلى أهله.

أقول: امّا الوقف فالأظهر عدم جواز اشتراط الخيار للواقف حتى فيما إذا لم يكن الوقف بقصد القربة لعدم مشروعيّة الإقالة في الوقف حيث انه من الإيقاع بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 157

..........

______________________________

لو كان من العقود، لما جرى فيه شرط الخيار و لو مع عدم قصد القربة فيه لعدم عموم و إطلاق فيما دلّ على مشروعيّة الإقالة بحيث يعمّه. و امّا الرواية فلا ظهور لها في اشتراط الخيار في الوقف فإنه من المحتمل جدا أن يكون المراد بالسؤال الوقف إلى غاية عروض الحاجة للواقف أو الوقف على نفسه على تقدير الحاجة، ثم على السائرين، و يظهر ذلك من صاحب الوسائل أيضا حيث أوردها في باب عدم جواز الوقف على نفسه و يؤيده أن مدلول الرواية بطلان الوقف بالشرط المزبور لا بطلان الشرط فقط.

و امّا الصدقة فيمكن أن يقال بعدم جواز شرط الخيار فيها أخذ بما دلّ على انّ التمليك لوجه اللّٰه لا يرجع فيه سواء كان الرجوع بلا اشتراط الخيار أو معه؛ و في صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (و لا ينبغي لمن أعطى للّٰه شيئا أن

يرجع فيه). و في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام و لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى به وجه اللّٰه الى غير ذلك و حملها على الرجوع المعهود في الهبة، و ان ذلك الرجوع غير مشروع في الصدقة، فلا ينافي في الرجوع باشتراط الخيار لا يمكن المساعدة عليه فان إطلاق عدم الرجوع يعمّ ما إذا كان ذلك الرجوع باشتراط الخيار؛ و يؤيده ما ورد في النهي عن شراء الصدقة أو استيهابها.

و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له ان يشتريها و لا يستوهبها و لا يستردّها إلّا في الميراث). نعم لا بدّ من حمل النهي عن الشراء و الاستيهاب على الكراهة بقرينة انّ النّهي عنهما باعتبار قطع السبيل الى تملك المال المزبور ثانيا الذي فيه خضاضة، و العجب من المصنف (ره) انه منع أولا عن الأخذ بالكبرى المزبورة أي ما كان من التمليك للّٰه فلا يرجع فيه ثم أخذ بها ثانيا، حيث نقل الاستدلال على عدم جواز اشتراط الخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 158

..........

______________________________

في الوقف بكونه فك ملك و باشتراط القربة فيه؛ و أجاب بمنع الكبرى في الصغريين، و استدلّ فيما بعد على عدم جواز اشتراط الخيار في الصدقة بما دلّ على انّه لا يرجع فيما كان للّٰه.

و الصحيح منع الصغرى و الكبرى في الأول حيث انّ الوقف مطلقا ليس بفك ملك كما تقدم في بحث عدم جواز بيع الوقف ان أريد بالفك تحرير العين، و ان أريد به فكّ ملك نفسه فجميع المعاملات التمليكية فك ثم لا دليل على عدم جواز الرجوع في مطلق

موارد الفك.

و منع الصغرى في الثاني لأنّ الوقف لا يعتبر فيه قصد التقرب و مع القصد يدخل في عنوان الصدقة كما لا يخفى.

و من موارد الخلاف جواز اشتراط الخيار في الصلح فان بعض الأصحاب ذكروا انّه إذا تعلّق بإبراء الدين، أو إسقاط الدعوى قبل ثبوتها فلا يدخل فيه شرط الخيار، و ان تعلق بالمبادلة و المعاوضة جاز فيه شرط الخيار، و لكن يظهر جواز شرط الخيار فيه بناء على جواز الإقالة فيه، و كونه من العقود، و قد تقدم ان عود الدين إلى الذمّة بعد سقوطه أو عود حق الدعوى بعد سقوطها باعتبار كون العود اعتباريا أمر ممكن، كما في فرض بيع الشي ء بما عليه من الدين و التفرقة بينهما بأنّه فرق بين تضمن العقد الإيقاع كما في موردي الصلح، و بين كون الإيقاع من فوائد عقد و نتايجه كما في بيع الشي ء بما عليه من الدين لا يمكن المساعدة عليه لأنّ العود بمعناه الخارجي غير مراد في الفرضين و الاعتباري المطلوب في المقام جار فيهما بعد ما ذكرنا من بقاء الإيقاع كالعقد في قابليّته، للإلغاء.

و بهذا يظهر الحال في الضمان فان مجرد كون مفاد العقد انتقال الدين عن ذمّة إلى ذمّة أخرى لا يمنع عن دخول الإقالة فيه، و لو كان في دليل مشروعيّة الإقالة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 159

ذكر في التّذكرة تبعا للمبسوط دخول خيار الشرط في القسمة (1).

______________________________

إطلاق أو عموم يعمّ عقد الضمان فلا بأس باشتراط الخيار فيه.

و امّا عقد الرّهن فقد يقال بان اشتراط الخيار فيه للراهن غير صحيح، لانّه مناف لمقتضى الرهن و هو كون المال المفروض أنه للراهن وثيقة لما عليه من الدين كما

انّه لا معنى لاشتراط الخيار فيه للمرتهن لجواز الرهن من قبله، و ايضا يقال ان ما ذكر من انّ كلّ عقد يدخل فيه الإقالة يدخل فيه شرط الخيار منتقض بالرهن حيث انّه يدخل فيه الإقالة و لا يدخل فيه شرط الخيار، و هذا نقض على الكبرى المزبورة.

أقول: شرط الخيار لا ينافي مقتضى الرهن لانه لا يعتبر فيه إلّا ان يجعل للدين موردا للاستيفاء. و امّا كون المرتهن على ثقة من الاستيفاء بمعنى الوصف فلا يعتبر بل هو وصف حقيقي يترتب على الرهن غالبا، و يعبّر عن الرّهن بذلك الوصف المترتب عليه؛ و لذا يصحّ جعل الحيوان المريض مع احتمال تلفه رهنا؛ و الحاصل جعل المورد لاستيفاء الدين المعبر فيه بالوثيقة أمر إنشائي يتحقق مع شرط الخيار أيضا، لأنّ المال مورد له على تقدير بقاء الرهن ثم على تقدير الإغماض فاشتراط الخيار فيه مشروطا بحصول رهن آخر لا ينافي الوثوق.

ثم انه لا مورد في الرهن للإقالة أيضا فإن مع ندم المرتهن على الرهن يفسخه لجواز الرهن، و كذا مع ندامة الراهن ايضا حيث انّ المرتهن يفسخ الرهن استقلالا و لو استجابة للراهن و ما دلّ على مشروعيّة الإقالة موردها ما إذا لم يتمكن كل من طرفي العقد على فسخه الّا اجتماعا و لو لم يكن هذا ظاهر الإقالة: لا أقل من احتماله و معه لا يمكن الأخذ في الرهن بما دلّ على مشروعيّة الإقالة. نعم التمكن على فسخ العقد في بعض الحالات و الأزمان لا يمنع عن الإقالة فيه على ما تقدم.

(1) القسمة تعيين الحصة في بعض المال المشترك بحيث يتميّز تلك الحصة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 160

و ذكر فيهما ايضا

دخول الخيار في الصداق (1).

______________________________

عن حصّة صاحبه خارجا و لا يخفى انّ هذا التعيين يحصل بالفعل تارة، كما إذا عدّل السهام أوّلا، سواء كان في التعديل ردّ أم لا، ثم عين لكل من الشركاء سهمه في السهام بالقرعة على ما هو المذكور في كتاب القسمة، و قد يكون تعيين كل من السّهام و تمييزه خارجا بالقول كما في قول أحد الشريكين لصاحبه لك ما عندك ولي ما عندي.

و لو كان شرط الخيار في القسم الثّاني كان بلا اشكال، و لو مع الالتزام بكون القسمة سواء كانت قسمة إفراز أو تعديل أو ردّ، ليس من البيع و لا الصلح لكون المنشأ فيها هو التمييز المزبور، و الوجه في عدم الإشكال دخول الإقالة فيها. و امّا إذا كانت بالفعل كما في الفرض الأول فاشتراط الخيار فيه مشكل بناء على اعتبار ذكر الشرط في متن العقد و القسمة في الفرض الأول باعتبار كونها بالقرعة و هي سنخ الفعل لا ترتبط بما ذكر قبلا ليكون نتيجة القرعة خياريا.

و مما ذكر يظهر الإشكال في جريان شرط الخيار في المعاطاة بناء على لزومها من أوّل الأمر أو بعد حدوث أحد الملزمات، و لكن قد تقدم الصحيح عدم اعتبار ذلك في شرط شي ء في المعاملة سواء كانت قولية أو فعليّة؛ و انّما المعتبر كون المعاملة مبنية بالالتزام بذلك الشي ء و هذا البناء كما يحصل بذكره في المعاملة كذلك يحصل بالتباني عليه خارجا و إنشاء العقد مبنيا على ذلك التباني قولا أو فعلا.

(1) الصداق في النكاح هو المال أو الحق يجعل للزوجة لكون هذا الجعل من رسوم النكاح عرفا و شرعا سواء كان هذا في عقد النكاح أو بعده بالتراضي عليه، و ليس

عوضا عن بضع المرأة، لأنّ النكاح ليست بمعاوضة فيهما كما لا يكون شرطا في النكاح كسائر الشروط في المعاملات بحيث يوجب تخلفه الخيار في النكاح، كما إذا ظهر المهر ملكا للغير بل هو نوع تعويض للزوجة في نكاحها تملكه الزوجة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 161

..........

______________________________

بالفرض في عقد النكاح أو بعده أو بالدخول مع عدم فرضه فيه و عدم التراضي به بعده، و ذكر في التذكرة و المبسوط دخول خيار الشرط في الصداق، و ذكر المصنف (ره) في وجهه لانّ الصداق يقبل الفسخ، كما لو زوجها وليّها بدون مهر المثل فإنه يكون لها مهر المثل، و لكن لا يخفى ما فيه فإنّه قد ذكر جملة من الأصحاب انّ الولي لو زوّجها بدون مهر المثل كان لها مهر المثل، و هذا باعتبار فضولية المهر لا قبوله الفسخ بعد صحّته، فانّ نفوذ فعل الولي في المهر كالنكاح مشروط بعدم كونه على خلاف صلاح المولى عليه، كما يشهد لذلك مثل موثقة عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل، و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر، فقال الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارا ان لم يكن الأب زوّجها قبله و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ.

و قد يقال ان الاشتراط بعدم الفساد بالإضافة إلى نفس النكاح. و امّا بالإضافة إلى المهر فلا، لأنّ نفوذ عفو الولي عن المهر، كما يفصح عن ذلك قوله سبحانه (أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ) يقتضي ذلك الّا ان يقال عفو الولي أيضا مشروط بذلك أخذا بظهور الولي حيث انّ ظاهر الولاية ملاحظة صلاح المولى عليه، و لا

أقل من عدم الإفساد و للكلام محل آخر.

و ربّما يستدلّ على مشروعيّة الفسخ في الصداق بما ورد في نكاح المرأة على انّها بكر فظهرت ثيّبا، و فيه انّ ظاهر الصحيحة الواردة في المسألة ثبوت الأرش لا ثبوت الخيار، و كيف ما كان فان ثبت إطلاق أو عموم في دليل مشروعيّة الإقالة بحيث تعمّ الصداق فلا بأس باشتراط الخيار فيه، و الّا فمشروعيّة الخيار لا يمكن إثباتها بعموم (المسلمون عند شروطهم) كما تقدم؛ و ما ورد في مشروعيّة الإقالة بعضه يختص بالبيع و لا يعمّ غيره و العمدة رواية سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 162

[الرابع خيار الغبن]
اشارة

و أصله الخديعة (1).

______________________________

قال (أربعة ينظر اللّٰه عزّ و جلّ إليهم من أقال نادما أو أغاث لهفان أو أعتق نسمة أو زوّج عزبا). و ظاهر الإقالة نقض البيع و نحوه بموافقة الطرف الآخر، و هذه الرّواية، و ان كان ظهورها في مشروعية الإقالة في كل عقد لا بأس به الّا انّ فس سندها ضعف لانّ الصدوق رواه عن حمزة بن محمد العلوي، و لم يعرف منه الّا كونه من مشايخ الصدوق (ره)، و لا يبعد أن يقال بمشروعية الإقالة في كل معاوضة مالية أو عقد تتضمن المعاوضة المالية لثبوت السيرة العقلائية فيها من المتدينين و غيرها، و لم يرد من الشارع المنع عنه بل ورد النقل في الترغيب فيها كما ذكر؛ و امّا غير تلك المعاملة من العقود كانت متضمنة للإيقاع أم لا، فلا دليل عليها. نعم لو أمكن اعادة الحالة الأوليّة بالمعاملة الجديدة فالمعاملة الجديدة ليست اقالة كما لا يخفى، و لكن تعود الحالة الأولى بتلك المعاملة.

(1)

الغبن في اللغة الخديعة قال في الصحاح إذا كانت الخدعة في معاملة يستعمل فيه بتسكين العين، و إذا كانت في القول و الاعتقاد يستعمل بتحريك العين، و في اصطلاح الفقهاء يطلق على تمليك ماله بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر بالحال، بلا فرق بين كون التمليك ابتدائيّا، كما إذا باع ماله بأكثر من ثمنه أو تبعيّا، كما إذا اشترى المبيع بأقلّ من قيمته، و يسمّى المملك بالكسر غابنا و الآخر مغبونا، و ربما لا يكون في التمليك المزبور خديعة كما إذا كانا جاهلين بالحال، و لكن حيث يكون غالبا على وجه الخديعة يطلق على التمليك المزبور غبنا مطلقا؛ و الظاهر انّ الجهل بالحال معتبر في صدق الغبن، و لو كان المشتري عالما بالحال، و مع ذلك اشترى المال بالزيادة على ثمنه لبعض الدواعي فلا يطلق على شرائه انّه غبن.

و امّا كون الزّيادة على قيمته بما لا يتسامح فيه فهي شرط خارجي بمعنى انّه معتبر في ثبوت خيار الغبن مع صدقه بدونه ايضا، كما إذا كانت الزيادة ممّا يتسامح فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 163

..........

______________________________

ثم انّ ثبوت الخيار مع شرط الجهل بالحال و كون الزيادة مما لا يتسامح فيه مشهور بين الأصحاب قديما و حديثا، و ان نقل إنكاره عن المحقق في درسه و عن بعض آخر السكوت عنه، و لكن عدم التعرض لهذا الخيار لا يدلّ على منعه. نعم حكي عن الإسكافي منعه.

و كيف ما كان فقد يستدلّ بما في التذكرة بأنّه مقتضى عدم كون البيع المزبور تجارة عن تراض فإنّ التراضي من المشتري مثلا بشراء المبيع مبنيّ على عدم كون ثمنه السوقيّة بأقلّ من الثمن المسمّى بكثير؛ و بتعبير

آخر كون المبيع مساويا قيمته السوقيّة مع الثمن المزبور وصف معتبر في المبيع، و حيث انّ هذا الوصف كسائر الأوصاف غير المقومة فيكون فقده موجبا لثبوت الخيار لا بطلان البيع فانّ ثبوت الخيار باعتبار انّ لزوم البيع المزبور إلزام عليه بما لم يلتزم و لم يرض به. و قد ناقش المصنف (ره) في هذا الوجه بأنّ كون قيمة المبيع مساوية للثمن المسمّى قد يكون داعيا الى الشراء لا أنّه وصف معتبر في المبيع بل لو كان وصفا معتبرا فيه فلا اعتبار به لعدم ذكره في عقد البيع، و قد تقدم اعتبار ذكر الشرط في متن العقد و الّا فلا يلزم بل ربّما لا يكون داعيا ايضا، كما إذا كان المشتري بحاجة إلى المبيع فيقدم على شرائه بأيّ نحو.

و الأولى الاستدلال عليه بدخول البيع المزبور في أكل المال بالباطل فيما إذا اطّلع المشتري بالحال و لم يرض به فإنه بعد الإطلاق و الرضا يتم البيع لفحوى ما دلّ على تمام بيع الفضولي، و بيع المكره بلحوق الرّضا بهما. و امّا قبل الاطلاع بالحال فالبيع المزبور، و ان كان داخلا في أكل المال بالباطل الّا انّه يحكم بالخروج عن الآية بالإجماع، و لكن الاستدلال بالآية على البطلان في صورة اطلاع المغبون بالحال و ردّه البيع المزبور معارض لقوله سبحانه (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) بتقريب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 164

..........

______________________________

انّ البيع المزبور لم يشترط فيه الوصف بل وقع التراضي ببيع المال بالثمن المزبور، و مع التعارض يرجع الى أصالة اللزوم.

بل يمكن تقريب المعارضة بوجه آخر و هو انّ بيع المال بأكثر من ثمنه مع عدم الخدعة في البين داخل في التجارة

عن تراض فينتفي الخيار مع الخدعة أيضا لعدم القول بالفصل، كما انّ البيع المزبور مع الخدعة داخل في عنوان الأكل بالباطل فيلحق به صورة عدم الخدعة لعدم القول بالفصل، و بعد التعارض من الجانبين يرجع الى أصالة اللزوم.

أقول: في كلامه موارد للنظر منها انّ المهم في المقام إثبات الخيار للمغبون بالإضافة إلى المعاملة الغبنيّة كسائر الخيارات التي تكون عبارة عن ملك فسخ العقد و إلزامه بإسقاط الخيار، و هذا غير لحوق الرضا بالبيع في موردي الفضولية و الإكراه، فإنّ اعتبار لحوقه فيهما شرط شرعي لتمام المعاملة، و لو استفيد حكم البيع في المقام بعد العلم بالغبن و الرضا به من فحوى أدلّة بيع الفضولي و المكره عليه لكان اشتراط الرضا في المقام كاشتراطه فيهما حكميا غير قابل للإسقاط.

و منها انّه لا يمكن أن يلتزم بأنّ تصرف كل من الغابن و المغبون و تملكهما مال صاحبه بالبيع المزبور قبل العلم بالحال أكل للمال بالباطل، و لكنه بحسب الشرع لا بأس به للإجماع فإنّ دعوى الإجماع التعبدي في المقام موهومة و لا يحتمل ان كان لدى الأصحاب مدرك في المقام لم يصل إلينا، كما يظهر الوهم بجلاء تامّ بملاحظة المحكي عن المحقق، و كلمات العلامة و غيرهما.

و منها انّه إذا كان البيع المزبور مع الجهل بالحال داخلا في التجارة عن تراض كما هو مقتضى جعل وصف تساوي الثمن المسمّى مع ثمن المثل داعيا الى البيع فكيف يدخل هذا في الأكل بالباطل مع ان التجارة عن تراض مع الأكل بالباطل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 165

..........

______________________________

عدلان حتى بناء على الصحيح من كون الاستثناء في الآية منقطعا، فلا معنى لوقوع المعارضة بينهما في البيع غبنا

كما لا يخفى.

أقول: الأظهر ثبوت الخيار للمغبون لا لفقد التراضي في المعاملة الغبنيّة لما تقدم من انّ المراد بالتراضي التراضي المعاملي الذي لم يكن بإكراه لا طيب النفس الواقعي، و الّا لبطل في موارد تخلف الوصف حتى فيما كان الوصف غير مقوم للمبيع لفقد طيب النفس بالمعاملة مع فقده و دعوى تعدد المطلوب في موارد التخلف يدفعها ما إذا صرّح المشتري قبل البيع أو معه بأنّه لا غرض له الّا في الواجد للوصف و ظهر المبيع مع ذلك فاقدا له فإنّه لا أظنّ أن يلتزم فقيه ببطلان تلك المعاملة لفقد الوصف.

و الحاصل: انّ التجارة فرد عن التراضي المعاملي، و لذا ذكر بعض المفسرين ان قوله سبحانه (عَنْ تَرٰاضٍ) خبر بعد خبر بمعنى انّه يجوز الأكل بالتجارة و عن التراضي و على ذلك فبيع البائع ماله بأزيد من ثمن مثله مع قبول المشتري ذلك البيع و لو مع جهله بالحال يوجب حصول التراضي المعاملي غاية الأمر الشرط الارتكازي في كل معاملة مبنية على المغابنة موجود و هو انّه له الخيار على تقدير كون الثمن أزيد من ثمن المثل بكثير بما يعد إجحافا عليه نظير اشتراط الخيار له على تقدير عدم كون المبيع صحيحا، و الشرط الارتكازي المبني عليه المعاملة لا يحتاج الى ذكره في المعاملة، و انّما يحتاج إلغاء ذلك الشرط الى التصريح به في المعاملة أو قبلها.

و بذلك يظهر انّه لا مورد في المقام للتشبّث بقاعدة نفي الضرر لإثبات الخيار فانّ تلك القاعدة لو كانت جارية لكانت مقتضاها عدم صحة المعاملة لا نفي لزومها فانّ الضّرر بمعنى نقص المال يدخل بصحة البيع المزبور لا بلزومه؛ و انّما يكون نفي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 166

و أقوى ما استدلّ به في التذكرة و غيرها (1).

______________________________

لزومه تداركا الضرر و معنى القاعدة نفي الضرر لا لزوم التدارك؛ و وجه عدم جريان القاعدة انّ نفي الحكم الضرري للامتنان و لا امتنان في نفي صحة معاملة خيارية حيث يمكن للمتضرر تداركه بفسخها.

(1) و قد يقال بأنّ ثبوت الخيار للمغبون مقتضى نفي الضرر حيث انّ المراد عن نفيه نفي حكم يوجب الضرر سواء كان ذلك الحكم من قبيل الإلزام بفعل أو تركه أو من قبيل إمضاء تصرف و الحكم عليه بلزومه كما يفصح عن ذلك المروي من انّه لا ضرر و لا ضرار في الإسلام فإن الإسلام عبارة عن القوانين الإلهية و الأحكام الشرعية، و على ذلك فيمكن إثبات خيار الغبن في كل معاملة يكون لزومها ضررا على أحد الطرفين سواء كانت المعاملة بيعا أو إجارة أو صلحا لم يكن مبنيا على المسامحة كالتراضي بالمبادلة على كل تقدير.

و أورد المصنف (ره) على ذلك بأنّ مقتضى قاعدة نفي الضرر لا يكون ثبوت الخيار للمغبون بحيث يكون له إمضاء البيع و فسخه رأسا بل نفيه يكون ببقاء المعاملة على لزومها مع استحقاق المغبون استرداد المقدار الزائد نظير ما ذكر بعضهم في المعاملة المحاباتية التي أجراها في مرض موته حيث تبقى التملك و المعاملة بحالها و يكون للوارث استرداد المقدار الزائد على الثلث، كما إذا اشترى متاعا يساوي ألفين بستة آلاف، و المفروض كون تمام تركته ستة آلاف فان الوارث يسترجع ألفين و ينفذ المعاملة في مقدار الثلث.

و لكن لا يخفى ما في هذا الاحتمال فإنّه لو كانت المقدار الذي يستردّه المغبون أو الوارث فسخا للمعاملة في ذلك المقدار فلازمه ردّ مقابلة من المبيع الى

الغابن أو البائع كما هو مقتضى فسخ المعاملة في بعضها، و ان كان بعنوان التغريم، كما يذكره المصنف (ره) فيما بعد؛ فهذا من قبيل تدارك الضرر لا من نفي الحكم الموجب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 167

..........

______________________________

للضرر.

و قد ذكر المصنف (ره) و غيره انّ نفي الضرر معناه نفي الحكم الموجب للضرر لا إثبات حكم يوجب تدارك الضرر، و بهذا يظهر الحال في الاحتمال الثاني من انّه يجب على الغابن الالتزام بأحد الأمرين: أحدهما: إعطاء المقدار الزائد بعنوان التغريم و المال الذي أتلفه على المغبون. و ثانيهما: فسخ المغبون بان يثبت الخيار للمغبون مع امتناع عن دفع الغرامة، و لكن لا يثبت الخيار للمغبون في الاحتمال الأول، و ما في كلام المصنف (ره) من انّ مرجع الاحتمالين الى ثبوت الخيار للمغبون في فرض عدم دفع الغرامة لعله سهو القلم؛ و وجه الظهور ما ذكرنا من أن دفع الغرامة تدارك للضرر الحاصل و مقتضى قاعدة نفي الضرر نفي حكم يوجبه لا إثبات حكم يوجب تداركه.

و امّا ما ذكر المصنف (ره) من انّ الالتزام بأحد الاحتمالين أولى من الالتزام بثبوت الخيار للمغبون، فإنه ربّما يتعلّق غرض المشتري بتملك المتاع ذي القيمة فيكون تملّك غيره ضررا من جهة نقض الغرض فلا يخفى ما فيه فانّ الضرر هو النقص في المال أو العرض أو النفس و نقض الغرض لا يكون نقصا في شي ء منها و الّا فيمكن أن يقال بتعلق غرض البائع أيضا بتملّك الثمن، و جواز فسخ المغبون ضرر عليه، و المتحصل العمدة في ثبوت خيار الغبن ما ذكرنا من انّه مقتضى الشرط الارتكازي، و الّا فلا يمكن الاعتماد على التسالم و الإجماع لكونه مدركيا،

و لا لما روي عن النبي (ص) من انّه أثبت الخيار في تلقي الركبان لانّ ضعف سنده و احتمال كونه خيارا آخر يثبت للركب لا يصلح مدركا في المقام.

و امّا الروايات الواردة في كون غبن المؤمن على المؤمن حرام أو غبن المسترسل سحت فلا دلالة في شي ء منها على ثبوت الخيار بل مقتضاها أما حرمة نفس الغبن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 168

[اشتراط الأمران في هذا الخيار]
[الأوّل عدم علم المغبون بالقيمة]

الأوّل عدم علم المغبون بالقيمة (1).

______________________________

تكليفا في المعاملة أو غيرها أو بطلان المعاملة الغبنيّة، و شي ء منهما غير المهم في المقام كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) انه لو علم المشتري بزيادة الثمن المسمّى عن ثمن المثل أو علم البائع بنقصان الثمن المسمّى عن القيمة السوقية فلا خيار لهما، بل لا غبن في الفرض لما تقدم من دخول الجهل بالحال في مفهومه، و الوجه في عدم الخيار عدم حكومة قاعدة نفي الضرر في فرض العلم لأنّها لا تعمّ موارد الإقدام على الضرر فانّ الضرر فيها مستند الى اختيار الشخص لا الى الشارع و حكمه. و الحاصل انه يثبت خيار الغبن مع الجهل بالحال سواء كان الجهل مركبا بان يعتقد المشتري عدم زيادة الثمن المسمّى عن القيمة السوقية أو يعتقد البائع عدم نقصان القيمة المسمّاة عن القيمة السوقية، أو كان جهلا بسيطا بان كان ظانا عدم الزيادة أو النقيصة أو ظانا بهما أو شاكّا فيهما.

و لكن ناقش أولا في حكومة قاعدة نفي الضرر لنفي لزوم البيع في صورتي الظن بالزيادة أو النقيصة أو الشك فيهما بأنّ المعاملة المزبورة مع الظنّ بأحدهما أو الشك فيهما اقدام على الضرر، و لذا يستحقّ الذمّ على ذلك الإقدام.

و أجاب ثانيا: بأنّه ليست المعاملة المزبورة

مع الظنّ بأحدهما أو الشك فيهما اقداما على الضرر، لأنّ المعاملة المزبورة تصدر عن الظانّ و الشاك لرجاء عدم الغبن؛ و لذا يمسك عن المعاملة المزبورة على تقدير علمه بالغبن.

أقول: قد تقدم انّ الخيار يثبت للمغبون باعتبار الشرط الارتكازي الثابت بين المتعاقدين في المعاملات المبنية على المداقة؛ و من الظاهر عدم المعنى للاشتراط المزبور مع علم المغبون بالحال، و مع الإغماض عن ذلك و البناء على كون المدرك للخيار في المقام قاعدة نفي الضرر النافية للزوم البيع فقد يقال ان إقدام المغبون على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 169

فبان أزيد بما لا يتسامح بالمجموع منه و من المعلوم فلا يبعد الخيار (1).

______________________________

الضرر لا يوجب خروج حكم الشارع باللزوم عن كونه ضرريّا، و لذا لا يكون الإقدام على الوضوء أو الغسل أو الصوم و غيرها من الواجبات الشرعية مع الإقدام عليها في موارد الضرر محكوما بوجوباتها، و لو كان الإقدام موجبا لعدم استناد الضرر الى حكم الشرع و وجوبه لكان الواجب مع الاقدام محكوما بالوجوب.

و لكن لا يخفى ما فيه فانّ الإقدام على الفعل فيما إذا كان الحكم المتعلق به وجوبا يرتفع مع كونه ضرريا لأنّ إيجاب الفعل معلقا على الإقدام عليه من قبيل طلب الحاصل، و لا يقاس بالحكم الوصفي الثابت لموضوعه. أضف الى ذلك انه لو قيل بحرمة الإضرار على النفس فانتفاء وجوب الغسل أو الوضوء في الفرض المزبور ليس لمجرد نفي الحكم الضرري بل لحرمة الإضرار بالنفس حيث انّ ما دلّ على حرمته من قبيل الخطاب المتضمن لحرمة الوضوء أو الغسل، و غيرهما من الأفعال بعنوانها الثانوي و ما دلّ على وجوبها من قبيل الخطاب المتضمن للحكم لها بعناوينها

الأوليّة، و لذا لو قلنا بجواز الإضرار بالنفس في غير الموارد المخصوصة لكان الوضوء أو الغسل المزبورين محكوما بالصحة أخذ بما دلّ على استحباب التطهر و الوضوء.

و الحاصل: انّ المحذور المزبور أمر يختصّ بالواجبات التكليفيّة، و لا يقاس بها المعاملات التي يمكن أن يقال نفي لزومها مع الإقدام عليها لا يناسب الامتنان نظير ما يقال من عدم حكومة لا ضرر في موارد الهبة و الصدقة المندوبة، و غير ذلك من موارد تمليك المال مجانا، حيث انّ نفي صحّتها لا يناسب الامتنان كما لا يخفى.

(1) لا يخفى انّ ما يتسامح به معناه عدّ الإقدام على الثمن المزبور إقداما عليه ايضا و يقابله ما لا يتسامح به و انّه لا يكون الإقدام على الثمن المزبور إقداما عليه، و على ذلك فظهور الغبن بما لا يتسامح به لا يوجب الخيار سواء كان مقدار المعلوم من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 170

ثم ان المعتبر القيمة حال العقد (1).

______________________________

الغبن مع الظاهر بما لا يتسامح فيه أو كان الغبن المعلوم بمقدار لا يتسامح فيه و ظهر أزيد منه بما يتسامح فيه. نعم لو ظهر الغبن بما لا يتسامح فيه بانفراده بالإضافة إلى الغبن المعلوم فلا يكون إقدام بالإضافة الى ذلك المقدار الظّاهر فيثبت الخيار من غير فرق بين كون المدرك لخيار الغبن قاعدة نفي الضرر أو الشرط الارتكازي.

و دعوى انّه لو كان المدرك له الشرط الارتكازي فلا يثبت الخيار لأنّ العلم بالغبن بمقدار لا يتسامح فيه يلازم إلغاء الشرط التساوي بين الثمن المسمّى و القيمة السوقية المرتكز في المعاملات لا يمكن المساعدة عليها فإنّ إلغاء مرتبة من شرط عدم الغبن لا يلازم إلغاء اشتراط سائر مراتبه، و

مما ذكرنا يظهر انّ خيار الغبن يثبت في الفرض الأخير فقط من الفروض الثلاثة في عبارة الماتن.

(1) إذا كان الثمن زائدا على القيمة السوقيّة للعين بما لا يتسامح فيه، و لكن حصول التعادل بين القيمتين قبل اطلاع المغبون على غبنه، ففي ثبوت الخيار له إشكال لأنّ نفي اللزوم بقاعدة نفي الضرر لتدارك ضرر المغبون، و المفروض حصول التدارك قبل العلم بالغبن بل لا يبعد عدم الخيار فيما إذا تساوت القيمة السوقيّة مع الثمن المسمّى قبل الفسخ، و لو كان حدوث التساوي بعد اطلاع المغبون، كما ذكر ذلك العلامة (ره) في خيار العيب حيث ذكر سقوط الرد ببرء المعيوب قبل الفسخ.

و لا يبعد ان يكون الأمر كذلك، و لو قلنا بأنّ المدرك لخيار الغبن هو الشرط الارتكازي لأنّ الموضوع للخيار بحسب الارتكاز هو اختلاف الثمن المسمّى مع القيمة السوقية بما لا يتسامح فيه حال العقد، و لكن هذا كما يأتي موجب لحدوثه الخيار و بقاء ذلك التفاوت معتبر في بقاء الخيار؛ و لذا يأتي منا بعد ذلك انّه لو فسخ العقد قبل العلم بالغبن، ثم ظهر الغبن نفذ الفسخ السابق فيما لو حصل التساوي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 171

ثم انه لا عبرة بعلم الوكيل (1).

______________________________

بين القيمتين حال العلم بالغبن السابق، و أولى بعدم الخيار ما ذا كان القبض شرطا في صحّة المعاملة كالصرف و السلم، و حصل التساوي بين القيمتين قبل حصول القبض فإنّه لا يحصل بالعقد المزبور ضرر و نقص للمشتري أو البائع لينفي صحّة البيع أو لزومه بقاعدة نفي الضرر، و لو قلنا بوجوب التقابض فإنّ المنفي على تقدير الالتزام به وجوب التقابض لا صحة البيع و لزومه ليثبت

الخيار للمغبون، فان الخيار حكم للبيع بعد تمامه و حصوله لا إلغاء العقد قبل تمامه.

و امَّا إذا كانت القيمة السوقية حين العقد مساوية للثمن المسمّى ثم حصلت الزيادة أو النقيصة فإنه لا يوجب الخيار لانّ الموضوع للخيار للشرط الارتكازي هو اختلاف القيمتين حال العقد و بقاء الخيار بعد تمام العقد ببقاء ذلك الاختلاف.

نعم لو كان المدرك للخيار قاعدة نفي الضرر فيمكن أن يقال بأنّ مقتضاه ثبوت الخيار فيما إذا علم بعد القبض بحدوث الزيادة أو النقيصة قبله فيما كان القبض شرطا لصحة البيع لانّ البيع المزبور صحته أو لزومه ضرر على المغبون.

لا يقال مقتضى قاعدة نفي الضرر انتفاء لزوم العقد حتى فيما لو حصلت الزيادة أو النقيصة بعد العقد أو بعد القبض فإنه يقال لا يكون مقتضاه ذلك، فإنّ قاعدة نفي الضرر لا يعمّ ما إذا كان نفيه إضرارا للغير، و نفي اللزوم بالزيادة أو النقيصة الحاصلة بعد العقد أو بعد القبض إضرار بالطرف الآخر، كما لا يخفى.

(1) إذا كان وكيلا في مجرد إجراء صيغة الشراء فلا ينبغي الريب في انّه لا اعتبار بعلم الوكيل و جهله في ثبوت الخيار للموكل لانّ الخيار الغبن امّا للاشتراط الارتكازي على قرار ما تقدم؛ و امّا الدليل نفي الضرر و مقتضى كل منهما ثبوت الخيار للموكل مع جهله سواء كان الوكيل عالما أو جاهلا، لانّ توكيله في إجراء الصيغة توكيل أيضا في اشتراط الخيار لنفسه على تقدير التفاوت الفاحش

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 172

..........

______________________________

بين الثمن المسمّى و القيمة السوقية، كما انّ لزوم البيع المفروض مع فرض جهل الموكل بالحال ضرر عليه.

و امّا إذا كان وكيلا في المساومة و الشراء فان كان الوكيل المزبور

عالما بالتفاوت، و مع ذلك أقدم على الشراء الغبني للموكل و فرض صحة البيع المزبور لقيام القرينة على التوكيل في الشراء المزبور ايضا، كما إذا كان الموكل بحاجة إلى شراء الدابة للسفر بعد أيام، و قال للوكيل المزبور حصّل لي الدّابة بأيّ طريق تمكّنت، و اشترى الوكيل الدابة مع العلم بتفاوت القيمتين، فلا خيار للموكل عند المصنف و غيره، و مع جهل الوكيل بالحال يثبت الخيار للموكل فيما كان هو ايضا جاهلا بالحال.

أقول: لا يبعد عدم ثبوت الخيار للموكل مع علم وكيله المفروض بالحال لانّ الشرط الارتكازي مع علم الوكيل المزبور بالحال غير محرز لو لم نقل بإحراز عدمه و اقدام الوكيل على الضرر يعد اقداما للموكل عليه مع ثبوت الوكالة، كما هو الفرض. و امّا مع الجهل الوكيل المزبور بالحال فلا يبعد ثبوت الخيار للموكل حتى مع علمه بغبن الوكيل في شرائه لأنّ الوكيل لجهله بالحال لم يسقط الخيار المشترط بالشرط الارتكازي. نعم لو كان المدرك لخيار الغبن قاعدة نفي الضرر الظاهرة في نفي الحكم الضرري عن المتضرر فلا يرفع لزوم البيع بالإضافة إلى الموكل العالم بالحال لانّ توكيله و إبقاء ذلك التوكيل مع إحراز ان شراء وكيله غبني يكون اقداما على البيع الضرر بمعنى انّه لا ينسب الضرر في الفرض الى الشارع، لا يقال علم الموكل بالحال مع جهل وكيله المفروض لا يكون اقداما على الضرر، و لعل تقرير الوكالة و عدم منع وكيله عن اجراء العقد المزبور اعتقاده بأنّه إذا حصّل المبيع بقيمته السوقية أقدم على فسخ شراء وكيله فإنه يقال لا يختص هذا الإشكال بالمقام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 173

ثم ان الجهل انما يثبت باعتراف الغابن

(1).

______________________________

بل ما ذكر يرد على من اشترط الجهل بالحال في المغبون بدعوى انّه مع علمه يكون مقدما على الضرر فيقال عليه بأنّ العالم بالحال أقدم على البيع لا على لزومه، و اقدامه على البيع يكون باعتقاد انّه إذا لم يظفر بالمبيع بالقيمة السوقية بمعاملة أخرى التزم بالغبن و الّا يفسخ. و الحاصل لو كان الضرر لا في الشراء بل في لزومه فالمشتري العالم لم يقدم عليه.

و لكن الجواب عن ذلك كلّه ظاهر و هو انّ خيار الغبن على تقدير كون المدرك له قاعدة نفي الضرر من الخيارات الشرعية التأسيسية، و بما انّ البيع مع قطع النظر عن هذا الخيار الشرعي لازم في بناء العقلاء قمع علم المغبون بالحال و اقدامه على المعاملة لا يستند الضرر فيها الى حكم الشارع بلزوم البيع بل يستند الى اختيار المكلف و اقدامه على المعاملة المزبورة و مفاد لا ضرر نفي حكم الشرعي فيما كان الضرر مستندا الى الشارع و لا يرتبط هذا المفاد بكون نفي الضرر امتنانيا، بل الاستناد المزبور معتبر في القاعدة حتى لو قلنا بجريانها في موارد خلاف الامتنان، كما لا يخفى.

(1) لا شبهة في ثبوت الخيار للمغبون فيما إذا اعترف الغابن لجهله بالقيمة السوقية لنفوذ الإقرار على نفسه، و الكلام في تشخيص المدعى من المنكر ليجري عليهما الحكم الثابت في حق المدعى و خصمه؛ فنقول، كما ذكرنا في بحث القضاء الميزان في كون أحد الخصمين مدّعيا كونه بصدد إثبات حق لنفسه أو لمن يتعلّق به على الغير أو يذكران له مالا بيد الغير أو على الغير أو يذكر سقوط حق للغير عنه أو نقل مال عنه اليه بحيث يكون مقتضى الحجة المعتبرة في حق الشاك عدم

ثبوت ذلك الحقّ أو المال أو عدم الاسقاط و النقل اليه فمن يكون من الخصمين بصدد الإثبات المزبور مع عدم مطابقة قوله للحجة المزبورة يعد مدّعيا، و من كان بصدد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 174

..........

______________________________

نفي الحق المزبور لخصمه أو عدم إسقاطه الحق أو النقل عنه مع مطابقة قوله للحجة المزبورة يعد منكرا.

و على ذلك فان قلنا بان المستند لخيار الغبن قاعدة نفي الضرر يكون مدعي الجهل مدعيا لأنّه يدّعي خيار الفسخ لنفسه لكون لزوم البيع عليه ضرريا و الغابن منكرا لذلك الحق، لأنّ الأصل عدم ثبوت الخيار للمغبون بمعنى استناد الضرر في الفرض الى حكم الشارع غير محرز، و الأصل أي مقتضى استصحاب بقاء الملك بعد فسخ المغبون لزوم البيع، و ما ذكر المصنف (ره) من مطابقة قول المغبون لأصالة عدم علمه بالحال فيكون منكرا و الغابن مدعيا لا يمكن المساعدة عليه، لأنّ أصالة عدم علم المغبون أو أصالة عدم اقدامه على الضرر لا يثبت استناد ضرره الى حكم الشارع بلزوم البيع؛ و على ذلك فيثبت الخيار للمغبون باعتراف الغابن بجهله بالحال أو بالبيّنة لو أمكنت البيّنة على جهله.

و امّا ثبوته بدعوى المغبون مع يمينه فمبنيّ على ردّ اليمين الى المدعى فيما إذا لم يمكن للخصم الحلف على نفي دعواه أو بأنّ الدعوى إذا كانت مما لا يعلم الّا من قبل مدعيه تثبت تلك الدعوى مع يمين مدعيه.

و إذا قلنا بأنّ المدرك لخيار الغبن الاشتراط الارتكازي الثابت في المعاملات يكون الأمر على العكس بان يكون الغابن مدعيا بإسقاط المغبون خياره بعلمه بالغبن و المغبون ينكر هذا الاسقاط.

و بتعبير آخر يكون الاختلاف فيما نحن فيه نظير دعوى البائع إسقاط مشتري المعيوب

خيار عيبه أو مشتري الحيوان إسقاط خياره عند العقد و ينكره المشتري، فانّ مقتضى الأصل عدم الإسقاط في المقامين و لا يفرق في ذلك كلّه بين كون المغبون من أهل الخبرة أو من غيرها فيما إذا احتمل جهله بالقيمة السوقية حال البيع، لانّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 175

هذا كلّه إذا لم يكن المغبون من أهل الخبرة (1).

______________________________

مجرد كون شخص من أهل السوق مثلا لا يوجب العلم، بل لا الاطمئنان بعلمه بالقيمة السوقية حتى يعتبر و ينقطع الأصل.

و لو فرض في مورد الظهور بحيث يوجب للقاضي الاطمئنان بعلم المغبون بالحال حال العقد يكون دعوى الجهل منه محتاجا إلى الإثبات لانقطاع أصالة عدم سقوط الخيار بالاطمينان بالخلاف فيجري فيه ما ذكر من انّه لو كان الدعوى مما يتعسّر إقامة البيّنة عليها تسمع فيها قول مدعيها بيمينه و يأتي الكلام في تلك الكبرى و كون العلم و الجهل من تلك الأمور مطلقا.

ينبغي في المقام الإشارة إلى أمر و هو انّ كل مورد يكون الخصم فيه شاكّا في صحة دعوى المدعى فان كان للمدعي حجة تكون تلك الحجة معتبرة في حق خصمه الشاك كالبيّنة فلزم الأخذ بتلك الحجة، و لا يحتاج الواقعة الى المحاكمة إلى القاضي؛ و امّا إذا كان الخصم جازما بخلاف دعوى المدعي فيحتاج المخاصمة الى فصلها بالقضاء فيما لم يقدما على المصالحة بينهما؛ و بهذا يظهر انّ بعض صور دعوى الجهل تحتاج الى القضاء و بعضها لا يكون من موارد القضاء فتدبر جيدا.

(1) يعني إذا كان المغبون المدعي بجهله بالقيمة السوقية حال العقد من أهل الخبرة، فلا يعتبر أصالة عدم علمه بالقيمة السوقية ليكون المغبون المزبور منكرا، بل يعتبر الظهور المزبور

فلا يكون منكرا ليقبل قوله مع يمينه.

و لكن قد يقال اعتبار الظهور المزبور لا يوجب عدم قبول قوله مع يمينه لأنّ غاية اعتبار الظهور المزبور جعل من يوافق قوله معه منكرا و المخالف له مدّعيا و المداعى إذا تعسر عليه إقامة البيّنة لكون المدعى به مما لا يظهر لغيره يقبل قوله مع يمينه فالمغبون المفروض كونه من أهل الخبرة يقبل دعواه الجهل بالقيمة السوقية من هذه الجهة.

و فيه انّ اعتبار الظهور ليس بمعنى جعله ميزانا لتشخيص المدعى عن المنكر، بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 176

و لو اختلفا في القيمة وقت العقد أو في القيمة بعده (1).

______________________________

مقتضاه قبول قول من يوافقه مع يمينه في المخاصمة لا جعله منكرا، و خصمه مدعيا ليلحق بالخصم المزبور ما يذكر من ان المدعى إذا تعسر عليه إقامة البينة على دعواه يقبل دعواه مع يمينه.

ألا ترى ان من موارد اعتبار الظهور ما إذا اختلفا في صحة العقد الواقع و فساده، و حيث انّ ظاهر حال المسلم اقدامه على العقد الصحيح فيقبل قوله بصحته من يمينه لا ان يجعل خصمه مدعيا ليلحق به ما ذكر من انّه إذا تعسر على المدّعي إقامة البيّنة يقبل قوله مع يمينه.

أقول: قد تقدّم انّ الميزان في تشخيص المدّعي و المنكر مطابقة قول أحدهما بالحجة المعتبرة في حقّ الشاك في الواقعة أي القاضي و مخالفة قول الآخر معها و أصالة الصحّة الجارية في العقد المزبور حجّة معتبرة و حاكمة على أصالة الفساد، فمن وافق قوله أصالة الصحّة منكر و الآخر مدّع. و امّا إذا لم يكن في البين ظهور معتبر يكون الميزان الأصل الجاري في الواقعة.

نعم قد ثبت في بعض الموارد تقديم

قول من يوافق مثل الظهور المزبور مع يمينه كدعوى أحد الزوجين الدخول بعد الطلاق، و تحقق الخلوة قبله، فهذا لا يدلّ على كونه منكرا بل هذا الحكم تخصيص فيما دلّ على كون البيّنة على المدعي و اليمين على من أنكر. فتحصّل انّ الكبرى الموهومة و هي قبول قول المدعي فيما إذا تعسر عليه إقامة البينة مطلقا، و كون الجهل و العلم منه كلاهما محل تأمّل، بل منع.

(1) الاختلاف تارة في ثبوت الخيار لمن يدّعي الغبن و أخرى في بقاء الخيار له لاحتمال ارتفاع الغبن قبل الفسخ فانّ كان الاختلاف في ثبوت الخيار فلا ينبغي الريب في انّ الأصل عدم ثبوته كما هو مقتضى استصحاب بقاء الملك على حاله بعد فسخ أحدهما بغير توافق الآخر بل يجري استصحاب عدم كون البيع المزبور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 177

..........

______________________________

غبنيا، و لو بنحو الاستصحاب العدم الأزلي. و امّا إذا كان الشك في بقاء الخيار لاحتمال ارتفاع الغبن قبل الفسخ فاستصحاب كون البيع على ما هو عليه مقتضاه بقاء الخيار.

و اما أصالة عدم تغير القيمة السوقية فلا تفيد في المقام لأنه إذا أحرز القيمة السوقية فعلا و احتمل تغيّرها بحيث كان البيع زمان وقوعه غبنيا فهي لا تنفي عدم اختلاف الثمن المسمّى عند البيع مع القيمة السوقية المعبّر عنه بالغبن لينتفي الخيار و كذا الحال فيما إذا علم تغير القيمة السوقية عمّا كانت عليه في السابق و شك في تقدم البيع على زمان التغيّر لئلا يكون في البين خيار أو تأخره عنه ليثبت الخيار فإن أصالة تأخّر البيع و عدم وقوعه الى زمان التغيّر لا يثبت وقوع البيع على ثمن يختلف مع القيمة السوقية و

لو مع العلم بزمان التغير.

و ذكر النائيني (ره) في المقام ثلاثة فروض الأول ما إذا اتفقا على تساوي القيمة السوقية الفعلية مع الثمن المسمّى كما إذا بيع العين بثمانية و اتفقا على كون القيمة السوقية الفعلية تساوي ثمانية و ادّعى البائع انّ القيمة السوقية حال العقد كانت عشرة فله خيار الغبن، و قال المشتري انّها كانت حال العقد أيضا ثمانية فلا خيار له فأصالة عدم التغير لا تجري في الفرض لانّه يرجع الى الاستصحاب القهقرائي لأنّ التغير ليس أمرا مسبوقا بالعدم مع انّه مثبت لأنّ خيار الغبن لا يترتب على التغير بل على منشأ انتزاعه و هو وقوع العقد على ما يختلف مع القيمة السوقية.

أقول: مع تساوي القيمة السوقية فعلا مع الثمن المسمّى لا خيار للبائع حتى لو أحرز كون القيمة حال العقد عشرة لما تقدّم من انّ بقاء خيار الغبن دائر مدار بقاء تفاوت القيمة السوقيّة مع الثمن المسمّى.

الثاني: ما إذا اتفقا على القيمة السوقية قبل العقد بأنّ كانت قيمة العين قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 178

[الأمر الثاني: كون التفاوت فاحشا]
اشارة

الأمر الثاني: كون التفاوت فاحشا (1).

______________________________

البيع عشرة و انّ البيع وقع على الثمانية فالمغبون يدّعي انّ القيمة السوقيّة حال البيع ايضا كانت عشرة و الآخر يدّعي انّها كانت عند البيع ثمانية فلا خيار و أصالة عدم التغير في الفرض يوجب الخيار مع الإغماض عن كونه من الأصل المثبت لانّ استصحاب القيمة السوقيّة على العشرة لا يثبت اختلاف الثمن المسمّى مع القيمة السوقية.

الثالثة: ما إذا اتفقا على تساوي القيمة السوقية الفعلية مع القيمة السوقية حال العقد غاية الأمر يدّعي البائع انّ القيمة السوقية الفعلية هي العشرة، و الثمن المسمّى ثمانية فله الخيار و

المشتري بأنّ الثمن السوقية هي ثمانية فلا خيار فإنه لا مورد لأصالة عدم التغير في الفرض أصلا لأنّ الشك في الغبن غير ناش عن تغير القيمة السّوقيّة أصلا.

(1) قد تقدم انّ الموجب لخيار الغبن كون التفاوت بين الثمن و القيمة السوقية فاحشا بحيث لا يتسامح فيه غالب النّاس و لا يقدمون على المعاملة بذلك التفاوت الّا مع الاضطرار على تلك المعاملة، و في هذه الصورة يكون اشتراط الخيار مع الاختلاف الفاحش ارتكازيا بل لو قلنا بأنّ المدرك لخيار الغبن هي قاعدة نفي الضرر فالأمر كذلك لانّه لا امتنان في موارد الاختلاف غير الفاحش في رفع اللزوم حيث لا يكون وضعه فيها ثقلا عليهم كما انّ الرفع في سائر الموارد مما يكون امتنانيّا كذلك فمن أكره بشرب الخمر متوعدا بضرر يتحمّله عامّة الناس لا يكون فيه رفع الحرمة.

و يظهر من المصنف (ره) ان الاختلاف بنصف العشر بل العشر لا يكون فاحشا و ناقش في كون الاختلاف بالخمس فاحشا، و لكن لم يبعد كونه فاحشا، و لا يخفى اختلاف المعاملات و عدم انضباط الغبن المتعارف بشي ء من النسب و لو اشترى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 179

..........

______________________________

دارا بألف و ظهر الغبن فيه بمأة يعد فاحشا بل الأمر في تفاوت الخمسين ايضا كذلك، و لكن لو اشترى متاعا بخمسين و ظهر الغبن فيه بخمس فقد لا يعدّونه غبنا فاحشا، بل الميزان كون التفاوت مما يتحمله النّاس في مثل تلك المعاملة بحيث يعدون الاقدام على تلك المعاملة إغماضا عن ذلك المقدار من التفاوت.

و لا يقال الضرر اليسير مما يتسامح فيه الناس ضرر ايضا و ظاهر قاعدة نفيه عدم لزوم البيع مطلقا حتى فيما إذا فرض

كون التفاوت غير فاحش غاية الأمر انّ نفي اللزوم في البيع الغبن للامتنان على المتضرر و نفيه عن المتضرر بالضرر غير الفاحش ايضا مشمول للامتنان نظير وجوب القصر على المسافر بسفر لا تعب فيه، فان نفي وجوب التمام عن ذلك المسافر ايضا شمول للامتنان و على ذلك فالتفاوت غير الفاحش غير شرط في ثبوت خيار الغبن، و لم يقع عنوان الغبن واردا في شي ء من الأدلة ليقال بانصرافه عن التفاوت غير الفاحش بدعوى عدم عدّ ذلك التفاوت غبنا.

فإنّه يقال نفي الضرر منصرف عن نفي الحكم في مورد يمسك فيه المشتري بزمام العقد و لو مع علمه بذلك التفاوت، و ان الضرر فيه غير ناش عن حكم الشارع حيث لا يقدم المتضرّر به على الفسخ، و لو بعد اطلاعه بالغبن المزبور بل يقدم على البيع المزبور، و لو مع اطلاعه بالحال. و ثانيا: قد ظهر ممّا ورد في مثل وجوب القصر على المسافر انّ الامتنان فيه من قبيل الحكمة بخلاف المقام حيث مع ورود نفي الضرر في الامتنان نظير رفع الإكراه أو الاضطرار ظاهره دوران النفي و الرفع على الامتنان.

و الكلام فيما إذا لم يحرز كون التفاوت مما يتسامح النّاس فيه أم من غيره فذكر المصنف (ره) انّه يرجع مع عدم الإحراز إلى قاعدة نفي الضرر في الحكم بالخيار لانّ الخارج عن قاعدة نفي الضرر تخصيصا أو تخصصا موارد إحراز التسامح و احتمل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 180

[بقي هنا شي ء]

بقي هنا شي ء و هو انّ ظاهر الأصحاب و غيرهم ان المناط في الضرر الموجب (1).

______________________________

الرجوع الى استصحاب اللزوم لاختصاص قاعدة لا ضرر بموارد الاختلاف الفاحش لا موارد إحرازه فيكون التمسك به كالتمسّك

بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) من التمسك بالعام في شبهته المصداقيّة. أقول: المورد من موارد الشك في شرط الخيار و الأصل عدمه فتدبّر جيّدا.

(1) إذا كان التفاوت بين الثمن و القيمة السوقية فاحشا فقد يتيسّر تحمله لبعض الأشخاص و ذلك التفاوت لا يتحمّله بعض آخر في مثل ذلك البيع، فهل يكون المعيار في عدم لزوم البيع بالتفاوت الفاحش المعبّر عنه بالضرر المالي مع الإغماض عن حال المغبون من جهة يسر تحمله الضرر و عدمه أو يلاحظ مع التفاوت الفاحش حال المتضرر ايضا، بحيث لا يرفع لزوم المعاملة بقاعدة نفي الضرر مع يسر المغبون فان قيل بالأوّل و عدم ملاحظة شي ء إلّا الضرر المالي فما الفرق بين المقام و بين موارد التكاليف.

مثلا ذكروا في شراء الماء للوضوء انّه يجب لواجد المال و ان بلغ الثمن ما بلغ بخلاف من لا يجد المال و لا يتيسّر له الشراء المزبور فإنّه يجوز له التيمّم و ترك الشراء لنفي الضرر حيث انّ مقتضى ما ذكر ملاحظة حال المكلف بالإضافة وجوب الوضوء الموقوف على شراء الماء و عدم كون تمام الملاك في نفي وجوبه بالضرر المالي و الغمض عن حال المكلف و ان قيل بالثّاني أي ملاحظة حال الشّخص فاللّازم في المقام أيضا ملاحظة حال المغبون من حيث يسر تحمله الضرر و عدمه.

و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بأنّ المعيار في نفي الضرر نفس الضّرر المالي لانّ يسر تحمل المكلف الضرر و عدمه لا يخرج الحكم عن كونه ضرريّا بلا فرق بين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 181

..........

______________________________

المقام و التكاليف غاية الأمر قاعدة نفي الضرر كسائر العمومات قابلة للتخصيص و قد خصّصت في مسألة شراء الماء للوضوء حيث

دلّ النصّ على وجوبه على واجد المال. و في صحيحة صفوان قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة و هو لا يقدر على الماء فوجد بقدر ما يتوضّأ به بمأة درهم أو بألف درهم و هو واجد لها أ يشتري و يتوضأ أو يتيمّم قال (لا بل يشتري قد أصابني مثل ذلك فاشتريت و توضّأت و ما يسوئني و ما يشتري بذلك مال كثير و على ذلك فيرفع اليد عن قاعدة لا ضرر بالإضافة الى من يمكنه الشراء و يبقى غير الواجد للمال المزبور بحيث كان صرف المال على الشّراء مجحفا به مندرجا في قاعدة نفي الضرر.

بل يمكن ان يقال ان خروج مثل هذه التكاليف عن قاعدة نفي الضرر بالتخصّص لانّ ما يصيب المكلف بإزاء الضرر المالي من الأجر الأخروي يخرجه عن عنوان الضّرر كما يشير الى ذلك ذيل الرّواية، فيجب الشراء على كل من لا يكون الشراء مجحفا به و بالإضافة إلى المكلف الذي يكون الشراء مجحفا به ينفي وجوب الشراء بقاعدة نفي الحرج.

أقول: لا يخفى ما فيه فان ترتب الأجر الأخروي على امتثال تكليف لو كان موجبا لخروجه عن كونه ضرريا وجب الوضوء فيما لو كان تحصيل الماء و موجبا لذهاب المال الكثير أو مع خوف ذهابه، كما إذا خاف من سرقة ماله لو ترك متاعه و ذهب في طلب الماء و نحو ذلك، بل لا يمكن استفادة نفي اللزوم في بيع الغبني فإنّ وجوب الوفاء بالبيع عند المصنف (ره) و غيره تكليف و يترتب على امتثاله الأجر الأخروي، فلا يكون اللزوم المزبور ضرريا حيث يمكن للمكلف الوفاء به بقصد القربة حتى لا يحصل الضرر فيكون الوفاء به

من غير قصد التقرّب اقداما من المغبون الى الضرر الى غير ذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 182

ذكر في الروضة و المسالك تبعا لجامع المقاصد (1).

______________________________

و عن النّائيني (قده) انّ وجوب شراء الماء بالمال الكثير فيما إذا لم يكن الشراء غبنيا بأنّ تكون قيمة الماء في ذلك المكان مساويا للثمن المدفوع بحيث يكون الضرر في نفس التكليف بالوضوء الموجب لصرف الماء المزبور، و الّا فيمكن نفي لزوم الشراء بقاعدة نفي الضرر فيجوز له التيمّم الّا انّ يؤخذ بذيل الرواية.

أقول: حمل الرواية على كون القيمة السوقية في ذلك المكان مساويا للثمن المدفوع حمل بعيد و اللازم على ظاهر الرواية الإقدام على المعاملة المزبورة لواجد المال، و ان كانت غبنيّة. و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) ذكر في الروضة و المسالك و جامع المقاصد انه قد يكون المغبون في المعاملة هو البائع و الأخرى المشترى؛ و ثالثة هما معا و قد وقع الإشكال في تصوير الغبن لكل من المتبايعين في بيع واحد. و عن بعض المحشّين للروضة عدم إمكان ذلك فان غبن البائع يكون ببيع الشي ء بالناقص عن قيمته السوقيّة و غبن المشتري ببيعه بأزيد من قيمته السوقيّة، و لا يمكن أن يكون الثمن في بيع واحد زائدا على قيمته السوقيّة و ناقصا عنها و قد تصدّى جمع لتصوير الغبن لكل منهما في معاملة و ذكروا في ذلك وجوها.

الأوّل: ما عن المحقق القمّي (ره) من انّه لو باع متاعه بثمن و اشترط في البيع دفع بدل معين عن ذلك الثمن، كما إذا باع متاعه بأربعة توأمين على ان يدفع المشتري عن تلك التوأمين بثمانية دنانير، ثم ظهر انّ المتاع يسوى خمسة توأمين، و انّ أربعة

توأمين يساوي ثمانية دنانير الّا خمس دينار؛ ففي الفرض يكون البائع مغبونا لبيعه ماله بأقلّ من قيمته السوقية و المشتري مغبون في اشتراط دفع ثمانية دنانير بدل أربعة توأمين فيكون لكل منهما خيار الغبن.

و ناقش المصنف (ره) في الجواب بأنّ الغبن يحسب في المعاملة بملاحظة الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 183

..........

______________________________

المأخوذ فيها مثلا إذا باع ما يسوى بخمسة دنانير بدينارين مع اشتراط خياطة المشتري ثوبا تكون أجرتها ثلاثة دنانير لا يتحقق الغبن؛ و على ذلك ففي الفرض المزبور يكون المغبون هو البائع فقط لانّه قد دفع متاعه و وصل إليه بإزائه ما ينقص عن قيمته السّوقية بخمس دينار و مع الغمض و حساب الشرط معاملة أخرى لا يكون في البين معاملة واحدة، بل معاملتان يكون المغبون في إحداهما هو البائع، و في الأخرى هو المشتري.

الثاني: ما ذكره بعض من بيع متاعين بصفقة واحدة بثمنين، كما إذا قال بعت هذا المتاع و ذلك المتاع الأوّل بخمسة، و الثاني بأربعة، و قال المشتري اشتريتهما، و ظهر انّا لمتاع الأول يسوى بأربعة، و الثاني بخمسة فيكون كل من البائع و المشتري مغبونا؛ بالإضافة الى أحد المتاعين، و هذا الجواب قريب إلى الأول في الضعف، لأنّ المعاملة المزبورة ان كانت واحدة فلا غبن فيها لأحدهما أصلا، و ان كانت معاملتين بحيث يكون للمغبون في كل منهما خيار تخرج عن فرض وحدة المعاملة.

الثالث: ان يكون المراد بالغبن معناه الأعم، بحيث يشمل ظهور المبيع على خلاف الرؤية السابقة، كما إذا اشترى الفرس الذي رآه سابقا سمينا بخمسة دنانير ثم ظهر هزاله، و ان قيمته عند البيع مع هزاله ستّة، فيكون لكل من البائع و المشتري خيار

الفسخ. امّا المشتري لتخلف شرط الرّؤية السابقة. و امّا البائع لكونه مغبونا فذكر المصنف (ره) انّ هذا الوجه حسن، و لكن لا يساعده ظاهر كلام الروضة، لأنّ ظاهره فرض الغبن المفروض في خيار الغبن.

الرابع: ما ذكره بعض من فرض اختلاف قيمة المبيع بحسب مكان البائع، و مكان المشتري، كما إذا حاصر العسكر بلدة، و كانت قيمة الطعام خارج البلدة ضعف قيمته داخل البلدة و اشترى أحد من داخل سور البلد الطعام من خارج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 184

[مسألة ظهور الغبن شرط شرعي]

مسألة ظهور الغبن شرط شرعي (1).

______________________________

السور بقيمة متوسطة بين القيمتين فيكون البائع مغبونا، لكون قيمة المبيع عنده أزيد من الثمن المسمّى و المشتري مغبونا لكون قيمة المبيع عنده ناقصة عن الثمن المسمّى، و فيه ان الملاك في الغبن القيمة السوقية للمبيع في مكانه، و إذا نقصت قيمته بانتقاله الى مكان المشتري فلا يكون ذلك غبنا للمشتري، فإن نقله إليه إتلاف لبعض ماليّته.

الخامس: ما ذكره في مفتاح الكرامة من دعوى كل من البائع و المشتري الغبن في معاملة واحدة و لم يمكن استعلام الحال و مع تحالفهما يثبت خيار الغبن لكل منهما و أورد المصنف (ره) على ذلك بأنّ لازم التحالف لزوم المعاملة عن كلا الطرفين مع انّ الكلام في ثبوت الغبن واقعا لكل منهما.

أقول: يمكن أن يكون تحالفهما بردّ كل منهما اليمين الى صاحبه فيثبت الخيار لكل منهما. نعم كون الكلام في الغبن الواقعي صحيح.

و قد يقال بفرض الغبن بمعنى الضرر لكل من البائع و المشتري في بيع واحد كما إذا كانت قيمة الحيوان مع ولده عشرة في بيعهما معا أربعة للأمّ و ستة للولد، و باع المالك الامّ باعتقاد انّ الولد

يعيش بدونه بستة، ثم ظهر انّ الولد لا يعيش بدونه و انه لا يصلح الّا للذبح و قيمته بدون الامّ دينار فيكون مشتري الأم مغبونا لشرائه الامّ منفردا بستة و البائع متضررا لانّ البيع المزبور قد أتلف عليه ثلاثة دنانير، و لكن لا يخفى انّ هذا ايضا لا يكون من الغبن المراد في المقام.

(1) يقع الكلام في ثبوت الخيار للمغبون بظهور الغبن أو بتمام العقد فانّ كلمات الأصحاب يختلف و يظهر من بعضهم الأول كالشيخ (قده) في مبسوطه، و ابن زهرة في الغنية، و المحقق في الشرائع، بل ظاهر الغنية التسالم على اشتراط الخيار بظهور الغبن و يظهر من بعض آخر الثاني؛ بل ظاهر التذكرة الاتفاق عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 185

..........

______________________________

و تصريح بعضهم بعدم سقوط هذا الخيار بالتصرف المراد به التصرف قبل العلم بالغبن ظاهر في ثبوته قبل ظهور الغبن حيث انّ عدم سقوط الخيار به فرع ثبوته.

و لكن يظهر الوجه الأول من كلامهم حيث ذكروا في المقام صحّة تصرفات الغابن فيما انتقل اليه قبل علم المغبون بالحال و نفوذها غاية الأمر انّ المغبون بعد علمه بالحال و فسخه البيع يرجع ببدل ذلك المال مع اختلافهم في صحّة تصرفات مع عليه الخيار فيما انتقل اليه زمان خيار صاحبه.

و يؤيد الأول أيضا الاستدلال في التذكرة على هذا الخيار بقوله صلى اللّٰه عليه و آله في حديث تلقي الركبان انهم بالخيار إذا دخلوا السوق فانّ ظاهره حدوث الخيار بظهور الغبن الحاصل بدخول السوق.

و يمكن إرجاع كلماتهم الى أحد الوجهين المزبورين بحيث يرتفع الاختلاف بان يقال خيار الغبن يطلق تارة على السلطنة الفعلية الثابتة للمغبون بحيث يجوز له فعلا فسخ البيع، و

هذه السلطنة لا تحصل الّا بظهور الغبن و يطلق أخرى على الحق الواقعي بحيث لو حصل العلم به كان صاحبه متمكّنا على استعمال ذلك الحق، فيكون الجاهل بموضوع خيار الغبن كالجاهل بحكم خيار الغبن أو بحكم خياري المجلس و الحيوان و غيرهما.

ثمّ انّ الآثار المترتبة على الخيار تختلف فانّ منها ما يترتّب على السلطنة الفعلية كالسقوط بالتصرف فإنه لا يكون الّا بعد فعليّة السلطنة ليكون التصرف دالا على رضا ذي الخيار ببقاء العقد و الإغماض عن خياره، و كالتلف فانّ تلف المنتقل الى المغبون من مال المغبون قبل ظهور الغبن. و انّما يكون من الغابن بناء على عموم القاعدة لخيار الغبن ايضا بعد ظهور الغبن للمغبون، و من الآثار ما يترتب على ثبوت الحق واقعا كإسقاطه بعد العقد فإن إسقاطه يصحّ و لو كان قبل ظهور الغبن، و من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 186

..........

______________________________

الآثار ما يحتمل فيه الأمران بأن يكون أثرا للحق الواقعي، و ان يكون أثرا للحق الفعلي كالتصرفات الناقلة من الغابن فيما انتقل إليه فإنّ تعليل عدم جوازها بكونها مفوّتة لحق المغبون مقتضاه ترتّبه على الحق الواقعي، و لكن يظهر من بعض من ذكر عدم جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل اليه ان عدم الجواز مترتب على الحق الفعلي حيث ذكر هذا البعض انّ تصرفات الغابن فيما انتقل اليه قبل ظهور الغبن للمغبون لا بأس بها، و كيف كان فاللازم في تمييز الآثار ملاحظة الدليل الدال عليها و تظهر الثمرة بين الوجهين من كون ظهور الغبن شرطا شرعيّا أو كاشفا في نفوذ فسخ المغبون فيما إذا فسخ المغبون البيع قبل ظهور غبنه اقتراحا أي من غير ملاحظة

أمر أو بملاحظة سبب خيار غير موجود بان يعتقد بقاء خيار المجلس أو غيره.

أقول: الأظهر في المقام الالتزام بثبوت الخيار للمغبون من حين العقد فانّ المدرك له امّا قاعدة نفي الضرر أو الشرط الارتكازي الثابت في المعاملات المبنيّة على المداقّة و مقتضى نفي الحكم الضرر على الأول، و تخلّف الشرط على الثاني نفي اللزوم و ثبوت الخيار من الأوّل، و ليس الخيار إلّا السلطنة الفعلية الّتي يكون فسخ العقد بها نافذا سواء كانت السلطنة محرزة أم لا فإنّه إذا صادف الفسخ تلك السلطنة ينفذ و الّا لم يكن في البين خيار، و على ذلك فالأحكام المترتبة على الخيار كضمان تلف المال على من لا خيار له بناء على جريانه في المقام يثبت من حين تمام العقد و دعوى الإجماع على عدم ضمان الغابن التلف قبل ظهور الغبن؛ امّا تخصيص في قاعدة الضّمان أو منع عن جريانها في خيار الغبن أصلا، هذا إذا أمكن دعوى الإجماع التعبّدي في أمثال المقام.

و امّا تصرّف الغابن فيما انتقل اليه فهو أمر جائز سواء كان ذلك قبل ظهور الغبن أم بعده، فانّ الخيار ليس الّا حق يتعلّق بفسخ العقد لا بما انتقل من ذي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 187

ثم ان ما ذكرنا في الغبن من الوجهين (1).

______________________________

الخيار الى صاحبه غاية الأمر انّ من له الخيار لو وجد بعد الفسخ ما صار ملكا له بالفسخ أخذه و الّا يأخذ بدله.

و امّا تصرّف المغبون فيما انتقل إليه، فإن كان قبل ظهور الغبن فهو كتصرف الغابن بخلاف ما إذا كان بعد ظهور الغبن فانّ التصرف في ما انتقل اليه بعد ظهور غبنه يكون مسقطا لخياره باعتبار دلالة ذلك

التصرف على التزامه بالعقد على قرار ما استفيد ممّا ورد في سقوط خيار الحيوان بتصرّف المشتري فيه و لا يختصّ ذلك بالتصرف الناقل بل كلّما يكون ظاهرا في التزامه ببقاء العقد و الإغماض عن خياره، بل لو كان في البين ظهور للتصرّف حتّى قبل علمه بغبنه يكون الإسقاط الفعلي كالإسقاط القولي في نفوذه بعد العقد أو حين العقد كما ذكرنا سابقا في شرط سقوط الخيار في العقد.

(1) الكلام في كون خيار العيب مشروطا بظهور العيب أو انّ ظهوره كاشف عن ثبوت الخيار من حين العقد كما تقدّم في خيار الغبن، و ربّما يستظهر من كلام العلامة في القواعد حدوثه بظهور العيب كحدوثه بظهور الغبن حيث قال في القواعد انه لو حدث في الأمة المدلّسة عيب قبل ظهور التدليس فلا ردّ، بمعنى ان مشتريها يأخذ أرش ذلك التدليس، و ذكر في جامع المقاصد انّ هذا الكلام من العلامة مبنيّ على ضمان من لا خيار له تلف العين أو الوصف حتى في خيار العيب؛ و لذا يجوز الردّ بالعيب الحادث بعد ظهور التدليس، و لا يجوز قبل العلم به بالعيب الحادث، و لكن الظاهر عدم جواز الردّ بالعيب الحادث سواء كان حدوثه قبل ظهور التدليس أم بعده، لأنّ قاعدة الضمان في زمان الخيار ممن لا خيار له لا تجري في خيار العيب بل ضمانه على المشتري على كل تقدير.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 188

[سقوط هذا الخيار بأمور]
[أحدها إسقاطه بعد العقد]

أحدها إسقاطه بعد العقد (1).

______________________________

(1) لإسقاط خيار الغبن صور: الأولى: إسقاطه بعد ظهور الغبن بلا عوض.

الثانية: إسقاطه بظهور الغبن بالعوض. الثالثة: إسقاطه قبل العلم بالغبن بلا عوض أو بالعوض.

امّا الأولى: فلا إشكال في صحة الإسقاط و نفوذه فيما إذا

علم مرتبة الغبن و أسقط خياره أو جهل مرتبته و أسقط خياره من أي مرتبة من الغبن لأنّ مقتضى كون الخيار حقّا للمغبون جواز إسقاطه، و لكن هذا فيما كان المدرك لخيار الغبن الشرط الارتكازي أو ثبوت الخيار في المعاملة الغبنيّة بسيرة العقلاء؛ و امّا بناء على ان المدرك له قاعدة نفي الضرر فإثبات كون جواز البيع مع الغبن حقيّا لا حكميا مشكل جدا.

لا يقال بأن المنفي في مثل البيع اللزوم الحقي لا الحكمي حيث انّ اللزوم الحكمي غير ثابت في البيع، كما هو مقتضى ما دلّ على مشروعية الإقالة فيه فإنه يقال: نعم الحكم المنفي كما ذكر، و لكن الجواز الثابت مع عدم اللزوم الحقّي حقيّا أيضا أو انّه حكمي، فلا يثبت بنفي الضرر الّا ان يتمسك بذيل الإجماع، فإنّ احتمال ثبوت الجواز الحكمي غير موجود في كلام أحد من الأصحاب فضلا عن الفتوى به، و لكن يبقى كون هذا الإجماع تعبّديّا، كما لا يخفى.

و كيف ما كان فإذا اعتقد مرتبة من الغبن و أسقط خياره أو اعتقد انّ الغبن لا يزيد عن كذا، ثم ظهر كون غبنه أكثر من ذلك ففي سقوط الخيار اشكال و وجهه عدم طيب نفسه بسقوط خياره في الفرض لانّ الرّضا كان بغبن كان المتحقق غير ذلك الغبن فيكون نظير ما أعتقد انّ حقّ عرضه شتم فأسقطه، ثم ظهر انّه قذف، فإنّه لا يسقط بذلك حق القذف؛ و انّ خيار الغبن الموجود أمر واحد من غير فرق بين حصوله بأيّ مرتبة من الغبن. و إذا أسقط ذلك الأمر الواحد و لو باعتقاد حصوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 189

..........

______________________________

بمرتبة تكون في الواقع غيرها فلا خيار

بعده؛ و لا يقاس بالشتم و القذف فان حق الشتم غير حق القذف؛ و إذا أسقط الأوّل باعتقاد انّه الموجود و بان الثاني لا يسقط الثاني لعدم إسقاطه، و كذلك ليس من قبيل الدين الدائر أمره بين الأقل و الأكثر فإنّه إذا أسقط دينه على الغير باعتقاد انّه لا يزيد على الألف، ثم بأنّ الدين ألفان يسقط الألف و يبقى الألف الآخر.

و ذكر السيد اليزدي (قده) انّه لا فرق بين المقام مما يكون الموجود على كل تقدير فردا من نوع و بين حقي الشتم و القذف، أو الدين و العمدة ملاحظة أنّ الاعتقاد المزبور من قبيل الداعي إلى إسقاط الحق، فيسقط حتى في مسألة اعتقاد حق العرض شتما، ثمّ بان أنّه قذف، أو ان الاعتقاد المزبور يوجب تقييد الحق الذي يسقطه، و هذه مسألة في جميع موارد الاعتقاد بالخلاف.

و أورد على ذلك النّائيني (قده) بأنّ الموجود من الخيار في الفرض أمر واحد خارجي بسيط و لا يختلف ذلك الأمر الواحد البسيط باختلاف مراتب الغبن، و هذا الأمر الواحد لا يقبل التقييد حيث انّ القابل له هو الطبيعي لا الشخص؛ و مسألة دوران الأمر بين كونه داعيا أو تقييدا تجري في مثل العبادات مما تكون الفاعل فيها بصدد إيجاد الطبيعي كالقضاء و الأداء بان يصلّي باعتقاد انه في الوقت فبان انّه خارجه، أو توضأ قبل الوقت باعتقاد دخوله و وجوب الوضوء، ثم بان الوقت لم يدخل. و امّا في موارد كون الموجود شخصا واحدا بسيطا، كما في المقام فالإسقاط إسقاط لذلك الأمر الواحد، و لا يعقل فيه التقييد، و إذا فرض عدم التّعليق في الإسقاط فلا محالة يسقط ذلك الخيار، و الّا بطل الإسقاط لأنّه من

الإيقاع و التعليق فيه موجب لبطلانه.

و بتعبير آخر: لو قال إن كان غبني في المعاملة كذا مقدارا أو لا يزيد على كذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 190

..........

______________________________

فأسقطت خياري بطل الإسقاط للتعليق في الإيقاع، و إذا كان الإسقاط منجزا سقط خيار الغبن لانّ خيار الغبن لا يقبل التخصّص بمراتب الغبن نظير التخصص بالمجلس و الحيوان.

أقول: امّا قضيّة عدم طيب النفس بسقوط الخيار على تقدير كون الغبن أكثر مما اعتقده المغبون، فقد تقدّم انّ المعتبر في المعاملات التّراضي المعاملي و عدم حصول العقد أو الإيقاع بالإكراه؛ و امّا طيب النفس بمعنى ابتهاجها بالمعاملة و نحوها، فلا يعتبر.

و امّا حديث انّ الخيار أمر واحد بسيط لا يقبل التقييد؛ و انّما يقبل إسقاطه التعليق، و مع عدم التعليق في إسقاطه، كما هو الفرض يسقط ذلك الأمر الواحد.

و اعتقاد انّ الغبن في المعاملة بالمرتبة الفلانيّة مع انّه كان في الواقع غيرها يكون من قبيل التخلف في الداعي، كما أفاده النائيني (ره) ايضا لا يمكن المساعدة عليه فإنّه قد تقدم انّ المشتري إذا علم بالغبن، و لكن أعتقده انّه بالعشر و مع ذلك اشترى المال، ثم ظهر انّ الغبن أكثر يكون له خيار الغبن، و إذا فرض انّ مع العلم بالغبن لا يكون في البين اشتراط عدم الاختلاف الفاحش بين القيمتين، فكيف يثبت في الفرض للعالم بالغبن خيار، فانّ الشراء مع العلم إلغاء لذلك الشرط الارتكازي لا محالة.

و الجواب: فيه و في إسقاط الخيار بعد العقد باعتقاد انّ الغبن كذا مقدار واحد و هو انّ الموجب لخيار الغبن، و ان كان تحقق الاختلاف الفاحش بين القيمة السوقية و الثمن المسمّى، و هذا الاختلاف على تقدير حصوله

في ضمن أي مرتبة يوجب الخيار لا لخصوصية لحد تلك المرتبة، بل بما هي اختلاف فاحش، و على ذلك فأيّ مرتبة اعتقدها المشتري حين العقد، و مع ذلك أقدم معه بالشراء يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 191

..........

______________________________

ذلك بمنزلة إلغاء تلك المرتبة و ما دونها في الشرط الارتكازي، بمعنى انّه لو كان الغبن في ضمن تلك المرتبة و ما دونها فلا حقّ له في فسخ البيع. و امّا سائر المراتب فهي باقية على الشرط الارتكازي فتكون النتيجة ثبوت خيار الغبن في بعض فرض الغبن و عدم ثبوته في بعضها الآخر.

و الأمر في الإسقاط بعد العقد ايضا كذلك فانّ تعليق إسقاط الخيار على حصول الخيار واقعا لا بأس به، كما يأتي و كما انّ تعليق الإسقاط على تحقق الدين واقعا لا بأس به فان هذا التعليق حاصل سواء اتي به المسقط في إنشائه، أو لم يأت به فإنّه لا معنى لإسقاط دين معدوم أو خيار معدوم، و إذا أحرز الشخص حصول الخيار، و لكن لم يدر حصوله بتحقق الاختلاف الفاحش في ضمن أي مرتبة من الغبن فيمكن له أن يسقط خياره مطلقا، كما يمكن له إسقاطه في بعض محتملاته بأن يقول أسقطت خيار الغبن لو ثبت الخيار بالاختلاف بالعشر بين القيمتين و ما دون.

و الكلام في المقام في انّ اعتقاد مرتبة من الغبن و إسقاطه خيار الغبن بذلك الاعتقاد بمنزلة تقييد الخيار الذي يسقطه بحصوله بالتفاوت الفاحش في ضمن تلك المرتبة، أو ما دونها و لو كان ذلك التقييد بمعنى تعليق الخيار الذي يسقطه أو انّ الاعتقاد المزبور لا يوجب تقييد الخيار و لا تعليق حصوله، و هذا غير تعليق الاسقاط الموجب

لبطلانه، كما إذا قال لو جاء ولدي من سفره، فقد أسقطت مالي عليك من الدين فانّ البطلان فيما كان المسقط بالفتح على إطلاقه و التعليق في إسقاطه، كما في الفرض لا فيما كان التعليق في الإسقاط حاصلا بتقييد المسقط بالفتح أو تعليقه كما في المقام. و الظاهر انّ مجرّد الاعتقاد بوصف في المسقط بالفتح لا يوجب تقييدا فيه أو في إسقاطه، كما انّ مجرّد الاعتقاد بوصف في المبيع كالاعتقاد بكون الفرس من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 192

و امّا إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن (1).

______________________________

نسل كذا، لا يوجب التعليق في المبيع في مقام شرائه؛ بل التقييد و التعليق يحتاج إلى مؤنة زائدة في العقد و الإنشاء، فمع إسقاطه بدون تلك المؤنة يسقط مطلقا، و مع الصلح عليه بشي ء يسقط ذلك الخيار غاية الأمر يكون نفس الصلح في بعض الموارد غبنيّا، فيثبت له خيار الغبن، فيما إذا لم يكن الصلح المزبور مبنيّا على المحاباة، و لكن مع ذلك يظهر من صحيحة أبي ولّاد انّ الاعتقاد المزبور في موارد إسقاط الحق و المصالحة عليه يوجب التقييد و التعليق حيث سئل الإمام عليه السلام انّي كنت أعطيته دراهم و رضي. بها و حلّلني فقال إنّما رضي بها و حلّلك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم، و لكن ارجع اليه فأخبره بما أفتيتك به فان جعلك في حلّ بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك.

(1) لا يخفى انّه بناء على ثبوت الخيار بتمام العقد على تقدير الغبن لا إشكال في جواز إسقاطه بعد العقد و لو قبل ظهور الغبن فإنّه من إسقاط ما يجب، و قد تقدّم ان تعليق الخيار

على ثبوته واقعا في مقام إسقاطه و سراية ذلك الى تعليق السقوط لا بأس به لتعلّق السقوط عليه واقعا و ان أتى به منجزا فإنّه لا معنى لإسقاط الخيار على كل تقدير؛ و امّا بناء على تحقق الخيار بظهور الغبن ففي إسقاط الخيار بعد العقد و قبل ظهور الغبن إشكال فإنّه من إسقاط ما لم يجب أي إسقاط ما هو غير موجود بالفعل قطعا.

و أجاب المصنف (ره) انّه يكفي في جواز الإسقاط أي إسقاط المسبّب تحقق سببه، و ان كان تحقق المسبب موقوفا على حصول الشّرط مستقبلا، كما إذا أعار ثوبه من زيد و أسقط بعد العارية أو تعدّي المستعير ضمان ذلك المستعير، فان تعديه بالإضافة إلى ضمانه من قبيل السبب لانّ الضمان يحصل بتلف المال، و قد أسقط ذلك المسبب عند تحقق سببه، و كبرائه البائع من العيوب الموجودة في المبيع حال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 193

[الثاني من مسقطات خيار الغبن شرط سقوطه في متن العقد]

الثاني من مسقطات خيار الغبن شرط سقوطه في متن العقد (1).

______________________________

البيع فانّ البيع سبب للخيار و شرطه ظهور العيب، فالبراءة المزبورة إسقاط لما يتحقق سببه. و امّا شرطه فأمر استقبالي.

و الحاصل: كما انّ الاسقاط في نظير هذه الموارد ليس من إسقاط المعدوم، بل إسقاط للشي ء معلّقا على تحقق ذلك الشي ء مستقبلا، و كذلك إسقاط الخيار بعد العقد، و قبل ظهور الغبن.

أقول: لو كان ثبوت الخيار بظهور الغبن باعتبار الشرط الارتكازي الثابت في المعاملة، فلا ينبغي التأمّل في جواز إسقاطه بعد العقد، لانّ الشرط و هو عدم الاختلاف الفاحش بين القيمتين حق للمشروط، فله إلغاء ذلك الشرط، و لو قبل ظهور الغبن، و هذا من إسقاط الحق الموجود؛ و امّا إذا قيل بأنّ

خيار الغبن شرعي و موضوعه ظهور الغبن، و استفادة ذلك من قاعدة نفي الضرر، أو رواية تلقّي الركبان فإسقاطه بعد العقد، و قبل ظهور الغبن لا يخلو من صعوبة لأنّ تعليق الاسقاط باعتبار تعليق المسقط على تقدير حصوله زمان الاسقاط لا بأس به كما تقدم، و لكن الاسقاط فعلا مع كون المسقط على تقديره أمرا استقباليّا، و انّ كان ممكنا الّا انّ نفوذه يحتاج الى قيام الدّليل عليه؛ و لذا لا يصحّ الإسقاط بأن قال أسقطت مالي عليك لو اقترضت منّي مستقبلا، و مسألة إسقاط المعير ضمان المستعير قبل الإفراط و التفريط، أو بعده داخلة في الإذن في إتلاف المال مجانا، فيرتفع الضمان و برأيه البائع من العيوب أو الغبن أو نحو ذلك لكون الاسقاط المزبور إلغاء اشتراط السلامة أو الغبن، أو يكون الاسقاط المزبور نافذا لدخوله في عنوان الشرط، كما لا يخفى؛ و امّا المصالحة بالغبن المحتمل فلا اشكال فيه لأنه لأنّه لا يعتبر في المصالحة بشي ء كون الحقّ ثابتا؛ بل يكفي فيه الحقّ المحتمل و تفصيل ذلك موكول الى محله.

(1) يقع الكلام في المقام في غير الجهة التي تجري في شرط سقوط عامة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 194

..........

______________________________

الخيارات، و هي ان شرط سقوطها في متن العقد داخل في إسقاطها بنحو شرط النتيجة؛ و لا ينافي الكتاب الدال على لزوم الوفاء بالعقود حيث انّ لزوم البيع حقّي لا حكمي بقرينة مشروعيّة الإقالة؛ و في غير الجهة التي تقدم الكلام فيه في المسقط الأول و انّ اشتراط ثبوت الخيار بظهور الغبن لا ينافي إسقاطه بعد العقد أو حينه بالاشتراط لأنّه يكفي في الإسقاط ثبوت السبب للخيار.

و الجهة التي يقع الكلام

فيها في المقام ما يقال بعدم جواز شرط سقوط خيار الغبن و خيار الرؤية لأنّ اشتراط السقوط فيهما يوجب الغرر في البيع، كما ذكر ذلك الشهيد (قده) في الدروس، و ذكر انّ رفع الإشكال في شرط سقوط خيار الغبن أسهل من دفعه في شرط سقوط خيار الرّؤية؛ و عن الصيمري في غاية المرام الجزم ببطلان البيع و الشرط باشتراط سقوط خيار الغبن؛ و عن جامع المقاصد التردد في ذلك و ان ذكر انّ الظاهر جوازه و الوجه في دعوى الغرر هو انّ الغرر يحصل في البيع بالجهل بالمالية؛ و لذا لا يعتبر في البيع العلم بالصفات التي لا دخل لها في ماليّة المبيع؛ بل يعتبر العلم بالصفات التي يوجب اختلافها الاختلاف في المالية؛ و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بالمنع عن كون البيع بشرط سقوط الخيار غرريّا، لانّ المعتبر في البيع العلم بالمبيع من حيث النوع و الصنف و كمّه و التمكن على تسليمه؛ و كذا في الثمن و العلم بالقيمة السوقية، و عدم الاختلاف الفاحش بينها و بين الثمن المسمّى لا يعتبر في البيع و الّا لكان الجهل المزبور موجبا لبطلان البيع و لا ينفعه ثبوت الخيار الغبن، فان الخيار لا يصحح البيع مع كونه غرريا، لأنّه حكم شرعي يترتّب على البيع الصحيح؛ و لو كان الخيار موجبا لارتفاع الغرر لصحّ بيع كل مجهول من حيث الوجود أو من حيث التمكن على تسليمه بشرط الخيار.

هذا بالإضافة إلى شرط سقوط خيار الغبن. و امّا بالإضافة إلى شرط سقوط خيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 195

..........

______________________________

الرؤية فالأمر فيه ايضا كذلك؛ فانّ الخيار لا يرفع الغرر فيه، بل الموجب لارتفاع الغرر فيها اشتراط

الأوصاف و شرط سقوط الخيار لا ينافي اشتراطها حيث انّه لا منافاة بين اشتراطها و التزام المشتري بعدم فسخ البيع على تقدير تخلف تلك الأوصاف.

أقول: قد تقدم انّ اشتراط الأوصاف لا معنى لها الّا شرط ثبوت الخيار مع تخلّفها، و التزام المشتري بعدم فسخه إن كان بمعنى شرط الفعل فهو راجع الى الالتزام بترك الفسخ مع ثبوت الخيار له؛ و لذا لو فسخ نفذ الفسخ، و ان فعل حراما؛ و ان كان بمعنى عدم الخيار فهو مناف لاشتراط الأوصاف. نعم اخبار البائع بأوصاف المبيع موجب لارتفاع الغرر عن البيع. و اشتراط سقوط الخيار بتخلف بعض الأوصاف لا ينافي الأخبار المزبور.

و أمّا ما ذكر المصنف (ره) من انّ الخيار حكم شرعي يلحق بالبيع الصحيح، فهذا بالإضافة إلى مثل خيار المجلس و الحيوان من الخيارات الشرعية التأسيسية صحيح؛ و لكن لا يصحّ بالإضافة إلى الخيار المشترط، فانّ هذا الخيار ربّما يوجب خروج البيع عن كونه غرريّا، و بذلك يدخل في خطاب الإمضاء.

و ما ذكر (قده) من انّ شرط الخيار لو كان موجبا لارتفاع الغرر لصحّ بيع ما يتعذر تسليمه بشرط الخيار غير صحيح فانّ شرط الخيار، و ان يوجب في بعض الموارد خروج البيع عن الغرر لان الغرر الجهل الخاص، و هو الذي فيه خطر و لا خطر مع اشتراط الخيار الّا انّ الأخبار الواردة في اعتبار الضميمة في بيع العبد الآبق و نحوه دلّت على عدم الاعتبار بشرط الخيار في تصحيح بيع ما يتعذر تسليمه.

و الحاصل انّ شرط سقوط خيار الغبن لا بأس به و لا يوجب الغرر في العوضين و العلم بعدم الاختلاف بين القيمة السوقية و الثمن المسمّى غير معتبر في صحّة البيع و

الجهل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 196

[الثّالث: تصرّف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة]

الثّالث: تصرّف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة (1).

______________________________

بها حال البيع، كالجهل بها بعد البيع في عدم كونه قادحا في صحّة البيع و لزومه، و ان شرط سقوط خيار الرؤية مع إحراز الأوصاف، و لو بإخبار البائع لا يوجب ايضا الغرر في البيع و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) تصرف المغبون فيما انتقل اليه بعد علمه بغبنه مسقط لخياره، و يستفاد ذلك ممّا دلّ على سقوط خياري المجلس و الشرط بتصرّف ذي الخيار فيهما. و وجه الاستفادة ان النصّ الدال على سقوط الخيار بالتصرف وارد في خياري الحيوان و الشرط، و لكن وقع الإجماع على انّ تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجارة للبيع و تصرّفه فيما انتقل عنه فسخ.

و يظهر ايضا من التعليل الوارد في سقوط خيار الحيوان بالتصرف انّ رضى ذي الخيار ببقاء البيع مسقط لخياره، و على ذلك فيؤخذ في الحكم بسقوط خيار المغبون بتصرفه فيما انتقل اليه بعد العلم بالغبن بذيل الإجماع و عموم التعليل؛ و يضاف الى ذلك انّ المدرك لخيار الغبن؛ امّا قاعدة نفي الضرر أو الإجماع و القاعدة كما لا مجري لها في صورة الإقدام بالضرر كذلك لا تجري في موارد الرضا بالضّرر، و الإجماع ايضا على الخيار مع التصرف فيما انتقل اليه بعد العلم بغبنه مفقود.

و لكن هذا الوجه المضاف لا يثمر في المقام فإنّ غاية الأمر قاعدة نفي الضرر لا تثبت بقاء خيار الغبن مع التّصرف كما انّه ليس في البين إجماع على بقاء الخيار مع التصرف بعد العلم بالغبن و يتمسك في بقاء الخيار للاستصحاب فالعمدة التشبّث بذيل الإجماع على ان تصرف ذي الخيار مسقط

لخياره، و بالتعليل الوارد في خيار الحيوان من انّ تصرّف المشتري الحيوان فيه رضاء بالبيع.

و لكن هذا التشبث ايضا لا يخلو عن المناقشة لأنّهم ذكروا بعدم سقوط خيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 197

..........

______________________________

الغبن بتصرف المغبون، و يمكن ان يؤخذ بإطلاق عدم السقوط في كلامهم حيث يعمّ التصرّف بعد العلم بالغبن ايضا، و لكن لا يبعد اختصاصه بالتّصرّف قبل العلم بالغبن، كما صرّح بذلك الاختصاص الشهيد الثاني في المسالك و تبعه جماعة، و مع هذا الاختصاص يؤخذ بمقتضى التعليل الوارد في خيار الحيوان، و الحكم بسقوط خيار الغبن بالتصرف بعد العلم بالغبن؛ بل مقتضاه كون التصرف قبل العلم بالغبن ايضا كذلك فإنّه لا فرق بين خيار الغبن و خيار التدليس حيث ذكروا في خيار التدليس بسقوطه بتصرف ذي الخيار، و لو قبل علمه بالتدليس و كذا الأمر في خيار العيب.

و الاعتذار عن السقوط في خيار العيب و التدليس بالنص غير صحيح لانّ النص وارد في خيار العيب لا التدليس؛ فينبغي في خيار التدليس ملاحظة دليله.

و على كل تقدير فان كان تصرّف المغبون بعد العلم بغبنه دالا على رضاه ببقاء البيع و الإغماض عن خياره فهو و الّا فمقتضى استصحاب بقاء الخيار عدم سقوطه بسائر التصرف.

أقول: المراد بالتصرف الموجب لسقوط الخيار بعد العلم بالغبن يعمّ التصرف المتلف و الناقل و التّصرّف الانتفاعي، و كل هذه التصرفات فيما إذا كان بقصد إقرار البيع و الإغماض عن الخيار فلا إشكال في كونه مسقطا فإنّه لا يعتبر في الإسقاط ان يكون بالقول. و امّا إذا لم يكن بذلك بل كان لأجل كون المال ملكه فعلا فله ذلك التصرفي مع التردد في الفسخ أو مع الجزم

به، كما إذا علم المغبون غبنه و بني على فسخه، و مع ذلك باع العين لأنّه رأى انّ إبقائها للاسترداد الى بائعها يوجب فساده أو سقوطها عن الماليّة، و نحو ذلك؛ فلا يكون التصرّف النّاقل مسقطا فضلا عن غير الناقل، و ما تقدم في خيار الحيوان من كون التصرّف الانتفاعي من الحيوان مسقطا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 198

[الرابع تصرف المشتري المغبون قبل العلم بالغبن]

ثم ان مقتضى دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف (1).

______________________________

كان من قبيل التعبد بصغرى الإسقاط في بعض الموارد، و لا يعمّ ذلك غير مورده فضلا عن سائر الخيارات.

كما انّ دعوى ان بقاء العين يعتبر في الخيار المشروط بالشرط الارتكازي يدفعها ملاحظة ما تقدم من المثال، و مما ذكرنا يظهر انّ التصرّف الناقل، و غير الناقل فيما إذا كان قبل العلم بالغبن بقصد إقرار البيع على تقدير الغبن واقعا ايضا مسقط و بغير ذلك الداعي لا يسقط الخيار بل المغبون بعد فسخه البيع يرجع بماله الى الغابن على تقدير عدم بقاء العين.

و دعوى تضرر الغابن بذلك يدفعها انّ العين لو كانت مثليّا فقد أخذ البائع بدل ماله، و ان كانت قيميّة كان بيعها اقداما على أخذ قيمتها مع ما تقدّم من انّ قاعدة نفي الضرر لا ينفي الحكم، أو الحق فيما إذا كان في كل من ثبوته و نفيه ضرر، كما لا يخفى. فقد تحصّل من جميع ما ذكر ضابط التصرّف المسقط و التصرّف غير المسقط بلا فرق بين كون المغبون هو البائع أو المشتري، حيث لا وجه للقول باختصاص ما ذكر بما إذا كان المغبون مشتريا فلا حظ و تدبّر.

(1) لو بني انّ تصرف المغبون مع جهله بالغبن فيما انتقل اليه

يوجب سقوط خياره، و المراد بالتصرّف ما كان من قبيل النقل اللازم أو فكّ الملك كالوقف و العتق أو من قبيل إيجاد المانع عن ردّ العين كالاستيلاد أو كان من تلف العين فلا يفرّق بين كون المغبون هو المشتري أو البائع. و عن جماعة اختصاص سقوط الخيار بالتصرف المزبور بما كان المغبون هو المشتري، و لم يعلم وجه لذلك الّا أن يقال سقوط خيار المغبون بالتصرّف حال جهله بغبنه مخالف لمقتضى الخيار الثابت بقاعدة نفي الضرر، فيقتصر في مخالفة دليل الخيار بمورد اليقين و هو المشتري. و امّا إذا كان المغبون هو البائع فيكون له الخيار بعد ظهور غبنه، و بعد فسخه البيع يردّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 199

..........

______________________________

الثّمن إلى المشتري و يأخذ منه بدل المبيع مثليّا كان أم قيميّا.

أقول: قد تقدّم انّه لا موجب لسقوط الخيار بتصرّف المغبون مع جهله بالغبن إلّا إذا كان ذلك التصرّف بقصد الإغماض عن الخيار على تقدير غبنه، و لا فرق في هذا الإسقاط الفعلي بين كون المغبون بايعا أم مشتريا، و يؤخذ في غير هذا الفرض بمقتضى الخيار، و هو تعلّق الحق بفسخ البيع و بعد فسخه يرجع الغابن الى بدل ماله.

لا يقال: لو فرض العين بتصرّف المغبون تالفا و يكون فسخ البيع موجبا لانحلاله من حين الفسخ لا من الأوّل فيرجع ما بيد الغابن الى ملك المغبون و التالف بيد المغبون لا يمكن رجوعه الى ملك الغابن لانّه من قبيل تملّك المعدوم، و كذا إذا انتقل المال بتصرّف المغبون الى الغير بالملك اللازم أو فكّ الملك فانّ لازم انحلال البيع بفسخ المغبون انحلال التصرّف المزبور ايضا، و كيف يرجع الغابن في جميع

ذلك الى بدل ماله.

فإنّه يقال للتالف في اعتبار العقلاء جهات خصوصيّة عينيّة و جهة نوعيّة و جهة مالية، و يكفي في فسخ المعاملة الجارية على الشخص إمكان ردّ ذلك الشخص و لو ببعض جهاته فيكون ردّه في جهتي نوعيته و ماليته فيما كان مثليّا و بجهة ماليته فيما إذا كان قيميّا كما أوضحنا ذلك في التكلّم في معنى حديث على اليد ما أخذت حتى تؤدّي و تعلّق الخمس و الزكاة بالعين بنحو الإشاعة في المالية.

و كذا الحال فيما إذا كان تصرّف المغبون موجبا لعدم إمكان ردّ الخصوصية كالاستيلاد أو انتقال ذلك المال الى الآخر أو فكّ الملك.

و الحاصل كلّما كانت العين على ملك المغبون و لم يكن مانع عن ردّها الى الغابن فيستحقّ الغابن بالفسخ تلك العين و الّا يأخذ البدل و لا فرق في ذلك بين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 200

و في لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة (1).

______________________________

عدم خروجها عن ملك المغبون أصلا أو رجوعها اليه بعد خروجها، حيث انّ الرّدّ بالسبب السابق بعد الفسخ و المفروض كونه حلا للبيع من حينه لا من الأصل.

ثم بناء على كون تصرّف المغبون مع جهله بالحال مسقطا لخياره، فلا يسقط خياره بالتصرّف الذي يخرج به المال عن ملكه، و لكن لا بنحو اللزوم، لانّ الدليل على مسقطية التصرّف هو عدم إمكان ردّ العين، و يمكن للمغبون بعد علمه بغبنه ردّ العين و لو بفسخ ذلك الناقل، و بهذا يظهر الحال في التصرّف الذي لا يخرج به العين عن ملك المغبون فعلا، كما في تدبير العبد أو الوصيّة بما انتقل اليه حيث يكون فسخ البيع بعد ظهور الغبن إبطالا للتدبير و الوصيّة،

بل يمكن ان يقال بعدم سقوط خيار الغبن فيما إذا ارتفع المانع عن الرّدّ كموت ولد أمّ الولد أو حصول الفسخ في الناقل اللازم بعيب أو فسخ أو بالإقالة فإنّ مع ارتفاع المانع أو حصول الفسخ المزبور يمكن للمغبون مع ظهور غبنه ردّ ما انتقل اليه و استرداد ماله.

و ربّما يبنى بقاء خيار الغبن و سقوطه بحصول الفسخ في النقل على انّ الزّائل العائد أي ملك المغبون ما انتقل إليه الذي زال و عاد كالذي لم يعد.

و كذا الكلام فيما إذا رجع الملك الى المغبون بناقل جديد، و يمكن القول بسقوط خيار الغبن في الفرض لانّ هذا التملك بسبب جديد لا زوال للسبب الأول ليقال مقتضى زواله كأنّه لم يحصل.

و هل اجارة المغبون العين المشتراة كالنقل اللازم في كونها مسقطة لخياره، أو انّه له الخيار فيفسخ البيع بعد ظهور غبنه فيرجع الى ملك الغابن، كما يرجع الغابن الى عوض المنفعة الفائتة بالإجارة و لو ظهر الغبن بعد انقضاء مدة الإجارة فلا تكون الإجارة السابقة مسقطة لخيار الغبن لإمكان الردّ.

(1) و لو فرض امتزاج ما انتقل الى المغبون بغيره من ماله فان كان الامتزاج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 201

..........

______________________________

المزبور موجبا لاستهلاكه أو خروجه مع غيره إلى شي ء ثالث كما في إلقاء الملح في الطعام أو امتزاج الخلّ بالعسل، فهذا القسم من الامتزاج يوجب سقوط خياره، بل يسقط خياره بالامتزاج و لو كان بمثله لانّ حصول الشركة بالفسخ مانعة عن ردّ العين و جواز ردّها هو الثابت في مورد الغبن على ما تقدم.

أقول: هذا بناء على اعتبار الردّ المزبور في جواز فسخ المغبون، و أمّا بناء على ما ذكرنا من تعلّق الخيار

بالعقد و لا يعتبر فيه بقاء العوضين فانّ كان فسخ المغبون العقد بعد الامتزاج و ظهور الغبن فهل يرجع الغابن الى بدل ماله أو انّه يحصل الشركة بالفسخ المزبور، و لا يستحقّ الغابن إلّا مطالبة المغبون بالقسمة فقيل انّه يحسب الامتزاج تلفا سواء كان موجبا لاستهلاك المال أو خروجه الى ثالث، أو كان الامتزاج بمثله لانّ ما جرى العقد عليه لا يمكن ردّه فيرجع الى بدله.

أقول: الظاهر انّ الامتزاج الموجب للاستهلاك كذلك؛ و امّا في غيره فيحصل الشركة بحسب المالية، كما في خروجه بالامتزاج الى ثالث، أو مزجه بالأردء أو الأجود، و في الامتزاج بمثله يحصل الشركة بحسب الكمّيّة، و ذلك فانّ الامتزاج لو كان موجبا لتلف المال مطلقا لجاز للمغبون التصرف في المال الممزوج بعد الفسخ، و لو قبل أداء البدل، لانّ المال الموجود خارجا ليس ملكا للغابن و المغبون معا على الفرض، و ما ذكر في مورد تلف العين حقيقة من عدم جواز تصرّف الضامن في بقايا العين الخارجية قبل أداء البدل لا يجري في المقام فلا حظ. و ايضا يلزم أن يكون المال الممزوج بلا مالك فيما إذا حصل الامتزاج بفعل شخص ثالث فإنّه باعتبار كون المزج تلفا للمالين فيضمن المال لكل منهما و لا يحصل ملك الضامن الّا بدفع البدل كما لا يخفى.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 201

و أمّا إذا كان تصرّف المغبون موجبا لنقص ما انتقل اليه أو حصل هذا النقض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 202

و اما تصرف الغابن فالظاهر انه

لا وجه لسقوط خيار المغبون (1).

______________________________

بنفسه بكون حصوله موجبا لسقوط خيار المغبون عند المصنف و لا يكون عندنا موجبا للسقوط غاية الأمر على المغبون بعد فسخ البيع أرش النقص الحاصل في تلك العين. و من العجب ان ظاهر المصنف (ره) الجزم بسقوط خيار المغبون بالنقص هنا، و احتمل عدم سقوط خيار المغبون بإجارة العين مع انّ إجارتها نقص في منفعة العين كما لا يخفى.

و امّا إذا كان التغيّر في العين بالزيادة فمع كونها حكميّا فلا يسقط الخيار عند المصنف (ره) بخلاف ما إذا كانت عينيّة فقط أو مع الحكمية فإن مع حصول الشركة بالفسخ لا يمكن ردّ العين المعتبر في بقاء الخيار.

(1) إذا فسخ المغبون البيع بعد ظهور الغبن و وجد عين ماله انّه قد تصرّف فيه الغابن بتصرّف ناقل لازم أو فكّ ملك، فهل يستحقّ المغبون مطالبة الغابن بالبدل أو انّه يكون مسلطا على إبطال ذلك التصرّف من أصله، كما في تسلط المرتهن على إبطال بيع الراهن عين المرهونة، و تسلط الشفيع على إبطال بيع من عليه الشفعة الحصّة من آخر أو انّ المغبون يكون مسلطا على إبطال تصرّف الغابن من حين فسخه البيع فيصحّ ذلك التصرّف من الغابن الى زمان حصول فسخ البيع ذكر (ره) لكل من الاحتمالات الثلاثة وجها.

و قال في وجه تسلّط المغبون على إبطال ذلك التصرّف من أصله انّ العين بيد الغابن كان متعلّقا بحق المغبون فيكون تصرّف الغابن متزلزلا من الأول، كما في بيع الراهن العين المرهونة و لانّ المغبون بفسخه البيع الواقع بينه و بين الغابن يتلقّى العين من الغابن و لازم ذلك انحلال تصرّف الغابن من أصله و الّا يكون تلقّي المغبون العين ممن انتقل اليه عن

الغابن.

و في وجه تسلّط المغبون على إبطال التصرّف المزبور من حين فسخه البيع الأوّل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 203

..........

______________________________

انّ التصرّف المزبور قد وقع من الغابن في ملكه و حقّ المغبون بفسخ البيع يحصل حين ظهور الغبن فلا وجه لبطلان ذلك التصرّف الّا من حين حصول فسخ الأول.

و في وجه رجوع المغبون بالبدل من غير ان يكون فسخه موجبا لانفساخ تصرّف الغابن من أصله، أو من حين الفسخ باعتبار انّ الخيار باعتبار عدم تحقّقه الّا بعد ظهور الغبن لا يمنع عن نفوذ ذلك التصرّف. و لذا ذكر غير واحد من الأصحاب من المانعين عن تصرّف من عليه الخيار في المال الذي انتقل اليه بلا رضا ذي الخيار ان تصرّف الغابن قبل ظهور الغبن للمغبون و تصرّف من عليه الخيار قبل ظهور العيب للمشتري لازم باعتبار وقوع ذلك التصرّف في زمان لا يكون فيه للمغبون أو مشتري المعيوب خيار.

و اختار (ره) هذا الوجه و انّ لزوم تصرفات الغابن و رجوع المغبون الى بدل ماله بعد ظهور الغبن و فسخه هو المتعيّن. أقول: قد تقدّم عدم تعلّق الخيارات، و منها خيار الغبن الّا بالعقد لا بالعوضين؛ و عليه فلا بأس لمن عليه الخيار التصرّف فيما انتقل اليه بتصرّف ناقل أو غيره، و بفسخ من له الخيار يكون السبب السابق على البيع موجبا لرجوع ماليّة ذلك المال الى الفاسخ في ضمن القيمة أو المثل.

و بهذا يظهر الحال في استيلاد الغابن الأمة المشتراة من البائع المغبون فإنّ البائع بعد ظهور الغبن و فسخه البيع يرجع الى قيمتها كما هو مقتضى عدم جواز تملكها لغير مولاها، كما انّه لو وجد المغبون بعد فسخ البيع العين قد

انتقلت الى الآخر بنقل جائز لا يجوز له فسخ ذلك النقل لأنّه أجنبي بالإضافة الى ذلك النقل و انّما يكون جوازه بالإضافة إلى الغابن، و ايضا لا يجب على الغابن فسخ ذلك النقل و ان طالبه المغبون، لانّ العين لا تدخل بفسخ المغبون في ملكه. و انّما يكون له ماليتها على ما تقدّم. و انّما يكون العين للمغبون فيما إذا كانت حين الفسخ أو بعده في ملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 204

..........

______________________________

الغابن بانحلال النقل الجائز، أو اللازم، لا ما إذا انتقلت الى الغابن بتملك جديد، فانّ مع المملك الجديد لا يكون السبب السابق على بيع المغبون موجبا لرجوع تلك العين الى ملك المغبون، بل يرجع اليه بماليتها، كما ذكرنا. و بتعبير آخر السبب السابق على بيع المغبون مع انحلال تصرّف الغابن في العين يوجب رجوع تلك العين الى ملك المغبون بفسخه، و إذا كان رجوع العين الى ملك الغابن بملك جديد لا بمقتضى البيع الغبني الذي فسخه المغبون فلا يكون السبب السابق على بيع المغبون مقتضيا لرجوعها الى ملك المغبون.

و دعوى انّ البدل الذي ملكه المغبون بالفسخ من قبيل بدل الحيلولة عن العين و مع تمكن الغابن على إرجاع تلك العين الى المغبون يتعين عليه ذلك لا يمكن المساعدة عليها أولا: لعدم الأساس لبدل الحيلولة. و ثانيا: انّ المقام ليس من ذلك البدل لانّ بدل الحيلولة ينحصر بما إذا كان المبدل باقيا على ملك المضمون له. و في المقام لا يمكن أن تكون العين باقية على ملك المغبون فإنّه قد تصرّف الغابن في تلك العين بتصرّف مخرج له عن ملكه مع عدم انحلال ذلك التصرف.

و ظاهر المصنف (ره) انّه لو

كان انحلال تصرّف الغابن و عود العين الى ملكه بعد فسخ المغبون فلا يستحقّ ايضا المغبون المطالبة بالعين لانّ المغبون بفسخه البيع قد تملّك البدل على الغابن. و فيه ما تقدّم من انّ الفسخ لا يوجب الّا انحلال الناقل، و السبب السابق على ذلك الناقل يقتضي عود المالين الى مالكهما الأصليين مع بقاء العينين و عدم وجود ناقل آخر غير منحلّ و لا منع ان يقتضي السبب السابق على بيع المغبون عود القيمة إلى ملك المغبون قبل انحلال تصرف الغابن.

و عود تلك العين بعد انحلاله فيما إذا لم يأخذ المغبون قيمة العين قبل ذلك. و امّا مع أخذه القيمة لا يقتضي السبب السابق شيئا لسقوط ما للمغبون بأخذه القيمة، كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 205

فان كان بالنقيصة فاما أن يكون نقصا موجبا للأرش (1).

______________________________

لا يخفى.

(1) يحتمل أن يكون مراده (قده) عن النقص الموجب للأرش فقد وصف الصحّة أو وصف الكمال الأول كما في قطع الثوب؛ و الثّاني: كما في سقوط الحيوان عن السمن الذي كان عليه حال العقد فانّ المغبون بعد فسخه يرجع بالعين مع أرش التفاوت؛ و المراد بالنقص غير الموجب للأرش ما كان النقص خارجيا، و لكن لا يختلف القيمة بذلك النقص، كما إذا أخذ من بعض شعر الفرس المشترى و نحو ذلك، فانّ المغبون بعد فسخ البيع يرجع بالعين من غير أن يرد عليه شي ء لأنّ النقص المزبور لم يوجب اختلافا في القيمة و تعليل الأرش في النقص الموجب للاختلاف في القيمة بما ذكر من انّ مع الفسخ قد رجع تمام العوض الى الغابن فيرجع تمام المعوض الى المغبون فيكون تلف الوصف بيد الغابن كتلف الجزء بيده،

فيتدارك الجزء التالف أو الوصف التالف بالبدل لا يخلو عن المناقشة كما يأتي.

و لكن الظاهر انّ مراده بالنقص الموجب للأرش تلف وصف الصحة فإنّ هذا الوصف هو المعروف بموجب الأرش في البيع؛ و المراد من غير الموجب له تلف وصف الكمال و على ذلك فيرد عليه انّ ضمان وصف الصحة ليس باعتبار وقوع العوض بإزاء العين و وصف صحتها ليلزم من رجوع تمام العوض الى ملك الغابن رجوع تمام المعوّض الى ملك المغبون بل وصف الصحة كأوصاف الكمال لا يقابلها شي ء من العوض؛ و انّما تكون موجبة لزيادة العوض المبذول بإزاء نفس الموصوف.

و لذا لا يكون ظهور العيب في المبيع كاشفا عن بطلان البيع في بعض الثمن، و الّا لم يكن فرق بين وصف المبيع و جزئه.

و الحاصل: لا فرق بين وصف الصحة و وصف الكمال في انّ الموجب للضمان فيهما أمر واحد و هو جريان يد الغابن على المال بذلك الوصف حيث انّ الضمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 206

..........

______________________________

ما دام البيع معاوضي و لا يدخل فيه الوصف، و بعد انحلال البيع الضمان لليد و هو يعمّ وصف الصحّة و وصف الكمال معا.

لا يقال: إذا كان حصول النقص في العين بعد فسخ المغبون فلا ينبغي الريب في ضمان الغابن ذلك الوصف باعتبار كون المال بيده ملك للغير، فيضمن تلف وصفه سواء كان بفعله أو فعل الغير أو بحصوله بأمر سماوي؛ و امّا إذا كان حصوله قبل فسخ المغبون فلا موجب لضمان الغابن لانّ انحلال البيع يكون من حين الفسخ و لا وصف للعين في ذلك الحين ليجزي عليه يد الغابن فإنّه يقال قد تقدم انّ البيع الواقع على شي ء مع

الوصف له بقاء يتعلّق الفسخ بذلك البيع فيرجع المبيع في ذلك الوقت الى ملك الفاسخ بالسبب السابق على البيع. و ان كان مبدء الرجوع حين الانحلال فيرجع الباقي بعينه و التالف ببدله و ماليته، كما ذكرنا سابقا، و لو كان انحلال البيع من حين الفسخ موجبا لعدم ضمان الوصف الفائت قبل ذلك لزم عدم المعنى للفسخ فيما إذا تلف العين بيد الغابن قبل فسخ المغبون.

و مما ذكرنا يظهر الحال فيما وجد المغبون العين بعد فسخه مستأجرة فان المصنف (ره) و ان ذكر رجوع المغبون بتلك العين مع بقاء الإجارة بحالها، و لا يستحق على الغابن أو المستأجر شيئا لأنّ المنفعة الّتي ملكها الغابن للمستأجر كانت من الزوائد المنفصلة التي استوفاها الغابن، و يأتي كون تلك الزوائد للغابن من غير ان يوجب عليه ضمانا، و احتمال بطلان الإجارة بالإضافة إلى المدة الباقية، كما يظهر من المحقق القمي (قده) بدعوى انّ ملكية المنفعة للغابن كانت متزلزلة غير صحيح، لأنّه يكفي في صحة الإجارة كون الموجر مالكا في زمان الإجارة المنفعة التي يملّكها للمستأجر، و هو حاصل في المقام الّا انّ الإجارة المزبورة يوجب النقص في العين بحيث تختلف قيمة العين مع ملاحظة الإجارة المزبورة مع قيمتها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 207

و ان كان التغيير بالزيادة فإن كانت حكمية محضة (1).

______________________________

بدونها؛ و لذا يكون على الغابن الأرش دون اجرة المثل للمدة الباقية و المنافع التي لا يوجب الأرش على الغابن هي التي حدثت في ملكه. و امّا إذا كانت حال البيع و أوجب استيفائها نقصا في قيمة العين فهي داخلة في الضمان، و يجب على الغابن أرش نقص القيمة.

و ما ذكر العلّامة (ره)

في مسألة التفاسخ للاختلاف من انّه يكون على المشتري المؤجر أجرة المثل للمدة الباقية غير صحيح فان المغبون مع الفسخ أو التفاسخ يرجع الى صاحبه بالأرش لا بأجرة المثل و تفرقة المصنف (ره) بين فسخ المغبون و التفاسخ لا يرجع الى محصل فتدبّر جيدا.

(1) ان كانت الزيادة حكمية محضة و المراد بها عدم تحقق شي ء يكون بإزاء الزيادة في مقابل ما يكون بإزائها في الخارج عين كغرس الشجر في أرض اشتراها من بايع مغبون فانّ كانت تلك الزيادة الحكمية موجبة لزيادة قيمة العين يكون فسخ المغبون موجبا لاشتراك الغابن مع المغبون بنسبة تلك الزيادة بأن تقوم العين مع تلك الزيادة و تقوم بدونها فيحصل الاشتراك بتلك النسبة، كما إذا قيل انّ العين معها يساوي مأة درهم، و بدونها ثمانين فيشترك الغابن مع المغبون بالخمس.

و امّا إذا لم يوجب تلك الزيادة تفاوتا في القيمة فترجع العين الى ملك المغبون بالفسخ، و لا يكون عليه ضمان عمل الغابن فانّ عمله حصل في العين حال كونها ملكا، و عمل الشخص في ماله غير مضمون على أحد.

و عن النائيني (قده) انّ الاشتراك فيما إذا كانت الزيادة بفعل الغابن بأن يكون عمله علة تامة لتلك الزيادة. و امّا إذا كانت بفعل اللّٰه و لو كان بعض معداته من الغابن كتعليف الدابة و اشرابها بالإضافة إلى حصول سمنها أو لم يكن بفعل أحد كاشتداد حموضة الخل بيد الغابن فلا وجه لحصول الشركة، فإنّ الحاصل خارجا أمر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 208

..........

______________________________

يتبع العين في الملك خروجا و دخولا، فان من ملك العين ملك سمنها بخلاف ما إذا كانت حاصلة بفعل الغابن كصبغ الثوب، فان الصبغ من حيث

كونه من فعل الغابن ملك له.

أقول: الظاهر عدم الفرق في جميع فروض الزيادة الحكمية في انّ العين بعد فسخ المغبون تكون ملكا له من غير اشتراك في العين أو القيمة حيث انّه لا يمكن التفكيك بين العين و وصفه في الملك بان يكون العين ملكا لأحد و وصفها ملكا لآخر، و لو لم يكن فعل الغابن الّا موجبا لحصول الوصف في العين فالوصف يتبع العين في الملك دخولا و خروجا. و امّا نفس العمل فالمفروض حصوله في العين حال كونها ملكا للغابن و الشخص عمله في ماله غير مضمون على الآخر، كما تقدم، و انّما يضمن فيما إذا وقع بمال الغير مع الأمر به أو المعاملة عليه كما لا يخفى.

ثمّ انّ ظاهر المصنف (ره) كون الشركة مع الزيادة الحكمية و شبهها شركة عينيّة، و لكن هذه الشركة باطلة جزما فانّ لازمها أن يكون الغابن مشتركا مع المغبون في العين حتّى بعد فرض زوال تلك الزيادة، كما إذا زال سمن الدابة أو زال لون المبيع؛ و لذا وجّه السيد اليزدي (ره) الشركة في المالية بأن يكون الغابن مشتركا مع المغبون في القيمة ما دامت تلك الزيادة باقية، فتزول الشركة بعد زوال ذلك الوصف.

أقول: لازم ذلك الالتزام بالشركة في المالية فيما إذا زادت القيمة السوقية للمبيع بيد الغابن، كما إذا كان قيمته السوقية وقت البيع مأتين و صارت في ملك الغابن قبل فسخ المغبون ثلاثمائة، فيلزم ان يشترك الغابن مع المغبون في المالية بالثلث ما دامت القيمة السوقية كذلك، و كما انّ القول بهذه الشركة غير صحيح لأنّ القيمة تابعة لملك العين كذلك في الزيادة الحكمية على ما تقدم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 209

و لو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس (1).

______________________________

و بالجملة لا يمكن بحسب اعتبار العقلاء التفكيك بين الموصوف و وصفه في الملكية بأن يكون الموصوف ملكا لشخص و وصفه ملكا لآخر. و انّما يمكن التفكيك فيما إذا كانت للزيادة عينية يمكن فصلها على العين كاللبن المكوّن في ضرع الحيوان بين العقد و فسخه، و على ذلك فلو سمن الحيوان بيد المشتري الغابن و لو بتعليفه يكون فسخ البيع موجبا لرجوعه الى ملك المغبون من غير موجب لشركة الغابن فيه.

و مما ذكرنا يظهر انّه لو كان لفعل الغابن أثر توجب زيادة قيمة العين فلا يوجب ذلك الأثر حصول الشركة بالفسخ، و لو كان فعل الغابن علة تامة بالإضافة الى ذلك الأثر كما تقدم.

(1) إذا كانت الزيادة عينية محضة يمكن فصلها عن المبيع كالغرس و الزرع فيقع الكلام في انّه هل يجوز للمغبون قلع الغرس بلا أرش للغابن كما ذكره العلامة في المختلف في الشفعة فيما إذا وجد الشفيع الصفقة مغروسة بيد المشتري أو انّه لا يجوز له القلع أصلا بل عليه الصبر الى فناء الغرس فيكون له مطالبة الأجرة على بقاء الغرس في أرضه، كما ذكروا ذلك فيما إذا أفلس مشتري الأرض بعد غرسها فانّ لبائعها الرجوع الى الأرض و لا يجوز له قلع الغرس بل يضرب اجرة بقائه مع سائر الغرماء، أو انّه يجوز له القلع مع أرش الغرس كما عن المسالك في المقام، و في غرس المستعير الأرض المستعارة فيكون الاحتمالات في المسألة ثلاثة.

و ذكر في وجه الأول انه بفسخ المغبون ترجع الأرض إلى ملكه فيكون الغرس المملوك للغابن نظير مال الغير في المكان المملوك للغير في انّ لمالك المكان مطالبة مالك المال بإفراغه حتى

فيما كان الإفراغ موجبا لتنزل قيمة ذلك المال.

و في وجه الثاني: انّه لا يقاس غرس الأرض المرجوعة الى ملك المغبون بالمال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 210

..........

______________________________

الموجود في مكان مملوك للغير و ذلك فانّ المال المزبور بعد نقله الى مكان آخر هو ذلك المال و لو مع تنزل قيمته السوقية بالنقل بخلاف الغرس فانّ المغروس بما هو شجر ملك للغابن و وصف كونه منصوبا مقوم له، و بعد قلعه لا يكون شجرا، و إذا كان الغرس بما هو منصوب و شجر ملكا للغابن يكون قلعه إتلافا لذلك المال، فلا يجوز كما يقتضيه مفهوم قوله (ص) ليس لعرق الظالم حق حيث انّ المفهوم لعرق غير الظالم حق فيكون لمالك الغرس حق البقاء، و لو مع الأجرة لمالك الأرض.

و في وجه الثالث ان كون الشجر ملكا للغابن لا يوجب استحقاقه إبقاء الغرس على أرض الغير و لا يوجب ايضا قياس الغرس ببقاء اجارة الغابن الأرض التي اشتراها حيث تقدّم انّ مع رجوع الأرض إلى ملك المغبون تبقى إجارتها بحالها؛ و الوجه في عدم القياس انّ منفعة الأرض بعد كونها ملكا لموجرها تدخل بالإجارة في ملك مستأجر الأرض بخلاف استحقاق الغرس في زمان فإنّه لا يوجب استحقاق بقاءه.

و اختار المصنف (ره) الوجه الأخير. و أضاف انّه كما لا يكون لصاحب الغرس حق في الأرض كذلك لا يكون لمالك الأرض حق في الغرس فلكل منهما ماله؛ غاية الأمر، إذا أراد صاحب الأرض تخليصها فعليه أرش الغرس أي تفاوت قيمة الشجر منصوبا على الأرض و بين قيمته مقلوعا كما انّه إذا أراد صاحب الغرس القلع و أوجب ذلك الحفر في الأرض فعليه طمّ الحفر.

لا يقال قيمة

الغرس بما هو شجر و منصوب مملوك للغابن مقتضاه استحقاقه بقاء الغرس على الأرض فإنّه يقال قيمة الغرس شجرا، و قيمته مقلوعا تختلفان فإنّه بالقلع قد يلحق بالحشيش أو الحطب، بخلاف كونه منصوبا، و بما هو شجر فانّ له قيمة، و ان لم يكن مالكه مستحقا لإبقائه في تلك الأرض، و لذا ربّما تقدم مالك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 211

..........

______________________________

الأرض لاشترائه، و لا يباع منه بقيمة الحشيش أو الحطب. و حاصل ما ذكر تفاوت قيمة الغرس منصوبا مع استحقاق القلع لمالك الأرض و قيمته مقلوعا هو الأرش لا ما يظهر من المصنف (قده) من تقويم الغرس مع ملاحظة نصبه دائما مع قيمته مقلوعا، فان لحاظ كونه منصوبا دائما هو عبارة أخرى عن فرض استحقاق مالك الغرس إبقائه و لو مع الأجرة لمالك الأرض.

أقول غرس الأرض المشتراة لا تكون كاجارتها إلى مدة حيث تقدم انّ مع فسخ البائع المغبون لا تبطل الإجارة المزبورة و ان الإجارة استيفاء لمنفعة الأرض الموجودة حال البيع بعد دخول تلك المنفعة في ملك المشتري تبعا لملك العين غاية الأمر يكون للبائع بعد فسخ البيع المطالبة بأرش النقص الحاصل في المبيع في يد المشتري بخلاف غرس المشتري الأرض بعد اشترائها، لانّ الغرس استعمال الأرض بغرسها ما دام الغرس لا ما دام يصلح المغروس للعمر بحسب نوعه أو صنفه و جواز استعمال الأرض بالغرس أو نحوه من أثر ملك الأرض و بعد رجوعها الى ملك بائعها بالفسخ ينتهي الجواز المزبور فلا بدّ من بقاء الجواز من موجب آخر، و هو غير حاصل على الفرض بل أصول المغروس يدخل في عنوان عرق ظالم بقاء.

و بهذا يظهر انّه لا يكون

على البائع المغبون أرش كون الغرس منصوبا لأنّ الأرش يثبت ما إذا كان مالك الغرس مالكا للنصب المتلف، و المفروض عدم استحقاقه ذلك الوصف بانتهاء البيع بالفسخ و رجوع الأرض إلى مالكها.

و مما ذكرنا انّه لا يقاس المقام بما إذا كان للشخص أرض مغروسة و باع الأرض دون غرسها حيث لا يجوز لمشتري الأرض قلع الغرس بل لا يجوز له مطالبة الأجرة على الغرس حيث انّ المستثنى عن المبيع الغرس بما هو غرس مثبت في تلك الأرض إلى آخر عمره؛ و من هذا القبيل إرث الزوجة من قيمة البناء و الغرس دون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 212

..........

______________________________

نفس العرصة، و أعيانهما حيث يلاحظ في تقويم البناء و الغرس بقائهما على تلك الأرض إلى آخر عمرهما بلا اجرة، كما ظهر عدم الفرق فيما ذكر من عدم الأرش لمالك الغرس بقلعه بين الفسخ بخيار الغبن أو بخيار التفليس أو بالتفاسخ. و ان وصف النصب المتلف لا يستحقّه بالفسخ مالك الغرس ليكون على القالع ضمانه.

نعم لو فرض في مقام ضمان القلع كان على الضامن قيمة الغرس كما يشهد لذلك موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل اكترى دارا و فيها بستان فزرع في البستان و غرس نخلا و أشجارا و فواكه و غير ذلك و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك قال (عليه الكراء و يقوم صاحب الدار الزرع و الغرس قيمة عدل و يعطيه الغارس ان كان استأمره في ذلك، و ان لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء و الزرع و الغرس يقلعه و يذهب به حيث شاء فان ظاهر الاستيمار تضمين الغرس و بدونه لا يحتاج إلى

أمر صاحب الدار كما لا يخفى.

لا يقال كيف يجوز لبائع الأرض قلع الغرس بعد فسخ البيع مع انّ جواز القلع حكم ضرري على مالك الغرس و بقاء الغرس مع الأجرة للبائع بعد الفسخ لا يكون ضررا عليه ليكون المورد من موارد تعارض الضررين، فيكون المورد من قبيل أكل مال الغير في المخمصة، حيث يجوز ذلك الأكل لحفظ نفسه عن التلف مع ضمان الطعام.

فإنّه يقال بقاء الغرس في الأرض المزبورة في نفسه نقص للأرض المملوكة للغير حيث ينقص به قيمتها و تدارك ذلك النقص بالأجرة لا يدخل في مورد نفي الضرر و جواز أكل مال الغير في المخمصة مع ضمانه للتّزاحم بين وجوب التحفّظ على النفس من الهلاك و عدم جواز التصرف في مال الغير و مقتضى تقديم الأهم و يكون إتلاف مال الغير موجبا لضمانه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 213

ثمّ إذا جاز القلع فهل يجوز للمغبون (1).

______________________________

(1) الاحتمالات ثلاثة: الأول: جواز قلع الغرس لمالك الأرض. الثاني:

مطالبة الغابن بقلعه، و مع امتناعه عن الإجابة يجبره الحاكم على القلع. الثالث:

مطالبة الغابن بالقلع و مع امتناعه عن القلع يقلعه المغبون؛ و هذه الاحتمالات للوجوه التي ذكروها فيما إذا دخلت أغصان شجر الجار الى داره، و يمكن الفرق بين المسئلتين بأنّه لا يجب لمالك الأغصان الإجابة للجار في رد الأغصان، أو قلعها حيث انّ دخولها داره لم يكن من فعله بخلاف الغرس في المقام.

أقول: الأظهر هو الوجه الأخير لأن مطالبة مالك الغرس بالقلع مقتضى عدم حلّ التصرّف في مال الغير و قلع الغرس تصرف فيه. نعم مع امتناعه عن الإجابة يسقط احترام ماله نظير امتناع مالك المال عن نقله عن المكان المملوك للغير و لا

يختلف الحال في ذلك بين كونه من فعل مالك المال أو بفعل غيره.

و قد يقال بأنّه يجوز لمالك الأرض قلع الغرس ابتداء لانّ ما دلّ على عدم جواز التصرّف في مال الغير، و ان كان مقتضاه عدم جواز القلع الّا انّ ما دلّ سلطنة مالك الأرض على الأرض جواز افراغها عن الغرس و بعد تعارضهما يرجع الى أصالة الحل، و كذا يجوز هذا القلع لمالك الغرس و لو مع عدم رضا صاحب الأرض به لأنّ هذا الجواز مقتضى أصالة الحل ايضا بعد سقوط دليل سلطنة و عدم جواز حلّ التصرّف في الأرض المملوكة للغير، و لكن إثبات الإطلاق لسلطنة المالك على التصرف في ماله حتى ما لو استلزم التصرف في مال الغير لا يخلو عن اشكال.

ثم أنه إذا قلع مالك الغرس غرسه و حصل بذلك نقص في الأرض فعليه أرش طمّ الحفر لأنّ النقص حصل في الأرض المملوكة للغير بفعله، و لا يقاس بما ذكرنا من انّه لو حصل بقلع مالك الأرض الغرس خروج الشجر الى الحطب أو الحشيش فلا يستحق مالك الغرس الأرش على مالك الأرض لأنّ وصف النصب المقوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 214

و امّا لو اختار المغبون الإبقاء فمقتضى ما ذكرنا (1).

______________________________

للشجرية لم يكن مملوكا لمالك الغرس ليكون على القالع ضمانه، كما لا يخفى.

(1) لا يخفى انّ الغرس قد حصل حال كون الأرض ملكا للغارس و لو كان الغرس المزبور استيفاء لمنفعة الأرض طول مدة الغرس نظير إجارتها بعد شرائها عن بايع مغبون لكان على الغارس بعد فسخ البيع أرش النقص الحاصل للأرض نظير أرش النقص الحال بالإجارة.

و امّا إذا كان الغرس كما ذكرنا استعمالا للأرض ما

دام الغرس، فإن أراد الغابن قلع الغرس و امتنع المغبون عن الإجازة فلا يكون على الغابن أجرة لأنّ الغرس بقاء مستند إلى إمساك مالك الأرض و حبس الغرس على مالكه فلا يستحقّ اجرة. و انّما يستحقّ الأجرة على البقاء فيما إذا امتنع مالك الغرس عن قلعه أو طلب بقاءه لا مجانا و يجري ذلك في الفسخ بخيار التفليس ايضا، و تعليل الاستحقاق بسبق حق المغبون على الغرس غير صحيح؛ بل لا فرق في استحقاقها بين سبق الحق و لحوقه لانّ استيفاء منفعة الأرض المملوكة للغير موجب لضمان تلك المنفعة إلّا إذا كان للمستوفي حق الاستيفاء مجانا، و هذا الحق لا يحصل للغارس بمجرد حدوث الغرس حال كونه مالكا للأرض؛ ثمّ عادت الى مالكها الأصلي بخيار الغبن أو بخيار التفليس.

بقي في المقام ما أشار إليه المصنف (ره) من انّه لو أراد مالك الغرس قلعه، فهل لمالك الأرض منعه لكون القلع موجبا لنقص أرضه، أو انّه يجوز لمالك الغرس قلعه، و ليس حق المنع لمالك الأرض، الأظهر هو الثاني؛ لأنّ منع مالك الأرض يكون حبسا للغرس على مالكه، فلا يجوز و لا يكون لقاعدة نفي الضرر حكومة، لكون رفع عدم الجواز ايضا ضررا على مالك الغرس أو حرجا عليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 215

و لو كان التغير بالامتزاج فاما أن يكون بغير جنسه (1).

______________________________

(1) ذكر (قده) للامتزاج أي امتزاج المبيع بغيره من مال الغابن صورا الأولى امتزاج المبيع بغير جنسه بحيث يكون المبيع مستهلكا في الممتزج بالفتح، كما إذا امتزج ماء الورد بالزيت و التزم في ذلك برجوع المغبون بعد الفسخ الى بدل ماله باعتبار انّ الامتزاج بنحو الاستهلاك لا يوجب الشركة بل

يعد المستهلك بالفتح تالفا. أقول: هذا بناء على ما ذكرنا من عدم اعتبار العقلاء وصف الشي ء ملكا لواحد و الموصوف ملكا لآخر واضح.

و امّا بناء إمكان ذلك و كونه موجبا لاشتراك في المالية فلتوهم حصول الشركة وجه لانّ الوصف الحاصل للزيت بخلط ماء الورد ملك لبائع ماء الورد المغبون و المناقشة بأن الوصف للزيت لم يحصل بماء الورد فقط، بل للامتزاج الحاصل بفعل الغابن أو بفعل شخص ثالث، كما ترى.

الصورة الثانية: ما إذا حصل الامتزاج بغير جنسه، و لكن بنحو لا يوجب الاستهلاك بل يصير المخلوط معنونا بعنوان ثالث غير عنواني الجنسين، كما في امتزاج الخل بالعسل و ذكر (قده) في هذه الصورة احتمالين أحدهما حصول الشركة في العين بالفسخ بحسب ماليّة الجنسين، و لو كان الخل المبيع يساوي دينارين و العسل أربعة دنانير يكون الاسكنجبين الحاصل ثلاثة أسهم سهمين لصاحب العسل و سهم لصاحب الخل، و احتمل أن يكون الامتزاج في الفرض ايضا بحكم التلف لانّ المبيع و هو الخلّ الجاري عليه البيع غير موجود، فينتفي الخيار بانتفاء الخل، و لكن لا يخفى انّ هذا من سهو القلم لانّ تلف العين بيد الغابن لا يوجب سقوط الخيار، بل يوجب الرجوع الى البدل.

و عن المحقق الايرواني (قده) انّ الامتزاج في هذه الصورة لو كان موجبا لتلف المال فالمال الآخر أعني العسل ايضا تالف فيكون الموجود الخارجي أي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 216

..........

______________________________

الاسكنجبين بلا مالك، و لا يمكن الّا الالتزام بالشّركة في العين بحسب الماليّة.

أقول: تلف الصورة النوعية للمال لا يوجب خروج مادته عن الملك و على ذلك فالغابن قبل الفسخ كان مالكا لكل من الخلّ و العسل و بعد خروجهما

بالامتزاج إلى شي ء ثالث يكون ذلك الثالث ايضا ملكا له باعتبار ملك مادتهما، و فسخ المغبون يوجب خروج ما جرى عليه البيع بالسبب السابق الى ملكه، و بما انّ تلك الصورة تالفة و ضمانها في المثلي بالمثل، و في القيمي بالقيمة يكون للمغبون مطالبة الغابن بالمثل أو القيمة، و لكن ما دام لم يؤد البدل يكون الموجود الخارجي مشتركا بينهما لحصوله بالمادتين أحدهما بعد الفسخ من بقايا ملك المغبون؛ و لذا لا يكون للمغبون الامتناع عن أخذ البدل اللّهم الّا أن يقال انّ الثابت في المقام ثبوت حقّ المطالبة له، و لا يعيّن حقه في المثل أو القيمة بحيث لا يكون له حق المطالبة بالعين الخارجية، و الإغماض عن المثل أو القيمة.

الثالثة: الامتزاج بجنسه المساوي له في الصفات، و قد ذكر المصنف (ره) في هذه الصورة الاشتراك في العين بحسب الكميّة، و لا يجي ء في الفرض انّ للمغبون حق المطالبة بما جرى عليه العقد يعني البدل لانّ المال المشترك قابل للقسمة الموجبة لرجوع مال بعضه عين ما جرى عليه البيع فيكون أقرب الى ما جرى عليه العقد من البدل. و بتعبير آخر لا يعتبر عند العقلاء استحقاق البدل في هذا الفرض.

الرابعة: ما إذا حصل الامتزاج بجنسه، و لكن مع كون المال الأصلي للغابن اردء فقد ذكر المصنف (ره) حصول الاشتراك في الفرض، و لكن احتمل الشركة بحسب الكمية مع ضمان النقص الحاصل المال المغبون بالامتزاج فيعطي الغابن للمغبون أرش ذلك النقص، و لو كان مال المغبون منا من الحنطة الجيدة يساوي ثلاثة دنانير، و كان للغابن منا من الرّديّ يساوي دينارين، و بعد الامتزاج كان المن من الممتزج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4،

ص: 217

..........

______________________________

يساوي دينارين و نصف يعطى للمغبون نصف دينار كما احتمل الشركة بحسب المالية بأن تكون العين الخارجية مشتركة بين الغابن و المغبون بالأخماس ثلاثة أخماس منها للمغبون و خمسان للغابن، و احتمل الشركة في الثمن بان تكون مجموع ما في الخارج ملكاً لمجموعهما و بعد بيعها يأخذ المغبون ثلاثة أخماس الثمن و الغابن خمسين نظير الشركة المتقدمة في العين الخارجية، بالإضافة إلى وصفه الحاصل بفعل الغابن.

أقول: بما انّ أخذ الأرش و الاشتراك في العين بحسب المالية يوجب محذور الرّبا، فالمتعيّن الاشتراك في الماليّة، بل لا يبعد ذلك في الصورة الخامسة أيضا، و هي إذا ما حصل الامتزاج بالأجود، فإنّ الاشتراك في العين بحسب المالية فيه محذور الرّبا بخلاف الاشتراك في الثمن.

نعم مع إمكان الاشتراك في العين بحسب الكميّة لا تصل النّوبة إلى الاشتراك في القيمة خصوصا فيما إذا كان الامتزاج بحيث لا يكون معه ميز بين المالين حقيقة كما في امتزاج المائعين، و وصف الجودة التي كانت للمال الأصلي للغابن، و انّ فرض تلفه في هذه الصورة الّا انّه لا ضمان بالإضافة إليه لحصول الامتزاج بفعله فلا يجوز له مطالبة المغبون بالأرش، كما لا يخفى و مما ذكرنا يظهر انّ شبهة الربا كما تجري في الاشتراك في العين بحسب المالية كذلك تجري في صورة استحقاق الأرش، و لا تختص بالأول، كما هو ظاهر عبارة المصنف (ره)، لا يقال إذا كان الامتزاج بالأردى أو الأجود فلا موجب للالتزام بالشركة في الثمن بعد عدم الإمكان الشّركة في العين بحسب المالية و الشّركة فيها بحسب الكميّة للزوم الربا و لو بأخذ الأرش، و بما انّ للمغبون المطالبة بما جرى عليه البيع و لا يمكن ردّه فيرجع

الى بدله فيكون الامتزاج بالأردى أو الأجود موجبا لتلف ما جرى عليه البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 218

بقي الكلام في تلف العوضين مع الغبن (1).

______________________________

فإنّه يقال لم يحرز ان الامتزاج كذلك موجب لخروج كل من الممتزجين عن ملك مالكه الأصلي و لازم ذلك الشركة في الثمن.

لا يقال عدم خروجها عن الملك لا يلازم عدم استحقاق المغبون المطالبة بما جرى عليه البيع، كما تقدّم ذلك في خروج المالين بالامتزاج إلى شي ء ثالث، فإنّه يقال نعم، و لكن مع خروجهما الى ثالث كان العنوان المقوم للبيع تالفا بخلاف الامتزاج بالأجود و الأردى، فإنّ التالف وصفه أي تميّزه، وجودته.

اللهم الّا أن يقال انّما لا يرجع الى بدل العين في تلف الوصف فيما إذا أمكن الرجوع الى بدل الوصف التالف، و لا يمكن ذلك فيما نحن فيه فيرجع الى بدل نفس العين، و على ذلك فلا يبعد أن يكون للمغبون المطالبة ببدل ماله أي المثل خصوصا فيما إذا كان هذا الامتزاج في المائعات و تنحصر الشركة في العين في الامتزاج بالمساوي من جنسه حيث يتعين فيه الشركة في العين بحسب الكميّة.

(1) التالف مع خيار الغبن امّا المال المنتقل الى المغبون أو المال المنتقل الى الغابن، و في كل منهما يكون التلف بآفة سماويّة أو بفعل أحدهما أو بفعل الأجنبي و لو تلف ما بيد المغبون و كان ذلك بآفة سماويّة فقد يقال بسقوط خيار المغبون به لعين ما ذكر في سقوطه بتصرّف المغبون المخرج لذلك المال عن ملكه و هو عدم إمكان ردّ العين، و لكن قد تقدّم عدم صحة الاستدلال في مورد التعليل أي في التصرّف المخرج فضلا عن غير ذلك المورد مثل تلف

المال بآفة سماوية، و انّما يكون التصرّف مسقطا فيما إذا كان بقصد الإعراض عن الخيار، و لو مع الجهل بالغبن.

و عليه فان كان التلف المزبور مع الفسخ فيرجع الغابن الى بدل ماله كما يرجع المغبون الى عين ماله، و لو كان التالف قيميّا ففي اعتبار قيمة يوم المطالبة أو يوم التلف أو يوم الفسخ أو يوم البيع ما تقدّم في ضمان القيمي، و مقتضاه ضمان يوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 219

..........

______________________________

الفسخ، فإنّه يوم ضمان اليد، و كذا الحال فيما ذا كان تلف ما عند المغبون بإتلافه.

و امّا إذا كان بإتلاف الأجنبي فيجوز للغابن الرجوع الى كل من المغبون و الأجنبي لضمان كل منهما، و ظاهر المصنف (ره) الرجوع الى الأجنبي، و لكنّه غير صحيح، بل مقتضى جريان يد المغبون على المال و مقتضى إتلاف الأجنبي التّخيير للغابن في الرجوع. نعم إذا أخذ المغبون بدل التالف من الأجنبي، ثم فسخ البيع بخيار الغبن يتعيّن على الغابن الرجوع الى المغبون لخروج الأجنبي عن ضمان المال قبل ذلك.

و لو كان إتلاف ما بيد المغبون بإتلاف الغابن فابرئه المغبون ثم ظهر الغبن و فسخ البيع فيرجع المغبون بما بيد الغابن و يأخذ الغابن قيمة ماله من المغبون لأن إبرائه الغابن بمنزلة قبضه بدل ذلك المال.

و امّا إذا كان التالف ما بيد الغابن فان كان تلفه بآفة سماويّة أو بإتلاف الغابن و فسخ المغبون فيأخذ بدل التالف، و إذا كان التالف قيميّا فهل الاعتبار بقيمة يوم التلف أو يوم الفسخ قولان ظاهر الأكثر هو الأول، و لكن ذكروا في مسألة أخرى انّ العبرة بقيمة يوم الفسخ و هي ما إذا اشترى عينا بعين و قبض

البائع الثمن و لم يقبض المبيع، ثم باع البائع العين الّتي أخذها ثمنا من شخص ثالث ثم تلف المبيع الّذي كان عنده فإنّه بتلفه ينفسخ البيع الأول و لا يبطل البيع الثاني لأنّ تلف المبيع قبل القبض يوجب انحلال البيع من حين التلف لا من الأوّل، و على ذلك فيأخذ المشتري بدل العين التي دفعها ثمنا، و البدل قيمتها يوم تلف المبيع أي تلف العين التي كانت عند بائعها، و قد تلفت قبل إقباضها فإنّ ضمان قيمة الثمن يوم تلف المبيع صريح في ضمان يوم الانفساخ حيث انّه لو كانت العبرة بقيمة يوم التلف لكان اللازم ضمان العين التي دفعها المشتري ثمنا بقيمتها يوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 220

و لو تلف بإتلاف الأجنبي رجع المغبون بعد الفسخ الى الغابن (1) فينبغي احالة الزائد على ما ذكروه في غير المقام (2).

______________________________

بيعها من الشخص الثالث، فان يوم بيعها زمان تلفها، كما لا يخفى و الحاصل انّه لا يعلم الفرق بين المسألة و بين المقام.

(1) لو تلف ما بيد الغابن بإتلاف الأجنبي و فسخ المغبون فيأخذ البدل من الغابن لانه يرد عليه ما بيده و لان الغابن يملك قيمة التالف على عهدة المتلف، فيكون ما على عهدته القيمة لا نفس المعوّض الّذي يستحقه المغبون بالفسخ بنفسه أو ببدله و يمكن أن يقال انّه يجوز للمغبون الرجوع الى الأجنبي، لأنّ نفس المتلف على عهدته لا انّ قيمته دين بذمته للغابن، و لذا يجوز المصالحة على ما في عهدته بالأقل أو الأكثر، و لو كان نفس القيمة على عهدته لكانت المصالحة بالأقل و الأكثر ربا بناء على جريانه في المصالحة أيضا، كما لا يبعد.

و بهذا

يظهر وجه تخيير المغبون في الرجوع الى كل من الغابن و المتلف بالكسر.

امّا الغابن فلانّه يرد المغبون ما بيده عليه فاللازم استرداد المعوض منه. و امّا المتلف بالكسر فلانّ المال على عهدته. أقول: الرجوع الى الأجنبي لا يتوقف على الالتزام يكون نفس التالف على عهدته، بل يكفي فيه كون القيمة على عهدته فإنّه تلك القيمة بفسخ المغبون تصير دينا للمغبون على عهدته و العجب من المصنف (ره) انّه فرق في إتلاف الأجنبي بين ما بيد الغابن و ما بيد المغبون.

و لو تلف ما بيد الغابن بإتلاف المغبون فان لم يفسخ البيع يرد بدل التالف على الغابن، و ان إبراءه الغابن ثم ظهر الغبن و فسخ المغبون فيجب أن يرد الغابن البدل على المغبون لأنّ إبراءه بمنزلة أخذ البدل من المغبون فتدبّر.

(2) أي ينبغي احالة الزّائد مما ذكرنا في المقام على ما ذكروه في غير هذا المقام أي في كتاب الغصب من أحكام ضماني اليد و الإتلاف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 221

[الظاهر ثبوت هذا الخيار في كل معاوضة ماليّة]

الظاهر ثبوت هذا الخيار في كل معاوضة ماليّة (1).

______________________________

(1) يظهر عن جماعة جريان خيار الغبن في غير البيع من سائر المعاوضات، و قد حكي التصريح بالعموم عن فخر الدين في شرح الإرشاد و صاحبي التنقيح و الإيضاح، و عن المهذب البارع استثناء الصلح، و لعل الوجه في الاستثناء ان مشروعية الصلح لقطع المنازعة و ثبوت خيار الغبن فيه موجب لعودها، و فيه انّه لم يعلم انّ مشروعيّته منحصر بما ذكر بل ربّما يجري الصلح على المعاوضة باعتبار عدم التمكن على رعاية شرط البيع من تقدير المبيع و نحوه، كما لا يخفى. و في غاية المراد التفصيل بين الصلح المتضمن للمعاوضة

بين المالين فيجري فيه خيار الغبن و بين الصلح الجاري على الإبراء أو إسقاط الحق قبل ثبوت الدعوى ثم ظهر الغبن.

أقول: قد ذكرنا انّ المستفاد من صحيحة أبي ولّاد الواردة في تخلف المستأجر عن الإجارة انّ الصّلح الجاري على الإبراء أو إسقاط الحق مع اعتقاد الخلاف لا يكون خياريّا، بل محكوم بالبطلان، و في المسألة تفصيل آخر و هو جريان خيار الغبن في كل معاملة لا تكون بشخصها مبنيّة على المسامحة و عدم المبالاة، بل على المداقة و عدم جريانها في معاملة تكون بشخصها مبنيّة على المسامحة حتى لو كانت تلك المعاملة بيعا فإنّه لا يصدق في الفرض الغبن، و فيه انّه لم يؤخذ عنوان الغبن في الخطابات الشرعيّة ليكون الخيار مدار صدقه، بل ذكر ذلك في الفتاوى في البيع و المستند لهذا الخيار قاعدة نفي الضرر عند جماعة و تلك القاعدة تعمّ الموارد إلّا إذا كان في البين اقدام و هو التّصدّي للمعاملة مع العلم بالتّفاوت بين العوض المسمّى و القيمة السوقيّة.

و امّا الشرط الارتكازي في البيع و سائر المعاوضات المالية فهو ايضا يعمّ الموارد هذا مع ما في الدعوى لانّ الغبن يصدق في الموارد التي يقدم الشخص على المعاملة لغرض مع احتمال التفاوت الكثير بين العوض و القيمة السوقيّة، و لو قيل بان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 222

و عدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع (1)

[هذا الخيار على الفور أو التراخي]

و قرره في جامع المقاصد بأنّ العموم في أفراد العقود (2).

______________________________

المدرك لخيار الغبن السيرة العقلائيّة فالأمر كما ذكر من جريانه في البيع و سائر المعاوضات إلّا في المعاملة مع العلم بالحال.

(1) يشكل في جريان خيار الغبن في سائر المعاوضات بعدم

تعرّض الأصحاب لجريانه فيها، و لو كان هذا الخيار من الخيارات العامة كخيار الشرط لذكروا جريانه فيها كما ذكروا جريان خيار الشرط، و لا يمكن أن يقال انّ عدم ذكرهم جريانه في سائر المعاوضات لا يدلّ على اختصاصه بالبيع، و الّا لذكروا الاختصاص، كما ذكروا الاختصاص في خيار المجلس، و الوجه في عدم الإمكان ان تعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير البيع للتعرّض بخلاف بعض العامّة من جريان خيار المجلس في بعض افراد غير البيع لا انّهم يلتزمون بذكر الاختصاص مع عدم جريان الخيار في غير البيع.

أقول: كيف ما كان و لو شك في جريان خيار الغبن في معاملة كالجعالة بناء على كونها من العقود فالأصل عدم الخيار على ما يأتي فيكون الشرط الارتكازي، أو بناء العقلاء محتاجا إلى الإثبات، و امّا قاعدة نفي الضرر فقد تقدم عدم جريانها لإثبات الخيار بل مقتضاها في مورد جريانها الحكم ببطلان المعاملة على ما تقدم.

(2) يعني قرّر في جامع المقاصد كون خيار الغبن على الفور بالتمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حيث انّ عمومه الأفرادي يستلزم العموم الأزماني فيؤخذ بالعموم الأزماني، و عن بعض الالتزام بالتّراخي لكونه مقتضى استصحاب بقاء الخيار في غير الزمان الأول. و ذكر في الرياض بأنّ المستند لخيار الغبن في البيع ان كان هو الإجماع فيحكم بالتراخي أخذا بالاستصحاب، و ان كان قاعدة نفي الضرر فيحكم بالفور، و انّه لا خيار بعد مضي زمان يتمكن فيه المغبون من فسخه حيث انّ الضرر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 223

..........

______________________________

ينتفي بانتقاء اللزوم في ذلك الزمان.

و قد ناقش المصنف (ره) في التمسك بالعموم المزبور لا ثبات الفور، و كذا في التمسك فيه بقاعدة نفي

الضرر و بالتمسك بالاستصحاب لا ثبات التراخي، و ذكر في وجه المنع عن التمسك بالعموم ما ذكره في الأصول من انّه لا مجال في التمسك بالعموم في موارد كون الزمان ظرفا للحكم المجعول للفرد من العام بان يكون مفاد خطاب العام ثبوت حكم واحد مستمر في عمود الزمان لكل فرد فيكون الاستمرار في حكم فرد فرع ثبوت حكم العام له، و إذا خرج عن حكم العام فلا يكون حكم ذلك الفرد مستفادا عن خطاب العام، بل لا بدّ من خطاب آخر دال على ثبوت حكم العام له بعد ذلك الزمان.

و بتعبير آخر بعد خروج فرد عن العام في هذا القسم فلا يفرّق في مدلول العام بين خروجه إلى الأبد أو خروجه في زمان بمعنى انّه لا يكون خروجه إلى الأبد زيادة تخصيص ليقتصر عند الشك بالقدر المتيقن بل اللازم في هذا القسم عند الشك في حكم الفرد الخارج الأخذ باستصحاب حكمه المخالف لحكم العام.

و امّا إذا كان خطاب العام متكفّلا لثبوت حكم مستقل لكل فرد في كل زمان بحيث يكون مدلوله بالإضافة إلى الأزمنة مفردا، ففي مثل ذلك لا مجال لاستصحاب حكم الخاص، بل يجب الرجوع الى عموم العام بالإضافة الى غير ذلك الزمان، و لو فرض عدم خطاب العام في الفرض لما جاز ايضا التمسك باستصحاب الخاص، بل لا بدّ من الرجوع الى أصل آخر.

ثمّ انّه لا فرق فيما ذكر من القسمين من كون الزمان ظرفا لاستمرار الحكم أو مفردا لموضوعه بين استفادة ذلك من الإطلاق أو من اداة العموم، و على ذلك فلا يصحّ الجواب عن جامع المقاصد في تمسكه بآية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات الفوريّة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص:

224

..........

______________________________

بأنّ الآية مطلقة لا عامة. نعم يصحّ هذا الجواب لو ثبت انّ مقتضى الإطلاق هو كون الزمان ظرفا للحكم لا كونه مفردا بالإضافة إلى مصاديق العام بحسب الزمان.

و كيف كان فقد ظهر فساد ما قيل من انّ الاستصحاب أي استصحاب حكم الخاص يكون مخصصا لعموم العام و وجه الظهور انّه لا دلالة في مورد استصحاب حكم الخاص لخطاب العام، كما في أخذ الزمان ظرفا لحكمه، و في مورد دلالة خطاب العام، كما في أخذ الزمان مفردا لا مجال لاستصحاب حكم الخاص هذا بحسب الكبرى.

و امّا الصغرى فظاهر آية وجوب الوفاء بالعقود كونها من القسم الأوّل، و انّ الزّمان ظرف لوجوب الوفاء بكلّ عقد، و إذا خرج بيع المغبون في زمان فلا يفرّق بين خروجه إلى الأبد أو كونه موقتا في عدم دلالة الآية على حكم ما بعد ذلك الزّمان، و عدم لزوم تخصيص زائد لو كان خروجه إلى الأبد، و لو أمكن استصحاب بقاء الخيار فهو، و ان لم يمكن جريانه كما يأتي فيحكم بلزوم العقد لا بالأخذ بالعموم، بل لاستصحاب بقاء الملكين على حالهما قبل الفسخ المعبر عنه بأصالة اللزوم.

أقول: ما ذكره (قده) من جريان الاستصحاب في ناحية حكم الخاص فيما إذا كان الزمان ظرفا لاستمرار الحكم في ناحية أفراد العام انّما يصحّ مع كون الزمان في ناحية الخاص ايضا ظرفا لحكمه، و امّا إذا كان قيدا لمتعلق حكم الخاص فلا يمكن استصحاب ذلك الحكم في غير ذلك الزمان، و ايضا ما ذكره من انّه لو كان الزمان في ناحية أفراد العام مفردا بأنّ يثبت لكل فرد من أفراده في كلّ زمان حكم مستقلّ فيرجع في غير ذلك الزمان للعموم، و لا يصحّ

الرّجوع الى الاستصحاب حتى ما لو لم يكن في البين عموم أيضا انّما يصحّ لو كان الزمان في ناحية الخاص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 225

..........

______________________________

ايضا مفردا، و الّا لأمكن استصحاب حكم الخاص لو لم يكن في البين العام المزبور.

و لا يخفى ايضا انّ ثبوت حكم مستقلّ لكل من وجودات المتعلّق أو في كل فرد من افراد العام يستفاد من الإطلاق تارة و أخرى عن الدال اللفظي كقوله أكرم كل عالم و قوله أكرم كل عالم في كل زمان حيث انّ استقلال الحكم تابع لثبوت الملاك في كل من وجودات المتعلّق لا لمجموع تلك الوجودات، و لا لصرف وجود المتعلّق، كما انّه لو كان الملاك في مجموع تلك الوجودات يكون العام بالإضافة إليها مجموعيّا، و قد ذكرنا في بحث الأصول انّه لا يختلف الحال في جواز التمسك بالعام بالإضافة إلى باقي الأفراد بين كونه مجموعيا أو استغراقيا، و بلا فرق بين استفادة كل منهما بالإطلاق أو بالدال الوضعي، كما عليه جماعة من المحققين كالسيد اليزدي (قده).

و في المقام تفصيل آخر بين دلالة دليل الخاص بين خروج الفرد من الأول أو في الأثناء، فإنّ العموم في مثل قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) مقتضاه ثبوت الحكم المزبور لكل فرد من أفراد العقد لظهور أداة العموم في الاستيعاب الوجودي للطبيعة و الإطلاق في كل عقد مقتضاه انّ تحقق العقد خارجا تمام الموضوع لوجوب الوفاء المستمر و لا دخالة فيه لأيّ قيد، و على ذلك فان ورد في الدليل انّ العقد الفلاني لا يجب الوفاء به في الزمان الأوّل يعلم من ذلك انّ العقد المزبور ليس بتمام الموضوع، بل مقيّد بما يكون بعد ذلك الزمان بضميمة

أصالة العموم في ذلك الفرد.

و بتعبير آخر ثبوت الحكم الواحد المستمر من حين وجود الفرد انّما هو بالإطلاق و مقدمات الحكمة، و مع ورود التقييد بما لا يعمّه الحكم من الأول يعلم انّ ذلك الحكم يثبت له بعد ذلك الزمان أخذا بأصالة العموم بخلاف ما ورد التقييد في الأثناء فإنّ مدلول العام منضمّا إلى أصالة الإطلاق في كل فرد ثبوت حكم واحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 226

..........

______________________________

مستمر بحسب الأزمنة و بعد ورود التقييد في الأثناء لا يمكن أن يثبت فيه حكم واحد مستمر سواء حكم بالخروج إلى الأبد أو حكم بحكم العام بعد ذلك الزمان المتوسط.

أقول: حكم العام لكل فرد واحد مستمر في الأزمنة من الأوّل مستفاد من الإطلاق و عدم ورود القيد في الفرد، و إذا ورد القيد في الأول يستفاد من العموم بضميمة الإطلاق في ذلك الفرد استمرار الحكم من غير الزمان الأول، و إذا ورد القيد في الوسط يستفاد الحكم الواحد المستمر المنقطع في الوسط.

و بتعبير آخر الوحدة في الحكم إثباتا متحقق بعد التقييد ايضا و التعدد ثبوتا و ان كان حاصلا الّا انّه بالانقطاع و عدم ملاك لزوم العقد في البين لا لثبوت ملاك ملزم مستقل في كل من طرفي زمان عدم اللزوم.

لا يقال إذا لم يكن لخطاب الخاص دلالة على ثبوت حكم العام فيما بعد الزمان الأول كما هو الفرض فلا يمكن التمسك بخطاب العام بعد ذلك الزمان لدوران أمر خطاب الخاص بين كونه مقيدا لإطلاق الفرد، كما ذكر، أو مخصّصا لذلك الفرد و مخرجا له من العام رأسا.

و بتعبير آخر يكون العلم الإجمالي بتخصيص العام في ذلك الفرد أو تقييد إطلاقه مانعا عن الأخذ

بأصالة عمومه فإنّه يقال هذا العلم لا اثر له بالإضافة إلى الزمان الأوّل، و يكون التمسك بأصالة العموم بالإضافة الى ما بعد ذلك الزمان بلا معارض، و ان شئت قلت أصالة الإطلاق لا مجال لها في المقام للعلم بعدم ثبوت حكم العام للفرد المزبور في الزمان الأول. امّا تقييدا أو تخصيصا و بالإضافة الى ما بعد ذلك الزمان يؤخذ بأصالة العموم و الإطلاق، و كذلك في مورد التخصيص في الوسط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 227

..........

______________________________

و الحاصل ان أصالة العموم في ناحية العام مع أصالة الإطلاق الجاري في كل فرد يجعل كل فرد من افراد العقد من قبيل العام المجموعي فيكون استثناء بعض أجزاء هذا العام المجموعي من الأول أو الوسط موجبا لرفع اليد عن العموم في ذلك الجزء، و يؤخذ به في الباقي، و لعلّه الى ذلك يرجع ما ذكره السيد اليزدي (قده) في المقام.

ثمّ انّ هذا كلّه بناء على انّ الوفاء بالعقد وجوبه تكليفي. و امّا بناء على ما ذكرنا سابقا من انّه في البيع و نحوه من المعاملات إرشاد إلى لزومها يكون اللزوم في كل زمان لاستمراره واحدا، و يمكن حصول التقييد فيه في بعض افراد العقد بحسب أوّل الأزمنة أو الوسط فيحصل في الثاني الانقطاع، و يمكن بعد ذلك الزمان مع فرض عدم حصول الفسخ فيه التمسك بالعموم المزبور، و الإطلاق في الحكم بلزومه بعد ذلك الزمان لا يقال كيف يلتزم بالحكم لكل عقد بلزومه في عمود الزمان، و انّ ذلك يستفاد من الإطلاق أي مقدمات الحكمة و انّه لو أغمض النظر عنها فلا يكون لقوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) دلالة على ذلك، و من الظاهر انّه لو كان

الأمر كذلك لكان المدلول الوضعي للخطاب وجوب الوفاء بكل عقد، و لو في زمان ما فيكون لغوا محضا لانّ الوفاء بكل عقد في زمان حاصل لا محالة و مقتضى الاحتراز عن اللغويّة أن يكون لزوم الوفاء بالعقد دائما، كما هو ظاهر جامع المقاصد.

بل عن المحقق الايرواني (قده) انّ نفس متعلق التكليف أي الوفاء ظاهر في هذا الاستمرار لأنّ الوفاء بشي ء عبارة عن الالتزام به عملا في عمود الزمان فيكون استمراره مدلولا وضعيّا للمتعلق لا مستفادا من قرينة لزوم اللغويّة.

فإنّه يقال انّ أريد انه مع قطع النظر عن إطلاق المتعلّق، و الحكم يستفاد ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 228

و امّا استناد القول بالتراخي إلى الاستصحاب (1).

______________________________

الاستمرار بالإضافة الى كل عقد، فلا ريب في بطلانه، و يشهد لذلك صحّة تقييد الحكم بزمان و الوفاء بحال أو بمدّة مع إبقاء عموم الحكم بالإضافة إلى أفراد العقد بحاله، و ان أريد انّ مع الخطاب المزبور لا بدّ من أن يكون الشارع بصدد البيان بالإضافة إلى متعلّق الحكم و نفس الحكم بان يكون إحراز كون المتكلم في مقام البيان بلزوم اللغويّة لا بالأصل، كما في غالب الخطابات فهذا صحيح و لا يمنع عن الإطلاق و الأخذ بمقدمات الإطلاق.

و قد تحصل من جميع ما ذكرنا انّه لو لم يتم الدليل على كون خيار الغبن أو العيب مما لم يحدّد زمانه شرعا بنحو التراخي فيمكن التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات كونه على نحو الفورية بمعناها العرفي أخذا بالإطلاق في كل عقد بالإضافة الى غير مورد اليقين بالتقييد.

(1) و أورد المصنف (ره) على استصحاب بقاء الخيار بعد انقضاء الزمان الأوّل الذي يتمكن فيه المغبون من الفسخ بأنّ الخيار

في المقام لا يستفاد من دليل لفظي ليعين به الموضوع و يستصحب الحكم على ذلك الموضوع فيما لم يكن في البين دلالة على ثبوته أو انتفائه بالإضافة إلى الزمان الثّاني، نعم انّه إذا لم يكن الحكم مستفادا من دليل لفظي، و لكن كان الشك في بقائه من جهة الشكّ في الرافع فلا بأس باستصحاب ذلك الحكم لانّ مع الشك في الرافع لا يكون الشك في بقاء الموضوع و استعداد الحكم للبقاء مثلا إذا علم حرمة العصير العنبي بعد الغليان و قبل ذهاب ثلثيه و شك في بقاء حرمته بصيرورته دبسا قبل ذهاب ثلثيه فلا بأس باستصحاب حرمته.

و الحاصل انّ الدليل في المقام للخيار قاعدة نفي الضرر منضمّا إلى الإجماع و المتيقّن من ثبوت الخيار المتضرر الذي لا يتمكن على دفع الضرر الّا بفسخ البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 229

..........

______________________________

في ذلك الزمان فيحتمل انتفاء الحكم بانقضاء الزّمان الأوّل و لا يحرز استعداد الحكم للبقاء.

و ذكر النّائيني (ره) في توجيه كلام الشيخ في المقام انّ ما يقال من انّ الاعتبار ببقاء الموضوع في جريان الاستصحاب نظر العرف معناه انّه يعتبر أن يكون المحكوم عليه بثبوت الحكم في الزمان الثّاني هو المحكوم عليه في الزّمان الأوّل، و ان المتبدل حالة من حالات ذلك المحكوم عليه، و هذا فيما إذا أحرز الموضوع للحكم في الزمان الأول. و امّا إذا لم يحرز بان احتمل أن يكون الوصف الحاصل في الزمان الأوّل عنوانا مقوما مع احتمال كون الموضوع له هو ذات الموصوف فلا مورد للاستصحاب؛ بل ينحصر جريانه بما إذا كان الوصف الحاصل في الزمان الأول من قبيل الواسطة في ثبوت الحكم لذات الموصوف، و احتمل

أن يكون حدوث الوصف كافيا في حدوث الحكم و بقائه، و ان يكون حدوثه دخيلا في حدوث الحكم و بقائه دخيلا في بقائه بخلاف ما إذا كان الوصف عنوانا تقييدا للحكم كالفقر في استحقاق الزكاة أو احتمل ذلك، كما في المقام فإنّه لا مورد للاستصحاب في مثل ذلك.

ثمّ ذكر انّه يمكن تقريب عدم جريان استصحاب بقاء الخيار في المقام بوجه أدقّ و هو انّه لم يثبت في المقام خيار الغبن ليقال انّ الموضوع له هو المغبون في معقد الإجماع، بل الثابت عدم ثبوت اللزوم للمعاملة بحكومة قاعدة نفي الضرر، و الحكومة تنحصر بما إذا كان تضرّر المغبون ناشئا من لزوم المعاملة، و هذا بالإضافة إلى الزمان الأول. و امّا في الزّمان الثّاني فلا يكون الضّرر ناشئا من لزومها فلا يكون في البين ما يكون ركنا في جريان الاستصحاب. و بتعبير آخر لا يكون لزوم المعاملة في الزمان الثّاني موجبا لتضرر المكلّف ليحكم بانتفائه بالإضافة إلى المتضرر.

أقول: لا يخفى انّ لزوم المعاملة في الزّمان الثاني، و ان لم يكن انتفائه مقتضى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 230

أو مطلقا بناء على الإهمال لا الإطلاق (1).

______________________________

قاعدة نفي الضرر، و الّا لم يكن في البين موضوع للأصل العملي الّا انّه لو كانت المعاملة المزبورة باقية على جوازها لكان الجواز بقاء للجواز الثّابت في الزمان الأوّل غاية الأمر ثبت بدليل الاستصحاب لا بقاعدة نفي الضرر.

و بتعبير آخر نفي اللزوم بقاعدة نفي الضرر واسطة في الثبوت بالإضافة إلى إثبات الجواز المحتمل بقاؤه مع عدم ما يدلّ على لزوم المعاملة في الزّمان الثاني لسقوط العموم كما هو الفرض.

(1) يعني لم يدل دليل خيار الغبن على ثبوته في أوّل

زمان التمكن على الفسخ خاصة كما لم يدل على ثبوته للمغبون، و لو بعد انقضاء ذلك الزمان بل دلّ على ثبوته للمغبون من غير دلالة على احدى الخصوصيتين. و المراد بقوله مطلقا هو هذا الإهمال و بقوله لا الإطلاق الدلالة على خصوصيته الدوام و إذا فرض الإهمال في دليل الخيار فيؤخذ بعموم وجوب الوفاء بالعقود دواما بعد انقضاء زمان التمكن كما يؤخذ بدليل وجوب القصر على المسافر ما دام مسافرا في غير أيام الإقامة و في غير أيام التردد في الإقامة أي ثلاثين يوما. و في غير وقت المعصية بسفره.

و امّا إذا لم يلتزم بدلالة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على الدوام و الاستمرار بل على حكم العقد من حصول الملك و حدوثه بحصول العقد و يلتزم ببقاء ذلك الملك و اللزوم بالاستصحاب فتقع المعارضة في المقام بين هذا الاستصحاب و استصحاب بقاء الخيار، و يكون استصحاب بقاء الخيار حاكما على استصحاب بقاء الملك لأنّ بقائه بعد فسخ المغبون بعد انقضاء زمان الفور مرتب شرعا على عدم الخيار و انتفائه مترتب على بقاء الخيار، و لكن الأوّل أقوى أي القول بدلالة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على استمرار العقد إلى الأبد هو الأقوى فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب و وجه القوة انّ الخيار الحادث للمغبون في الزمان الأوّل لا يوجب زوال العقد السابق و حكمه بل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 231

و لا يخفى ان ما ذكره من المبنى للرجوع الى العموم (1).

و امّا ما ذكره أخيرا لمبنى الرّجوع الى الاستصحاب (2).

______________________________

يؤخذ بمقتضاه بعد ذلك الزّمان لانّ ذلك مقتضى عدم فسخ العقد، و انّما يرفع اليد عن العقد و مقتضاه إذا لم يبق العقد بأنّ فسخ في

الزمان الأوّل فإنّ مع الفسخ لا يبقى للعموم مورد.

(1) يعني المبنىّ الّذي ذكر هذا القائل للرجوع الى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) في المقام و هي دلالته على لزوم كل عقد مستمرا إلى الأبد هو الذي ذكرنا من انّ مع هذه الدّلالة لا يمكن الرجوع الى العموم بعد ورود التخصيص عليه في زمان، بل لا بدّ بعد ذلك الزمان من الرجوع الى استصحاب حكم الخاص.

(2) يعني ذكر هذا القائل في وجه الرجوع الى استصحاب بقاء الخيار دلالة آية (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على لزوم الوفاء بالعقد آنا ما، و على الملك الحاصل به فيكون استصحاب بقاء هذا الملك بعد فسخ المغبون في الزمان الثّاني معارضا باستصحاب بقاء الخيار، و لكن استصحاب بقاء الخيار يقدم على استصحاب الملك السابق لانّ بقاءه و زواله بالفسخ في الزمان الثّاني أثر شرعي لبقاء الخيار و عدمه مع انّه لم يذكر في كلماتهم استصحاب الملك و دلالة الآية على حصول اللزوم آنا ما، بل الكل متّفقون على دلالة الآية على لزوم كل عقد مستمرا، و كان عليه أن يتعرّض لاستصحاب بقاء الخيار في مقابل هذا العموم، و انّه يمكن التمسك في العموم المزبور بعد ورود التخصيص عليه أم لا.

ثم انّ المصنف التزم في المقام بكون خيار الغبن فوريا لا بالتمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالإضافة إلى الزّمان بل ذكر انّ العموم المزبور لكونه استمراريّا، لا يمكن الأخذ به، كما لا يمكن الأخذ باستصحاب بقاء الخيار لانّه لم يحرز الموضوع له و يحتمل كون الموضوع له ما يرتفع بانقضاء الزّمان الأوّل فيكون الوجه في فوريّته

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 232

ثم انه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك المبادرة (1).

______________________________

أصالة

فساد فسخ العقد بمعنى بقاء الملك السابق بعد حصول الفسخ في الزمان الثاني، و الشك في صحة الفسخ المزبور و فساده ليس من قبيل الشك في المقتضي، بل الفسخ على تقدير صحّته رافع للملك السابق الحاصل بالبيع.

أضف الى ذلك ما يقال من انّ تراخي الخيار في المقام و ما يشبه المقام من إجازة البيع الفضولي و نكاحه و غيرهما ضرر على من عليه الخيار، أو عليه الإجازة فينفى بقاعدة نفي الضرر.

أقول: الضرر هو النقص في المال و مجرد التّأخير في الفسخ لا يوجب ضررا على الغابن، و كذا الحال في التأخير في إجازة العقد الفضولي، و حيث انّ شرط الخيار الغبن ارتكازي كما ذكرنا فيثبت الخيار مع الغبن من غير ان يؤخذ فيه الفسخ في أول أزمنة الإمكان، بل غايته عدم التّأخير فيه و عدم التصرّف فيما انتقل الى المغبون بحيث يعدّ ذلك التأخير أو التصرّف إغماضا عن الخيار و فسخ ذلك العقد.

(1) ذكره (قده) بما حاصله انه بناء على كون الخيار الغبن على الفور لا يكون ترك الفسخ في أوّل زمان العلم بالغبن لجهله بثبوت الخيار له بأن كان غافلا عنه موجبا لسقوط خياره، بل يكون له حق الفسخ عند علمه بأنّ للمغبون خيار الفسخ لانّ نفي لزوم البيع في زمان العلم بالغبن مع غفلته عن ثبوت الخيار للمغبون لا أثر له و لا يوجب أن لا يكون اللزوم في الزمان الثّاني ضرريّا عليه.

لا يقال ترك الفحص عن حكم المعاملة و الغبن فيها و لو قبلها هو المنشأ لتضرر المغبون في الزمان الثاني، فلا يستند الى حكم الشارع بلزوم المعاملة فيه فإنّه يقال لو كان ترك الفحص عن الحكم موجبا لعدم استناد الضرر الى

الشارع لزم عدم ثبوت الخيار للمغبون فيما إذا ترك الفحص عن القيمة السوقيّة قبل المعاملة و أقدم عليها مع الجهل بها بل يمكن أن يقال كما لا يجب الفحص عن القيمة السوقيّة قبل المعاملة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 233

..........

______________________________

كذلك لا يجب تعلم ما يثبت له من الحق في المعاملة قبلها.

و ما دلّ على عقاب الغافل على المخالفة فيما إذا أوجب ترك تعلم الأحكام الشرعية تلك الغفلة لا يعمّ الفرض.

لا يقال: على ما ذكر يثبت الخيار للمغبون الملتفت بالخيار مع انّ أخذ الالتفات بالخيار في موضوع الخيار غير ممكن فإنه يقال المأخوذ في موضوع الخيار المستفاد من نفي اللزوم بقاعدة نفي الضرر هو المتمكن على استعمال الخيار، و هذا الأخذ ليس من قبيل التقييد بل لازم الضيق الذاتي للمجعول نظير الضيق في التكليف، حيث انّه لا يعمّ الغافل و مما ذكرنا يظهر الحال في نسيان الخيار للمغبون فإنّ الناسي داخل في الغافل عن الخيار للمغبون، و هذا بخلاف ما إذا كان غافلا عن فورية الخيار فانّ اللزوم في الزمان الثاني معه لا يكون منشأ لتضرر المغبون لتمكنه على الفسخ في الزمان الأول.

و بهذا يظهر الحال فيما إذا كان جهله بخيار الغبن بمعنى الشك في ثبوت الخيار للمغبون لا بمعنى الغفلة و انّه لا يثبت للجاهل في الزّمان الثّاني خيار لأنّ لزوم المعاملة في ذلك الزّمان لا يكون منشأ ضرره حيث كان من الممكن فسخه البيع بعد العلم بالغبن ثم السؤال عن الحكم و نفوذه.

ثمّ انّه لو ادّعى المغبون التارك للفسخ في الزّمان الأول الجهل بالخيار ليكون له الفسخ في الزمان الثاني فهل هذه الدعوى مسموعة بمعنى انّه يقبل قوله بيمينه ذكر

المصنف (ره) ان الأقوى سماعها لأنّ أصالة عدم العلم به جارية في حقّه، و على الغابن المدعي علمه بالخيار الإثبات. نعم إذا كان المغبون ممّن لا يجهل الخيار الّا لعارض ففي سماع قوله إشكال لأنّ دعواه الجهل مخالف للظاهر فيكون مدّعيا إلّا إذا قيل بعدم الاعتبار بمثل هذا الظهور فيؤخذ بأصالة عدم علمه. و امّا إذا ادعي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 234

[الخامس خيار التأخير]
اشارة

قال في التذكرة من باع شيئا و لم يسلمه إلى المشتري (1).

______________________________

نسيان الخيار فيكون مدّعيا لأنّ الأصل بقاء الذكر و عدم النّسيان الّا انّ الدّعوى لو كانت مما لا يعلم بها الّا من قبل مدعيها فيقبل قوله فيها مع يمينه.

أقول: قد تقدم ان الموضوع للخيار كون لزوم المعاملة ضرريا عليه و استصحاب عدم علمه أو بقاء ذكره لا يثبت كون لزومها كذلك أو ليس كذلك، و على كلا التقديرين أي دعوى الجهل أو النسيان فهو يدّعي الخيار لنفسه فعليه إثبات ذلك، كما لا يخفى، و الكبرى المشار إليها و هي سماع الدعوى و ثبوتها بيمين مدّعيها في كل ما لا يعلم الّا من قبله تعرضنا لها في بحث القضاء و ناقشنا في ثبوتها بنحو الكبرى الكلية.

(1) المشهور بين الأصحاب انه إذا باع شيئا حالا و لم يسلّمه إلى المشتري و لا قبض الثمن منه لزم البيع إلى ثلاثة أيّام و بعد انقضائها يكون للبائع الخيار في فسخ البيع و يستدلّ على ذلك مع الإغماض عن الإجماع حيث انّه على تقديره مدركي بقاعدة نفي الضرر على ما في التذكرة حيث انّ لزوم البيع منشأ تضرر البائع بل ضرره في المقام أشدّ من تضرر المغبون بلزوم البيع و وجه الأشدّ

به انّ المبيع في المقام في ضمان البائع لعدم تسليمه الى المشتري، و لا يجوز له تصرفه فيه فإنّه ملك المشتري على الفرض.

أقول: الضرر كما ذكرنا مرّات هو النقص و النقص في المقام غير حاصل لأنّ كون المبيع في ضمان البائع لا يوجب ضررا عليه ما دام لم يتلف و مع تلفه و ان يكون هذا التلف على البائع الّا انّ الحكم أي ضمان البائع المبيع بتلفه قبل قبضه مجعول في مورد الضرر فلا ينفى بقاعدة نفيه، كما هو الحال في تلفه و لو مع قبض الثمن و عدم جواز تصرّف البائع في المبيع بعد دخوله في ملك المشتري ليس فيه ضرر على بايعه بعد دخول الثمن في ملكه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 235

..........

______________________________

و الحاصل: انّ النقص في المقام لا يحصل بلزوم البيع و الّا ثبت الخيار للبائع بمجرد التأخير لا بعد ثلاثة أيّام.

و بهذا يظهر الحال في الاستدلال على نفي لزوم المعاملة بقاعدة نفي الحرج حيث يقال ان حفظ البائع المبيع للمشتري و التحفظ بنمائه له و الصبر الى وصول الثمن كما هو مقتضى لزوم البيع حرجي على البائع فينفى بقاعدة نفيه لأنّه لا تختصّ القاعدة بنفي الأحكام التكليفية، و إذا انتفى اللزوم الحقي يثبت جوازه؛ و وجه الظهور انه لو جرى في المقام قاعدة نفي الحرج لما كان المدار بمضيّ ثلاثة أيام و لما يمكن إثبات الخيار حيث انّه يمكن نفي اللزوم الحقي المنكشف بمشروعيّة الإقالة بثبوت الجواز الحكمي هذا.

مع انّه يثبت الخيار لكل من المتبايعين بامتناع صاحبه عن تسليم ما عنده من المال الذي صار ملكا للآخر غاية الأمر انّ الشارع في الروايات الآتية قد حدّد الامتناع بنحو

التأخير في أداء الثمن بثلاثة أيّام مع كون المثمن عند بايعه و يبقى غيره بحاله و يؤيد ذلك ما ورد من انّه لو وجد غريم المفلس عين حاله في أمواله أخذه؛ و مع هذا الخيار لا يكون في البين حرج أو ضرر.

و امّا الروايات فمنها صحيحة علي ابن يقطين قال سأل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن قال (فإنّ الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن قبض بيعه و الّا فلا بيع بينهما)؛ و موثقة إسحاق بن عمار عن عبد صالح عليه السلام قال (من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيّام و لم يجي ء فلا بيع له)؛ و رواية عبد الرحمن بن الحجّاج قال اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه و تركته عند صاحبه ثم احتسبت أيّاما ثم جئت الى بائع المحمل لأخذه فقال قد بعته فضحكت ثم قلت لا و اللّٰه لا أدعك أو أقاضيك فقال ترضى بأبي بكر بن عياش قلت نعم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 236

..........

______________________________

و أتيت فقصصنا فقال أبو بكر بقول من تريد أن أقضي بينكما بقول صاحبك أو غيره قال قلت بقول صاحبي قال سمعته يقول من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و الّا فلا بيع له؛ و صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتّى آتيك بثمنه قال (ان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام و الّا فلا بيع له). «1»

و قد يقال بظهور هذه الرّوايات في انحلال البيع بمضيّ ثلاثة أيّام لا ان يثبت للبائع خيار الفسخ، كما عليه

المشهور و ذكر المصنف (ره) انّ فهم المشهور الخيار منها يوجب كون المراد منها الخيار خصوصا بملاحظة قوله عليه السلام في أكثر الروايات لا بيع له فانّ نفي البيع بالإضافة إلى المشتري مع انّه لا يتبعّض في الصّحة قرينة على انّ المراد بنفيه نفي لزومه. نعم في صحيحة علي بن يقطين لا بيع بينهما و غاية ذلك الشك في المراد فيستصحب بقاء البيع و الآثار المترتبة عليه بعد مضي ثلاثة أيّام.

توهم عدم جريان الاستصحاب في الصّحة لأنّها كانت في الثلاثة في ضمن اللزوم، و المحتمل ثبوته بعدها الصحة في ضمن الجواز يدفعه انّ الصّحة و اللزوم حكمان للبيع لا أنّ اللّزوم و الجواز نوعان من الصّحة، كما هو ظاهر؛ و لكن لا يخفى انّ مجرّد فهم المشهور امرا من رواية أو روايات لا يكون حجّة بالإضافة إلينا، و قد سبق انّ المشهور قد فهموا من الروايات الواردة في نزح ماء البئر نجاسته، و قد منعه المتأخرون؛ و انّها لا تدلّ على نجاسة مائه، و لو كانت الروايات الواردة في المقام ظاهرة في انحلال البيع بمضي ثلاثة أيّام، أو انّ الشّرط في صحة البيع القبض أو

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12، الباب 9 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 237

[اشتراط أمور]
[أحدها عدم قبض المبيع]

أحدها عدم قبض المبيع (1).

______________________________

الإقباض إلى ثلاثة أيّام فلا بد من الأخذ به و لا معنى لطرحه و الأخذ بالأصول العمليّة بدعوى انّ فهم المشهور لو لم يوجب ظهورها في الخيار فلا أقلّ من كونه موجبا لإجمالها.

و لكن الصحيح عدم استفادة الانحلال من الأخبار المزبورة بقرينة انّ اللّزوم البيع على كل من البائع و المشتري حقي و الشارع في هذه الروايات بصدد

ان الحق للمشتري ينتهي بانقضاء ثلاثة أيّام فالمبيع الّذي لم يأخذه المشتري و لم يرد ثمنه لا يكون له بعد ثلاثة أيّام إلزام البائع به بل يكون اختيار ذلك البيع بيد بايعه فقط لا بينهما بان يلزم كل واحد منهما الآخر بالوفاء بذلك البيع أو يلزم المشتري بايعه به.

(1) و حاصله: انّ من شرط ثبوت الخيار للبائع عدم إقباضه المبيع من المشتري الى ثلاثة أيّام بحيث لو تحقق الإقباض بعد العقد أو الى ثلاثة أيّام فلا يثبت له الخيار، و لو مع عدم قبض الثمن، و استشهد لذلك بما في صحيحة علي ابن يقطين من قوله عليه السلام (فان قبض بيعه و الّا فلا بيع له) فان ظاهره انّه لو تحقق اقباض المبيع في ضمن ثلاثة لزم البيع فانّ قوله قبض بالتشديد و بيعه بالتخفيف بمعنى مبيعه.

و ما عن صاحب الرياض من عدم اعتبار عدم الإقباض بل المعتبر في ثبوت الخيار للبائع عدم إتيان المشتري بالثمن إلى ثلاثة أيام سواء قبض المبيع أم لا و تبعه جماعة لا يمكن المساعدة عليه، فان ثبوت الخيار للبائع مع اقباض المبيع مخالف للوارد في الصحيحة، و لعلّ هذه الجملة لم تكن في النسخة الموجودة عند صاحب الرّياض، أو انّه قرء قبض بالتخفيف و بيّعه بالتشديد فيكون المراد فان قبض البائع الثمن في ضمن ثلاثة فهو و الّا يثبت له الخيار، و لكن القراءة المزبورة غير صحيحة، لأنّ استعمال البيّع بمعنى البائع مفردا غير معروف، و الأصل عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 238

ثم انه لو كان عدم قبض المشتري لعدوان البائع (1).

______________________________

التشديد في بيعه نظير ما ذكر الشهيد (قده) من أصالة عدم المدّ في

البكاء الوارد في قواطع الصّلاة.

أقول: لا يبعد أن يكون عدم اقباض المبيع في ثلاثة في الصحيحة كناية عن عدم وصول الثمن فإنّه لا يعطي البائع المبيع في الثلاثة من غير أخذ الثمن إذا كان عدم إقباضه بعدم تمام العقد لعدم أخذ الثمن نظير ما في موثقة إسحاق بن عمّار من قوله عليه السلام فمضت ثلاثة أيام و لم يجي ء فلا بيع له حيث انّ عدم مجيئه كناية عن عدم مجيئه بالثمن. و امّا ما ذكر (قده) من أصالة عدم التشديد في لفظة بيعه مضافا الى معارضته بعدم التشديد في لفظة قبض لا تثبت ظهور اللفظ في كونه بمعنى المبيع.

و الصحيح في المقام ان يقال المفروض في الروايات عدم اقباض المبيع بعد البيع إلى ثلاثة أيّام بمعنى كونه عند البائع. نعم الوارد في رواية عبد الرحمن بن الحجاج مطلق و هو قوله من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيام و الّا فلا بيع له، و لكنّها لضعفها سندا بأبي بكر، بل للحسن بن الحسين اللؤلؤي لا يمكن الاعتماد عليه، و لكن مع ذلك إذا حصل اقباض المبيع بعد العقد و لو بفصل زمان و امتنع المشتري عن أداء الثمن يكون للبائع خيار الفسخ لأنّ أداء الثمن و عدم الامتناع عنه شرط ارتكازي في بيع البائع و كذلك اقباض المبيع و عدم امتناعه عنه شرط كذلك في شراء المشتري، و لا يكون اقباض المبيع بدون قبض الثمن إلغاء لهذا الاشتراط، بل رفع اليد عن حقّه بإمساك المبيع ليقبض الثمن، كما لا يخفى، و يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه ما ورد من انّ البائع إذا وجد عين ماله عند المفلس أخذه فراجع.

(1) ذكر (قده)

في المقام فروعا الأوّل انّه لو كان عدم قبض المشتري المبيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 239

..........

______________________________

لامتناع البائع عن أخذ الثمن و دفع المبيع اليه فلا يكون للبائع خيار بمضي ثلاثة أيّام فإنّ ظاهر الروايات انّ الخيار المزبور إرفاق للبائع لئلّا يقع في محذور انتظار الثمن، و ضرر المحافظة على المبيع للغير، و إذا كان ذلك بامتناعه فلا يكون مورد الإرفاق يعني انّ الإرفاق لا يناسبه.

و قد يقال انّه لا حاجة في نفي الخيار في الفرض الى استظهار الإرفاق لأنّ الموضوع للخيار في موثقة إسحاق بن عمّار عدم مجي ء المشتري بالثمن إلى ثلاثة، و مع امتناع البائع عن أخذه مع تمكين المشتري لا يحصل الموضوع المزبور، لا يقال الوارد في صحيحة علي ابن يقطين ثبوت الخيار للبائع بعد ثلاثة أيّام في فرض بقاء المبيع بيد البائع و عدم أخذه الثّمن، و لم يفصّل في الجواب بثبوت الخيار للبائع بعد ثلاثة أيّام بين كون عدم الإقباض و القبض لامتناع البائع عن أخذ الثمن و عدمه فإنّه يقال لا يكون للبائع داع الى عدم القبض الثمن غالبا، و لهذا ظاهر السؤال عدم إقباضه المبيع مع عدم دفع المشتري الثمن.

الثاني: ما إذا حصل قبض المبيع بلا استحقاق بحيث يكون للبائع حقّ استرداده كما إذا أخذه المشتري من عند البائع بلا اذنه و رضاه فهل مع القبض المزبور و تأخير الثمن إلى ثلاثة أيام يثبت الخيار للبائع بأن يكون القبض المزبور كلا قبض أو انّه لا خيار معه لخروج الفرض بالقبض المزبور عن مدلول الروايات، أو انّه إذا استردّ البائع المبيع يثبت الخيار و الّا فلا، أو يبتني ثبوت الخيار له بعد ثلاثة أيّام على

كون القبض المزبور رافعا لضمان تلف المبيع قبل القبض عن بايعه أم لا، فانّ لم يرفع الضمان يكون الضرر الموجب لثبوت الخيار له بعد ثلاثة بحاله فيثبت له الخيار بخلاف ما إذا قيل بانتفاء ضمانه مع القبض المزبور فإنّه لا يثبت له الخيار فانّ الضرر الموجب لثبوته ضرر ضمان التلف و ضرر انتظار الثمن، و ينتفي الضرران

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 240

[الثاني: عدم قبض مجموع الثمن]

الثاني: عدم قبض مجموع الثمن (1).

______________________________

مع أخذه المبيع من المشتري تقاصّا.

و اختار (قده) هذا التّفصيل، و لكن لا يمكن المساعدة عليه فإنه لو كان ظاهر الروايات، كما ذكرنا عدم قبض المشتري المبيع بان يكون المبيع عند بايعه فلا تعمّ الفرض مع عدم استرداده قبل ثلاثة سواء قلنا بارتفاع الضمان أو عدمه، و ما ذكر في ملاك ثبوت الخيار لم يذكر في الروايات بنحو العلية أو الموضوعية و قاعدة نفي الضرر لا تصلح للاعتماد عليها في المقام على ما تقدم، بل الأظهر بحسب الروايات ملاحظة الاسترداد بعد القبض المزبور و قبل ثلاثة أيّام كما لا يخفى.

الثالث: ما إذا مكّن البائع المشتري عن أخذ المبيع و لو مع عدم قبض الثمن فلم يأخذ ففي هذا الفرض أيضا بنى ثبوت الخيار للبائع بعد ثلاثة أيام على انتفاء ضمان المبيع بتلفه قبل قبضه و عدم انتفائه فلا يثبت على الأوّل و يثبت على الثاني، و لكن قد تقدم انّ الموضوع للخيار عدم قبض المشتري المبيع و عدم قبض المشتري مع تمكين البائع و عدمه، بل ظاهر صحيحة زرارة صورة تمكين البائع عن أخذ المبيع.

الرابع: انّ قبض بعض المبيع كقبض كلّه أو كلا قبض أو يثبت الخيار بالإضافة الى غير المقبوض. أقول قد

ذكرنا مرارا انّ الخيار يثبت في البيع المنشأ ابتداء بحسب الإمضاء الشرعي لا في البيوع الانحلالية حيث انّ ظاهر أدلّة الخيارات ثبوت خيار واحد لصاحبه و مع ثبوته في كل من المعاملات الانحلاليّة يتعدّد، كما لا يخفى. و ان كان المفروض في الروايات بقاء المبيع بتمامه عند بائعه الّا انّه يمكن الأخذ بموثقة إسحاق بن عمّار فانّ الخيار المذكور فيها للبائع يعمّ فرض أخذ بعض المثمن، بل فرض أخذ بعض الثمن ايضا فلا حظ.

(1) من شرط ثبوت خيار التّأخير للبائع عدم قبضه تمام الثمن إلى ثلاثة أيّام،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 241

..........

______________________________

فلا يكفي في انتفاء الخيار بعدها قبض بعضه في الثلاثة حيث انّ ظاهر الأخبار في مجي ء المشتري بالثمن في ثلاثة المجي ء بتمام الثمن.

و يؤيّد ذلك بفهم أبي بكر عيّاش حيث حكم في صورة قبض البائع بعض الثمن بثبوت الخيار له استظهارا من قوله عليه السلام من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام، و الّا فلا بيع له بل ربّما يستدلّ بهذه الرّواية على عدم كفاية قبض بعض الثمن تبعا للتذكرة، و لكن لا يخفى ما في الاستدلال لضعف الرواية أولا، و عدم الاعتبار بفهم أبي بكر ثانيا.

و عن المحقق الايرواني انّه لم يتحقق عندي ما فهم أبو بكر عن الرواية و ما حكم به من القضاء لعبد الرحمن بن الحجّاج أو لصاحبه، و فيه انّه لو كان حكمه بلزوم البيع في فرض قبض البائع بعض الثمن لما كان نقل قول الإمام بثبوت الخيار بعد ثلاثة للبائع مناسبا لذلك الحكم، و هذا الحكم يكشف عن فهمه منها قبض تمام الثمن.

و لو قبض البائع تمام الثمن بلا إذن

المشتري فظاهر المصنف (ره) انّ هذا القبض كلا قبض في انّه لو أجاز المشتري القبض إلى ثلاثة فهو و الّا يثبت الخيار للبائع بعد تمام الثلاثة لظهور الأخبار في مجي ء المشتري بالثمن الموجب لكون قبض البائع بإذنه؛ أضف الى ذلك انّ الموجب لثبوت الخيار للبائع تضرره بضمان المبيع قبل القبض و عدم جواز تصرفه في الثمن، و هذا الضرر باق بحاله مع القبض الفضولي.

نعم لو كان هذا القبض بحقّ كما إذا عرض البائع المبيع للمشتري ليأخذه فلم يأخذ و أخذ البائع الثمن بلا إذنه ففي هذه الصورة لا يثبت خيار التأخير للبائع، لأنّ ضرر عدم جواز التصرف في الثمن منتف في الفرض.

أقول: لو كان ظاهر الأخبار حصول قبض الثمن بإذن المشتري فكيف لا يدخل هذا الفرض في مدلول الأخبار الظاهرة في ثبوت الخيار للبائع بعد ثلاثة، و لو قيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 242

..........

______________________________

بأنّ اعتبار مجي ء المشتري بالثمن طريقي، و الغرض وصول الثمن إلى البائع، و لذا لو كان الثمن عند البائع قبل البيع فلا مورد لخيار التأخير، قلنا انّ هذا صحيح، و لكن لازمه عدم ثبوت الخيار للبائع بقبضه الثمن بلا اذن المشتري سواء كان ذلك بحق أم لا؛ كما التزم بذلك بعض حتى مع الالتزام بأنّه لا يكفي في انتفاء الخيار قبض المشتري المبيع بلا إذن البائع بدعوى انّ المعتبر في ناحية المبيع إقباض البائع، و هذا لا يحصل بقبض المشتري المبيع بلا إذن البائع بخلاف الثمن فانّ المعتبر في ناحيته قبض البائع الثمن، و هو يحصل و لو بلا اذن المشتري، و لكن الظاهر عدم الفرق بينهما في ذلك لأنّ الغرض من فرض عدم الإقباض و القبض

في ثبوت خيار التّأخير بقاء المالين عند صاحبهما الأصليّين.

و امّا دعوى بقاء ضرر الضمان أو ضرر الصبر على عدم التصرف في الثمن فقد ذكرنا انّهما لم يؤخذا في موضوع خيار التّأخير، فيحتمل اعتبارهما في ثبوت الخيار بنحو الحكمة لا العلية.

لا يقال قبض البائع الثمن كاشف عن رضاه بالبيع المزبور فيكون ذلك مسقطا لخياره حتى ما لو قيل باعتبار القبض بالإذن في انتفاء الخيار فإنّه يقال القبض المزبور بلا التفات الى الخيار لا يكون إسقاطا للخيار فإنّه لا يحصل بلا قصد.

ثم انّه لو قيل باعتبار الإذن من المشتري في قبض الثمن فلا ينبغي التأمّل في كفاية أجازته القبض الصادر بلا إذن حيث انّه بالإجازة يكون الإمساك بالثمن بإذنه فيحصل ما يحكم معه بلزوم البيع، و لكن هل الإجازة المزبورة كاشفة عن حصول القبض المعتبر من الأوّل أو من حيث الإجازة، فقد ذكر المصنف (ره) انّ الأظهر هو الثاني لما ذكرنا من انّ مع الإجازة يكون الإمساك بالثمن بالإذن؛ و عليه فلو قبض البائع الثمن بلا إذن منه في ضمن ثلاثة أيّام، و أجاز المشتري القبض بعد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 243

[الثّالث عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين]

الثّالث عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين (1).

[الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا أو شبهة كصاع من صبرة]

الشرط الرابع: ان يكون المبيع عينا أو شبهة كصاع من صبرة (2).

______________________________

انقضائها يثبت للبائع خيار التأخير.

أقول: إذا كان القبض متضمّنا للإنشاء و لو بنحو الإيقاع، فالظّاهر انّ الإجازة فيه يعتبر بنحو الكشف الحكمي، كما في قبض الثمن الكلي و دعوى الإجماع على عدم جريان الفضوليّة في الإيقاع. قد ذكرنا في بحث الفضولي عدم تماميّة ذلك على الإطلاق؛ و امّا إذا لم يتضمّن الأمر الإنشائي كما في قبض الثمن المعين فلا يكون لإجازة الفعل الخارجي معنى إلّا كون الإمساك بالمال بإذنه و لا يخرج القبض السابق عن الفضولية حيث لم يكن الإمساك في تلك القطعة من الزمان بإذنه؛ و على ذلك يترتّب الفرق في الإجازة بعد الثلاثة بين كون المقبوض من الثّمن شخصا أو كليّا. و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) و لعلّه بلا خلاف، و ظاهر الرّوايات عدم تحقّق القبض و الإقباض مع عدم اشتراط التّأخير في ناحية الثمن قطعا، و لكن الكلام في كون منصرفها، و لا أقلّ من المتيقّن عدم اشتراط ذلك في ناحية المثمن أيضا أم لا. و الوجه في ذلك انّ تعليق لزوم البيع على مجي ء المشتري بالثمن إلى ثلاثة أيّام من حين العقد، ظاهره فرض عدم اشتراط التّأخير في ناحية الثمن، و لكن لا دلالة للروايات على اعتبار عدم الاشتراط التأخير في ناحية المبيع كما لا يخفى.

(2) ذكر (قده) ما حاصله انّ ظاهر الأصحاب و كذا ظاهر الروايات أو المتيقّن منها اختصاص خيار التّأخير بما إذا كان المبيع عينا خارجيّة أو شبيها بالعين الخارجيّة كالكلي في المعين، فلا يكون للبائع خيار التّأخير فيما إذا كان المبيع بنحو الكلي على الذّمة. و بتعبير آخر

لا ظهور في شي ء من الروايات في عموم الخيار بحيث يثبت فيما إذا كان المبيع بنحو الكلي على الذّمة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 244

..........

______________________________

امّا كلمات الأصحاب فقد ذكر الشيخ (قده) روى أصحابنا انّه إذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم و قال للبائع أجيئك بالثمن فانّ جاء في مدة الثلاثة كان البيع له و قد صرّح بالاختصاص في التحرير و المهذّب البارع و غاية المراد، و هو ظاهر جامع المقاصد حيث قال و لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذّمة فإنّه لو كان هذا التعميم ثابتا في ناحية المبيع ايضا لأضاف المبيع الى الثمن في عدم الفرق، و لكن في عبارات الانتصار و الخلاف و جواهر القاضي إذا باع شيئا معيّنا بثمن معيّن و مقتضاه اعتبار كون الثمن ايضا عينا، و حيث انّ هذا الاعتبار في ناحية الثمن غير محتمل فيراد بالمعين في ناحية الثمن كونه معلوما. و لذا وصف في التحرير تبعا للمبسوط في عبارته المتقدمة المبيع بالمعين و الثمن بالمعلوم.

بل يمكن أن يقال انّ مع اختلاف الموصوف بالمعيّن يختلف الظهور فان كان الموصوف به هو الشي ء يكون ظاهره العين الخارجيّة، و ان كان الموصوف هو الثمن يكون ظاهره تعيين مقداره. و الحاصل انّ المعتبر في كلمات الأصحاب في ناحية المبيع عدم كونه بنحو الكلي على العهدة. نعم في بعض نسخ الجواهر للقاضي إذا باع شيئا غير معيّن بثمن معيّن و أخذ هذه النسخة في مفتاح الكرامة، و نسب جريان الخيار في غير المعين مع دعوى الإجماع على ذلك الى الجواهر، و لكن النسخة المزبورة غلط فإنّه لا يحتمل اختصاص الخيار بغير المعين و دعوى الإجماع عليه.

و لكن

مع ذلك كلّه ينسب التعميم إلى الأكثر و قد نسب الشهيد في الدروس الاختصاص بالمعين الى الشيخ (قده) و كأنّه قد فهم من كلام غيره التعميم.

أقول: ذكر العين في بعض الكلمات أو الشي ء المعيّن في بعضها الآخر لا يدلّ على الاختصاص لأنّ الكلي على العهدة داخل في العين، كما ذكرنا ذلك في تعريفهم البيع بأنّه تمليك عين بعوض و المبيع في موارد الكلّي على العهدة الشي ء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 245

[أمور قيل باعتبارها في هذا الخيار]
[منها عدم الخيار لهما أو لأحدهما]

منها عدم الخيار لهما أو لأحدهما (1).

______________________________

بوجوده الخارجي؛ و لكنه لعدم وجوده فعلا أو بغيره تعهّد بأدائه و تحصيله بخلاف بيع الشخص، أو الكلي في المعيّن حيث انّه لوجوده فعلا لا تعهد، بالإضافة إلى تحصيله؛ بل بالإضافة إلى أدائه فقط. و بالجملة العين مقابل المنفعة و توصيف الشي ء بالمعيّن كما يكون باعتبار تعيّنه الخارجي و يكون باعتبار تعيين كمّه و مقداره فيمكن أن يكون توصيف الشي ء بالمعين في كلماتهم باعتبار تعيين مقداره كما هو الحال في ناحية الثمن.

و الحاصل: انّه لا يستفاد الاتفاق من كلمات الأصحاب على اختصاص خيار التّأخير بالمبيع الشخصي، و على تقديره لا قيمة له لانّ الاتفاق في المقام لوجود الروايات المتقدمة مدركي فالمتّبع ظهورها في اعتبار العين الخارجيّة و نحوها لانّ ظاهر صحيحة زرارة، و ان كان فرض المتاع الخارجي بقرينة قوله ثم يدعه عنده الّا انّه لا دلالة لها على نفي الخيار في غيره.

و امّا صحيحة علي بن يقطين فلا ظهور لها في العين الخارجيّة أي الشخص و دعوى انّ البيع لا يطلق على المبيع إلّا في موارد الشخص الواقع عرضة للبيع لا تخلو عن الجزاف، و بهذا يظهر الحال في موثقة إسحاق بن

عمّار فيكون الأخذ بظهورهما أي بالإطلاق في الثانية و عدم الاستفصال في الجواب في الأولى مقتضاه الالتزام بالعموم في الخيار الثابت للبائع بعد ثلاثة أيّام. و اما رواية عبد الرحمن بن حجاج فقد تقدم ضعفها سندا، و مع الإغماض عنه فظاهرها ايضا العموم.

و دعوى انصراف من اشترى شيئا الى العين الخارجية كانصراف المطلق الى بعض افراده يكذبها الرجوع الى موارد الاستعمال في المحاورة فالمتحصّل انّه لا يبعد القول بالتعميم في الخيار الثابت للبائع بعد ثلاثة. و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) قيل كما عن التحرير يعتبر في ثبوت خيار التّأخير للبائع عدم خيار آخر في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 246

..........

______________________________

البيع للمتبايعين أو لأحدهما و الّا فلا يثبت للبائع خيار التأخير بعد ثلاثة أيام.

و ظاهر ابن إدريس يعتبر في ثبوت خيار التأخير عدم شرط الخيار لهما أو لأحدهما، و لعل مراده ايضا مطلق الخيار بحيث يعمّ خيار الحيوان ايضا، و ذكره شرط الخيار لأجل انّ موضوع كلامه المتاع لا ما يعمّ الحيوان و يستدلّ على هذا الاشتراط بانصراف اخبار الباب عن كون البيع خياريّا، و ذلك لما ذكر العلامة و غيره في أحكام الخيار من انّه لا يجب القبض و الإقباض مدة الخيار و لو أقبض أحدهما ما انتقل عنه لا يجب على الآخر اقباض ما عنده من مال صاحبه، بل يجوز له استرداد ما أقبض خلافا لبعض العامة حيث بنوا على عدم جواز الاسترداد بل يجب على الآخر الإقباض، و لو امتنع عن الإقباض يجوز للآخر أخذ ما عنده بلا اذن، كما في صورة تسليم ما عنده مع لزوم البيع.

و على ذلك فمع ثبوت خيار آخر في البين يكون للمشتري حقّ

التأخير في تسليم الثمن، و ظاهر الأخبار ثبوت خيار التّأخير للبائع فيما إذا كان تأخير المشتري في أداء الثمن بلا حق، كما انّ ظاهرها كون عدم إقباض البائع المبيع لعدم تسلّمه الثمن من المشتري، فلا يعمّ ما إذا كان عدم تسليمه لثبوت خيار آخر له في البيع.

و لكن لا يخفى ضعف الاستدلال لأنّه كما سيأتي انّ الخيار حق متعلّق بالعقد و جواز تسلط أحد المتبايعين أو كلاهما على فسخه لا ينافي وجوب القبض و الإقباض عليهما وجوبا حقيّا، حيث انّ الإمساك بهما بالامتناع عن التسليم و التسلم تصرّف في مال الآخر بلا رضاه. نعم لذي الخيار الإمساك بما انتقل عنه فيما إذا كان الإمساك المزبور بعنوان فسخ العقد؛ بل لو كان الخيار حقّا يتعلق بما انتقل عنه فالثابت حق الاسترداد لا حقّ الإمساك.

و الحاصل: انّ وجوب القبض و الإقباض مقتضى حرمة مال الغير و عدم جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 247

..........

______________________________

التّصرف فيه بلا اذن مالكه لا مقتضى لزوم البيع و عدم كونه خياريا.

لا يقال ظاهر الأخبار لزوم البيع إلى ثلاثة أيّام و حدوث جواز البيع للبائع بعدها فإنّه يقال نعم و لكنّ اللزوم من جهة التأخير في القبض و الإقباض فلا ينافي عدم لزومه في ثلاثة أيام أو بعضها من جهة أخرى. و بتعبير آخر الكلام في كون الموضوع لخيار التّأخير عام أو خاص بمعنى انّ الموضوع عدم القبض و الإقباض إلى ثلاثة أيّام مطلقا أو مع لزوم البيع فيها بأن ينتفي فيها سائر الخيارات. و الظّاهر إطلاق الموضوع فان حمل الروايات على الثاني من حملها على الفرد النادر حيث انّ خيار المجلس ثابت في جميع البيوع إلّا ما اشترط

فيه سقوطه، و كذا خيار الحيوان إلى ثلاثة أيّام ثابت في شراء الحيوان كما انّ ظاهرها ثبوت خيار التّأخير للبائع بعد انقضاء ثلاثة أيّام من حين العقد. و على الجملة فلو اعتبر في خيار التّأخير لزوم البيع في الثّلاثة يلزم حمل الأخبار على الصورة النادرة أو ارتكاب خلاف الظّاهر فيها بحمل ثلاثة أيّام من حين لزوم البيع لا من حين العقد و شي ء منهما لا يمكن الالتزام به.

و ربّما يقال بأنّه يعتبر في خيار التّأخير عدم ثبوت خيار آخر للبائع في الثلاثة فإنّ هذا الخيار شرع لدفع تضرر البائع على ما تقدم و مع ثبوت خيار آخر يمكن له دفع ضرره بذلك الخيار. و ظاهر الأخبار لزوم البيع بالإضافة إلى البائع في ثلاثة أيّام و حملها على لزومه عليه من جهة تأخير الثمن من قبيل تقييد الحكم بالسبب.

و لكن لا يخفى ما فيه أيضا فإنّ خيار التّأخير لو كان مشروعا لدفع ضرر الصبر يكون المراد ضرر الصبر بعد ثلاثة أيّام و عدم إمكان تقييد الحكم بالسبب أجنبي عن المقام فانّ الكلام في انّ الموضوع لخيار التّأخير عدم القبض و الإقباض إلى ثلاثة أيّام، أو هذا مع عدم ثبوت خيار آخر للبائع في تلك الثلاثة، و هذا لا يرتبط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 248

[و منها تعدّد المتعاقدين]

و منها تعدّد المتعاقدين (1).

[و منها: أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية]

و منها: أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية (2).

______________________________

بسبب الحكم أي بالداعي إلى الجعل.

(1) قيل بأنّه يعتبر في ثبوت خيار التّأخير للبائع تعدد العاقد لظهور الأخبار المتقدمة في ذلك و لأنّ خيار التأخير يثبت للبائع بعد انقضاء خيار المجلس، و مع وحدة العاقد لا ينتهي خيار المجلس إلّا بالإسقاط.

أقول: ظاهر الأخبار فرض تعداد البائع و المشتري لا العاقد، و مع تعدد هما يثبت خيار التّأخير للبائع و لو مع وحدة العاقد كما لو وكّلا واحدا في إجراء العقد و الوكيل المزبور لا يثبت له خيار المجلس؛ و ما ذكر من ظهور الأخبار في ثبوت خيار التأخير مع فقد خيار المجلس أو بعد انتهائه غير ظاهر حيث انّ ظاهرها، كما يأتي كون المبدء لثلاثة أيّام هو تمام العقد لا حين حصول الافتراق، و على ما ذكر فلا يثبت خيار التأخير فيما إذا كان البائع و المشتري واحدا، كما في وليّ الطفلين، و عدم ثبوته له لأجل فقد ما يعتبر في خيار التأخير من عدم الإقباض و القبض لا لوحدته، كما لا يخفى.

(2) المحكي عن الصّدوق (ره) انّه إذا اشترى جارية و قال أجيئك بالثمن فان جاء بالثمن الى شهر و الّا فلا بيع له، و ظاهر المختلف انّ الصدوق قائل بذلك في مطلق الحيوان. و في صحيحة علي ابن يقطين قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى جارية و قال أجيئك بالثمن فقال (ان جاء فيما بينه و بين شهر و إلّا فلا بيع له) «1»؛ و السند كما أشرنا صحيح فانّ الشيخ رواه بسنده عن محمد بن أحمد يحيى عن أبي إسحاق عن أبي عمير عن

محمد بن أبي حمزة عن علي ابن يقطين

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12، الباب 9 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 249

ثم انّ مبدء الثّلاثة من حين التفرق أو من حين العقد (1).

______________________________

و أبو إسحاق هو إبراهيم بن هاشم القمي (رضوان اللّٰه عليه) بقرينة رواية الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أبي إسحاق عن الحسن بن أبي الحسن الفارسي. و من الظاهر انّ أبو إسحاق الراوي عن الحسن بن، أبي الحسن هو إبراهيم بن هاشم فراجع.

و على كل تقدير فقد أورد المصنف (ره) على الاستدلال بها على استثناء الجارية أو مطلق الحيوان بأنّه لا قرينة فيها على فرض عدم إقباض الجارية ليكون ذلك موجبا لظهورها في خيار التّأخير في الأمة أو مطلق الحيوان لا يقال قد كان بهذا المضمون من التعبير في روايات خيار التّأخير، كما في رواية عبد الرحمن المتقدّمة من قول أبي بكر بن عياش (من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام و الّا فلا بيع له)؛ فإنّه يقال نعم و لكن قوله عليه السلام (فان قبض بيعه إلخ)؛ في صحيحة علي ابن يقطين المتقدمة سابقا قرينة على كون المراد في جميع روايات ثلاثة أيّام فرض عدم اقباض المبيع، و ليس بالإضافة إلى الجارية أو مطلق الحيوان الوارد في الصحيحة قرينة على مثل هذا الفرض، كما ذكرنا فلا بدّ من حملها على صورة اشتراط تأخير الثمن الى شهر فيكون الخيار لتخلف الشرط أو على استحباب الانتظار الى شهر.

أقول: الالتزام بثبوت خيار التأخير في الأمّة بعد شهر لا محذور فيه و قد احتمله الشيخ (قده) بعد نقل الرواية غاية الأمر لو تمّ إطلاق

الصحيحة بالإضافة إلى صورة إقباض الجارحيّة فيلتزم بعد اعتبار عدم الإقباض في الجارية المبيعة في ثبوت خيار التّأخير لبائعها.

(1) ظاهر التّعبير في بعض الروايات انّ ثلاثة أيام تحديد لمدة غيبوبة المشتري فيكون مبدئها حين التفرّق كقوله عليه السلام (فان جاء فيما بينه و بين ثلاثة أيّام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 250

[يسقط هذا الخيار بأمور]

يسقط هذا الخيار بأمور: (1).

______________________________

و الّا فلا بيع له)؛ و بعضها ظاهر في انّه تحديد لمدّة عدم قبض الثمن فيكون مبدئها تمام العقد كقوله عليه السلام في موثّقة إسحاق بن عمّار من اشترى بيعا فمضت ثلاثة أيام و لم يجي ء فلا بيع له و لا يبعد أن يكون الأول أيضا كناية عن ذلك. نعم مع عدم تمام الظهور أو معارضته يكون مقتضى الأصل العملي تأخير الخيار الى ما بعد الثلاثة بعد التفرّق.

(1) يسقط هذا الخيار بأمور الأوّل إسقاطه بعد الثلاثة، و لا ريب كما لا خلاف في جواز هذا الإسقاط بمعنى نفوذه فإنّه مقتضى كون الخيار حقّا و إسقاطه في الثلاثة و ان لا يخلو عن المناقشة لكون الموجب له انقضاء الثّلاثة من غير حصول القبض و الإقباض. و بتعبير آخر تضرّر البائع بعد الثلاثة موجب له و ذلك الضرر غير فعلي فيكون إسقاطه في الثلاثة من قبيل إسقاط ما لم يجب الّا انّ المناقشة غير صحيحة لما تقدم من انّ السقوط في المقام اعتباري، و كما يمكن اعتبار الملكية المستقبلة نظير الوصية التمليكيّة كذلك يمكن اعتبار السقوط الاستقبالي؛ و ما عن التذكرة من عدم جواز إسقاط خيار الشرط قبل التّفرّق بناء على حصوله بعد التّفرّق لا يمكن المساعدة عليه.

و امّا ما ذكره المصنّف (ره) من انّه لو لم

يجز إسقاط خيار الشرط قبل التّفرّق يكون عدم جواز إسقاط خيار التأخير في الثّلاثة بطريق أولى؛ فلعلّه أراد انّ الموجب لخيار الشرط اشتراطه في العقد و هو حاصل بخلاف المقام فانّ الموجب لخيار التأخير الضّرر الحاصل للبائع بعد الثلاثة، و هذا غير حاصل في الثلاثة.

و لكن لا يخفى انّ الفرق غير فارق لأنّ الموضوع لخيار الشرط بناء على ثبوته بعد التفرّق هو العقد المشروط بعد التفرّق، كما انّ الموضوع في المقام العقد مع تضرّر البائع فيه بعد الثلاثة و دعوى انّ تضرّر البائع أمر غير اختياري، و التفرّق أمر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 251

..........

______________________________

اختياري فلا يصحّ الإسقاط في الثاني دون الأوّل كما ترى، فإنّه لو لم يصحّ الاسقاط لكونه إسقاطا لما لا يجب لم يجز فيهما و الّا جاز فيهما كما ذكرنا.

الثّاني شرط سقوطه في العقد و قد ذكرنا فيما سبق انّ اشتراط سقوطه في العقد يرجع الى إسقاطه و بما انّ سقوط الخيار بمعنى عدم ثبوته اعتباري فلا بأس بأن ينشأ ذلك الأمر الاستقبالي الحاصل بكلّ سبب و منه اشتراطه في العقد.

الثّالث: بذل المشتري الثمن بعد الثلاثة فإنّه لو فسخ البائع بعد الثّلاثة قبل بذل المشتري و مجيئه بالثمن فلا إشكال في نفوذه فإنّه مقتضى تحديد الخيار بمضيّ الثلاثة و يشهد له رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه؛ و امّا إذا لم يفسخ حتى بذل المشتري بالثمن فيمكن أن يقال كما عن المصنف (ره) بسقوط الخيار لانّ الخيار لتدارك ضرر التّأخير أي الضرر الاستقبالي حيث انّ الضرر السّابق على أخذ الثمن لا يتدارك بأخذه، و مع بذل المشتري لا ضرر كذلك، و يمكن دعوى انصراف اخبار الباب ايضا

عن صورة البذل.

أقول: دعوى الانصراف في الروايات لا وجه لها و قاعدة نفي الضرر لا تثبت الخيار في المقام و غيره؛ فالأظهر عدم سقوط الخيار بالبذل المزبور.

الرابع: أخذ البائع الثمن من المشتري بعد ثلاثة أيّام و لا شبهة في انّ أخذه بقصد الالتزام بالبيع و الجري عليه إسقاط فعلي، فهل بأخذه يحكم بسقوط الخيار و انّه بقصد الالتزام بالمعاملة أو بشرط العلم بقصده بان لا يحتمل كون أخذه بقصد العارية و الوديعة و نحوهما، أو يكفي الظّن النوعي نظير ما تقدم في سقوط خيار الحيوان بالتصرّف فيه زمان الخيار مع الاتفاق بأنّه لا عبرة بالظنّ الشخصي و قد تقدّم اعتبار الظهور الفعلي و انّه كالظهور القولي، و لا يبعد أن يكون سبق المعاملة قرينة عرفيّة على كون الأخذ بذلك العنوان فلا يحتاج السقوط إلى قرينة أخرى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 252

[في كون هذا الخيار على الفور]

في كون هذا الخيار على الفور (1).

______________________________

و ذكر المصنّف (ره) انّ البحث في كون الأخذ مسقطا مبنى على عدم كفاية البذل في الإسقاط و الّا يسقط الخيار بالبذل قبل الأخذ، و لكن لا يخفى انّ الأخذ يتحقّق في غير مورد البذل ايضا؛ و على تقدير كون البذل مسقطا يجري الكلام في كون الأخذ أيضا مسقطا أم لا كما إذا أخذ البائع الثمن من عند المشتري.

و امّا مطالبة البائع المشتري ببذل الثمن فلا يوجب سقوط خياره و لو مع عدم بذل الثمن و دعوى دلالتها على رضا البائع بالبيع لا يمكن المساعدة عليها فانّ الرّضا على تقدير تحقق البذل و أخذ الثمن لا مطلقا. و بتعبير آخر الضرر الاستقبالي الذي يتدارك بالخيار بعد المطالبة بحاله و لا دلالة فيها على إغماض

البائع عنه كما لا يخفى.

(1) كون الخيار على الفور أو التراخي مبنيّ على انّ المرجع عند الشك في لزوم البيع و جوازه في زمان هو عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، أو استصحاب بقاء الخيار أولا يرجع الى شي ء منهما؛ امّا العموم لكونه استمراريّا لا افراديّا؛ و امّا الاستصحاب فلعدم إحراز موضوع الخيار فيرجع الى استصحاب بقاء المالين على حالهما بعد الفسخ المشكوك صحته؛ و لكن يمكن في المقام للمصنف (ره) القول بتراخي الخيار، كما هو مقتضى إطلاق نفي البيع بعد ثلاثة، و لكن يرد عليه انّ الأخذ بإطلاق ينافي ما تقدم منه انّ الخيار لتدارك الضرر الاستقبالي الحاصل بتأخير القبض و الإقباض؛ و من الظّاهر انّ الضرر في الزمان الثاني حاصل بتركه الفسخ في الزمان الأول و لعله يشير الى ذلك بقوله فتأمّل.

و امّا الاستصحاب فلأنّ الشك في بقاء الخيار في الزمان الثاني من قبيل الشك في المقتضى؛ و على كل تقدير، فالصحيح الالتزام بالتراخي فإنّه مقتضى نفي البيع مطلقا، فإنّه لو كان الخيار على الفور فاللّازم تقييد نفيه، و لو بان يقول لا بيع يوم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 253

[لو تلف المبيع بعد ثلاثة من مال البائع]

لو تلف المبيع بعد ثلاثة. (1)

______________________________

الرابع و يؤيد ذلك ما ذكرنا سابقا من انّ المذكور في اخبار الباب تحديد للشرط الارتكازي لكل من المتعاقدين ملكه فسخ البيع على تقدير عدم وفاء صاحبه بالعقد.

(1) لو تلف المبيع بعد ثلاثة أيّام و بعد الخيار للبائع يكون ذلك التلف على البائع لكونه قبل القبض كما يشهد له النبويّ المنقول عن العامّة في بعض كتب الفقه لأصحابنا من قوله (ص) التلف قبل القبض من مال بايعه و بعد انجبار ضعفه بعمل المشهور يتعيّن الأخذ بإطلاقه

حيث يعمّ التلف قبل زمان الخيار و زمانه و بعد الخيار كما إذا أسقط الخيار بالتّأخير أو ببذل المشتري الثمن.

لا يقال يعارض النبوي الملازمة المستفادة من الروايات بين كون نماء شي ء لشخص و درك تلفه عليه كالواردة في بيع الخيار حيث استشهد فيها الإمام عليه السلام لكون نماء المبيع للمشتري بكون تلفه عليه و كذلك يعارضه قاعدة كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له.

فإنه يقال ما دلّ على انّ تلف المبيع قبل قبض المشتري من مال بائعه أخص بالإضافة إلى قاعدة الملازمة حيث يلتزم بها إلّا في مورد كون المبيع بيد بايعه بل يمكن أن يقال قاعدة الملازمة تنفي الضمان بالبدل عن الغير لا ضمان الانحلالي كما هو المفروض في التلف قبل القبض و ما دلّ على انّ التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له لا عموم فيها، بحيث يعمّ جميع الخيارات بل غايته خياري الحيوان و الشرط أو المجلس ايضا فيما كان خياره لأحدهما فقط بل لا إطلاق له بحيث يعمّ قبل القبض بل يختصّ بما بعد القبض، كما هو المفروض في تلف الحيوان بيد المشتري و المفروض في خيار التأخير وقوع التلف قبل القبض.

أقول: يمكن أن يكون المستند في ضمان تلف قبل القبض السيرة العقلائيّة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 254

..........

______________________________

الممضاة في الشرع، كما يشهد لذلك معتبرة عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير انّه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيتك غدا إنشاء اللّٰه تعالى فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال (من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع

و يخرجه من بيته، و إذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقّه حتى يردّ ماله اليه) «1»؛ و لكن مقتضاها عدم كفاية تسليم المبيع في خروج البائع عن الضمان فيما إذا لم يأخذه المشتري، و هذا يكون أوسع من السيرة؛ و لكن شمولها لما إذا امتنع المشتري من قبض المتاع مع تسليم البائع، و لو مع عدم قبض الثمن، بان كان ترك المتاع عند البائع بغير رضاه لا يخلو عن التأمل.

و قد ظهر ممّا تقدم انّه لا فرق في ضمان البائع تلف المبيع قبل القبض بين كونه في الثلاثة أم بعدها، و مع تحقق القبض يكون تلفه على المشتري من غير فرق ايضا بين الثلاثة أم بعدها الّا انّه يظهر من المحكي عن الشيخ في المختلف التفصيل، و هو انّه إذا كان التلف في الثلاثة فإن كان قبل القبض فهو من مال البائع، و ان كان بعده فهو من مال المشتري. و امّا إذا كان التلف بعد الثّلاثة فضمان تلفه على البائع لأنّ الخيار له. و أورد على ذلك في المختلف بأنّه مع القبض لا يكون للبائع خيار بعد الثلاثة و ذكر المصنف (ره) ان تعليله الضمان على البائع بكون الخيار له قرينة على انّ التلف بعد الثلاثة مفروض مع عدم قبض المتاع.

أقول: التعليل لا يناسب الحكم لأنّ ضمان البائع المتاع قبل الثلاثة أو بعدها، كما ذكرنا لكون التلف قبل القبض و خيار البائع بعد الثلاثة لو لم يكن مقتضيا لكون

______________________________

(1) الوسائل الجزء 12، الباب 10 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 255

[لو اشترى ما يفسد من يومه]

لو اشترى ما يفسد من يومه (1).

______________________________

الضمان على المشتري فلا أقل من عدم كونه مقتضيا للضمان

على البائع.

نعم عن الايرواني (قده) توجيه العبارة بأنّ الحكم المزبور مبني على مسلكه من عدم حصول النقل و الانتقال زمان الخيار من غير فرق بين الخيار المتصل بالعقد أو المنفصل عنه و على ذلك فان حصل قبض المتاع في الثلاثة فلا يكون البيع خياريّا، فيكون ضمان المبيع لكونه بعد القبض على مالكه الفعلي، أي المشتري بخلاف ما إذا لم يحصل القبض فيما يكون البيع خياريّا، و يكون تلف المبيع عن مالكه، و هو البائع؛ و فيه انّ هذا التوجيه ايضا غير صحيح لانّ المذكور في عبارة الشيخ فرض التلف في الثلاثة تارة و بعدها أخرى لا فرض القبض في الثلاثة تارة، و قبض المبيع بعدها أخرى فالتّوجيه على تقديره يجري في الثّاني لا الأوّل.

(1) المشهور على انّه لو اشترى ما يفسد من يومه فان جاء بالثمن ما بينه و بين الليل فهو و الّا فلا بيع له، و يستدلّ على ذلك بمرسلة محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يشتري الشي ء الذي يفسد من يومه و يتركه حتى يأتيه بالثمن قال ان جاء فيما بينه و بين الليل بالثمن و الّا فلا بيع له «1»؛ و مرسلة حسن بن رباط على ما في الفقيه؛ و لكن أسندها في الوسائل إلى زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول و البطيخ و الفواكه يوم الى الليل «2»؛ و الظاهر بقرينة التمثيل انّ المراد بالفساد زوال طراوته بالمبيت، و لو في بعض أيّام السنة لشدة الحرارة في تلك الأيّام فيكون الإمهال فيها الى اللّيل بمعنى انّ للبائع بعده خيار، و هذا فيما إذا كان في

الليل ايضا سوق ليتيسّر له بيعه بعد الفسخ.

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 11 من أبواب الخيار.

(2). الوسائل الجزء 12، الباب 11 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 256

[السادس خيار الرؤية]
اشارة

و المراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترط فيه (1).

______________________________

و في الأمكنة التي ينتهي السّوق فيها بدخول الليل أو بزوال الشمس لا يبعد الخيار للبائع في آخر أزمنة السوق للسيرة الجارية بين العقلاء على ذلك و هذه السيرة هي العمدة حيث يحتمل جدا أن يكون ثبوتها وجها لعمل المشهور بالروايتين مع ضعفهما بالإرسال، و عليه يكون الملاك في ثبوت الخيار للبائع فوت السوق في البيع الذي يفسده المبيت بمعنى يثبت للبائع في آخر أزمنة انتهاء السوق خيار الفسخ.

بل لا يبعد أن يكون مجرد انتهاء السوق موجبا للخيار له، و ان لم يكن المبيت موجبا لفساده، و المراد بانتهاء السوق عدم التمكن على بيعه بالثمن الذي يباع به في ذلك الزّمان. فإنّ العبرة في بناء العقلاء مجي ء المشتري بالثمن قبل انتهاء السوق فيما كان عدم مجيئه و بقاء المبيع عند بايعه عرضة لتنزّل قيمته بانتهاء السوق أو طروّ الفساد عليه بل و مع عسر بيعه بعد ذلك، و ان لم يفسد و لم يتنزّل قيمته السوقيّة، و ليس المدرك لهذا الخيار قاعدة نفي الضرر ليقال انّها لا يثبت الخيار أو ان فوات السوق من قبيل فوت النفع لا الضرر.

ثم انّ المراد من كون عهدة البائع يوما ليس هو اليوم الكامل بل ينتهي عهدته بدخول الليل سواء كان البيع في أول اليوم أو أثنائه بقرينة أنّ المبيت بالمبيع هو الموجب لثبوت الخيار بخلاف ثلاثة أيام في غير ما يفسده المبيع

فانّ ظاهر ثلاثة أيّام الثلاثة التامة المتصلة، و ليس فيه قرينة على رفع اليد عن هذا الظهور. نعم يكفي في الثلاثة التلفيق كما في سائر الموضوعات المقدرة بالأيّام كأقلّ الحيض و عشرة الإقامة و غيرهما، و حيث انّ ظاهر اليوم بياض النهار فيكون الليالي المتوسطة داخلة بلحاظ الاستمرار على ما تعرضنا لذلك في بعض المباحث السابقة.

(1) ظاهر عنوان المسألة كما ذكر المصنف (ره) انّ خيار الرؤية من افراد خيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 257

..........

______________________________

تخلف الشرط حيث ان اشتراط وصف في المبيع، بمعنى جعل الخيار على تقدير تخلف ذلك الوصف و على ذلك فيكون ثبوت الخيار في الفرض مقتضى قوله (ص) المسلمون عند شروطهم لا قاعدة نفي الضرر بل كما ذكرنا سابقا انّ نفي الضرر مقتضاه نفي صحّة البيع و مع اشتراط الخيار فيه لا يناسب الامتنان رفعها.

و امّا الاستدلال بصحيحة جميل بن دراج «1» فلا يناسب خيار تخلف الشرط فانّ ظاهرها عدم اشتراط وصف في شراء تلك الصّنيعة و الّا لكان للمشتري الفسخ أخذا بشرطه من غير انّ يطلب من بائعها الإقالة لا يقال لو لم يكن في البين اشتراط الوصف لكان البيع بعدم مشاهدة تمام المبيع غرريا فإنّه يقال الظاهر انّ المشتري اعتقد بحال الصنيعة بالورود و الخروج منها؛ و لذا يرى لزوم البيع فطلب من صاحبها الإقالة.

و الحاصل: انّ ظاهر الصحيحة ان خيار الرؤية حكم شرعي يترتّب على شراء شي ء بدون مشاهدته أصلا أو تماما فيما كان ذلك الشي ء يباع بالمشاهدة بان اكتفى في شرائه بالتوصيف أو إحراز حاله بمشاهدة بعضه لا يقال يحتمل أن يكون المراد بالخيار في الرواية الاختيار في الشراء و عدمه بمعنى انّ البيع

السابق محكوم بالبطلان لعدم مشاهدة تمام المبيع و ليس بمعنى حق فسخ البيع و إقراره كما هو المعروف في خيار الحيوان و المجلس و غيرهما و يأتي انّ الخيار بمعنى بقاء اختيار الشراء و عدمه هو المراد من صحيحة زيد الشّحام.

فإنّه يقال لا يحتمل ذلك في صحيحة جميل فإنّه إذا نظر المشتري الى تسع و تسعين جزء من الصّنيعة و اعتقد حالها فلا موجب لبطلان البيع حيث يكفي هذا المقدار

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 15 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 258

..........

______________________________

في خروج شراء تمامها عن الغرر و لو فرض انّه لم يعتقد بحال القطعة التي لم يشاهدها لكان البيع بالإضافة إلى تلك القطعة باطلا لانحلال البيع بالإضافة إلى قطايعها، كما لا يخفى فيكون المشتري مخيّرا بين إمضاء البيع بالإضافة إلى القطع التي رآها و بين فسخه لا مخيرا بين شرائها تمامها و ترك شرائها، كما هو مقتضى الرواية لظهور اسم الإشارة من (قوله عليه السلام لكان له في ذلك) في الإشارة إلى شراء الصنيعة الذي وقع السؤال عن طلب الاستقالة فيه و عدم اجابة البائع بالموافقة و مفاد الجواب انّه لا حاجة الى الإقالة فإنّ للمشتري لعدم رؤيته تمام المبيع الخيار في الشراء.

و يظهر من صاحب الوسائل (قده) انّه استظهر خيار الرؤية من صحيحة زيد الشّحام ايضا حيث أوردها في الباب الذي عنونه بخيار الرّؤية قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال لا تشتر شيئا حتى تعلم أين تخرج السهم فانّ اشترى شيئا فهو بالخيار «1» إذا خرج.

و لكن لا يخفى انّه لو كان المراد شراء السهم

المشاع قبل إفرازه و تعيّنه فلا مانع عنه و يكفي في جوازه مشاهدة الكل و معلوميّة السهم، و في الفرض و ان يثبت للمشتري خيار الحيوان الّا انّه من حين الشراء لا من حين خروج السهم و تعيّنه خارجا فظاهر الرّواية لا يناسب الفرض و ان أريد شراء السّهم الخارج قبل خروجه و تعيينه خارجا؛ فهذا الشراء باعتبار عدم تعين السهم حال البيع من شراء الفرد المجهول فيكون محكوما بالبطلان، و ظاهر الرواية ذلك حيث نهى عليه السلام عن

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 15 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 259

ثم ان صحيحة جميل مختصة بالمشتري (1) فيمكن حمله على شراء عدد معيّن نظير الصّاع من الصّبرة (2).

______________________________

شراء السهم قبل خروجه أولا، ثم ذكر انّه لو اشترى يكون له الخيار حين خرج فيكون المراد من الخيار الاختيار في الشراء و تركه.

و امّا صحيحة عبد الرحمن الحجاج عن المنهال القصاب فلا ترتبط بخيار الرؤية و لا بالمراد من صحيحة زيد بل مدلولها عدم كفاية تعيين السهم خارجا بالنحو المزبور، بل لا بدّ فيه من تعديل السهام أوّلا ثم إخراجها و لو بالقرعة.

(1) لرجوع الضمائر في السؤال و الجواب الى الرجل المفروض في الرواية انّه اشترى الصنيعة و إرجاعها إلى بائعها خلاف الظاهر، لعدم ذكر البائع في السؤال قبل الضمائر. و الحاصل احتمال انّ البائع هو الذي باع الصّنيعة من غير مشاهدة كلّها بعيد؛ و أبعد من ذلك دعوى احتمال انّ الخيار في الصّحيحة يعم كلا من البائع و المشتري و وجه الأبعدية انّ الوارد فيها الخيار لمن فرض السائل عدم رؤيته تمام الصّنيعة لا لكل من لم ير تمام الصنيعة

سواء كان بائعا أو مشتريا.

(2) أقول: تصوير البيع بنحو الكلي في المعيّن يجري في الجملة التي تكون متساوية الأجزاء. و امّا في مثل الحيوان ممّا يختلف أفراده عادة بحسب القيمة فتصوير بيع الكلي في المعين لا يكون بتعيين العدد بل بتعيين نسبة قيمة المبيع الى المجموع، كما إذا باع من قطيع غنم عددها مأة مقدارا من الغنم يكون قيمة ذلك المقدار بالإضافة إلى مجموع قيمة القطيع عشرا، و مثل هذا البيع محكوم بالصّحة و يثبت فيه خيار الحيوان للمشتري، و لكن من حين البيع لا من حين تعيين المقدار المبيع خارجا بل لو عيّن البائع فردا لا يدخل ذلك الفرد في عنوان المبيع كان للمشتري استرداد ذلك الخارج و طلب تعيين الفرد المنطبق عليه عنوان المبيع، كما هو الحال كذلك في بيع الكلّي على العهدة و دفع البائع فردا لا ينطبق عليه عنوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 260

[مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة]

و المعروف انّه يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع (1).

______________________________

المبيع على العهدة.

نعم لو شاهد سابقا الجملة و بعد شراء الكلي في المعين رأى تمام الجملة أنّها تغيّرت عن الرّؤية السابقة يكون له خيار الرّؤية، و بذلك يظهر انّه لا يختصّ خيار الرّؤية بالعين الشخصيّة بل يجري في الكلّي في المعين في بعض الموارد.

(1) يعتبر عند المشهور في بيع العين الغائبة ذكر أوصاف تلك العين بحيث يرتفع الغرر عن البيع و عبّر في بعض الكلمات بذكر الأوصاف التي يعتبر ذكرها في بيع الشّي ء سلما، و في بعضها الآخر بذكر الأوصاف التي يختلف قيمة الشي ء بها كما يذكر في بعضها ذكر الصّفة؛ و المراد من جميع ذلك واحد. و لذا ادّعي الإجماع على كلّ

منها قال في التذكرة يعتبر في بيع الشي ء الغائب وصفه بما يكفي في بيع السّلم عندنا، و في موضع آخر منها انّه يعتبر في بيع الشي ء الغائب ذكر الأوصاف بما يرفع الجهالة عند علمائنا أجمع، و ذلك بذكر الجنس و سائر الأوصاف التي يختلف بها قيمة الشي ء و يطرء الجهالة بعدم تعيين تلك الأوصاف، و في جامع المقاصد يعتبر ذكر الأوصاف الّتي يختلف بها قيمة الشّي ء، و فرع على ذلك ذكر الأوصاف بما يكفي في بيع الشّي ء سلما.

ثم انّ المصنف (قده) قد أورد في المقام إشكالات خمسة و أجاب عنها الأوّل انّ الجمع بين قولهم يعتبر في بيع الشي ء غائبا ذكر تمام الأوصاف التي يختلف بها قيمة الشّي ء مع قولهم يكفي في بيع الشّي ء الغائب ذكر الأوصاف التي يكفي في بيع الشي ء سلما لا يخلو عن تناف و ذلك فإنّهم ذكروا انّه لا يعتبر في بيع الشي ء سلما ذكر تمام الأوصاف بحيث يوجب اعتبار جميعها ندرة وجود المبيع أو لتعذر استقصاء الأوصاف و ذكر تمام الأوصاف في بيع الشّي ء الغائب لا يوجب محذورا لفرض وجوده فعلا في الخارج فيمكن استقصاء أوصافه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 261

..........

______________________________

و أجاب عن هذا الإشكال بأنّه يحتمل أن يكون مرادهم ذكر الأوصاف التي يعتبر في بيع الشي ء سلما، لو لا المحذور المزبور و يكون ذلك المحذور موجبا للمسامحة في بيع الشي ء سلما بحيث يعتبر فيه ذكر عمدة تلك الأوصاف، بل يمكن أن يقال ذكر تمام الأوصاف الّتي يختلف بها قيمة الشّي ء في بيعه غائبا ليخرج بيعه عن الغرر معتبر في بيع الشي ء سلما أيضا، لأنّ الغرر في البيع مبطل له من غير فرق بين السلم و

غيره فلا وجه لإلغاء اعتبار ذكرها في السلم حتى فيما تعذر استقصائها و معنى اعتبار الاستقصاء حتى في حالة تعذره بطلان البيع لعدم التمكن على شرط البيع، كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يضبط أوصافه.

الإشكال الثاني: الظاهر عدم اعتبار ذكر تمام الأوصاف التي تختلف بها قيمة الشّي ء في بيعه غائبا لأنّ تلك الأوصاف كثيرة لا تستقصى عادة خصوصا في العبد و الأمة حيث انّ أوصاف الكمال المختلف بها قيمتها لا تنحصر بعدد، و إذا لم يستقص تلك الأوصاف يكون بيع الغائب غرريّا خصوصا بملاحظة انّ الغرر عرفا أخص من الغرر شرعا بمعنى انّه ربّما لا يكون في بيع الشّي ء غرر عرفا مع تحقق الغرر فيه شرعا، كما إذا باع الشي ء سلما و عيّن وقت الإقباض بزمان الحصاد.

الثالث: انّه لا يعتبر في بيع الشي ء الحاضر الذي يباع بالمشاهدة، كالحيوان و الأمة و نحوهما الاطّلاع على تمام أوصافها التي تختلف بها قيمتها و الّا لما جاز بيعها بالمشاهدة إلّا ممن يكون من أهل خبرة ذلك الشي ء المشاهد، و إذا لم يعتبر في بيع العين الحاضرة العلم بتمام تلك الأوصاف فكيف يعتبر في بيع الشي ء غائبا بل في بيعه سلما.

و أجاب عن جميع الإشكالات الثلاثة بأنّه يعتبر في بيع الشي ء عدم الغرر فيه عرفا، و إذا شوهدت العين أو وصفت بعمدة أوصافها لا يكون في بيعها غرر عرفا،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 262

[الأكثر على انّ الخيار عند الرؤية فوري]

الأكثر على انّ الخيار عند الرؤية فوري (1).

______________________________

و كذا الحال في بيع الشي ء سلما، و كلّما دلّ الشرع على اعتبار أمر زائد على عدم الغرر العرفي فيؤخذ به في ذلك المورد، كما إذا دلّ على اعتبار تعيين زمان الإقباض بالأيّام

و الشهر لا بالحصاد و نحوه، و يتمسك في غيره بإطلاق حل البيع و عدم الغرر فيه عرفا و يكون نتيجة ذلك اعتبار ذكر الأوصاف في بيع العين الغائبة؛ بل في بيع الشّي ء سلما بتوصيفه بما يكون وسطا بين الإجمال و التفصيل.

الإشكال الرابع: انّه ان أخذت الأوصاف في ناحية المبيع بان قيد بها فيحكم بفساد البيع للجهل بوجود المبيع المزبور خارجا و ان لم تؤخذ في المبيع فالبطلان باعتبار الجهل بأوصافها.

و لكن هذا الإشكال أيضا مندفع بما تقدم من انّه لا معنى لأخذ الأوصاف غير المقومة في ناحية المبيع الّا الاشتراط أي جعل الخيار على تقدير فقدها، و ما هو قابل للتقييد هو الكلّي دون العين الخارجية، فلا يوجب أخذها في المبيع الجهل بوجود المبيع.

(1) ذكر (قده) انّ خيار التأخير عند الأكثر على الفور و منسوب الى ظاهر الأصحاب بل في التذكرة عدم الخلاف في فوريّته عند المسلمين الّا ابن حنبل حيث جعل امتداده بامتداد مجلس الرؤية و احتمل في نهاية الأحكام و لا يعرف وجه للالتزام بفوريّته الّا الاقتصار في رفع اليد عن أصالة لزوم العقد بالقدر المتيقن.

و على ذلك فيرد على القائلين بالتراخي في خياري العيب و الغبن بأنّ التفكيك بينهما و بين خيار الرّؤية بالأخذ بأصالة اللزوم في خيار الرؤية بالإضافة الى غير القدر المتيقن دونهما بلا وجه مع انّ ملاحظة صحيحة جميل المتقدمة مقتضاه الالتزام بالتراخي في خيار الرؤية حيث لم يقيد فيها عليه السلام خيار الرّؤية بمدة.

ثمّ ذكر انّ دعوى الإطلاق في الصّحيحة لا تصحّ بناء على ما تقدم من انّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 263

..........

______________________________

الخيار في المقام بملاك نفي الضرر و كون لزوم البيع

ضرريّا و الضرر ينتفي بثبوت الخيار في الزمان الأول و لا يكون الضرر في الزمان الثاني من لزوم البيع بل من ترك الفسخ في الزمان الأول، و لذا لا يتمسك في إثبات التراخي باستصحاب الخيار لارتفاع الموضوع و لا أقل من عدم إحراز بقائه.

أقول: قد تقدّم انّ خيار الرؤية لا يدور مدار تحقق الضرر على المشتري بل إذا اشترى عينا غائبا فوجدها على خلاف ما رآها سابقا أو على خلاف ما أحرز ما فيها من الوصف يثبت له الخيار سواء كان في ذلك الشراء ضرر على المشتري أو وجدها على خلاف صلاحه و رغبته فقط، و ذلك فانّ الخيار لا يثبت بقاعدة نفي الضرر أصلا، و انّ المدرك للخيار في المقام صحيحة جميل المتقدمة، و لم يذكر فيها عنوان الضرر موضوعا و لا ملاكا. و لا يبعد أن يقال بأنّ مقتضى الإطلاق فيها تراخي الخيار.

و دعوى انّها بصدد أصل ثبوت الخيار فقط من غير تعرّض لسائر الجهات لا يمكن المساعدة عليها لأنّ الأصل في كلّ خطاب يتضمن الحكم و موضوعه كون المتكلم بصدد بيان ذلك الحكم و موضوعه بتمام قيودهما التي منها الزّمان. و بتعبير آخر تقييد مثل خيار الحيوان في الخطابات بزمان خاص و عدم تقييد مثل خيار الرؤية به مقتضاهما الالتزام بدخل الزمان في الأول دون الثّاني.

أضف الى ذلك ما ذكره السيد اليزدي (قده) من انّ الحكم في الصحيحة بثبوت خيار الرؤية للمشتري المفروض فيها لا يمكن إلّا بالتراخي في ذلك الخيار لأنّ الإمام عليه السلام قد حكم فيها بالخيار للمشتري فعلا أي بعد ما رأى القطعة التي لم يرها الى ما بعد البيع و بعد استقالته البائع و عدم موافقته على الإقالة

و بعد سؤال جميل الإمام عليه السلام عن حكم الشراء المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 264

..........

______________________________

نعم دلالتها على التراخي كذلك بالإضافة إلى المشتري المفروض في الرّواية حيث كان في الزّمان الأوّل بعد البيع جاهلا بثبوت خيار الرؤية له، و يمكن اختلاف الخيار في الفوريّة و عدمها بالإضافة إلى العالم و الجاهل بالخيار و عدم كون الجهل بالحكم عذرا بالإضافة الى مخالفة التكليف و الحكم لا بالإضافة إلى اختلاف جعل الحقّ، و منه الخيار كما لا يخفى فما ذكره (ره) في ذيل كلامه من عدم كون الجهل بالفورية عذرا فتكون مقتضى الصحيحة التراخي في الخيار مطلقا ضعيف لانّه بعد إمكان اختلاف الجاهل بالخيار و العالم به في الفورية و عدمها يشكّل استفادة الحكم بالتراخي في حق من كان عالما بثبوت خيار الرؤية له، و لكن أخّر الفسخ و لو مع جهله بفوريّته.

و لكن يمكن دفع هذا الإشكال بإطلاق الحكم على المشتري المزبور بأنّ له خيار الرؤية حيث لم يقيّده عليه السلام بأوّل زمان علمه بالخيار، بل لا يمكن هذا التقييد كما لا يخفى.

و قد يجاب عمّا ذكره السيد اليزدي (ره) انّ الظاهر من أمثال الصحيحة أنّها سؤال عن الحكم لا انّه وقع أمر شخصي أريد السؤال عن حكمه فأصحاب الأئمّة عليهم السلام كانت طريقتهم فرض مسائل لأخذ الجواب و الثبت في كتبهم، و لعلّ كثيرا منها لم تكن واقعة في الخارج، كما يظهر بالمراجعة إلى الأصول المنقول فيها رواياتهم فلا وجه لما ذكر.

أقول: لم يظهر وجه الجواب فانّ ارادة السؤال عن الحكم الكلّي لازمه أن يعمّ الجواب الكلي الواقعة المفروضة في السؤال أيضا لا أن لا يعمّ الجواب شخص الواقعة المفروضة في

السؤال، كما لا يخفى. و محور كلام السيد اليزدي (قده) انّه لو كان خيار الرّؤية بنحو الفور لم يمكن ثبوت الخيار فعلا للمشتري المفروض في السؤال.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 265

[يسقط هذا الخيار بترك المبادرة]

يسقط هذا الخيار بترك المبادرة (1).

______________________________

(1) يسقط خيار الرّؤية بأمور:

الأوّل: ترك مبادرة ذي الخيار الى فسخ البيع على قرار ما تقدم من تركها في فسخه بخيار الغبن. أقول: انتهاء الخيار بترك المبادرة مبني على كون خيار الرؤية على الفور، و قد تقدم ضعف ذلك و انّه على التّراخي.

الثاني: إسقاطه قولا بعد الرؤية و وجدان العين على خلاف ما رآها سابقا فانّ جواز إسقاطه مقتضى كون الخيار حقّا على ما استفيد من الأخبار الواردة في خيار الحيوان و غيره، و لا يحتمل كون بعض الخيار حقّا دون البعض الآخر.

الثالث: التصرّف في العين الّتي رآها على خلاف ما رآها سابقا أو على خلاف ما أحرز لها من الوصف، و لكن هذا التصرّف فيما إذا كان مع بقاء الرّضا بالمعاملة و الإغماض عن فسخها حتى فيما بعد يكون إسقاطا فعليّا، و لا فرق في نفوذ الإسقاط بين القول و الفعل؛ و امّا إذا كان بغير هذا الداعي فلا دليل على سقوط الخيار به بعد ما ذكرنا من انّ الخيار حقّ يتعلّق بالمعاملة و لا يمنع عن تصرّف المتعاملين فيما انتقل إليهما. نعم قد حكم الشارع في بعض التصرفات بأنّها إسقاط فعلي للخيار كلمس الجارية و النظر منها الى ما يحرم على غير المالك و الزوج و الكلام في المقام في مطلق التصرّف لا في تلك التصرفات التي لا يبعد القول بأنّها مسقطة لخيار الحيوان، و لا يعمّ سائر الخيارات لاحتمال الخصوصيّة في خيار

الحيوان. و لذا لا يوجب النظر إلى الأمة المشتراة سقوط خيار العيب على ما يأتي.

ثم انّه ظهر مما ذكرنا عدم الفرق في التصرف المسقط بين كونه قبل الرؤية أو بعدها بناء على ما ذكر من جواز إسقاط الخيار بعد البيع و قبل الرؤية حتى لو قيل بحصول الخيار بالرؤية بأن يكون الرّؤية مقوّما لموضوع الخيار لا كاشفا.

الرابع: إسقاطه قولا أو فعلا بعد المعاملة و قبل الرؤية. و قيل جواز إسقاطه قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 266

..........

______________________________

الرّؤية مبني على كون الرؤية كاشفة؛ و امّا إذا كانت سببا فيكون إسقاطه قبلها من إسقاط ما لم يجب و ذكر المصنف (ره) انّه لو قيل بأنّ السبب للخيار هو العقد و الرؤية شرط لتحققه كفى ذلك في إسقاطه حيث يجوز في إسقاط شي ء تحقق سببه.

أقول: قد ذكر الرؤية في صحيحة جميل بإضافة الخيار إليها، و الإضافة تكفي فيها مناسبة ما و لو باعتبار أنّ الرؤية غالبا موجب العلم بفقد الأوصاف التي أحرزها المشتري في العين الغائبة أو اعتقد بوجودها فيها، بل الرؤية في أمثال المقام كناية عن العلم المتمحض في الطّريقية، كما في قوله إذا رأيت زيدا محتاجا فأعطه المال.

و بتعبير آخر مناسبة الحكم و الموضوع انّ الخيار مترتب على فقد الوصف الذي أحرزه المشتري و اعتقده في المبيع الغائب؛ و لذا لو رأى العين على ما أحرزها لم يكن له خيار مع انّه لم يذكر ذلك في الصحيحة، هذا أوّلا، و ثانيا. لو سلّمنا حدوث الخيار بالرّؤية الّا انّ إسقاط الحق لا يقاس بإسقاط الأمر الحقيقي و العيني؛ بل هو كالحقّ أمر اعتباري إنشائي، و قد ذكرنا كرارا اعتبار الأمر الاستقبالي وجودا و

سقوطا أمر ممكن غاية الأمر يحتاج نفوذه الى دليل الإمضاء، و دليل الإمضاء في المقام جواز إسقاطه حال العقد بشرط سقوطه فيه فإنّه إذا كان الخيار من الحقوق و جاز إسقاطه قبل تمام العقد باشتراط سقوطه عنه كما يأتي جاز إسقاط ذلك الحق بعده ايضا حيث لا يحتمل جواز إسقاط الحق في العقد لا بعده.

الخامس: اشتراط سقوطه في العقد فانّ في هذا الاشتراط أقوال ثلاثة: الأول:

فساد الشرط و فساد البيع به. الثاني: صحّة العقد و الشرط فلا يكون مع شرط سقوط خيار الرّؤية خيارها في شراء العين الخارجيّة. الثالث: فساد الشرط، و لكن يصحّ العقد و يثبت في شرائها خيار الرّؤية كما هو مقتضى فساد الشرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 267

..........

______________________________

و ذكر (قده) في وجه الأوّل انّ الشرط المزبور يوجب كون البيع غرريّا لانّ معنى شرط سقوط الخيار عدم التزام البائع بوجود الصفات التي وصفها بها، و انّه يبيع العين الغائبة بأيّ صفة. و بتعبير آخر اعتبار الأوصاف في العين كان قائما مقام مشاهدة العين؛ و إذا ألغى اعتبار الأوصاف كان بيع تلك العين بلا توصيف و رؤية و هذا يدخل في بيع الغرر.

و وجه القول الثاني: انّ خيار الرؤية نظير خيار الحيوان حكم شرعي يترتّب على تمام البيع، و معنى شرط سقوط الخيار الرّؤية الالتزام بعدم فسخ البيع لا انّ العين الغائبة تباع بأيّ صفة كانت بحيث يوجب الغرر في البيع، و الّا لما صحّ اشتراط البراءة من العيوب و يكون البيع بها غرريّا، لانّ اختلاف ماليّة الشي ء باختلاف صحّة الشي ء و عيبه أفحش من تفاوتها باختلاف سائر الأوصاف.

لا يقال: الرافع للغرر عن البيع في وصف الصحّة و العيب ليس

هو التوصيف بل الاعتماد على أصالة الصحّة بخلاف رفعه في بيع العين الغائبة فإنّه يكون بالتوصيف فمع الإغماض عن التوصيف يكون بيعها غرريّا بخلاف مسألة البراءة عن العيوب.

فإنّه يقال لا فرق في ملاحظة الوصف لرفع الغرر عن البيع بين وصف الصحّة و سائر الأوصاف غاية الأمر ملاحظة وصف الصحّة غير محتاج الى ذكرها في متن العقد بل يكتفي في بيع الشي ء صحيحا الاعتماد على أصالة سلامته، فيكون معنى البراءة عن العيوب بيع الشي ء صحيحا كان أو فاسدا، خصوصا على ما حكاه في الدروس عن الشيخ و أتباعه من جواز اشتراط البراءة عن العيب فيما لا قيمة لمكسوره مع العيب كالبيض و الجوز الفاسدين؛ و لذا ذكر الشهيد و أتباعه فساد البيع باشتراط البراءة في مثل الجوز و البيض، و لكن مقتضى ذلك عدم جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 268

..........

______________________________

اشتراط البراءة حتى في غيرهما ايضا.

و وجه القول الثالث: انّ شرط سقوط خيار الرؤية لا يوجب الغرر في البيع فانّ غايته أن لا يكون له الفسخ على تقدير تخلف الرؤية عن التوصيف الّا انّ الخيار في زمان اشتراط سقوطه غير محقق فيكون الاشتراط المزبور من إسقاط ما لم يجب فلا يصحّ و نتيجة ذلك صحّة البيع و ثبوت خيار الرّؤية على تقدير تخلف الرؤية عن التّوصيف.

ثمّ انه (ره) اختار القول الأوّل بدعوى انّ شرط سقوط الخيار موجب للغرر في البيع لأنّ الأوصاف التي تذكر للعين الغائبة؛ امّا قيد للبيع، و امّا قيود للمبيع؛ و مع شرط سقوط الخيار يكون مقتضى العقد وقوع البيع على كل تقدير و على أيّ وصف للعين المزبورة و التنافي بين هذا و بين توصيف بايع العين ظاهر

بخلاف البراءة عن العيوب فإنّ التنافي لا مجال له فيها فانّ رفع الغرر عن البيع في مورد خيار العيب يكون باعتماد المشتري على أصالة الصحّة لا على تعهّد البائع و توصيفه فلا يكون في اشتراط البراءة تناف لتحقق الاعتماد على أصالة الصحّة و لو مع برأيه البائع، و على ذلك فلو كان الاعتماد في شراء العين الغائبة على أمر آخر غير توصيف البائع كما إذا رأى المشتري العين سابقا و اشتراها بالاعتماد على استصحاب بقائها على حالها أو على توصيف غير البائع يكون اشتراط سقوط خيار الرؤية نظير مسألة البراءة عن العيوب غير مناف لارتفاع الغرر عن البيع.

و لو فرض انّه لا فرق بين الاعتماد على أصالة الصحّة و توصيف البائع في انّ اشتراط سقوط الخيار في مسألة البراءة عن العيوب و مسألة بيع العين الغائبة يوجب الغرر في البيع فنلتزم بجواز البراءة عن العيوب للنص الوارد فيها و يكون هذا النصّ مخصصا للنهي عن بيع الغرر، فانّ هذا النهي عنه لا يزيد على سائر العمومات الّتي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 269

..........

______________________________

يرفع اليد عن عمومها بورود المخصّص.

أقول: عمدة ما ذكره (قده) في المقام يرجع الى أمور ثلاثة: أحدها: انّ الوصف الّذي يتعهده البائع للمشتري قيد للبيع أو قيد للمبيع بحيث لا يكون البيع أو المبيع مع عدم ذلك التعهد مطلقا.

و ثانيها: انّ كل وصف اعتبر في المبيع بتعهد البائع و توصيفه لا يمكن فيه شرط سقوط خيار الرّؤية لتنافي التوصيف و التعهد مع شرط سقوط الخيار فيكون البيع مع شرط سقوط الخيار غرريّا بخلاف ما إذا كان رفع الغرر بغير توصيف البائع و تعهّده، كما في خيار العيب فانّ شرط

سقوط الخيار فيه لا يوجب التنافي و الدخول في الغرر.

و ثالثها: انّه لا يقاس مسألة برأيه البائع عن عيوب المبيع بمسألة شرط سقوط خيار الرؤية مع توصيف البائع لينافي شرط سقوط الخيار التوصيف، و على تقدير الإغماض عن ذلك فيمكن الالتزام بأنّ النهي عن بيع الغرر قد ورد التخصيص عليه في مورد برأيه البائع من العيب لورود النصّ على جوازه و سقوط الخيار معها و النهي المزبور لا يزيد على سائر العمومات و المطلقات.

و لكن لا يخفى انّ ذكر البائع الوصف للمبيع و ان يوجب تقييده و لكنه مختص بالكليّات لأنّها قابلة للتّقييد؛ و لذا لو باع كليّا موصوفا و دفع الى المشتري ما يكون فاقدا له يكون للمشتري الاستبدال فقط لا خيار الفسخ لأنّ ما دفعه الى المشتري ليس فردا للمبيع ليكون المدفوع وفاء للبيع، و لكن العين الشخصيّة لا يقبل التقييد؛ و لذا يكون الوصف فيه توضيحا.

و امّا نفس البيع فانّ الوصف في شي ء من القسمين لا يكون قيدا للبيع و الّا كان محكوما بالبطلان للتعليق و لا أقلّ ينتفي البيع مع عدم ذلك الوصف لا ان يثبت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 270

..........

______________________________

الخيار فانّ الخيار حقّ في فرض ثبوت البيع. و الحاصل انّ الوصف في بيع العين الخارجيّة سواء كان بذكر البائع أو بغيره ان أخذ بنحو الشرط فلا يكون قيدا للمبيع كما انّه لا يكون قيدا لنفس البيع.

نعم قد يقع التعهد به في المعاملة و لا معنى للتعهد به في بيع العين الشخصية كما هو الفرض الّا ثبوت الخيار للمشروط له على تقدير عدمه، و ظاهر توصيف البائع العين بوصف ثبوت هذا التعهد عليه و المراد بالظهور

إطلاق توصيفه و عدم تعقيبه بقوله و لكن لا خيار لك مع عدم الوصف فيكون توصيف البائع مع هذا التعقيب كتوصيف وليّ البنت في نكاحها بأنّها كذا، فلا منافاة بين التوصيف و عدم الخيار و شرط سقوط الخيار لأنه يكفي في شرط سقوطه احتمال عدم الوصف و لو احتمالا ضعيفا بحيث لا ينافي التّوصيف المتضمّن للأخبار بالوصف أو يكون شرط سقوط الخيار بداعي ان الوصف و ان يكون موجودا باعتقاده جزما إلّا انّه يحتمل أن المشتري ان يدعي فقده فيكون التحفظ على مؤنة الاختلاف و المحاكمة داعيا له الى شرط سقوط الخيار.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال انّ الموجب لثبوت الخيار هو التعهد المعاملي بالوصف و يحصل هذا التعهد و لو كان رفع الغرر في المعاملة باعتماد المشتري على أصالة السلامة أو توصيف الغير أو غير ذلك، و فيما إذا وقعت المعاملة مبنيّة على التّعهد به و لم يعقب بسقوط الخيار على تقدير التخلف يثبت الخيار و لا خيار مع تعقيبها به سواء كان الخيار المشترط سقوطه خيار الشرط أو الرّؤية أو غير ذلك. نعم قد ذكرنا فيما سبق عدم دوران خيار الرؤية للتعهد بل هو خيار آخر غير خيار الشرط؛ و لذا يثبت مع عدم توصيف البائع أيضا كما إذا اشترى العين الغائبة برؤية سابقة أو توصيف الأجنبي فلا مورد في مثله لتوهم الغرر مع شرط سقوط الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 271

[لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت]

لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت (1).

______________________________

و على الجملة شرط سقوط خيار الشرط ينافي التّعهد بالوصف لا انّه ينافي التوصيف و رفع الغرر يكون بالتوصيف لا بتعهد البائع بالوصف فلا منافاة بين شرط سقوط خيار الشرط أو غيره

و بين توصيف البائع المبيع بوصف أو أوصاف.

(1) لا يسقط هذا الخيار ببذل البائع التفاوت بين العين الفاقدة للوصف و الواجدة له بان ليس له إجبار المشتري على أخذ ذلك التفاوت و إبقاء البيع كما انّه ليس للمشتري إلزام البائع بالبذل المزبور، و كذا الحال في إبدال المبيع الفاقد للوصف بالعين الواجدة له؛ و امّا التّراضي بالبذل أو الإبدال فهذا أمر آخر و يكون من الإسقاط الخيار بالفعل و قد مرّ أنّه كإسقاطه القولي.

و لو اشترطا في العقد الإبدال على تقدير تخلّف الوصف ففي صحة العقد و الشرط أو فسادهما أو صحة العقد دون الشرط أقوال: فإنّه قد ذكر في الدروس انّ الأقرب الفساد و قد حمله المصنف (ره) على فساد العقد و الشرط معا، و ذكر في وجهه انّه لو رجع شرط الأبدال على تقدير تخلف الوصف الى انفساخ ذلك العقد و انعقاد عقد آخر بين الثّمن المزبور و العين الأخرى الواجدة للوصف نحو شرط النّتيجة، فمن الظاهر انّ الشرط لا يحقق الانفساخ و لا انعقاد عقد آخر و لو رجع انّه على تقدير تخلف الوصف ينعقد عقد آخر بين العين التي جرى عليه البيع و بين البدل فيكون الشرط أي المشروط انعقاد معاملة أخرى تعليقيّة غررية لأنّ المفروض انّه لا يعلم فعلا انّ العين التي يجري عليها البيع فاقدة للوصف أو واجدة له، و هذا الشرط يوجب الغرر في أصل البيع فيبطل البيع و الشرط.

ثمّ تعرّض لما ذكره صاحب الحدائق (ره) في الردّ على الدروس و قال انّه يظهر مما ذكرنا ضعف الردّ. قال في الحدائق في مقام الردّ على الدروس ما حاصله انّه لو أراد الشهيد انّ البيع المشروط فيه الإبدال باطل

على الإطلاق أي فيما ظهرت

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 272

..........

______________________________

العين على الوصف و ما ظهرت على خلافه ففيه انّه لا موجب لبطلانه مع ظهور العين على الوصف بل مقتضى الأخبار المتقدمة أي الأخبار الواردة في خيار الرّؤية صحّة ذلك البيع. نعم لو ظهرت العين على خلاف الوصف يكون البيع فاسدا لتخلّف الوصف و لا يصحّحه شرط الإبدال لإطلاق الأخبار المشار إليها من انّ للمشتري الخيار مع خلاف الوصف، و لعلّ مراد الشهيد في الدروس من الفساد فساد الشرط دون البيع و وجه فساد الشرط عدم ترتّب أثر على الشرط المزبور ظهرت العين على الوصف أو على خلافه.

أقول: الظاهر انّ صاحب الحدائق (ره) قد فهم ممّا ورد في خيار الرؤية بطلان البيع على تقدير تخلف الوصف بأن يكون معنى الخيار فيه اختيار البيع و عدمه؛ و لذا ذكر انّه مع ظهور العين على الوصف لا موجب لبطلان البيع و انّه مع المخالفة يبطل و لا يصحّحه الشرط المزبور، و فيه أوّلا انّ صحيحة جميل المتقدمة ثبوت الخيار بمعناه المعروف؛ و ثانيا انّه لا تعرّض لها لصورة ظهور العين على الوصف فكيف تمسك بإطلاقها.

و امّا أصل المسألة أي شرط الإبدال في البيع فان كان بنحو شرط الفعل فلا ينبغي الإشكال في صحّة البيع و الشرط، بل يكون شرط الإبدال من شرط سقوط خيار الرؤية فلا يكون للمشتري على تقدير تخلف الوصف إلّا المطالبة بالإبدال. نعم لو امتنع البائع عن الأبدال و لم يمكن إجباره فللمشتري خيار الفسخ لتعذّر الشرط.

و امّا إذا كان بنحو شرط النّتيجة فإن كان المشروط انفساخ البيع و انعقاد معاوضة أخرى بين الثمن و العين الواجدة للوصف فالشرط المزبور

باطل، لانّ شرط الانفساخ في العقد فسخ فعلي للمعاملة قبل حصولها، و لا دليل على نفوذه كما انّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 273

[الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد]

الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد (1).

______________________________

شرط الأبدال مع الانفساخ شرط ابتدائي لانّ بالانفساخ ينفسخ المعاملة بشرطها و لا يقاس بشرط سقوط الخيار في العقد فانّ ما دلّ على شرط سقوط خيار العيب بالبراءة من العيوب في العقد دليل على مشروعيّة إسقاط الخيار في العقد فيعمّه قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم)؛ بخلاف شرط الانفساخ.

و امّا شرط الأبدال بين العين الفاقدة للوصف و الواجدة له بلا انفساخ البيع الأول بنحو شرط النّتيجة فهو ايضا باطل فإنّه من تمليك الشي ء بعوض أي المبدل قبل تملكه. و بتعبير آخر يدخل التمليك المزبور في بيع الشي ء قبل تملكه فيعمّه قوله صلوات اللّٰه عليه (لا بيع إلّا في ملك) بل في قوله عليه السلام نهى عن بيعين في بيع.

و امّا ما ذكر (قده) في وجه البطلان من انّ شرط الإبدال معاملة غرريّة تقديريّة فلا يمكن المساعدة عليه لأنّ المبدل في التمليك بالشرط العين الفاقدة للوصف؛ و امّا التعليق في التمليك فلا دليل على بطلانه بل الثابت بالإجماع هو التعليق في العقود لا في شروط العقود ايضا كما لا يخفى.

(1) لا يخفى انّ خيار الرّؤية على تقدير رجوعه الى خيار تخلّف الوصف المشروط فلا اختصاص لذلك الخيار بالعين المبيعة بل يجري في كل معاملة تقبل اشتراط الخيار فيه. و امّا بناء على ما ذكرنا من انّ خيار الرؤية خيار تأسيسي يترتّب على عدم رؤية العين الخارجية زمان بيعها سواء كان شرائها بالرؤية السابقة أو بتوصيف ثالث؛ و استفدنا ذلك من صحيحة جميل

المتقدمة فلا يمكن التعدّي منها الى غير البيع من سائر المعاملات؛ و على ذلك فلو كانت المعاملة الأخرى المتعلقة بالعين الخارجية الغائبة بتوصيف مالكها فيثبت خيار الشرط، و الّا فلا خيار. و ممّا ذكر يظهر الحال في الاستدلال الّذي ذكره المصنف (ره) على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 274

[لو اختلف البائع و المشتري في الصفة]

ففي التذكرة قدّم قول المشتري (1).

______________________________

التّعدّي إلى سائر المعاملات.

(1) لو اختلفا فقال البائع لم يختلف الوصف و قال المشتري قد اختلف ذكر في التذكرة يقدم قول المشتري لأصالة براءة ذمة المشتري من الثمن؛ و معنى تقديم قوله انه يثبت له خيار الفسخ بحلفه على عدم تعلق البيع على هذا الموجود بدون ذلك الوصف، و لكن ذكر في المختلف تقديم قوله البائع لأصالة عدم الخيار و لا مجال لأصالة براءة ذمة المشتري من الثمن بعد إقراره بوقوع البيع على هذا الموجود و دخول الثمن في ملك البائع سواء تخلّف الوصف أم لا.

و ما قيل من انّ المراد من أصالة برأيه ذمّة المشتري عدم وجوب تسليمه الى البائع حتّى ما لو أقبض المبيع بناء على ما ذكروه في أحكام الخيار من عدم وجوب القبض و الإقباض زمان الخيار و لا يجب تسليم أحدهما و لو مع تسلّم المال من الآخر ففيه انّه لا يجوز الإمساك بمال الغير بلا رضاه و الخيار حق متعلّق بالعقد فانّ فسخ ذو الخيار يكون له استرداد ما انتقل عنه الى صاحبه و الّا فلا يجوز الاسترداد أو الإمساك به مع تسلم المال الآخر عن صاحبه. و الأظهر انّه لو رجع خيار الرّؤية إلى خيار تخلّف الوصف المشروط كما هو ظاهر المصنف (ره) فقد تقدم انّ الخيار اثر تعهّد البائع

بالوصف المفقود و الأصل عدم تعهّده به و ما ذكر المصنف (ره) من انّ لزوم العقد أثر إطلاق متعلق البيع فقد تقدم انّ العين الخارجية غير قابلة للتّقييد و اللزوم من أحكام البيع في صورة عدم تعهد البائع بالوصف المفقود و جريان البيع على العين محرز بالوجدان و عدم تعهد البائع بالوصف محرز بالأصل.

و امّا إذا كان خيار الرّؤية خيارا برأسه و انّه يثبت في شراء العين الخارجيّة التي لم يرها مشتريها عند شرائها فلم يحرز ان قيد الموضوع عدم وجدان العين على ما أحرزها من الوصف أو وجدانها على خلاف ما اعتقدها فيه من الوصف فلا يمكن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 275

[لو نسج بعض الثوب فاشتراه على ان ينسج الباقي]

لو نسج بعض الثوب فاشتراه على ان ينسج الباقي (1).

______________________________

إجراء الأصل في ناحية موضوع الخيار فيجري في ناحية عدم ثبوت حق الخيار للمشتري المزبور فيكون القول قول البائع كما لا يخفى.

(1) لو نسج بعض الثوب و كان بعضه الآخر غير منسوج و باع المنسوج و غيره على ان ينسج الباقي على طبق المنسوج فقد قيل كما عن الشيخ (ره) في المبسوط و القاضي و ابن سعيد بطلان البيع المزبور من أصله لأنّ المبيع بعضه موجود و بعضه غير معلوم و ذكر السيد اليزدي (قده) ان مرادهما بيع العين الخارجيّة التي بعضها موجود و بعضها غير موجود. و من الظّاهر انّه لا يصحّ بيع العين الخارجيّة قيل تحقّقها كبيع حنطة المزرعة و نحوها قبل وجودها.

أقول: بيع العين الخارجية قبل وجودها لا بنحو الكلي على العهدة، و ان كان غير صحيح فانّ العين قبل وجودها لا يعتبر ملكا و لا يصحّ بيعه مضافا الى ورود النصّ بذلك في بعض

أفراد المسألة، كبيع حنطة المزرعة و الثمرة قبل وجودهما الّا انّ ذلك لعدم الوجود حال البيع لا للجهالة؛ بل لو علم حصول العين في المستقبل ايضا لا يجوز بيعها، و لكن يظهر من النصوص المزبورة انّ تحقق بعض المبيع كاف في جواز بيع كلّه فراجع.

ثم انّ على تقدير بطلان البيع لعدم وجود بعض المبيع فعلا و كونه استقباليّا لا يوجب بطلان البيع مطلقا؛ بل يختصّ ذلك بالإضافة إلى موارد عدم انحلال البيع بالإضافة إلى الموجود و غير الموجود و الثوب في غالبه من موارد الانحلال؛ كما لا يخفى.

و ذكر المصنف (ره) انّ للبيع المزبور صور ثلاث و في كلّها يكون البيع محكوما بالصحّة، و لكن الصّورة المتقدمة مغفول عنها في كلامه، و الصور الثلاث ما إذا باع بعض المنسوج منضمّا الى الغزل الخارجي غير المنسوج على ان ينسجه طبق المنسوج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 276

[السابع خيار العيب]
اشارة

إطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيّا على سلامة العين (1).

______________________________

و ما إذا باع المنسوج مع غزل كلّي موصوف على ان ينسجه و ضمّ الكلّي إلى العين الخارجيّة و بيعهما بصفقة لا بأس به، و بعض الكلمات المنقولة عن المختلف يشير الى جعل نسج الغزل شرطا في البيع حيث ذكر انّ اشتراط النسج كاشتراط الخياطة و الصبغ و ما إذا باع المنسوج مع أذرع معلومة من الثوب ينسجه مع النسوج فعلا، و يكون ايضا من ضمّ الكلّي إلى العين الخارجيّة في البيع، و قال انّ البيع في جمع الصور الثلاث محكوم بالصحة غاية الأمر انّه لو لم ينسج الباقي في الصورتين الأوّليتين يصحّ البيع في تمام البيع و يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط بخلاف الصورة الأخيرة فإنّه

يصحّ البيع بالإضافة إلى المنسوج مع ثبوت خيار تبعّض الصفقة فيه للمشتري.

(1) المراد من ابتناء العقد على سلامة العين اشتراط سلامتها في العقد الجاري على تلك العين نظير ابتنائه على وصف كمال يذكر في متن العقد و ليس المراد تعليق العقد على حصول ذلك الوصف و الّا بطل البيع مطلقا لاشتراط التنجز في العقود، و لا أقلّ من بطلانه على تقدير عدم الوصف لا كون العقد خياريا كما لا يخفى- و ما قيل من انّ اعتبار وصف الصحّة لانصراف متعلّق البيع الى فرض سلامته لا يخفى ما فيه لانّ الانصراف يتحقق في الكلمات، و لا يعمّ العين الخارجيّة و مع الإغماض عن ذلك فلازم ذلك عدم وجود للمبيع على تقدير فقد وصف الصحّة.

و الالتزام بتعدد المطلوب كما عن السيد اليزدي (قده) كما ترى فإنّه لو كان المراد من تعدّد المطلوب تعدد الالتزام و الملتزم به بان يكون أحد الالتزامين متعلّقا بملكيّة المشتري العين بإزاء الثمن، و الآخر بتحقق وصف الصحّة بمعنى استحقاق المشتري المطالبة به بحيث لو لم يكن في العين ذلك الوصف يكون له رفع اليد عن الالتزام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 277

..........

______________________________

الأوّل بفسخ المعاملة، فهذه عبارة أخرى عن الشرط الضمني و لو أريد من تعدد المطلوب معنى آخر فلا نتصوّره في البيع و نحوه فإنّه لا يمكن الالتزام بتعلق البيع بنفس العين مطلقا و بيع آخر بالعين مقيّدة بالوصف.

و الحاصل: في المقام أمران أحدهما الحكم بصحة بيع العين مع عدم الجزم بسلامتها مع انّ إحراز سلامتها ممّا يوجب انتفاء معظم الغرر عن بيعها و صحّته باعتبار هذا الإحراز بالاعتماد على أصالة الصّحّة.

و ثانيهما: ثبوت خيار العيب مع عدم

تبرّء البائع عن عيب المبيع، و هذا باعتبار اشتراط سلامة المبيع لا للاعتماد إلى أصالة الصّحة، و يشهد لذلك سقوط خيار العيب مع تبرأ البائع من عيب المبيع مع اعتماد المشتري على أصالة الصّحة، كما اعترف المصنف (ره) بذلك فيما سبق و على ذلك فلا بدّ من تعليل عدم ذكر وصف الصّحة في متن العقد بكون اشتراطها ارتكازيّا لا بالاعتماد على أصالة الصّحة، كما في عبارة المصنّف (ره). نعم يكون تعليل انتفاء الغرر بالاعتماد عليها كما ذكرنا.

و قد ظهر مما ذكرنا انّه لو أغمض النّظر عن الروايات الواردة في عيب المبيع لكان الثابت للمشتري خيار الشرط، و لذا جرى عليه سيرة العقلاء و لو من غير أهل الملّة و يعملون مع فقد وصف الصّحة معاملة فقد وصف الكمال المشروط و لا يكون في البين استحقاق المشتري مطالبة البائع بالأرش، و لكن قد ورد النصّ في مورد العيب بأنّ للمشتري المطالبة بأرش العيب و سقوط جواز الردّ بالحدث في المبيع و هذا حكم شرعي في مورد اشتراط وصف الصّحة و مقتضى النصّ عدم الفرق في ذلك بين الاكتفاء في شراء المعيب الواقعي بالشرط الارتكازي أو بذكر وصف الصحة في متن العقد صريحا.

و ما قيل من اختصاصه بما إذا لم يشترط وصف الصّحّة في متن العقد و الّا يجري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 278

[ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الردّ و أخذ الأرش]

ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الردّ و أخذ الأرش (1).

______________________________

عليه حكم خيار الشرط لا يمكن المساعدة عليه و يؤيّد ما ذكرنا مضمرة يونس بن عبد الرحمن في رجل اشترى جارية على انّها عذراء فلم يجدها عذراء، قال يردّ عليه فضل القيمة إذا علم انّه صادق

حيث انّ الاقتصار بأخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الفسخ مقتضاه ثبوت خيار العيب، و لو كان في البين خيار الشرط لم يسقط جواز الفسخ بالتصرّف في الجارية بالوطي، أو ما دونه غاية الأمر كان على المشتري بعد الفسخ مهر المثل، و لكن العمدة ما ذكرنا فإنّ الرّواية مع الإغماض عن إضمارها ضعيفة بإسماعيل بن مرار مع احتمال اختصاص الحكم بشرط البكارة و معارضتها بمثلها فراجع.

(1) المشهور على تخيير المشتري مع ظهور عيب المبيع بين فسخ المبيع و إمضائه و المطالبة بأرش العيب هذا مع بقاء المبيع بحاله و عدم التصرّف فيه و الّا تعيّن الإمضاء مع استحقاقه المطالبة بالأرش، و لكن الروايات الواردة في المقام لم يذكر فيها التّخيير، بل ذكر فيها جواز الرّدّ و الفسخ كصحيحة ميسّر عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قلت له رجل اشترى ذق زيت فوجد فيه درديا قال فقال ان كان يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يردّه و ان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه، و ما ورد في الأرش يختصّ بصورة التصرف في المبيع و احداث الحدث فيه.

نعم ورد في الفقه الرضوي فإن خرج السلعة معيبا و علم المشتري فالخيار اليه ان شاء ردّه و ان شاء أخذه أو ردّ عليه بالقيمة أرش العيب، و ظاهره كما في الحدائق تخير المشتري بين فسخ البيع و إمضاء البيع بدون أخذ الأرش أو مع أخذه و احتمل بعضهم زيادة الهمزة في لفظة أو و يكون مفاد واو العطف و مقتضاه تخيير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 279

..........

______________________________

المشتري بين فسخ البيع و أخذ الأرش كما عليه المشهور.

و لكن

الأظهر انّ جواز المطالبة بالأرش يختص بمورد الحدث في المعيب و قبله لا يكون للمشتري إلّا الفسخ و بعده يكون المطالبة بالأرش فقط كما عليه جماعة من الأصحاب ففي معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال أيّما رجل اشترى شيئا به عيب و عوار لم يتبرء اليه و لم يبيّن له فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا، ثم علم بذلك العوار و بذلك الداء انّه يمضي عليه البيع و يرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به «1»، و مرسلة جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا فقال ان كان الشّي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه و أخذ الثمن؛ و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب و على ذلك فلو لم تكن في هذه دلالة على عدم الاستحقاق لأخذ الأرش مع عدم الحدث في المبيع فلا أقلّ انّه لا دلالة في البين على جواز المطالبة به قبل التصرّف و احداث الحدث.

و قد تقدّم انّ ثبوت الأرش لا يدخل في مقتضى اشتراط وصف الصّحّة و يحتاج ثبوته الى الدليل و الفقه الرضوي لم يثبت كونها رواية ليدّعي انجبار ضعفها بعمل المشهور مع احتمال انّ المشهور التزموا بالتخيير بين الفسخ و المطالبة بالأرش لبعض ما أشار المصنف (ره) اليه و عمدته ما قيل من انّ وصف الصّحة كالجزء للمبيع، و مع فقدها يبطل البيع بالإضافة الى ما وقع من الثمن بإزاء ذلك الوصف فيكون للمشتري استرداد ذلك أو فسخ البيع تماما لتبعض الصّفقة عليه.

و لكن الوجه ضعيف جدا و ذلك فانّ

وصف الصّحة كوصف الكمال، و ان

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 16 من أبواب الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 280

ينافيه إطلاق الأخبار بجواز أخذ الأرش (1).

______________________________

يوجب زيادة ثمن العين الّا انّ الثمن في البيع يقع بإزاء نفس العين؛ و لذا يكون تمام الثمن للبائع على تقدير عدم فسخ البيع و عدم المطالبة بالأرش؛ بل على تقدير المطالبة أيضا لأنّ الأرش الذي يستحقّه المشتري بمطالبته من قبيل التغريم في باب اللقطة، و ليس جزءا من الثمن و لا من قبيل الدين على العهدة بأن يثبت المال على عهدة البائع من دون المطالبة.

و يترتب على ذلك انّه لا يتعيّن على البائع ردّ الأرش من نفس الثمن و لو مع مطالبة المشتري.

و امّا ما ذكره المصنف (ره) من انّ الجزء الفائت يقسط عليه فيما إذا لم يؤخذ في البيع شرطا و مع ثبوته شرطا فلا يثبت في البيع الّا خيار الفسخ، كما إذا باع الأرض على انّها جريان معينة فظهرت أقلّ منها فلا يمكن المساعدة عليه فإنّه إذا كان الجزء مما ينحل البيع بالإضافة إليه كما إذا كانت الأرض مما يباع كل جرب منها بكذا و باعها بثمن على انّها جريان معيّنة فظهرت أقلّ منها ينحلّ البيع بالإضافة إلى الناقص سواء أخذ جزءا أو شرطا بان جعل من قبيل شرط وصف المبيع؛ و اما إذا لم ينحل البيع بالإضافة إليه كما إذا باع دار سكناه بكذا على انّه كذا جريب فبان أقلّ منها فلا يثبت الّا خيار الفسخ فليس المعيار في تبعّض البيع الاشتراط و عدمه بل كون المبيع مما ينحلّ البيع بالإضافة إلى أجزائه و عدمه.

(1) قد تقدّم عدم رواية في البين تكون

ظاهرة في استحقاق المطالبة بالأرش مع عدم الحدث في المبيع و لعلّ مراده بالإطلاق عدم تعليق الأرش على اليأس من الرّد؛ بل على الحدث في المبيع، و لكن في التفرقة تأمل و لعله أشار إليه بالأمر بالفهم؛ و امّا ما في صحيحة عمر بن يزيد من قوله عليه السلام يلزمه ذلك فلا ظهور لها لرجوع الإشارة إلى الأرش مع ان القسمة المفروضة حدث في المبيع كما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 281

[و يؤيّد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ان استحقاق المطالبة]

و يؤيّد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب ان استحقاق المطالبة (1).

______________________________

لا يخفى.

(1) لا يخفى انّ خيار الفسخ في الروايات و كذا استحقاق الأرش مترتب على العلم بالعيب و وجدانه، و بما انّ العلم أو نحوه كما أشرنا مرارا ظاهر ذكره في الخطاب طريقا لا انّه مقوّم لموضوع الحكم فيثبت الخيار بمجرّد العيب؛ و امّا استحقاق الأرش فقد تقدّم ثبوته بعد فرض العيب بحدوث الحدث في المبيع.

و امّا ما ذكر المصنّف (ره) من انّه لا معنى لاستحقاق الأرش بظهور العيب بل يتعيّن ثبوته بمجرد العيب فلا يمكن المساعدة عليه لأنّه لو قيل بأنّ الأرش جزء من الثمن و مقابل لوصف الصّحة أو كونه من قبيل ضمان الوصف ببدله في ضمان اليد فيكون الأمر كما ذكره، و لكن قد ذكره (قده) قبل ذلك انّ الأرش ليس جزءا من الثمن، و ذكرنا انّ ثبوته من قبيل التغريم في باب اللقطة لا من قبيل ثبوت الدّين بان يثبت المال على عهدة البائع بدون مطالبة المشتري فإنّه لا يستفاد من الأخبار الواردة في الأرش غير التغريم. و اللّٰه سبحانه هو العالم.

ثمّ انّه قد ذكرنا انّ خيار العيب ثبت في مورد اشتراط الصّحة، و هذا

الاشتراط ارتكازي مع إطلاق العقد، و انّه لو لم يكن في البين الأخبار الخاصة كان الثابت في هذا الاشتراط ما يثبت في مورد اشتراط وصف الكمال، و لكن تلك الأخبار قد دلّت على أمرين سقوط خيار الفسخ بالحدث في المبيع و جواز المطالبة بالأرش مطلقا أو بعد الحدث و لاختصاصها بالبيع لا يمكن الالتزام بجريان الأمرين في سائر العقود فيكون الثابت في مواردها مجرد جواز الفسخ فإنّه مقتضى ثبوت الشرط الارتكازي الجاري في غير البيع ايضا.

و قد تحصل من جميع ما تقدم انّ خيار العيب متضمن لحقين طوليين أحدهما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 282

[القول في مسقطات هذا الخيار]
[سقوط الرد خاصة بأمور]
[الأول و الثاني التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرّدّ و التصرف في المعيب]

التصريح بالتزام العقد و إسقاط الرّدّ (1).

______________________________

جواز فسخ العقد قبل حدوث الحدث في المبيع و مع حدوثه جواز مطالبة الأرش؛ هذا بناء على ما اخترنا. و امّا بناء على المشهور من ثبوت جواز الفسخ و جواز المطالبة بالأرش في عرض واحد فيمكن الالتزام بأنّ الثابت حقا قبل الحدث هو الجامع بين الأمرين بنحو الكلّي في المعين، كما ذكرنا في بيع أحد المتماثلين كإحدى الصبرتين المعلومين وزنهما، و كما انّه ليس من بيع الفرد المردد كذلك لا يكون المقام من الحقّ المردد، كما يمكن الالتزام بثبوت كلا الحقّين لكنّهما متضادان في الاستيفاء فانّ مع الفسخ لا مورد للأرش و بالأرش فرض الفسخ خلف.

(1) يسقط جواز فسخ البيع دون الأرش بأمور:

الأول: الالتزام ببقاء العقد و الإغماض عن فسخه سواء كان الالتزام قبل العلم بالعيب أو بعده، و كذا الالتزام بالعقد مع العلم بالعيب باختياره الأرش و لو أسقط خياره قبل العلم بالعيب أو بعده فالأظهر سقوط الأرش أيضا فإن إسقاط خيار العيب بعد العقد كإسقاطه حال العقد و

حقّ المطالبة بالأرش داخل في خيار العيب و باعتباره جعل نوعا من الخيار.

الثّاني: التصرّف في المبيع المعيوب سواء كان التصرّف قبل العلم بالعيب أو بعده فإنّه يسقط به جواز الردّ دون الأرش و استدلّ على ذلك بأنّ التصرف المزبور يدلّ على رضاه ببقاء البيع و الإغماض عن فسخه و الّا لما كان يتصرّف فيه قبل اختباره و إحراز صحّته، و فيه انّ التصرف فيه باعتبار كونه ملكا بالفعل سواء كان معيبا أو صحيحا و التصرّف فيه بعد العقد لا يقصر عن الإقدام بشرائه قبل اختباره، و كما كان شراؤه للاعتماد على أصالة السلامة، و كذا التّصرّف فيه.

و الحاصل انّه لو كان التصرّف في المبيع قبل العلم بالعيب أو بعده للإغماض عن فسخ البيع حتى مع العيب فلا ينبغي الريب في سقوط جواز الفسخ لانّ جوازه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 283

..........

______________________________

حقّي و لا يختصّ إنشاء السّقوط بالقول بل يكون به و بالفعل. و امّا مطلق التصرّف في المبيع من غير قصد الإغماض عن الفسخ، فلا دليل على كونه مسقطا تعبدا.

نعم إذا كان التصرّف حدثا في المبيع و مغيّرا له بحيث لم يصدق انّه ليس على ما شرى فيسقط جواز الفسخ لدلالة الصّحيحة، و المرسلة المتقدمتين، بل ربّما يستدلّ على عدم سقوط جواز الفسخ بمطلق التصرّف بما ورد في جواز ردّ الجارية بعدم الحيض إلى ستة أشهر من حين شرائها مع كونها في سنّ من تحيض و بما ورد من جواز ردّها بعيوب السنة؛ و من الظاهر انّ الجارية في ستة أشهر أو الى سنة لا تخلو عن التصرّف فيها، و لو بمثل استخدامها في بعض الأمور كغلق الباب و غسل الثياب

و نحو ذلك؛ و لكن لا يخفى انّه لو تمّ الدليل على سقوط جواز الردّ بمطلق التصرّف فيلتزم في الجارية بعدم سقوط ردّها بمطلق التصرّف و لا يوجب رفع اليد عن مسقطيّة مطلق التّصرّف في غيرها من المبيع.

و قد يستدلّ على كون التصرّف في المعيب مسقطا لجواز الفسخ و لو قبل العلم بالعيب بما ورد في خيار الحيوان من انّ المشتري لو أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط قبل له، و ما الحدث قال ان لامس أو قبّل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء. فإنّه إذا كان النظر إلى الجارية بما ذكروا لمسها حدثا مسقطا للخيار كان التصرّف المفروض في المقام ايضا حدثا مسقطا لخيار العيب أي جواز فسخ البيع.

أقول: قد تقدّم مرارا انّ الرضا بالبيع عبارة عن الإغماض عن فسخ و الالتزام ببقائه، و ان كان من قصد المتصرّف ذلك سواء كان ذلك مع العلم بالعيب أو قبله، فهذا مسقط فعلي في مقابل المسقط القولي؛ و مع عدم القصد المزبور فلا إسقاط للخيار. نعم ربّما يجعل الشارع للخيار أمدا كأحداث الحدث في بيع الحيوان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 284

[الثّالث: تلف العين أو صيرورته كالتّالف]

الثّالث: تلف العين أو صيرورته كالتّالف (1).

______________________________

و الافتراق في خيار المجلس فيعبّر عنه بأنّ الافتراق أو الحدث في الحيوان رضا بالبيع فيعمّ ما إذا كان الحدث جهلا بالخيار أو الغفلة عنه، كما انّه ربّما يجعل للحدث مصداقا فيكون ذلك تعبدا و النظر إلى الجارية و لمسها من هذا القبيل، و على ذلك فلا يمكن التعدّي الى غير ما ورد التعبد بكونه مصداقا في خيار الحيوان فضلا عن سائر الخيارات

و يؤيّده ما ورد في خيار العيب من ردّ الجارية على بائعها مع عدم وطئها فإنّه لم يشر فيه الى عدم وقوع مثل التقبيل و النظر و اللمس مع انّ الجارية لا تخلو عنها و على كلّ تقدير فلا يمكن استفادة الحدث في الجارية في خيار العيب مما ورد في خيار الحيوان فضلا عن استفادة كون كلّ تصرّف في المبيع حدثا.

و مما ذكرنا يظهر انّه لا وجه لما ذكره المصنف (ره) من التفصيل و هو انّه إذا كان التّصرف في المبيع المعيوب قبل العلم بالعيب فان كان ذلك موجبا لتغيّر العين، و من قبيل الحدث فيها فلا يكون معه جواز الردّ عملا بالصحيحة، و المرسلة و يبقى معه جواز المطالبة بالأرش، و ان كان بعد العلم و لم يكن مغيّرا و من الحدث في المبيع فان كان دالا على الرّضا نوعا فذلك ايضا مسقط، و مع عدم دلالته على الرّضا فلا موجب لسقوط الخيار و وجه الظهور انّ مع ظهور الفعل في الإغماض عن فسخ البيع يثبت حكم ظاهري لاعتبار ظهور الأفعال كالأقوال. و امّا سقوط الخيار واقعا فهو فرع قصد الإغماض عن الخيار كما لا يخفى.

(1) الثالث: من مسقطات جواز الردّ تلف المبيع أو كونه كالتّالف.

و كونه كالتالف امّا بتمام الملكية كانعتاق المبيع على المشتري. و امّا بانتقال المبيع الى ملك غير المشتري بعقد لازم أو جائز أو صيرورة العين تحت سلطان الغير، كما إذا استأجرها المشتري أو جعلها رهنا.

و ذكر كل ذلك مسقطا لا تخلو عن المسامحة لأنّ المستفاد من الصّحيحة و المرسلة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 285

..........

______________________________

ان جواز الفسخ ما دام لم يحدث في المبيع شيئا و

كونه قائما بعينه و بحصول كل من الأمور المزبورة ينتهي أمد جواز الفسخ و لكن التعبير غير مهم.

و المهم في المقام ما إذا تلف المبيع حقيقة فإنّه قد يقال بان الفرض خارج عن المرسلة منطوقا و مفهوما لأنّ منطوقها فرض بقاء المبيع بحاله الذي كان عليه المبيع و مفهومها عدم بقائه بحاله بنحو السالبة بانتفاء المحمول، كما هو المتفاهم العرفي من قضيّة السالبة.

و بتعبير آخر قد فرض في كل من المنطوق و المفهوم أصل وجود المبيع و جعل جواز الفسخ و عدم جوازه مدار عدم تغيره و تغيّره.

لا يقال إذا سقط جواز الفسخ في فرض تغيّر المبيع عمّا كان عليه يسقط مع تلف العين بطريق أولى فإنّه يقال لا طريق لنا إلى إحراز الأولويّة فإنه يحتمل ان يكون الوجه في سقوط جواز الفسخ بالتغيير لأجل ان في قبول المتغير صعوبة على البائع بأن يأخذ الثوب المقطوع و نحوه بخلاف الفسخ مع تلف العين فإنّه يأخذ مثلها أو قيمتها و أخذ بدل العين سهل. نعم ربما لا يكون في قبول المتغير صعوبة على البائع كما إذا تغيّر بالزّيادة، و لكن الملاك المزبور بنحو الحكمة فلا ينافي عموم الحكم بسقوط الخيار بالتغيير بالزّيادة.

و قد أجاب عن ذلك بعض المحققين بأنه لم يثبت في المقام جواز فسخ العقد على حدّ جواز الفسخ في سائر الخيارات بل الوارد في الروايات جواز ردّ المبيع نظير ما ورد في الهبة من جواز رجوع الواهب الى العين المرهونة و مع تلف العين لا يمكن تحقّق ردّها و على تقدير التنزل و الالتزام بان الثابت في المقام ايضا جواز الفسخ فيقال الثابت جواز الفسخ بردّ العين لا مطلقا و مع عدم إمكان الفسخ

برد العين يبقى جواز المطالبة بالأرش كما هو ظاهر الصحيحة و الموثّقة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 286

ثم لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز ردّه للأصل (1).

______________________________

أقول: ما ذكره (قده) من انّ الثابت في المقام جواز الردّ لا جواز الفسخ على حد سائر الخيارات لا يمكن المساعدة عليه فانّ ردّ العين مع بقائها على ملك المشتري لا معنى له كما ذكرنا ذلك في الرجوع الى العين الموهوبة و ردّها بتمليك جديد غير مراد و لا بد من ان يكون المراد ردّ العين مع إلغاء البيع. و بتعبير آخر ردّ العين كناية عن فسخ البيع في فرض بقاء المبيع بحاله فيكون مفهوم المرسلة عدم جواز الفسخ مع عدم بقاء العين بحاله على نحو السالبة بانتفاء المحمول فيعود الإشكال.

و قد يجاب عن الإشكال بأنّ التلف الحقيقي الدّقي مسبوق بالحدث في المبيع لا محالة فإنّ التلف لا يحصل بلا موجب يحدث و مع التلف العرفي يصدق على انّ الموجود فعلا غير باق على ما كان عليه عند البيع.

أقول: تطويل الكلام مع كون المسألة يكفي في الحكم فيها بسقوط الخيار مجرد الالتفات الى مداركها ليس من دأبنا في الفقه، و لكنه قد حصل في المقام و الوجه في الكفاية انّ الصّحيحة و المرسلة تخصيص في عموم وجوب الوفاء بالعقود، و المقدار الثابت من التخصيص صورة بقاء المبيع المعيوب بحالها فإنّه يجوز في هذه الصورة فسخ العقد؛ و امّا في غير هذه الصورة فيحكم بلزوم العقد فإنّه مقتضى العموم المزبور فليس المدرك للزوم البيع مفهوم الشرطيّة في المرسلة ليناقش فيه بما تقدم. و امّا ثبوت الأرش مع تلف العين المعيوبة فإنّه مقطوع و لازم للزوم البيع

كما لا يخفى.

(1) لو عاد ملك المبيع إلى المشتري فان كان ذلك بسبب جديد أو بزوال الناقل السابق لم يكن للمشتري جواز فسخ بيع المعيب على ما هو ظاهر المصنف (ره)، و لعلّ مراده بالأصل أصالة اللزوم فان البيع المزبور قبل عود الملك كان لازما لصدق انّ الشّي ء قد أحدث فيه شيئا أو انّه لم يكن بحاله، و هذا موضوع لانتهاء جواز الفسخ و الحكم على البيع بالمضيّ فيه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 287

[الرابع: من المسقطات حدوث عيب عند المشتري]

الرابع: من المسقطات حدوث عيب عند المشتري (1).

______________________________

(1) و حاصله انّ العيب الجديد يحصل في المبيع المعيوب قبل قبضه تارة و يحصل بعد قبضه في زمان يكون ضمان المبيع فيه على بائعه أخرى كما إذا حصل في زمان خيار المجلس أو الحيوان أو الشرط و يحصل في زمان لا يكون فيه ضمان حدوث العيب على البائع ثالثة كما إذا حصل بعد قبضه و في غير زمان تلك الخيارات.

و الكلام في انّ حدوث الحدث يوجب سقوط جواز الرد بالعيب الموجود قبل الشراء راجع الى القسم الثالث؛ و امّا إذا حصل العيب الجديد قبل قبض المبيع كما في فرض الأول فهو لا يمنع الفسخ بالعيب السابق بل العيب الجديد كالعيب القديم يوجب جواز الفسخ به و بمطالبة الأرش، و لذا لو أسقط البائع جميع الخيارات بشرط سقوطها في العقد و حصل العيب الجديد قبل القبض يكون للمشتري جواز الفسخ أو المطالبة بالأرش للعيب الجديد حيث انّ ضمان البائع قبل القبض أو في زمان الخيارات الثلاث ضمان معاملي لا ضمان التلف في اليد كما هو ظاهر قوله عليه السلام في معتبرة عقبة بن خالد فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن

لحقه حتى يردّ ماله اليه و قوله عليه السلام لا ضمان على المبتاع حتى ينقضي الشرط و يصير البيع له.

و على ذلك فيكون العيب الجديد نظير ما كان في المبيع قبل البيع، كما ان مقتضى الظهور المزبور ان التّلف قبل القبض أو زمان الخيار المشترط أو الحيوان أو حصول نقص في وصف الكمال ايضا يكون كالتلف أو حصول النقص قبل البيع في انحلال البيع أو ثبوت خيار الوصف المشترط كما لا يخفى.

و مما ذكرنا يظهر انّ العيب الحادث في زمان الخيارات الثلاثة لضمانه على البائع لا يمنع الردّ بالعيب السابق و لكن يظهر من المحقق (قده) في درسه عدم الفرق بين العيب الحادث في زمان الخيارات الثلاثة و الحاصل بعدها في انّه يمنع الردّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 288

..........

______________________________

بالعيب السابق، و انّما يجوز الفسخ في زمان الخيارات من العيب السابق أو الحادث بتلك الخيارات، و إذا انتهى تلك الخيارات فلا يجوز الفسخ خلافا لشيخه ابن نما حيث ذكر جواز الفسخ حتّى بعد انقضاء تلك الخيارات حيث انّ العيب الحادث لكونه على البائع لا يمنع الرّد.

و ربما يقال ان ابن نما متفق مع المحقّق في عدم كون العيب الحادث موجبا لجواز الفسخ و اختلافهم في انّ حدوثه يمنع الرّد بالعيب القديم، أو لا يمنع فالمحقق على الأول و شيخه على الثاني و يضعّف قول كلاهما بأنّ العيب الجديد موجب لخيار آخر غير الخيار الثابت بالعيب الأول، و لكن نسبة وحدة الخيار و عدم تعدده بالعيب الحادث الى ابن نما مشكل لأنّ كلامه لا يأبى عن التعدّد.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم -

ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 288

أقول: في الصورتين جهتان من البحث الأولى كون العيب الحادث قبل قبض المبيع أو زمان خيار الحيوان و نحوه كالموجود حال العقد موجب لخيار العيب.

و بتعبير آخر الضّمان المعاملي الحاصل على البائع بالإضافة إلى المبيع و أوصافه يستمر الى القبض و الى انقضاء زمان خيار الحيوان و نحوه. و الثانية انّه لو كان المبيع معيبا حال العقد ثمّ حدث عيب آخر قبل القبض أو قبل مضي زمان خيار الحيوان و نحوه فهل يتعدد خيار العيب من حيث جواز الفسخ و المطالبة بالأرش أم يتداخل من حيث جواز الفسخ.

أمّا الجهة الأولى فقد تقدم انّه قد يقال انّه يستفاد من قوله عليه السلام في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام و يصير المبيع للمشتري انّ ضمان التّلف قبل القبض سواء كان تلف العين أو الوصف ليس ضمان يد بل استمرار للضمان المعاملي الحاصل على البائع حال حدوث البيع و إنشائه فإن كون الشي ء تالفا حال حدوث البيع يوجب عدم انعقاده و كذلك تلفها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 289

..........

______________________________

قبل القبض أو قبل انقضاء زمان الخيار يوجب انحلاله و كما تلف وصف الصّحة أو وصف كمال مشترط حال حدوث البيع يوجب خيار العيب أو الوصف المشترط للمشتري كذلك تلفهما قبل القبض أو قبل انقضاء زمان الخيار.

أقول: لم يظهر وجه استفادة الضمان المعاملي من الصّحيحة فإن صيرورة المبيع للمشتري قد تحقّق بنفس البيع فيكون المراد صيرورته له بملك مستقر، و يكفي في عدم استقرار الملك نفس ثبوت خيار الحيوان و نحوه لانّ مع تمكن المشتري على

فسخ المعاملة بذلك الخيار لا يكون ملكه استقراريا حتى لو لم يكن ضمان البائع في ذلك الزمان ضمان معاملي بل ضمان يد كما لا يخفى.

نعم لا بأس بدلالة معتبرة عقبة بن خالد على كون ضمان تلف المبيع قبل القبض ضمان معاملي و كذلك بعض الروايات في التلف زمان خيار الحيوان حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها (لو تلف المبيع قبل القبض يكون من مال صاحب المتاع الّذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته) و مفاده تلف المبيع ملكا للبائع و هذه عبارة أخرى عن انحلال البيع.

و لكن لا دلالة لها على كون تلف وصف الصّحة أو الكمال ايضا ضمان معاملي فإنّه لا يمكن أن يكون تلف الوصف ملكا للبائع بأن يبقى البيع بالإضافة إلى نفس الموصوف بحاله و ينحلّ بالإضافة إلى الوصف و قد تقدم عدم انحلال البيع و عدم تقسيط الثمن على الوصف و الموصوف.

و قد يقال انّه يستفاد الضمان المعاملي بالإضافة إلى وصف الصحة أيضا من مرسلة جميل حيث انّ السؤال فيها في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا يعمّ ما ذا علم حدوث ذلك العيب فيه قبل القبض و بعد البيع و ما في الجواب ان كان الشي ء قائما بعينه فردّه المراد من القيام بحاله مع قطع النظر عن ذلك العيب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 290

..........

______________________________

و فيه أوّلا لا يمكن الاعتماد عليها لإرسالها و ثانيا انّه على فرض الإطلاق في السؤال و الجواب، فلا يعمّ الجواب فقد وصف كمال مشترط مع انّ المدّعي فيه ايضا ضمان الوصف بضمان معاملي كما انّه لا يستفاد منها حكم العيب الحادث بعد القبض في زمان خيار

الحيوان و نحوه فلا بدّ في تعميم الضمان المعاملي بالإضافة إلى وصف الصحة أو الكمال قبل القبض أو زمان الخيار من التشبث بالتسالم بل للاطمئنان بعد انفكاك ضمان تلف العين عن تلف الوصف بان يكون الأول ضمانا معامليّا و تلف الوصف ضمان اليد كما لا يخفى.

امّا الجهة الثّانية و هي على تقدير ضمان البائع العيب الجديد قبل القبض أو زمان خيار الحيوان بضمان معاملي فهل الجديد مع القديم من قبيل العيبين الموجودين حال البيع في كونهما موجبا لوحدة الخيار في جهة جواز الفسخ أو من قبيل شراء الحيوان و مجلس البيع في ترتب الخيار على كلّ منهما و قد يقال بتعدد الخيار في جهة جواز الفسخ و جهة جواز المطالبة بالأرش لأنّ الدليل على الخيار بالعيب السابق ما دلّ على انّ شراء ما به عيب أو عوار من غير علم المشتري و تبرأ البائع موضوع للخيار و ما دلّ على ضمان البائع المبيع قبل القبض أو زمان خيار الحيوان مقتضاه كون العيب الجديد موضوعا لخيار آخر غاية الأمر الخياران متماثلان في جهة جواز الفسخ و جواز المطالبة بالأرش.

و الحاصل: انّ تعدد الموضوع يوجب تعدد الحكم و لو فرض انّ كلا من الموضوعين قد أخذ بنحو صرف الوجود بالإضافة الى حكمه و على ذلك فلا يقاس العيب الجديد بالعيبين الموجودين حال العقد حيث لا يتعدد الخيار في جهة جواز الفسخ نعم يتعدد جواز المطالبة بالأرش فيه أيضا فإنّ جواز المطالبة به نظير جواز المطالبة بالدّين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 291

و امّا الثالث: أعني العيب الحادث في يد المشتري (1).

______________________________

و لكن لا يخفى عدم تعدد جواز الفسخ في تعاقب العيبين ايضا حيث انّ

مفاد ما ورد في ضمان البائع قبل القبض أو زمان الخيار استمرار الضمان المعاملي الحاصل على البائع عند البيع، و تعميم لموضوع ذلك الحكم الى الانقضاء زمان خيار الحيوان أو الشرط و إذا فرض انّ العيب بصرف وجوده في ذلك الزمان موضوع للخيار فلا يتعدد الخيار.

و يترتب على ذلك انّه لو أسقط العيب السابق أي جواز الفسخ به قبل حدوث العيب الجديد يثبت له جواز الفسخ بالعيب الجديد بخلاف ما سقط جواز الفسخ بعد حدوثه فإنّه لا يبقى له حق في جواز الفسخ.

ثم انّ الكلام في كون العيب الجديد موجبا لخيار آخر أم لا فيما إذا لم يكن ذلك العيب بفعل المشتري و الّا فيكون ذلك الحدث موجبا لمضي البيع و جواز المطالبة بأرش العيب السابق كما هو مقتضى معتبرة زرارة و غيرها.

و كذا إذا كان العيب الجديد بفعل البائع أو الأجنبي فإنّه يكون ضمان البائع أو الأجنبي العيب الجديد بضمان يد و لا يبعد أن يكون فعلهما ايضا مسقطا لجواز الفسخ بالعيب القديم لعدم قيام العين بحالها، و بما كان عليه حال البيع كما هو مفاد مرسلة جميل و تمام الكلام في ذلك في بحث القبض إنشاء اللّٰه تعالى.

(1) و ذكر (قده) بما حاصله انّه لو حدث في المبيع المعيب عيب جديد في يد المشتري بعد القبض و انقضاء الخيارات فيسقط بحدوثه جواز الفسخ بالعيب السابق، و المراد بالعيب الجديد مجرّد النقص الموجب لصدق التغيّر و عدم بقاء العين بحالها التي كانت عليها حال البيع و لو لم يكن النقص الحادث من العيب أي ما يوجب الأرش كما إذا باع دارا من اثنين فظهر عيب في الدار و أراد أحد المشتريين فسخ البيع في

حصته فان الفسخ في حصته يكون موجبا لشركة البائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 292

..........

______________________________

و المشتري الآخر في الدار و مثله ما إذا باع شيئين بصفقة واحدة و ظهر في أحدهما عيب و أراد مشتريهما فسخ البيع في حصته فإنّه لو فسخ البيع يصدق عدم بقاء المبيع بحاله و هو كون ذلك مع الشي ء الآخر كان ملكا للبائع و كذا فيما إذا باع عبدا كاتبا و ظهر فيه عيب، و لكن كان العبد بيد المشتري قد نسي الكتابة و مثله نسيان الدابة الطحن عند ما أريد فسخ شرائها بالعيب السابق.

و يمكن الاستدلال على جميع ذلك بمرسلة جميل فان الوارد فيها ان كان الشي ء قائما بعينه فردّه فان مجرد حصول النقص في المبيع و ان لا يوجب صدق عدم بقائه بعينه، كما يظهر ذلك في مسألة تقديم قول البائع في اختلافه مع المشتري في قدر الثمن الّا انّ التمثيل للتغير في المرسلة بقطع الثوب و خياطته و صبغة قرينة على انّ المراد ببقاء الشي ء بعينه عدم التغير بمطلق النقص حيث انّ خياطة الثوب أو صبغة لا يوجب النقص الموجب للأرش غالبا.

بل ربّما يقال انّ المراد ببقائه بعينه عدم التغير لا بالنقص و لا بالزيادة كسمن الدّابة و تعلم الصّنعة، و لكن لا يمكن المساعدة عليه فانّ ظاهر قيام العين عدم نقصها بمعنى ان لا يحدث فيه ما يوجب نقص ماليته لا ان لا يحدث فيه ما يوجب زيادتها حيث انّ الحكم بسقوط جواز الفسخ مع عدم قيام المبيع بحاله بحسب الفهم العرفي رعاية لحال البائع فلا يعم حدوث الزّيادة كما لا يخفى.

و ذكر في التذكرة مع الإغماض عن المرسلة وجها آخر لسقوط

جواز الفسخ بالعيب الجديد الحادث في يد المشتري و هو انّ النقص أي العيب الحادث في يد المشتري يوجب تلف شي ء من المبيع فيكون مضمونا على المشتري و يسقط به جواز فسخه لان مع ردّ المبيع يلزم تحمل البائع المبيع مع العيب الجديد و هذا ليس بأولى من تحمل المشتري ذلك الشي ء مع العيب القديم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 293

..........

______________________________

ثم انّ المصنّف (قده) قد أورد على كل من الاستدلال على الحكم بالمرسلة و بالوجه المذكور في كلام العلامة. امّا المرسلة فإنّها لا يعم مثل نسيان العبد الكتابة و نسيان الدابة الطحن و نحوهما من موارد عدم تغير عين المبيع. و امّا ما في التذكرة فإنّه مع عدم ثبوت الأولوية يرجع الى استصحاب بقاء الخيار للمشتري فيكون كما إذا فسخ البيع بالإقالة أو بالغبن مع تعيّب المبيع في يد المشتري فانّ البائع يرجع الى المشتري بأرش العيب الحادث في يده لأنّ الأوصاف و ان لا تدخل في ضمان المشتري لأنّ المبيع في زمان الخيار ملكه و المالك لا يضمن ماله إلّا ان وصف الصحّة بمنزلة جزء المبيع في كون تلفه عند فسخ المعاملة يوجب رجوع البائع إلى بدله لانّ المبيع و كذا أجزائه مضمون على المشتري بضمان معاملي.

و الحاصل: انّ النقص الحادث في يد المشتري إذا لم يكن من العيب فلا موجب لسقوط جواز الفسخ و لا لثبوت الأرش و لا يقاس المقام بباب ضمان اليد كما إذا غصب العبد الكاتب و نسي الكتابة بيده. نعم لو كان الدليل على جواز الفسخ بالعيب القديم نفي الضرر لأمكن أن يقال بعدم جواز الفسخ بعد حصول النقص لانّ تحمل البائع المبيع بالعيب القديم ضرر

عليه و قاعدة نفي الضرر الحاكمة بثبوت جواز الفسخ للمشتري لا يعمّ الفرض لأنّه لا حكومة لقاعدة نفي الضرر في مورد تعارض الضررين.

و الحاصل: انّ العمدة في جواز الفسخ في شراء المعيب النصّ و الإجماع و مع الشك في سقوط هذا الجواز يحكم ببقائه بالاستصحاب، و لكن لا بأس بالأخذ بالمرسلة و الحكم بسقوط جواز الفسخ بمطلق النقص الحاصل في المعيب بعد القبض و انقضاء الخيارات الثلاثة.

و توضيح الأخذ بها هو انّ الوارد فيها مثالا لعدم بقاء المبيع بعينه خياطة الثوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 294

..........

______________________________

و صبغه و النقص الحاصل للثوب بالخياطة و الصبغ اعتباري حيث يتعلّق حق المشتري بخياطة الثوب أو صبغه؛ و من الظاهر انّ تعلق حقه به بحيث يبقى ذلك الحق له على فرض الفسخ نقص اعتباري و ليس من العيب الموجب للأرش، و على ذلك فيكون جواز فسخ شراء المعيب مشروطا بعدم تغيّر العين الأعم من تلفها أو حصول النقص فيها و لو كان النقص اعتباريّا.

لا يقال ما ذكر مثالا لعدم بقاء المبيع بعينه من قبيل التغير الحسّي، و لو لم يكن من العيب الموجب للأرش؛ و امّا مثل نسيان العبد الكتابة أو الدابة للطحن فلا يدخل في التغير الموجب لسقوط جواز الفسخ، فإنّه يقال لما يحتمل الفرق بين حدوث العيب الجديد و بين غيره من النقص بان لا يكون النقص من غير عيب مسقطا لجواز الفسخ، فإذا كان ظاهر المرسلة عدم الفرق بينهما فلا يحتمل الفرق بين النقص المحسوس و النقص الاعتباري، و كيف كان فلا وجه لما عن المفيد في المقنعة من عدم كون العيب الجديد مسقطا لجواز الفسخ.

أقول: لو بنى على العمل بالمرسلة

فلا حاجة الى إتعاب النفس في إدخال مثل نسيان العبد الكتابة أو الدّابة الطحن في مدلولها لأنّه يصدق مع النسيان عدم قيام المبيع بحاله؛ بل ظاهرها اعتبار قيامه بحالها حتى بعد الفسخ الى ان يصل الى يد بايعه و لو حصل النقص بعد الفسخ و قبل ردّه الى صاحبه فلا يكون ذلك الفسخ نافذا.

و بهذا يمكن أن يقال مع حصول الشركة بالفسخ بل التبعّض في الصفقة بالفسخ لا يكون ذلك الفسخ نافذا، هذا مع الإغماض عمّا يأتي من انّ الثابت في بيع الشي ء من اثنين أو بيع الشيئين بصفقة واحدة ثبوت خيار واحد. و انّه لا يثبت الخيار في كل من البيوع الانحلالية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 295

ثمّ ان مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب الحادث و زواله (1).

______________________________

بل الأمر كذلك لو أغمض عن المرسلة و استند في سقوط الخيار بالحدث بمعتبرة زرارة، فإن الوارد فيها مسقطا لجواز الفسخ، و ان كان احداث المشتري شيئا الّا انّ استناد الحدث إلى المشتري لا دخل في الحكم لانّ المتفاهم العرفي هو اعتبار وصول المبيع إلى بائعه ثانيا على ما كان في نفوذ الفسخ و نسبة الحدث إلى المشتري لفرض الغالب.

و ما ذكره المصنف (ره) في توضيح إدخال النقص الاعتباري في مدلول المرسلة من انّ تعلّق حقّ المشتري بخياطة الثوب أو صبغة نقص فيه لا يمكن المساعدة عليه فإنّه لو أسقط المشتري حقّه قبل الفسخ لا يجوز ايضا الفسخ بل لا حقّ للمشتري مع نفوذ الفسخ بل ملكه الخيوط أو الصبغ إذا كان له عين كما أوضحنا ذلك في حكم الفسخ بخيار الغبن.

(1) لو زال العيب الحادث أو التغير الحادث

بان عادت العين على ما كانت عليه حال المبيع فهل يجوز للمشتري فسخ البيع أو انّه يمضي عليه البيع؛ و انما يكون له المطالبة بالأرش كما كان ذلك قبل زوال العيب أو التغيّر؛ ذكر المصنف (ره) عدم جواز فسخ البيع بعود العين على ما كانت عليه لانّ جواز الفسخ قد سقط بحدوث العيب و النقص و لا دليل على عوده و مقتضى الاستصحاب عدم عوده، كما ذكر ذلك في التذكرة.

و لكن فصّل في التحرير و قال ان كان العيب بفعل المشتري فلا يجوز الفسخ بزواله، و كان له المطالبة بالأرش خاصة بخلاف ما إذا لم يكن بفعله فإنّه يجوز الفسخ بزواله و وجّهه المصنف (ره) بأنّ سقوط جواز الردّ بحدوث العيب الجديد لئلّا يتضرّر البائع بردّ العين عليه معيبا، و لانّ ضمان العيب الجديد على المشتري و مع عود

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 296

..........

______________________________

العين الى ما كانت عليه لا ضرر على البائع و لا يكون للمشتري ضمان.

أقول: لو كان الوجه في عدم جواز الفسخ بالعيب الجديد ما ذكر لما كان فرق بين كون العيب الجديد بفعل المشتري أو بغيره، فيجوز الفسخ مع زوال الحادث على التقديرين؛ و لعل الوجه فيما ذكره في التحرير ان مقتضى معتبرة زرارة سقوط جواز الفسخ بإحداث المشتري في المبيع حدثا سواء زال ذلك الحادث أم لا. و امّا إذا لم يكن بفعله فمع زوال الحادث يصدق ردّ الشي ء مع قيامه بعينه.

و لكن يرد على هذا الوجه من انّ المتفاهم من معتبرة زرارة بمناسبة الحكم و الموضوع عدم وصول العين الى يد البائع على ما كانت عليه فيتّحد مدلولها مع المرسلة إلّا فيما كان التغير بفعل

البائع فإنه يمكن القول بشمول المرسلة لهذا الفرض ايضا، و انّه لا يجوز الفسخ في هذا الفرض ايضا، اللهم الّا ان يقال ان لازم جواز الفسخ بعد زوال العيب الحادث تعدّد جواز الفسخ للمشتري و هو خلاف ظاهر المعتبرة بل المرسلة.

و ما ذكر السيد اليزدي (قده) بعد استلزامه تعدد الخيار لأنّا نمنع عن كون العيب الحادث الذي يزول قبل الفسخ مسقطا و انّما لا يكون له الردّ خارجا ما دام العيب.

و إذا زال العيب جاز الردّ و نفذ الفسخ لا يمكن المساعدة عليه فانّ تجويز الردّ كناية عن ثبوت الخيار و نفوذ الفسخ و الأمر بأخذ الأرش كناية عن سقوطه. و من الظاهر انّه قبل زوال العيب كان له أخذ الأرش بمقتضى المعتبرة و المرسلة فيكون المرجع بعد زواله عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و لا أقلّ من استصحاب عدم نفوذ الفسخ.

هذا كلّه في جواز الفسخ بالخيار بحيث يكون للمشتري إلزام البائع بالفسخ المزبور. و امّا الفسخ برضا البائع فهو لا بأس به بل هو داخل في الإقالة سواء رضي البائع بالفسخ مع أرش العيب الجديد أو بلا أرشه أيضا و أخذ البائع الأرش على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 297

[تنبيه]

ظاهر التذكرة و الدروس انّ من العيب المانع عن الردّ بالعيب القديم تبعّض الصّفقة (1).

______________________________

العيب الجديد ليس من الإقالة بالنقيصة ليقال بعدم جوازه بل الأرش لضمان المشتري للعيب الجديد بضمان اليد مع تمام البيع حدوثا، كما في البيع الفاسد أو بقاء، كما في صورة فسخه بالخيار أو بالإقالة.

و ايضا ليس أرش العيب الجديد من قبيل أرش العيب القديم الذي يستحقّه المشتري على البائع على تقدير إبقاء البيع فان ضمان البائع الأرش ضمان

معاملي فيؤخذ من البائع بنسبة تفاوت القيمتين أي المعيب و الصحيح الى الثمن المسمّى بخلاف ضمان المشتري العيب الجديد فإنّه يأخذ البائع من المشتري نفس مقدار تفاوت قيمتين، و في معتبرة عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انّه سأل عن رجل ابتاع ثوبا فلمّا قطعه وجد فيه خروقا و لم يعلم بذلك حتى قطعه كيف القضاء في ذلك؟ قال (اقبل ثوبك و الّا فهائي صاحبك بالرضا و خفض له قليلا و لا يضرك إنشاء اللّٰه تعالى فان أبى فاقبل ثوبك فهو أسلم لك إنشاء اللّٰه تعالى)، فانّ الخفض من الثمن على تقدير الإقالة أرش القطع كما لا يخفى.

(1) ذكر في التذكرة و الدروس ان تبعض الصفقة على البائع يوجب سقوط جواز فسخ البيع بالعيب القديم فيتعيّن للمشتري المطالبة بالأرش، و ذكر المصنف (ره) في توضيح المقام انّ التعدد الموجب للتبعّض امّا في أحد العوضين، كما إذا باع واحد شيئا أو شيئين بصفقة من مشتر واحد و ظهر بعض المبيع معيبا؛ و نظير ذلك ما ذا باع شيئا بثمن خارجي فظهر بعض الثمن معيبا؛ و امّا التعدد في البائع كما إذا باع اثنان شيئا كالدار المشتركة بينهما بالمناصفة من واحد فظهر العيب فيها و أراد المشتري فسخ الشراء بالإضافة إلى حصة أحد المتبايعين. و امّا ان يكون التعدد في ناحية المشتري، كما إذا اشترى اثنان دارا من بائعها فظهر العيب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 298

..........

______________________________

فيها و أراد أحد المشتريين فسخ الشراء بالإضافة إلى حصّته و نظير ذلك ما إذا باع الدار مالكها من واحد و مات المشتري و أراد بعض ورثته فسخ الشراء بالإضافة إلى حصته الموروثة.

و امّا

فرض التعدد في ناحية الثمن بان باع نصف الدار بألف درهم و نصفها الآخر بمأة دينار فظهر العيب في الدنانير، و أراد البائع فسخ البيع بالإضافة إلى الدنانير فقد ذكر (قده) انّه لا إشكال في نفوذ هذا الفسخ لكون الموجود خارجا عقدين و لم يتعرّض (قده) لثبوت خيار التبعض الصفقة على المشتري حيث انه قد أقدم على شراء نصف الدّار بالدّراهم على ان يتمّ له شراء نصفها الآخر بالدّنانير، بل ظاهره عدم ثبوت خيار التبعض، و لكن هذا الخيار على تقديره لا يمنع عن فسخ البائع البيع بالإضافة إلى الثمن المعيب لأنّ التبعّض الحاصل بالإضافة إلى المبيع أو الثمن لا يمنع الفسخ كما يأتي.

أمّا الصّورة الأولى كما باع شيئا أو شيئين بصفقة واحدة أي بثمن واحد فظهر بعض المبيع مبيعا و أراد المشتري فسخ الشراء بالإضافة إلى المعيب فقد ذكر (قده) عدم جواز هذا الفسخ لانّ الفسخ إذا كان في الجزء المشاع يتبعّض المبيع المعيب على البائع، و كذا إذا أراد فسخ الشراء بالإضافة الى أحد الشيئين الّذي ظهر فيه العيب فانّ التفريق الحاصل بالفسخ حدث في المعيب و نقص آخر فيه؛ و لذا لو حدث هذا التفريق في المبيع الصحيح كما إذا باع شيئين بصفقة واحدة فظهر أحدهما مستحقّا للآخر يثبت للمشتري الخيار بالإضافة إلى شراء الآخر.

لا يقال يمكن منع النقص الحاصل بالالتزام بثبوت خيار التبعض للبائع فيكون الفرض، كما إذا اشترى حيوانا مع غيره بصفقة واحدة و فسخ الشراء بالإضافة إلى الحيوان في ثلاثة أيام فإنه يثبت للبائع خيار التبعض بالإضافة إلى بيع غير الحيوان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 299

..........

______________________________

فإنّه يقال ثبوت الخيار بالتبعّض للبائع غير ممكن في المقام؛

لأنّه ربّما يكون ضرريّا للمشتري حيث انّه يريد الإمساك بالشي ء الصحيح و يدلّ على عدم جواز الفسخ بالإضافة إلى الشي ء المعيب و يتعين المطالبة بالأرش ما ورد في المنع عن ردّ الثوب المعيب بالخياطة و الصبغ فانّ المانع عن الفسخ ليس التغير الخارجي بالخياطة و الصبغ لحصول هذا التغير في سمن الدابة و نحوها بل المانع في الحقيقة حصول الشركة في الثوب بالخياطة و الصبغ في فرض ردّه، و هذه الشركة نقص يمنع عن الفسخ بالعيب القديم.

أقول: قد تقدم عدم الشركة في صنع الثوب و خياطة بالفسخ حتى الشركة في المالية لعدم اعتبار الوصف ملكا لواحد و الموصوف آخر؛ بل المسقط لجواز الفسخ نفس التّغير الخارجي المحسوب حدثا في المعيب فلا يضرّ السمن المتعارف الذي لا يعد حدثا، و التبعض على البائع فيما إذا كان بيع الشيئين بصفقة واحدة فظهر العيب في أحدهما لا يكون حدثا و نقصا في الشي ء المعيب، و لو كان نقصا فيه لما كان فيما إذا بيع الحيوان مع غيره بصفقة خيار التبعض للبائع بالإضافة الى غير الحيوان لانّ النقص في الحيوان مضمون على البائع في زمان خياره بل ثبوت خيار التبعض تخلف الشرط على البائع.

و على ذلك فيلزم التفصيل في المقام و هو انه إذا بيع شي ء و ظهر العيب فيه، و أراد المشتري الفسخ في نصفه أو ثلثه و نحوهما فلا يجوز لانّ الثابت للمشتري في شراء المعيب خيار واحد متعلق بشراء مجموع المعيب فلا يثبت الخيار في البيوع الانحلاليّة. و امّا إذا كان الفسخ بالإضافة إلى شراء المعيب كما إذا باع الشيئين بصفقة واحدة، فظهر العيب في أحدهما فهذا الفسخ لا بأس به، و يكون نظير شراء الحيوان

مع غيره غاية الأمر يثبت للبائع خيار التبعّض بالإضافة إلى بيع الشي ء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 300

بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المعيب (1).

______________________________

الآخر كما لا يخفى.

و لو كان التبعض على البائع من حدوث النقص في المعيب فيما لو باعه مع غيره بصفقة لما جاز فسخ شراء الحيوان في الثلاثة فيما لو شراه مع غيره بصفقة، لأنّ إحداث المشتري الحدث في الحيوان ايضا موجب لسقوط خيار الحيوان فالتبعض الحاصل بفسخ شراء الحيوان في الفرض يمنع عن نفوذ ذلك الفسخ.

و الحاصل: لم يعلم الفرق بين مسألة شراء الحيوان مع غيره بصفقة و شراء المعيب مع غيره بصفقة و انّه لا وجه للالتزام بنفوذ فسخ شراء الحيوان و عدم نفوذ فسخ شراء المعيب.

(1) ذكر في الجواهر في وجه عدم جواز الفسخ بالإضافة إلى المعيب انّ الخيار يثبت في البيع بالإضافة إلى تمام المبيع لا بالإضافة إلى أجزائه؛ و أجاب المصنف عنه بأنّ ذلك أمر متسالم عليه؛ و لذا لا يجوز للمشتري فسخ البيع في الجزء الصحيح خاصة الّا انّ الكلام في انّ مع انطباق موضوع الخيار على جزء الصفقة يكون مورد الخيار شراء ذلك الجزء، كما في مسألة شراء الحيوان مع غيره بصفقة الّا ان يدعي ان مع تحقق العيب في جزء الصفقة يصدق عليها أنها معيبة كصدق المعيب على الثوب المبيع فيما إذا كان العيب في بعض أطرافه.

و قال ايضا ان لازم ما ذكر في الجواهر عدم جواز الفسخ في المعيب خاصة و لو مع رضا البائع لانّ مقتضى ما ذكر عدم الموجب لفسخ شراء المعيب خاصة لا لوجود المانع يعني لزوم الضرر على البائع بحصول النقص بالتبعّض ليرتفع مع

رضاه.

و ذكر في آخر كلامه الأمر في المقام يدور بين الالتزام بثبوت جواز الفسخ بالإضافة إلى المعيب و مع تحقق الفسخ يثبت للبائع خيار تبعض الصّفقة، و معه ينتفي سلطنة المشتري على الإمساك بالجزء الصّحيح و بين الالتزام بعدم سلطنة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 301

و امّا الثالث: و هو تعدد المشتري (1).

______________________________

المشتري على الفسخ بالإضافة إلى المعيب من الأول و لو لم يكن الثّاني أولى فلا أقلّ من مساواته مع الأول فيرجع الى أصالة اللزوم فيكون الفرق بين المقام و مسألة شراء الحيوان مع غيره بصفقة بالإجماع، كما ان للشفيع أن يأخذ بحق شفعته في بعض الصفقة بالإجماع أيضا.

أقول: قد تقدم سابقا انّ الفسخ مع رضا البائع داخل في الإقالة، فكيف لا يجوز مع رضا البائع و الإقالة مشروعة حتى بالإضافة إلى البيوع الانحلاليّة، كما هو مقتضى قوله عليه السلام (أيّما عبد أقال مسلما في بيع اقاله اللّٰه عثرته يوم القيمة)؛ و ذكرنا في المقام انّ مورد خيار العيب فيما لو باع المعيب مع غيره بصفقة هو شراء المعيب و ان التبعّض على البائع لا يمنع عن نفوذ فسخه غاية الأمر يثبت لكل منهما خيار التبعض بالإضافة إلى الجزء الآخر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) قد ظهر مما تقدم من ان انطباق موضوع الخيار على البيع الانحلالي يوجب ثبوت الخيار فيه و لو مع كونه انحلاليّا، و عليه فإذا اشترى اثنان عينا و ظهر فيما عيب فإنه و ان ذكر المصنف (قده) ان الثابت للمشتريين خيار واحد فيرجعان بالأرش ان لم يجتمعا على الفسخ الّا انّه لا يمكن المساعدة عليه فإنّه يصدق على كل من المشتريين انه اشترى ما به

عيب و لو كان ذلك الشي ء النصف المشاع من العين فيكون لكل منهما خيار مستقل حتى لو قيل بأنّه لو اشترى اثنان حيوانا لا يكون لكل منهما خيار الحيوان بل يثبت لهما خيار واحد و ذلك فان نصف الحيوان لا يصدق عليه الحيوان، و الخيار ثابت لمشتري الحيوان بخلاف المقام فانّ نصف العين المعيوبة شراء حصّة فيها عيب لا يقال الفسخ المزبور يوجب التبعّض على البائع فإنه يقال التبعّض في العين قد حصل بالبيع من اثنين، و لكن بما انّ البيع منهما بعقد واحد يكون بيع كل حصّة مشروطا بتمام بيع الحصة الأخرى، فيثبت للبائع مع فسخ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 302

[يسقط الأرش دون الردّ في موضعين]
اشارة

يسقط الأرش دون الردّ في موضعين (1).

[أحدهما إذا اشترى ربويا بجنسه]

______________________________

أحدهما دون الآخر خيار تبعّض الصفقة بلا فرق بين علم البائع و جهله بتعدد المشتري.

نعم إذا ادّعى المشتري بأنّه اشترى العين لاثنين و أنكره البائع يقدم قول البائع لموافقة قوله لظهور قبول المشتري في كونه لنفسه و يؤخذ المشتري بتمام الثمن و هذه مسألة أخرى.

(1) ذكر (قده) انّه يثبت في شراء المعيوب جواز الفسخ دون الأرش في موضعين أحدهما ما إذا اشترى ربويّا بجنسه و ظهر العيب في أحد العوضين فإنّه يجوز لمن انتقل اليه المعيب فسخ البيع، و لكن لا يجوز له المطالبة بالأرش لأنّ أخذ الأرش يوجب كون المعاملة ربويّا، و ان لا يشتري جنس واحد مثلا بمثل؛ و في المسألة قولان آخران جواز أخذ الأرش مطلقا لأنّ الأرش لا يدخل في أحد العوضين ليكون أخذه زيادة في أحدهما على الآخر و جواز أخذه من غير جنس العوضين.

و ذكر في التّذكرة لجواز أخذ الأرش وجها ثالثا في المسألة المعروفة، و هي ما إذا اشترى ربويّا بجنسه فظهر عيب بعد حدوث عيب جديد فيه في يد المشتري فانّ في المسألة وجوها ثلاثة الأوّل فسخ البيع و لو بعد حدوث العيب الجديد غاية الأمر انّ للبائع إلزام المشتري بردّ قيمة العوض المفروض فيه عيب قديم و عدم حدوث عيب جديد. و الثاني: الفسخ برضا البائع مع ردّ المشتري على البائع أرش العيب الجديد.

و الثالث: عدم جواز الفسخ بل يجوز للمشتري مطالبة البائع بأرش العيب القديم، و لا يكون أخذه ربا، لأنّ المعتبر في بيع الشّي ء بجنسه المماثلة بين العوضين عند إنشاء المعاملة لا في بقائها، و عليه فيجوز للمشتري المطالبة بالأرش من غير فرق بين كون الأرش من

جنس العوضين أو من غيره فإنّه لو لم يجز أخذ الأرش من جنس العوضين باعتبار كونه ربا لم يجز أخذه من غير الجنس أيضا لأنّ الرّبا في المعاوضة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 303

..........

______________________________

معاوضة شي ء بجنسه مع الزيادة في أحد العوضين.

و وجّه المصنف (ره) اعتبار المماثلة في حدوث المعاوضة لا في بقائها ان وصف الصّحة في العوضين لا يقابل بشي ء من العوض الآخر؛ و لذا لا يكون الأرش جزءا من الثمن، و لا يدخل في ملك من انتقل اليه المعيب بمجرد العقد غاية الأمر يكون إطلاق العقد مقتضاه التزام البائع بوصف الصّحة نظير التزامه بوصف الكمال و قد جوّز الشارع لمن انتقل اليه المعيب اختيار تغريم الملتزم بوصف الصحّة بالقيمة بنسبة المعاوضة سواء كانت القيمة من الثمن أو من غيره.

و لكن ناقش في التوجيه بأنّ الأرش عرفا و شرعا عوض وصف الصحّة و ما دلّ على حرمة المعاوضة إلّا مثلا بمثل مقتضاه إلغاء وصف الصّحة في العوضين من جنس واحد و المنع عن أخذ العوض عليه و لو بعنوان التغريم.

و وجّه السيد اليزدي (قده) عدم لزوم الرّبا بأخذ الأرش بأنّ المنهي عنه في الربا نفس معاوضة شي ء بشي ء من جنسه مع الزيادة في أحدهما بحيث تكون الزّيادة في أحد العوضين بالجعل المعاملي سواء كانت تلك الزّيادة مالا من جنس العوضين أو من غيره أو كان فعلا. و امّا إذا كانت المعاوضة بين المتماثلين و كانت الزيادة بحكم الشرعي مترتب على تلك المعاملة فهذا خارج عن الرّبا في المعاوضة و الأرش، فيما نحن فيه من قبيل الثاني.

و ما ذكر المصنف (ره) من انّ الأرش عوض عن وصف الصحة شرعا و عرفا فان

كان المراد العوض الجعلي فلا نسلمه فانّ وصف الصحة لا يقابل بشي ء من العوض في المعاملة و الّا يزيد بها على نفس الشي ء الآخر؛ و ان كان المراد العوض الشرعي فهو لا يدخل في المعاوضة.

أقول: لو شرط إعطاء الزيادة على تقدير عدم وصف الصحة في العوض من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 304

..........

______________________________

جنس المعوض تكون الزيادة جعليّة فيحكم ببطلان الشرط لكونه مخالفا للكتاب العزيز الدال على حرمة الرّبا و لا يحتمل الفرق بينه و بين أخذ الأرش بأن يجوز الثاني، و لا يجوز الأول اللّهم الّا ان يقال بطلان الشرط المزبور بمعنى عدم ترتب أثر عليه، فإنّه يثبت الأرش مع فقد وصف الصحة سواء شرط أو لم يشترط نظير شرط الخيار في شراء الحيوان فإنّه يثبت إلى ثلاثة أيّام شرط أم لم يشترط.

و حرمة المعاوضة الرّبويّة بمعنى فساد أصل المعاملة لا حرمتها تكليفا تنحصر بما إذا كانت الزّيادة مالا منضمّا الى أحد العوضين حيث انّ المعاوضة بين المتماثلين غير منشأة و المنشأة غير ممضاة فتفسد و يستفاد من لعن معطي الرّبا و آكله و آخذه حرمتها تكليفا. و امّا إذا كانت الزّيادة عملا بان يشترط ذلك العمل في المعاملة فلا يوجب بطلان الشرط فساد المعاملة؛ و لذا لا يكون الرّبا في باب القرض مفسدا للقرض. نعم حرمة المعاملة تكليفا يجري في هذا القسم ايضا؛ و لكن شرط إعطاء الأرش في معاملة شي ء بجنسه لا يدخل في شي ء من القسمين، لانّه شرط للوفاء بالحكم الشرعي.

ثم على تقدير شمول الرّبا للأرش في المقام فلا ينبغي الشك في الأخذ بإطلاق خطاب تحريمه و رفع اليد عن إطلاق دليل الأرش لأنّ خبر ثبوت الأرش بإطلاقه

مخالف للكتاب العزيز، فلا يكون معتبرا في إطلاقه، بل لو قيل بأنّ الخبر المخالف للكتاب لا يعم ما إذا كانت المخالفة بالإطلاق من الكتاب فإنّ الإطلاق لا يدخل في مدلول اللّفظ بل هو حكم عقلي منوط بتمامية مقدّماته و مع تعارض الخبر، و الكتاب في إطلاقهما لا حكم للعقل فتصل النّوبة الى الأصل العملي و مقتضاه عدم ثبوت الأرش حيث انّ الأرش ثبوته حكم تعبدي فيحتاج الى قيام الدليل عليه.

و امّا إذا شكّ في شمول الرّبا للأرش فيؤخذ بإطلاق ما دلّ على ثبوت الأرش

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 305

[الثّاني: ما لم يوجب العيب نقصا في القيمة]

الثّاني: ما لم يوجب العيب نقصا في القيمة (1).

______________________________

بلا معارض كمعتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب أو عوار الى ان قال يمضي عليه البيع و يردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء و العيب من ثمن ذلك لو لم يكن به.

و دعوى عدم الإطلاق في المعتبرة لأنها وردت في مقام بيان مضيّ المعاملة على المعيب بالتّصرف فيه كما ترى فإنّ الأصل في كل حكم يتكفّله الخطاب كونه في مقام بيان قيوده و موضوعه و المذكور في المعتبرة حكمان أحدهما مضي البيع مع التصرّف و ثانيهما تعيّن الأرش معه فلا حظ.

(1) ثاني الموضعين ما إذا لم يكن النقص الموجود في المبيع موجبا لنقص قيمته السوقيّة كالخصاء في العبيد حيث انّ الخصاء و ان يكون نقصا في الخلقة الأصليّة الّا انّه أمر مرغوب إليه في العبيد، فلا يوجب تنزل قيمة العبد، بل ربما يوجب زيادتها فيكون في الفرض جواز الفسخ دون الأرش لانتفاء الموضوع للثاني.

و قد يقال عدم تنزل قيمة العبد بالخصاء عند قليل

من الناس لبعض الأغراض الفاسدة من عدم تستّر النساء منه، و يكون العبد واسطة في الخدمات بين المرء و زوجته لا يوجب عدم نقص قيمته السوقية عند عامّة الناس نظير العنب المعيوب حيث يرغب فيه بعض الناس لغرض التخمير و لجودة خمره ربّما يعطي له الثمن المساوي لصحيح العنب فيكون العبرة في ثبوت الأرش القيمة السوقيّة عند عامّة الناس ممّن لا يكون له غرض فاسد.

و أجاب المصنف (ره) عن ذلك بان النقص عن الخلقة الأصليّة إذا كان مما يرغب فيه الغالب بحيث لا يكون من رغبة النادر الّتي لا دخل لها في القيمة السوقيّة للشي ء عرفا لا يوجب الأرش لعدم نقص القيمة السوقية بالنقص المزبور و صحّة الرغبة و فسادها لا دخل لها في القيمة السوقية فإن مع الندرة لا اعتبار بها و مع الغلبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 306

[سقوط الرد و الأرش معا]
[أحدها العلم بالعيب قبل العقد]

العلم بالعيب قبل العقد (1).

______________________________

يكون ملاك القيمة السوقية، و على ذلك فلا يكون مثل الخصاء موجبا لجواز أخذ الأرش بل يوجب جواز الفسخ.

أقول: الأظهر عدم جواز الفسخ أيضا لأنّ النقص المزبور لا يعدّ عيبا بل هو نظير الختان أجنبي عن العيب و الاستشهاد بكونه عيبا بمرسلة السيّاري لا يمكن المساعدة عليها لضعفها سندا بالإرسال و عدم الاعتبار بفهم أبي ليلى ثانيا فتدبّر.

و قد يذكر موضعا ثالثا لسقوط الأرش دون جواز الفسخ و هو ما إذا ظهر العيب فيما يشترط قبضه في المجلس كما إذا باع دنانير بدراهم، و بعد حصول التقابض و انقضاء المجلس ظهر العيب في أحد العوضين فإنّه لا يجوز لمن انتقل اليه المعيب مطالبة صاحبه بالأرش حيث انّه لو أخذ الأرش بعد المجلس لما حصل التقابض في

المجلس، و لعل إغماض المصنف (ره) عن التّعرض لذلك لأجل ان سقوط الأرش في الفرض مبنيّ على كونه جزء العوضين ليعتبر قبضه في المجلس ايضا. و امّا بناء على انّ الأرش تغريم كما هو الصحيح فلا وجه لاعتبار قبضه في المجلس أصلا.

(1) ذكر (قده) انّ مع العلم بالعيب قبل العقد لا يثبت جواز الفسخ و لا جواز المطالبة بالأرش بلا خلاف و لا إشكال لأنّ الموضوع للخيار في الروايات العلم بالعيب و وجدانه بعد العقد فلا يكون العلم بالعيب قبل العقد داخلا في موضوع الخيار. و عن الجواهر نفي الخيار مع العلم بالعيب قبل العقد بمفهوم معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال (أيّما رجل اشترى شيئا به عيب و عوار لم يتبرّء اليه و لم يبين له الحديث. و تنظر المصنف (ره) في الاستدلال بالمفهوم و يقال في وجه نظره انّ المذكور في الرواية من القيد داخل في الوصف و لا مفهوم له.

أقول: لو كان وجه نظره ذلك لما كان فرق بين المقام و مسألة تبرّئ البائع عن العيب و المصنف استند بعد أسطر في نفي الخيار مع تبرئه بمفهوم قوله عليه السلام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 307

[الثاني: تبرّي العيوب إجماعا في الجملة]
اشارة

الثاني: تبرّي العيوب إجماعا في الجملة (1).

______________________________

و لم ينبرء اليه مع انّه لا فرق بين القيدين و لا يظنّ خفاء ذلك على المصنف. و الظاهر ان نظره (قده) باعتبار انّه لم يذكر في المعتبرة و لم يعلم بل ذكر فيها لم يبين له، و البيان لازمه العرفي تبرّء البائع من العيب فلا يعمّ ما إذا علم المشتري العيب من الخارج، و من غير بيانه فلا يكون للقيد المزبور دلالة على

عدم ثبوت الخيار للعالم بالعيب مطلقا. و لكن قد ذكر في المعتبرة زرارة فأحدث بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار بذلك الداء و مقتضاه فرض الجهل بالعيب حال العقد. أضف الى ذلك ظهور بيان العيب للمشتري في عدم علمه به. و لذا جعل قسيما للتبرء و لم يقيد بكون البيان من البائع.

ثم انّه لو شرط العالم بالعيب خيار العيب يبطل الشرط باعتبار كون المشروط خلاف السنة، حيث انّ مقتضى التقييد في السنة عدم ثبوت ذلك الخيار للعالم بالعيب مع انّ عدم الدليل على مشروعيّة الخيار المزبور للعالم كاف في الحكم ببطلان شرطه لأنّ الشرط لا يكون مشرعا كما يأتي، و لكن لا يكون فساد الشرط موجبا لفساد أصل المعاملة كما هو ظاهر المصنف (ره). نعم لو كان مراده شرط مطلق الخيار فهو داخل في شرط الخيار و لا بأس به.

(1) الثاني من مسقطات الخيار العيب تبرّي البائع من عيوب المبيع و كذا تبرّي المشتري من عيب الثمن، و يشهد لسقوط الخيار بالتبرّي مع الإغماض عن الإجماع عليه في الجملة لأنّ الإجماع في المقام مدركي معتبرة زرارة المتقدمة حيث انّ انتفاء الخيار مع التبرّي مقتضى التقييد فيها بلم يتبرء اليه و لم يبيّن له، و كذا حسنة جعفر بن عيسى قال كتبت الى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي فإذا نادى عليه برء من كل عيب فيه الى ان قال فكتب عليه الثمن. فإنّه حيث يكون التبري في البيع فيمن زاد أمرا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 308

..........

______________________________

عاديا حكم عليه السلام بتحقق التبري و بسقوط الخيار به.

و مقتضى إطلاق الروايتين كإطلاق الإجماع المنقول

عدم الفرق بين التبرّي بنحو الإجمال أو تعيين العيب و التبرّي عنه كما انّ مقتضى الإطلاق المزبور عدم الفرق بين العيوب الظاهرة أو العيوب الباطنة، كالمرض في العبد و الأمة الذي يظهر أثناء السنة.

و مما ذكرنا ضعف ما حكاه ابن إدريس عن بعض أصحابنا من عدم كفاية التبرّي بنحو الإجمال و نسب في المختلف عدم كفايته إلى الإسكافي كما ينسب الى صريح كلام القاضي الذي حكاه عنه في المختلف، و لكن كلام القاضي في جامعه موافق لما عليه المشهور من كفاية التبري مطلقا و كيف ما كان فالأمر سهل بعد وضوح الحكم.

ثم انّ ظاهر الروايتين التبرّي عن العيب الموجود في الشي ء حال العقد فهل يصحّ أيضا التبرّي عن العيب المتجدد في المبيع زمان ضمان البائع كالعيب الحادث قبل القبض أو زمان خيار الحيوان و نحوه أم فيه اشكال حيث انّ الرّوايتين المتقدمتين ظهورهما جواز التبرّي عن العيوب الموجودة حال العقد، و يبقى في العيوب المتجددة قبل القبض عموم قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم).

لا يقال: شرط سقوط الخيار في العقد من الإسقاط الاعتباري فيمكن ان يتعلّق بما يحدث مستقبلا كالخيار المترتب على العقد و حدوث عيب في المبيع قبل قبضه أو زمان خيار الحيوان، و لكن نفوذ هذا الاسقاط يحتاج الى دليل عليه و عموم (المؤمنون عند شروطهم) لا يكون دليلا على النفوذ لانه لا بد من التمسك به و الحكم بنفوذ الشرط كون المشروط في نفسه مشروعا بقرينة ما في ذيل قوله (ص) (المسلمون عند شروطهم) الّا شرطا حرّم حلالا أو حلّل حراما و مشروعيّة إسقاط الخيار قبل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 309

[ثمّ ان البراءة في المقام يحتمل إضافتها إلى أمور]

ثمّ ان البراءة في المقام يحتمل إضافتها

إلى أمور (1).

______________________________

حدوثه بان كان بعد العقد و قبل حدوث العيب غير محرز بل شرطه يدخل في تحليل الحرام لانّ الحرام يعم الوضعي و استصحاب عدم سقوط الخيار بالإسقاط بعد العقد، و قبل حدوث العيب يدخل شرطه في تحليل الحرام.

فإنّه يقال ان ضمان البائع العيب الحادث قبل القبض أو زمان خيار الحيوان بان كان ذلك العيب ايضا موجبا لخيار العيب فهو باعتبار توسعة الشارع ضمان الصّحة إلى تحقق القبض و انقضاء زمان الخيار و إذا لم يكن للبائع ضمان بالإضافة إلى وصف الصحة المفقودة حال البيع مع تبرّيه فلا يكون ضمان له بالإضافة إلى العيب الحادث مع تبريه ايضا. فتدبّر.

(1) التبرّي في البيع يتصور إضافته إلى أمور: الأوّل عهدة العيب بان لا يتعهّد البائع بسلامة المبيع فلا يترتّب على ظهور العيب فيه أثر من المطالبة بالأرش أو جواز الفسخ.

و الثاني: ضمان العيب و هذا أنسب لمعنى البراءة حيث انّ البراءة ظاهرها عدم ضمان المال بالعيب المزبور فيكون وصف الصّحة مع هذا التبرّي كسائر وصف الكمال في المبيع في انّ تخلّفه لا يوجب الّا جواز الفسخ.

الثالث: حكم العيب أي لا يترتب الخيار على العيب المزبور و الفرق بين الوجهين يعني الأول و الثالث و بين الوجه الثّاني هو سقوط الأرش خاصة على الوجه الثاني بخلاف الوجهين الأول و الثالث فإنّه يسقط معهما جواز الفسخ و جواز المطالبة بالأرش.

و امّا الفرق بين الوجه الأول و الثّالث على ما ذكر السيد اليزدي (ره) انّه لا يترتب على الوجه الأول أثر على العيب حتى لو تلف المبيع بذلك العيب فلا يكون في البيع ضمان البائع أي انحلال البيع بخلاف الوجه الثالث فإنّه يمكن ان يقال

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 4، ص: 310

..........

______________________________

بأنّ تلف المبيع بالعيب المزبور يكون على البائع كتلفه قبل القبض على ما يأتي.

أقول: لم يظهر ان اسناد التبرّي إلى ضمان العيب ظاهره عدم الالتزام بالأرش خاصة فإنّه قد تقدم انّ ضمان البائع وصف الصّحة ضمان معاملي و معناه ثبوت خيار الفسخ خاصة كما في ضمان وصف الكمال غاية الأمر انّ الشارع قد حكم بجواز أخذ الأرش و عدم جواز الفسخ مع عدم بقاء العين بحالها. و امّا الفرق بين إضافة التبرّي إلى العيب أو حكم العيب فلا فرق بينهما أصلا فإنّ التبرّي عن العيب و عدم تعهّده بسلامة المبيع لا معنى له الّا عدم الالتزام بحكم العيب الذي يكون من قبيل الحق لصاحبه و قبول صاحبه المعاملة مع التبرّي المزبور إسقاط لذلك الحق على تقديره.

و ما ذكر المصنف (ره) من انّ ضمان البائع تلف المبيع بالعيب المتبري عنه لا ينافي التبرّي عن العيب غير صحيح فإنّه ان كان التبرّي مع عدم خيار آخر للمشتري كما قرّره السيد اليزدي (قده) فلا موجب لضمان البائع أصلا لأنّه لا موجب لضمان شخص تلف مال الآخر بضمان اليد أو بضمان معاملي، بمعنى انحلال المعاملة.

و دعوى انّ ما دلّ على انّ التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له مقتضاه ثبوت الضمان في المقام على البائع لأنّ الموضوع للضمان هو التلف في زمان مطلق الخيار سواء كان ذلك فعليّا أو شأنيّا، و شرط سقوط خيار العيب في البيع يوجب ارتفاع الخيار فعلا لا شأنا لا يمكن المساعدة عليه لأنّ شأنية الخيار بعد إسقاطه لا معنى له، و انّ الخيار كسائر العناوين فيما إذا كان مأخوذا في الموضوع لحكم ظاهره فعليّته.

أضف الى ذلك ان ضمان

البائع تلف المبيع زمان خيار المشتري يختص بخياري الحيوان و الشرط و لا يعمّ خيار العيب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 311

[ثم ان هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الردّ و الأرش]
اشارة

ثم ان هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الردّ و الأرش (1).

______________________________

نعم إذا كان التلف بالعيب في زمان خيار آخر كالحيوان الذي يتلف زمان خياره بالعيب المتبري عنه فينحلّ البيع بالتلف بلا فرق بين إضافة التبرّي إلى العيب أو حكمه، فإن هذا الانحلال من أحكام خيار الحيوان لا من أحكام العيب؛ و لذا لو لم يكن خيار العيب مشروعا لكان تلفه بالعيب القديم أو الجديد زمان خيار الحيوان موجبا للانحلال و ترتب الانحلال على التلف في ذلك الزمان من قبيل الحكم الشرعي لا من الحقوق ليسقط باشتراط عدمه كما لا يخفى.

(1) يظهر عن بعض الأصحاب سقوط جواز الفسخ و أخذ الأرش معا بأمور:

منها ما إذا زال العيب الموجود في المبيع أو الثمن حال العقد سواء زال بعد العلم به و قبل الفسخ أو أخذ الأرش أو زال قبل العلم به و كذلك الأمر في العيب الحادث قبل القبض و الزائل فيما بعد، و يظهر ذلك من التذكرة خصوصا في الفرع الذي ذكره و هو ما إذا وجد المشتري في عين العبد نكتة بياض و حدث فيها نكتة بياض آخر ثمّ زال إحداهما و قال البائع الزائل النكتة القديمة فلا ردّ و لا أرش و قال المشتري الزائل الحادثة فلي الردّ قال الشافعي يتحالفان.

و ذكر المصنف (ره) انّ سقوط جواز الفسخ بالزوال وجيه لأنّ ظاهر ما دلّ على جواز الفسخ بالعيب ردّه مع عيبه، فلا يعمّ ما إذا زال عيبه. و بتعبير آخر الموضوع لجواز الردّ المعيب فلا موضوع له

بعد زوال العيب و لا يجري الاستصحاب بعد زوال العيب. و امّا أخذ الأرش فلا بأس بالقول بجوازه ان لم يكن التفصيل خلاف الإجماع لأنّ الموضوع للأرش هو عيب المبيع حال العقد فيبقى ذلك الجواز خصوصا فيما إذا كان الزوال بعد العلم بالعيب، و على كل تقدير زوال العيب قد حدث في ملك المشتري فلا يمنع عن أخذ الأرش. نعم الفرع داخل في القاعدة التي اخترعها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 312

[و منها: التصرّف بعد العلم بالعيب]

و منها: التصرّف بعد العلم بالعيب (1).

______________________________

الشافعي و هي انّ الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد.

أقول: لا وجه للتفصيل بين جواز أخذ الأرش و جواز الفسخ فإنّ الأرش يثبت بالمطالبة لا بمجرّد العقد على ما به عيب و لا بالعلم بالعيب، كما صرّح (ره) قبل ذلك بكونه تغريما. و الحاصل: ظهور ما دلّ على جواز الفسخ و الأرش هو فسخ العقد على ما يكون فيه العيب فعلا لوجوده حال العقد، أو قبل القبض، كما هو أخذ أرشه لهذا الاعتبار كما لا يخفى.

(1) حكي عن ابن حمزة في الوسيلة انّه ذكر من مسقطات جواز الردّ و أخذ الأرش تصرّف المشتري في المبيع المعيب بعد العلم بالعيب، و لعل وجهه ان التصرف مع العلم بالعيب علامة الرضا بالمبيع المعيب فلا يكون له بعد ذلك جواز الفسخ، كما لا يكون له أخذ الأرش فإن جوازه أخذه قد ثبت في مورد التصرف في المبيع قبل العلم بعيبه. و أجيب عن الاستدلال المزبور بأنّ مقتضاه سقوط جواز الفسخ لا جواز أخذ الأرش لأنّ التصرف علامة الرضا بالمبيع لا بعيبه بان يسقط جواز أخذ الأرش أيضا؛ و انّما يسقط جواز أخذ الأرش

بتبري البائع و تصرف المشتري لا يدلّ عليه، و دعوى اختصاص روايات الأرش بما إذا كان التصرف قبل العلم بالعيب ممنوعة فلا حظها.

أقول: ان كان التصرف غير مغيّر للعين كما إذا ركب الفرس فلا وجه لسقوط جواز الفسخ به فيما إذا لم يقصد المشتري إظهار رضاه ببقاء البيع مع علمه بالعيب، فيجوز له الفسخ و لا يكون له أخذ الأرش لأنّ الأرش مترتب على عدم إمكان الفسخ كما تقدم. نعم على المشهور من كون الأرش و جواز الفسخ طرفي التخيير فيجوز كل منهما و مع قصد المشتري إظهار رضاه بإبقاء البيع و لو مع عيب المبيع يسقط جواز الفسخ لأنّ التصرّف المزبور إسقاط فعلي، و يبقى جواز أخذ الأرش

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 313

[و منها: التصرّف في المبيع المعيب الذي لا ينقص قيمته]

و منها: التصرّف في المبيع المعيب الذي لا ينقص قيمته (1).

______________________________

بخلاف ما كان الأرش في طول جواز الفسخ فإنّه لا يكون له أخذ الأرش لما ذكرنا من انّ الأرش يثبت مع عدم إمكان الفسخ بالحدث في المبيع لا مع عدم إمكانه بإسقاط جواز الفسخ قولا أو فعلا.

و امّا إذا كان التصرّف مغيرا للعين فيسقط جواز الفسخ به و يتعيّن عليه جواز أخذ الأرش فيما إذا كان هذا التّصرّف قبل العلم بالعيب كما تقدم سابقا.

و امّا إذا كان بعد العلم بالعيب فظاهر ابن حمزة عدم جواز أخذ الأرش لخروج الفرض عن روايات الأرش، و لكن معتبرة زرارة المتقدمة، و ان كان كما ذكره، و لكن مرسلة جميل يمكن دعوى إطلاقها كما انّ الإطلاق موجود في بعض ما ورد في وطء الأمة المشتراة كصحيحة عبد اللّٰه ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (قال علي عليه

السلام لا ترد الّتي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها و يوضع عنه من ثمنها بقدر عيب ان كان فيها) و نحوها غيرها.

لا يقال قد ورد التقييد بوقوع الوطي قبل العلم بالعيب في بعض الروايات فيرفع اليد بها عن الإطلاق كمعتبرة عبد الرحمن (أيما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردّها و يردّ البائع عليه قيمة العيب.

فإنّه يقال بما انّ القيد غالبي و المشتري لا يقدم على إمساك الأمة المعيبة و يقع وطيها قبل العلم بعيبها غالبا؛ و لذا ذكره عليه السلام في كلامه فلا يوجب رفع اليد عن الإطلاق المتقدم اللّهم الّا ان يقال ان في التّعدي عن الأمة و وطيها الذي لا يكون غالبا عن التصرف المغير لعدم البكارة في الإماء غالبا إلى سائر المبيع اشكالا بل منعا.

(1) قد يقال بسقوط جواز الفسخ و أخذ الأرش فيما إذا تصرّف في معيب لا ينقص قيمة الشي ء بذلك العيب فانّ التصرف لكونه علامة الرضا يوجب سقوط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 314

[و منها: ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب]

و منها: ثبوت أحد مانعي الرد في المعيب (1).

______________________________

جواز الرد و عدم ثبوت الأرش لعدم الموضوع له و يجاب عن ذلك بأنّ الأرش و ان لا يثبت في الفرض الّا انّه لا يسقط جواز الردّ بالتصرّف لكون سقوط جوازه بالتصرّف في الفرض ضرريا.

و ناقش المصنف (ره) في الجواب بأنّه ان أريد بالضرر الضرر المالي فلا موضوع له و ان أريد الضرر بمعنى فقد صفة مقصودة للمشتري، فهذا الضرر قد أقدم عليه المشتري بتصرفه في المعيب المفروض قبل الفحص عن عيبه فيكون الفرض كما إذا اشترى متاعا مع شرط وصف فيه، و ظهر عدم الوصف و رضي بالفاقد.

ثم

ذكر انّه يمكن أن يقال انّه لا دليل على سقوط خيار الفسخ بالتصرّف إلّا في مورد ثبوت الأرش و خيار التدليس. و امّا في مورد عدم ثبوت الأرش كما في الفرض فالأمر فيه كما في تخلّف وصف الكمال المشترط في عدم سقوط جواز الفسخ بالتصرّف.

أقول: لا مورد لخيار العيب في الفرض أصلا فإنّ النقص عن الخلقة الأصليّة فيما إذا لم يوجب تفاوتا في القيمة لا يعدّ عيبا بل الوصف المزبور ان كان مشروطا في العقد فيكون من قبيل وصف مشروط في العقد يوجب تخلّفه خيار الشرط و الّا فلا خيار، و مما ذكرنا يظهر الحال فيما حدث في المعيب المفروض عيب آخر في يد المشتري و انّه لا مورد فيه لجواز الفسخ و ان العيب الجديد قد حصل في ملك المشتري، و ايضا قد ذكرنا فيما تقدم انّ الضرر هو النقص المالي، و لا يكون عدم الوصول الى الغرض من الضرر و انّ قاعدة نفي الضرر لا يثبت الخيار في المعاملة فلا حاجة الى إعادته.

(1) ذكر مما يسقط به جواز الردّ و جواز أخذ الأرش التصرف الكاشف عن الرضا ببقاء البيع في المعاملة التي تعتبر فيها المماثلة بين العوضين لكونهما من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 315

..........

______________________________

الربويين كما إذا اشترى حنطة بحنطة و بعد العلم بالعيب في الحنطة الّتي وصلت بيده تصرف فيها بالطحن فإنّه لا يكون معه جواز الفسخ، و لا جواز أخذ الأرش لأنّ إقدامه على المعاملة بين العوضين الربويين رفع اليد عن المطالبة بالمال بإزاء الوصف فيكون اشتراط السلامة في العوضين المزبورين كاشتراط وصف الكمال في كون تخلفه موجبا لجواز الفسخ فقط و إذا أسقط هذا الجواز بالتصرف

فلا يكون له لا جواز الفسخ و لا جواز أخذ الأرش.

نعم لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب فلا يكون فيه إظهار الرضا ببقاء البيع مع عيب المال؛ و عليه فان لم يكن التصرف المزبور داخلا في المانع الثاني فيجوز له الفسخ و الّا يكون له حكم المانع الثاني. أقول تقدم انّه مع إسقاط جواز الفسخ قولا أو فعلا لا يجوز له أخذ الأرش سواء كان العوضين من الربويّين أم لا فانّ ما دلّ على جواز أخذ الأرش يختص بما إذا كان التصرف المغيّر للعين أو حدوث الحدث في العين قبل العلم بعيبها، و لا يعم صورة إسقاط جواز الفسخ بالإنشاء قولا أو فعلا بعد العلم بالعيب، و مع الإغماض عن ذلك فلا بأس بأخذ أرش العيب فإنّ الأرش لا يجعل المعاملة ربويّة لأنّ الأرش تغريم تثبت الزيادة بحكم الشارع لا بجعل المتعاملين لتكون ربا.

و ربّما يقال بسقوط جواز الفسخ و الأرش ما إذا حصل المانع الثاني و هو حدوث العيب الجديد في العوضين من الربويين فإنّه بعد حدوث العيب الجديد في المعيب لا يجوز الفسخ لعدم قيام العين بعينها و عدم جواز أخذ الأرض على العيب القديم للزوم الرّبا على ما تقدم و لا يخفى انّه بناء على ما ذكرنا فلا بأس بأخذ الأرش لأنّه حكم شرعي لا زيادة جعليّة.

و نقل المصنف (ره) وجها آخر لسقوط جواز الفسخ في الفرض و هو انّه لو قيل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 316

..........

______________________________

بالفسخ بالعيب القديم لكان ردّه على البائع مع العيب الجديد بلا أرش هذا العيب ضررا عليه و ردّه مع أرشه يوجب الربا، و حيث انّ لزوم الرّبا مع فسخ البيع يشبه

سهو القلم لأنّ الرّبا يكون على تقدير المعاملة لا على تقدير عدمها كما هو مقتضى فسخها ذكر (قده) في توجيه لزوم الرّبا وجهين: الأوّل انّ في المعاملة الّتي يكون العوضان فيها من الربويين يلغي وصف الصحّة من كل منهما، فيقع أحد العوضين في مقابل نفس العوض الآخر حتى لو كان أحدهما صحيحا و الآخر معيبا فإنّه لو وقع بعض المعيب بإزاء وصف الصحّة في العوض الآخر بان يكون بعضه الآخر بإزاء نفس العوض الصحيح لكانت المعاملة محكومة بالفساد، و لنقصان العوض المعيب عن الصحيح كمّا؛ و على ذلك يكون أخذ البائع الأرش على العيب الجديد كاشفا عن كون بعض العوض بإزاء الصحّة التي زالت بالعيب الجديد فيكون العوض موزعا على نفس الشّي ء، و وصفه؛ و لذا لا يجوز الإقالة بزيادة أو نقيصة في الربويين، و لو مع تعيب أحدهما بعد المعاملة في يد المقيل.

نعم يصحّ الردّ مع الأرش في غير ربويين كما إذا اشترى شيئا بثمن و ظهر فيه عيب و تعيب الشي ء عند المشتري فانّ المشتري مع فسخه البيع و لو برضاء البائع يرد عليه أرش العيب الجديد.

و التوجيه الثاني: ان الفسخ مع الأرش من تمليك أحد العوضين من جنس واحد بزيادة حيث يتملك البائع ثانيا بالفسخ ما صار الى المشتري أولا، و لأنّ الفسخ معاملة جديدة بين العوضين الربويين فتكون أخذ الأرش على العيب الجديد زيادة في أحد العوضين.

أقول: التوجيه الثّاني ساقط من أصله فإنّ الفسخ ليست معاوضة جديدة؛ بل هو ازالة للعقد الناقل فيرجع كلّ من العوضين الى مالكه الأصلي بالسبب السابق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 317

[و منها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار]

و منها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار (1).

______________________________

على ذلك العقد، و

كذا الأول فإنّ وصف الصحّة لا تقابل بالمال في المعاملة أصلا سواء كان العوضان ربويين أم لا فيكون تخلف الوصف المشترط صحة كانت أم غيرها موجبا لجواز الفسخ فقط و الأرش حكم شرعي، و لكن هذا حكم ضمان الوصف في المعاملة. و امّا ضمان الوصف في المقام فهو ضمان اليد بمعنى الأرش سواء كان الوصف كمالا أو صحة فإنّ العيب الجديد بعد فسخ المعاملة يدخل في ضمان اليد و لا يكشف عن توزيع العوض أصلا و لو كان كاشفا فإنّما يكشف عن الضمان المعاملي بالإضافة إليه لا بالإضافة إلى العيب القديم.

(1) قد يذكر من مسقطات جواز الفسخ و المطالبة بالأرش تأخير الأخذ بمقتضى خيار الفسخ بان لا يفسخ و لا يطالب بالأرش عند العلم بالعيب قال في الغنية مسقطات خيار العيب التبرّي، و الرضا بالعيب و تأخير الرد مع العلم بالعيب لأنّه على الفور بلا خلاف ثم ذكر من المسقطات التصرّف في المعيب و حدوث عيب آخر فيه في يده، و قال انّه ليس مع التصرّف و حدوث العيب الفسخ بل يثبت معهما الأرش انتهى و ذكره أخذ الأرش في التصرف و حدوث العيب دون تأخير الردّ ظاهره إلحاق تأخير الرد بالتبرّي و الرّضا بالعيب في كونه مسقطا لجواز الفسخ و الأرش.

و كيف كان فالوجه في إسقاط تأخير الرد الخيار ظهوره مع العلم بالعيب في الرضا بالمعاملة المفروضة و ذكر المصنف (ره) انّه على تقدير دلالته على الرضا يكون المدلول عدم ارادة الفسخ لا عدم إرادته المطالبة بالأرش أيضا.

أقول: لم يظهر الفرق بين جواز الفسخ و المطالبة بالأرش، و لو كان في التّأخير دلالة على عدم الإرادة فهي بالإضافة إليهما، و مع عدم الدلالة كما

هو الصحيح فلا يسقط شي ء منهما.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 318

..........

______________________________

و قد تمسّك المصنف (ره) في سقوط خيار العيب أي جواز الفسخ بأصالة اللزوم أي عموم وجوب الوفاء بالعقود أو استصحاب بقاء الملكين بحالهما حيث يقتصر في الخروج عنها بالمقدار المتيقن، و قال ما حاصله ان دعوى عدم عرفان الخلاف في جواز التأخير، كما عن المسالك و الحدائق لا أساس لها لأنّا عرفنا الخلاف، و الحكم بكون الخيار على الفور عن ابن زهرة و غيره و يكشف عن وجود الخلاف تعبير العلامة في حكمه في المقام بالتّراخي بأنّ التراخي أقرب و مثلها دعوى عدم الخلاف في كونه على التراخي، كما عن الكفاية. نعم ذكر في الرّياض اتفاق المتأخرين كافة على التراخي، و لكن الشهرة بين المتأخرين لا يمكن الاعتماد عليها، و لو قلنا باعتبارها من باب مطلق الظن لأنّ الشهرة في المقام قد حصلت من الأخذ بمقتضى استصحاب بقاء الخيار حتى انّ العلامة في حكمه بالتّراخي تمسك به و استصحاب الخيار لا يعتبر في المقام لكون الشك في المقتضي؛ و ما في الكفاية من انّ جواز التأخير مقتضى إطلاق أخبار الباب و خصوص بعضها لا يمكن المساعدة عليه فانّ الإطلاق وارد في مقام بيان أصل الخيار لا خصوصياته و خصوص بعضها لا نعرفه.

أقول: الإطلاق في المقام تام و معه لا تصل النوبة إلى أصالة اللزوم و لو كان المراد بها التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإنّه قد ذكر في مرسلة جميل ان كان الشي ء قائما بعينه ردّه على صاحبه فان مقتضاها ان الموضوع لجواز الفسخ بعد ظهور العيب قيام الشي ء بعينه، و لو كان دخل لأمر آخر في جواز الفسخ من عدم

التأخير فيه و نحوه لذكر في القضية الشرطيّة، و نحوه ما في صحيحة ميسر من قوله عليه السلام (و ان لم يكن يعلم ان ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه)، فالأظهر يكون الخيار في المقام ايضا على التراخي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 319

[قال في المبسوط: من باع شيئا فيه عيب و لم يبيّنه فعل محظورا]

قال في المبسوط: من باع شيئا فيه عيب و لم يبيّنه فعل محظورا (1).

______________________________

(1) في المسألة أقوال خمسة: الأوّل وجوب بيان العيب تعيينا. الثاني وجوبه تخييرا بينه و بين التبرّي. الثالث عدم وجوب شي ء منهما. الرابع بيان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار و الرؤية. الخامس بيان العيب الخفي أو التبري.

و يستدل القائل بوجوب الاعلام مطلقا أو في بعض الموارد بكون ترك الاعلام غشا، و لا يجوز غش المؤمن في المعاملة بل و غيرها.

و ذكر المصنف (ره) انّ الأظهر في المقام بيان العيب الخفي و هو الذي لا يظهر بالاختبار المتعارف لكون الكتمان بمعنى عدم الإظهار غشا. و امّا في العيب الظّاهر فلا يكون مجرد عدم إظهار غشا بل الغش إظهار خلافه بحيث يعتمد عليه المشتري قولا أو فعلا، كما إذا فتح الكتاب بين يدي الأعمى مظهرا انّه يقرئه الموجب للاعتماد المشتري عليه فانّ عدم الإظهار في الأول، و إظهار الخلاف في الثاني غشا، ثم ذكر انّه لم يعلم عدم صدق الغش مع التبرّي لأنّ التغرير لم يحصل بمجرد عدم إظهار العيب بل لاعتماد المشتري على أصالة السّلامة أيضا، فيكون عدم اعلامه بالعيب موجبا لاعتماد المشتري على أصالة السلامة فالأحوط الاعلام و عدم الاكتفاء بالتبري.

أقول: الأظهر انّ مجرّد عدم الاعلام بالعيب لا يعدّ غشّا في المعاملة سواء كان العيب خفيّا لا يظهر بمجرد الاختبار

أو كان جليّا يظهر عند البيع بالرؤية و الاختبار المتعارف فانّ الغش أمر وجودي يقابل النصح، و هو فعل ما يوجب تلبيس الواقع و تغطية باطن أمر المبيع ليقدّم المشتري على شرائه و لو كان العيب ظاهرا و قصّر المشتري بعدم التدقيق في النظر الى المبيع فعدم ذكر البائع العيب لا يعدّ غشّا، و كذا في العيب الخفي حيث يكون الغطاء للعيب و عدم ظهوره للمشتري بمقتضى نفس العيب. نعم لو سأل المشتري في هذا الفرض عن حال المبيع فأجاب بما يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 320

..........

______________________________

ظاهرا في نفي العيب يكون الجواب المزبور غشا و لو لم يكن الجواب داخلا في عنوان الكذب، كما إذا قصد به التورية. لا يقال لا يكون في هذا الفرض ايضا غشّ فإنّ المشتري مع ظهور العيب عنده يكون له جواز الفسخ فإنّه يقال الخيار لا يدفع الغشّ لا مكان ظهور العيب بعد التصرف المسقط لجواز الفسخ بل مجرّد التعب أو صرف المال في ردّه على بايعه كاف في صدقه.

و قد يقال انّ ما ذكر لا يختص بالعيب الخفي و لو فعل البائع في العيب الظاهر ما يوجب اطمينان المشتري بصحة المبيع و الإقدام على شرائه بلا تفتيشه كفى في صدق الغش، و لكن ذلك لا يخلو عن تأمّل.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن العيب أو إظهار وصف الجودة في المبيع بفعل البائع بقصد تلبيس الأمر على المشتري و الّا يكون نفس الفعل المزبور محرما فيما إذا لم يكن الفعل المزبور ظاهرا. و في صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون عنده لونان من طعام سعرهما بشي ء و أحدهما

أجود من الآخر فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد فقال لا يصلح أن يغشّ المسلمين حتى يبيّنه، فان هذه تحمل على صورة التغطية بقرينة صحيحة محمد بن مسلم انّه سئل عن الطعام يخلط بعضه ببعض قال إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم يغطّ الجيد الردى، و لو نوقش في دلالة لا يصلح على الحرمة فيما ذكرنا كفى في إثبات حرمة الفعل المزبور في العيب الخفي معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال نهى النبي (ص) ان يشاب اللبن بالماء للبيع.

ثمّ ان حرمة الغش في المعاملة فيما إذا لم يكن يخلط الشي ء بغيره لا توجب فساد المعاملة لتعلّق النهي بالعنوان الخارج عن نفس المعاملة و على تقدير انطباق العنوان على نفس المعاملة فلا يوجب النهي عنها فسادها. و امّا إذا كان الغش بالاختلاط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 321

[مسائل في اختلاف المتبايعين]
[الأول و هو تارة في موجب الخيار]
اشارة

و هو تارة في موجب الخيار (1).

______________________________

فان كان الخلط بحيث يستهلك الشي ء في المبيع كشوب اللبن بالماء يصحّ البيع سواء كان ذلك الشي ء مالا أو غيره، و لكن يثبت الخيار للعيب مع عدم التبرّي.

و امّا إذا لم يستهلك فان خرجا الى موجود ثالث يحكم ببطلان البيع لعدم تحقق للمبيع خارجا. و امّا إذا لم يخرج الى ثالث و لم يستهلك في البيع يصحّ بالإضافة الى ما ينطبق عليه عنوان المبيع، و يبطل بالإضافة إلى الآخر و لا يضرّ مع الانحلال الجهل بمقدار المبيع مع العلم بمقدار الجملة فإنّ الجهل بالمقدار في المبيع الانحلالي لا يضرّ كما إذا باع شيئين موزونين بصفقة بوزن الجملة و ظهر أحدهما ملك الغير.

(1) اختلاف المتعاملين في موجب الخيار تارة و في مسقطة أخرى و في

الفسخ ثالثة.

امّا الأوّل ففيه فروض فإنّه ان كان الاختلاف في عيب المبيع و سلامته بان ادّعى المشتري انّه معيب و قال البائع لا يكون فيه عيب و فرض تعذر اختباره لتلفه عند المشتري أو غيره فيقدّم قول البائع لأنّ المشتري يدّعي استحقاق المطالبة بالأرش و البائع ينكره فيحلف مع عدم البيّنة للمشتري على عدم العيب أو عدم حقّ الأرش له عليه.

ذكر السيد اليزدي (قده) انّه لو كانت الحالة السابقة في المبيع هو العيب يستصحب العيب فيكون القول قول المشتري فمع عدم البيّنة للبائع على الزوال يحلف المشتري على عدم زواله.

أقول: الأظهر انّه يحكم في الفرض ايضا بكون المشتري مدّعيا لانّ الموضوع لأخذ الأرش ليس بيع الشي ء مع عيب ذلك الشي ء في ذلك الزمان، بل بيع الشي ء حال وجود العيب فيه، كما هو ظاهر قول أبي جعفر عليه السلام في معتبرة زرارة (أيّما رجل اشترى شيئا و به عيب و عوار) حيث انّ قوله و به عيب و عوار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 322

..........

______________________________

الحالية لا الاجتماع بواقعة نظير ما ذكروا من انّه لو ركع و شك في انّه أدرك الإمام في ركوعه أم لا بان احتمل رفع الإمام رأسه عن الركوع قبل وصوله الى حد الركوع فإنّه يحكم ببطلان صلاته أو جماعته فانّ استصحاب ركوع الإمام في زمان وصل فيه حد الركوع لا يثبت ركوعه حال كون الإمام راكعا.

و لو أحرز تحقق نقص في المبيع و اختلفا في كونه عيبا لنقص القيمة أم لا و لم يحرز حال ذلك الأمر لعدم إمكان الرجوع الى أهل الخبرة لفقده فإنّه في الفرض ايضا يكون مقتضى الأصل عدم ثبوت حق الأرش للمشتري فيحلف البائع

على نفيه و هذا بالإضافة إلى الأرش.

و امّا بالإضافة إلى جواز الفسخ فمع الاتفاق على كون الأمر الموجود نقصا بحسب أصل الشي ء كما هو الفرض يكون للمشتري جواز الردّ، و لا يخفى انّ هذا مبنيّ على كون النقص غير الموجب لنقص القيمة عيبا يوجب جواز الفسخ و الّا فمقتضى تقديم قول البائع عدم ثبوت جواز الفسخ ايضا.

و لو أحرز العيب في المبيع فعلا و اختلفا في حدوثه فقال المشتري انّه كان عند البيع أو قبل وصوله الى يده فله خيار العيب، و قال البائع لم يكن حال البيع أو قبل وصوله الى يده فلا خيار للمشتري فإنّه يقدم ايضا قول البائع من غير فرق بين العلم بزمان حدوث العيب و عدمه و ذلك فإنّه لو علم زمان حدوث العيب لا يكون استصحاب عدم البيع الى ذلك الزمان مفيدا في جريان البيع عليه مع العيب.

و ذكر ابن الجنيد في فرض اختلافهما في تقدم العيب و تأخّره انّه يقدم قول المشتري فيحلف على عدم حدوثه عنده لأنّ الأصل عدم وصول المبيع إلى المشتري سالما و عدم استحقاق البائع الثمن كلّه، و فيه ان استحقاق البائع الثمن بكله محرز لأنّ الأرش ليس جزءا منه و وصول المبيع إلى المشتري محرز و عدم وصوله سالما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 323

..........

______________________________

لا يثبت جريان البيع على المعيب أو حدوثه في ضمان البائع نظير ما تقدم في مسألة الاختلاف في تغير المبيع. و الحاصل: انّه يحكم في الفرض بتقديم قول البائع، و هذا فيما لم تشهد القرينة على عدم حدوث العيب في يد المشتري، و الّا فيحكم بمقتضى القرينة، و هذا ليس من تقديم قول المشتري ليحلف

على عدم حدوثه عنده، بل من حكم الحاكم في الواقعة بعلمه الحاصل من القرينة فإنّه مع علمه لا مجال لبيّنة المدعي و لا لحلف المنكر كما لا يخفى.

قال في التذكرة لو أقام أحدهما البيّنة على مدعاه بان تشهد بنيّة المشتري بوجود العيب حال البيع و بنيّة البائع بحدوثه عند المشتري فيعمل ببينة المشتري لأنّ بينة البائع لا اعتبار بها مع بينة المشتري لأنّ المشتري هو المدّعي و لا يطلب من المنكر إلّا الحلف و لا تسمع منه البيّنة؛ و امّا سماع بيّنة البائع مع عدم البيّنة للمشتري فهو مبنيّ على قيام بيّنة المنكر مقام حلفه.

أقول: المنسوب الى المشهور عدم الاعتبار ببيّنة النفي و انّه لا تسمع بيّنة المنكر و لا يسقط بها الحلف عليه و يستدلّ على ذلك بقوله صلوات اللّٰه عليه البيّنة على من ادّعى و اليمين على من ادعي عليه، أو على من أنكر حيث انّ التفصيل يقطع الشركة.

و يدلّ على ذلك أيضا رواية منصور الّتي رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن حفص عنه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في حديث تعارض البيّنتين في شاة في يد رجل قال قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام حقّها للمدّعي و لا أقبل من الذي في يده بيّنة لأنّ اللّٰه عزّ و جلّ إنّما أمر أن تطلب البيّنة من المدّعي، فان كانت له بيّنة و الّا فيمين الذي هو في يده هكذا أمر اللّٰه عزّ و جلّ، و لكن الرواية ضعيفة سندا، لانّ محمد بن حفص مجهول، و احتمال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 324

..........

______________________________

كونه ابن العمري الّذي كان وكيل النّاحية، و

كان الأمر يدور عليه، كما هو ظاهر جامع الرّواة، و كان من أصحاب العسكري عليه السلام بعيد غايته لأنّ رواية إبراهيم بن هاشم الذي لقي الرضا عليه السلام و أدرك الجواد عليه السلام عنه و روايته عن منصور الّذي من أصحاب الصادق عليه السلام لا يمكن عادة مع ان في كون منصور هو منصور بن حازم أو منصور ابن يونس تأملا، و ان لا يبعد ذلك باعتبار كونه صاحب الكتاب و المشهور من أصحاب أبي عبد اللّٰه (ع).

و دعوى انجبار ضعفها بعمل المشهور لا يمكن المساعدة عليها، لانّ استناد المشهور الى هذه الرواية دون قوله صلوات اللّٰه عليه (البيّنة للمدعي و اليمين على من أنكر) غير محرز، كما انّه لم يحرز أصل الشهرة في الحكم المزبور.

و عن العلامة و الشهيد بل لا يبعد دعوى الشهرة بين متأخّري المتأخرين سماع بيّنة المنكر و انّه لا حلف على المنكر معها و ما تقدم من قوله صلوات اللّٰه عليه لا دلالة له على عدم السماع بل ظاهر التفصيل انّه لا يطالب المنكر بالبيّنة، بل يطالب بالحلف بخلاف المدّعي فإنّه يطالب في إثبات دعواه بالبيّنة لا انّ البيّنة فيما إذا أقامها المنكر لا تعتبر، بل مقتضى إطلاق دليل اعتبار البيّنة سماعها و لو من المنكر كما يدلّ عليه أيضا رواية ضمرة بن أبي ضمرة عن أبيه عن جدّه قال قال أمير المؤمنين عليه السلام (انّ أحكام المسلمين على ثلاثة شهادة عادلة أو يمين قاطعة أو سنّة ماضية من أئمة الهدى)، و لكن الرواية ضعيفة سندا. و مثلها مرسلة ابن عثمان عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في كتاب علي عليه السلام ان نبيّا من الأنبياء شكى الى ربّه القضاء

فقال (كيف أقضي بما لم تر عيني و لم تسمع اذني؟

فقال اقض عليهم بالبيّنات و أضفهم إلى اسمي يحلفون به).

أقول: لا يمكن الاستناد في الحكم بسماع بيّنة المنكر إلى شي ء من ذلك فإنّه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 325

..........

______________________________

قوله صلّى اللّٰه عليه و آله (إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان مع الانضمام بقوله صلى اللّٰه عليه و آله (البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر) انّ المدرك للقضاء ينحصر ببيّنة المدّعي و يمين المدّعى عليه، و انّ المنكر لا يطالب بالبيّنة بل يطالب باليمين و لو مع البيّنة له.

و بتعبير آخر كما انّ مقتضي ملاحظتهما عدم كفاية يمين المدعي على دعواه في الحكم كذلك لا يكون بيّنة المنكر كافيا في الحكم.

و دعوى انّ ذلك مقتضى إطلاق دليل اعتبار البيّنة، و انّ البيّنة من المنكر لا يقاس بيمين المدّعي فانّ اليمين في نفسه لا تعتبر بخلاف البيّنة لا يمكن المساعدة عليها، فانّ مقتضى اعتبار البيّنة أنّه يحرز بها الواقع فيجوز ترتيب آثار الواقع معها سواء كان الواقع نفيا أو إثباتا، كما إذا شهدت البيّنة للمرأة على عدم كونها ذات بعل، أو في العدة فيجوز للرجل تزويجها و لو مع كونها متهمة لا تعتبر قولها. و امّا جواز القضاء و سقوط دعوى الآخر عليها بأنّها زوجته بحيث يترتب على القضاء نفوذه فيمكن أن يؤخذ في موضوع جواز القضاء الإحراز الخاص أو أمرا آخر لا يكون إحرازا أصلا كيمين المنكر فإطلاق اعتبار البيّنة بحيث تعمّ البيّنة على النّفي لا ينافي عدم جواز القضاء بها في مقام الترافع كما هو مقتضى قوله صلوات اللّٰه عليه (انّما أقضي بينكم بالبيّنات و الأيمان و انّ

البيّنة على المدعي و اليمين على من أنكر).

و بذلك يرفع اليد عن مقتضى الإطلاق في رواية ضمرة و انّه كما لا تكون يمين المدّعي على دعواه من اليمين القاطعة في مقام الدعوى كذلك لا تكون بيّنة المنكر شهادة عادلة في مقام المخاصمة بأن يقطع المخاصمة بها، و كذا الحال في مرسلة ابن عثمان كما لا يخفى.

و ربّما يستدلّ على جواز القضاء ببيّنة المنكر و عدم الحلف عليه معها بروايات

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 326

..........

______________________________

منها معتبرة حفص ابن غياث عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان أشهد انّه له قال (نعم) قال الرجل أشهد انّه في يده و لا أشهد انه له فلعلّه لغيره فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام (أ فيحلّ الشراء منه؟) قال نعم فقال أبو عبد اللّٰه عليه السلام (فلعلّه لغيره؟ فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك، ثم تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه؟، و لا يجوز أن تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك، ثم قال أبو عبد اللّٰه عليه السلام لو لم يجز هذا لم يبق للمسلمين سوق.

و لكن يخفى انّ المراد بالشهادة فيها نسبة ملك الشي ء إلى ذي اليد، و لذا ذكر سلام اللّٰه في مقام النقض بنسبة الملك الى نفسه بعد الشراء من ذي اليد، و ليس المراد الشهادة في مقام الترافع، و على تقدير الإطلاق و دلالته على جواز الشهادة في مقام الترافع فليس مقتضى ذلك الاكتفاء به عن الحلف على المنكر، كما سنبيّن وجهه في تعارض بيّنة المنكر مع المدّعي.

و منها صحيحة حمّاد

بن عثمان قال بينما موسى ابن عيسى في داره التي في المسعى يشرف على المسعى إذ رأى أبا الحسن موسى عليه السلام مقبلا من المروة على بغلة فأمر ابن هيّاج رجلا من همدان منقطعا اليه ان يتعلّق بلجامه و يدّعي البغلة فأتاه فتعلّق باللجام و ادّعى البغلة فثنّى أبو الحسن عليه السلام رجله و نزل عنها و قال لغلمانه (خذوا سرجها و ادفعوا اليه) فقال السرج أيضا لي فقال (كذبت عندنا البيّنة بأنّه سرج محمد بن علي، و امّا البغلة فإنا اشترينا منذ قريب) و أنت أعلم و ما قلت حيث لو لم تكن بيّنة المنكر معتبرة لما كان لقوله عليه السلام و عندنا البيّنة بأنّه سرج محمد بن علي، و فيه انّ المراد بالبيّنة ما يوضح الأمر كما هو معناه اللغوي بقرينة قوله (ع)؛ و امّا البغلة فإنّا اشتريناها منذ قريب، و أنت أعلم،

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 327

..........

______________________________

و ما قلت.

و الحاصل: انّ مراده عليه السلام بأنّا لا نحتمل صدقك بالإضافة إلى السرج لا انّه ليس عندنا بالبيّنة المعتبرة في مقام القضاء بالإضافة إلى شراء البغلة، كما لا يخفى.

و منها: ما ورد في قضية أمر الفدك بسند صحيح رواه في الوسائل في باب الشهادة بالملكية باليد من احتجاجه عليه السلام في الجواب عن قول الأول هذا في ء للمسلمين، فإن أقامت شهودا ان رسول اللّٰه جعله لها و الّا فلا حقّ لها فيه بقوله عليه السلام (يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم اللّٰه في المسلمين قال لا قال فان كان في يد المسلمين شي ء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البيّنة قال إيّاك اسئل البيّنة قال فما بال فاطمة

سئلتها البيّنة على ما في يديها، و قد ملكته في حيوة الرسول (ص) و بعده و لم تسئل المسلمين بيّنة على ما ادّعوها شهودا كما سئلتني على ما ادّعيت عليهم فسكت أبو بكر فقال عمر يا علي دعنا من كلامك فانّا لا نقوى على حجّتك فان أتيت بشهود عدول و الّا فهو في ء للمسلمين لا حق لك و لا لفاطمة فيه و وجه الاستدلال انه لو لم تعتبر بيّنة المنكر لكان أنسب بالاحتجاج على أبي بكر ذكر انّ بينة فاطمة عليها السلام لا تفيد شيئا فمطالبتها بها لغو لا انّها بلا موجب.

أقول: الاستدلال عجيب فإنهم لم يكونوا يعرفون أو يقبلون بأنّ المطلوب بالبيّنة من يدّعي على ذي اليد فقط و انّ ذي اليد لا يطالب بالبيّنة فكيف الظنّ بعرفانهم أو قبولهم بان بيّنة ذي اليد لا تقطع المخاصمة هذا مع انّ عدم كفاية بينة المنكر عن الحلف لا يلازم لغويتها كما سنبيّن إنشاء اللّٰه تعالى. و الحاصل انّ احتجاجه عليه السلام كان مبنيّا على أمر يعد من الأوليات في باب القضاء.

و منها موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام انّ رجلين اختصما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 328

..........

______________________________

الى أمير المؤمنين عليه السلام في دابة في أيديهما الى ان قال قيل فان كانت في يد أحدهما و أقاما جميعا البيّنة قال اقضي بها للحالف الّذي هو في يده و وجه الاستدلال انّه لو لم تكن بينة المنكر مسموعة لتعيّن الحكم بملكية غير ذي اليد لان بيّنته بينة المدعى و لا عبرة معها لا بالبيّنة المنكر و لا بالحلف و نحوها موثقة غياث ابن إبراهيم عن أبي عبد اللّٰه عليه

السلام انّ أمير المؤمنين عليه السلام اختصم اليه رجلان في دابة و كلاهما أقاما البيّنة أنه أنتجها فقضى بها للذي في يده و قال لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين.

أقول: الظاهر و اللّٰه العالم لا دلالة في الروايتين على ما ذكر من جواز القضاء ببيّنة المنكر و عدم الحاجة معها الى حلفه و ذلك لما أشرنا إليه سابقا من انّ عدم اعتبار بيّنة المنكر بالإضافة إلى القضاء فقط لا انّه لا يحرز بها الواقع فانّ مقتضى دليل اعتبار البيّنة عدم الفرق بين كونها قائمة على ثبوت الواقع أو نفيه و على ذلك فمع معارضة بينة المدعي مع بينة المنكر يتساقطان عن الاعتبار على ما هو المقرر من الأصل في تعارض الأمارات و لا يصحّ القضاء في الفرض ببيّنة المدّعي لأنّ ظاهر قوله صلى اللّٰه عليه و آله (إنّما أقضي بينكم بالبيّنات) المعتبرة منها و كذلك قوله عليه السلام البيّنة على من ادّعى.

و على ذلك ففيما إذا كان المال في يد أحد و ادّعاه الآخر، و اقام على دعواه بيّنة و كان لذي اليد بينة على انّها له كان مدلولهما متناقضين لا يمكن الحكم بثبوت الدعوى بالبيّنة المزبورة و تصل النوبة إلى حلف المنكر و موثقة إسحاق بن عمار توافق هذه القاعدة حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها أقضى بها للحالف الّذي هي في يده.

و كذلك موثقة غياث حيث ذكر فيها قضى بها للذي في يده بعد تقييد إطلاقها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 329

و إذا حلف فلا بد من حلفه على عدم تقدم العيب (1).

______________________________

بما في الموثقة من كون القضاء بالحلف و ظاهر الروايتين حكاية واقعة واحدة و الاختلاف

بينهما في النقل بالإطلاق و التقييد أي ذكر القيد في أحدهما و عدم ذكره في الآخر. و الحاصل: ما ذكرنا من سقوط بيّنة المدّعي مع البيّنة على خلافها سواء كانت تلك البيّنة للمنكر أو لآخر و لا يتمّ معها ملاك الحكم بالبيّنة و تصل النوبة إلى حلف المنكر هو الأصل فكلّ مورد ثبت فيه بالنصّ خلاف ذلك نأخذ فيه بالنصّ الوارد فيه و نرفع اليد عن القاعدة المشار إليها و في غير يؤخذ بها.

و مما ذكرنا انّه لا يتم ما ذكره العلامة في اختلاف البائع و المشتري في تقدم العيب و تأخره من انّه لو قام أحدهما بيّنة يؤخذ بها فإنّه لا يكفي هذه البينة فيما إذا أقامها البائع و لا يسقط دعوى المشتري إلّا بالحلف على عدم تقدم العيب، و كذا ما ذكره من انّه لو أقام كل منهما بينة تؤخذ ببينة المشتري فإنه قد تقدم ان بيّنة المدعي في الفرض لا يصلح ملاكا للقضاء بل يتعيّن في الفرض القضاء بحلف البائع على عدم تقدم العيب و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) قد ذكرنا في بحث القضاء انّه يعتبر في حلف المنكر حلفه على نفي ما يدّعيه خصمه و هذا يصدق بالحلف على نفي مصبّ الدّعوى أو نفي ما يترتّب على ذلك المصبّ؛ و لذا يكفي في الحلف على نفي دعوى الافتراض الحلف على انّه لا تشتغل له ذمّته. نعم يعتبر في الحلف العلم بالنفي على ما نطقت به الرّوايات من انّه لا يقع اليمين الّا على العلم، و عليه فان اختبر البائع المبيع قبل بيعه يمكنه الحلف على نفي العيب حال البيع و يكون العلم الحاصل بالاختبار كالعلم بالعدالة و الإعسار الحاصل بالمصاحبة الموجبة

للاطلاع بهما، و هل يجوز الحلف على النفي مع عدم الاختبار اعتمادا على استصحاب عدم البيع المزبور حال العيب أو استصحاب عدم ثبوت جواز الفسخ و حق الأرش لخصمه و لو بنحو السالبة بانتفاء الموضوع كما يجوز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 330

[فرع لو باع الوكيل فوجد به المشتري]

لو باع الوكيل فوجد به المشتري (1).

______________________________

الحلف على طهارة المبيع أو بقاء الزوجية و الملكيّة اعتمادا على الأصل و قاعدة الطهارة ذكرنا في بحث القضاء لا بأس بالحلف على النفي و لو بالاعتماد على الأصل فيما كان مفاد دليل اعتباره التعبد بالعلم بالواقع.

و ما عن المصنف (ره) من دعوى الفرق بين الحلف على الطهارة و الزوجيّة و الملكية، حيث يجوز الحلف فيها بالاعتماد الى الحكم الظاهري دون المقام تحكّم إلّا إذا قيل بعدم اعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي، و ان ذلك الاستصحاب لا يثبت السالبة بانتفاء المحمول الموضوع للحكم على الفرض، و كذا ما يظهر منه (ره) من عدم الفرق بين الشهادة بشي ء و الحلف عليه ضعيف غايته فانّ المعتبر في الشّهادة الأخبار بالواقعة عن حسّ بها بخلاف الحلف فانّ المعتبر فيه مطلق العلم.

و أيضا ذكرنا في بحث القضاء انّه لا يحلف على نفي العلم إلّا في مورد دعوى العلم عليه و مع الحلف على نفي العلم بالواقعة تسقط دعوى العلم بها لا دعوى نفس الواقعة و إذا أجاب الخصم بأنّي لا أدري و لم يدّعي المدعى علمه يوقف الحكم لا انّه تردّ اليمين على المدعى كما هو ظاهر المصنف (ره) حيث جعل الردّ أوفق بالقاعدة.

(1) ذكر في المقام فرعا و هو ما إذا باع الوكيل متاعا و وجد مشتريه في ذلك المتاع عيبا و ادّعى انّ العيب

كان حال البيع فإنّه لو اعترف المشتري بالوكالة يكون طرف المخاصمة هو الموكّل لأنّ وكالة الوكيل قد انتهت بتحقّق البيع المنتسب الى مالك المتاع بالوكالة و الضمان بأوصاف المبيع بالضمان المعاملي على المالك؛ و لذا لو اعترف الوكيل بعيب المتاع حال البيع فلا ينفع في ثبوت الخيار أو الأرش للمشتري لأنّ اعتراف الوكيل إقرار على الغير لا على نفسه، و عليه فان اعترف الموكّل بتقدّم العيب و خيار المشتري فهو و الّا يحلف على نفي التقدم.

و لا وجه لما يقال من انّ اعتراف الوكيل ينفذ على الموكّل لا بما هو اعتراف على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 331

..........

______________________________

الغير بل لقاعدة سماع قول ذي اليد أو من ملك شيئا ملك الإقرار به، و ذلك فانّ قول ذي اليد لا يعتبر بعد انقضاء اليد الّا مع الوثوق بل في حال اليد أيضا في غير الطهارة و النجاسة، و نحوهما، و قاعدة من ملك شيئا لا تعمّ حال زوال الملك مع انّ السماع يختصّ بسماع التصرّف لا بسماع خصوصية العين كما لا يخفى.

و امّا إذا لم يعترف المشتري بالوكالة و لم يكن للبائع البيّنة يكون طرف المخاصمة معه هو الوكيل فان اعترف بسبق العيب فقد تقدم انّه لا ينفذ في حقّ المالك غاية الأمر يكون اعترافه هذا دعوى بالإضافة إلى موكّله بتحمّله الظلامة عنه و لو حلف المالك على عدم تقدم العيب أو قال لا أدري يكون المتحمل للظّلامة هو الوكيل.

و إذا أنكر الوكيل تقدم العيب فيمكن له الحلف على نفي تقدم العيب أو على نفي خيار المشتري، و لا يقال انّ هذا الحلف حلف على مال المالك، فيكون من الحلف عن الغير فلا

تسمع فإنّه يقال فان حلفه على نفي خيار المشتري من الحلف على دفع الظلامة المتوجّهة اليه مع انّا قد ذكرنا في بحث القضاء جواز الحلف عن المنكر و لو كان ذلك من الحلف على أمر الغير فيما إذا كان ذلك بالولاية أو الوكالة.

و لو لم يحلف الوكيل في الفرض و ردّه على المشتري فحلف على تقدم العيب يثبت الخيار له و هل هذا الحلف الذي من اليمين المردودة بمنزلة اعتراف المنكر فتقع الظلامة على الوكيل أو انّه كبيّنة المدّعي و هو المشتري في المقام فينفذ في حق مالك المتاع و يتعين عليه تحمل الظّلامة فمبني على الخلاف في انّ اليمين المردودة على المدعي بمنزلة إقرار المنكر أو انّه كبيّنة المدعي؛ و قد ذكرنا في بحث القضاء انها ليست من البيّنة، و لا من الاعتراف بل هو ملاك آخر.

و بتعبير آخر كما انّ اعتراف المدعى عليه في نفسه ملاك الحكم و لا يدخل في قوله (ص) البيّنة على من ادّعى و اليمين على من أنكر و قوله (ص) إنّما أقضي بينكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 332

..........

______________________________

بالبيّنات و الايمان و كذلك الحكم باليمين المردودة فإنّ الحكم بها يستفاد مما دلّ على ردّ اليمين على المدعي بردّ المنكر أو بنكوله.

و قد يقال انّه لو قيل بأنّ اليمين المردودة كالبيّنة فلا يجوز ايضا للوكيل مطالبة الظّلامة عن المالك لاعترافه يكذب البيّنة الّتي أقامها المدعي بعنوان اليمين المردودة؛ اللهمّ الّا ان يكون اعتراف الوكيل بعدم سبق العيب مستندا الى الأصل فلا مورد للأصل المزبور مع البيّنة على خلافه، و لو كانت اليمين المردودة كبيّنة المدّعي تكون نافذة في حق المالك ايضا و انّما لا تنفذ

فيما إذا كان إنكار الوكيل السبق جزميّا؛ و يجاب عن الإشكال بأنّ ذلك مبني على كون اليمين المردودة كبيّنة الرّاد في انّها تسقط الحلف عنه فقط. و امّا إذا قيل بأنّها كبيّنة المدعي فتنفذ في حق المالك.

أقول: قد ذكرنا انّ اليمين المردودة ليست كالبيّنة لا من الرادّ و لا من المدّعي.

فلا تنفذ تلك اليمين إلّا في حقّ الوكيل. نعم إذا أقام المشتري في الفرض البيّنة على العيب في المبيع حال العقد تثبت بتلك البيّنة على المالك تحمل الظّلامة فيما إذا كان الوكيل غير منكر تلك البيّنة بأن كان جوابه للمشتري بلا أدري أو بإنكار سبق العيب اعتمادا للأصل فانّ مع تلك البيّنة لا مورد للأصل فيمكن إثبات دعواه على المالك بتحمل الظّلامة بتلك البيّنة.

لا يقال هذا كلّه أي دعوى المشتري على الوكيل بسبق العيب فيما إذا اعتقد بأنّه البائع بالأصالة. و امّا إذا لم يكن المشتري جازما بأنّه البائع بالأصالة فكيف يدّعي الأرش أو الفسخ على البائع فإنّه يقال يكفي في دعوى المشتري على الوكيل الأخذ بظهور الفعل في الأصالة، كما هو الحال في كل مورد كانت الدعوى أو الإنكار للاعتماد على الحجّة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 333

[الرابعة لو ردّ سلعة بالعيب فأنكر البائع]

لو ردّ سلعة بالعيب فأنكر البائع (1).

______________________________

(1) لو ردّ متاعا معيبا على البائع بدعوى انّه سلعته الّتي شراها منه و انّها كانت معيبة عند الشراء و أنكر البائع عيب متاعه، و ان المردود عليه ليس بسلعته فيحلف البائع على نفي الخيار للمشتري مع عدم البيّنة له، و ذلك لمطابقة قول البائع مع أصالة عدم الخيار للمشتري و عدم جريان بيعه على المتاع المزبور سواء قصد المشتري فسخ الشراء بالردّ المزبور أو بغيره؛ و

هذا فيما لم يعترف البائع بثبوت الخيار للمشتري كما ذكرنا.

و امّا إذا اتّفقا على الخيار للمشتري فقد يقال بأنّ المشتري يحلف على كون المردود هي السلعة التي شراها منه، كما عن العلامة في التذكرة و القواعد، و ذكر في الإيضاح في وجه ذلك بأنّ اختلافهما في أمرين أحدهما خيانة المشتري في دعواه كون المردود هي السلعة المبيعة و الأصل عدم الخيانة؛ و ثانيهما سقوط خيار المشتري و الأصل بقاؤه.

و أورد المصنف (ره) على الاستدلال بأنّ مقتضى استصحاب الخيار نفوذ فسخ المشتري لا تعيين المردود هي السلعة التي جرى عليها البيع، و إثبات كونه هي السلعة المبيعة بأصالة عدم الخيانة غير صحيح لانّ مع جريان أصالة عدم جريان المبيع على المردود يثبت الخيانة بهذا المعنى و الّا تكون أصالة عدم الخيانة مثبتة لكون المبيع هو المردود حتى مع عدم اعتراف البائع بالخيار للمشتري كما في الفرض الأول مع انّهم قد ذكروا فيه حلف البائع على نفي الخيار و نفي كون المردود سلعته.

لا يقال لا يقاس الفرض السابق بالفرض الثاني لأنّ أصالة عدم الخيار للمشتري و عدم حدوث العيب في المبيع حال البيع و صحّة إقباض البائع في الفرض الأوّل كانت مقتضاها تقديم قول البائع بخلاف الفرض الثاني مما لا مجال فيه لشي ء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 334

[الثاني و هو الاختلاف في المسقط]
[الأولى لو اختلفا في علم المشتري]

لو اختلفا في علم المشتري (1).

______________________________

مما ذكر لاعتراف البائع بخيار المشتري فإنه يقال أصالة عدم الخيانة من قبيل ظهور الحال كأصالة الصحة التي لا مجال معها للاستصحاب. و امّا صحة الإقباض فلا معنى لها لأنّ المقبوض كان ملك المشتري سواء كان البيع لازما أو خياريّا و لزوم القبض عبارة أخرى عن عدم الخيار للمشتري

في فسخ البيع.

أقول: و تقريب عدم الفرق بين الفرضين انّ أصالة عدم الخيانة يطلق على معنيين أحدهما عدم نسية الحرام إلى المشتري المدعي و أصالة عدم الخيانة بهذا المعنى يشترك فيها الفرضان، و لكن لا تثبت كون المردود هي السلعة المبيعة لإمكان كون دعوى المشتري للخطإ و الغفلة. و ثانيهما قبول الرّاد بان يبنى على ان ملك البائع هي العين المردودة و هذا لا يجري في شي ء من الفرضين بل يختص بموارد قول الأمين خاصة أخذا بما دلّ على عدم جواز اتهام الأمين و الأخذ بقبول المؤتمن و قوله سبحانه مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، و لا يعمّ المقام فإنّ السلعة المبيعة كانت بيد المشتري بيد ملك، و بعد الفسخ على تقديره يد ضمان فأين يد الأمانة و دعوى كونها شبيهة بيد الأمانة لم يعلم لها وجه.

و على ذلك فان كان الخيار المتفق عليه خيار العيب فلا ينفذ فسخ المشتري إلّا بعد إثبات كون المردود هو المبيع، و الّا يحقّ له المطالبة بالأرش فقط، و ان كان غيره مما لا يسقط بتلف العين فيجوز له الفسخ و إعطاء البدل عن المبيع كما لا يخفى.

(1) لاختلاف المتبايعين في مسقط الخيار صور: الأولى ما إذا اختلفا في علم المشتري بالعيب عند الشراء فإنّ المأخوذ في موضوع الخيار عدم تبيّن العيب للمشتري عند الشراء و قد ذكر سلام اللّٰه عليه في معتبرة زرارة (أيّما رجل اشترى ما به عيب و عوار لم يتبرّء اليه، و لم يتبيّن له) الحديث؛ و إذا قال البائع ان المشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 335

..........

______________________________

كان عالما بالعيب عند الشراء فلا خيار له، و قال المشتري كنت جاهلا فلي

الخيار فيطابق قول المشتري مع استصحاب عدم تبيّن عواره و عيبه له و يثبت له الخيار.

الثانية: ما إذا اختلفا في زوال العيب الى زمان علم المشتري به فقال المشتري انّه قد علم العيب السابق قبل زواله فلي الخيار، و قال البائع انّه كان زائلا عنده فليس لك خيار فانّ المفروض علم المشتري بالعيب السابق و مقتضى الاستصحاب وجود ذلك العيب زمان علمه بالعيب السابق فيتمّ موضوع الخيار فيكون قول المشتري مطابقا للاستصحاب، فيحلف على وجود العيب السابق زمان علمه.

لا يقال: يعارض هذا الاستصحاب استصحاب عدم العلم الى زمان زوال العيب فان زواله محرز بالوجدان و مقتضى الأصل عدم هذا العلم الى ذلك الزمان فيتمّ موضوع سقوط الخيار، و هو عدم العلم به مع زواله فإنّه يقال لو سلم المعارضة تصل النوبة إلى استصحاب بقاء الخيار بناء على انّ زوال العيب مع عدم العلم به مسقط له، كما هو الفرض. نعم لو قيل بأنّ الموضوع للخيار حصول العلم بالعيب حال عيب الشي ء نظير ما تقدم في درك الجماعة بأن يركع الشخص حال ركوع الإمام فالأصل عدم حصول العلم حال عيب الشي ء فيكون قول البائع مطابقا للأصل فيحلف على النفي.

أقول: قد ذكرنا انّ مع زوال العيب لا يكون في البين جواز الردّ و لا جواز أخذ الأرش لأنّ ظاهر المرسلة جواز الفسخ مع ردّ المعيب فلا ينفذ مع عدم كون المردود معيبا و هذا ايضا ظاهر كلام التذكرة؛ قال لو كان المبيع معيبا عند البائع و قد زال عيبه فلا ردّ لعدم موجبه و سبق العيب لا يوجب خيارا، كما لو سبق على العقد ثم زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده سقط الردّ

انتهى. و مقتضى ما ذكر (ره) انّ العلم بالعيب السابق حال زواله لا يكون موجبا للخيار بل الموجب له العلم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 336

..........

______________________________

بالعيب حال وجوده و يبقى هذا الخيار ما دام العيب باقيا، و مع زواله يسقط؛ و لذا ذكر المصنف (ره) انّ هذه العبارة تشير الى انّ الموضوع للخيار العلم بالعيب السابق حال العيب.

و الفرق بين ذلك و ما ذكرنا هو انّ الموضوع للخيار على ما ذكرنا جريان البيع على شي ء حال وجود العيب فيه، و استفدنا ذلك من معتبرة زرارة، و انّ هذا الخيار يبقى ما دام العيب. و الحاصل انّه لا يعتبر في موضوع الخيار العلم بالعيب أصلا لا مطلقا و لا حال وجود العيب بل المعتبر جريان البيع على ما به عيب و الموضوع للخيار في الفرض محرز و مقتضى الاستصحاب بقاء ذلك العيب الذي كان عند البيع فيجوز للمشتري أخذ الأرش لذلك العيب. و امّا جواز الفسخ فلا لأنّ حدوث نكتة اخرى يوجب سقوط جواز الفسخ سواء بقيت أم زالت.

و مع زوال القديم سواء حدث عيب آخر أم لا، لا مورد لجواز الفسخ و لا لأخذ الأرش لأنّ مع زوال السابق قبل الفسخ يسقط الخيار فسخا و أرشا كما تقدم.

و ذكر المصنف (ره) انّ زوال العيب الحادث في يد المشتري يصحّح الفسخ بالعيب القديم، فمع اختلافهما بأنّ الزائل هو القديم أو الحادث يكون البائع في الفرض مدعيا لمخالفة قوله لاستصحاب العيب القديم و يوافقه قول المشتري فيكون منكرا فيحلف على عدم السقوط لا يقال قول البائع أيضا يوافق الأصل يعني استصحاب العيب الجديد. فيكون كل منهما مدّعيا و منكرا فيتحالفان و يستفيد البائع

بحلفه سقوط الفسخ و يستفيد المشتري بحلفه أخذ الأرش فإنّه يقال أصالة بقاء العيب الجديد غير جارية في نفسها فإنّها لا يتثبت زوال العيب القديم لينتفي جواز الفسخ و يجوز أيضا أخذ الأرش بناء على انّ الثابت للمشتري تخييره بين الفسخ و جواز أخذ الأرش.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 337

[الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المنفق عليه]

الثالثة: لو كان عيب مشاهد غير المنفق عليه (1).

______________________________

أقول: استصحاب العيب السابق لا يترتب عليه بقاء جواز الفسخ مطلقا بل في خصوص ما ثبت فيه بقاء المبيع بحاله الذي كان عليه عند البيع. و من الظاهر انّ الاستصحاب المزبور لا يثبت بقاء المبيع بحاله. و بتعبير آخر يثبت بأصالة بقاء العيب الجديد و بقاء المبيع على تغيّره عدم جواز الفسخ فيكون قول البائع مطابقا للأصل، و قول المشتري مخالفا له فيحلف البائع على نفيه. و امّا الأرش، فلا يستحقّه المشتري أخذا باعترافه بناء على انّه في طول جواز الفسخ.

و امّا بناء على تخيير المشتري بين جواز الفسخ و أخذه يحرز باستصحاب العيب القديم جوازه فيكون البائع بالإضافة إلى سقوط الأرش مدّعيا و المشتري منكرا، فيتمّ ما تقدم عن الشافعي من انّهما يتحالفان فينتفع البائع بحلفه إسقاط الفسخ و المشتري بجواز أخذ الأرش.

(1) إذا اشترى متاعا به عيب و وجد فيه عيب آخر فاختلفا في ذلك العيب الآخر فقال البائع انّه حدث عندك فلا يجوز لك إلّا أخذ الأرش على العيب الأوّل، و قال المشتري انّ العيب الثاني كان عند الشراء أيضا فلي جواز الفسخ بهما.

ذكر في الدروس انّ الفرض مثل ما إذا لم يكن في المتاع الّا عيب واحد، و قال البائع بحدوثه عند المشتري فلا خيار، و قال المشتري انّه

كان عند البيع فلي الخيار، و يقدم قول البائع لموافقته استصحاب عدم العيب حال البيع فيحلف على عدم العيب الثاني عند البيع أو عدم الخيار للمشتري.

و ذكر المصنف (ره) ان الفرض لا يقاس بالعيب المنفرد لانّ استصحاب عدم العيب حال البيع في العيب المنفرد ينفي موضوع الخيار؛ و لذا يقدم فيه قول البائع بخلاف هذا الفرض حيث يدّعي البائع فيه سقوط الخيار الثابت للمشتري بحدوث العيب الثاني عنده و استصحاب عدم العيب الثاني حال البيع لا يثبت حدوثه عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 338

..........

______________________________

المشتري ليقدم قول البائع.

أقول: لو فرض ثبوت الخيار للمشتري بالعيب المتفق عليه يجري في الفرض استصحاب عدم حدوث العيب الثاني عند المشتري فيحلف على ذلك فيحكم ببقاء خياره، و لكن لا يثبت له خيار آخر بالعيب الثاني لأنّ الأصل عدم وجود العيب ذلك الثاني عند البيع لا يقال يعلم إجمالا بعدم مطابقة كل من استصحاب عدمه حال البيع و استصحاب عدم حدوثه عند المشتري للواقع بل أحدهما غير مطابق له لا محالة فإنّه يقال هذا العلم الإجمالي لا يوجب سقوط الأصلين لأنّهما لا يوجب المخالفة القطعيّة، بل يوجب التفكيك بين المتلازمين واقعا و لا محذور فيه فيما إذا اقتضاه الأصلان. و الحاصل يحلف كل من البائع و المشتري فالبائع على وجوده حال البيع، فلا يكون الخيار الثاني، و يحلف المشتري على عدم حدوثه عنده فيحكم ببقاء الخيار الأوّل.

و امّا مع عدم ثبوت الخيار بالعيب الأول كما إذا تبرّء البائع منه أو كان معلوما للمشتري يكون الفرض كما ذكره في الدروس من تقديم قول البائع فإنّ أصالة عدم وجوده حال البيع ينفي الخيار كما هو ظاهر.

و ممّا ذكرنا

يظهر الحال فيما إذا حصلت الزيادة في العيب الذي كان عند البيع و اختلفا في زمان حصولهما فقال البائع انّها حصلت بيد المشتري فلا يجوز له الفسخ و قال المشتري انها كانت قبل قبض المبيع فله الخيار فإنّه ان كان أصل العيب الذي كان عند البيع موجبا للخيار يتحالفان و يثبت للمشتري جواز الفسخ بأصل العيب، و ينفي البائع بحلفه جواز الفسخ و أخذ الأرش بتلك الزّيادة.

و امّا إذا لم يكن أصل العيب موجبا للخيار كما إذا تبرّء البائع منه أو كان معلوما للمشتري فيحلف البائع على عدم حصولها عنده فلا يثبت للمشتري جواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 339

[الرابعة: لو اختلفا في البراءة]

الرابعة: لو اختلفا في البراءة (1).

______________________________

الفسخ و لا جواز أخذ الأرش فتدبّر.

(1) لو اختلفا في التبرّي عن عيب المبيع بان ادّعاه البائع و أنكره المشتري يقدم قول المشتري لأنّ جريان البيع على ما به عيب و عواز محرز، و الأصل عدم تبرّي البائع فيتمّ موضوع الخيار، و لكن ربّما يتراءى من مكاتبة جعفر بن عيسى عن أبي الحسن عليه السلام خلاف ذلك و انّه عند الاختلاف في التبرّي يقدم قول البائع.

و ذكر الأردبيلي (قده) انّ الرّواية لكونها مكاتبة يحتمل فيها الدس و رعاية التقية و كونها على خلاف قاعدة البيّنة على من ادّعى و اليمين على من ادعى عليه فلا يمكن الاعتماد عليها، و لكن جعلها في الكفاية مؤيدة للقاعدة و ذكر في الحدائق انّ تقديم قول البائع في الرواية لكون إنكار المشتري كان تدليسا و لعدم رغبته في المبيع جعل إنكاره وسيلة للتخلّص من البيع؛ و لذا ألزمه عليه السلام بالثمن من غير ان يذكر ان على البائع الحلف على

إسماع التبرّي و ناقش المصنف (ره) في التوجيه بأنّه لا يحتمل أن يسئل السائل عن الامام عليه حكم صورة العلم بكذب المشتري فانّ الحكم في صورة العلم بالحال كان ظاهرا؛ و انّما سئل عن صورة احتمال صدق المشتري كما يفصح عن ذلك قوله أ يصدّق أم لا؟.

و الصحيح في الرواية ان يقال ان في موردها خصوصية لا تنافي ما تقدم من تقديم قول منكر التبرّي عند الاختلاف و تلك الخصوصية ان البيع فيمن يزيد لا ينفك غالبا عن تبرّي البائع بنحو يسمعه كل من حضر الشراء؛ و هذا الظهور الغالبي في المفروض في الرواية أوجب تقديم قول البائع، و هذا من أحد الموارد التي يقدم فيها الظهور على الأصل العملي أي استصحاب عدم سماع التبرّي.

لا يقال تبرّي البائع قبل البيع و لو بنحو يسمعه من حضر لا يكون كافيا في الاشتراط فإنّه يعتبر في نفوذ الشرط ذكره في متن العقد فإنّه يقال يكفي في نفوذ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 340

[الخامسة: لو ادّعى البائع رضا المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار]

الخامسة: لو ادّعى البائع رضا المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار (1).

______________________________

الشرط ذكره قبل المعاملة و إنشائها مبنيّا على المذكور قبله؛ هذا أوّلا. و ثانيا انّ كل نداء المنادي فيمن يزيد يكون إيجابا للبيع و لو بنحو يقبل الرجوع فيه و يكون تبريه في النّداء من ذكر الشرط في الإيجاب، كما لا يخفى.

(1) من موارد اختلاف المتبايعين في حدوث المسقط للخيار ما إذا ادّعى البائع رضا المشتري بالمبيع فلا يجوز له فسخه بعد ذلك، و يجوز له أخذ الأرش خاصّة بناء على تخييره بين الفسخ و مطالبة الأرش. و أنكر المشتري رضاه فإنّه يحلف على عدم رضاه.

و كذلك فيما

إذا ادّعى البائع إسقاط خياره بعد العلم بالعيب فلا يجوز له فسخ البيع و لا مطالبة الأرش أو ادّعى تصرّف المشتري بعد العلم بالعيب بل أو قبله بما يوجب سقوط جواز الفسخ فإنّه مع الاختلاف يحلف المشتري على عدم إسقاط خياره أو عدم تصرّفه و نظير ذلك ما تقدم من انّ المبيع وجد فيه عيب جديد و قال المشتري انّه كان عند البيع فيجوز له الفسخ و أخذ الأرش عليه ايضا. و قال البائع انّه حدث بيد المشتري فلا يجوز له الفسخ بالعيب القديم فإنّه قد تقدّم انّ البائع يحلف على عدم وجوده عند البيع و المشتري على عدم حدوثه بيده فيحكم ببقاء جواز الفسخ و عدم جواز أخذه الأرش على العيب الثاني.

و لكن العجب من المصنّف (ره) حيث جعل في المقام الأصل الموافق لقول المشتري أصالة بقاء الخيار و الأصل عدم جريان البيع على السالم من العيب الجديد فإنّه لو جرى على السالم لكان ضمانه على المشتري و وجه العجب انّ ضمان المشتري العيب الجديد بمعنى حدوثه بيده مع جريان البيع على السالم متلازمان.

و من الظاهر انّ نفي أحد المتلازمين بالأصل يعني أصالة عدم جريان البيع على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 341

[الثالث اختلاف المتبايعين في الفسخ]
[الأولى لو اختلفا في الفسخ]

لو اختلفا في الفسخ (1).

______________________________

السالم لا ينفي الملازم الآخر.

(1) لو اختلفا في الفسخ في زمان يكون للمشتري فيه خيار لو لا فسخه فلا ينبغي الريب في سماع قول المدّعي بالفسخ. و ظاهر كلام المصنف سماع قوله بأنّ له إنشاء الفسخ حين الدعوى. و عن الدروس جعل دعواه فسخا بمعنى انّ الحاكم يحكم بتحقق الفسخ بمجرد إقراره بالفسخ لقاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به، كما لو ادّعى

الزوج طلاق زوجته فانّ للزّوج سلطنة الطلاق، و إذا ادّعاه يقبل قوله بغير بيّنة و لا يحتاج في الحكم بثبوته الى حلف الزوج، و ان أنكرته الزّوجة.

و يشهد للقاعدة المزبورة ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد ابن زياد عن محمد بن عبد اللّٰه الكاهلي قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام كان لعمّي غلام فأبق فأتى الأنبار فخرج اليه عمّي ثم رجع فقلت له ما صنعت يا عمّ في غلامك قال بعته فمكث ما شاء اللّٰه ثم عمّي مات فجاء الغلام فقال انا غلام عمّك، و قد ترك عمّي أولاد صغار و أنا وصيّهم فقلت انّ عمي ذكر انّه باعك فقال عمّك كان لك مضارا و كره أن يقول لك فتشمت به و أنا و اللّٰه غلام بنيه فقال (صدق عمّك و كذب الغلام فأخرجه و لا تقبله).

و الظاهر انّ محمد بن عبد اللّٰه الكاهلي سهو بل السائل هو عبد اللّٰه الكاهلي بقرينة رواية الحسن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي في غير هذا المورد و عدم وجود محمد بن عبد الكاهلي في الرجال على ما أعلم فالرّواية من حيث السند موثقة و مدلولها قبول اخبار المالك عن بيع ماله و عدم بقائه في ملكه و الإقرار بالعتق كما في عبارة المصنف (ره) سهو من قلمه الشريف.

و ذكر السيد اليزدي (قده) انّ الرّواية لا دلالة لها على اعتبار القاعدة، و لذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 342

و ان كان بعد انقضاء زمان الخيار (1).

______________________________

لم يستدل بها المصنف (ره) في رسالته المرسومة في القاعدة على اعتبارها مع اهتمامه فيها بإقامة

الدليل عليها و الوجه في عدم دلالتها هو ورودها في واقعة خاصّة، و لعل الإمام عليه السلام كان يعلم بكذب الغلام، و انّ تصديق البائع كان من سماع الإقرار على النفس و ذكر انّه لا ينافي سماع الإقرار على النفس دون سماع الإقرار للنفس سقوط نفقة الغلام في الفرض فانّ سماع الإقرار على النفس لا ينافي سقوط ما يترتّب على المقرّ به من انتفاع الغير كسقوط النفقة فيما إذا أقرّ الزوج بطلاق زوجته. و انّما لا يسمع الإقرار فيما إذا كان المقرّ به في نفسه للنفس لا عليه. أقول:

دعوى انّ الرّواية واردة في واقعة خاصة، و لعلّ الإمام عليه السلام كان يعلم كذب الغلام لا يناسبها ظاهر السؤال و الجواب.

و دعوى انّ الإقرار على النفس تسمع و لو مع ترتّب النفع للمقرّ فيما إذا كان المقرّ به على النفس و لا تسمع في خصوص ما كان المقرّ به للنفس غير ظاهرة، لانّ الدليل على نفوذ الإقرار السيرة العقلائيّة و لا يترتّب على الإقرار على النفس ما كان للنفس إلّا إذا كان داخلا في قاعدة من ملك كدعوى الطّلاق.

(1) إذا كان اختلاف المتبايعين في الفسخ في زمان لا يكون فيه للمشتري خيار الفسخ، كما إذا تلف المبيع بعد الفسخ و قلنا بأنّ هذا التلف لا يوجب بطلان الفسخ السابق فإن أقام المشتري البيّنة على فسخه السابق يرجع الى البائع بالتفاوت بين الثمن المسمّى و بدل المبيع التالف و لو لم يتمكن على إقامة البيّنة على فسخه فيحلف البائع على نفي علمه بالفسخ فيما لو ادّعى المشتري علمه به و الّا يوقف الدعوى.

و هذا بناء على ما ذكروا من عدم جواز الحلف على فعل الغير نفيا و

إثباتا.

و امّا بناء على ما ذكرنا في بحث القضاء من انّه يصحّ القضاء بالحلف سواء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 343

[الثانية لو اختلفا في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت بناء على الفورية]

لو اختلفا في تأخّر الفسخ عن أوّل الوقت بناء على الفورية (1).

______________________________

حلف على فعل نفسه أو فعل الغير حيث لا يعتبر في الحلف الّا العلم فيحلف البائع على عدم فسخه. و ايضا ذكرنا فيما تقدّم انّه يعتبر في نفوذ الفسخ بقاء المبيع بحاله الى ردّه على بايعه و الّا فلا موضوع إلّا للأرش. و عليه فيتعيّن في الفرض المطالبة بالأرش، و لا مجال للمخاصمة في الفسخ. و على ما ذكروه من حلف البائع على عدم علمه بالفسخ فهل للمشتري المطالبة بالأرش قيل لا، لأنّ المشتري يعترف بعدم استحقاقه الأرش بدعواه فسخ البيع و انّه انّما يستحقّ من الثمن الزائد على البدل لا غير.

و ذكر في الدروس انّه يحتمل استحقاق المشتري الأقل من الأرش و التفاوت بين الثمن و بدل المبيع و الوجه في ذلك انّ المشتري يستحقّ المال المزبور باتفاقهما غاية الأمر يذكر المشتري انّه بعنوان التفاوت بين الثمن و البدل و البائع بدعوى انّه بعنوان الأرش فإن كان التفاوت أزيد فالبائع ينكر استحقاق المشتري تلك الزيادة فيحلف على نفي استحقاق المشتري، و ان كان الأرش أزيد فلا يجوز للمشتري أخذه أخذا باعترافه، و على ما ذكر فلا مورد للمخاصمة مع عدم الاختلاف بين الأرش و التفاوت بين الثمن و بدل التالف، كما انّه لا موضوع لحلف البائع فيما إذا كان الأرش أكثر كل ذلك فيما إذا لم يتضمّن دعوى المشتري المطالبة بعين الثمن و الّا يحتاج نفي استحقاق المشتري الى حلف البائع فتدبّر.

(1) لو كان اختلاف المتبايعين على القول

بفورية الخيار في تأخر الفسخ أو وقوعه زمان الخيار بان قال المشتري كان الفسخ زمان الخيار، و قال البائع انّه كان بعد انقضائه ذكر المصنف (ره) ان استصحاب بقاء العقد و عدم حصول الفسخ الى انقضاء الخيار يوافق قول البائع، حيث يذكر عدم الفسخ زمان الخيار، و انّه وقع على التأخير، كما انّ أصالة الصحّة في الفسخ يوافق قول المشتري المدّعي وقوع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 344

..........

______________________________

الفسخ زمان الخيار، و إذا اتفقا على زمان الفسخ، و اختلفا في أول زمان العقد فعيّنه البائع بزمان يكون الفسخ معه على التأخير و عيّنه المشتري بما يكون على الفور يحتمل استصحاب عدم وقوع العقد في الزمان المشكوك فيكون موافقا لقول المشتري و لكن الاحتمال ضعيف لأنّ استصحاب عدم حصول العقد في ذلك الزمان لا يثبت وقوع الفسخ في أوّل زمان إمكان الفسخ.

و نظير المسألة ما إذا اختلف الزوجان في تقدم رجوع الزوج و وقوعه في العدة فقال الزوج انّه كان في العدة و الزّوجة انّه كان بعد انقضاء العدة.

أقول: استصحاب في ناحية بقاء العقد لا مجال له مع استصحاب عدم حصول الفسخ المزبور الى حين انقضاء الخيار، فانّ هذا الاستصحاب لو تمّ يترتّب عليه بقاء العقد إذ مع الأصل السببي لا تصل النوبة الى الأصل الحكمي كما انّه لا مجال لاستصحاب عدم الفسخ المزبور الى حين الانقضاء لو جرت أصالة الصحّة في ناحية الفسخ لأنّ مع أصالة الصحة لا مجال للاستصحاب كان على وفق أصالة الصحّة أو على خلافها على ما هو المقرر في محله من حكومتها على الاستصحاب.

و ذكر السيد اليزدي (ره) انّه يقدم في فرض الاختلاف في تقدم الفسخ و تأخره

قول المشتري المدّعي لصحّة الفسخ لا لأصالة الصّحة في الفسخ فان حمل فعل الغير على الصّحة يكون في غير موارد المنازعة و مع المنازعة يجري الحمل في العقود لا في الإيقاعات، كما في المقام بل لأنّ مع استصحاب بقاء الخيار الى حصول الفسخ يترتّب عليه نفوذه.

لا يقال: هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم وقوع الفسخ المزبور الى زمان انقضاء الخيار فإنه يقال ان الاستصحاب المزبور لازمه العقلي وقوع الفسخ بعد الانقضاء المحكوم على الفسخ معه بالبطلان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 345

..........

______________________________

أقول: ما ذكره (قده) في أصالة الصحّة عجيب فانّ اعتبارها لا يختص بغير موارد المنازعة كما انّه لا فرق في اعتبارها بين العقود و الإيقاعات بل سائر ما يتّصف بالصحة من العبادة و غيرها.

نعم في أصالة الصحّة كلام و هو عدم جريانها في موارد الشك في قابلية المورد للتصرف أو في ولاية المتصرّف للتصرف و عليه في المقام يشك في قابلية العقد للفسخ حال فسخ المشتري فلا مجري لها.

و امّا استصحاب بقاء الخيار فقد يقال انّه لا مجال له لأنّ انحلال البيع مترتّب على الفسخ حال الخيار و استصحاب بقاء الخيار لا يفيد في كون الفسخ حال الخيار نظير ما تقدم من انّ الموضوع لدرك الجماعة الركوع حال ركوع الإمام؛ و لكن لا يخفى ما فيه فانّ انحلال العقد بالفسخ في زمان أثر شرعي لوجود الخيار في ذلك الزمان، و إذا ثبت بالاستصحاب تحقق الخيار زمان الفسخ يترتّب على الفسخ المزبور انحلال العقد و وقوع الفسخ حال الخيار ليس موضوعا لانحلال العقد في شي ء من الخطابات، و ممّا ذكرنا انّه يلزم في الحكم ببقاء العقد من نفي الخيار زمان الفسخ، و من

الظاهر عدم أصل ينفي الخيار زمان الفسخ و أصالة عدم الفسخ المفروض الى زمان انقضاء الخيار يلزمه عدم الخيار زمان الفسخ و الأصل لا يثبت لازمه العقلي، كما هو ظاهر فالمتحصّل انّ مع عدم البيّنة للبائع يحلف المشتري على كون فسخه زمان الخيار له.

و ممّا ذكرنا يظهر الحال في مسألة اختلاف الزّوجين في تقدم الرجوع على انقضاء العدة أو تأخره فإنّ مقتضى الاستصحاب كونها على العدة زمان الرجوع فيترتّب عليه انحلال الطلاق فانّ انحلاله بالرجوع من أحكام كونها على العدّة. في ذلك الزّمان و استصحاب عدم ذلك الرجوع الى انقضاء العدة لا ينفي العدة زمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 346

[الثالثة لو ادّعى المشتري جهله بالخيار أو بالفوريّة]

لو ادّعى المشتري جهله بالخيار أو بالفوريّة (1).

[القول في ماهية العيب]

اعلم انّ حكم الرد و الأرش معلّق في الروايات (2).

______________________________

الرجوع الّا بنحو الأصل المثبت لا يقال يقدم في الفرض قول المرأة لمثل قوله عليه السلام في صحيحة زرارة (العدة و الحيض للنّساء إذا ادّعت صدقت) فإنّه يقال ظاهرها اعتبار اخبارها عن حالها الفعلي، و لا يعمّ اخبارها عن حالها السابق زمان الفعل الصادر عن الغير بل عن نفسها ايضا كما لا يخفى.

(1) لو فرض إمكان تصوير الخيار على الفور و بنحو التراخي في حق الجاهل بالفورية و لو بجعل الخيار المتعدد بان يجعل الشارع الخيار لكل من اشترى ما به العيب زمان علمه بالعيب، و جعل خيار آخر لمن اشترى المعيب و لم يعلم بالخيار له زمان علمه بالعيب فإنّه يجري مع اختلافهما في جهل المشتري استصحاب عدم علمه بالخيار له زمان علمه بالعيب، فيثبت الموضوع للخيار الثاني فيكون قول مدّعي الجهل موافقا للأصل. نعم إذا كان المشتري ممن يبعد الجهل في حقه يكون تقديم مدّعي علمه بالخيار مبنيّا على تقديم الظاهر على الأصل.

(2) قد تكلّم (ره) في المقام في العيب الموضوع لجواز الفسخ العقد و أخذ الأرش عليه ثم تعرّض لبعض ما يقال انّه عيب. و قال بما حاصله انّ العيب هو نقص الشّي ء عن مرتبة الصحّة الملحوظة في الشي ء المتوسطة بين النقص و الزيادة المعبّر عن الزّيادة بالكمال و ان كون شي ء صحيحا عبارة عن كونه على مقتضى الحقيقة المشتركة بينه و بين سائر أفراد تلك الطبيعة.

و إذا علم مقتضى الحقيقة من الخارج بحيث يكون تخلف فرد من إفرادها عن ذلك المقتضي لأمر عارض سواء كان التخلف بالنقص كالعمى في الحيوان أو بالزيادة كمعرفة الكتابة

في العبد و الخياطة في الأمة يكون المعيار في إحراز النقص هو العلم بمقتضاها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 347

..........

______________________________

و قد لا يعلم مقتضى حقيقة الشي ء الّا من وجدان غالب أفراده على مرتبة و يجعل الغلبة وسيلة إلى إحراز مقتضى حقيقة ذلك الشّي ء و كون غالب أفراد شي ء على نحو و ان لا يلازم عقلا كون ذلك النحو مقتضى الحقيقة لإمكان كونه لعارض أو عوارض تقارن غالب الأفراد. نعم يظنّ بكون ذلك النحو مقتضى الحقيقة فيكون الغلبة طريقا ظنّيّا بهذا اللحاظ، و الّا فلا يمكن الاستدلال من الجزئي على جزئيّ الآخر.

و الحاصل: تعتبر هذه الغلبة عرفا و عادة في استكشاف مقتضى حقيقة الشي ء و يبني ان مقتضى غالب الافراد مقتضى حقيقته فيقاس إليها النقص و الزّيادة.

و قد يعلم انّ ما عليه غالب أفراد الشي ء ليس من مقتضى حقيقة الشي ء بل لأمر خارج عن حقيقته، كما في خراج الضيعة فانّ الخراج ليس من مقتضى تملك الضيعة و لكنه يوضع عليها فيكون المقدار المتعارف من الخراج من مقتضى طبيعة الضيعة المملوكة؛ و في هذا الفرض يكون الملاك في النقص و الكمال الطبيعة الثانوية فزيادة الخراج الموضوع للأرض عن خراج أمثالها عيب؛ و لذا ذكروا انّ الثيبوبة في الإماء ليست عيبا، بل قد يكون كون الشّي ء على مقتضى حقيقته عيبا كالغلفة في العبد، فانّ عدم الختان الواجب عيب. نعم ربّما قيل انّ مجرد عدم الختان غير عيب بل العيب في الأغلف لاحتمال الضرر في ختان الكبير، و لذا لا يعدّ الغلفة في الصغير عيبا، و على كل تقدير فلا عبرة بالخلقة الأصليّة أو الحقيقة فيما إذا حصلت حقيقته ثانويّة.

و لكن عدم العبرة بها لكون الشي ء

معيبا غير انّه لا يثبت له حكم العيب لانصراف ما دلّ على جواز الفسخ و الأرش إلى صورة التزام المتبايعين بعدم العيب و لو بشرط ضمني و مع كون النقص غالبا لا يكون في البين شرط ضمني و لحوقه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 348

..........

______________________________

بصورة تبرّي البائع عن العيب أو انّ النقص الحاصل في غالب الافراد غير داخل في العيب أصلا، و تظهر الثمرة فيما إذا اشترط المشتري السلامة من النقص الغالب فإنّه بناء على الأول يثبت له عند التخلّف خيار العيب بخلاف الثاني فإنّه لا يثبت له الّا خيار تخلّف الشرط، و ذكر العلامة لو اشترط البكارة في الأمة و ظهر الخلاف يثبت له الأرش دون الردّ؛ و ظاهر ذلك انّ الثيبوبة عيب يثبت حكم شراء المعيب مع اشتراط خلافها؛ ثم انّ المصنف (ره) قد قوى الوجه الثاني و ذكر انّ مع معارضة الحقيقة الصنفيّة مع النوعيّة تعتبر الصنفيّة، و ذلك لكون المعيار في الصحة مع اختلاف الصنف في غالب افراده مع النوع بحسب افراده هو غالب الصنف بنظر عامة النّاس.

أقول: محصّل ما أفاده (قده) في المقام أمور: الأول انّ الملاك في صحّة الشي ء و تماميّته عدم نقصه عن مقتضى الحقيقة المشتركة بينه و بين سائر الأفراد؛ و المراد من الحقيقة المشتركة ما تعلّق البيع بالشي ء بذلك العنوان.

الثاني: انّ مقتضى الحقيقة المشتركة إمّا بعلم من الخارج و مع عدم علمه من الخارج يستكشف بملاحظة غالب افراد تلك الحقيقة فما عليه الغالب فهو مقتضى الحقيقة المشتركة.

الثالث: إذا علم مقتضى الحقيقة المشتركة خارجا و كان غالب الأفراد على خلافه فما تعلّق عليه البيع لو كان مساويا لغالب الأفراد لا يثبت فيه خيار

العيب و عدم ثبوته لعدم العيب بان يكون ملاك الصحة أحد الأمرين أو انّه عيب، و لكن لا حكم له حيث انّ غلبة نقص على أفراد الحقيقة توجب ان لا يلتزم بالسّلامة عنه و لو شرط السلامة في الفرض فظهر التخلف فيثبت خيار تخلف الشرط على الأوّل و خيار العيب على الثاني.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 349

..........

______________________________

الرابع: ان المعيار في عيب الشي ء مع اختلاف مقتضي الحقيقة المشتركة الصنفيّة مع مقتضي الحقيقة النوعيّة هو مقتضى الحقيقة الصنفيّة فمع النقص عنه يكون الشي ء معيبا و مع عدمه فلا عيب.

أقول: الظاهر عدم إمكان الجمع بين كون غالب الأفراد طريقا الى مقتضى الحقيقة المشتركة و بين الالتزام بأنّ ملاك صحّة الشي ء فيما إذا كان غالب الأفراد على خلاف مقتضى الحقيقة المشتركة هو موافقته لغالب الأفراد فإنّ الشّي ء فيما كان مساويا لغالب الأفراد و حكم بأنّه غير معيب و لو مع نقصه عن مقتضى الحقيقة المشتركة المعلوم خارجا يكون لغالب الأفراد موضوعيّة و الطريقيّة معناه عدم الموضوعية لغالب الأفراد.

و الصحيح ان الموافق لغالب الأفراد لا يكون معيبا لا انّه معيب لا يجري عليه حكم العيب و لو شرط البكارة في الأمة البالغة، فظهرت ثيّبا لا يجري عليه خيار العيب، و لو قيل بأنّه يرد عليه الأرش بعد ظهور عدم بكارتها بوطيها فهو للنصّ لا لكون الثابت خيار العيب و دعوى انّ غلبة النقص على الأفراد يوجب تبرّي البائع عن ذلك النقص فيما إذا أطلق العقد لا يمكن المساعدة عليها فانّ لازمها ثبوت خيار العيب للمشتري فيما لم يعلم حين الشراء بغلبة النقص لانّ الموجب لانتفاء خيار العيب إسماع البائع التبرّي لا نفس تبرّيه كما تقدم.

و الحاصل:

انّ العيب في الشي ء أمر عرفي و لا يتحقق بخصوص النقص بل يحصل بالزيادة أيضا كما إذا كان يد العبد ذات أصابع ستة فالعيب في الشي ء الخارجي كونه على خلاف أمثاله بحيث يكون ذلك الخلاف ضد المزيّة فإنّ أحرز ذلك في الشّي ء يثبت فيه خيار العيب و الّا يرجع الى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و يحكم بعدم ثبوت جواز الفسخ و لا جواز المطالبة بالأرش.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 350

و يحتمل قويا ان يقال ان المناط في العيب النقص المالي (1).

______________________________

(1) ذكر (قده) بما حاصله انّه لا يبعد أن يكون نقص الشي ء عن مقتضى العنوان الذي جرى البيع عليه بذلك العنوان عيبا مع كونه موجبا للنقص في ماليته؛ و امّا مع عدم إيجابه النقص المالي أو إيجابه زيادة قيمته فلا يصدق العيب عليه. نعم حيث انّ الغالب في أمثال الشي ء عدم ذلك النقص فإطلاق العقد مقتضاه اشتراط عدم ذلك النقص فيثبت للمشتري خيار تخلف الشرط.

و تظهر الثمرة بين كون الثابت في الفرض خيار العيب أو خيار الشرط فيما إذا أراد المشتري الفسخ بعد تصرّفه في المبيع بما لا يجوز معه الفسخ بخيار العيب فإنّه يجوز ذلك الفسخ بناء على كون الخيار خيار تخلف الشرط، و فيما إذا حصل النقص المزبور قبل القبض أو في زمان الخيار فإنّه يكون مضمونا على البائع بناء على كونه خيار العيب و لا يكون مضمونا عليه بناء على كونه خيار تخلف الشرط.

و لكن تأمّل (قده) في عدم سقوط خيار الشرط ايضا بالتصرّف المزبور أوّلا، كما تنظّر في عدم ضمان الوصف في شرطه في مورد حصوله قبل القبض أو زمان الخيار.

أقول: لا موجب لسقوط خيار الشرط بالتصرف فيما

إذا انكشف فقد الوصف المشروط بعده بل مطلقا مع عدم قصده إسقاط الخيار و إعراضه عن فسخ البيع، كما أنّه لا يختلف ضمان البائع بالإضافة إلى الوصف المشترط فقده قبل العقد أو قبل القبض أو حدوثه زمان خيار الحيوان.

و لكن مع ذلك ففي كون النقص الخلقي مع عدم إيجابه النقص المالي موجبا للخيار تأمّل لأنّ مجرد تخلف وصف غالبي موجب للخيار و لو مع عدم اشتراطه في العقد غير ثابت و أصالة السلامة يحرز بها حال المبيع لا انّه يجعل غير المشروط مشروطا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 351

[الكلام في بعض أفراد العيب]

الثفل الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب (1).

______________________________

و كيف ما كان فقد يستدلّ على كون مجرد النقص الخلقي و لو مع عدم إيجابه النقص المالي عيبا يثبت معه للمشتري خيار العيب بمرسلة السياري؛ و أجاب عنها المصنف (ره) بوجوه: الأوّل انّ السّائل لم يقصد ردّ الشراء بمجرد عدم الشعر على عانة الأمة بل لاحتماله أن يكون ذلك لمرض في العضو أو المزاج؛ و لذا ذكر في سؤاله و زعمت انّه لم يكن لها قط. و بتعبير آخر ازالة الشعر بعلاج لا يكشف عن كون عدم الشعر بحسب الخلقة مرغوبا اليه مع احتماله للمرض؛ و قول ابن أبي ليلى انّ الناس ليحتالون كان للفرار عن القضاء لا لأنّ السائل لم يكن يحتمل كون عدم الشعر للمرض.

الثاني: انّ قوله عليه السلام (فهو عيب) لا يدلّ الّا على ثبوت ما هو الظاهر من أثر العيب، و هو أصل جواز الفسخ. و امّا سائر ما يجري في خيار العيب و أثره فلا دلالة لها على ترتّبه. أقول مقتضى الحكم بتحقّق موضوع ترتّب حكمه

عليه من غير فرق بين حكم و أثر.

و الثالث: انّ الرّواية لا دلالة لها على أزيد مما يعرفه العرف من العيب و تنصرف الزّيادة و النقيصة فيها الى ما يوجب النقص المالي لا انّ مطلق الزّيادة و النقيصة ككثرة شعر الجارية أو تعلّمها الخياطة و نحو ذلك عيب يوجب الخيار.

الرابع: لو سلّم ظهور الرواية في تحديد العيب في الشي ء الموجب للخيار في بيعه الّا انّ الرّواية لضعفها لا يصلح لإثبات الحدّ للمعنى العرفي للعيب.

(1) ذكر (قده) انّ الثفل بضم الثاء و سكون الفاء الخارج عن العادة في الزيت و البذر و نحوهما عيب يثبت به الردّ و الأرش و يشهد لكون ما ذكر عيبا حسنة ميسر عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قلت له رجل اشترى زقّ زيت فوجد فيه دردّيّا قال فقال (ان كان يعلم ان ذلك يكون في الزيت لم يردّه، و ان لم يكن يعلم ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 352

..........

______________________________

ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه) «1»؛ و ظاهرها انّ الدردي مع عدم تعارفه موجب لجواز الفسخ. و في معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه انّ عليّا عليه السلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها ربّا فخاصمه الى علي عليه السلام فقال له عليّ (لك بكيل الرّب سمنا فقال له الرجل انّما بعته منك حكرة فقال له علي عليه السلام انّما اشتري منك سمنا و لم يشتر منك ربّا «2».

و لكن لا يخفى انّه لو كان الربّ في العكة من العيب في زيتها لكان للمشتري فسخ البيع أو أخذ الأرش لا المطالبة بكيل الربّ سمنا. و ذكر السيد اليزدي

أنّه من قبيل المطالبة بالأرش. و فيه انّ الأرش نسبة تفاوت قيمتي الشي ء معيبا و صحيحا الى الثمن المسمّى. و الحاصل انّ الحكم الوارد في الرواية يتمّ فيما كان المبيع بنحو الكلي على العهدة و دفع العكرة وفاء، و يكون في الفرض على البائع استرداد الرب و دفع السمن بكيله.

ثمّ انّه قد يناقش في صحّة البيع بالإضافة الى غير الثفل بجهالة مقدار المبيع حال البيع، و لكن ذكر المصنف (ره) لظهور الخليط في السمن و نحوه صور. الأولى أن يطلق على المجموع عنوان المبيع نظير الغش في الذهب الموجب لنقص في الكمّ بعد التخليص، و ان كان الخلط كثيرا في نفسه يثبت للمشتري خيار العيب.

الثانية: ان لا يكون الخليط موجبا للعيب بل لنقص الكمّ في المبيع، و لكن كان البيع جاريا على السمن في الظّرف كل رطل بكذا، و في هذا الفرض يحكم بصحّة البيع و لزومه لانّ المبيع هو السمن الموجود في الظّرف لا الخليط و المفروض

______________________________

(1). الوسائل الجزء 12، الباب 7 من أحكام العيوب.

(2). الوسائل الجزء 12، الباب 7 من أحكام العيوب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 353

[القول في الأرش]

القول في الأرش و هو لغة (1).

______________________________

العلم بوزن السمن مع ظرفه، اللهم الّا أن يقال ان إطلاق البيع في هذه الصورة بمنزلة اشتراط كون كل ما في الظرف سمنا، فيلحق هذه الصورة بالثّالثة، و هي ما إذا اشترط كون ما في العكة مقدارا خاصا من السمن و لو مع ظرفه و في هذه الصورة يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط أو خيار تبعّض الصّفقة على الوجهين في بيع الصبرة على انّها كذا مقدار فبانت أنقص منه.

الرابعة: ما إذا شاهد المشتري خلط الزيت

بما لا يتموّل و اشترى الزيت المعلوم وزنه مع الخليط و الظرف، ففي مثل ذلك لا يبعد بطلان البيع بالإضافة إلى الزّيت ايضا للجهل بوزن السمن، و لا يصحّحه العلم بوزن المجموع من الزّيت و الدردي و الظرف، لأنّ المصحّح لبيع المظروف العلم بوزنه و لو مع ظرفه و لا يصحّح البيع العلم بوزن المظروف المبيع مع ظرفه و شي ء آخر غير مبيع، كما إذا علم بوزن المظروف مع ظرفه و صخرة.

(1) ذكر (قده) انّ الأرش كما عن الصحاح و المصباح دية الجراحات، و عن القاموس انّه بمعنى الدّية. و يظهر عن الصحاح و المصباح انّه لغة بمعنى الفساد و يطلق الأرش في اصطلاح الفقهاء على مال يؤخذ بدلا عن نقص في مال أو بدن مع عدم تقدير ذلك البدل. و عن حواشي الشهيد انّ الأرش يطلق بالاشتراك اللفظي على معان. منها ما يأخذ المشتري بدلا عن وصف الصّحّة المضمونة على البائع، و كذلك أرش عيب الثمن، و منها نقص قيمة العبد المملوك للغير بجناية انسان عليه مع عدم تقدير تلك الجناية؛ و منها قيمة التالف بالجناية المقدرة شرعا، كما في قطع يد العبد فانّ على الجاني نصف قيمة العبد؛ و منها أكثر الأمرين من المقدر الشرعي و الأرش و هو ما تلف بجناية الغاصب.

و ظاهر هذا الكلام انّ لفظ الأرش يطلق في اصطلاح الفقهاء على كل من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 354

ثم ان ضمان النقص تابع في الكيفيّة لضمان المنقوص (1).

______________________________

هذه المعاني من غير أن يكون إطلاقه عليها من قبيل الاشتراك المعنوي أو الحقيقة و المجاز؛ بل اللفظ في كل منها منقول عن معناه اللغوي بأن يكون اللفظ الموضوع

للمطلق لغة منقولا الى المقيد الخاص. و ما ذكر من انّه في اصطلاح الفقهاء يطلق على مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون منتزع عن تلك المعاني.

و فيه انّ الاشتراك اللفظي بعيد غايته بالإضافة الى جميع ما ذكر بل الظاهر انّ الأرش هو بدل التالف سواء كان له تقدير أم لا، بخلاف الدية فإنّه يطلق على بدل التالف المقدر شرعا فيكون إطلاقه على جملة من المعاني المزبورة بالاشتراك المعنوي لو لم يكن كلّها كذلك.

(1) ثم انّ المصنف (قده) قد تصدّى لإثبات كون ضمان وصف الصحّة في المقام معامليا لا ضمان اليد. و قال في وجهه انّ النقص المضمون تابع للأصل في الضمان فان كان ضمان الأصل ضمان اليد كالغصب و المأخوذ المستام يكون ضمان وصفه ايضا ضمان اليد، و إذا كان ضمان الأصل معامليا، كما في ضمان البائع المبيع بتلفه بيده قبل قبضه، أو زمان الخيار فانّ تلفه في الفروض يوجب خروج الثمن عن ملكه و عوده إلى المشتري فيكون ضمان الوصف ايضا معامليّا، بان يوجب فوات وصف الصحة بيد البائع خروج ما بإزائه من الثمن عن ملكه فيما إذا وزّع الثمن المزبور على مجموع الناقص و المنقوص، و لا يكون في الفرض ضمان اليد فإنّه قد يوجب أن يأخذ المشتري من البائع تمام الثمن مع ملكه المبيع، كما إذا اشترى جارية بدينارين فوجد فيها عيبا، و فرض انّها تساوي معيبة بمأة دينار و صحيحها أزيد فإنّه يلزم على ضمان اليد أخذ تمام الثمن أو الأزيد مع الجارية مع انّ المذكور في بعض الروايات انّه يردّ على المشتري، و ظاهره كون المردد أنقص من الثمن، و لو كان وصف الصحة مضمونا بضمان اليد لما كانت المال

الذي يعطيه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 355

..........

______________________________

البائع مردودا دائما، و ما في عبارته (قده) في الفرض من لزوم أخذ المشتري مأة دينار سهو من قلمه الشريف.

نعم ظاهر كلمات جماعة من الأصحاب، بل ظاهر بعض الروايات ان للمشتري قيمة العيب و ظاهرها ضمان اليد، و لكنّها كبعض الرّوايات المشار إليها محمولة على عدم اختلاف الثمن المسمّى مع القيمة السوقية، كما هو الغالب.

و الحاصل: ان الأرش في المقام هو مقدار من المال نسبته الى الثمن المسمّى كنسبة التفاوت بين قيمتي الشي ء صحيحا و معيبا، كما إذا كان قيمة الشي ء معيبا خمسين و قيمته صحيحا بمأة فالتفاوت بينهما بالنصف فيؤخذ من البائع نصف الثمن المسمّى.

أقول: ما ذكر (قده) في الاستدلال على كون ضمان وصف الصحّة ضمان معاوضي بالمعنى الذي ذكر ينافي ما ذكر في حمل كلمات بعض الأصحاب و بعض النصوص من حملها على الغالب من تساوي الثمن المسمّى و عدم اختلافه مع قيمة السوقية للشي ء صحيحا فانّ مقتضاه حمل ما ذكر في بعض الروايات من ردّ البائع ايضا على الغالب.

أضف الى ذلك انّ مقتضى ما ذكر في معنى الضمان المعاملي أن يكون الأرش جزء من الثمن مع انّه لا يلتزم بذلك؛ و أضف الى ذلك انّه لا فرق في ضمان الوصف بضمان معاملي بين وصف الصحّة أو الكمال، و لو كان معنى ضمان الوصف عود ما قبله من الثمن الى ملك المشتري لكان الأمر في وصف الكمال المشترط كذلك مع انّه (قده) قد صرّح فيما سبق بأنّ الأرش تغريم لا يكون جزءا من الثمن، و لا على البائع دين بدون مطالبة المشتري و قد كان (قده) ملتفتا الى ذلك.

و لذا ذكر في

آخر كلامه انّ الثمن في البيع لا يقع إلّا بإزاء العين و لا يسقط على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 356

..........

______________________________

وصف الصحة كما لا يقسط على وصف الكمال و الأرش في المقام خارج عن ضمان اليد و الضمان المعاملي؛ بل هو نظير أرش الجناية متمّم للنقص الحاصل في المبيع ليساوي الثمن لا لتنقيص الثمن المسمّى ليساوي المبيع الموجود.

و لا يخفى انّ هذا الكلام هدم لما ذكر (قده) في وجه كون الأرش مقدارا من المال نسبته الى الثمن المسمّى كنسبة تفاوت قيمة معيب الشي ء إلى صحيحة، لأنّ مع الاعتراف بعدم كون الأرش داخلا في ضمان معاملي يرد ما تقدّم من احتمال كون الأرش قيمة العيب لا مقدار من المال يلاحظ فيه النسبة.

و ذكر السيد اليزدي (قده) في وجه كون الأرش هو المقدار الذي يلاحظ فيه النسبة لا نفس التفاوت بين القيمتين أن للمعاملة مقامين مقام الإنشاء و القرار، و مقام اللب و القصد و الثمن في المقام الأوّل يقع بإزاء نفس العين و لا يقسط على الموصوف و الوصف؛ و لذا لو فقد الوصف لم تنحل المعاملة بالإضافة الى بعض الثمن، و انّه لو باع المعيب بأقلّ فيما إذا كانا من جنس واحد لزم الرّبا كما إذا باع كرّا من الحنطة المعيبة بنصف كرّ من الحنطة، و لو كان مقدار من العوض في مقابل وصف الصحّة لم يلزم في الفرض ربا و لانّ النصف الناقص في ناحية العوض بإزاء وصف الصحّة المفقودة في المبيع.

و هذا بخلاف مقام اللب فإنّه يقسّط الثمن فيه على الموصوف و الوصف حيث يوجب الوصف زيادة العوض، و حيث انّ العبرة في استحقاق العوضين و النقل و الانتقال

بالمقام الأول يكون تمام الثمن حتى في فرض عيب المبيع للبائع غاية الأمر حيث انّ البائع تعهّد بالوصف و أوجب أن يبذل المشتري الثمن الزائد فللمشتري المطالبة بما بذل من الزّيادة.

أقول: قد تقدّم انّه لا معنى للبّ في المعاملة فإنّها أمر إنشائي يكون بيعا أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 357

..........

______________________________

إجارة أو غيرهما و يصدق عليها عنوان العقد و يترتّب عليها الأحكام و الآثار المترتّبة على عنوان العقد مطلقا أو على المعاملة بعنوانها الخاص؛ و من الظاهر عدم تحقق المعاملة إلّا بالقصد؛ و عليه فان كان شي ء داعيا إلى المعاملة أو شرطا فيها بترتّب على الشرط ما يأتي. و امّا الدّاعي فلا أثر لتخلفه و قد تقدم انّ شرط الوصف لا يترتّب عليه الّا جواز الفسخ نظير شرط وصف الكمال لا جواز أخذ الأرش و جواز أخذه تعبّد قد دلّ عليه الروايات؛ و ظاهر جملة منها استحقاق المشتري التفاوت بين قيمتي الصحيح و المعيب كموثقة طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيبا قال تقوم و هي صحيحة و تقوم و بها الدّاء، ثمّ يردّ البائع على المبتاع فضل ما بين الصّحة و الدّاء.

و في معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول (أيّما رجل اشترى جارية فوقع عليها فوجد بها عيبا لم يردّها و ردّ البائع عليه قيمة العيب) فلا يبقى في البين الّا التسالم بين الأصحاب على كون الأرش مقدارا من المال يكون نسبته الى الثمن المسمّى كنسبة قيمة معيب الشي ء إلى صحيحة؛ و ربّما يستدلّ

على كون الأرش يلاحظ فيه النسبة لا انّه قيمة العيب نظير موارد ضمان اليد بأنّه لو كان المراد بالأرش في المقام هو الثاني لزم الجمع بين العوض و المعوّض كما إذا اشترى فرسا بمأة و ظهر في أحد عينيه عمى، و كان قيمته معيبا بخمسين و صحيحا بمأة و خمسين، و لو استردّ المأة أو سقط عن عهدته كما إذا كان الثمن على عهدة المشتري بمطالبته الأرش يكون كل من العوض و المعوض للمشتري؛ و هذه قرينة قطعية على انّ المراد بالأرش هو ما يلاحظ فيه النسبة و ظهور ما تقدم من الروايات باعتبار الغالب من كون الثمن المسمّى مساويا للقيمة السوقية للشي ء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 358

نعم يبقى الكلام في كون هذا الضمان المخالف للأصل بعين بعض الثمن (1).

______________________________

صحيحا.

و لكن يمكن الجواب بأنّه كان للاستدلال وجه بناء على تعيّن كون الأرش من الثمن. و امّا بناء على انّه غرامة و لا يتعيّن دفعه من الثمن فلا يكون وجها بل يكون الفرض نظير ما إذا اشترى الغرس بمأة صحيحا و حدث العمى في إحدى عينه في ضمن ثلاثة أيام و مع ذلك فالجمع في الفرض ايضا بين أخذ المأة و تملك الفرس لا يخلو عن تأمّل.

(1) ثم انّه يبقى في الأرش بعض الجهات ممّا ينبغي الكلام فيها.

منها انّه هل يتعين على البائع دفع الأرش من الثمن مع إمكانه و مطالبة المشتري أو يجوز له الدفع من غيره حتى في الفرض؛ ظاهر كلام العلامة في التذكرة و غيرها و الشهيدين تعيّن الدفع من الثمن فإنّ الأرش جزء من الثمن أو مقدار منه؛ و لكن تردد في جامع المقاصد في تعيّن ذلك

و قوى المصنف (ره) عدم التعين لأنّه لم يثبت كون الأرش جزءا من الثمن و مجرد ذكره في بعض الكلمات لا يعيّنه و الثابت انّ البائع يجب عليه الخروج عن الوصف الذي التزم بوجوده للمبيع.

و بتعبير آخر تكليفه بالدفع من الثمن لم يقم عليه دليل و الأصل عدم وجوبه لا يقال تكليفه بالجامع أي الدفع الشامل للدفع عن النقدين ايضا مجهول فإنّه يقال لا يجري الأصل في ناحية عدم تعلق التكليف بالجامع فإنّه محرز و ان رفع الحكم المزبور خلاف الامتنان.

لا يقال ظاهر ما دلّ على ردّ التفاوت إلى المشتري كون المردود من الثمن فإنّه يقال يصدق الردّ فيما إذا كان المدفوع إلى المشتري ثانيا من نوع ما أخذ من المشتري ثمنا؛ و كذلك لا دلالة لمثل قوله عليه السلام و يوضع عنه من ثمنها بقدر العيب ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 359

و الّا بطل البيع فيما قابله من الصحيح (1).

______________________________

كان فيها على اعتبار كون الأرش من الثمن فانّ الثمن إذا كان كلّيا على العهدة و أراد المشتري أخذ الأرش يسقط عن عهدته مقدار الأرش كما لا يخفى.

ثم انه بناء على جواز الدفع من النقدين و عدم تعين الدفع من الثمن هل يجوز الدفع من غير النقدين من سائر الأموال مما يكون له مالية الوصف أو يتعيّن الدفع من الثمن أو النقدين إلّا إذا رضي المشتري بذلك المال فيكون الدفع به معاوضة لا وفاء لما على البائع من الأرش فالأظهر الثاني؛ لأنّ الضمانات في سائر الموارد كما يكون بالمثل أو القيمة المتعيّنة بالنقود كذلك الحال في المقام؛ و ما عن العلامة و الشهيد (قدّس سرّهما) من جواز إعطاء الأرش من

غير النقدين حيث ذكرا بأنّه لو ظهر في أحد العوضين المتخالفين عيب في بيع الصرف يجوز أخذ الأرش من غير النقدين لا يمكن المساعدة عليه.

(1) يعني لو كانت ذمّة البائع مشغولة للمشتري بالوصف بان قيل انّه قد أخذ من المشتري عوض المبيع المقسط على الوصف المفقود و الموصوف فيكون مديونا للمشتري بالوصف فيلزم الحكم ببطلان البيع بالإضافة إلى المقدار المقابل للوصف المفقود لعدم التقابض في المجلس بالإضافة إليه.

أقول: ما ذكره (قده) من انّ الضمان بالنقدين يختص بالأموال المعيّنة المستقرة على العهدة قبل المطالبة لا في مثل المقام الذي لم يثبت على العهدة مال من الأول لا يمكن المساعدة عليه فانّ الشي ء في مورد ضمان التغريم ايضا كاللّقطة التي تصدق بها واجدها ان كان مثليّا فيضمن بالمثل و ان كان قيميّا يضمن بالقيمة المتعيّنة بالنقود المتعارفة في كل بلد و عصر كما هو منصرف ما ورد في رد قيمة العيب و قيمة النقص و نحوهما من روايات الأرش و يشهد على ضمان الأرش و لو بعد المطالبة بالنقود، انّ المشتري لو طالب غير النقد لم يجب على البائع الإجابة و لو طالب النقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 360

كما انّ لذي الخيار مطالبة النقدين في غير المقام (1).

و مما ذكرنا في معنى الأرش (2).

______________________________

لوجبت الإجابة فيكون أداء الأرش بغير النقد بالمراضاة التي كالمعاوضة أو إسقاط ما على العهدة بتملّك غيره و قد تحصّل مما ذكرنا انّه لو قيل باشتغال ذمّة البائع بعد المطالبة بقيمة الوصف لم يلزم محذور، فإنّ الأرش و ان يكون بالنقود الّا انّه غير داخل في العوضين ليعتبر قبضه في مجلس العقد.

(1) قيد في غير المقام زائد و مراده

انّ للمشتري الذي يكون له خيار العيب مطالبة الأرش من النقدين و لا يكون رضا البائع دخيلا في لزوم الإجابة، كما تقدم، و يحتمل كون غير المقام إشارة الى غير مسألة الصرف حيث لا يجوز في تلك المسألة مطالبة الأرش من النقدين على ما ظاهر القواعد و التحرير و الدروس.

(2) ذكر (قده) أنّ أرش العيب لا يستوعب الثمن فإنّه لو فرض انّ معيب الشي ء لا قيمة له و لا يبذل بإزائه مال يكون أخذ العوض بإزائه من الأكل بالباطل، فلا يتحقق عنوان البيع على ما ذكرنا في اعتبار ماليّة العوضين.

نعم ربّما يقال بأنّ العيب المستوعب للقيمة مع حدوثه قبل القبض أو في زمان خيار الحيوان لا يوجب انحلال البيع و يكون المبيع للمشتري مع استحقاقه الأرش المساوي لتمام الثمن بل يمكن أن يقال بعدم انحلال البيع حتى مع حدوث عيب لا يكون معه الشي ء ملكا، كما إذا انقلب الخلّ المبيع قبل قبضه خمرا فإنّ للمشتري حقّ الاختصاص به للتخليل مع استحقاقه تمام الثمن أو مقداره بالأرش و الوجه في ذلك انّ حدوث الحدث في المبيع قبل القبض أو زمان الخيار كالتلف قبل القبض في مجرّد ضمان البائع لا انحلال البيع بل الانحلال يختص بالتلف و لا يجري في التّعيب، و فيه ما تقدم من انّ المستفاد مما ورد في التلف قبل القبض أو في الحدث زمان خيار الحيوان ان ما يحدث قبل القبض أو زمان الخيار كالحادث قبل العقد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 361

الّا ان العلّامة (قده) في القواعد و التذكرة و التحرير و محكي النهاية (1).

______________________________

و من الظاهر انّ التعيب كذلك لو كان قبل العقد لكان موجبا لبطلان البيع.

(1) إذا

جنى العبد خطاء فانّ للمجني عليه أو وليّه أخذ أقلّ الأمرين من قيمة العبد و أرش الجناية عن مولاه و لو كان المولى معسرا أو امتنع عن دفع القيمة أو الأرش يجوز للمجني عليه أو وليّه استرقاق العبد أو بيعه و أخذ قيمته فيما إذا كان أرش الجناية مستوعبا لقيمة العبد و الّا يسترق العبد بمقدار الأرش و يباع العبد و يستوفي المجني عليه مقدار الأرش و يدفع باقي الثمن الى مولاه.

و إذا جنى العبد عمدا يكون للمجني عليه أو وليّه حق القصاص، و ان رضي بفداء المولى بقيمة العبد أو أرش الجناية و فداه المولى فهو و الّا يجري ما تقدم في الجناية خطاء من جواز استرقاقه أو بيعه لأخذ أقلّ الأمرين من قيمته و أرش الجناية. و في صحيحة فضيل بن يسار انّه قال في عبد جرح حرّا فقال ان شاء الحر اقتصّ منه و ان شاء أخذه ان كانت الجراحة تحيط برقبته، و ان كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه فان أبى مولاه ان يفتديه كان للحر المجروح من العبد بقدر دية جراحة و الباقي للمولى يباع العبد فيأخذ المجروح حقّه و يرد الباقي على المولى.

و في رواية أبي محمد الوابشي و لا يبعد كونه ثقة قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قوم ادّعوا على عبد جناية تحيط برقبته فأقرّ العبد بها قال لا يجوز إقرار العبد على سيده فإن أقاموا البيّنة على ما ادّعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه الى غير ذلك.

ثم انّ المقرر في محله انّه يجوز للمولى بيع العبد الجاني خطاء لأنّه بالجناية لا يسقط عن ملكه و ماله، و إذا انتقل إلى المشتري

يتعلّق بالعبد المزبور حتى المجني عليه، و لا يكون له شي ء مع علمه حين الشراء بجناية العبد بخلاف ما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 362

يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح و المعيب (1).

______________________________

جاهلا به فانّ له خيار العيب فيجوز له فسخ الشراء أو أخذ الأرش، كما إذا استرق المجني عليه العبد فإنّ للمشتري الرجوع الى البائع بالأرش و هو تمام الثمن المسمّى.

و امّا بيع العبد الجاني عمدا، فالظاهر جوازه لعين ما تقدم من انّ تعلق حق القصاص لا يوجب سقوطه عن الملك و الماليّة، و قيل انّ جواز البيع مع إجازة المجني عليه أو وليّه، و مع الإجازة لا يستحقّ المجني عليه أو وليّه الثمن المسمّى بل له الرجوع الى مولاه بالفداء و الّا استرق العبد على ما تقدم.

و مشتري العبد مع جهله بالحال له خيار العيب، و ان كان علمه بالحال بعد القصاص أو الاسترقاق فله الرجوع الى البائع بالتفاوت ما بين كونه جانيا و غير جان.

ثمّ انّ المصنف (ره) قد فهم من عبارات العلامة انّ مع استيعاب أرش الجناية قيمة العبد يكون أرش عيبه تمام الثمن فيرجع المشتري الجاهل بالحال بتمام الثمن؛ هذا في الجناية خطاء، و مع الجناية عمدا يكون أرش العيب بعض الثمن و هو تفاوت قيمة العبد بين كونه جان أو غير جان؛ و لذا ورد عليه أولا بأنّ الأرش لا يستوعب القيمة و الّا بطل البيع. و ثانيا على تقدير جواز كون الأرش كذلك فالفرق بين الجناية خطاء و عمدا بالاستيعاب في الأوّل و عدم الاستيعاب في الثاني بلا وجه.

أقول: لم يظهر التفرقة في الكلمات المتقدمة بين الجناية خطاء و الجناية عمدا بإمكان كون

الأرش تمام الثمن على الأوّل و يكون الأرش بعض الثّمن على الثاني.

نعم ما ذكره (قده) من عدم إمكان صحة البيع مع كون الأرش تمام الثمن بحيث لا يكون للمعيب قيمة صحيح و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) تعيين الأرش كما ذكره (قده) بمعرفة قيمة الشي ء صحيحا و قيمته معيبا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 363

..........

______________________________

و بملاحظة نسبة التفاوت بين القيمتين بمعنى ان يلاحظ نقصان قيمة معيب الشي ء عن قيمة صحيحة بأيّ نسبة من نصف أو ثلث أو ربع الى غير ذلك و يؤخذ بتلك النسبة من الثمن المسمّى أي ينقص عن الثمن المسمّى أو مقداره تلك النسبة و لو كان الثمن المسمّى بمأة و عشرين و قيمة الشي ء صحيحا بمأة و خمسين و معيبا بمأة فالتّفاوت بين القيمتين بالثلث فينقص عن الثمن المسمّى أو مقداره ثلثه أي الأربعون.

ثم انّه إذا أمكن تعيين قيمة الشي ء صحيحا و قيمته معيبا، كما إذا كان المتبايعان قريبا الى السوق و مطلعين بقيمته أو لم يكونا مطلعين بالقيمة السوقية لبعدهما عن السوق، و لكن أمكن قيام البيّنة على القيمة صحيحا و معيبا فالأمر ظاهر.

ثمّ ان البيّنة في الفرض لا تدخل في قول أهل الخبرة فإن قيمة الشي ء مما يعرف بالحسّ و لا يحتاج الى الحدس و النظر من بعض الناس خاصة؛ بل يظهر لكل من دخل السوق. نعم ربّما لا يمكن معرفة قيمة الشي ء إلّا بالحدس و النظر المختص ببعض الناس و ذلك في الموردين أحدهما ما إذا لا يعرف وصف الشي ء الدخيل في قيمته الّا بالحدس و النظر ممن يعد خبرة لذلك الشي ء كالصّائغ حيث يعرف الذهب و انّه من أي أصنافه و انّ فيه أيّ

مقدار من الخليط مع انّ قيمة أصنافه معلومة لكل من يدخل السوق و يطلع عليها جميع الناس. و ثانيهما ما إذا لا يعرف قيمة الشي ء إلّا بالحدس لأنّ الشي ء لا يكون له في السوق مثل فعلا ليعلم رغبة الناس به كبعض الأحجار النفيسة و لكن يحدس بأنه لا بدّ من ان يباع في السوق بكذا، و قد يقال انّ مورد الرجوع الى أهل الخبرة يختصّ بالأخير و لا يجري في غيره بل يتعين في الأوّل من الفرضين التعدّد و العدالة لأنّ الاعتبار فيهما بالبيّنة؛ و فيه انّه لا فرق في اعتبار العقلاء قول المقوم لكونه من أهل الخبرة بين الفرض الأول و الفرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 364

ثم انه لو تعذر معرفة القيمة (1).

لو تعارض المقوّمون فيحتمل تقديم بيّنة الأقل (2).

______________________________

الثاني و لا يعتبرون في اعتبار قوله الّا الوثاقة. و ما في صحيحة أبي ولّاد الحنّاط من قوله عليه السلام أو تأتي صاحب البغل بشهود يشهدون انّ قيمة البغل ظاهره القسم السابق على الفرضين.

بقي في المقام أمر و هو انّ اعتبار قول أهل الخبرة يختصّ بما إذا لم يمكن معرفة الشي ء بالحسّ من عامّة الناس و لو أمكن معرفته بالحسّ مع إمكان معرفته ايضا بالحدس المختص ببعض الناس فلا يدخل الشي ء المزبور مما يعتبر فيه قول أهل الحدس، كما ذكرنا تفصيل ذلك في عدم اعتبار قول المنجم في اخباره عن رؤية الهلال و آخر الشهر من المكاسب المحرّمة.

(1) و لو لم يمكن تعيين قيمة الشي ء صحيحا و قيمته معيبا بوجه فهل يكتفي بالأرش بالأقلّ لأنّه المتيقن من استحقاق المشتري على البائع، أو يكتفي بمقدار المظنون لأنّه يتنزّل الى الظّن مع

عدم التمكن من العلم، و يحتمل ضعيفا تعيّن الأكثر لأنّ البائع بدفع الأكثر يخرج عن عهدة عيب الشي ء قطعا، و فيه انّ المورد من موارد العلم الإجمالي. بين الأقل و الأكثر الاستقلاليّين و لا مرجع فيه الّا الرجوع على عدم الاشتغال بالمقدار الزائد عن الأقل كما لا يخفى.

(2) ان كان التعارض في أقوال المقوّمين بحيث يكون الرجوع إليهم من الرجوع الى أهل الخبرة فاللازم اتباع تقويم من خبرويّته أقوى، كما هو مقتضى السيرة العقلائيّة في موارد الرجوع الى أهل الخبرة، و مع عدم الأولويّة في خبرويّتهم يسقط اعتبار قولهم لانّ اعتبار قول بعضهم بلا معين و اعتبار كل في بعض ما يقوله خارج عن مقتضى دليل الاعتبار، كما هو الحال في جميع الطرق المعتبرة سواء قيل باعتبارها بخطاب لفظي أو للسيرة العقلائيّة الممضاة شرعا، و لو كان التعارض في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 365

..........

______________________________

المقومين باعتبار ان قولهم يكون من البيّنة و شهادة العدلين فالأمر أيضا كما تقدم، و يكتفي في الأرش بمقدار الأقل أخذا في غيره بأصالة عدم الاشتغال، و ليعلم انّ المراد بالأقل ليس الأخذ بالبيّنة الدّالة على الأقل، فإنّها كما ذكرنا لا تعتبر لتعارضها بالدّالة على الأكثر، بل المراد المقدار المقطوع كما لا يخفى.

و لكن مع ذلك قد يقال في تعارض المقوّمين وجوه أخر: الأول: الأخذ بالبيّنة الدّالة على الأقل لأنّه المتسالم عليه و يرجع في الزائد عنه إلى أصالة النفي.

الثاني: الأخذ بالأكثر لأنّ بيّنة الأقلّ تثبت الأقل و لا ينفي الأكثر، و بيّنة الأكثر تثبت الأقلّ في ضمن الأكثر.

الثالث: القرعة في تعيين الأرش على طبق احدى البيّنتين لأنّ القرعة لكل أمر مشتبه و منه الأرش في المقام.

الرابع:

تعيّن المصالحة على الأرش لأنّ كلّ من المتبايعين متمسك بحجّة شرعيّة و لا يمكن لأحدهما الحلف على الواقع نفيا أو إثباتا لعدم العلم به بل لا يجوز الحلف بالتقويم المفروض لتعارض التقويمين.

الخامس: تخيير الحاكم في الحكم بالأرش بالمقدار الأقل أو الأكثر نظير تخييره في الحكم بمضمون أحد الخبرين المتعارضين، أو بالحكم بأحد طرفي المحذورين لقطع المنازعة و المخاصمة.

السادس: ما ذكر المصنف (ره) من انّه أقوى الوجوه و عليه معظم الأصحاب من العمل بالبيّنتين في بعض مدلول كلّ منهما كما لو ذكر مثلا أحدهما انّ صحيح الشي ء يساوي عشرة و قالت الأخرى أنّه يساوي ثمانية يؤخذ قيمة صحيحة تسعه حيث يعمل في نصفه بالبيّنة الأولى و في نصفه الآخر بالبيّنة الثانية.

و ذكر في وجه ذلك انّ العمل بكل من الدليلين مهما أمكن، و لو في بعض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 366

ثم ان المعروف في الجمع بين البيّنات (1).

______________________________

مدلولهما أولى من طرح كلاهما أو أحدهما رأسا في حقوق النّاس بخلاف الأحكام الشرعية التي تكون من حقوق اللّٰه حيث انّ الامتثال الاحتمالي للتكليف الواقعي في حقوق اللّٰه لا يقصر عن التبعيض، بل يكون أولى منه، كما في دوران الأمر بين المحذورين مع تكرار الواقعة، فإنّه لا يبعد أن يقال الأخذ بالموافقة الاحتماليّة أولى من الأخذ بأحد الاحتمالين في واقعه، و الأخذ بالاحتمال الآخر في واقعة أخرى لأنّ الموافقة القطعيّة الملازمة للعلم بالمخالفة القطعية لا تعتبر في الأحكام بخلاف حقوق الناس فانّ رعايتها في الجملة أولى من ترك بعضها رأسا.

أقول: العمل بكل من البيّنتين في بعض مدلولهما مع تعارضهما في ذلك البعض ايضا لا يحرج عن الجمع التبرّعي، و لا يكون داخلا في الجمع

الدلالي من غير فرق بين الأحكام الشرعيّة و حقوق الناس؛ و عليه فلا يعمّ دليل الاعتبار لا أحدهما تعيينا و لا تخييرا فان قام في مورد دليل على العمل بأحدهما كما ذكر فهو و الّا تسقطان و يرجع الى الأصل العملي و مع الأصل العملي لا يكون المورد من موارد القرعة فإنّ مع ظهور الحكم الشرعي في الواقعة و لو كان ظاهريا لا يكون المورد من المشتبه و المشكل كما لا يخفى.

(1) ثم ان المعروف في الجمع بين التقويمات جمع القيم الصّحيحة، و كذا القيم المعيبة و يؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما، و كذا عن القيمتين للمعيب و يلاحظ نسبة التفاوت بين النصفين، و ان كان القيم للصحيح ثلاثة يؤخذ بثلث المجموع؛ و بهذا يظهر ما إذا كانت القيم أزيد.

و عن السيد اليزدي (قده) انّه لا حاجة الى تنصيف القيمتين أو تثليثهما، بل يكفي ملاحظة نسبة تفاوت مجموع القيم للمعيب الى مجموع القيم للصحيح ليؤخذ من الثمن المسمّى بتلك النسبة لأنّ نسبة المجموع الى المجموع لا تختلف عن نسبة نصف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 367

و قد يحتمل الجمع بطريق آخر (1).

______________________________

أحد المجموعين الى نصف المجموع الآخر.

و إذا قال أحدهما ان صحيحة يساوي اثنى عشر و معيبه ستّة، و قال الآخر صحيحة يساوي ثمانية و معيبه أربعة فإنّ نسبة العشرة إلى العشرين يساوي نسبة الخمسة إلى العشرة.

و يمكن ان لا يلاحظ مجموع قيمتي الصحيح و مجموع قيمتي المعيب بل يلاحظ التفاوت بين القيمتين للصحيح و يعمل بكل من التقويمين في ذلك التفاوت، و لو قال أحدهما انّ صحيحة يساوي اثني عشر، و قال الآخر انّه يساوي ثمانية فالتفاوت و هي الأربعة

يؤخذ في نصفها بالتقويم الأكثر، و في نصفها الآخر بالتقويم الأقل فيكون قيمة الصحيح عشرة؛ و كذا الحال في ناحية قيمتي المعيب و ذكر المصنف (ره) لكن الأظهر هو الجمع على النهج الأول. أقول لم يعلم الاختلاف بينهما ليقال انّ الأظهر هو الوجه الأوّل.

و ذكر الكمپاني (قده) انّه لا تعارض في اختلاف المقوّمين فيما إذا لم تختلف النسبة في التفاوت بين قيمة المعيب و الصحيح على كلا التقويمين، كما إذا قال أحدهما انّ صحيحة يساوي اثني عشر و معيبه ستة، و قال الآخر انّ صحيحة يساوي ثمانية و معيبه أربعة فإن النسبة في التفاوت على كل من التقويمين النصف فيؤخذ من الثمن المسمّى بنصفه من غير أن يكون بين البيّنتين تعارض. و فيه انّ ما ذكر من النسبة مدلول التزامي لكل من البيّنتين، و مع تعارضهما في مدلولهما المطابقي لا تصل النوبة إلى الأخذ بمدلولهما الالتزامي.

(1) و قد يذكر في المقام طريق آخر للجمع بين البيّنتين منسوب الى الشهيد (قده) في الروضة و حاصله ملاحظة النسبة في التفاوت بين القيمة المعيب الى الصّحيح في كلّ من التقويمين و يعمل بكل منهما بالإضافة إلى نصفي الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 368

و قد ينقص عن الأوّل (1).

______________________________

المسمّى، كما إذا قال أحدهما انّ صحيحة يساوي اثنى عشر و معيبه ستة فالنسبة في هذا التفاوت النصف، و قال الآخر انّ صحيحة يساوي ثمانية و معيبه ستة فالنسبة في هذا التفاوت هو الرّبع فالأرش على الطريق الأول خمسين من الثمن المسمّى؛ و إذا فرض انّ الثمن المسمّى كان عشرة فالأربعة هي الأرش، و على الطّريق المنسوب الى الشهيد في نصف الثمن المسمّى اثنان و نصف

و في نصفه الآخر واحد و ربع الواحد فيكون المجموع أربعة إلّا ربع الدرهم.

(1) قد يكون الأرش على الطريق المنسوب الى الشّهيد (قده) أقلّ منه على طريق المشهور.

كما إذا قال أحدهما انّ صحيحة عشرة و قال الآخر انّ صحيحة يساوي ثمانية مع اتفاقهما على انّ معيبه ستّة فتكون القيمة المنتزعة للصحيح على طريق المشهور تسعة و التفاوت بين الستة و بينه بالثلث، و إذا فرض الثمن المسمّى اثنى عشر يكون ثلثه أربعة دنانير.

و امّا على طريق الشهيد تكون نسبة تفاوت الستة إلى الثمانية بالربع فيؤخذ بنصف الربع أي ثمن الثّمن المسمّى المفروض الاثني عشر فيساوي واحدا و نصفا و نسبة تفاوت الستة إلى العشرة بخمسين فيؤخذ بنصفه و هو خمس الاثنى عشر فخمس العشرة اثنان و خمس الاثنين الباقي من الثمن المسمّى أربعة أعشار من أعشار كل من الاثنين فيكون المجموع ثلاثة دنانير و تسعة أعشار الدينار الواحد لأنّ الدينار يساوي خمسة أعشار من عشرة أعشار دينار واحد. و بتعبير آخر يجمع بين الواحد و النصف و هو نصف الأرش على أحد التقويمين مع الاثنين و أربعة أعشار الواحد و هو النصف الآخر من الأرش على التقويم الآخر، فيكون المجموع ثلاثة دنانير و تسعة أعشار من عشرة أعشار الواحد فينقص الأرش على هذا الطريق عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 369

..........

______________________________

طريق المشهور بنصف خمس أي عشر واحد من عشرة أعشار الدينار الواحد.

و ذكر المصنف (ره) انّه إذا اختلف المقومون في قيمة صحيح الشي ء مع اتفاقهم على قيمة معيبه يختلف طريق المشهور عن طريق الشهيد دائما؛ و علّله بأنّ نسبة تفاوت قيمة معيب الشي ء إلى صحيحة تكون متعددة على طريق الشهيد بخلاف

طريق المشهور، فإنّ الأرش عليه نسبة واحدة مأخوذة من تفاوت قيمة معيب الشي ء إلى القيمة الصحيحة المنتزعة من القيمتين، و هذه النسبة لا تختلف في اجزاء القيمة المنتزعة مع تساوي الأجزاء و يتعدد مع عدم تساويها كما هو الحال على طريق الشهيد.

ثم ذكر (قده) انه إذا كان الاختلاف في المعيب مع الاتّفاق على قيمة الصحيح فيتّحد الطريقان دائما و علّله بأنّ نسبة قيمة الصحيح الى نصف القيمة الحاصلة من القيمتين للمعيب التي طريقة المشهور مساوية لنسبة نصف قيمة الصحيح الى نصف احدى القيمتين المذكورتين للمعيب، و نسبة نصفه الآخر الى نصف القيمة الأخرى من القيمتين للمعيب، كما إذا اتّفقا على انّ صحيح الشي ء يساوي اثني عشر مع كون الثمن المسمّى اثني عشر و قال أحدهما ان معيبه ثمانية و قال الآخر انّه ستة فإنّه على المشهور يؤخذ للمعيب قيمة منتزعة و هو سبعة و التفاوت بين السّبعة و اثني عشر خمسة؛ و هذا يساوي مع تفاوت ثلاثة مع ستة و تفاوت أربعة مع ستّة.

أقول: ما ذكر (قده) و ان كان صحيحا لا يختلف الطّريقان مع الاتفاق على القيمة للصحيح الّا انّ الوجه الّذي ذكره لاختلاف الطّريقين فيما إذا كان الاختلاف في قيمة الصحيح مع اتفاقهما على قيمة المعيب يجري في هذا الفرض ايضا. و الظاهر انّ الوجه في اختلاف الطريقين مع الاختلاف في قيمة الصحيح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 370

ثم ان الأظهر بل المتعيّن هو الطريق الثّاني (1).

______________________________

و الاتفاق على المعيب الاختلاف في العدد الأكبر، و عدم اختلاف الطريقين عند الاختلاف في معيب الشي ء الاتفاق على العدد الأكبر.

و ذكر (قده) انّه إذا كان الاختلاف بين المقوّمين في قيمة الشي ء صحيحا

و معيبا انّه ان اتّحد نسبة قيمة معيب الشي ء إلى قيمة صحيحة في كل تقويم مع نسبتهما في التقويم الآخر فلا يختلف الطريقان، و ان لم يتحدا فقد يتّحد الطريقان و قد يختلفان.

أقول: مع عدم اتّحاد نسبة التفاوت في أحد التقويمين مع النسبة في التقويم الآخر يختلف الطريقان لا محالة و لم يتقدم منه (قده) مثال ما إذا اختلفت النسبتان و تتّحد نتيجة الطريقين. فتأمّل جيّدا.

(1) ذكر (قده) ان المتعين من الطريقين المنسوب الى المشهور و المنسوب الى الشهيد هو الثّاني سواء كان المدرك للعمل بالبيّنتين أولويّة الجمع بينهما في العمل بان يعمل بكل من البيّنتين في نصف المبيع أو كان العمل بكل منهما للجمع بين حقّي البائع و المشتري نظير ما يذكر من تنصيف الدرهم في مسألة ما ذا أودع عنده أحد درهمين و الآخر درهما و تلف أحد الدّراهم فانّ الدّرهم من الدّرهمين الباقيين لصاحب الدّرهمين و الآخر ينصّف بينهما ليذهب من كل منهما نصف درهم.

و الوجه في تعين الطّريق الثاني بناء على أولويّة الجمع ان مقتضى الجمع و إن كان تعيين قيمة نصف الشي ء صحيحا و معيبا على طبق أحد البيّنتين و تعيين قيمة أخرى لنصفه الآخر على طبق البيّنة الأخرى فيكون قيمة الشي ء صحيحا مجموع قيمتي النصفين صحيحا و مجموع قيمتي النصفين معيبا.

و إذا قال أحدهما انّ صحيحة يساوي اثني عشر و معيبه عشرة و قال الآخر انّ صحيحة يساوي ثمانية و معيبه خمسة يكون قيمة نصفه صحيحا ستة و نصفه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 371

..........

______________________________

بالأربعة، فيكون المجموع عشرة و قيمة نصفه معيبا خمسة و قيمة نصفه الآخر باثنين و نصف، فيكون المجموع سبعة و نصف

الّا انّه لا موجب لملاحظة النسبة بين سبعة و نصف و عشرة بل يعتبر ملاحظة النسبة في نصف الشي ء بإحدى البيّنتين، و في نصفه الآخر بالأخرى ليعمل بهما في نصفي الشي ء.

لا يقال يشبه ما نحن فيه بما إذا بيع الشيئين المختلفين قيمة بصفقة واحدة، كما إذا باع العبد و الأمة باثني عشر درهما و ظهر كل من العبد و الأمة معيبا و كان قيمة العبد صحيحا أربعة و معيبا باثنين و نصف و الأمة تساوي صحيحة ستة و معيبة بالخمسة فإنّه لا شبهة في انّه تلاحظ النسبة في الفرض بين العشرة التي قيمة منتزعة لمجموع صحيح العبد و الأمة و بين السبعة و النّصف التي قيمة لمجموعهما معيبين فيكون التفاوت ربعا فيؤخذ من الثمن المسمّى ربعه أي ثلاثة دنانير.

فإنه يقال إذا اشترى الأمة و العبد باثني عشر درهما فقد اشترى كلا منهما بثمن يخالف الآخر و يقسط ذلك الثمن على كلّ من العبد و الأمة بحسب قيمة كل منهما.

و بتعبير آخر كما يقسط ذلك الثمن الواحد على الشّيئين بحسب قيمة كلّ منهما فيما احتيج الى التقسيط، كما إذا ظهر أحدهما ملك الغير أو لغير ذلك، و كذلك الأرش يقسط عليهما بحسب قيمة كل منهما فيقسّط ربع الثمن أي ثلاثة دنانير على كل من العبد و الأمة حيث انّ ما يقع بإزاء الجارية من الاثني عشر سبعة و خمس و ما يقع بإزاء العبد و أربعة أربعة أخماس و السدس من ربع الثمن المسمّى أرش للجارية أي واحد و خمس و الباقي من ثلاثة دنانير و هو دينار و هو دينار و أربعة أخماس أرش للعبد و هو ثلاثة أثمان قيمته كما لا يخفى.

و هذا بخلاف

ما نحن فيه فانّ الثمن المسمّى المبذول بإزاء الشي ء كان بنسبة واحدة بالإضافة إلى نصفي الشي ء و إذا أريد العمل بإحدى البيّنتين في نصف ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 372

فالمتعيّن هو الطّريق الثّاني أيضا (1).

______________________________

الشي ء و بالأخرى في نصفه الآخر فلا بدّ من تعيين الأرش نصفين بنسبتين.

(1) و حاصله انّه لو كانت البيّنتان مختلفتين سواء كان مفادهما المطابقي بيان تلك النسبة أو تعيين القيمة لصحيحة و معيبه يكون الجمع بين حقّي البائع و المشتري هو الأخذ بإحدى النسبتين بالإضافة الى نصف الثمن المسمّى و بالبينة الأخرى في نصفه الآخر، و يحصل للأرش نسبة تكون متوسطة بين النّسبة الزائدة و الناقصة، كما إذا شهدت إحداهما بأنّ التفاوت بين قيمتي الصّحيح و المعيب بالسدس فالأرش على هذه النسبة من الثمن المسمّى المفروض كونه اثني عشر اثنان و شهدت الأخرى بأنّ التفاوت بينهما بثلاثة أثمان فالأرش على هذه النسبة أربعة و نصف فيؤخذ من كل من الأرشين نصفه و يجمع فيكون ثلاثة و ربع فيكون الأرش سدس الثمن المسمّى و نصفه و ثمن السدس حيث ان السدس من الثمن المسمّى اثنان و نصفه واحد و ثمنه أي ثمن الاثنين يكون ربع الواحد.

و لو شهدت احدى البينتين انّ صحيحة اثنا عشر و معيبه عشرة و شهدت الأخرى انّ صحيحة ثمانية و معيبه خمسة فلا بدّ من جعل قيمة لصحيحة تكون متوسطة بالإضافة إلى نسبة قيمة الشي ء صحيحا الى قيمته معيبا التي يذكرها احدى البيّنتين؛ و بالإضافة إلى نسبة أخرى في قيمة الشّي ء صحيحا الى قيمته معيبا التي تذكرها البيّنة الأخرى.

أقول: لا ينبغي الريب في انّ كلا من الطّريق المنسوب الى المشهور و الطريق المنسوب

الى الشهيد خروج عن الأصل، و فيهما جمع بين الحقّين أي لحاظهما و لا ينبغي التّأمل أيضا في انّ الطريق الثاني أكثر جمعا بينهما حيث انّ المألوف في مقامات الاختلاف في الدعاوي المالية المردّدة بين الأقل و الأكثر ان يلاحظ ما به التفاوت و يؤخذ بنصفه في مقام المصالحة الّا انّ الكلام في تعيّن ذلك في المقام

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 373

[القول في الشروط التي يقع عليها العقد]
اشارة

الشرط يطلق في العرف على معنيين (1).

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 373

______________________________

و سائر المقامات التي تشبه المقام؛ و الأظهر عدم تعيّن ذلك و ان للبائع الاقتصار بالأرش الأقل حتى يثبت الأكثر؛ و لذا لو تردّد الدين بين الأقل و الأكثر. فلا يلزم المديون بغير الأقل الّا ان يثبت بطريق معتبر الأكثر و لو كان الجمع بين الحقين في المقام متعيّنا لتعيّن في مسألة الدين المردد بين الأقل و الأكثر كما لا يخفى.

و قد تقدّم ايضا انّ دليل اعتبار أي طريق و منه ما دلّ على اعتبار البيّنة لا يعمّ صورة التّعارض سواء كان التعارض في تمام المدلول أو في بعضه، كما إذا ذكر كل بينة لصحيح الشي ء قيمة و لمعيبه أخرى سواء فرع على ذلك نسبة الأرش أم لا، أو ذكر كل بيّنة للأرش نسبة من غير تعرض لقيمة صحيح الشي ء و معيبه بحيث تكون النسبة في إحداهما غير النسبة في الأخرى و الّا لم يكن بينهما تعارض أصلا فتدبّر جيّدا.

(1) ذكر (قده) ان الشّرط يطلق على معنيين لغة أحدهما معناه المصدري أي الإلزام

و الالتزام بأمر و يكون الإلزام من المشروط له و الالتزام من المشروط عليه، و ذكر في القاموس كون الإلزام و الالتزام في البيع و نحوه و ظاهره عدم إطلاق الشرط حقيقة أو عدم صحّته على الإلزام و الالتزام الابتدائيين.

و لكن لا يمكن الالتزام بعدم صحة الإطلاق حيث ان إطلاقه في الاخبار على الإلزام الابتدائي أو الالتزام كذلك شائع كما يفصح عن ذلك ما ورد في حكاية بيع بريرة من قوله (ص) قضاء اللّٰه أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق، حيث ان المراد من شرط اللّٰه حكمه فلا يثبت ذلك الولاء لغير المعتق كالبائع و لو بالاشتراط في بيع العبد.

و قوله عليه السلام في الرّد على مشترط عدم التزوج بامرأة أخرى في النكاح ان شرط اللّٰه قبل شرطكم حيث ان المراد بشرط اللّٰه تجويز التزوج بامرأة اخرى متعة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 374

..........

______________________________

مطلقا و دواما إلى أربع.

و في صحيحة عاصم بن حميد عن محمّد بن قيس عن ابى جعفر عليه السلام في رجل تزوج امرأة و شرط لها ان هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق فقضى في ذلك ان شرط اللّٰه قبل شرطكم فان شاء و في لها بما اشترط الحديث.

و ما في بعض روايات خيار الحيوان ما الشرط في الحيوان قال إلى ثلاثة أيام و في غيره الى ان يفترقا فان كلا من خياري الحيوان و المجلس تأسيسى من الشارع فيدخل في حكمه، و قد أطلق الشرط على النذر و العهد و الوعد في بعض اخبار الشرط في النكاح و في صحيحة منصور بن برزخ أو موثقته عن عبد صالح عليه

السلام، قال قلت له انّ رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلّقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه الّا ان يجعل للّٰه عليه ان لا يطلّقها و لا يتزوج عليها فأعطاها ذلك ثم بدا له في التزوج بعد ذلك فكيف يصنع فقال بئس ما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النّهار، قل له فليف للمرأة بشرطها فانّ رسول (صلى اللّٰه عليه و آله) قال المؤمنون عند شروطهم.

و قد ذكر في الحدائق ان إطلاق الشرط على البيع في الأخبار كثير و الحاصل لا شبهة في استعمال الشرط في الحكم و الالتزام الابتدائي و لا يبعد كونه حقيقة بأن يكون المعنى الظاهر من الشرط هو الإلزام و الالتزام سواء كان في ضمن عقد أو كان ابتدائيتا فان أولويّة الاشتراك المعنوي على المجاز يقتضي ذلك، و لا يتبادر من قوله شرط فلان على نفسه كذا الّا الالتزام على نفسه و لو كان ابتدائيّا و لذا استدل عليه السلام بالنبوي المزبور (المؤمنون عند شروطهم) على لزوم الوفاء بالنذر و العهد عند ارادة نكاح المرأة و لا حجة فيما ذكر القاموس على انحصار الشرط بما كان في ضمن عقد لتفرده بذلك و لعله لم يلتفت الى الاستعمالات المشار إليها و الّا ذكرها و لو مع الإشارة إلى مجازيّتها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 375

..........

______________________________

و قد يتجوز الشرط بالمعنى المصدري و يراد منه المشروط كالخلق المراد به المخلوق و لذا يحمل الشرط على الأمر المتعلق به الإلزام و الالتزام.

أقول ما ذكر (قده) من أولوية الاشتراك المعنوي عن المجاز ثبت في محلّه انّ مثل هذه الأمور الاستحسانيّة لا يثبت اللغة و انه لا

يتبادر من قوله شرط فلان على نفسه كذا غير الالتزام بذلك الأمر و لو ابتداء فهذا غير ثابت حيث ان سعة معنى الشرط و شموله الإلزام و الالتزام الابتدائين غير ظاهر و العناية و المجاز في الاستعمال خارج عن مورد الكلام مع ان استعمال الشرط في قضيّة حكاية بريرة و كذا في قول على عليه السلام لمشترط عدم التزوج على امرأة أخرى من قبيل المعاملة و الإطلاق بالمشاكلة نظير قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ و قوله عليه السلام لا تنقص اليقين بالشك و، لكن تنقض الشك باليقين الى غير ذلك.

و على الجملة إطلاق الشرط على الالتزام الابتدائي بحيث يكون الوعد للغير داخلا في عموم قوله (ص) المؤمنون عند شروطهم غير محرز لو لم نقل بإحراز عدمه و لذا لم يرد في شي ء من الأخبار الواردة في الأمر بالعمل بالوعد أو العهد التعليل بالعموم المزبور، نعم علل الأمر في بعضها بالأمر بالوفاء بالعقود و بقوله سبحانه لِمَ تَقُولُونَ مٰا لٰا تَفْعَلُونَ فراجع.

ثم انّه بعد البناء على انه يعتبر في الشرط تحقّقه في ضمن معاملة يقع الكلام في ان ارتباطه بالمعاملة بمجرد الظرفيّة كما هو ظاهر القاموس أو انّه نحو آخر نتعرّض لذلك عن قريب إنشاء اللّٰه تعالى و يظهر من المصنف في الأمر الأول من شروط صحّة الشرط انّ ارتباط الشرط بالمعاملة تعليق التراضي بها على حصول المشروط خارجا.

و فيه ما تقدم من انّ التراضي في المعاملة ليس بمعنى طيب النفس و على تقديره فالتعليق يوجب بطلان المعاملة مع تخلف الشرط أو مطلقا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 376

الثاني ما يلزم من عدمه العدم (1).

______________________________

(1) و هذا هو المعنى الثاني من

المعنيين العرفيين للفظ الشرط عنده (قده) و ما يلزم من عدمه العدم يعم كل دخيل في حصول الشي ء بحيث لولاه لم يكن ذلك الشي ء فيدخل فيه السبب و المقتضى و الشرط و مثل الوضوء و استقبال القبلة الى غير ذلك و ذكره (قده) ان الشرط بهذا المعنى اسم جامد لا يشتق منه شي ء بالأصل أي إذا لم يؤوّل الشرط بهذا المعنى الى معنى حدثي نعم لو أوّل إلى معنى حدثي كجعل الشي ء بحيث لا يحصل الشي ء الآخر بدونه فيقال للجاعل الشارط و للشي ء الآخر كالصلاة بالإضافة إلى الوضوء و الاستقبال و نحو هما المشروط و هذا الإطلاق ليس بنحو التضايف في الفعل و الانفعال و الّا فلا بد من إطلاق الشارط على الجاعل و المشروط على مجعوله اى نفس الوضوء أو الحكم المتعلّق بالصلاة المتقيدة بالوضوء و غيره و بتعبير آخر الشرط بهذا المعنى كالسبب اسم جامد و اشتقاق الشارط و المشروط منه كاشتقاق المسبّب بالكسر و الفتح من لفظ السبب حيث يطلق المسبب بالكسر على جاعل السبب كما في الدعاء يا مسبب الأسباب و المسبب بالفتح يطلق على الحاصل من السبب و هذا الإطلاق أيضا ليس بنحو التضايف فلا يكون اشتقاقا على الأصل لأن المسبّب بالكسر جاعل السببيّة للشي ء فيكون المسبب بالفتح على التضايف نفس السبب لا الأمر الحاصل عن السبب.

و قد تحصّل انّ الشرط له معنيان أحدهما الحدثي و ثانيهما معنى الاسم الجامد نظير ما يقال من ان لفظ أمر معناه الطلب و معناه الآخر الشي ء.

و امّا إطلاق الشرط في اصطلاح علماء الأدب على الجملة الّتي تقع تلو اداة الشرط فهو مأخوذ عن المعنى الثاني أي ما يلزم من عدمه العدم كما انّ

ما يطلق عليه الشرط في اصطلاح أهل المعقول مأخوذ من هذا المعنى غاية الأمر أضيف إليه قيود ليمتاز الشرط عن السبب و المانع باصطلاحهم فيكون كل من الاصطلاحين من نقل اللفظ عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 377

[الكلام في شروط صحة الشرط]
[أحدهما ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف]

أحدهما ان يكون داخلا تحت قدرة المكلف (1).

______________________________

معناه العام الى بعض افراده و لا يحمل الشرط في الاستعمالات العرفيّة الّا على أحد الأوّلين فإن كان في البين قرينة على تعيين أحدهما فهو و الّا يكون الخطاب مجملا.

أقول الظاهر انّ الشرط يطلق على الالتزام بالعمل أو ثبوت الحق لكن لا مطلقا بل فيما كان داخلا في التزام معاملي و إذا قال بعث مالي بكذا و اشترطت عليه خياطة ثوبي ظاهره إدخال التزام الطرف بخياطة ثوبه في البيع و الإدخال ليس بمعنى الظرفيّة كما هو ظاهر القاموس بل بنحو تعليق نفس الالتزام المعاملي على التزام الطرف بذلك العمل أو ثبوت الحق و قد تقدم تفصيل الكلام في ذلك في باب شرط الخيار. و اما الإلزام فهو خارج عن معنى الشرط بل جوازه أمر مترتب على صحّة الشرط في المعاملة و نفوذه حيث يكون للمشروط له إلزام الآخر بالعمل أو رعاية الحق كما لا يخفى.

و لا ريب في انّ المراد من قوله (ص) المسلمون عند شروطهم هذا المعنى بقرينة تطبيقه في بعض الروايات على الشرط في المعاملة حتى في رواية منصور بن برزخ حيث ذكر فيها ما يدل على انّ المراد الالتزام بالعمل و إعطاء هذا الالتزام للمرأة في نكاحها و لذا ذكر سلام اللّٰه عليه فيها فليف للمرأة بشرطها و اما الشرط بالمعنى الآخر الّذي ذكره اى ما يلزم من عدمه عدم شي ء آخر فلم

يظهر انّ هذا معناه لغة و الشاهد صدق الشرط على موارد قيام البدل سواء كان البدل اختياريا أو اضطراريا.

و لا يبعد ان يكون معنى الشرط لغة الدخيل في حصول شي ء آخر سواء كانت دخالته جعلية كما في قيود المأمور به أو الموضوع أو نفس الحكم أو كانت واقعية و بهذا الاعتبار يطلق الشرط على الجملة الواقعة في تلو اداة الشرط و ما هو من اجزاء العلّة التامّة للشي ء عند أهل المعقول.

(1) ذكر (قده) بما حاصله انه يعتبر في نفوذ الشرط و صحته كونه اى المشروط مقدورا على المشروط عليه بان يمكن له تسليم المشروط الى المشروط له سواء كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 378

..........

______________________________

الشرط غير المقدور صفة في أحد العوضين و المراد بالصفة الأمر الاستقبالي في ذلك العوض كما إذا قال بعت هذه الدابّة على ان تحمل مستقبلا أو هذه الأمة على ان تلد مستقبلا ذكرا أو كان المشروط عملا اى فعلا لا يتمكن عليه المشروط عليه كما إذا قال بعتك هذا الزرع على ان يجعل سنبلا أو بعت البسر على ان يجعل تمرا و قد مثل بما ذكر شرط العمل غير لمقدور في القواعد و الظاهر انه أراد أن يجعل اللّٰه الزرع أو البسر سنبلا أو زرعا فانّ صدور مثل هذه الأفعال عن المشروط عليه ممتنع لا يشترط على المشروط عليه في بناء العقلاء و يبعد من الفقهاء ان يتعرّضوا لأمر خارج في المعاملات عن بناء العقلاء بخلاف ما إذا اشترط في المعاملة فعل الغير فان تعليق التراضي بالمعاملة على حصول فعل الغير يقع من العقلاء.

و على الجملة لا يحتمل ان يكون مراد العلامة و غيره ممن ذكر هذا

الاعتبار الاحتراز عن مثل شرط اجتماع الضدّين أو ارتفاع النقيضين و لذا لم يذكروا هذا الاشتراط في بابي الإجارة و الجعالة و يغني عن هذا الاشتراط اشتراط جواز المشروط و إباحته بل المراد كما ذكرنا الاحتراز عن اشتراط فعل الغير فان اشتراط فعل الغير اولى من اشتراط الوصف الحالي في المبيع فانّ الوصف المزبور خارج عن قدرة البائع حيث لا يمكن تحصيله ان لم يكن حاصلا بخلاف فعل الغير فإنه يمكن ان يتوسّل الى حصوله بالاستدعاء و غيره فيكون قوله بعت الزرع على ان يجعل سنبلا ظاهرا في اشتراط ان يجعله اللّٰه سنبلا نعم يحتمل ان يكون المراد جعل البائع فتكون كناية عن إيجاد مقدماته الإعدادية من سقيه و نزع الحشيش من حوله كما يظهر ذلك مما ذكره في الشّرائع و على ذلك فيدخل في الشرط المقدور كما لا يخفى.

أقول قد تقدم ان الشرط في المعاملات أخذ الالتزام و إعطائه بنحو ما ذكرنا و الالتزام لا يتعلّق الا بفعل النفس فان غيره غير مقدور للملتزم و عليه فلو كان الشرط بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 379

و كيف كان فالوجه في اشتراط الشرط المذكور (1).

______________________________

المشروط فعلا فلا بد من كونه مقدورا للمشروط عليه و ان كان وصفا سواء كان حاليا أو استقباليا فلا معنى لاشتراطه الّا الالتزام بثبوت حق الخيار لصاحبه على تقدير عدم ذلك الوصف فانّ الخيار لكونه حقّا يكفي في ثبوته نفس الاشتراط لا يكون من شرط غير المقدور.

(1) استدل (قده) على اعتبار كون الشرط مقدورا للمشروط عليه مع عدم الخلاف فيه بأنه مع عدم كونه مقدورا لا يتمكن على تسليم الشرط فيما كان فعلا كما لا يتمكن على

تسليم المبيع مع الوصف فيما كان المشروط الوصف فيه قبل قبضه من المشترى لأنّ حصول الشرط أو الوصف المزبور بضرب من الاتفاق فلا يناط بإرادة المشروط عليه فيكون البيع غرريا لارتباط العقد بما لا وثوق لحصوله.

لا يقال ما ذكر من كون حصول الوصف بضرب من الاتّفاق و لا يناط بإرادة المشروط عليه يجري في- اشتراط الوصف الحالي أيضا مع انه لا ينبغي الريب في جواز اشتراط الوصف الحالي في المبيع كاشتراط كون العبد كاتبا فعلا أو الدابّة حاملا كذلك. فإنه يقال بالفرق بينهما للإجماع على جواز الثاني دون الأوّل و ان اشتراط الوصف الحالي مبنى على وجود الوصف حال البيع فيكون من اخبار البائع بوصف المبيع و ان لم يكن وجوده معلوما بالوجدان للبائع المخبر فضلا عن المشترى حيث يكفي في توصيف المبيع بالوصف كونه مقتضى الأصل أو موثوقا حصوله بخلاف اشتراط الوصف الاستقبالي فإنه لا يبتنى على وجود الوصف فيكون البيع معه غرريّا.

ثم ذكر انّه بظهر من الشيخ (قده) و القاضي (ره) جواز اشتراط الوصف الاستقبالي و انه لو تحقق الأمر الاستقبالي كحمل الدابّة فالبيع لازم و ان لم يحصل يثبت للمشتري الخيار فيكون اشتراط القدرة على الشرط مورد الخلاف الّا ان يكون مرادهما من اشتراط كون الدابّة تحمل مستقبلا اشتراط أمر حالي في الدابّة فلا يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 380

..........

______________________________

معه اشتراط القدرة في الشرط محل الخلاف.

أقول قد تقدم ان اشتراط وصف في أحد العوضين حالا أو استقبالا مرجعه الى اعتبار الخيار لمن تخلف عليه الوصف و مع الخيار لا يثبت للبيع لزوم فلا معنى لكون البيع مع شرط الوصف غرريّا لأنّ الغرر هي الجهالة في نفس البيع

لا في حكمه من اللزوم و الجواز و المفروض انّ البيع لا جهالة فيه و انّ المعاوضة قد حصلت بين العين و الثمن سواء كانت العين على الوصف أو على خلافه.

و بتعبير آخر العين تعلق بها البيع مطلقا غاية الأمر لا لزوم له مع عدم الوصف.

و مما ذكر يعلم انّه لو اشتراط في المعاملة فعل ثالث فمرجعه الى اعتبار الخيار لمن تخلف عليه ذلك الفعل فلا يكون الشرط محكوما بالبطلان.

و الحاصل الخيار لأحد المتعاملين أو كلاهما لا يحتاج الى سبب خاص بل يحصل في المعاملة بمجرّد الاشتراط فيكون كسائر الأمور الإنشائيّة المعبر عنها بشرط النتيجة فإنّ اشتراطها في المعاملة لا بأس به على تقدير عدم توقّف ذلك الأمر الإنشائي على سبب خاص فانّ الشرط مع التوقف على سبب خاص لا يصح لا لكونه غير مقدور بل لأنّ ثبوته بالشرط لا يستفاد من أدلة نفوذ الشروط و ان الشرط لا يكون مشرعا و لا يصح فيما خالف الكتاب و السنّة هذا كلّه في شرط غير الفعل الاختياري للمشروط عليه و امّا فيه فيأتي انه يثبت فيه الحكم التكليفي و لا يكون اشتراطه مجرد اعتبار الخيار.

و إذا كان الفعل المشرط مركبا من فعل المشروط عليه و غيره كما إذا باع الشي ء و اشترط على المشترى ان يبيعه من ثالث فهل هذا من اشتراط الفعل المقدور بان يكون الشرط مجرّد إيجاب البيع على تقدير اقدام الثالث بالشراء أو من اشتراط المركب من المقدور و غيره و يظهر الثمرة فيما لم يرغب ذلك الثالث بشراء المتاع مع تصدّى المشتري الأول لبيعه منه فإنه يحكم بلزوم البيع على الأول و بجوازه على الثاني.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص:

381

[الثاني ان يكون الشرط سائغا]

الثاني ان يكون الشرط سائغا (1).

______________________________

و من هذا القبيل لو اشترط على البائع الكفيل على عهدة المبيع و لم يجدا لبائع الكفيل و لا يبعدان يقال انه يختلف الحال بحسب المقامات و قرائن الأحوال و مع عدم القرائن فهو من اشتراط الأمر الغير المقدور فانّ المركب كالوصف و مرجعه الى اشتراط الخيار و ما عن المصنف من عدم شرط ذلك الّا مع الوثوق بحصوله ضعيف جدا.

(1) يظهر من عنوان الشرط الثاني بقرينة التمثيل انّ الفرق بين هذا الاعتبار و بين اعتبار عدم كون الشرط مخالفا للكتاب و السنة انّ المراد بالمشروط في هذا الشرط الفعل الذي يعدّ عصيانا كفعل الحرام أو ترك الواجب و المراد بالشرط الرابع كون المشروط اعتبارا اى معتبرا يخالف اعتبار الكتاب و السنة كاشتراط كون الأجنبي وارثا يلتزم به في نكاح أو بيع أو غيرهما.

و الحاصل المراد في- المقام ان لا يكون العمل المشروط عصيانا كما إذا اشترط فعل محرم أو ترك واجب و المراد بالشرط- الرابع ان يكون المشروط حكما و اعتبارا يخالف الحكم الشرعي و الاعتبار كما إذا باع المال و شرط ان لا يجوز للمشتري بيع ذلك الكتاب بان لا يكون له حقّ البيع أو تزويج امرأة و شرط لها ان يجوز له التزوج بامرأة أخرى. و استدل (قده) على اعتبار كون الشرط سائغا بموثقة إسحاق بن عمار عن ابى جعفر عن أبيه ان على بن أبي طالب عليه السلام كان يقول من شرط لامرأته شرطا فليف به فانّ المسلمين عند شروطهم الّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما.

و ذكر الإيرواني (قده) أنّه لا مجال للاستدلال على كون الشرط سائغا بالموثقة المزبورة فإن ظاهر تحليل الحرام

و تحريم الحلال كونهما اعتباريين و لو بنحو التشريع لا التحليل أو التحريم عملا فتكون دليلا على الشرط الرابع و استدل هو (قده) على هذا الاعتبار بالإطلاق أو العموم في خطاب وجوب الفعل أو حرمته لا يقال ان العموم أو الإطلاق المزبور يعارض بالعموم من وجه الإطلاق أو العموم في مثل قولهم المسلمون عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 382

..........

______________________________

شروطهم الّا شرطا أحلّ حراما أو حرّم حلالا فإنه يقال بعد تساقطهما يرجع الى استصحاب بقاء حرمة الفعل أو وجوب المشروط تركه.

أقول لو تم ما ذكر من المعارضة بين خطاب حرمة الفعل و وجوب الوفاء بالشرط فلا ينبغي الريب في تقديم الثاني فإنه من بيان الحكم للفعل بالعنوان الثاني أي الشرط كما لا تخفى.

و ذكر النائيني (قده) ان هذا الاعتبار مستدرك لرجوعه الى اشتراط القدرة على الشرط فان المحرم لا يكون مقدورا على المكلف تشريعا فلا يصح شرطه و فيه ان شرط العمل غير المقدور لم يكن صحيحا لأن مثل قوله عليه السلام المؤمن عند شروطهم لم يكن شاملا له لان التكليف بغير المقدور غير صحيح و اما إذا كان العمل المشروط محرّما فعدم شموله للشرط المزبور يحتاج الى بيان انّ الشرط لا يكون من العناوين المغيّرة لحرمة الأفعال أو وجوبها كما لا يخفى.

و ذكر السيد اليزدي (قده) ان هذا الاعتبار يرجع الى اعتبار ان لا يكون الشرط مخالفا للكتاب و السنة حيث انّ المراد بمخالفته للكتاب و السنة مخالفته لهما عملا أو اعتبارا.

و اما التفرقة بين الشرط الثاني و الشرط الرابع الآتي بأنّ المراد بالشرط يختلف فانّ المراد به في المقام نفس الالتزام و المراد به في الشرط الرابع المشروط و

الملتزم به فيعتبر في نفوذ الشرط بان يكون نفس الالتزام جائزا فلا يصح الالتزام بالمحرّم فلا يمكن المساعدة عليه فأنّ الالتزام بالإتيان بالحرام كالالتزام بالإتيان بالمحلل غير متعلق للحرمة سواء كان الالتزام حقيقيا أم إنشائيّا و انّما المتعلق للتحريم نفس العمل كما ذكر تفصيل ذلك في بحث المخالفة الالتزاميّة و على ذلك فلا مورد لكون نفس الالتزام في ضمن معاملة محرّما و على تقديره فلا تقضى ذلك التحريم عدم نفوذه و صحّته فانّ الشرط بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 383

[الثالث ان يكون مما فيه غرض معتدّ به عند العقلاء نوعا]

ان يكون مما فيه غرض معتدّ به عند العقلاء نوعا (1).

______________________________

الالتزام قسم من المعاملة و لا يقتضي النّهي عن معاملة فسادها و قد تقدم ان الإلزام بمعنى الإكراه على عمل يتعلّق به الحرمة و لكنه غير داخل في معنى الشرط بل أمر يترتب على نفوذ الشرط و صحّته فيكون للمشروط له إلزام المشروط عليه بالشرط فتدّبر.

أقول إذا كان العمل المشترط في نفسه محرما أو تركه غير مشروع فلا يصح شرطه و لا يحتاج في إثبات عدم صحّته الى الاستثناء في روايات الباب كما ذكرنا ذلك في الإجارة على عمل محرّم فإنّ الإجارة المزبورة لا تصح و لا يمكن إثبات صحتها بمثل قوله سبحانه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و ذلك فإنّ حرمة المحرّمات لو كانت مرفوعة بالشرط في المعاملة أو بالإجارة و نحو ذلك لكان تحريمهما لغوا حيث يمكن التوصل الى ارتكابه بالشرط في معاملة أو بالإجارة و لا يقاس ذلك بموارد الفرار عن الحرام الى الحلال بالاحتيال في رفع الموضوع فتدبّر.

(1) ذكر (قده) انّه يعتبر في الشرط ان يكون فيه غرض معتد به و مطلوب للعقلاء أو كان فيه غرض للمشروط له

و ان لم يكن معتد به عند العقلاء نوعا و قد مثّل في الدروس بشرط جهل العبد بالعبادات في شرائه فإنه مع عدم معرفتها ربما يكون أكثر فراغا للخدمة لمولاه و قد ذكر جماعة ان اشتراط الكيل بمكيال معين أو بميزان معيّن مع تساويه مع الأفراد المتعارفة من الكيل و الميزان لغو لعدم تعلّق غرض للتعيين المزبور من غير فرق بين بيع السلم و غيره و احتمال اختصاص البطلان ببيع السلم لاحتمال عدم التمكن بالكيل أو الوزن بالكيل أو الميزان المزبورين عند استحقاق المشترى تسلّم المبيع ضعيف.

و قد ذكر في التذكرة ان كل شرط لا يكون فيه غرض للعقلاء و لا يوجب ذلك الشرط زيادة الماليّة في ناحية أحد العوضين يكون لغوا و لا يوجب تخلّفه الخيار و علل المصنف (قده) الحكم بأنّ الشرط المزبور لا يعد حقا للمشروط له حتى يتضرر بعدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 384

..........

______________________________

حصوله فيرتفع لزوم المعاملة بقاعدة نفى الضرر كما ان الشرط المزبور لا يوجب أن يعتنى الشارع به فيوجب الوفاء به فيما لو كان عملا و يكون ترك العمل ظلما فالشرط المزبور يشبه إعطاء المال بإزاء عين لها منفعة لا يعتد بها العقلاء. و لو شك في كون الشرط مما فيه غرض عقلائي أم لا يحمل على الصحة و على هذا الحمل يبتنى ما ذكر العلّامة في مسألة بيع العبد و اشتراط بايعه على المشترى ان لا يأكل إلّا الهريشه و لا يلبس الّا الخز. و لو اشترى العبد و شرط كونه كافرا ففي صحّة الشرط قولان فقيل بصحة الشرط و انّه يثبت للمشتري الخيار مع ظهور إسلامه كما عن العلامة لأنّ كفر العبد

يتعلق به الغرض لتمكن مشتريه على بيعه من الكافر و المسلم بخلاف العبد المسلم فإنّه لا يجوز بيعه من الكافر و ان العبد الكافر يستغرق أوقاته بخدمة مولاه بخلاف المسلم.

و قيل كما عن الشيخ ببطلان الشرط المزبور و انه يحكم بلزوم البيع و لو مع ظهور إسلامه لأن إثبات الخيار في الفرض يوجب ان يحسب إسلام العبد نقصا فيه و كفره مزية و الإسلام يعلو و لا يعلى عليه و لأن في تملّك العبد المسلم غرض أخروي و هي المصاحبة مع المؤمن و الإنفاق عليه و الغرض الدنيوي لا يزاحم الأخروي كما جزم بذلك في الدروس.

أقول قد ذكرنا فيما تقدم ان اشتراط الأوصاف مرجعه الى جعل الخيار على تقدير فقدها و عليه فلو اشترى العبد و جعل لنفسه الخيار على تقدير كونه مسلما و باعه البائع كذلك فلا موجب للحكم بلزوم العقد فانّ اشتراط الخيار مطلقا أو على تقدير صحيح و يتعلق به الغرض من العقلاء و كذا الحال في اشتراط فعل الغير بل فعل نفسه أيضا غاية الأمر لا يثبت التكليف بالإتيان بالعمل المزبور لانصراف ما دل على التكليف عنه و ثبوت الخيار على تقدير عدم الفعل بالاشتراط لا بقاعدة نفى الضرر ليقال ان وجوب البيع في الفرض غير ضرري.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 385

[الرابع ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة]

الرابع ان لا يكون مخالفا للكتاب و السنة (1).

______________________________

لا يقال قد ذكر في محله ان المحكوم بالبطلان من البيع و الإجارة و غيرهما من المعاملات المالية بيع السفيه و إجارته و سائر معاملته الماليّة و اما البيع السفهائى و الإجارة السفهائيّة و كذا غيرهما فيحكم بصحّتها و عليه فالشرط السفهائى لا يختلف عن تلك المعاملات

فإنّه يقال لا يبعد الفرق بين المعاملات و الشرط بأنّ المعاملات فيما إذا كانت سفهية من جانب واحد فلا تكون سفهيّة من الجانب الآخر و بتعبير آخر إذا كان البيع للبائع سفهيّا فلا يكون بالإضافة إلى المشتري كذلك فلا بأس بشمول دليل الحل و اللزوم له بخلاف الشرط فانّ الغرض فيه للمشروط له فقط و إذا كان سفهيّا بالإضافة إليه فلا يكون مشمولا لخطاب وجوب العمل بالشرط كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) انه لو أحرز أن الحكم الوارد في الكتاب و السنة ثابت مع الشرط ايضا فلا ينبغي الريب في بطلان الشرط المزبور لأن مخالفة الكتاب و السنة لا يجوز بحال نعم يحتمل ان يقال ان ثبوت الحكم الوارد فيهما مع الشرط غير محرز لحكومة المؤمنون عند شروطهم على إطلاق الكتاب و السنة أو عمومهما فيختص الحكم الوارد فيهما بغير حال الشرط بل التزم بعض بهذا الاحتمال و بان ما ورد في الروايات من استثناء الشرط المخالف للكتاب عن الشرط النّافذ يحمل على صورة المخالفة بالتباين و يرفع عن إطلاق الاستثناء و عمومه بالإضافة الى غير موارد التباين و غير موارد قيام النص الخاص على جواز الشرط.

أقول توضيح الحال في المقام يحتاج الى التكلم في مدلول اخبار الباب- منها صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انه سئل عن رجل قال لامرأته ان تزوجت عليك أو بت عنك فأنت طالق فقال انّ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله قال من شرط لامرأته شرطا سوى كتاب اللّٰه عز و جل لم يجز ذلك عليه و لا له.

و لا يخفى ان شرط الطلاق بنحو شرط النتيجة محكوم بالبطلان سواء كان شرط

إرشاد الطالب إلى التعليق

على المكاسب، ج 4، ص: 386

..........

______________________________

مطلقا أو معلّقا و هذا الحكم مستفاد من الروايات الواردة في اعتبار صيغة خاصّة في الطلاق مع اعتبار أمور أخرى في المطلقة لكونها في طهر لم يجامعها زوجها فيه مع حضور العدلين حيث ان شرط النتيجة انّما يصح في أمر لا يعتبر في إنشائه سبب خاص على ما تقدم و على ذلك فان كان السؤال في الرواية عن شرط الطلاق بنحو النتيجة في نكاح المرأة كما هو ظاهر الشرط فلا ريب في انّه لا بد من ان يكون المراد من شرط سوى كتاب اللّٰه المشروط الّذي لم يذكر في كتاب اللّٰه أى القرآن و يقيد بما إذا لم يذكر مشروعيّة في السنة أيضا أو ان يراد بكتاب اللّٰه الحكم المكتوب من قبل اللّٰه سبحانه فيعمّ ما ورد في السنة أيضا و لكن الأول انسب لإعطاء الضابطة لصحيح الشرط و فاسده.

و اما ما رواه الشيخ و العلامة من طريق العامة في حكاية بريرة لما اشتراها عائشة و شرط عليها مواليها ولائها ما بال أقوام يشترطون شرطا ليست في كتاب اللّٰه فما كان في شرط ليس في كتاب اللّٰه فهو باطل قضاء اللّٰه أحق و شرطه أوثق و الولاء لمن أعتق فظاهره و ان يقتضي ان يكون المراد بكتاب اللّٰه ما كتب اللّٰه الّا انه لضعف السند لا يمكن الاعتماد عليه مع احتمال ان يراد منه ان المشروط المزبور غير وارد في الكتاب فمن اين يصح لهؤلاء الأقوام الشرط المزبور و لا ينافي ذلك الحكم بصحّته لو كان المشروط واردا في السّنة أخذا بغيره.

منها موثقة إسحاق ابن عمار عن جعفر عن أبيه ان على ابن أبي طالب عليه السلام كان يقول من

شرط لامرأته شرطا فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم الّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما.

و منها صحيحة الحلبي كل شرط خالف كتاب اللّٰه فهو مردود و منها صحيحة عبد اللّٰه ابن سنان عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال سمعته يقول من اشترط شرطا مخالفا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 387

..........

______________________________

لكتاب اللّٰه فلا يجوز له و لا يجوز على الذي اشترط عليه. و المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب اللّٰه و في صحيحة الأخرى عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال المسلمون عند شروطهم الّا كل شرط خالف كتاب اللّٰه عز و جل فلا يجوز.

و منها صحيحة محمد بن قيس على رواية الشيخ (قده) عن ابى جعفر عليه السلام قال قضى على عليه السلام في رجل تزوج امرأة و أصدقها و اشترطت ان بيدها الجماع و الطلاق قال خالفت السنة و واليت الحق من ليس بأهله قال فقضى انّ على الرّجل النفقة و بيده الجماع و الطلاق و ذلك السنة.

و رواية إبراهيم بن محرز قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام رجل قال لامرأته أمرك بيدك قال عليه السلام انى يكون هذا و قد قال اللّٰه الرجال قوامون على النساء. و في تفسير العياشي عن ابن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة تزوّجها رجل و شرط عليها و على أهلها ان تزوج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فإنها طالق فقال شرط اللّٰه قبل شرطكم ان شاء و في بشرطه و ان شاء أمسك امرأته و نكح عليها و تسرى عليها و هجرها إن أتت بسبيل ذلك قال اللّٰه

تعالى في كتابه فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ و قال أحل لكم ما ملكت ايمانكم و قال وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ و رواه الشيخ بسند موثّق الى قوله عليه السلام و نكح عليها.

ذكر المصنف (قده) ان المراد بالكتاب في بعض الروايات الظاهرة في بطلان الشرط المخالف له هو ما كتب اللّٰه على عباده من الأحكام سواء ذكر في القرآن أم لا بان كان ذلك الحكم مستفادا من النص و نحوه.

ثم ذكر انّ ما دل على اعتبار موافقة الكتاب في نفوذ الشرط و صحته يحمل على عدم كونه مخالفا له بناء على ان ما لم يكن مخالفا له موافق لبعض الإطلاق و العموم في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 388

ثم ان المتصف بمخالفة الكتاب (1).

______________________________

بعض الآيات من قوله سبحانه أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ* و خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

أقول قد تقدم انّ حمل الكتاب في روايات الباب على حكم اللّٰه على عباده بعيد غايته فإنّه مع كونه خلاف ظاهر كتاب اللّٰه لا يناسب جعل الضابطة للشرط الفاسد و ايضا الوجه في حمل الموافق للكتاب على عدم كون الشرط مخالفا له هو انّه لو اعتبر الموافقة بنفسها لكان ذكر عدم المخالفة في الروايات المتعدّدة بلا وجه و لزم ان لا يكون الحكم مناسبا لإعطاء الضابطة فإنّ أكثر الشروط لا يستفاد موافقتها للكتاب و دعوى انها موافقة لبواطنه لا يمكن المساعدة عليها فإنّ الإحالة على بواطن الكتاب لا يناسب لإعطاء الظابطة بل يناسبها ظواهر الكتاب كما لا يخفى ثم ان الجمع بين كون المراد بكتاب اللّٰه مطلق ما كتب اللّٰه و بين كون المراد من

الموافقة عدم المخالفة للقرآن المجيد متهافت.

(1) ذكر (قده) ان الشرط بمعنى المشروط فيما إذا كان من الاعتباريات كثبوت الإرث للأجنبي أو كون الطلاق بيد المرأة و نحو ذلك يكون مخالفته للكتاب أو السنة ظاهرة و امّا إذا كان الشرط بمعناه المصدري أي الالتزام فقد يدعى ان الالتزام بفعل الحرام و ترك المباح ايضا مخالف للكتاب و السنة فان ترك المباح و ان لم يكن فيه محذور الّا ان الالتزام بتركه فيه محذور بل الالتزام بترك المباح و ان قيل لا محذور فيه أصلا الّا انّ الالتزام بفعل الحرام فيه محذور المخالفة للكتاب و السنّة.

و يشهد لكون الالتزام بترك ما رخص فيه الشارع مخالفة للكتاب و السنة رواية العيّاشي المتقدمة الّتي رواها الشيخ بسند موثق على ما تقدم فانّ المذكور في النكاح في الروايتين الالتزام بترك المباح و التوجيه بما يأتي ضعيف بان يراد من المذكورات فيهما عدم الحق له في ارتكاب تلك المباحات فيكون المشروط مخالفا لما دل على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 389

..........

______________________________

إباحتها.

ثم ذكر (قده) ان موثقة إسحاق ابن عمار المتقدمة ايضا ظاهرة في عدم جواز الالتزام بترك المباح أو فعل الحرام فانّ قوله عليه السلام فيها الّا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما مقتضاه أنّ الإحلال و التحريم فعل الشارط لأنه باشتراطه يمنع عن الحلال و يرخص في الحرام و أوضح من ذلك كلّه المرسل المروي في الغنية الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع عنه كتاب أو سنّة فأنّ الالتزام بارتكاب الحرام يمنع عنه الكتاب و السنّة انتهى.

أقول لا يمنع الكتاب و السنة عن الالتزام بفعل الحرام منعا تكليفيا بل يمنعان عن نفس ارتكاب الحرام و معه

لا يمكن ان يعمّه المؤمنون عند شروطهم، و بتعبير آخر المشروط فيما كان من الاعتباريات و كان مخالفا لاعتبار الشارع و حكمه يكون محكوما بالبطلان و هذا هو المقطوع من مخالف الكتاب و السنة فأنّ مدلولهما الحكم و اما إذا كان المشروط هو ترك المباح أو فعل الحرام فيكون المشروط فيما إذا كان محرما مخالفا للكتاب أو السنّة عملا و اما إذا كان مباحا فلا يخالف الكتاب أو السنة حتى عملا و هذا ظاهر و ما عن المصنف (ره) من المحذور في الالتزام بفعل الحرام أو المباح قد تقدّم ما فيه و انه لا محذور في الالتزام القلبي أو المعاملي و لا يعاقب الملتزم بعقاب فيما إذا لم يرتكب الحرام كما لا يخفى.

و امّا الاستدلال على عدم جواز الالتزام بمثل رواية العياشي ففيه ان المراد بشرط اللّٰه فيه حكمه و قد أطلق عليه الشرط للمقابلة و المراد بحكم اللّٰه عدم صحّة الطلاق بغير الوجه المعتبر و ليس الشرط المزبور الوجه المعتبر و كذا الحلف عليه فإنّه أيضا باطل لأنّه أيضا من شرط اللّٰه قبل الحالف و بتعبير آخر لو كانت الرواية واردة في شرط ترك التزويج بالمرأة الأخرى و مع ذلك ذكر سلام اللّٰه عليه بعدم وجوب الوفاء لكان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 390

..........

______________________________

للاستدلال المزبور وجه و لكن الرواية واردة في شرط الطلاق بنحو النتيجة أو الحلف عليه و في كل منهما لا يكون ترك التزويج بامرأة أخرى بنفسه شرطا و بظهور الفرق بين المقامين يظهر الفرق بين مدلولها و مدلول صحيحة منصور بن برزخ عن عبد صالح عليه السلام قال قلت له انّ رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم

طلّقها فبانت منه فأراد أن يراجعها فأبت عليه الّا ان يجعل للّٰه عليه ان لا يطلّقها و لا يتزوّج عليها فأعطاها ذلك ثم بدا له في التزويج بعد ذلك فكيف يصنع فقال بئس ما صنع و ما كان يدريه ما يقع في قلبه بالليل و النهار قل له فليف للمرأة بشرطها فأن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، قال المؤمنون عند شروطهم.

نعم ما في ذيل رواية العياشي من الاستشهاد على بطلان الشرط بأنّ الكتاب قد أباح الشرط أى ارتكاب المشروط لا يناسب الحمل المذكور و لكن ليس الذيل في موثقة محمد بن قيس و رواية العياشي ضعيفة سندا كما تقدم مع احتمال كون الاستشهاد فيها جدليّا و ما ذكر (قده) من دلالة موثقة إسحاق بن عمار على فساد الشرط فيما تعلق بفعل الحرام أو ترك المباح حيث انّ الشرط مع تعلّقه بأحدهما يكون محللا للحرام أو محرما للحلال فالشارط بشرطه يرخص في ارتكاب الحرام أو يمنع عن ارتكاب المباح لا يمكن المساعدة عليه فانّ الشرط كما تقدم هو أخذ الالتزام أو إعطائه و الأخذ يكون من المشروط له المعبر عنه بالشارط و الإعطاء من المشروط عليه و إذا فرض تعلق الشرط بفعل الحرام أو ترك المباح فلا يكون نفس الالتزام أخذا أو إعطاء محللا للحرام الّا من حيث العمل.

و يمكن ان يدعى ظهور الموثقة فيما كان الشرط محللا و محرما من حيث البناء و الحكم بان يلتزم المشروط عليه ان لا يجوز له التزوج بامرأة أخرى أو لا يحرم عليه شرب الخمر فلا يمكن مع هذا الاحتمال التمسك بها على بطلان الشرط فيما إذا تعلق بفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص:

391

..........

______________________________

الحرام أو ترك المباح و ما في صدر الرواية من قوله عليه السلام من شرط لامرأته شرطا فليف به لو لم يكن انسب مع هذا الاحتمال فلا ينبغي الريب في انّه لا تنافيه.

لا يقال يمكن دعوى عموم الموثقة لكلا الفرضين بان يستفاد منها بطلان الشرط فيما إذا كان الملتزم به عدم ممنوعيّة ما هو حرام شرعا أو ممنوعية الحلال شرعا و ما كان الملتزم به نفس فعل الحرام أو ترك المباح ففي الأوّل يكون المشروط محللا و محرما من حيث البناء و الحكم و في الثاني يكون محلّلا عملا و محرما كذلك كما لا يخفى.

أقول شرط ترك المباح لا يكون محرما للحلال لا من جهة الشرط بمعنى الالتزام فانّ الالتزام بترك المباح لا ينافي إباحته نظير ما تقدم من عدم مخالفته للكتاب و السنة و لا من جهة الشرط بمعنى الملتزم به فان ترك المباح لا يكون تحريما عملا فانّ المباح يجوز فعله و تركه.

نعم في شرط الحرام يكون المشروط أى ارتكاب الحرام محلّلا للحرام من حيث العمل كما انه يخالف الكتاب كذلك و احتمال ان يكون المراد من كون الشرط محلّلا و محرّما كونه كذلك بلحاظ حكمه أي وجوب الوفاء به فيعم الاستثناء شرط ترك المباح ايضا ضعيف لظهور الموثقة في كون الشرط في نفسه محلّلا للحرام أو محرّما للحلال لا بلحاظ وجوب الوفاء به.

و الحاصل انّ غاية ما يستفاد من هذه الموثقة ما استفدناه من الاستثناء في الأخبار الواردة في وجوب الوفاء بالشرط الّا ما خالف الكتاب أو السنة من ان الالتزام بالفعل الحرام يدخل في الاستثناء لكون فعل الحرام مخالفا للكتاب أو السنة عملا فيكون ارتكابه من تحليل الحرام عملا.

و ما

ذكر المصنف (ره) من ان الالتزام بفعل الحرام أو الالتزام بترك المباح في نفسها مخالف للكتاب و السنة فيعم الاستثناء كلّا من المشروط و المعتبر المخالف

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 392

ثم المراد بحكم الكتاب و السنة الذي يعتبر عدم مخالفة المشروط أو نفس الاشتراط له (1).

______________________________

للحكم المذكور في الكتاب و السنة و الالتزام بفعل الحرام و ترك المباح لا يمكن المساعدة عليه فإنه قد تقدم عدم المانع في مجرد التزام فعل الحرام غير كونه نوعا من التجري فضلا عن الالتزام بترك المباح و ثانيا انه مع الإغماض عما ذكر أولا يكون المخالف للكتاب و السنة في شرط ترك المباح أو فعل الحرام نفس الشرط بمعنى الالتزام و في موارد كون المشروط مخالفا لهما يراد من الشرط المشروط واردة الشرط و المشروط معا من الاستثناء استعمال اللّفظ في معناه الحقيقي و المجازي و لو أمكن هذا الاستعمال فلا ريب في انّه خلاف الظّاهر فلا يصار اليه بلا قرينة.

(1) و توضيح المقام انه (قده) بعد ما التزم بأنّ الشرط المخالف للكتاب و السنة المحكوم بالبطلان يعم الالتزام بفعل الحرام و الالتزام بترك المباح فيشكل الأمر بأن غالب الشروط المتعارفة في قبيل الالتزام بترك المباح أو فعله و إذا فرض كون هذا الشرط باطلا فلا يبقى للالتزام بالعمل مورد الا شرط فعل الواجب أو ترك الحرام و تصدى لدفع الإشكال بأن مجرد شرط ترك المباح أو فعله بل فعل الحرام لا يكون مخالفا للكتاب و السنّة بل تتحقق مخالفة الشرط لهما فيما إذا لم يكن الحرمة أو الإباحة الثابتة للفعل اقتضائية بحيث يمكن انتفائهما بطرو عنوان على الفعل و امّا إذا كان الحكم

اقتضائيّا كذلك بحيث لم يكن لخطاب حرمة الفعل أو إباحته دلالة الّا على الحكم لنفس الفعل مع قطع النظر عن طرو عنوان فلا بأس بالحكم بصحّة الشرط المزبور فانّ الالتزام بوجوبه في الفرض لا ينافي الكتاب.

و قال (قده) ان الخطابات الواردة في إباحة الأشياء و المباحات الشامل للمستحبّات و المكروهات من هذا القبيل و انّ الحكم فيها بإباحة الفعل من حيث ذات الفعل فلا ينافي طرو عنوان يوجب المنع عن الفعل أو الترك كما في خطاب حلية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 393

..........

______________________________

أكل اللحم فإنّه لا تنافي مع الحرمة الثابتة له بالحلف أو أمر الوالد بتركه أو عروض الوجوب له بعنوان كونه مقدّمة الواجب أو تعلّق النذر به، و انّ الخطابات الواردة في الواجبات و المحرّمات من قبيل الحكم المطلق بحيث لا يتغير الّا بالعناوين الرافعة للتكاليف كالاضطرار الى الارتكاب أو الحرج أو الضرر و على ذلك فلو اشترطا في المعاملة ارتكاب محرم فيحكم ببطلانه لأنّ الالتزام بارتكابه مخالف للكتاب و السنة و لو ورد حليته بعنوان آخر فيلاحظ الراجح من الخطابين فيؤخذ به كان ترجيحه بمرجح داخلي أو خارجي الأول ككون الخبر الدال على أحدهما أظهر و الثاني ككون مدلوله موافقا للمشهور.

ثم أورد (قده) على ما ذكره من عدم البأس باشتراط ترك المباح لأن خطابات المباحات ظاهرة في الإباحة الاقتضائيّة بأنّ مقتضى بعض الأخبار المتقدمة الحكم ببطلان شرط ترك المباح مع انّ خطابه ايضا كخطاب سائر المباحات اقتضائية كاشتراط ترك التزوج بامرأة أخرى أو عدم اتخاذ السريّة و نحوهما.

و أجاب عن الإيراد بوجهين الأوّل انه يعلم من الرواية المتقدّمة ان الإباحة في التزوج بامرأة أخرى أو اتخاذ السريّة مطلقة و

ان كانت في انظارنا كإباحة أكل اللّحم و التمر و غيرهما مما تتغيّر إباحتها بالعناوين الثانية و هذا الوجه لا يناسب الاستشهاد لبطلان الشرط المزبور بأن إباحة التزوج بامرأة أخرى مذكورة في الكتاب كما لا يخفى. و الوجه الثاني انّ الطلاق المعلق على مثل هذه الأفعال باطل و انّ هذه الأفعال لا توجيه لا ان في شرط مجرّد ترك التزوج بامرأة اخرى محذورا بل لا بأس بشرطه كما يفصح عن ذلك صحيحة منصور بن برزخ المتقدّمة.

أقول في ما افاده موارد للنظر منها ما ذكره من ان خطابات المباحات كلّها اقتضائية و ظاهرة في ثبوت الحلية لها في نفسها و لا دلالة لها على ثبوتها لها عند طروّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 394

..........

______________________________

عناوين آخر عليها فان الالتزام بذلك يوجب ان لا يصح لنا التمسك بإطلاق تلك الخطابات عند الشك في ثبوت الحلية للفعلى مع طروّ عنوان يحتمل كونه مغيّرا لإباحته.

و قد ذكرنا سابقا ان مقتضى السيرة العقلائيّة في الخطاب المتضمن لحكم على موضوع كون المتكلم في مقام البيان من جهة قيود الموضوع و المتعلق و نفس الحكم فيرفع اليد عن ذلك بقيام قرينة معتبرة انه في مقام بيان الحكم من جهة دون الأخرى كما في خطاب تجويز الأكل من صيد أمسكه الكلب المعلّم فإنّه قد ذكر في محله انّه في مقام تجويز الأكل من حيث عدم كونه ميتة فلا يقتضي عدم وجوب تطهير موضع العقر.

نعم إذا ورد في مقابل خطاب حلية فعل حرمته أو وجوبه بعنوان ثانوي يقدم الخطاب الثاني على الأوّل حيث انّ الخطاب المتضمن للحكم بالعنوان الثانوي قرينة عرفيّة على تقييد الحكم في الخطاب الأوّل و هذا يجري في

غير خطابات المباحات أيضا غاية الأمران الخطابات المتكفلة للأحكام بالعناوين الثانوية مقيدة في نوعها بقيود تمنع عن حكومتها بالإضافة إلى خطابات المحرمات نظير ما ورد في عدم الطاعة لمخلوق في معصية الخالق المانعة من حكومة خطاب وجوب طاعة الوالدين على خطابات التحريم أو الواجبات فيما إذا أمرا بارتكاب الحرام أو ترك الواجب و ما دل على عدم انعقاد الحلف فيما إذا كان المحلوف عليه مرجوحا فأنّ مقتضى إطلاق خطاب التحريم عدم انعقاد الحلف على ارتكاب الحرام أو ترك الواجب الى غير ذلك و هذا ايضا هو الوجه في عدم حكومة دليل نفوذ الشرط على خطابات المحرمات فإنّه قد أخذ في خطاب نفوذ الشرط عدم كون المشروط مخالفا للكتاب و السنّة و هذا المخالفة لا يتحقّق في ترك المباح أو فعله و لكنّها متحقّقة في شرط ارتكاب الحرام كما تقدم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 395

ثم انه لا اشكال فيما ذكرنا من انقسام الحكم الشرعي (1).

______________________________

(1) و حاصله أنه قد تقدم ثبوت الحكم لموضوع بأحد النحوين من كونه بنحو الاقتضاء و الحيثيّة و كونه حكما فعليّا مطلقا بحيث لا يقبل التغيّر بعروض عناوين آخر غير ما أشرنا اليه و عليه فلا إشكال في حكم الشرط فيما إذا أحرز حال الحكم و لكن يقع الإشكال في تمييز حال الحكم في بعض الموارد كما إذا شرط مولى الأمة في تزويجها من حرّ كون ولدها رقّا له في عقد الزواج فهل الحكم بكون الولد يتبع أشرف أبويه حكم اقتضائي لا ينافيه الاشتراط المزبور أو انّه حكم فعلى لا يتغيّر بالشرط و كشرط التوارث في عقد المتعة فإنّه ذكر جماعة بصحة اشتراط التوارث في عقد المتعة فيقع

الكلام في ان عدم ثبوت التوارث في غير النكاح الدائم حكم اقتضائي أو انّه حكم فعلى مع ان المتسالم عليه عندهم عدم صحّة شرط التوارث في غير عقد النكاح بل في غير الزّوج و الزّوجة مطلقا فلا بد من كون عدم التوارث في غير النكاح الدائم حكما فعليّا من جهة و اقتضائيّا من جهة أخرى.

و ربّما يقال في مثل هذه الموارد ان الشرط فيها غير مخالف للكتاب و السنّة أو انّ الشرط المخالف للكتاب محكوم بالبطلان إلّا في مثل هذه الموارد و لكن كون الأوّل أي الشرط فيها غير مخالف للكتاب يحتاج إلى التأمل و امّا الثاني هو بطلان الشرط المخالف إلّا في هذا الموارد ضعيف كما تقدم في أوّل هذا الشرط في قوله و التزم بعض بورود التخصيص على الاستثناء في قولهم المؤمنون عند شروطهم الّا ما خالف الكتاب.

و نظير ما ذكر اشتراط الضمان في العين المستعارة فإنّهم اتفقوا على جوازه و لكن المشهور على عدم صحة شرط الضمان في العين المستأجرة فيقع الكلام في ان عدم ضمان الأمين لو كان حكما اقتضائيّا لصح الاشتراط في كلا الموردين و ان كان حكما فعليّا لا يتغير فكيف يصح في العارية و نظير ذلك شرط الزوجة على الزّوج ان لا يخرجها الى بلد آخر فإنّهم و ان اختلفوا في جواز هذا الاشتراط الّا انّ المشهور على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 396

..........

______________________________

جوازه و ذكر بعض بطلانه لان هذا الشرط مخالف لوجوب طاعة الزوجة لزوجها و ان اختيار المسكن بيده لا بيدها و أورد بعض المجوزّين لهذا الاشتراط على الاستدلال على المنع بما ذكر من جريان دليل المنع في اشتراط جميع الشروط السائغة

لأن الشرط ملزم لما كان غير لازم قبل ذلك.

ثم ذكره (قده) انه على الفقيه ملاحظة الخطابات و الأحكام الواردة فيها بأنّها مما يتغيّر بالعناوين الطارية بمعنى كونها اقتضائيّة أو انها مطلقة و لو أحرز إحداهما فهو و الّا فيمكن البناء على كونها اقتضائية باستصحاب عدم كون الشرط مخالفا للكتاب و هذا الأصل يرجع اليه فيما إذا لم يكن لخطاب الحكم إطلاق كما في أكثر خطابات الترخيص و السلطنة فإن ظاهرها سوقها في مقام بيان حكم الشي ء بحيث لا ينافيه ملزم شرعي آخر كالنذر و الشرط و اما ما كان ظاهره العموم كما إذا كان الخطاب حكما منعيّا أو يتضمن المنع كقوله ولد الحر لا يملك فلا يجرى فيه هذا الأصل.

أقول قد تقدم في أوّل عنوان الشرط الرابع انّ الشرط المخالف للكتاب اى الحكم الواقعي الثابت في مورد الشرط لا يمكن ان يكون صحيحا و اما إذا كان المشروط مخالفا لإطلاق الكتاب أو عمومه و كذا مع إطلاق السنة و عمومها فلا بأس بقيام دليل خاص على صحّة ذلك الشرط و يكون الدليل الخاص مقيّدا للاستثناء في قولهم المسلمون عند شروطهم الّا فيما خالف الكتاب و السنة و نظير الدليل الخاص ما إذا كان المشروط مخالفا للحكم الوارد في الكتاب و السنّة و لكن ثبت انّ المذكور في الكتاب أو السنة من قبيل الحقّ القابل للإسقاط كاشتراط الخيار مع لزوم المعاملة بدونه و مثله اشتراط سقوط وجوب الوطي عنه في أربعة أشهر و نحوهما و لا يخفى انّه يمكن كون المعتبر من قبيل الحكم في مورد و من قبيل الحق في مورد آخر مثلا لا يصح شرط الضمان على الودعي و يصح على المستعير.

إرشاد الطالب إلى

التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 397

و مرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم ثبوت هذا الحكم (1).

ثم ان بعض مشايخنا المعاصرين بعد ما خصّ (2).

______________________________

(1) أقول ما ذكر (قده) من الرجوع الى أصالة عدم كون الشرط مخالفا للكتاب فلا بد في تقريرها على تقدير كون المراد بالكتاب الحكم الشرعي الواقعي من ان المشروط لم يكن مخالفا للكتاب و لو قبل جعل الكتاب و الحكم الشرعي و الآن كما كان و اما تقريبها بان المشروط لم يكن مخالفا للكتاب قبل الاشتراط و بعد الاشتراط ايضا كما كان فغير صحيح لأن مخالفة المشروط لا نتوقف على فعليّة الاشتراط بل المشروط يتصف بها بفرض الاشتراط كما لا يخفى. و لو أريد بالكتاب ظواهر آيات الأحكام و من السنّة ظواهر الأخبار فلا يبقى مورد بشك فيه في مخالفة المشروط لهما بل يحرز المخالفة أو عدمها بالوجدان دائما و بتعبير آخر استصحاب نفى المخالفة و بأنّ الشرط لم يكن يخالف الكتاب لا يدخل في الاستصحاب العدم الأزلي كما لا يخفى.

نعم في موثقة إسحاق بن عمار المؤمنون عند شروطهم الّا شرطا أحلّ الحرام أو حرّم الحلال. و عليه فإذا شكّ في حلية فعل أو حرمته تكليفا فيكون اشتراط ارتكابه من الشك في تحليل الحرام و لو عملا كما تقدم و هكذا اشتراط الترك فيما إذا كان احتمال وجوبه و لكن لا بأس بالرّجوع إلى أصالة الحلية أو البراءة و مع الرجوع إليهما يحرز عدم كون اشتراط محلّلا للحرام بل يمكن إحراز ذلك باستصحاب عدم جعل الحرمة أو الوجوب لذلك الفعل و تقدم سابقا ايضا ان في الشك في حلية شي ء وضعا كما إذا كان من قبيل المعاملة يكون الأمر بالعكس فمع

عدم إحراز مشروعيّتها يكون الأصل عدم إمضائها فيثبت كون المشروط محلّلا للحرام كما لا يخفى.

(2) قد خصّ النراقي (قده) الشرط المخالف للكتاب و السنة و المحلّل للحرام و المحرم للحلال بما كان المشروط أمرا اعتباريّا مخالفا للمعتبر في الكتاب و السنة لأنّ كلا من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 398

..........

______________________________

الكتاب و السنة حكم يدخل في الأمر الاعتباري تكليفا أو وضعا و بتعبير آخر شرط ارتكاب المباح أو تركه أو ارتكاب الحرام و تركه أو فعل الواجب و تركه كل ذلك من الشرط الخارج عن الأمر الاعتباري و ربّما يكون مقتضى عموم المؤمنون عند شروطهم فيها مخالفا لما دل على حرمة الفعل فيرجع الى المرجح في ترجيح أحد المتعارضين كما في شرط شرب الخمر فإنّ الإجماع على حرمته مطلقا مرجّح للتحريم و مع عدمه يحكم بمقتضى القواعد و الأصول و أورد المصنف على ذلك بأنّ مقتضى الرّجوع الى الأصول مع فقد المرجّح هو الحكم بعدم وجوب الوفاء بالشرط فيما كان المشروط أمرا قد ورد في خطاب الشرع إباحته فلا يحكم بالصّحة و نفوذ الشرط فيه مع كون المشروط أمرا مباحا بعنوانه الأولى و إذا كان المشروط فعلا محرما أو ترك واجب فلازم الرجوع الى الأصل و استصحاب بقاء الحرمة بعد اشتراط الفعل أو بقاء الوجوب بعده هو الحكم بفساد الشرط.

أقول قد تقدم أنّه لو فرض المعارضة بين خطاب وجوب الوفاء بالشرط و ما دل على حرمة الفعل أو إباحته فإنّه لا ينبغي الريب في تقديم ما دلّ على الحكم بعنوانه الثانوي و لا تصل النوبة إلى ملاحظة المرجح و الرجوع الى الأصول و لكن قد تقدّم ان هذا التقدّم بالإضافة الى ما

ذلّ على اباحة الشي ء و اما خطابات المحرّمات فقد تقدم ان خطاب الوفاء بالشرط لو كان مقدّما عليها لكان تحريم تلك المحرمات كاللغو حيث يمكن التوصل الى ارتكاب الحرام باشتراطه في ضمن معاملة.

ثم انه إذا شك في شرط فعل نحتمل حرمته في نفسه فيحكم على ما ذكر النراقي (ره) بوجوبه بالشرط أخذا بعموم قوله عليه السلام المسلمون عند شروطهم من غير حاجة الى الرجوع باستصحاب عدم جعل الحرمة له في نفسه بل ربما يتوهم انّه يحكم مع وجوب الوفاء بالشرط بإباحة ذلك الفعل في نفسه بدعوى أنّ إباحته في نفسه من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 399

فقال و لو جعل هذا الشرط من أقسام الشرط المخالف (1).

يظهر لك معنى قوله (ع) في رواية إسحاق ابن عمّار المتقدّمة (2).

______________________________

لازم وجوب الوفاء به مع الشرط و إثبات اللازم بالأصل اللفظي لا بأس به.

و فيه انّه لم يثبت كون إباحته في نفسه لازما لإمكان أن يختصّ حرمة فعل بغير صورة اشتراطه و ما تقدم من عدم إمكان اختصاص الحرمة في المحرمات بغير صورة الاشتراط راجع الى عامّة المحرّمات و اما كون الأمر في محرم كذلك فلا نمنعه هذا مع ان الدّليل على اعتبار الأصول اللفظيّة إلى الظهورات السيرة العقلائيّة و لم يحرز انّ السيرة جاريّة على اعتبار الظهور في مثل المورد.

(1) يعنى لو جعل شرط ارتكاب الحرام شرطا مخالفا للكتاب و السنة لم يكن بعيدا.

أقول لا بد من ان يراد بالشرط المشروط اى شرب الخمر مثلا فإنّه مخالف للكتاب عملا و اما لو جعل نفس الالتزام بشرب الخمر مخالفا للكتاب ففيه ما تقدم من أنّ الالتزام قلبا أو معاملة لا يدخل في متعلّق التحريم

في الكتاب أضف الى ذلك انّ ارادة المشروط من الشرط فيما إذا كان المشروط أمرا اعتباريا يخالف الكتاب و ارادة نفس الالتزام فيما كان الالتزام بارتكاب الحرام من الجمع بين ارادة المعنى و المجازي من اللفظ اللّهمّ الّا ان إيراد من الشرط معناه المصدري فقط و يراد من مخالفته الكتاب و السنّة الأعم من ان يكون الوصف أي المخالفة من قبيل الوصف بحال نفسه أو حال متعلّقه فتدّبر.

(2) أقول قد تقدم ان شرط ارتكاب الحرام يكون تحليلا للحرام عملا و لا يبعدان يكون المراد من الشرط المحلل للحرام المشروط المحلل للحرام اعتباريا كما إذا زوّج المرأة نفسها من رجل على ان يكون له الحق في ترك طاعته و المشروط المحلل له عملا كما في فرض شرط ارتكاب الحرام و امّا الشرط المحرم للحلال فينحصر بما إذا كان المشروط تحريما للحلال اعتبارا كما إذا زوّجت نفسها منه على ان لا يحق للزوج طلاقها و اما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 400

..........

______________________________

تحريم الحلال عملا فهذا غير متحقّق في الالتزام بترك الحلال لأنّ الحلال يجوز فعله و تركه سواء كان اختيار الترك في زمان أو إلى الأبد.

و عن السيد اليزدي (قده) الالتزام بترك المباح إلى الأبد تحريم الحلال و لذا ورد في بعض الروايات انّ الالتزام بترك شرب العصير بالحلف عليه لا ينعقد لأن هذا الحلف محرّم للحلال.

و في خبر العياشي عن عبد اللّٰه ابن سنان قال سألته عن رجل قال امرأته طالق و مماليكه أحرار إن شربت حلالا و لا حراما قط فقال اما الحرام فلا تقربه ان حلف أو لم يحلف و اما الحلال فلا يتركه فإنه ليس لك ان تحرّم ما

أحل اللّٰه ان اللّٰه يقول لا تحرموا طيبات ما أحل اللّٰه لكم.

و فيه ان الرّواية ضعيفة سندا و دلالة فإن الحلف بالطلاق باطل عندنا و عبّر الامام عليه السلام عن بطلانه بما ذكر جدلا.

و الحاصل لا نعلم انّ الالتزام بترك المباح في زمان أو دائما مخالفا للكتاب أو السنة أو محرّما للحلال و لذا أفتى الأصحاب بأنّه يصح الحلف على فعل المباح أو تركه فيما إذا كان المباح مما يساوى طرفاه من غير ان يكون في أحدهما مرجح شرعا أو من حيث الفائدة الدنيوية.

لا يقال قد ورد في بعض الروايات المعتبرة كمعتبرة عبد اللّٰه ابن سنان عدم جواز اليمين في تحليل الحرام أو تحريم الحلال قال سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول لا تجوز اليمين في تحليل حرام و لا تحريم حلال و لا قطيعة الرحم. و من الظاهر ان المتعارف في الحلف هو الحلف على الفعل أو الترك فلا بد من ان يكون الحلف على ارتكاب الحرام من اليمين في تحليل الحرام و الحلف على ترك المباح دائما من الحلف في تحريم الحلال. فإنه يقال المتعارف في الحلف على ترك المباح أو فعله الحلف على تركه أو فعله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 401

و ربما يتخيّل انّ هذا الاشكال (1).

و ربّما قيل في توجيه الرّواية (2).

______________________________

في زمان أو حال و الحلف على تركه أو فعله إلى الأبد و الحلف على عدم الحق له في ارتكابه أو تركه و الحلف المحرّم للحلال هو القسم الأخير كما لا يخفى.

(1) و حاصله ان الإباحة التكليفة المترتّبة على موضوعها و ان لا تحرز أنها تتغيّر بالعنوان الثانوي الّا انه إذا كانت الإباحة ترتّبها

على الحكم الوضعي فلا تتغيّر بالعنوان الثانوي و لذا قيل ان من الصلح المحرم للحلال المصالحة بان لا ينتفع بماله أو لا يطاء جاريته و بتعبير آخر بعض اثر الملك و ان يتغيّر بالعنوان الثانوي و كذا بعض آثار الزّوجة و لذا لا يجوز سكنى المشترى في المبيع مع اشتراط إسكان البائع فيه في تلك المدة و كذا لا يجوز له إسكان زوجته في بلد اشترط في عقد الزواج أو غيره عدم إخراج الزوج اليه أو وطيها فيما إذا اشترط كما ذكر عدم وطيها كما في الرواية. إلّا ان اباحة التصرف لا ترتفع مطلقا عن الملك و اباحة الاستمتاع عن الزّوجيّة.

و أجاب (قده) بأنّ هذا الجواب ايضا غير منضبط فإنّه كما انّ بعض الأحكام التكليفة المترتبة على الحكم الوضع يتغيّر بان لا يجوز بعض التصرف المترتب على الملك أو الزّوجيّة كما ذكر كذا يمكن ان يرتفع مطلق التصرف المترتب على الملك و مطلق الاستمتاع المترتب على الزوجية بالشرط.

و دعوى عدم الارتفاع في الثاني أمّا للإجماع أو لمجرد الاستبعاد كما ترى فان الاستبعاد لا يعتمد عليه و الاعتماد على الأوّل يوجب ما تقدم من عدم الفائدة في ضابطة كون الشرط محرّما للحلال.

(2) و حاصله ان الشرط المحلل للحرام أو المحرم للحلال بمعنى انه على تقدير الحكم بوجوب الوفاء به يكون محللا للحرام و محرّما للحلال و لكن هذا خلاف ظاهر الرواية فإن ظاهرها استناد التحريم و التحليل الى الشرط لا الى حكمه مع انه يلزم ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 402

..........

______________________________

لا يصح شرط عدم الطلاق و ترك التزوج بامرأة اخرى و بتعبير آخر يلزم انحصار شرط الفعل باشتراط ترك الحرام و

فعل الواجب فتعين ان يكون المراد محلّلية نفس الشرط أو محرّميته و هذا لا يتحقّق الّا بكون المشروط حلية الحرام أو ممنوعية الحلال.

لا يقال لا ينحصر التحقق بما ذكر فإنّه لو اشترط ترك التزوّج بامرأة أخرى يكون المطلوب للمشروط له ترك التزوّج و انّه لا يرضى بالتزوج فيصدق ان الشرط محرم للحلال فإنه يقال المراد في تحريم الحلال جعل الحلال محرّما شرعا و هذا لا يحصل باشتراط ترك التزوج و بتعبير آخر عدم رضاء المشترط غير عدم رضا الشارع.

لا يقال لا يوجد مورد يكون نفس الشرط فيه محلّلا شرعا للشي ء الحرام أو محرما كذلك و انما يكون محلّلا و محرّما بلحاظ وجوب الوفاء من الشارع فإنّه يقال ان كان المراد ان نفس الشرط لا يكون محلّلا و محرّما بالنظر الى نفس الشرط فقد تقدم ان الشرط اى مقتضاه ذلك أي بأن كان الحرام الشرعي أو حلاله محللا شرعا أو محرما كذلك بنفس الاشتراط.

و بتعبير آخر الشرط كالنذر و اليمين و العهد فإنه كما إذا أنذر ان لا يأكل المال المشتبه ينعقد و لكن إذا أنذر ان لا يحلّ له المال المشتبه يحكم ببطلانه كذلك في شرط ترك الحلال و شرط ان لا تحل له ذلك الفعل انتهى و أجاب المصنف (ره) عن التوجيه بأن اشتراط ان يكون الحرام الشرعي حلالا شرعا أو الحلال الشرعي حراما شرعا من فعل للشارع و غير مقدور للمشترط العاقل و لا يمكن ان يقال بان الاستثناء في موثقة إسحاق بن عمار ناظر الى هذا الاشتراط الّذي لا يصدر عن عاقل و بتعبير آخر الاستثناء في الموثقة وارد على الشرط الذي يجب الوفاء به و غير المقدور أى فعل الغير لا

يمكن الوفاء به حتى يرد على وجوب الوفاء به استثناء.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 403

..........

______________________________

أقول لو كان المراد بالشرط المحلل للحرام أو المحرم للحلال اشتراط الإباحة الشرعيّة في الحرام و الحرمة الشرعيّة في الحلال فيرد عليه ان حمل الاستثناء في الموثقة على ذلك غير ممكن لما ذكر من ان المشروط من فعل الشارع و لا يدخل في اختيار المتعاقدين و لكن لا موجب للالتزام بما ذكر بل المشروط كما أشرنا إليه سابقا الممنوعيّة أو حق الارتكاب في اعتبار المتعاقدين و اشتراط حق الارتكاب و الممنوعيّة في اعتبارهما و ان يكون نادرا في الأفعال الخارجيّة و لكنّه متعارف في الأفعال الاعتباريّة فتشرط المرأة للرجل ان لا يحق له التزوج بامرأة أخرى أو ان لا يحق له طلاقها الى غير ذلك.

و بتعبير آخر الفرق بين اشتراط ترك التزوج بامرأة أخرى و بين اشتراط ان لا يحق له التزوج بامرأة أخرى ظاهر فإنّ الأوّل من قبيل شرط الفعل و لا يجوز له التزوج بلحاظ الحكم المترتب عليه بلحاظ الشرط و لا ينافي متعلق الشرط أى المشروط الكتاب و السنة كما لا يكون المشروط حرمة الحلال بخلاف الثاني فإنّ المشروط فيه مخالف للكتاب لاعتبار للحرمان فيما لا يحرّمه الشرع و كذا الحال في اشتراط ترك فعل خارجي و اشتراط عدم الحق في ارتكابه فان عدم الجواز في الأول يترتب بعنوان الشرط و في الثاني يكون متعلق الشرط عدم الحق و الحرمان و ذكر بعض الأعلام (قده) تفصيلا آخر في شرط ترك الحلال و هو أنّه إذا كان الشي ء حلالا مع قطع النظر عن العقد و الشرط فيه يكون اشتراط تركه محكوما بالفساد كما في شرط

عدم الحق في ارتكابه لان الشرط على كلا التقديرين محرّم للحلال و من هذا القبيل شرط ترك التزوج بامرأة أخرى أو التسري بأمة.

و اما إذا كان اباحة الشي ء تحصل بالعقد و قبل العقد لا موضوع للإباحة كما في شرط ترك الوطي في عقد زواج المرأة فإن الوطي بالعقد يحكم بإباحته و قبله لا موضوع لها و في أمثال ذلك يكون اشتراط تركه لا بأس به فيما كان الشرط بنحو شرط الفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 404

و مما ذكرنا يظهر النظر في تفسير آخر لهذا الاستثناء (1).

______________________________

لأنّ الموجب لجواز الفعل هو العقد مع عدم الاشتراط فلا يكون العقد موجبا لجوازه.

أقول الفرق لا يرجع الى محصّل فان ما يوجب الحكم ببطلان شرط ترك الفعل فيما كان مباحا مع قطع النظر عن العقد و الشرط بعينه يجرى فيما كان اباحة الشي ء بالعقد و الموجب المزبور إطلاق خطاب إباحة ذلك الفعل. مثلا قوله سبحانه الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ* المستثنى فيه يعم الزّوجة التي اشترط في عقدها ترك وطيها فيكون شرط ترك وطيها محرّما للحلال الوارد في الكتاب. و يشهد لعدم الفرق ايضا قولهم ببطلان اشتراط ترك التزوج بامرأة أخرى و قد ورد في صحيحة منصور بن برزخ وجوب الوفاء به مع انّ إباحته تثبت قبل العقد و الشرط و ما قيل من استفادة عدم جوازه من سائر الروايات فقد تقدم ضعف دلالتها و انها ناظرة إلى الحكم بشرط الطلاق المعلّق أو الحلف بالطلاق فراجع.

(1) يظهر من كلام صاحب القوانين (ره) ان مراده من الشرط الحرام ما كان المشروط مع قطع النظر عن طريان عنوان الشرط عليه محرما كشرط شرب الخمر و

الزنا و نحوهما و ما كان الالتزام به حراما للحلال كالالتزام بارتكاب المكروه دوما كتقليم الأظفار بالسن و الالتزام بالإتيان بالمستحب دائما كالنوافل أو بترك المباح دائما كما إذا شرط ان لا يلبس الخز أصلا.

و بتعبير آخر يكون الالتزام بفعل المكروه أو فعل المستحب أو ترك المباح على نحو الدوام و الاستمرار و على نحو العموم من الشرط المحرّم للحلال و اما إذا لم يكن بنحو العموم و الاستمرار أصلا كان يشترط بان لا يلبس هذا الخز مدّة أو لا يتزوج بالمرأة الفلانيّة إلى زمان فلا إشكال في صحّة الشرط حيث لا يحصل بالشرط حكم كلى على المشروط عليه ليكون الحادث من تحريم الحلال و وجوب الوفاء بمثل هذا الشروط و ان يكون حكما كليّا الّا انه مجعول من قبل الشارع لا من قبلنا و لو اشترط ان لا يتزوج

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 405

[الشرط الخامس ان لا يكون منافيا لمقتضى العقد]

الشرط الخامس ان لا يكون منافيا لمقتضى العقد (1).

______________________________

بهذه المرأة أبدا أو ان لا يبيع هذا الشي ء الخارجي أبدا ففي صحّة الشرط اشكال وجه الأشكال شباهته بتحريم الحلال من حيث العموم في الزمان و وجه صحته انّ التحليل راجع الى شخص خارجي لا إلى الطبيعي.

و المتحصل ان تحريم الحلال بوجه الكلى بالالتزام بترك الطبيعي المباح دوما يحتاج الى سبب شرعي و رخصته شرعيّة و قد ثبت هذه الرخصة في موارد النذر و شبهه بالأمر بالوفاء بالنذور و عدم جواز حنث الحلف و العقد و اما الشرط فليس كذلك كما يدل عليه موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة انتهى كلامه ملخّصا.

أقول يرد على المصنف (ره) انه قد ذكر قرب هذا التفسير من التفسير المتقدم مع ان هذا

التفسير لا يرتبط بما تقدم أصلا فانّ على التفسير المتقدم لم يكن الالتزام بترك المباح شرطا حراما و باطلا أصلا بخلاف هذا التفسير كما تقدم نعم يرد على هذا التفسير منه انه لو كان المراد من الشرط المحرم للحلال جعل القضيّة الكليّة و لو في حق المشروط عليه لكان الأمر في الشرط المحلل للحرام ايضا كذلك فلا يكون بأس باشتراط شرب هذا الخمر يوما أو شهرا كما لا يخفى و ثانيا الالتزام بترك المباح دوما و ابدا لا محذور فيه و لا يدخل في الشرط المحرم للحلال و ثالثا ان! نظير هذا الاستثناء قد ذكر في روايات الحلف و الصلح فلا معنى ان يكون النذر و شبهه سببا شرعيا لجواز الالتزام بفعل المستحب دائما أو ترك المباح كذلك و لا يكون الشرط سببا كما لا يخفى.

(1) المعروف انه يعتبر في نفوذ الشرط ان لا يكون المشروط منافيا للعقد و الّا يحكم ببطلان الشرط و يستدل على ذلك تارة بأنّه لا يمكن تحقّق العقد مع المشروط المزبور لأنّ مقتضى العقد لا يتخلّف عن العقد و مع الشرط الموجب لعدم تحققه امّا لا يتحقق شي ء من العقد أو الشرط أو لا يتحقق الشرط خاصة لكونه تابعا و على كل تقدير فلا شرط و اخرى بأنّ المشروط إذا كان مخالفا لمقتضى العقد يكون مخالفا للكتاب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 406

..........

______________________________

و السنّة فانّ مدلولهما ترتب مقتضى العقد على ذلك العقد و لذا ذكر العلامة (ره) ان اشتراط عدم بيع المبيع على المشترى يخالف السنة الدالّة على ان الناس مسلطون على أموالهم.

و ربما يقال ان العقد اى بيع المال من واحد يوجب تسلّطه على بيع

ذلك المال فيما إذا لم يشترط عدم البيع عليه و بتعبير آخر يكون جواز بيع المبيع ثانيا من مقتضى إطلاق بيعه منه أولا فلا يكون مخالفا لمقتضى العقد.

و لكن لا يخفى ان الكلام في اشتراط أمر يكون عدم ذلك الأمر من مقتضى نفس العقد بان لا ينفك عنه لا في اشتراط أمر يكون ذلك الأمر منافيا لمقتضى إطلاق العقد و عدم تقيدّه بشرط و الّا فلا منافاة و كيف ما كان فلا إشكال في اشتراط هذا الأمر و انه يعتبر في نفوذ الشرط ان لا يكون مخالفا لمقتضى نفس العقد للتسالم على ذلك و انّما الإشكال في تمييز موارد كون المشروط مخالفا لمقتضى نفس العقد عن موارد كونه منافيا لمقتضى إطلاق العقد ليحكم بالفساد على الأوّل و على عدم البأس و النفوذ على الثاني. فإنه قيل في بعض الموارد ببطلان الشرط لكونه خلاف مقتضى نفس العقد و بصحته في بعضها الآخر مع عدم الفرق بينهما مثلا قيل بعدم جواز شرط ترك البيع أو الهبة على المشترى فإنه يخالف مقتضى الشراء و بجواز شرط العتق و الوقف على المشترى حتى فيما كان الموقوف عليه البائع و ولده و ما قيل في الفرق بان العتق مبنى على التغليب غير صحيح فإنه لا يجري في جواز اشتراط الوقف.

و الحاصل يقع الإشكال في تمييز كون الشرط مخالفا لمقتضى نفس العقد أو إطلاقه في موارد كثيره منها اشتراط ترك البيع على المشترى فانّ المشهور على عدم الجواز و لكن عن العلامة جوازه منها ما ذكره في الدروس من انه لو اشترى حيوانا و شرك فيه الآخر على ان يكون الربح بينهما و لا خسران عليه فان مقتضى صحيحة

إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 407

..........

______________________________

رفاعة جواز الشرط قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل شارك في جارية له و قال ان ربحنا فيها فلك نصف الربح و ان كان وضيعة فليس شي ء قال لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية و نحوها و لكن عن ابن إدريس عدم جواز الشرط لأنه مخالف لمقتضى الشركة.

أقول ظاهر الصحيحة التشريك بمعنى بيع نصف المشاع على الآخر مع الشرط المزبور و لا بد من ان يراد بالشرط شرط تدارك الخسارة نظير ما ذكروه في شرط الخسران الشركة في عقد على العامل و الوجه في ذلك انّه إذا كان المشروط في المتاع المشترك فيما إذا اشتراه اثنان بثمن على عهدتهما أو كان المتاع لأحدهما فشرك الآخر فيه و لو ببيع نصفه منه تولية الربح بينهما و الخسران على أحدهما فيتصوّر صور.

الأولى ان يكون المشروط انتقال المقدار المساوي لرأس مال صاحبه من الثمن اليه بمجرد البيع كما إذا اشتريا المتاع بعشرين بالمناصفة و باعا بعشرة فينتقل تمام العشرة إلى ملك المشروط له و الاشتراط بهذا النحو محكوم بالبطلان فإنّ العشرة التي بيع المتاع بها بدل لتمام المتاع لا لنصفه فيكون انتقالها الى ملك أحدهما موجبا لخروج المعوض من كيس و دخول عوضه في ملك آخر لا يقال لا محذور في انتقال بدل المال الى غير ملك مالك المعوض بعضا أو كلّا كما في المضاربة فإنّ الثمن الذي وقع بإزاء المتاع المشترى برأس المال بدل عن ذلك المتاع المملوك لرب المال مع انّه يدخل بعضه في ملك العامل فإنّه يقال المضاربة تتضمّن التوكيل في التجارة و جعل بعض الربح بنحو الإشاعة أجرة للعامل و هذا لا

محذور فيه فيكون نظير الصورة الثانية. و هي ما إذا اشترط دخول مقدار من رأس المال المملوك لأحد الشريكين ببيع المتاع في ملك الآخر مع الخسران أو دخول ما يقال رأس مال صاحبه من العين في ملكه قبل البيع ليكون ثمنه ملكه بالبيع و الشرط في هذه الصورة بفرضية لا بأس به بناء على انّ شرط الملك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 408

..........

______________________________

بنحو شرط النتيجة مع التعليق و الجهالة صحيح و لا يضرّ كونه تمليكا قبل التملك و لكن هذا مجرد فرض.

الصورة الثالثة ما إذا كان الشرط اى المشروط بنحو شرط الفعل بان يلتزم أحد الشريكين في عقد الشركة أو عقد آخر ان يتدارك خسران شريكه و هذا النحو من الاشتراط يوافق الارتكاز و لذا لا يفرق بين كون الخسران بحيث يحتاج تداركه الى الإعطاء من غير الثمن أم لا و لا يبعدان يكون ظهور الصحيحة أيضا ذلك. و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا اشترط في عقد الشركة أو في عقد آخر زيادة أحدهما في الربح بالإضافة الى رأس ماله فإنه لا يصح على الصورة الأولى إلّا إذا كان للمشروط له عمل زائد بحيث تكون الزيادة بإزاء عمله فيشبه المضاربة هذا كله في ربح التجارة و خسرانها.

و امّا إذا كان الاشتراط راجعا الى اختصاص أحد الشريكين بنماء العين المشتركة فهذا لا بأس به سواء كان الاشتراط في عقد الشركة أو غيره لانّ ما ذكر في ربح التجارة في الصورة الأولى لا تجري في هذا الفرض و لكن الشرط المزبور ايضا لا يخلو عن التأمل.

و منها ما اشتهر بينهم من جواز شرط ضمان العين في عاريتها و لا يجوز شرط ضمانها

في إجارتها و ربّما يقال كما عن الأردبيلي بجواز شرط الضمان في الإجارة أيضا لأنّ عدم ضمانها فيها مقتضى إطلاق عقد الإجارة نظير العارية.

منها التوارث في عقد الانقطاع فانّ فيه وجوه أربعة الأوّل التوارث مطلقا و لو مع عدم الاشتراط. الثاني التوارث مع الاشتراط فقط. الثالث عدم التوارث مع اشتراط العدم الرابع عدم التوارث مطلقا فانّ الكلام في ان التوارث من مقتضى نفس عقد الانقطاع كعقد الدوام أو انه من مقتضى إطلاقه أو ان عقد الانقطاع لا يقتضي التوارث لا بنفسه و لا بإطلاقه بل يقتضي عدمه و إذا اقتضى عدمه هل اقتضاء عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 409

[الشرط السادس ان لا يكون الشرط مجهولا]

الشرط السادس ان لا يكون الشرط مجهولا (1).

______________________________

التوارث بنفس العقد أو بمقتضى إطلاقه.

أقول ان أريد بمقتضى العقد مدلوله فلا ينبغي الريب في اعتبار عدم كون الشرط مخالفا لمقتضى العقد فإنّه إذا كان منافيا له لا يتحقق قصد إنشاء ذلك المدلول كما إذا قال بعتك المال على ان لا يكون المبيع ملكا لك فعلا أو مطلقا أو وهبتك المال على ان يكون المال لي لا لك الى غير ذلك.

و اما إذا أريد من مقتضى العقد حكمه سواء كان ذلك الحكم إمضائيا أو تأسيسيّا فإن كان المشروط عدم ذلك الحكم فلا يصح الشرط لكونه يخالف الكتاب أو السنّة نعم إذا كان ذلك المقتضى من قبيل الحق لا الحكم فلا بأس باشتراط عدمه و اما اشتراط الفعل أو الترك لحكم المعاملة فقد تقدم الكلام فيه سابقا فلا نعيد.

(1) ذكر (قده) انه يعتبر في نفوذ الشرط عدم جهالته حيث ان جهالته يوجب الغرر في البيع لكون الشرط في الحقيقة أمر ينضم الى أحد العوضين و

الجهالة في أحد العوضين غرر في البيع و لذا ذكروا انّه يعتبر في بيع السلم و النسية تعيين المدة التي يستحق فيها المشترى تسلم المبيع و البائع تسلم الثمن مع انّ في السلم اشتراط تأخير في تسليم المبيع على العهدة و النسية اشتراط التأخير في الثمن كذلك.

و لو أغمض عن ذلك بان بنى على انّ الشرط لا ينضم الى أحد العوضين مطلقا بل في خصوص ما كان المشروط وصفا في أحد العوضين أو تعيين زمان أو مكان لتسليمهما و اما إذا كان عملا خارجيّا أو اعتباريّا فلا تكون الجهالة في هذا الشرط موجبا للغرر في البيع يحكم ببطلان الشرط المجهول لما رواه العلامة عن النبي (ص) من نهيه عن الغرر و هذا النهى يعم المعاملة التي تكون فيها الجهل و كذا الشرط المجهول فيها و لا بأس بإرساله في الاعتماد عليه لانجبار ضعفه بعمل المشهور حيث يحكمون بفساد المعاملة التي فيها جهل حتى في مثل الوكالة و غيرها من المعاملات الجائزة نعم بطلان الشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 410

..........

______________________________

لا يوجب بطلان البيع على الأظهر فيما يأتي مسألة كون الشرط الفساد مفسدا للعقد أم لا.

ثم ذكر قده أن جهالة الشرط يوجب الجهالة في أحد العوضين و لذلك يكون البيع غرريّا و فرع على ذلك عدم المساعدة على ما ذكر العلامة (قده) في حمل الحيوان و بيض الدجاجة و مال العبد فيما إذا جهل مقداره انه لو وقع البيع و اشترط فيه الحمل أو البيض للمشتري صح البيع لان الشرط تابع و لا يضرّ جهالة التابع بخلاف ما إذا قال بعت الدابّة مع حملها بكذا فإنه يحكم ببطلان البيع للجهالة في أحد

العوضين.

و عن الدروس لو جعل الحمل جزءا يصح البيع أيضا لأن الحمل تابع و كذا مال العبد بناء على أنه يملك فان ماله لكونه تابعا للعبد لا يضر فيه الجهالة و لا يجرى فيه الربا بخلاف ما إذا قيل بأنه لا يملك فانّ المال على ذلك لا يتبع العبد فيعتبر في بيعه مع ماله أو بشرط ماله العلم بمقدار المال و عدم لزوم الربا لكن الأظهر مع اختلاف الكلمات اعتبار عدم الجهالة في الشرط مطلقا الّا فيما إذا كان الشرط بحيث يعدّ في العرف تابعا غير مقصود بالبيع كبيض الدجاجة و الوجه في ذلك عموم النهى عن الغرر و كون التراضي بالبيع منوطا بالشرط على ما في كلماتهم فيكون الشرط دخيلا في تحقق نفس البيع و الجهالة فيه موجبة للجهالة في البيع.

أقول قد تقدم ان إنشاء البيع منوط بالشرط بمعناه المصدري و هو حاصل على الفرض و اما الشرط بمعنى المشروط فلا يكون إنشاء البيع معلقا عليه و الّا بطل للتعليق و انّ الجهالة في المشروط يوجب الغرر في البيع فيما إذا كان المشروط وصفا لأحد العوضين أو تعيّنا الزمان استحقاق التسليم أو التّسلم أو مكانهما لا مطلقا فانّ البيع تمليك عين بعوض و لو كان المشروط امرا خارجا عن العوضين كما إذا كان عملا خارجيا و اعتباريّا فلا يوجب جهالته جهالة في البيع و النهى عن الغرر غير ثابت و اعتبار التعيين

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 411

[الشرط السابع ان لا يكون مستلزما لمحال]

ان لا يكون مستلزما لمحال (1).

______________________________

في غير البيع من المعاملات المبتنية على المداقة و المغابنة مستفاد مما ورد في البيع حيث لا فرق بحسب المتفاهم العرفي بينه و بينها من تلك الجهة.

ثم

انّ مسألة التابع لأحد العوضين لا يجري في هذا الفرض بل يجري في الفرض الأول فلا حظ و تدبر.

ثم انّه لا يبعد دعوى عدم البأس بشرط مجهول راجع الى أحد العوضين بان يكون المشروط مالا مجهول الحصول أو المقدار أو الوصف و ذلك للأخذ بمقتضى ما ورد في جواز بيع المجهول منضّما الى معلوم فإنه إذا كان ظاهر تلك الروايات جعل المجهول جزءا من أحد العوضين فلا يحتمل صحته و عدم صحّة جعل المجهول شرطا.

و عن السيد اليزدي (قده) انه لا بأس بالشرط المجهول إذا كان له واقع معين كما إذا أباع المال بكذا على ان يفعل المشترى ما يقوله زيد و امّا إذا لم يكن له واقع معين فلا يصح كما إذا قال بعتك المال بكذا على ان يفعل شيئا و الوجه في الفرق ان البيع في الصورة الثانية يكون غرريّا بخلاف الصورة الأولى فإنّه لا ينطبق الغرر على البيع و لكن لا يخفى أن التفرقة بين الصورتين غير وجيه فانّ البيع هو تمليك عين بعوض فان كان المشروط المجهول لا حقا بأحد العوضين فيحكم ببطلانه في الصورتين و الّا فلا يكون البيع غرريّا و لا يحكم ببطلانه و بتعبير آخر عنوان العقد و ان يعمّ المعاملة بشرطها و لذا يحكم بلزوم الشرط كنفس المعاملة الّا ان عنوان البيع لا يعم الشرط و لا يكون الغرر فيه غررا في البيع.

(1) إذا كان تحقق المشروط مستلزما لمحال يكون ذلك من شرط المحال و غير المقدور و قد تقدم عدم تعلّق الالتزام بغير المقدور فضلا عن المحال و امّا ما يذكر في المقام مثالا لذلك بان باع منه شيئا و اشترط عليه ان يبيعه منه ثانيا

فلا يخفى ما فيه فان الاشتراط المزبور في نفسه لا بأس به و لا يستلزم دورا و لا غيره حتى فيما إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 412

..........

______________________________

المشروط بيع المتاع من بايعه بنحو شرط النتيجة لأن بالبيع يدخل المبيع في ملك المشترى و بالشرط يخرج من ملكه الى ملك بايعه لأنّ المراد بالشرط في المقام الشرط في المعاملة لا الشرط من اجزاء العلة و لو امتنع اشتراط ان يبيعه منه ثانيا لأمتنع اشتراط ان يبيعه من غيره بعد شرائه لأنّ المراد من بيعه من غيره البيع عن نفسه بحيث يدخل الثمن في ملكه كما يخرج المثمن من ملكه ايضا و البيع فضولا أو بنحو الوكالة لا يدخل في شرط البيع المفروض و لكن يرفع اليد عن الجواز بالإضافة إلى اشتراط بيع المال من بايعه ثانيا و يحكم ببطلان الشرط بل بطلان البيع المشروط أخذا بظاهر صحيحة على ابن جعفر عن أخيه موسى ابن جعفر عليه السلام قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسه دراهم بنقد أ يحلّ قال إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس و قريب منها غيرها و هذا مع اختلاف الثمنين.

و ذكر السيد اليزدي (قده) مثالا آخر لهذا الاشتراط كما إذا نذر أن ماله المعين لزيد على تقدير وجوب الكنس عليه ثم باع ذلك المال من عمرو و اشترط عمرو عليه كنس المسجد فإنه إذا صح هذا الشرط و وجوب عليه الكنس للزم دخول المبيع في ملك زيد كما هو مقتضى نذر كونه له بنحو نذر النتيجة و إذا دخل في ملكه لزم بطلان البيع من عمرو و على ذلك فيلزم

من صحّة الشرط انتفاء المعاملة الّتي وقع الشرط المزبور في ضمنها.

أقول لو فرض صحّة النذر المزبور كما إذا وقع شكرا لوجوب كنس المسجد لوجب على الناذر وجوب الكنس باشتراطه في بيع المال من عمرو و لكن لا يبطل البيع المزبور و لا يدخل المبيع في ملك زيد لأنّ نذر المال له بنحو شرط النتيجة على تقدير وجوب الكنس و على تقدير بقاء المال في ملكه و لا يعم فرض خروجه الى ملك الآخر بناقل اختياري أو قهري كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 413

..........

______________________________

و الحاصل لسنا ندعي ان انتقال المال الى زيد متأخر عن انتقاله الى عمرو رتبة و مع انتقاله الى عمرو في رتبة سابقة لا يبقى مجال للمتأخر ليقال ان انتقال المال الى زيد إنّما يتأخر عن وجوب الكنس لا عن انتقال المال الى عمرو و انتقال المال الى عمرو و ان كان في رتبة وجوب الكنس الّا ان المتأخر عن أحد الشيئين في رتبة واحدة لا يتأخّر عن الآخر منهما أيضا لأن الملاك التأخر رتبة و هي العلية و المعلوليّة يختص بأحد الشيئين.

بل المدعى ان نذر المال لزيد مشروطا بوجوب كنس المسجد عليه بنحو القضيّة الشرطيّة مقتضاه تحقّق انتقال المال الى زيد على تقدير بقاء المال في ملك الناذر عند وجوب الكنس على ذلك الناذر كما في سائر النذور المعلقة أى المشروطة و من الظاهر ان القضية الشرطية لا تتكفل لا ثبات الشرط الوارد فيها كما انها لا تنفيه و نظيرها القضية الحمليّة الّتي بمفاد القضيّة الحقيقيّة فإن هذه القضيّة لا تتكفّل لإثبات موضوعها أو نفيها و لذا لا تنافي القضية الشرطيّة أو الحقيقية القضيّة الأخرى النافية

لتحقق الشرط أو نفى تحقق الموضوع. و على ذلك فإذا باع الناذر المال من عمرو على شرط وجوب الكنس على البائع فيعمّه أحل اللّٰه البيع فيخرج المال المزبور عن ملك الناذر و لا يبقى لرجوع المال الى زيد موضوع أى شرطه و هو بقاء المال على ملك الناذر.

نعم يبقى الكلام في انّ هذا الانتقال حنث للنذر أم لا. و الصحيح كما ذكرنا في محله انه لو كان النذر بمجرد مفاد القضيّة الشرطيّة فقط فلا حنث لأنّ نذر الانتقال كما هو معلق على وجوب الكنس كذلك معلق على بقاء المال على ملك الناذر و مع خروج المال عن ملكه كعدم وجوب الكنس لا نذر و امّا كان مع الالتزام بإبقاء المال الى زمان يحتمل فيه حصول الشرط كما هو المتفاهم مثل قول الناذر للّٰه علىّ التصدق بهذا المال على تقدير مجي ء مسافري أو شفاء مريضي و نحو ذلك فاللازم إبقاء المال و لو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 414

[الشرط الثامن أن يلتزم به في متن العقد]

في اعتبار ذكر الشرط في متن العقد (1).

______________________________

أتلفه أو أخرجه عن ملكه مع احتمال حصول الشرط مطلقا أو في زمان عينه فعليه كفارة الحنث كما انّه لو لم يخرجه و لكن لم يتصدق مع تحقق الشرط يتحقّق الحنث و لا يبعدان يكون المثال من هذا القبيل ايضا و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) اختلف كلماتهم في اعتبار ذكر الشرط في متن العقد بحيث لا يكفى ذكره قبله حتى فيما كان من قصدهما بناء العقد على المذكور قبله فإنّه يظهر من بعضهم كما صرّح به بعضهم الآخر اعتبار ذكره في متن العقد و يذكر في وجه الاعتبار انّ المشروط عليه قبل العقد ان التزم بشي ء

فهذا يدخل في الالتزام الابتدائي فلا يجب الوفاء به حتى ما لو فرض انّه كان على التزامه الى ان وقع العقد أو حتى كان على التزامه بعد العقد أيضا فإنّ بقائه على التزامه لا يخرجه عن الالتزام الابتدائي. و ان لم يلتزم بذلك الشي ء قبل العقد بل وعد بالتزامه في ضمن العقد فمع عدم ذكره في متن العقد لم يتحقّق الالتزام بذلك الشي ء لا قبل العقد و لا فيه.

و ربّما يؤيّد ذلك بما ذكروا في باب الربا في الاحتيال للتخلص من الربا من انه لو عاوض أحد المتجانسين بأزيد منه و كان من قصدهما المبادلة مثلا بمثل و هبة المقدار الزائد فلا بأس فيما إذا لم يشترط الهبة في البيع و وجه التأييد انه لا يكون هذا التخلص عادة إلّا بالتواطي عليه قبل المعاملة و لو كان التوافق بشي ء قبل المعاملة بمنزلة الاشتراط لكان هبة الزائد شرطا لا محالة فتدخل المعاملة في الربا حيث ان الربا تعم الزيادة العينيّة و الحكمية و شرط هبة المقدار الزائد من الزيادة الحكميّة.

و كذا يؤيّد بما ذكر العلامة و قبله المحقق في بيع المرابحة بأنّه يجوز للبائع عند إرادته الاخبار برأس ماله ان يبيع ذلك المال من آخر بمقدار يريد الأخبار بذلك المقدار و يشترى منه ثانيا بذلك المقدار و يخبر عند إرادته البيع مرابحة برأس ماله و انه ذلك المقدار و هذا كاشف عن انه لا يجرى على المذكور قبل العقد و بناء العقد عليه حكم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 415

..........

______________________________

الشرط لما تقدم من بطلان البيع بشرط بيع المشترى المال من بايعه ثانيا و لو كان التوافق قبل العقد في حكم الشرط لكان

بيع المالك المال علاجا لأخباره برأس المال باطلا لأنه قد اشترط فيه بيع المشترى المال منه ثانيا. أقول لعل مرادهما من الجواز الحكم بصحة البيع و حليته نفسه تكليفا لا الاخبار برأس المال اعتمادا على ذلك البيع فإنّ الأخبار المزبور يكون غشا في بيع المرابحة فيحكم بحرمته تكليفا هذا مع عدم التأييد فيما ذكراه خصوصا في مسألة نسيان ذكر المدة فإن الحكم بانقلاب العقد مع نسيان ذكره على تقديره حكم تعبدّي و لكن قد ذكرنا في المسألة ان ذكر الأجل و لو إجمالا مقوم لعقد المتعة فمع عدم ذكره لا متعة لا انّه ينقلب دائما و النص الوارد ناظر إلى التفرقة بين العقدين في الإنشاء لا الى الحكم بالدوام و لو مع عدم القصد و اما عدم التأييد في غير هذه المسألة فإن مجرد التوافق على شي ء لا يوجب بناء العقد عليه و انّما يكون العقد مبنيّا فيما إذا كان مقتضى التوافق ثبوت الحق لأحدهما على الآخر بحيث يستحقّ له المطالبة به و إلزام الآخر بالعمل على ذلك التوافق و قد تقدم بيان ذلك في اشتراط البيع من البائع ثانيا في بيعه أولا.

قد يقال الإنصاف انه لو كان الشرط ارتباطه بالعقد بالظرفيّة و المظروفية كما هو ظاهر القاموس لكان اللازم اعتبار ذكر المشروط في متن العقد و الّا فلا ظرفية نعم بناء على ما ذكرنا من الارتباط فيتحقّق معنى الشرط و لو بذكره قبل العقد و فيه ايضا ما لا يخفى.

و اما ما ذكره المصنف في وجه الكفاية انّ التراضي بالعقد مبنى على ذلك الأمر المذكور قبل العقد ففيه انه لو كان المراد بالإناطة التعليق فتعليق طيب النفس بالمعاملة على تقدير تحقّق ذلك الأمر يوجب

بطلان المعاملة مع عدم تحققه. لا كون العقد خياريّا و كذا مع تعليق نفس المعاملة على المشروط أضف الى ذلك عدم اعتبار طيب النفس في المعاملة.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 416

[و قد يتوهم هنا شرط تاسع]

و قد يتوهم هنا شرط تاسع (1).

______________________________

و أما الاستدلال على اعتبار ذكر الشرط في متن العقد و عدم الاكتفاء بذكره قبله و بناء العقد عليه بأنّ الشرط كالجزء من أحد العوضين فيكون ركنا في البيع فيعتبر ذكره فيه و لا يستغنى بذكره قبله كما هو الحال في العوضين فلا يمكن المساعدة عليه فلأنّ الشرط لا يكون جزءا و لا كالجزء من أحد العوضين هذا أولا و ثانيا لا يعتبر ذكر العوضين في إنشاء البيع فان نفس البيع أمر إنشائي و الإبراز مقوّم له و لكن العوضين فلا بد من معلوميّة و هو يحصل بتعينهما و ذكرهما و لو قبل البيع كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) ما حاصله انه قد يتوهم في نفوذ الشرط اعتبار عدم تعليقه و الّا بطل الشرط بل العقد ايضا و يقال في وجه ذلك انّ الشرط سواء كان من شرط الفعل أو غيره يرجع الى أحد العوضين اى ينضم إلى أحدهما و لو لم يكن فيه تعليق فلا يكون في ضمّه إلى أحدهما محذور بخلاف ما إذا كان معلقا فانّ التعليق في الشرط يوجب التعليق في أصل البيع لأن البيع الجاري على المنضم معلق على حصول الشرط و لو قال بعت هذا المال بدرهم على ان تخيط ثوبي إذا جاء زيد من سفره يكون مبادلة المال المزبور بالدرهم المنضم إليه خياطة ثوبه على تقدير مجي ء زيد لا على كل تقدير بل يجرى البيع على تقدير عدم

مجيئه بالدرهم المجرّد فيدخل بذلك الفرض في بيع الشي ء بثمنين المحكوم بالبطلان بلا ريب كما يأتي في مسألة بعته حالا بكذا و نسية بكذا.

و يندفع الوهم و وجهه بان التقدير يرجع الى الشرط بمعنى المشروط و لا يكون قيدا للشرط بالمعنى المصدري و لا لأصل المعاوضة ليكون مقتضى ذلك وقع المعاوضة بين المال المزبور و الدرهم المنضم إليه الخياطة المطلقة في فرض مجي ء زيد من سفره و وقوعها بينه و بين الدرهم المجرد على تقدير عدم مجيئه.

و بتعبير آخر لو كان مجي ء زيد قيدا للمشروط إلى الخياطة فلا يكون في البين إلّا معاوضة واحدة و هي بيع المال المزبور بالدرهم المنضم إليه الخياطة الخاصة أي الخياطة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 417

..........

______________________________

على تقدير مجي ء زيد من غير ان يكون تعليق في الشرط بمعنى الالتزام بالخياطة و لا في الالتزام بالنقل و لا إنشاء المعاوضتين على تقديرين بل المنشأ مبادلة واحدة و هي بيع المال بإزاء الدرهم المنضم إليه الخياطة الخاصّة و هي الخياطة على تقدير مجي ء زيد.

و هذا الفرق و ان لا يوجب الاختلاف مع ما سبق في النتيجة الّا انّه يوجبه في الإنشاء فيمكن كونه وجها في فساد المعاملة و صحتها لكون المعاملة من الإنشاءات نظير ما يقال في الفرق بين قول القائل إذا جاء أول الشهر فأنت وكيلي في بيع داري و قول الآخر أنت وكيلي في بيع داري أول الشهر الآتى فإنّهم ذكروا بطلان الأول لتعليق الوكالة و صحّة الثاني لأن القيد عليه راجع الى متعلق الوكالة لا لنفسها على ما هو المعروف في الفرق بين الواجب المشروط و الواجب المعلّق.

ثمّ ان العلامة قد أشكل في اشتراط البائع

على المشترى كونه أحق بالمبيع لو باعه و قد توهم انّ الاشكال لاعتبار التنجيز في الشرط و لكنه فاسد بل اشكاله لعدم جواز اشتراط بيع المال من بايعه ثانيا كما يأتي و الاشتراط المزبور يدخل في الشرط المزبور و لو على تقدير ارادة المشترى بيع المال و يشهد لفساد الوهم ان العلامة و كثير منهم ذكروا ان ردّ الثمن في بيع الخيار شرط النفس الخيار فيكون الخيار المشروط معلقا على رد الثمن لا الفسخ بالخيار و لو كان التنجيز في الشرط معتبرا لما كان ردّه قيدا لنفس الخيار.

و وجّه المحقق الإيرواني قده كلام المصنّف في المقام بان المنضم الى أحد العوضين ليس الشرط بمعنى المشروط بل الشرط بالمعنى المصدري و عليه فلا يكون في البيع تعليق و تقدير و لا بيعين على تقديرين و الحاصل ان المال المزبور يعوّض بالدّرهم المنضم اليه التعهد بالخياطة على تقدير مجي ء زيد على كل تقدير سواء حصلت الخياطة خارجا أم لا و مجي ء زيد يتوقف عليه الملتزم به الّذي لا يكون جزءا من العوضين أصلا.

أقول قد تقدم سابقا انّ الشرط لا يكون جزءا من أحد العوضين لا بمعنى المشروط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 418

..........

______________________________

و لا بالمعنى المصدري فإنّ البيع في حقيقته تمليك المال بالعوض بحيث يدخل العوض في ملك مالك المعوّض و الشرط بمعنى المشروط و لو كان عملا لا يدخل في ملك البائع و لذا لا يكون له مع تخلف الشرط المطالبة بالبدل و لو كانت الخياطة ملكا للبائع لكان له مع عدمها المطالبة ببدلها لإتلاف المشترى بتركه العمل و كذلك لا يكون الشرط بالمعنى المصدري ملكا للبائع فإن تعهد المشترى لا يدخل

في ملك البائع و لا في ملك غيره في اعتبار العقلاء كما يظهر ذلك بتفتيش ما هو المرتكز عند العقلاء من حقيقة البيع أو نحوه و ذكرنا ان التعهد و هو الشرط بالمعنى المصدري قيد لنفس المعاملة فإنها على تقديره و يحصل عند المعاملة و اما المتعهد به عملا كان أو غيره فلا يكون قيدا لا للمعاملة و لا لأحد العوضين و عليه فلا يحصل من تعليق المتعهد به تعليق في ناحية أصل المعاملة و العقد كما لا يخفى.

ثم انّه لا يبعدان يكون التعليق في الشرط راجعا الى نفس الالتزام الشرطي بمعنى انه لا يكون التزام بالخياطة على تقدير عدم المجي ء و هذا التعليق لا يرجع الى نفس العقد بل العقد يكون معلّقا على الالتزام بالخياطة المشروطة و ليس في البين ما يدل على اعتبار الإطلاق في الاشتراط في المعاملات بل المقدار الثابت بطلان العقود و الإيقاعات بالتعليق على ما ذكرنا في محلّه و لو كان الأصل المعاملة غير مكره عليه و كان الإكراه على الاشتراط فقط كما إذا قال إذا بعت فاشترط على نفسي كذا فالشرط غير صحيح بمعنى انه موقوف على الإجارة بعد ارتفاع الإكراه.

أقول ظاهر كلامه المحتاج إلى الإجازة الشرط لا أصل العقد و نفس المعاملة و انه إذا لم يلحقه الإجازة يثبت أصل المعاملة لا الشرط فيها و لا يرد عليه عدم جريان الإجازة في الإيقاعات لأن الشرط في العقود غير داخل في الإيقاعات نعم لا بد من اقامة الدليل على نفوذ الإجازة في كل أمر إنشائي مكره عليه لا يكون من الإيقاعات و قد تعرّضنا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 419

[مسألة في حكم الشرط الصحيح]
اشارة

من صفات المبيع الشخصي (1).

أو غيرهما (2).

______________________________

لذلك في إجازة العقد المكره عليه و لا يفرق في نفوذ الإجازة بين القول بان الشرط التزام في التزام كما هو ظاهر القاموس أو ان معنى الاشتراط تعليق العقد على الالتزام بأمر من عمل اعتباري أو خارجي أو وضعي فإن مقتضى حديث الرفع الإكراه عدم الحكم للالتزام أو التعليق إذا كان عن إكراه فتدبر جيدا فان صدق الإكراه على الاشتراط مع الاختيار في المعاملة لا يخلو عن تأمّل.

ثم انّه ذكر (قده) شرطا آخر لنفوذ الشرط و هو ان لا يكون الشرط في المعاملة خلاف الشرع و ان كان المشروط في نفسه عملا مشروعا و مباحا كما إذا اشترط في بيع أحد الربويين بمثله شرطا كخياطة الثوب فإنّ الخياطة في نفسها عمل مشروع لكن اشتراطها يوجب كون البيع داخلا في عنوان الربا الذي خلاف الشرع و لكن أورد على ذلك بان المحرم ليس نفس الاشتراط بل تحصيل الحرام بمجموع العوض و الاشتراط فإنه يحصل بهما الربا.

أقول ما ذكر انّما يتم بالإضافة إلى الحكم التكليفي يعني حرمة الربا تكليفا و امّا بالإضافة إلى الوضع اى الفساد فالفاسد في الفرض هو الشرط فقط بناء على ما تقدم من ان الشرط في المعاملة أمر زائد عليها و لا ينضم الى أحد العوضين حيث ان الفرض إنشاء مبادلة الشي ء بمثله حاصلة و الاشتراط على المشروط عليه أمر زائد عليها فيكون سحتا نظير ما ذكر في اشتراط الزيادة في القرض فتدّبر.

(1) بخلاف ما إذا كان المبيع كليّا فإنّه يكون للمشتري استرداد فاقد الوصف و مطالبة البائع بواجده لا الخيار في فسخ العقد نعم لو امتنع البائع عن اقباض واجده لكان للمشتري خيار الفسخ لأن إقباض المبيع حالا في البيع

الحال و على رأس المدة كما في السلم شرط ارتكازي و يكون من شرط الفعل لا الوصف.

(2) بان يكون الشرط بمعنى المشروط فعل غير المتعاقدين كما إذا قال بعتك هذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 420

..........

______________________________

المتاع بكذا على ان تخيط ثوبي هذا فلان و قال المشترى قبلت.

و ذكر السيد اليزدي (قده) لا يناقش في هذا الاشتراط بأنّه يعتبر في شرط الفعل على المشترى تمكّنه على ذلك الفعل و فعل الثالث غير مقدور للمشتري و ذلك فان المعتبر في شرط الفعل تمكّن المشروط عليه و هو في الفرض هو الثالث القادر على فعله و لذا يعتبر قبوله لأنّه طرف في المعاملة المفروضة و لا بعد في انّ يكون المشروط عليه في المعاملة متعدّدا بان يكون في المعاملة المفروضة المشروط عليه كل من المشترى و الثالث فيعتبر قبول كل منهما.

و بتعبير آخر المشترى يلتزم بفعل الغير و الغير يلتزم بفعل نفسه و نظير ذلك ما إذا باع العين من المشترى على ان يضمن ثالث الثمن حيث يعتبر في تحقق البيع و الشرط قبول كل من البائع و المشترى.

أقول لو كان المشروط في حقيقته فعل الغير لا من قبيل شرط فعل نفسه أو من قبيل شرط النتيجة على ما يأتي فمرجع الاشتراط نظير اشتراط الوصف في المبيع الى اشتراط الخيار على تقدير عدم وقوع الفعل عن الغير و المشروط عليه في الخيار المشروط في المثال هو المشترى لا الثالث بل التزام الثالث بالخياطة يدخله في الالتزام الابتدائي بالإضافة إليه لا الشرط فلا يجب عليه شي ء حتى مع قبوله.

و الحاصل تحقق العقد و الشرط فيما إذا كان المشروط نظير فعل الخياطة عن الأجنبي لا يتوقف

على قبول الثالث بل قبوله و عدمه سيّان في تحققهما و عدمهما بخلاف ما إذا كان المشروط من قبيل ضمان الثالث الثمن في البيع فإنّه يتوقف تحقق الضمان الذي من قبيل شرط النتيجة في العقد لا الإيقاع على قبول ذلك الثالث فاعتبار قبوله لتحقق عقد الضمان الحاصل باشتراط البائع و قبول الأجنبي فيكون المشترى طرفا للبيع المشروط فيه ضمان الثالث كما يكون الثالث طرفا في عقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 421

[شرط الصفة]

و لا إشكال في انه لا حكم للقسم الأول الا الخيار (1).

______________________________

الضمان الحاصل بإنشاء البائع بعنوان الشرط في المعاملة و قبول ذلك الثالث فتدبر جيدا.

(1) ذكر (قده) انه لا حكم للشرط في القسم الأول أي اشتراط وصف في المبيع غير الخيار على تقدير عدم ذلك الوصف و ان عموم المؤمنون عند شروطهم لا يعم هذا القسم لعدم إمكان تحصيل الوصف ليجب الوفاء به.

أقول يرد عليه أولا بأنّ المؤمنون عند شروطهم و ان يكون بمعنى أوفوا بالشروط كما يفصح عن ذلك قوله عليه السلام من شرط لأمرائه شرطا فليف به فإن المؤمنون عند شروطهم الّا ان القضيّة المزبورة انحلالية باعتبار الشروط و العقود فكل شرط محكوم بوجوب الوفاء به و لا مانع عن كون وجوب الوفاء بالإضافة الى بعض الشروط تكليفا فيعتبر في متعلّقه التمكن و بالإضافة إلى البعض الآخر إرشادا إلى الوضع كما نذكره في شرط النتيجة يعني الإرشاد إلى إمضائها فلا يعتبر في متعلقة التمكن و لا يكون استعمال صيغة الأمر في موارد الانحلال بالإرشاد إلى الوضع في البعض و بالتكليف في البعض الآخر من استعمال اللفظ في أكثر من معنى لأن الإرشاد و التكليف غير داخل في

مدلول الصيغة بل يختلف الطلب إرشادا و تكليفا باختلاف الداعي إلى إنشاء الطلب فيكون وجوب الوفاء في شرط الوصف إرشادا إلى إمضاء الخيار المجعول على تقدير فقده.

و ثانيا على تقدير الإغماض عن ذلك و الالتزام بان وجوب الوفاء بالشّرط تكليف يستفاد منه الوضع بحسب الموارد الّا ان متعلق التكليف ليس إيجاد المشروط فقط بل يعم الفعل المترتب على النتيجة و المشروط كما يصرح (قده) في شرط الغاية و فيما نحن فيه الفعل المترتب على ثبوت الخيار ردّ الثمن و نحوه على تقدير فسخ المشترى عليه فينتزع منه ثبوت الخيار و الّا فمن اين يثبت الخيار في الفرض و لعل مراده (قده) أن انه لا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 422

[شرط النتيجة]

و اما القسم الثالث فإن أريد اشتراط الغاية (1).

______________________________

حكم للقسم الأول بمعنى إيجاد الشرط كما في شرط الفعل لكن تعليله بأن المؤمنون عند شروطهم لا يعم هذا القسم كما ترى.

(1) القسم الثالث من الشرط ما إذا كان المشروط امرا وضعيا اى جعليّا سواء كان ذلك الأمر الوضعي من قبيل نتيجة العقد أو الإيقاع أو غيرها كاشتراط الخيار لأحد المتعاقدين في ضمن العقد فتحصيص القسم الثالث بأحد الأولين كما هو ظاهر المصنف (ره) حيث عبر عن هذا القسم بكون المشروط غاية أي نتيجة العقد أو الإيقاع بلا وجه.

و ذكر (قده) ان كان المراد باشتراط الملكيّة أو الزوجيّة اشتراط تحصيلهما باسبابهما الشرعيّة فهذا يدخل في القسم الثاني أي ما إذا كان المشروط فعلا حيث لا يفرق في القسم الثاني بين كون الفعل المشروط خارجيّا أو كان من قبيل الإنشائيات و اما ان كان المراد حصول الملكية أو الزوجيّة بنفس الاشتراط كما إذا باع

العين منه بكذا على ان تكون بنته زوجة للبائع بمهر كذا و قبله المشترى بناء على ولاية لأب في نكاح بنته الباكرة فإن كانت الغاية مما تحصل بسبب خاص كالزوجيّة بناء على اعتبار الصيغة الخاصّة في النكاح كالطلاق فيحكم ببطلان ذلك الشرط أى المشروط حيث انّ حصوله بالشرط خلاف الكتاب أو السنة لأن المفروض دلالتهما على اعتبار صيغة خاصّة في حصوله.

و بذلك يظهر الحال في اشتراط كون حرّ عبدا أو انعتاق العبد حيث ان العبوديّة لا تحصل إلّا بالغلبة و الاستيلاء و الانعتاق بالعتق و كذا اشتراط كون المرهون مبيعا عند انقضاء الأجل حيث انّ الشرط المزبور بمعناه المصدري يدخل في البيع تعليقا و التعليق في البيع مبطل حتّى ما إذا كان بصورة الاشتراط في عقد.

كما انّه إذا قام الدليل على حصول الغاية بالشرط أيضا كالوكالة و الوصاية أو كون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 423

..........

______________________________

مال تابع للمبيع ملكا للمشتري كمال العبد في بيعه أو حمل الدابة في بيعها أو الثمرة في بيع الشجرة فلا اشكال.

و امّا إذا لم يثبت شي ء من الأمرين كما إذا اشترى في بيع شي ء كون شي ء آخر غير تابع للمبيع ملكا للمشتري أو كون المال الفلاني صدقة أو اشتراط كون العبد الفلاني حرا ففيه إشكال فإنّ وجه عدم صحة الشرط المزبور جريان الاستصحاب في ناحية عدم تحققه و عموم المؤمنون عند شروطهم لا يعم الفرض لينتزع من شموله صحّة الشرط فانّ الشرط في الفرض ليس فعلا على المشروط عليه ليتعلّق به وجوب الوفاء و وجه الصحة شمول العموم المزبور بدعوى انه يكفى في شموله ان يكون المترتب على تلك الغاية فعلا و لا يعتبر كون الغاية

المشروطة بنفسها فعلا نظير وجوب الوفاء بالعهد و وجوب الوفاء بالعقد بل مقتضى عموم- أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ايضا وجوب الفعل المترتب على الغاية حيث انّ الشرط المزبور جزء من العقد فيعمه الحكم المترتب على العقد و على ذلك فلا تصل النوبة إلى أصالة عدم تحقق الشرط بمعنى المشروط فيحكم بصحّته.

أقول ما ذكر (قده) أولا من ان شرط الانعتاق غير صحيح لأنّه قام الدليل على احتياجه الى سبب خاص و ما ذكره بعد ذلك من ان شرط كون العبد حرا مما لم يتم فيه الدليل على أحد الوجهين متهافتان حيث ليس الانعتاق الّا كون العبد حرا.

ثم ذكر (قده) و يشهد لعموم المؤمنون عند شروطهم القسم الثالث تمسك الامام عليه السلام بهذا العموم في موارد كلّها من قبيل شرط الأمر الوضعي كعدم الخيار للأمة في نكاحها فيما أعانها ولد زوجها في أداء المال و اشتراط عدم الخيار المزبور في اعانتها و دعوى ان شرط الملكية بنحو الغاية غير صحيح لأن الملكيّة تتوقف على أسباب خاصّة مدفوع بأنه يكفي فيها مطلق التمليك و لو كان ذلك بالاشتراط كما يظهر ذلك من اتفاقهم على اشتراط ملكيّة حمل الدابّة للمشتري في بيعها و كذا ملكية مال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 424

..........

______________________________

العبد لمشتريه في بيعه.

و دعوى ان ذلك لكون الحمل و مال العبد من توابع الأم و العبد و لا يعم ما إذا اشترط ملكيّة شي ء غير تابع لا يمكن المساعدة عليها فإنّه لا فرق في عدم توقف الملكية على سبب خاص بين التابع و غيره كما يظهر ذلك ممن ذكر انّه لا فرق في اشتراط ملكيّة الحمل بين كونه في بيع الأم أو غيره.

أقول قد يقال

انّه لا يمكن الأخذ بعموم المؤمنون عند شروطهم فيما إذا احتمل دخالة سبب خاص في تحقق ذلك الأمر الوضعي بحيث لا يكون ذلك السبب بالشرط و بتعبير آخر لو كان في مورد الأمر الوضعي ما يكون مثبتا لحصوله بلا حاجة الى سبب خاص و لو كان ذلك المثبت العموم أو الإطلاق في دليل اعتباره فضلا عن الدليل الخاص فيكون شرط ذلك الأمر بنحو النتيجة بلا اشكال حيث يعمّه المؤمنون عند شروطهم و يثبت حصوله بالشرط ايضا و لا يحتاج إلى إنشائه استقلالا كما في ملكيّة المال بعوض. فإنّه لو كان المنشأ أمرا استقلالا يدخل في قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إذا اشترط في ضمن عقد كما إذا زوجت المرأة نفسها و على مهر و اشترطت على زوجها كون داره لها بإزاء المهر و قبله الزّوج فانّ المشروط لو لم يدخل بالشرط في عنوان البيع لعدم إنشاء مستقل فلا ريب في انه يعمّه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم.

و امّا إذا لم يكن في البين مثبت لذلك لعدم العموم أو الإطلاق في دليل اعتباره بحيث وصلت النوبة الى الأصل العملي فالأصل عدم تحقق ذلك الأمر بالشرط و نحوه و عموم المؤمنون عند شروطهم لا يعمّه لأنه مخصّص بما إذا لم يكن الشرط مخالفا للشرع فيحرز بالأصل المستثنى نعم لو كان الفعل المشروط فعلا خارجيّا و شك في حرمته و حليته و جرى فيه أصالة الحلية يكون بالشرط في العقد واجب الوفاء لأن أصالة الحلية يخرجه عن كونه مخالفا للشرع. و قد أجاب (قده) فيما تقدم من كون التمسك بعموم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 425

..........

______________________________

المؤمنون عند شروطهم في

المشكوك في حاجته الى سبب خاص أو انه يحصل بالشرط ايضا من التمسك بالعام في شبهته المصداقية بأن أصالة عدم مخالفة المشروط للكتاب أو السنة مدخلة المشكوك المزبور في المستثنى منه.

و ناقش في الجواب جملة من الأعلام منهم المحقق النائيني (قده) بان استصحاب عدم مخالفة الشرط لهما من استصحاب العدم الأزلي و هذا الاستصحاب لا يفيد في إثبات العدم المحمولي أي السالبة بانتفاء المحمول و ذكر النائيني (ره) في توجيهه انه إذا لم يكن الموضوع موجودا فعرضه لا يتصف بالوجود و لا بالعدم حيث يكون تقابل وجود العرض و عدمه من تقابل العدم و الملكة لا من تقابل الإيجاب و السلب نعم اتصاف المهيّة بالوجود و العدم بنفسها فلا يمكن اجتماعهما و لا ارتفاعهما و ما اشتهر في الألسنة بأنّ السالبة محصّلة صادقة بانتفاء الموضوع تارة و بعدم المحمول اخرى بخلاف القضيّة المعدولة فإنها تصدق مع وجود الموضوع خاصة من الاغلاط بل كل منهما يحتاج الى وجود الموضوع و انما الفرق بينهما ان المحمول في المعدولة عنوان بسيط يتنزع عن سلب المحمول عن موضوعه و إذا قيل ليس زيد بقائم يتنزع عنه عنوان لا قائم له و إذا كانت السالبة المحصلة لها حالة سابقه فلا يفيد استصحابها في إثبات ذلك العنوان البسيط.

و السر في جميع ذلك ان العرض له وجود واحد فيه اعتباران كونه موجودا و قيامه بمعروضه و كونه حالا فيه لا انه وجودان وجود في نفسه و وجود في غيره فانّ القيام بالموضوع لو كان وجودا آخر لكان له مهيّة و على ذلك فلا يكون مع عدم الموضوع اعتبار قيامه و عدم قيامه كما تقدم فقد تحصل انه لا مجال لاستصحاب عدم مخالفة

الشرط الكتاب و السنة نعم مع ذلك فيما إذا شك في صحّة الشرط و عدمها يمكن بقوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم الذي ليس فيه الاستثناء المزبور فإنّه ذكر أوّلا ان الشك في شرط ملكيّة عين غير تابعة لأحد العوضين ليس من أجل احتمال حاجة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 426

..........

______________________________

ملكيّتها الى سبب خاص كما هو الظاهر من المصنف و الا لما حصلت بالمصالحة فإنها إنشاء التراضي لا الملكيّة فالملكية يتعلق بها التراضي بل من أجل ان ملكية العين بالشرط لا تكون مجانا كما في الهبة و لا بالعوض كما في البيع و كان احتمال كونها لا مجانا و لا مع العوض مخالفا للكتاب و السنة من هذه الجهة لأن الشرط لا ينضم الى أحد العوضين و مع ذلك لا يكون التمليك مجانا.

و ذكر ثانيا ان عنوان مخالفة الكتاب عنوان انتزاعي عن الالتزامات التي مخالفة للكتاب و منافية للحكم المجعول في الشريعة و لو شك في موردان الحكم المجعول فيها ايضا مخالفا للالتزام المفروض يكون الشك من الشبهة الحكميّة و التخصيص الزائد و لا مساس بذلك بالشبهة المصداقيّة و على ذلك فلا يمكن التمسك في الالتزام المزبور بالعموم الوارد فيه الاستثناء لإجماله و يرجع الى العام الذي ليس فيه هذا الذيل.

أقول ما ذكر (قده) من عدم جريان الاستصحاب في العدم الأزلي بمنع كون القضية السالبة صادقة مع انتفاء الموضوع أو دعوى بعض آخر أنها و إن كانت صادقة مع انتفائه الّا استصحاب تلك القضيّة لا يثبت السالبة بانتفاء المحمول لا يمكن المساعدة عليهما لما تقدّم سابقا من انّ قيام العرض بمعروضه مقتضاه انّ العرض في وجوده يحتاج الى وجود الموضوع و

اما عدم العرض فيكفي فيه عدم وجود الموضوع. و بتعبير آخران العرض و ان لا يكون له وجودان كما أوضحه و ان العدم لا يكون طارئا لوجوده بل لنفس مهيّة العرض الّا ان مهيّة العرض لا يحتاج في عدمه الى وجود المعروض بل عند عدم المعروض كما يضاف العدم الى مهيّة المعروض كذلك يضاف الى مهيّة عرضه و إذا قيل ليس زيد بقائم يكون العدم مع انتفاء الموضوع مضافا الى زيد و الى عرضه و إذا وجد زيد و احتمل بقاء عدم عرضه على حاله فيستصحب و تصبح القضيّة المزبورة سالبة بانتفاء المحمول حيث ليس القضيّة السالبة بانتفاء المحمول الّا وجود المعروض و عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 427

..........

______________________________

تحقق عرضه نعم إذا كانت القضيّة المعدولة ذات اثر فلا يفيد استصحاب السالبة في إثباتها لأن اتصاف المعروض بعدم عرضه أمر انتزاعي يلزم لسلب المحلول كما أوضحنا ذلك فيما تقدم.

هذا كله في جريان الاستصحاب في العدم الأزلي لترتيب الأثر المترتب على السالبة بانتفاء المحمول.

و أمّا في المقام فلا مجال لاستصحاب عدم مخالفة الشرط للكتاب و السنّة لأنّ المراد ان يكون المشروط امرا يخالف في تحقّقه ظاهر الكتاب و لو كان ذلك الظهور هو إطلاقه أو عمومه إذ إعطاء الضابطة لا يناسب غير ذلك بان يكون المراد منه المراد الواقعي من الكتاب أو السنة و هذه المخالفة لا يتصور لها مورد الشك لأن الأصل لا يعتبر في الشبهة الحكميّة إلّا بعد الفحص و بعد الفحص فيظهر المخالفة أو عدمها بل إذا شك في كون المشروط أمر غير ممضى في نفسه شرعا مع إحراز أن إمضائه أو عدمه لا يدل عليه الكتاب و السنّة

فلا يمكن التمسك بالعموم المزبور لان استصحاب عدم إمضائه يدخله في الاستثناء في قوله (ص) المسلمون عند شروطهم إلّا إذا كان محللا للحرام أو محرما للحلال بناء على ما تقدم من شمول المستثنى للحرام الوضعي المحرز بأصالة عدم الإمضاء كما لا يخفى.

ثم لا يخفى ما في قوله (قده) من أنّه لا يبعد لزوم الإنشاء المستقل في جميع الإيقاعات و انها لا تصح بالاشتراط في عقد فتدبّر.

بقي الكلام في أمرين الأوّل. انّ النّائيني (قده) جعل المقام أى كون الشرط مخالفا للكتاب و السنة. من الشبهة الحكمية الّتي تدخل في الشبهة المفهوميّة من المستثنى المتصل بخطاب العام و لذا يؤخذ فيه بالعام الّذي لم يرد فيه الاستثناء المزبور و لا يخفى ما فيه فان الشبهة في المقام و إن كانت حكميّة حيث ان الشك في كون المشروط ممضى أم لا الّا ان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 428

..........

______________________________

الشبهة الحكميّة في المقام لا تدخل في الشبهة المفهوميّة فان منشأ الشك في المقام ليس سعة نفس معنى المستثنى الوارد في خطاب العام بل منشئه الشك في الخارج و ان الحكم المجعول للصدقة المشروطة بشرط النتيجة ما هو و دعوى انّ عنوان المخالفة عنوان انتزاعي ينتزع عن الشروط التي يخالف الحكم المستفاد من الكتاب كما ترى فإنّه لا يوجب ان يدخل المقام في الشبهة المفهومية بان لا يكون الشك في المنشأ الذي يحرز وجوده بالأصل كما تقدم.

و الحاصل كما لا تدخل المقام في الشبهة المفهومية لا تدخل في الشبهة المصداقيّة التي يكون الشك فيها ناشئا عن الخارج عن حكم الشارع و خطابه و نتيجة ذلك ان يجرى في المقام حكم الشبهة الحكمية فيلزم الفحص في الرجوع

الى الأصل العملي من غير ان يدخل في الشبهة المفهوميّة التي نتيجتها كما ذكره الرجوع في مورد الشك الى العام الذي لم يذكر فيه المخصّص المتصل.

لا يقال الرجوع الى العام المزبور لا يتوقف على كون الشبهة في المقام من الشبهة المفهوميّة بل يرجع اليه مع كون الشبهة حكمية مطلقا و لا تصل النوبة الى الأصل العملي فإنه يقال كلا انّما يرجع الى خطاب العام في الشبهة الحكميّة فيما إذا كان الشك في تخصيص زائد بأن يرجع اليه مع الشك في خروج أمر آخر بعنوان نفسه أو بخروج عنوان آخر يدخل فيه و ما نحن فيه ليس كذلك و لذا عدّ المقام من الشبهة المصداقيّة بالإضافة إلى خطاب العام و ان لم يكن من الشبهة المصداقية التي يكون منشأ الشّك فيها الخارج عن خطاب الشارع و حكمه و اللّٰه سبحانه هو العالم.

الأمر الثّاني- ان مقتضى عموم المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم بمعنى أوفوا بالشروط فيما كان المشروط أمرا وضعيّا انّه إذا كان نفس المشروط مما يحصل بغير الشرط من الإنشاء استقلالا أو تبعا يحصل بالشرط ايضا و انّه يكون حصوله بالشرط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 429

[شرط الفعل]
اشارة

و انما الخلاف و الاشكال في القسم الثاني (1).

______________________________

بنحو اللزوم كما هو ظاهر الوجوب الوفاء سواء كان اللزوم مفاده الاولى أو مستفادا من التكليف بالفعل المترتب على ذلك المشروط و إذا لم يكن المشروط مما يحصل بغير الشرط أصلا أو شك في حصوله بغيره أو كان يحصل بسبب خاص فلا مجال فيه للتمسك بعموم أوفوا بالشروط كما تقدم.

و إذا كان مما يحصل بغير الشرط كملكية عين بعوض أو مجانا فإنه يحصل بالشرط ايضا و يحكم

بلزومه معه و ان لم يكن مشروعيّته بغير الشرط بنحو اللزوم كما في شرط الوكالة في أمر في عقد آخر فإنّ الوكالة كالوصاية تحصل مع إنشائه مستقلا فكلّ إنشاء يستفاد منه الوكالة أو الوصاية محكوم با- لصحة مع جواز رجوع الموكل و الموصى فيهما و لكن مع حصولهما بالشرط يحكم بلزومهما فلا يكون رجوع الموكل أو الموصى موجبا لانتفاء الوكالة أو الوصاية المشروطتين في عقد بنحو الشرط النتيجة و ذلك فانّ ما دل على جواز الرجوع في الوكالة أو الوصاية لو لم يكن منصرفا الى ما إذا كان بإنشائهما مستقلا- فلا أقل من انّه لا يمكن الأخذ بإطلاق دليل الرجوع لأنّ ما دل على لزومهما بالشرط دلالته على لزومهما بالعنوان الثاني نعم إذا كان المشروط في نفسه مما لا يتحقق عرفا و لو بشرط النتيجة مع حصول أمر فيحكم بانتفائه بحصول ذلك الأمر و من هنا ينتهى الوكالة المشروطة بشرط النتيجة مع موت الموكل لا مع عزله فإن الوكالة عرفا النيابة عن الحي بخلاف الوصاية فإنها إعطاء ولاية التصرف للوصي و لذا لا تبطل بموت الموصى فيحكم بلزومها و لو مع كونها بشرط النتيجة.

(1) القسم الثاني ما إذا كان المشروط عملا سواء كان خارجيا كالخياطة أو اعتباريّا كالعقد و الإيقاع أى إنشائهما و يقع الكلام في هذا القسم في مسائل الاولى انّ المشهور على ان العمل المشروط يجب على المشروط عليه تكليفا كما يشهد لذلك ظاهر النبوي الوارد في عدّة روايات بعضها معتبرة سندا كما تقدّم و وجه الظهور انه إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 430

..........

______________________________

المشروط عملا فالوفاء به عبارة أخرى عن الإتيان به كما في وجوب الوفاء بالنذر

و الحلف.

لا يقال هذا فيما كان المشروط عملا خارجيّا و اما إذا كانت معاملة فظاهر الأمر بها الإرشاد إلى صحتها فإنّه يقال هذا فيما إذا كانت المعاملة بعنوانها الخاص متعلق الأمر كالأمر بالنكاح و غيره و امّا إذا كان بعنوان آخر كالوفاء بالنذر و الشرط فظاهر الأمر بهما كظاهر الأمر بالفعل الخارجي هو التكليف و أيّد (قده) التكليف في هذا القسم و ظهور النبوي فيه بما في ذيله في بعض الكتب الّا من عصى اللّٰه بناء على انّه استثناء من المشروط عليه لا من الشارط. و وجه التأييد ان ظاهر العصيان مخالفة التكليف بترك الواجب أو فعل الحرام و حمله على العصيان الوضعي أي بطلان الإلزام و الالتزام و عدم الأثر لهما خلاف الظاهر و لو كان الاستثناء راجعا الى المشروط عليه لكان مفاده انّ المشروط عليه فيما إذا كان عاصيا بالعمل المشروط لا يجب عليه ذلك العمل فيحكم ببطلان شرطه كما إذا كان المشروط عملا محرما في نفسه أو تركا للواجب و في غيره يجب العمل فيكون الاستثناء المزبور قرينة على وجوب الفعل.

و اما إذا كان راجعا الى الشارط فيكون عصيانه وضعيّا أى إرشادا إلى بطلان إلزامه حيث لا يناسب الإلزام و الالتزام الّا العصيان الوضعي كما إذا شرط على صاحبه امرا مخالفا للكتاب أو السنّة و لكن لا يخفى عدم ثبوت الاستثناء بالنقل المعتبر مع احتمال رجوعه الى الشارط و لكن ظهور النبوي في نفسه كاف.

و يشهد ايضا لوجوب الفعل على المشروط عليه موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر بن أبيه عن على (عليه السلام) كان يقول من شرط لامرأته شرطا فليف لها به فانّ المسلمين عند شروطهم الّا شرطا حرم حلالا أو

حلل حراما و في سندها غياث ابن كلوب الراوي عن إسحاق و قد وثقة الشيخ في العدة في ذكره بعض العامة الذّين عمل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 431

هذا كله مضافا الى وجوب الوفاء بالعقد (1).

______________________________

الأصحاب برواياتهم فيما لم يعارضها رواية أصحابنا فراجع و دلالتها ايضا لا بأس بها فانّ ظاهر قوله عليه السلام فليف به هو التكليف فيما كان المشروط عملا و تعليل الأمر بالوفاء قرينة جليّة على عدم اختصاص الحكم بالشرط للمرأة في النكاح أو غيره.

و يدل على وجوب العمل بالمشروط في الجملة بعض الروايات كصحيحة أبي العباس عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يتزوج المرأة و يشترط ان لا يخرجها من بلدها قال يفي لها بذلك أو قال يلزمه ذلك و نحوها غيرها.

(1) مراده (قده) خطاب وجوب الوفاء بالعقد كما يقتضي العمل بأصل العقد كذلك يقتضي لزوم العمل بالشرط بعد كون الشرط كالجزء من العوضين أقول قد تقدم سابقا ان خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في مثل البيع من المعاملات إرشاد إلى لزومها فمع شرط الفعل و الحكم بصحّة شرطه يخرج المعاملة عن اللّزوم و الخطاب المزبور حيث يكون البيع خياريّا مع عدم تحقق ذلك الفعل أضف الى ذلك انّ الشرط لا ينضم الى أحد العوضين كما مر تفصيله فلا نعيد نعم يمكن ان يدعى ان الشرط في نفسه عهد مشدود فيعمه أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و بما ان المشروط في الفرض عمل فلا بأس بكون وجوب الوفاء به كما هو ظاهر الأمر بالعمل تكليفا.

بل يمكن تقريب التمسك بوجه آخر يأتي في تقريب عدم ثبوت الخيار للمشروط مع التمكن على إجبار الممتنع فانتظر.

و عن الشهيد (قده) أنه لا يجب على

المشروط عليه الفعل و انّما فائدة شرطه تزلزل العقد و عدم لزومه على المشروطة له و يظهر دليله على ذلك من التفصيل الّذي حكى الشهيد الثاني في بعض تحقيقاته حيث قال إذا كان المشروط ما يحصل بنفس الاشتراط في العقد كاشتراط الوكالة يكون الشرط لازما لان المفروض تحقق العقد المكفي في تحقق المشروط و امّا إذا لم يحصل المشروط بنفس العقد و تمامه بل يحتاج في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 432

..........

______________________________

تحققه إلى صيغة بعده كاشتراط العتق فلا- يلزم الشرط و انّما يقلب العقد اللازم جائزا لأن الفعل المزبور ممكن فالعقد المعلّق على الممكن يكون ممكنا و قال في الروضة بعد حكاية ذلك انّ الأقوى اللزوم مطلقا و ان كان ما ذكره من التفصيل اولى مما ذكره في اللمعة من إطلاق عدم لزوم الشرط انتهى.

و ذكر المصنف (ره) في الإيراد على كلام الروضة بأن شرط أمر بنحو شرط النتيجة خارج عن مورد الكلام و المحكي عن الشهيد نفى وجوب الفعل المشروط مطلقا فلا يصح جعله مقابلا لما ذكر في اللمعة. نعم كلامه في اللمعة أعم من جهة أخرى و هو انّ الفعل المشروط يوجب تزلزل العقد بمعنى ثبوت الخيار للمشروط له سواء كان عدم تحقق ذلك الفعل لتركه أو تعذّره حيث ان المراد من قوله و كذا كل شرط لم يسلم لمشترطه هو التعذر.

و الحاصل لا خلاف في لزوم ترتيب آثار المشروط فيما إذا كان أمرا اعتباريّا قد أخذ في العقد بنحو شرط النتيجة و انّه يجبر الممتنع عن ترتيب الآثار على الترتيب كما هو مقتضى تحقق المشروط و لزومه و الكلام فعلا في القسم الثاني فإن المشروط فيه فعل يصح

تعلق الوجوب به بخلاف شرط النتيجة فإنّه غير قابل للتكليف و هذا ظاهر.

أقول ما ذكر في الروضة من الوجه لعدم الوجوب موهوم فان العقد لا يكون معلقا على الممكن اى الفعل بل على الالتزام بذلك الفعل و الالتزام قد حصل من حين إنشاء العقد هذا أولا و ثانيا على تقدير الإغماض عن ذلك بتسليم التعليق المزبور و الالتزام بعدم إيجابه بطلان العقد ان ما ذكر يمنع عن وجوب الفعل بالتمسك ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و لكن لا يمنع وجوبه أخذا بقوله (ص) المؤمنون عند شروطهم و قوله عليه السلام من شرط لامرأته شرطا فليف به الى غير ذلك فتدبر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 433

..........

______________________________

أضف الى ذلك انه على تقدير التعليق المزبور يكون نتيجة عدم حصول الفعل المشروط بطلان العقد لا كونه خياريّا.

و يبقى الكلام في ان ما يذكر من الأحكام لشرط الفعل و منه وجوب الإتيان يختص بما إذا كان شرطه في ضمن عقد لازم أو يعم ما ذا كان في ضمن عقد جائز سواء كان جوازه من الطرفين كالوكالة و الشركة و المضاربة أم من طرف واحد كالّرهن فقد يقال ان الشرط في ضمن عقد جائز لا اثر له فان العقد في نفسه لا يجب الوفاء به فكيف يجب الوفاء بالشرط و عن صاحب الجواهر (قده) ان عموم المؤمنون عند شروطهم لا يقتضي وجوب الفعل المشروط و أنّما يدل على صحّة الشرط و وجوبه مستفاد من عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و إذا كان العقد جائزا فلا يكون في البين استفادة و يستدل أيضا بأنّه إذا كان شرط الفعل في عقد جائز لازما للزم شرط الغاية و سائر الأمر الاعتباري في ضمنه ايضا

مع ان ظاهر الأصحاب التسالم بعدم لزوم شرط الغاية و الأمر الاعتباري كما إذا شرط في ضمن عقد الوكالة أو الشركة أو المضاربة الأجل أو غيره من الأمور الاعتباريّة.

أقول الأظهر عدم الفرق في شرط الفعل بين العقد اللازم و الجائز حتى ما إذا كان جائزا من الطرفين فان قوله عليه السلام من شرط لامرأته شرطا فليف به فان المسلمين عند شروطهم يعم ما إذا كان الشرط لها في ضمن عقد النكاح أو غيره لازما أو جائزا نعم الشرط في العقد اللازم يفترق عن الشرط في العقد الجائز في جهة أخرى و هي انّ الشرط في العقد الجائز يرتفع عنوانه بفسخ العقد و لا يكون بعده معنونا بعنوان الشرط حيث انه الالتزام المرتبط لا الالتزام الابتدائي ففي فرض فسخ العقد من أحدهما أو ممن يكون جواز العقد من طرفه فلا يجب الوفاء بالشرط لانتفاء الشرط لا لارتفاع حكمه مع بقاء موضوعه بل يجرى ذلك في العقد اللازم ايضا فيما إذا فسخ بإقالة أو خيار فسخ و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 434

..........

______________________________

بكلمة أخرى وجوب الوفاء ما دام الفعل مصداق الشرط و يرتفع بارتفاع عنوانه.

و امّا دعوى التسالم على عدم لزوم شرط الغاية و الأمر الاعتباري في ضمن العقد الجائز فلا يمكن المساعدة عليها فان اشتراط الأجل في ضمن عقد الشركة أو المضاربة بمعنى لزومها الى تلك المدة محكوم بالفساد لمخالفة شرط اللزوم في المدة المعينة أو الى الأبد فيهما للسنة الدالّة على جوازهما حكما و لذا لو اشترط لزومها في عقد لازم يحكم ايضا بالفساد نعم إذا كان نفس الشركة أو المضاربة شرطا في ضمن عقد لازم لحكم بلزومها بلزوم ذلك العقد

و لا ينافيه ما دل على جوازهما كما ذكرنا سابقا في شرط الوكالة في ضمن عقد لازم آخر.

و مما ذكر يظهر انّه لو كان المشروط في ضمن عقد جائز عدم فسخه أو شرط عدم فسخه في ضمن عقد لازم بنحو شرط الفعل يحكم بصحته لعدم كونه مخالفا للسنّة و لو فسخه بعد هذا الاشتراط صح الفسخ و ان فعل حراما لأن وجوب الوفاء تكليفا لا يقتضي فساد الفسخ فإنه من قبيل المعاملة كما لا يخفى.

و قد ظهر مما ذكر ايضا انحلال شرط الغاية في العقد الجائز بانحلال نفس العقد فلا يترتب على الغاية بعد ذلك حكم لا لارتفاع حكمه بل بارتفاع نفس الغاية التي كانت معنونة بعنوان الشرط بل العقد على ما تقدّم لا يقال إذا كان الشرط نتيجة الإيقاع كما إذا اعطى المال مضاربة على ان يسقط الدين الذي كان له على العامل و قبلها العامل فان بقبوله يسقط الدين عن عهدته و إذا فسخ ربّ المال أو العامل المضاربة بعد ذلك فكيف يعود الدين على عهدة العامل مع ان الزائل لا يعود.

فإنّه لا مانع عن عوده نظير ما إذا أباع متاعه بدين للمشتري على عهدته ثم فسخ البيع بإقالة أو خيار فإنه لا- ينبغي الريب في عود الثمن اى الدّين إلى عهدة البائع و بتعبير آخر مقتضى فسخ العقد انحلال الشرط الّذي كان من قبيل شرط النتيجة سواء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 435

[الثانية في انّه لو قلنا بوجوب الفعل به]

الثانية في انّه لو قلنا بوجوب الفعل به (1).

______________________________

كانت من نتيجة العقد أو الإيقاع و عدم العود في الإيقاعات و غيرها للزوم الشرط بقاء و إذا زال الشرط عاد الساقط سابقا و من ذلك ما

لو اشترى حيوانا ثم اشترى من بايع الحيوان متاعا آخر على ان يسقط خياره الحيوان في الشراء الأوّل ثم فسخ الشراء الثاني بإقالة أو خيار فانّ خيار الحيوان الساقط في شرائه يعود فتدّبر جيّدا.

(1) ذكره (قده) انه بعد البناء على وجوب الفعل على المشروط عليه يجبر بذلك الفعل على تقدير امتناعه عنه أم يثبت الخيار للمشروط له بمجرد امتناعه فعن جماعة انه يجبر بالفعل و مع عدم إمكانه فيثبت الخيار للمشروط له و لكن ظاهر العلامة في التحرير خلافه و انه لا يجبر على الفعل حيث قال فيه ان الشرط فيما تعلق بمشروط فيه صلاح المتعاقدين كاشتراط الأجل في الثمن أو الخيار أو باع متاعه بكذا على شرط الشهادة بأن يحضر الشاهدين ليشهدا بأنّ المتاع المزبور لبائعه أو على شرط التضمين بان يضمن ثالث للمشتري درك المبيع و انه لو ظهر ملك الغير لكان على ذلك الثالث ضمان الثمن للمشتري أو باع متاعه بثمن مؤجل على ان يعطى المشتري الرهن لذلك الثمن أو اشترطا وصفا في المبيع كالكتابة جاز و لزم الوفاء به ثم قال لو باع العبد على شرط عتقه فإن أعتقه المشتري فلا كلام و ان لم يعتقه فهل يجبر المشترى بعتقه الأقرب عدم الإجبار.

و قال الشهيد في الدروس ان في إجبار المشروط عليه بالفعل اشكال و قال في التذكرة أوّلا انه لا يجبر المشروط عليه بالفعل فيما كان الفعل المزبور حقا لآدمي كاشتراط الرهن للثمن المؤجّل أو الكفيل له و ان كان من حقوق اللّٰه كالعتق على وجه يجبر عليه ثم ذكرا خيرا أنّه يجبر بالفعل حتى في حقوق الناس نظير ما إذا باع متاعه بثمن حال فأهمل في تسليم الثمن فإنه

يجبر بالتسليم مع انه تسليمه من حق الناس.

ثم قال (قده) انه يمكن ان ينسب القول بوجوب الفعل على المشروط عليه مع عدم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 436

..........

______________________________

إجباره عليه الى كل من استدل على صحة الشرط بعموم المؤمنون عند شروطهم و مع ذلك التزم بعدم الإجبار و وجه النسبة ان ظاهر المؤمنون عند شروطهم في نفسه في وجوب الفعل المشروط و كذا ظهوره فيه بقرينة خارجيّة كقوله عليه السلام في موثقة إسحاق ابن عمار فليف لها به فان المسلمين عند شروطهم ممّا لا ينبغي الريب فيه بل لا معنى لصحّة شرط الفعل عند من لا يرى بطلان العقد بالشرط الفساد كالشيخ و اتباعه إلّا وجوب الفعل المشروط لان استحباب الفعل لا ينافي بطلان الشرط لان الشرط الفاسد يدخل في الوعد و الوفاء بالوعد مستحب فلا يمكن للمستدل بالصّحة الالتزام بان الفعل المشروط يستحب الإتيان به و لا يجب. أقول لا يمكن هذا النسبة حيث يمكن ان يكون معنى صحّة شرط الفعل عند المستدل بعموم المؤمنون عند شروطهم ترتّب الخيار للمشروط له على تقدير عدم الفعل فيكون فساد الشرط بمعنى عدم ترتب هذا الخيار كما لا يخفى.

أقول الأظهر في المقام جواز الإجبار بالفعل لان التزام المشروط عليه بالفعل في ارتكاز المتعاملين يكون بنحو الحق للمشروط له و لذا لا يجب الفعل مع رفع يده عن شرطه فيكون إجباره بالفعل كإجبار الأجير على العمل و ان كان بينهما فرق من جهة أخرى و هي كون الفعل ملكا للمستأجر و لا يدخل في الملك في الاشتراط و ما عن السيد اليزدي (قده) من إمكان الالتزام بدخول الفعل المشروط في ملك الشارط فيما كان نفعه

عائدا إليه كخياطة ثوبه لا يمكن المساعدة عليه فان الفعل لا يدخل في ملك الشارط ضرورة عدم الفرق في شرط الخياطة أو إعطاء الدرهم و العتق مع انه على الملك يلزم مطالبة المشروط عليه بقيمة الفعل مع فوته نظير الفوت في باب الإجارة و نظير الإجبار على الفعل الإجبار على تسليم الثمن أو المبيع و لكن جواز الإجبار يجتمع مع خيار الفسخ لأن الخيار المترتب على ترك الفعل خيار جعلي من المتعاقدين و المجعول في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 437

و قد يتوهم انّ ظاهر الشرط هو فعل الشي ء اختيارا (1).

______________________________

ارتكازهما من الخيار يعم حال التمكن على الإجبار.

نعم مع الإغماض عن عموم الارتكاز و الالتزام بان الخيار في المقام مستفاد من قاعدة نفى الضرر فمقتضى عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ في فرض التمكن على إجبار المشروط عليه لزوم العقد و عدم كونه خياريّا.

و مراد المصنف في الاستدلال على جواز الإجبار بعموم وجوب الوفاء بالعقد و الشرط كون الوجوب المستفاد منها في المقام حقا نظير وجوب تسليم العوضين لا ان مجرد وجوب شي ء على أحد يقتضي جواز إجباره عليه و قوله ان المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه أى استحقه عليه شاهد لكون الوجوب في المقام حقا لا حكما و ليس المراد الملك في باب الإجارة كما يأتي الإشارة الى ذلك في ذيل كلامه في المسألة الثالثة.

(1) و قد يتوهم ان ظاهر الشرط هو الفعل اختيارا و عليه فلا يكون لإجباره مورد و أجاب المصنف (قده) بان المستفاد من الشرط انه إذا فعله المشروط عليه و لو بالإجبار حصل المشروط و لا يكون للبائع خيار تخلف الشرط نعم إذا قيّد في- العقد

كون المشروط الفعل باختياره و بطيب نفسه لما كان في البين جواز الإجبار بل كان للبائع مع امتناعه خيار تخلّف الشرط.

و ذكر الإيرواني نعم التوهم المزبور و قال في وجه تحسينه ان المراد بالإجبار امّا لإكراه أو فعل ما يوجب صدور الفعل و لو بلا ارادة من المشروط عليه أو تصدى الحاكم بالفعل المزبور فيما كان من الاعتباريات الصالحة للوكالة و صدورها بالولاية و على ذلك فليس المراد بالإجبار المعنى الثالث فإنّه لا يعد إجبارا و كذا لا يمكن الالتزام بالثاني فإنّ الالتزام يتعلّق بالفعل الاختياري و لا يعمّه بان يلتزم بالأعم من فعل نفسه و الفعل غير الاختياري و امّا المعنى الأوّل فلا يمكن الالتزام بجوازه لظهور الشرط في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 438

..........

______________________________

التزام المشروط عليه بالفعل بلا مؤنة خارجية فالإكراه إلزام و مؤنة خارجيّة فيكون الإكراه ظلما و عدوانا على المشروط عليه و لكن لا يخفى أنه لا موجب للانصراف في اشتراط الفعل فالالتزام يتعلق بما يتعلّق به التكليف في باب الأمر و الطلب و كما يكره الشخص على الإتيان به من باب الأمر بالمعروف كذلك في الالتزام بالفعل و شرطه مع ان ما ذكر من عدم إمكان الالتزام بالجامع بين المقدور و غيره فيه كلام فإنّه لو كان الإطلاق بمعنى رفض القيد لا الجمع بين القيود فلا موجب لا متاعه كما لا يخفى.

ذكر قده في هذه المسألة جواز الإجبار على الفعل مع ثبوت الخيار للبائع و ذكر في وجهه ان امتناع المشروط عليه عن الوفاء رضاء منه بفسخ البيع و إذا رضى البائع بفسخه بترك إجباره المشروط عليه يكون فسخه داخلا في الإقالة.

ثم ذكر الفرق بين امتناع

المشروط عليه عن الفعل و بين امتناع المتعاقدين عن تسليم العوض فإنه يجبر على التسليم في الثاني و مع إمكانه لا يكون للآخر خيار بخلاف صورة الامتناع عن الفعل المشروط عليه فإنه يجوز المشروط له الفسخ و لو مع إمكان الإجبار و الفارق ان العوض قد دخل في ملك العاقد الآخر فلا يخرج عن ملكه بامتناع الآخر عن تسليمه بخلاف الفعل المشروط فإنّه كالاعتاق لا يكون ملكا للآخر فإذا امتنع المشروط عليه فقد نقض العقد فيجوز للمشروط له ايضا نقضه و فيه انّ الفعل قد صار بالاشتراط حقا للمشروط له على المشروط عليه و مجرد امتناع المشروط عليه لا يوجب سقوط هذا الحق كما لا يكون رضا بالفسخ ليكون فسخ الآخر معه بعنوان الإقالة و لعلّة الى ذلك أشار بأمره بالتأمّل و الحاصل انّ العمدة في ثبوت الخيار مع ترك التسليم هو الشرط الارتكازي فيجتمع- الخيار مع جواز الإجبار فتدبّر.

و اما ما ذكر (قده) في وجه ثبوت الخيار مع عدم التمكن على الإجبار فقط من انّ الاختصاص مقتضى قاعدة نفى الضرر و لا ضرر مع التمكن على الإجبار فيكون مقتضى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 439

[الثالثة هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار]

هل للمشروط له الفسخ مع التمكن من الإجبار (1).

______________________________

وجوب الوفاء بالعقود لزومه مع التمكن على الإجبار ففيه ان اللزوم في العقد لا يكون ضرريّا دائما و لو مع عدم التمكن على الإجبار أيضا كما إذا باع المال بثمن يساوي قيمة السوقية فإن تضرر الشارط بترك المشروط عليه العمل بالشرط حاصل سواء فسخ البيع أم لا و فيما إذا باع يا لأقل من قيمته السوقية يكون نفي اللزوم تداركا للضرر و اما الضرر فهو ناش من

صحة البيع المزبور في فرض عدم عمل المشروط عليه بالشرط كما لا يخفى.

(1) كل ما ذكر في المسألة الثالثة تعرضّنا لها في المسألة الثانية و يبقى أمر واحد لم يسبق التعرض له و هو انّه للحاكم إيقاع الفعل المشروط فيما إذا كان من الإنشائيات مع امتناع المشروط عليه عن التصدي و مطالبة الشارط به بلا فرق بين القول بان الخيار يثبت للمشروط له حتى مع تمكنه على الإجبار أو قيل بأنّ الخيار لا يثبت مع تمكنه و ما في كلام المصنف (ره) من انّ الكلام في جواز إيقاع الحاكم مبنى على المختار من عدم الخيار مع التمكن على الإجبار لا يمكن المساعدة عليه كما يشهد بذلك الاستدلال على جواز تصدّى الحاكم بعموم ولاية السلطان على الممتنع من أداء مال الغير أو حقّه.

و لكن ناقش في الاستدلال النائيني (ره) بما توضيحه انّ الولاية للحاكم تثبت مع عدم حياة المولى عليه كما إذا لم يكن للميت وصيّا أو مع عدم حضوره كالولاية على الغائب أو مع صغر المولى عليه أو جنونه على تفصيل مذكور في محله و المشروط عليه في المقام لا يدخل في شي ء من العناوين و لا دليل على ولاية الحاكم في غيرها.

أقول إذا فرض الزوج ممتنعا عن الإنفاق على زوجته أو الأب على أولاده فلا ينبغي الريب في جواز تصدّى الحاكم للإنفاق بمال الزّوج أو الأب مع انهما لا يدخلان في شي ء من العناوين المزبورة و الحاصل الفرق بين تصدى الحاكم فيما إذا كان العمل من آثار شرط النتيجة و بين كون المشروط نفس العمل يحتاج الى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 440

..........

______________________________

التوضيح.

و امّا أشار إليه المصنف (ره) فلا نعرفه.

نعم نقل السلطان ولّى لمن لا ولّى له على ما اشتهر في بعض الألسنة و لكن لا يعم شرط الفعل و لا العمل المترتب على الأمر الوضعي فإن عمل السلطان في الفرضين مع امتناع الشخص ولاية عليه لا له كما لا يخفى أضف الى ذلك عدم ثبوته بنقل معتبر نعم الحكام و القضاة في زمان الأئمّة عليهم السلام كان لهم الولاية باستيفاء الحقوق قضاء أو عملا بحسب نصبهم و لكن الروايات الواردة في المراجعة إلى قضاة العدل و العاملين بالأحكام و عدم جواز الرجوع الى الحكّام و قضاة الجور يمكن دعوى عدم عمومها للمراجعة للاستيفاء عملا للقرينة العامة على عدم بسط يدهم في ذلك الزمان و كون الرجوع إليهم كان لرفع المنازعة و قطع المخاصمة في الحكم أو موضوعه كما هو المفروض في تلك الروايات.

و مع ذلك قد يقال الدليل على وجوب التصدي للقضاء على نحو الواجب الكفائي يجري في التصدي لاستيفاء الحقوق و أخذ حقوق بعضهم من بعض آخر عملا حفظا للنظام و يتعين المراجعة إلى المتصدي فيما كان في استيفاء ذي الحق حقه بالمباشرة محذور و من الظاهر انّ المتيقن من المتصدي الحاكم العدل و المأذون من قبله و بما انه ليس في البين خطاب لفظي يؤخذ به في إثبات الولاية للمتصدي على الإطلاق فيؤخذ بالقدر اليقين فلا يحكم بنفوذ تصرف المتصدي مع إمكان إجبار من عليه الحق على أداء ما عليه من حقّ الغير لأنّه يجوز إجبار المتصدي من عليه الحق تأديبا و منعا عن المنكر كما هو مقتضى لزوم حفظ النظام و اما مباشرة المتصدي بالاستيفاء مع إمكان الإجبار كما إذا أعتق العبد الّذي باعه على ان يعتقه المشتري أو باع

ماله للإنفاق إمكان إجباره على الإنفاق بنفسه فالأصل عدم نفوذ ذلك العتق و عدم صحة البيع المزبور.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 441

[الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشترط الّا الخيار]

الرابعة لو تعذر الشرط فليس للمشترط الّا الخيار (1).

______________________________

نعم مع عدم إمكان الإجبار للفرار و نحوه يكون محكوما بالصّحة و من هنا يظهر الحال في إعطاء الحاكم الأجرة من مال المشترى على الخياطة المشروطة عليه مع امتناع المشترى عن الخياطة فإنّه يجوز مع عدم إمكان الإجبار لا مع إمكانه.

هذا فيما إذا كان العمل المشروط عليه الطبيعي لا العمل المباشري كما إذا باع المال و اشترط على المشترى ان لا يترك ما عليه من الفرائض اليوميّة فإنه مع عدم التمكن على إجباره بالعمل و الإتيان بفرائضه لا يكون مورد لتصدى الحاكم فتدبّر.

(1) ذكره (قده) في تعذر الشرط فرضين الأول ما إذا كان الفعل المشروط ما لا ماليّة له كاشتراط العتق و التدبير الثاني ما إذا كان الفعل له مالية كخياطة الثوب و صبغه.

و ذكر في القسم الأول انه يثبت للمشروط له خيار الفسخ و لا يجوز له المطالبة بالأرش و علّل ذلك بأنّ الشرط لا يكون جزءا من أحد العوضين بل يكون تقييدا لأحدهما و التقييد أمر معنوي أي ليس جزءا لا يقابل بالمال في المعاملة و إذا باع العبد بمأة على ان يعتقه فقد قيّد المبيع بالعتق بعد العقد فيكون التقييد المزبور كسائر الأوصاف في المبيع في انّه لا يقابل بشي ء من الثمن بل يكون كالوصف مما تزيد و تنقص به قيمة الشي ء و الأرش في مورد خيار العيب ثبت بالنّص لا انه على القاعدة.

و عن ظاهر العلّامة ثبوت الأرش في المقام و تبعه الصيمري في مسألة بيع العبد

و اشتراط تدبيره حيث قال لو امتنع المشترى عن تدبيره تخيّر البائع بين فسخ البيع أو الإمضاء و الرجوع الى تفاوت قيمه العبد مشروطا تدبيره و بيعه مطلقا بل يظهر من الصيمري جواز المطالبة بالأرش بمجرد امتناع المشترى عن العمل بالشرط و عدم تعذّره و حيث لا يمكن ان يكون المراد الرجوع بتمام التفاوت كما إذا باع الثوب مع اشتراط خياطته بمأة و كانت قيمته بدون الشرط المزبور مأتين فإنّه لا يمكن الالتزام بجواز

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 442

..........

______________________________

الرجوع الى تمام المأة لأنّ للشرط جزءا و قسطا من الثمن يكون المراد من الأرش نسبة التفاوت لا تمامه.

و ذكر (قده) في القسم الثاني أيضا تخيّر المشروط بين الفسخ و الإمضاء مجانا و انه لا يجوز له المطالبة ببدل الفعل المشروط أي أجرة المثل و ان كان يحتمل استحقاقها كما ذهب إليه العلّامة في التذكرة حيث قال أنّ الشرط اى المشروط ان كان مما يتقوّم كما شرط صبغ الثوب و تسليمه مصبوغا و تلف الثوب بيد المشترى قبل صبغه يكون للمشتري المطالبة بقيمة الفائت و ان لم يكن المشروط مما يتقوم تخيّر بين الفسخ و الإمضاء مجانا و مراده مما يتقوّم ما كان للمشروط ماليّة في نفسه لا ما يزيد و ينقص به قيمة الشي ء كالوصف فيعم بيع العبد و اشتراط ماله و لكن الاحتمال أي المطالبة بأجرة المثل ضعيف لأن الثمن في المعاملة يقع بإزاء نفس المبيع و لا يتضّم المشروط الى أحد العوضين و لذا لا يجرى على المشروط حكمهما و لو كان المشروط كالثمن من أحد النقدين كما إذا باع العبد مع اشتراط ماله الّذي من أحد النقدين بالثمن

من النقود لا يعتبر التقابض في المجلس و لو كان مال العبد منضما الى المبيع لزم التقابض بالإضافة اليه و عوضه نعم يجرى على بعض الشروط و هو شرط الكم حكم الجزء في تقسيط الثمن و يأتي الكلام فيه في الأمر السابع.

و ذكر السيد اليزدي (قده) في المقام كلاما طويلا و ملخصه أن للمعاملة مقامين مقام الإنشاء و مقام اللّب و المشروط في مقام الإنشاء لا يدخل في أحد العوضين بل تجري المعاملة إنشاء على نفس المالين و لكنه في مقام اللب يدخل في أحد العوضين حتى في شروط الأوصاف و حيث لا يدخل المشروط وصفا كان أو غيره في أحدهما و لا يقابل في الإنشاء بشي ء لا يكون فقد الوصف أو تعذر الشرط حال العقد موجبا لانحلال البيع بل يجوز لمن تخلف عليه الشرط أخذ صاحبه بالمعاملة في مقام اللّب بان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 443

..........

______________________________

يطالب مع عدم فسخها باسترداد ما وقع بإزاء المشروط في مقام اللب بخلاف الجزء حيث انه في مقام الإنشاء أيضا داخل في أحد العوضين و لذا يكون فقده موجبا للانحلال المعاملة إنشاء ايضا بالإضافة إليه.

هذا كلّه من غير فرق بين شرط الفعل و الوصف و سواء كان الفعل مما يتقوم في نفسه كخياطة الثوب و صبغه أو لم يكن مما يتقوم كعتق العبد و اشتراط بيع المال و لكن مع التعذر من حال العقد في الفعل المتقوم في نفسه لا يكون شرطه محكوما بالصّحة لعدم تمكن المشروط عليه فلا يدخل الفعل في ملك المشترط و بناء على القول بأنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد يكون للمشروط له الفسخ و إمضاء العقد مجانا أو مع

المطالبة بالأرش كما ذكر العلامة و امّا إذا كان المشروط مما له قيمة و كان التعذر طارئا بعد العقد ففي مثل ذلك يكون الفعل مملوكا على عهدة المشروط عليه فالشارط المطالبة ببدل ذلك الفعل لتلفه عليه في ضمان الغير الّا ان يقال ان تعذر الفعل كالتلف قبل القبض يوجب انحلال الملك بالإضافة إلى الفعل و لا يكون للمشروط الّا المطالبة بالأرش كما في صورة التعذر من الأوّل و على ذلك فلا يكون الأرش في خيار العيب أمرا تعبدّيا نعم لا يجوز إجبار المشروط عليه بالأرش حيث يجوز له ان يقول بأنك إذا أردت الأرش أفسخ المعاملة لوقوع الثمن في المعاملة إنشاء بإزاء نفس العين نعم في خيار العيب يجوز الإجبار على الأرش كما هو ظاهر الروايات و الأرش فيه من هذا الجهة يكون امرا تعبدّيا.

أقول المعاملة لكونها من الإنشائيّات فليس لها واقع غير الإنشاء و بتعبير آخر ليس للبيع غير ما يعتبره المتعاقدين بحسب إنشائهما و ابرازهما و ليس البيع الّا تمليك أحد المالين بإزاء الآخر و تملّكه بإزائه و قد ذكرنا ان شرط الوصف فيما كان موصوفه عينا خارجيّة أو كالعين الخارجيّة كالكلي في المعين لا يمكن ان يكون قيدا اى تضييقا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 444

[الخامسة لو تعذّر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه]

لو تعذّر الشرط و قد خرج العين عن سلطنة المشروط عليه (1).

______________________________

لا لأحد العوضين و لا لنفس البيع فان تضيّق البيع بالشرط بمعناه المصدري و تعليق البيع على الالتزام أمر حاصل.

و اما تعليقه على الشرط بمعنى المشروط فلا لأنّ تعليقه به يوجب التعليق المبطل فحسب بل لأنّ العقد في بناء المتعاقدين و اعتبار العقلاء لا يكون معلقا على حصوله حتى في الموارد

الّتي يكون المشروط امرا وضعيّا كالخيار و اشتراط الوكالة فضلا عما يكون من الأفعال الخارجيّة و لذا لو حكم بفساد الأمر الوضعي لبطلان شرطه فلا يحكم بفساد البيع.

و اما عدم كون المشروط قيدا لأحد العوضين فلان الثمن في اعتبارهم يقع بإزاء نفس المبيع و المبيع بإزاء نفس الثمن و انما يكون الشرط وصفا كان أو غيره داعيا إلى زيادة الثمن أو نقصه و كذا لا ينضم نفس الشرط بمعنى الالتزام لأحد العوضين لانّ الالتزام بنفسه لا يدخل في ملك الآخر و ليس له مالية و البيع تمليك بالعوض و على ذلك فلا شي ء في المعاملات مع تعذّر الشرط وصفا كان أو غيره الّا ثبوت الخيار حيث لا معنى للالتزام بالوصف الّا اعتبار الخيار على تقدير فقده كما لا معنى لاشتراط الفعل الّا ثبوت الالتزام الحقي بالإضافة إلى الفعل و ثبوت الخيار مع عدم تحققه للتعذّر أو غيره و إذا كان الفعل متعذّرا حال العقد أو طرء فيما بعد ذلك يثبت الخيار و ليس الفعل فيما يتقوم ملكا للمشروط له لأنّ المشروط عليه لم يملكه بل التزام به نظير التزامه في مورد النذر و الحلف غاية الأمر ان الملتزم له في النذر هو اللّٰه سبحانه و في الشرط في المعاملة هو المشروط له كما تقدم.

نعم قد تقدم ان للمشروط له إلزام المشروط عليه بالفعل مع التمكن على الإجبار و لا ينافي ذلك ثبوت الخيار معه.

(1) مراده (قده) انه لو لم تبق العين المنتقلة إلى المشروط عليه في ملكه لتلفها أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 445

..........

______________________________

ان المشروط عليه نقلها الى الغير أو بقي تلك العين في ملكه و لكن تعلّق بها حق

الغير كما إذا رهنها أو استولدها و فرض ان الفعل المشروط عليه قد تعذّر كتلف الثوب الّذي اشترط عليه خياطة فلا تكون عدم بقاء العين المنتقلة إلى المشروط عليه أو نقلها أو تعلق حقّ الغير بها مانعا عن فسخ المشروط له البيع الأوّل لتعذّر الشرط و إذا فسخ فهل يرجع ببدل المبيع مطلقا أو مع بقائها و فسخه نقل المشروط عليه أو رهنه من أصله أو من حين فسخ البيع وجوه يأتي الكلام فيها و ان الصحيح منها هو الرجوع الى البدل جمعا بين الخيار الثابت للمشروط بتعذّر شرطه و بين ما دل على نفوذ نقل مالك العين أو رهنه حيث ان التصرفات من المشروط عليه حلت زمان مالكيّته.

هذا كلّه فيما لم يكن تصرّف المشروط عليه في العين المبيعة منافيا لعمله بالشرط كما فرضنا ان الشرط في البيع كانت خياطة ثوب مخصوص آخر و أمّا إذا كان تصرفه منافيا للعمل بالشرط كما إذا باع العين منه على ان تجعلها المشترى وقفا على البائع و أولاده و بعد البيع باعها المشترى من ثالث فيكون البيع الثاني منافيا للعمل بالشرط.

و في الفرض هل يحكم بصحّة البيع الثاني مطلقا اى بلا حاجة الى إذن المشروط له و إجارته أو مع اذنه و إجازته أو يبطل مطلقا أى لا يفيد في صحّة البيع الثاني إذن المشروط و أجازته حيث ان البيع الثاني لا يكون من قبيل البيع فضولا ليصح بإجازة مالك المبيع وجوه خيرها عند المصنف (ره) صحته باذن المشروط له أو إجازته.

و هذا بناء على ان للمشروط له إجبار المشروط عليه بالشرط فإنّ صحّة التصرفات تنافي حق المشروط له في تلك العين و اما بناء على عدم جواز

الإجبار فيصح التصرف المنافي و لكن إذا فسخ المشروط له البيع الأول فهل يبطل التصرفات المزبورة من أصلها و من حين فسخ البيع الأول أولا تبطل أصلا بل يرجع المشروط الى بدل العين مثلا أو قيمة لأن التصرفات المزبورة من تلف العين حقيقة أو حكما و عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 446

..........

______________________________

العلامة في التذكرة تفصيل رابع و هو التفصيل في التّصرف المنافي بين العتق و غيره فان كان التصرف المنافي عتقا فيصح مطلقا لبناء العتق على التغليب و ان كان غير العتق فيبطل بفسخ البيع الأوّل و على ذلك ففي فرض العتق لو فسخ المشروط له البيع الأوّل فيرجع الى المشروط عليه بقيمة العبد المبيع فقد اختار هذا التفصيل الشهيد الثاني أيضا في الروضة أقول قد تقدم سابقا انّ الخيار حقّ لذي الخيار يتعلّق بالعقد لا بالعين المنتقلة الى من اشترط عليه الخيار فشرط الفعل بالإضافة إلى ثبوت الخيار ليس حقا في العين المزبورة و امّا بالإضافة إلى الفعل فأيضا كذلك فانّ شرطه لا يوجب الّا استحقاق المشروط له نفس الفعل بنحو الحق لا بنحو الملك و لا بالتكليف المحض.

و المراد باستحقاق الفعل بنحو الحق انّ وجوبه على المشروط عليه مع عدم رفع المشروط له يده عنه بان يطالبه لا ان يسقطه عن عهدة المشروط عليه و لكن العين التي يتعلّق بها الفعل فهي باقية على حالها التي كانت بدون ذلك الشروط حيث انها لو كانت مملوكة للمشروط له كما إذا باع متاعه بثمن و اشترط على المشترى خياطة الثوب المعين تكون تلك العين على حالها من ملك المشروط له من غير ان يتعلق بها زائدا على ملكها حق و

ان كانت مملوكة للمشروط عليه تكون ملكا له من غير ان يتعلّق بنفس العين حق للمشروط له.

و على ذلك فان تصرف المشترى في العين المنتقلة إليه بالبيع تصرّفا ينافي الفعل المشروط فإنّه و ان ارتكب محرّما مع عدم رفع المشروط له يده عن الفعل المشروط قبل التصرف المزبور الّا ان العين لكونها ملكا للمشروط عليه يعمّه ما دلّ على نفوذ تصرّف المالك و معاملته فبتعذّر الشرط يثبت للمشروط له خيار الفسخ قيل بجواز الإجبار أو عدم جوازه فانّ جواز الإجبار مع امتناعه عن العمل المشروط و عدم تعذر ذلك العمل و إذا كان التّصرف المزبور لازما يتعذر الفعل المشروط بشمول أدلّة نفوذ التصرف و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 447

و هل له إمضاء البيع مع طلب (1).

ثم انّ هذا الخيار كما لا يسقط بتلف العين (2).

______________________________

لزومه لذلك التصرّف و لا يجوز هذا الإجبار بناء على ان ليس للمشروط له مع هذا الامتناع الّا الخيار.

و بالجملة عدم جواز التصرف المنافي لكونه ملازما لترك الواجب أو حرمة نفس التصرف لا يوجب فساد ذلك التصرف ما لم يثبت ان للمشروط له حق في العين المنتقلة إلى المشروط عليه و لا يمكن إثبات هذا الحق بجواز الإجبار أو عدم جواز ذلك التصرف تكليفا فإنّ النهي عن معاملة لا يوجب فسادها فضلا عمّا إذا كان عدم ذلك التصرف لاستلزامه ترك الواجب الذي من قبيل الحق للغير أو الحقّ للّٰه سبحانه فقط.

فتحصل انه مع تلف العين أو التصرّف المنافي اللازم ليس للمشروط له الّا خيار الفسخ في بيعته و مع فسخه يرجع الى بدل العين مثلا أو قيمة.

ثم ان الالتزام بصحّة التصرف و انه مع فسخ البيع

الأول يبطل تلك التصرفات من أصلها أو من حين فسخ البيع الأوّل غير ممكن فإنّه لا موجب لانفساخها من الأصل أو من حين فسخ البيع الأول بل يلزم من انفساخها عدم تعذر الشرط الموجب لعدم الخيار في فسخ البيع الأوّل عند المصنف و اتباعه ممّن جعل الخيار في فرض تعذّر الشرط خاصة و يجرى مثل هذا الكلام في تصرّف الناذر في العين الّتي نذر تصرّفا خاصا فيها مطلقا أو مشروطا فتدّبر جيّدا.

(1) يعنى هل للمشروط له إمضاء البيع الأوّل و عدم فسخه و مع ذلك ان يطلب من المشروط عليه يعني المشترى ان يفسخ نقله العين من ثالث فيه احتمال.

أقول لو كان التصرف المنافي غير لازم فله ذلك فإنه من الإجبار على الشرط و الّا فلا مورد للطلب كما لا يخفى.

(2) يعنى كما لا يسقط خيار المشروط له بتلف العين المنتقلة اليه كذلك لا يسقط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 448

إذا كان مما يقبل الاسقاط (1).

______________________________

خياره بتصرّفه في تلك العين بنقل أو غيره فيما إذا لم يكن تصرّفه ظاهرا في اغماضه عن خيار تعذّر الشرط و الّا فيسقط كما في تصرّف ذي الخيار في خيار المجلس أو الشرط أو نحوهما على ما تقدم في خيار الحيوان.

(1) ذكروا ان للمشروط له إسقاط شرطه فيما كان المشروط قابلا للإسقاط دون ما لا يقبل كاشتراط ملكيّة مال العبد أو حمل الدابة للمشتري و قد يقال في ضابط ما يقبل الأسقاط و ما لا يقبله ان المشروط إذا كان أمرا وضعيّا يكفي في حصوله نفس الاشتراط في العقد لا يقبل الأسقاط بخلاف ما إذا كان فعلا سواء كان لذلك الفعل ماليّة أم لا فان هذا

قابل للإسقاط حتى بناء على ان الفعل فيما كان له ماليّة مملوك للمشروط له فإن ملكيّة الفعل على العهدة نظر الدين- يقبل الاسقاط و لكن لا يخفى ان مجرّد كون المشروط امرا وضعيا يحصل بنفس الاشتراط لا يقتضي عدم جواز إسقاطه فإنّ الخيار المشروط أمر وضعي يحصل بنفس الاشتراط فيما لم يعين له زمان منفصل مع انّه يقبل الأسقاط منفصلا أو متّصلا و لا يبعد ان يقال ان المشروط فيما كان من قبيل الشي ء على عهدة المشروط عليه أو كان أمرا يكفي في زواله مجرّد الإلغاء كالخيار و منه اشتراط الوصف في أحد العوضين يقبل الأسقاط بخلاف ما إذا كان زواله يحتاج الى سبب خاص فإنه لا يزول الا بذلك السبب كملكيّة العين فإنّها لا يزول إلّا بالمعاملة و الإرث لا بمجرد الإسقاط الإنشائي.

لا يقال نفس الاشتراط في نفسه أمر اعتباري يقبل الأسقاط و الإلغاء و لا يفرق في ذلك بين كون المشروط قابلا للإسقاط أم لا فبالغاء نفس الاشتراط يسقط اعتبار المشروط وضعيّا كان أو فعلا خارجيّا أو غيرهما.

فإنه يقال نعم و لكن كما ان الاشتراط في تحققه يتبع العقد و يعتبر الالتزام المزبور شرطا كذلك في زواله يحتاج الى زوال ذلك العقد و لذا ينحل تمام الشروط من غير

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 449

[السابعة قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن]

السابعة قد عرفت ان الشرط من حيث هو شرط لا يقسط عليه الثمن (1).

______________________________

فرق بين مشروط و مشروط آخر بانحلال العقد.

و على ذلك فلو شكّ في كون المشروط مما يقبل الأسقاط و الإلغاء فمقتضى الاستصحاب بقاء ذلك المشروط و عدم زواله بناء على اعتباره في الشبهات الحكميّة و امّا بناء على عدم اعتباره فالأصل

عدم اعتبار المشروط بقاء و لكن هذا مجرد فرض فانّ خطاب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم مقتضاهما بقاء المشروط و عدم انحلاله كما لا يخفى.

ثم انّه يستثني عن جواز إسقاط شرط الفعل اشتراط العتق فإنّه لا يقبل الأسقاط لعدم انحصار الحق فيه لمشترطه بل فيه حق اللّٰه تعالى و حق العبد و ناقش المصنف (ره) في الاستثناء بأنّه ان أريد من حق العبد انتفاع العبد بعتقه فهذا لا يوجب استحقاقه المطالبة به و إجبار المشروط عليه به فيكون نظير ما إذا باع متاعه و اشترط على المشترى بيعه من آخر بأقلّ من القيمة السوقيّة فإنّه لا يجوز لذلك الآخر المطالبة بالبيع و الإجبار عليه.

و مما ذكر يظهر الكلام في حق اللّٰه فإنّه ان أريد بحق اللّٰه سبحانه إيجاب الوفاء بالشرط فيجري في جميع شرط الأفعال و لو كان المراد بان العتق في نفسه مستحب يعتبر فيه القربة فهذا يجري في سائر الأفعال المستحبّة كشرط التصدق للفقير بمال كذا و على الجملة لو لم يكن المشروط في نفسه عملا واجبا كإتيان الفرائض اليوميّة فلا يكون فيه حق اللّٰه بحيث يجبره الحاكم على الإتيان به من باب المنع عن المنكر اى ترك الواجب أقول لو كان المشروط في نفسه عملا واجبا كما ذكرنا ايضا يصح إسقاطه فلا يترتّب على تركه خيار الامتناع أو تعذر الشرط كما لا يخفى.

(1) و حاصل ما ذكر (قده) في المقام انّ الشرط في المعاملات و ان لا يقسط عليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 450

..........

______________________________

العوض بل الثمن في البيع يقع بإزاء نفس المبيع فلا يكون الشرط جزءا من المبيع و لا من الثمن الّا انّ عدم التقسيط

لجريان أبناء المعاملات في اعتبارهم و قرارهم على كون الشرط التزاما زائدا على الالتزام بأصل المعاملة و انّ الشارع قرر المعاملات و الشروط فيها على ما هي عليه عندهم و من الظاهر ان عدم تقسيط الثمن منهم غير شرط المقدار للمبيع أو الثمن.

و امّا إذا كان المشروط هو الكم في المبيع الشخصي أو الثمن الشخصي و ظهر عدم كونه بذلك المقدار فإنّ جماعة من القدماء و المتأخرين و ان ذهبوا الى شرط الكم كسائر الشروط في عدم التقسيط الّا انّ الأظهر هو التقسيط كما عليه اعتبار أبناء المعاملات فإنّه إذا باع صبرة على انّها مأة منّ و ظهرت تسعين فإنّه لا ينبغي الريب في انّ الفرض عندهم من ظهور عدم بعض المبيع فيستحق المشترى من الثمن ما يقع بإزاء عشرة أمنان فإنّ الثمن ثمن لمأة منّ خارجي.

و بتعبير آخر يكون البيع المزبور بالإضافة إلى عشر الثمن غير متحقق و يجوز للمشتري فسخه في الباقي لتبعّض الصفقة عليه كما ان له الإمضاء باسترداد الثمن الزائد وفاقا لجماعة كالشيخ في المبسوط و المحقق في الشرائع و العلّامة في جملة من كتبه و الشهيدين و غيرهما (قدس سرهم).

و دعوى ان الثمن المزبور يقع في إنشاء المعاملة بإزاء الموجود خارجا و انّما يعتبر وصف في المبيع و هو كونه بمقدار كذا فيكون من تخلف الوصف المشروط و يثبت فيه ما يثبت في فقد سائر الأوصاف المشروطة و لذا يقال بتقديم الإشارة على الوصف لا يمكن المساعدة عليها فان شرط الكم من ذكر عنوان للمبيع و ذلك العنوان موجود بعضه حقيقة و بعضه وهما كما عليه اعتبارهم و هذا كلّه فيما كان المبيع متساوي الأجزاء بأن كان مثليّا و امّا

إذا كان اجزائه مختلفة فالأمر فيه و ان كان كذلك ايضا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 451

..........

______________________________

كما يدل عليه خبر ابن حنظلة و لا يضر لدلالته اشتمال ذيله بحكم لم يعمل به الأصحاب و لا يمكن إرجاعه إلى القاعدة و هو إعطاء غير المبيع عوضا عن الجزء المعدوم الّا انه قد يقال ان شرط المقدار في مختلف الأجزاء لا يوجب الّا ثبوت الخيار فان شرط الكم فيه كبيع الحيوان بثمن و اشتراط حمله فيه أو بيع العبد بثمن و اشتراط ما له فيه في انّ ظهور عدم الحمل أو المال لا يوجب الّا الخيار.

و زاد بعض هؤلاء على هذا الاستدلال ما ذكر الشيخ (قده) في الفرق بين الصورتين من انّ الثمن في صورة اختلاف الأجزاء لا يمكن تقسيطه على المقدار الموجود و المقدار المفقود فإنّه إذا باع أرضا بثمن على أنها عشرة أجربة و ظهرت بعد المسح كونها خمسة فالخمسة المفقودة لا يمكن فيها تعيين الوصف بأنّها سهلة مثلا أو غير سهلة ليمكن تقسيط الثمن على ذلك المفقود و الموجود بخلاف فرض متساوية الاجزاء لأن المفقود فيه يفرض على وصف الموجود.

و أجاب المصنّف (ره) عن الفرق المزبور بان عدم إحراز ما يقع من الثمن بإزاء المفقود لا يوجب عدم استحقاق المشترى القسط الّذي لو فرض العلم بذلك القسط كان له الأخذ بذلك القسط و إذا لم يعلم ذلك القسط فيلزم المتبايعين بالمصالحة عليه الّا ان يقال انّ الحكم بصحّة البيع في البعض و الانحلال في البعض الآخر ينحصر بما إذا كان التّقسيط عند الحاجة إليه ممكنا و ان لم يعلم ذلك القسط ابتداء و امّا إذا لم يكن كما فيما نحن

فيه فلا بد من الحكم ببطلان أصل البيع بظهور المبيع على غير المقدار المشروط أو الحكم بالصحّة بلا تقسيط الثمن بان يثبت للمشروط له خيار الفسخ خاصّة.

و لكن يمكن الجواب عن هذه الدعوى بإمكان التقسيط عند الحاجة في الفرض أيضا فإنه لو كانت القطعة المزبورة مع اختلاف أجزائها متفقة في القيمة فالأمر واضح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 452

..........

______________________________

لأنه يكون الفرض كالفرض في متساوية الأجزاء فيفرض كون خمسة أجربة عشرة أو كون ثلثه من الخمسة الموجودة ثمانية فالثمانية مع الاثنين الباقيين من الخمسة عشرة أو يفرض أربعة من الخمسة الموجودة تسعة فتكون التسعة مع الواحد الباقي من الخمسة عشرة أو يفرض الواحد من الخمسة و الستة مع الأربعة الباقية تكون عشرة و امّا إذا كانت الأجزاء مختلفة في القيمة و قد رأى المشترى الخمسة الموجودة أو وصفها له البائع و تخيّل أنها عشرة بأن كانت الأرض جريبان منها سهلة و ثلاثة اجربتها غير سهلة و اشتراها بزعم أنها عشرة أجرته فيفرض السهل أربعة أجربة و غير السهلة ستة فتكون الثمن موزعة على العشرة كذلك فيأخذ المشترى من الثمن المسمى نصفها لأنّ الموجود خارجا نصف المبيع و هذا الفرض كالفرض في متساوي القيمة و ان لم يكن تحقّقه خارجا ضرورة انّ الخمسة لا تكون عشرة و ثلثه لا تكون ثمانية الّا ان فرضه طريق صحيح الى تقسيط الثمن المبذول بإزاء العشرة فقد تحصل انّ التقسيط في الصورة الثانية أيضا هو الأظهر و انّه كالصورة الأولى ممكن.

و ذكر السيّد اليزدي في المقام ما حاصله ان ذكر المقدار للمبيع الشخصي على نحوين فتارة يؤخذ شرط المقدار على حقيقة الشرط بان يكون المبيع هو الموجود

الخارجي كيف ما اتفق و يكون الثمن بإزاء نفس الموجود الخارجي و يكون اشتراط المقدار كاشتراط الوصف فيه و منه اشتراط حمل الحيوان المبيع للمشتري في كون تخلّفه موجبا للخيار و لا يضر في ذلك انّه على تقدير تحقق المقدار المزبور يكون الثمن بإزاء تمام المقدار لأنّ المقدار على تحقّقه من الموجود الخارجي الّذي بيع بالثمن المزبور بخلاف صورة عدم تحققه.

و اخرى يكون ذكر المقدار لا بعنوان الاشتراط حقيقة بل باعتبار أنّه عنوان المبيع الذي يكون بذل الثمن للموجود خارجا بذلك العنوان و يجرى ذلك في حمل الدابّة أيضا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 453

..........

______________________________

بأن يبذل الثمن بإزاء الدابة و حملها و في هذا الفرض يقسط الثمن و يتم البيع بالإضافة إلى المقدار الموجود فقط و ما ورد في رواية عمر بن حنظلة يحمل على البيع بالنحو الثاني بأن يراد بذكر عشرة أجربة أنّ العشرة يعطى لها الثمن نظير صورة اخبار البائع بوزن المبيع أو كيله أو تحمل الرواية على ثبوت الأرش في الوصف المشروط المفقود على ما تقدم و على الجملة فالمتبع صورة العقد و إنشائه مع عدم القرينة على خلافه من كون شرط المقدار كاشتراط سائر الأوصاف.

أقول إنّما يتبع ظاهر الإنشاء فيما إذا أمكن جعل شي ء جزءا من المبيع و جعله شرطا في بيع ذلك المبيع و اما إذا لم يكن الّا جعله شرطا كشروط الوصف الغير المقوم فلا معنى لجعله جزءا و ان أتى بنحو لو أتى بذلك النحو ما يمكن مقابلته بالمال لكان جزءا كما إذا قال بعت هذا العبد مع وصفه الكتابة بكذا حيث انّ الثمن يقع بإزاء العبد و لا يترتب على تخلّف الوصف الّا

خيار الفسخ فإنّه لا معنى لاشتراط وصف الكتابة إلّا جعل الخيار كما انّه إذا لم يكن جعل شي ء شرطا و التزاما بأمر آخر غير الالتزام البيعي فلا يحمل على الاشتراط و لو كان في صورة العقد بصورة الاشتراط كما في الوصف المقوّم بان قال بعت هذا الموجود بكذا على انه ذهب فظهر كونه نحاسا.

و على ذلك فنقول لا ينبغي الريب في ان اشتراط المقدار فيما كان المبيع من المثلي عنوان مقوم لما تقدم من انحلال البيع فيه بالإضافة إلى أجزائه الخارجيّة كانحلاله بالإضافة إلى أجزائه المشاعة و لو قال بعت هذه الصبرة من الحنطة على أنّها مأة كر بألف دينار فالمتفاهم منها ان كل كرّ منها قد بيع بعشرة دنانير و هذا ظاهر عند أبناء الأسواق و انه لو ظهر ان الصبرة المزبورة تسعون فلا يستحقّ البائع إلّا ما يقع الثمن بإزاء التسعين حتى ما لو كان الاشتراط بصورة اخبار البائع بالوزن.

و انّما الكلام فيما إذا كان المقدار فيما لا ينحل البيع فيه الى أبعاضه الخارجيّة و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 454

فان دلّت القرينة على انّ المراد اشتراط بلوغه هذا المقدار لا بشرط عدم الزيادة (1).

و لعل هذا هو الأظهر (2).

[القول في حكم الشرط الفاسد]

و الكلام فيه يقع في أمور (3).

______________________________

لم يكن البيع فيه و تعيين الثمن فيه بحسب المقدار و الكم مثلا لو قال بعت هذا الأرض التي عشرة أجربة كل جريب منها بكذا فإنه لا إشكال في بطلان البيع بالإضافة إلى خمسة أجربة لو ظهرت انها تكون خمسة أجربة.

و الحاصل ينبغي الكلام فيما إذا قال بعت هذا الأرض التي عشرة أجربة بألف فظهر كونها خمسة أجربة مثلا أو يقول بعت هذا

الأرض بكذا على انّها عشرة أجربة فنقول ففي مثل هذه الموارد لو كانت تعيين المبيع عرفا بحسب المقدار بحيث يكون البيع مع عدم ذكر الكم من بيع الغرر فلا ينبغي الإشكال في ان ذكر الكم عنوان مقوم أتى بصورة الشرط أم لا و ان لم يكن تعينه بالكم خاصة بل يكفي في بيعه المشاهدة أيضا يكون ذكر الكم شرطا أتى بصورة الاشتراط أو بنحو الأخبار.

(1) بان يكون في البين شرط آخر و هو ان الموجود على تقدير اشتماله للزيادة فتلك الزيادة للمشتري مجانا.

(2) لم يعلم وجه أظهريّته بل شرط المقدار إذا كان عنوانا يتعلّق البيع بالموجود بذلك العنوان يكون الزيادة للبائع لا محالة.

(3) ذكر (قده) انّه إذا كان الشرط في المعاملة محكوما بالفساد فلا ينبغي الإشكال في أنّه لا يجب الشرط فيما كان فعلا و انما يجب مع صحّة الشرط فان لزوم الإتيان بالفعل كان مستفادا من قوله (ص) المؤمنون عند شروطهم و المفروض عدم جريانه مع فساد الشرط كما لا ينبغي التأمل في انه يستحبّ الإتيان بذلك المشروط فيما كان المشروط عملا مباحا و قلنا بان فساد الشرط لا يسرى الى أصل المعاملة فإنّ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 455

..........

______________________________

الشرط مع فساده يدخل في عنوان الوعد فيستحب الوفاء به.

ثم ان فساد الشرط يسرى الى أصل المعاملة فيما كان فساده لجهالة المشروط لأنّ الشرط على ما تقدم قيد لأحد العوضين فيكون البيع مع جهالته غرريا و كذا يحكم بفساد أصل المعاملة فيما كان الشرط استيفاء المنفعة المحرمة من المبيع كما إذا باعه الخشب على ان يعمله صنما أو صليبا فإنّ المنفعة المحللة للخشب و ان كانت كثيرة و باعتبارها يحسب مالا

يصح المعاوضة عليه الّا ان مع اشتراط صنعه صنما أو صليبا يقتصر منفعته بالمحرم فيكون أخذ المال بإزائه أكلا له بالباطل لأن من شرط البيع ماليّة المبيع و لو لم يتم هذا يكفي في المقام دلالة بعض الروايات الواردة في النهي عن بيع الخشب ممّن يعمله صنما أو صليبا و كذا لا يصح البيع فيما كان وقوعه مع الشرط المزبور دوريا كما إذا باع متاعا و اشترط على المشترى بيعه منه ثانيا فإنّه قد ذكر العلامة (قده) بطلان البيع في الفرض لكون وقوعه دوريّا لان تحقق البيع موقوف على حصول الشرط توقف المشروط على شرطه و تحقق الشرط اى بيعه من بايعه ثانيا موقوف على تحقق البيع لأن من شرط البيع كون بايعه مالكا للمبيع و بما ان هذا التعليل عليل لانّ الشرط في المعاملات لا يدخل في اجزاء العلة ليتوقف البيع على حصول الشرط و الّا لما صّح اشتراط بيعه من غير بائعه أيضا ذكر وجها ثانيا لبطلان البيع و هو عدم قصد البائع للبيع مع الشرط المزبور و بما انّ هذا الوجه ايضا غير صحيح لانّ القصد الى البيع خصوصا مع اختلاف الثمن ظاهر ذكر وجها ثالثا و هي دلالة النص على بطلان البيع مع الشرط المزبور.

و الحاصل انّ الكلام في إفساد الشرط الفساد أصل المعاملة يختص بما لم يكن فساد الشرط موجبا للخلل في المعاملة بأن يوجب فقد شرطها انتهى محصل كلامه.

أقول يأتي انّ الملتزم بسراية فساد الشرط الى العقد يدّعى ان التراضي المعتبر في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 456

..........

______________________________

صحّة المعاملة ينتقى مع فساد الشرط حيث ان التراضي بالمعاملة منوط بحصول الشرط أى نفوذه.

فالقول بأنّ مورد الكلام

فيما لم يكن فساد الشرط للإخلال بما يعتبر في المعاملة بلا وجه بل الصحيح في المقام بعد التسالم على الكبرى و هي فساد أصل المعاملة بفساد شرطه فيما كان فساد الشرط موجبا للإخلال بما يعتبر فيها هو البحث في الصغرى و هي ان فساد الشرط يوجب فقد ما يعتبر في المعاملة مطلقا أولا يوجب مطلقا أو يوجبه في بعض الموارد دون البعض الآخر اللهم الّا ان يكون مراد المصنف (ره) ان المعاملة التي يختل فيها مع الشرط ما يعتبر مع قطع النظر عن فساد الشرط خارج عن مورد الكلام.

ثم انّ البحث في الصغرى كما ذكرنا مع قطع النظر عن قيام النص في مورد خاص ببطلان المعاملة بذلك الشرط فإنه يؤخذ بالنص في ذلك المورد و من ذلك ما إذا باع متاعا بشرط ان يبيعه منه ثانيا أو اشترى متاعا بشرط ان يشترى بايعه ثانيا و لكن مدلول النص كما يأتي ما إذا كان في البين اختلاف الثمنين في البيع الأول و البيع المشروط فلا بأس باشتراط بيع المتاع منه ثانيا مع عدم الاختلاف المزبور.

و اما بيع الخشب على ان يعمل صنما أو صليبا فقد ذكرنا في المكاسب المحرمة انّه لا يجوز بيعه ممّن يعمله صنما أو صنما للنص و النص لا يعم ما إذا اشترط البائع على مشتري الخشب صنعه صنما أو صليبا مع عدم عمل المشترى بالشرط و كذا لا يمكن استفادة عدم الجواز فيما كان شرط المشترى على البائع ان يصنعه البائع صليبا أو صنما مع عدم وفاء البائع بالشرط.

و دعوى انّ الخشب مع اشتراط المنفعة المحرمة يخرج عن الماليّة فيكون أكل الثمن بإزائه أكلا له بالباطل لا يمكن المساعدة عليها لأن الشرط

المنفعة المحرّمة مع فساد الشرط لا يوجب خروج الخشب عن المالية لا عقلا و لا شرعا فكيف يكون أخذ الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 457

و مقتضى التأمل في كلامه انّ الوجه في ذلك (1).

______________________________

بإزائه من اكله بالباطل.

و امّا جهالة الشرط فقد تقدم ان الشرط لا ينضم الى أحد العوضين لا قيدا و لا جزءا لا بمعناه المصدري و لا بمعناه المشروط و ان جهالته لا يوجب فساده فضلا عن إيجابه فساد أصل المعاملة إلا إذا كان المشروط خصوصيّة في أحد العوضين كاشتراط النسبة في الثمن أو كون المبيع بيد بايعه إلى مدة مجهولة يكون البيع فاسدا للغرر فيه.

و اما ما ذكر (قده) من عدم التأمل في استحباب العمل بالشرط مع كونه عملا مباحا في نفسه بناء على عدم فساد المعاملة بالشرط الفاسد فقد يقال كما عن النائيني (قده) ان الشرط الفاسد لا يدخل في عنوان الوعد فان الوعد اخبار و الاشتراط أمر إنشائي.

و قد يقال كما عن اليزدي (قده) بان الاستحباب لا يختص بصورة عدم فساد العقد به بل على القول بالإفساد أيضا يستحب الإتيان بذلك الفعل للوفاء بالوعد و لكن شي ء من الأمرين غير تام اما الأول فلما ذكرنا في بحث حرمة الكذب ان الوعد قسم منه اخبار و قسم منه إنشاء فإنّ الالتزام بالفعل للغير مستقبلا و إبراز ذلك الالتزام لا بمعنى الحكاية وعد فيدخل فيه الشرط في المقام و اما الثاني فلانّ الالتزام بالفعل للغير إنشاء لا يكون مطلقا بل على تقدير حصول المعاملة حيث انّ الالتزام الشرطي قسم من الوعد الإنشائي منوط بالمعاملة و على تقدير عدم المعاملة فلا التزام كما لا يخفى.

(1) بان يكون المشروط

تسليم المبيع أى الزرع سنبلا فإنّه لا ينبغي في الفرض في بطلان البيع لعدم إحراز التمكن من هذا التسليم فيكون نظير اشتراط كون المبيع بيد بايعه إلى مدّة مجهولة في إيجابه الغرر في البيع فإنّه يعتبر في البيع التمكن عي التسليم و لو بالتسبيب بنحو الوثوق و العادة و امّا إذا كان الشرط صيرورة الزرع سنبلا و لو بعد تسليم المبيع الى مشتريه فبطلان الشرط المزبور مسلّم و لكن في كونه موجبا لبطلان البيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 458

و ربما ينسب الى ابن المتوج البحراني (1).

أحدها ما ذكره الشيخ في المبسوط للمانعين (2).

______________________________

مورد الكلام في المقام.

ثم لا يخفى ان المصنف (قده) قد نسب الى الشيخ (ره) و من تبعه فيما سبق عدم كون فساد الشرط موجبا لفساد العقد و نسب إليه في المقام كون فساده موجبا له و الظاهر ان النسبة في المقام سهو من قلمه الشريف.

(1) و ربما يقال ان الخلاف في كون الشرط الفاسد مفسدا للعقد أم لا فيما لم يكن فساد الشرط للغويته كما إذا باع المتاع و اشترط على المشترى لبس ثوب مخصوص أو أكل طعام خاصّ فإنه لا خلاف في الفرض في صحّة العقد و لزومه. مع بطلان الشرط و قد تقدم عن التذكرة قوله انه يعتبر في الشرط كونه مقصودا للعقلاء و ما لا يتعلّق به غرضهم لغو لا يؤثر في الخيار و منه اشتراط الكيل بمكيال معيّن في بيع السلم نعم قد وقع الكلام في بعض الموارد بأنّ الشرط فيه غرض عقلائي أم لا كاشتراط كفرا لعبد المبيع و يؤيّد ان ما لا غرض فيه من الشرط خارج عن مورد الكلام في المقام

استدلال القائل بفساد العقد بفساد شرطه بان للشرط قسطا من الثمن و مع فساده يكون القسط الواقع بإزاء المبيع مجهولا.

و وجه التأييد أن شرط اللغو لا يكون له قسط من الثمن.

نعم الاستدلال الآخر على الإفساد بأنّ التراضي منوط بحصول شرطه و مع عدم حصوله لا تراضي يجري في الشرط اللغو أيضا الّا ان الشهيدين مع استدلالهما بهذا الوجه قد صرّحا بأنّ اشتراط كفر العبد و جهله بالعبادات لغو اى لا يترتب عليه أي أثر و من الأثر فساد العقد به كما لا يخفى.

(2) استدل الشيخ (قده) في مبسوطه على سراية الفساد إلى أصل المعاملة بأن للشرط قسطا مجهولا من الثمن بمعنى انّ الشرط على البائع ينضم الى المبيع و يقع الثمن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 459

..........

______________________________

بإزاء المبيع و الشرط و إذا فرض فساد الشرط و جهالة القسط الواقع بإزائه يكون القسط الواقع بإزاء المبيع مجهولا فيبطل البيع بالإضافة إليه أيضا.

و أورد المصنّف (ره) على الاستدلال المزبور بعد النقض عليه ببطلان الشرط في النكاح بأمور و وجه النقض انّ فساد الشرط في النكاح و ان لا يوجب بطلان النكاح لدلالة الروايات على بقاء النكاح ببطلان الشرط فيه الّا انه يلزم على القائل ببطلان العقد ببطلان شرطه لأن للشرط قسطا من الثمن الحكم ببطلان المهر المسمى ببطلان الشرط على الزوج و ذلك فانّ المهر المسمى في النكاح لو كان مالا متعدّدا كما إذا جعل شاتان مهرا و ظهر ان احدى الشاتين ملك لغير الزوج يبطل المهر المسمى و يتعيّن مهر المثل و الشرط على الزّوج جزء المهر بناء على القول بان للشرط قسطا من الثمن فيلزم من بطلان الشرط المزبور بطلان المهر

المسمى.

و الأمور الّتي ذكرها في الإيراد كما تلي الأوّل ان مدلول عقد البيع مثلا وقوع الثمن بإزاء نفس المبيع فلا يكون الشرط اى المشروط جزءا من الثمن و لا من المثمن غاية الأمر يكون الشرط قيدا لأحدهما بحيث بكون بالقيد المزبور زيادة ماليّة أحد العوضين و نقصها و الشاهد بعدم كون المشروط جزءا أنّه لا يثبت للمشروط له عند تخلف الشرط الّا الخيار لا المطالبة ببدل الشرط.

الثاني انّه على تقدير انّ للشرط على البائع قسطا من الثمن فلا نسلم جهالة ذلك القسط و كما ان القسط الواقع بإزاء المبيع الموصوف بوصف و فاقده مضبوط عرفا كذلك المبيع المشروط معه فعل على البائع و الخالي عن الشرط مضبوط عندهم و بتعبير آخر يكون المقام من بيع شيئين بثمن ثم ظهر فساده بالإضافة إلى أحدهما.

و الثالث انّه لا يعتبر في المعاملة إلّا كون الثمن الواقع في الإنشاء معلوما و اما الجهالة الطارية بعد إنشائها فلا يضرّ لصحّتها.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 460

الثاني ان التراضي (1).

______________________________

أقول الصحيح في الجواب هو ان الشرط لا يقسط الثمن عليه في المعاملة و لا يكون قيدا لأحد العوضين ايضا لا بمعناه المصدري و لا بمعناه المشروط و الوجه في صحّته التزام القائل بعدم السراية بانتقال كل الثمن إلى البائع و انتقال تمام المبيع إلى المشترى مع فساد الشرط بلا فرق بين الشرط على البائع أو المشتري كما لا يخفى.

(1) و قد يستدل على بطلان العقد ببطلان شرطه بانتفاء التراضي المعتبر في المعاملة بفساد الشرط و بيانه ان التراضي قد تعلق بالعقد بنحو خاصّ و مع عدم حصول الخصوصيّة ينتفي التراضي كما هو مقتضى انتفاء المقيّد بانتفاء القيد و

عدم بقاء الجنس بانتفاء الفصل و المعاوضة بين نفس المثمن و الثمن بلا شرط معاوضة أخرى تحتاج إلى إنشاء أخر و تراض جديد و حيث انه لم تنشأ تلك المعاوضة و لم يحصل التراضي الجديد يكون أكل الثمن بإزاء نفس المبيع من اكله بالباطل و بغير تراض.

و أجاب (قده) بان ارتباط الشرط بالعقد ليس بنحو يحتاج مع عدم صحّة الشرط إلى إنشاء عقد آخر بتراض جديد و لا يكون مطلق الارتباط مقتضيا لذلك فإنّه قد ثبت صحة العقد مع عدم حصول جزء المبيع كما في مورد تبعّض الصفقة و كذا مع انتفاء وصفه المشروط كما إذا باع العبد بوصف كونه كاتبا فظهر غير كاتب و كما في النكاح فإنّه لا يبطل النكاح ببطلان الشرط فيه كما هو مورد النص و الفتوى و قد تقدم ان ظاهرهم التسالم في الشرط اللغو صحّة العقد مع إناطة التراضي بالعقد بالشرط يجرى فيه ايضا.

و ايضا ذكروا انه لا أثر للتواطي على الشرط مع عدم عدم ذكره بالعقد مع جريان الإناطة فيه ايضا و الغرض من ذكر هذه الموارد إثبات إمكان التفكيك بين العقد و الشرط فيه في الحكم بالصّحة في العقد و الفساد في شرطه لا ان الحكم في هذه المورد دليل على ان فساد الشرط لا يوجب بطلان العقد بل المراد إثبات أن ارتباط

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 461

..........

______________________________

الشرط بالعقد ليس بنحو يوجب بطلانه انتفاء التراضي بالعقد حيث لا يمكن الالتزام في الموارد المزبورة بأن الأكل فيها باطل عرفا و لكن قد جوزه الشارع تعبدا و قهرا على المتعاقدين و الحاصل ان التوجيه في هذه الموارد بعدم انتفاء التراضي بالعقد فيها يجري في

جميع موارد الشروط الفاسدة و لذا ذكر في جامع المقاصد بان التفصيل بين الجزء و الشرط بالالتزام بصحّة المعاملة بالإضافة الى بعض المبيع بعد بطلانه بالإضافة إلى بعضه الآخر و عدم الالتزام بعدم صحّة المعاملة بعد بطلان شرطها مشكل.

و الحاصل يمكن دعوى انّ فساد الشرط لا يوجب انتفاء التراضي بأصل العقد أخذا بالموارد المزبورة.

و توضيح الدعوى أنّ القيود المأخوذة في المطلوبات الشرعية و العرفيّة على نحوين الأول ما يكون ركنا في المطلوب بحيث لا يكون الفاقد مطلوبا كما إذا باع الموجود على انّه عبد فظهر كونه حمارا و تعلق طلب المولى بالإتيان بتتن الشطب فإنه لا يكفي الإتيان بالأصفر أى التتن الّذي يستعمل في النّار جيل المعروف لغة الفرس ب (قليان) و تعلّقه بالغسل للزيادة تنظيفا فإنه لا يكفى التيمّم و لا يقوم مقامه حيث لا تنظيف في التيمم بخلاف ما إذا باع الموجود بأنه عبد صحيح فظهر معيبا أو أمره بالإتيان بالتتن الجيّد فاتى بالردي و بالغسل بماء الفرات فاغتسل بغيره فانّ العرف في هذه الموارد يحكم بان الموجود نفس المطلوب غاية الأمر فاقد لجهة أخرى مطلوبة ايضا و يعبّر عن ذلك بموارد تعددّ المطلوب و الظاهران الشرط في المعاملات من القبيل الثاني و يكون قيدا لأحد العوضين بنحو لا يكون ركنا في المعاوضة و عليه فلو كان المشروط له جاهلا بفساد الشرط يمكن ان يقال بثبوت الخيار له لكون لزوم العقد بدون الشرط ضرريّا عليه بخلاف ما إذا كان عالما بفساده و مع ذلك قد أقدم على المعاملة مع الشرط فإنه بإقدامه على الضرر يكون العقد لازما عليه و هذا الخيار غير مصرح به في كلماتهم انتهى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 462

الثالث رواية عبد الملك بن عتيبة (1).

______________________________

ما افاده (ره) في المقام.

أقول قد تقدم ان المعاملة تكون معلّقة على الشرط بمعناه المصدري أي الالتزام سواء كان المشروط فعلا أو أمرا وضعيّا و انّ التراضي المعاملي المعتبر في المعاملات نفس إنشاء المعاملة لا بالإكراه عليها و لا يعتبر فيها طيب النفس الباطني و عليه فالالتزام المعلق عليه حاصل فتكون المعاملة و إنشائها حاصلا غاية الأمر لا يكون الشرط المزبور نافذا بمعنى انّ المشروط على تقدير كونه فعلا لا يجب الإتيان به و على تقدير كونه أمرا وضعيّا لا يكون ممضى شرعا و من الظاهر لا تعليق للعقد على المشروط أصلا بل عدم حصول المشروط في مورد اشتراط الفعل بل و غيره يكون من شرط الخيار المشروط و يثبت هذا الخيار للمشروط سواء علم فساد الشرط أم لا فان شرط الخيار شرط آخر غير الشرط الباطل و ليس لقاعدة نفى الضرر لينحصر ثبوته بصورة جهل المشروط له بالفساد.

و مما ذكرنا ان قضيّة تعدد المطلوب لا ترتبط بالمقام حيث انه قد بينّا فيما سبق انّ الشرط لا يكون قيدا ليقال انّه غير ركن أضف الى ذلك ان ما ذكره (قده) من تعدد المطلوب ضعيف جدا في موارد الطلب الإلزامي و لا يساعد عليه الظهور العرفي نعم ذكروا ذلك في باب المستحبات و هو ايضا لا يخلو عن تأمّل إلّا في موارد قيام قرينة عامّة أو خاصّة على ما ذكر تفصيله في باب المطلق و المقيد.

(1) استدل على فساد العقد بفساد شرطه بروايات منها رواية عبد الملك بن عتيبة رواها الشيخ بإسناده عن احمد بن محمد بن عيسى عن على بن حكم عنه قال سألت أبا الحسن

عليه السلام و سند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى و ان كان فيه كلام لا يسعه المجال الّا انه معتبر و لكن عبد الملك بن عتيبة لم يوثق فإنه الهاشمي لا النخعي الثقة بقرينة رواية على بن الحكم و وجه الاستدلال بها رجوع الضمير لا ينبغي إلى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 463

..........

______________________________

العقد و ان المراد به الحرمة الوضعيّة يعني العقد المشروط فيه ضمان الضرر على البائع فاسد و لا يمكن إرجاعه إلى الشرط و الأخذ بظهور لا ينبغي في الكراهة حيث لا معنى لصحّة البيع و كراهة الوفاء بالشرط إذا لو كان البيع صحيحا لوجب الوفاء بالشرط على تقدير صحّة الشرط أو استحب على تقدير فساده.

و أجاب (قده) عن الاستدلال برجوع لا ينبغي إلى العقد و المراد به الكراهة بمعنى ان العقد المشروط فيه الضرر على البائع مكروه و ان كان يجب العمل بالشرط على تقديره.

أقول لو كان اشتراط الضرر على البائع بنحو شرط الفعل تم ما ذكره و امّا لو كان بنحو شرط النتيجة فلا يمكن الالتزام بصحّة الشرط فانّ كون الضرر على البائع شرط ينافي مقتضى العقد فان النفع أو الضرر يتبع الأصل كما لا يخفى و كيف كان فلا يبعدان يكون المراد بلا ينبغي الفساد و أنّ الفساد يرجع الى الشرط لا إلى أصل البيع.

و منها رواية الحسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام يجيئني الرجل فيطلب العينة فاشترى له المتاع مرابحة ثم أبيعه إيّاه ثم أشتريه منه مكاني قال إذا كان بالخيار إنشاء باع و ان شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر

فلا بأس فقلت ان أهل المسجد يزعمون ان هذا فاسد و يقولون ان جاء به بعد شهر صلح قال انما هذا تقديم و تأخير فلا بأس و الرواية ضعيفة سندا بالحسين بن المنذر.

و منها صحيحة على بن جعفر عليه السلام قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم ثم اشتراه بخمسة دراهم أ يحلّ قال إذا لم أ يشترط و رضيا فلا بأس و وجه الاستدلال ان مقتضى نفى البأس عن بيع الشي ء ثم شرائه بعدم اشتراط الشراء في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 464

..........

______________________________

البيع الأول مقتضاه عدم جواز البيع المزبور مع اشتراط الشراء فيه و البأس في البيع ظاهر فساده.

و أجاب (ره) عن ذلك بوجهين الأول انّ البأس في الروايتين مع الاشتراط راجع الى الشراء ثانيا و ان الشراء ثانيا لا بأس به مع عدم اشتراطه في البيع الأول و الّا يكون الشراء ثانيا باطلا و لا بأس بالالتزام بذلك فان اشتراطه في البيع الأول يوجب ان يقع الشراء ثانيا بلا تراض و بنحو الإلزام على المشروط عليه و ذكر (قده) انه يؤيّد ذلك ما في رواية الحسين بن المنذر من نقل الراوي ما يذكر أهل المسجد من بطلان الشراء ثانيا مع عدم الاشتراط ايضا و انه لو وقع الشراء بعد شهر صحّ لا قبله.

ثم قال لو فرض رجوع البأس مع الاشتراط الى البيع الأوّل فلا يدل على سراية فساد الشرط الى العقد فان الكلام في المقام في سراية فساد الشرط الى العقد لا فيما أوجب الاشتراط الخلل في العقد و ما في الروايتين من قبيل الثاني حيث ان فساد البيع بالاشتراط المزبور لكون صحّته مع الشرط المزبور دوري كما

ذكره العلامة أو لأنّ البائع لا يقصد البيع مع الشرط المزبور كما عن الشهيد (ره) أو لغير ذلك و كيف ما كان فاشتراط شراء المال ثانيا لا يكون في نفسه باطلا لأنّه غير مخالف للكتاب و السنّة و لا منافيا لمقتضى العقد ففساد العقد مع الاشتراط المزبور يكون للخلل في العقد لا للفساد في شرطه.

أقول ظاهر الروايتين ان بيع العينة مع الاشتراط لا يصح و ان بيع المتاع بشرط شرائه ثانيا محكوم بالبطلان و لا بأس بالالتزام به و هذا كما ذكر (ره) أخيرا لا بأس بالالتزام به تعبدا لا للدور و عدم قصد البيع كما تقدم و اما إرجاع البأس بالشراء الثاني و ان بطلانه لعدم التراضي به ففيه ما لا يخفى فان لازم ذلك بطلان البيع بشرط بيع المتاع و لو من ثالث و لا أظن أن يلتزم به أحد و ان التراضي المعتبر في المعاملة هو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 465

و يدل على الصحة جملة من الاخبار (1).

______________________________

عدم الإكراه عليها بلا حق على ما تقدم في بيع المكروه و ان طيب النفس بمعنى ابتهاجها غير معتبر في المعاملات أصلا.

(1) استدل (قده) على صحّة المعاملة مع فساد الشرط فيها بروايات منها ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن عبيد اللّٰه بن على الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انه ذكران بريرة كانت عند زوج لها و هي مملوكة فاشترتها عائشة فأعتقها فخيرها رسول اللّٰه (ص) ان شائت ان تقر عند زوجها و ان شائت فارقته و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا ولاءها على عائشة فقال رسول اللّٰه (ص) الولاء لمن أعتق فإن الحكاية ظاهرة تمام الظهور في

ان شرط الولاء المحكوم بالفساد لا يوجب بطلان البيع و الّا كان عتقها في ملك الغير و حملها على الاشتراط خارج العقد مع كونه خلاف الظاهر ينافيه تعليل الحكم في هذه الرواية إشارة و في غيرها صراحة بأن شرط الولاء لغير المعتق مخالف للكتاب و السنة.

و منها مرسلة جميل و صحيحة الحلبي و في الأولى أي المرسلة عن أحدهما عليهما السلام في رجل اشترى جارية و شرط لأهلها ان لا يبيع و لا يهب قال يفي بذلك إذا شرط لهم رواها الشيخ بإسناده عن احمد بن عيسى عن على بن حديد عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا و رواها أيضا بإسناده عن على بن إسماعيل الميثمي و زاد في الثاني الّا الميراث و سنده (ره) الى على بن إسماعيل غير مذكور و كيف ما كان فالأمر بالوفاء بالشرط في عدم البيع و الهبة دون الميراث شاهد بعدم سراية فساد الشرط الى العقد فانّ شرط عدم الميراث بان لا يثبت في ملك المشترى عند موته باطل كما تقدم و لو كان العقد مع بطلان شرطه فاسدا لما أمر عليه السلام بالوفاء بشرط عدم البيع و الهبة بل لو كان شرط عدم البيع و الهبة فاسدا ايضا كما نسب الى المشهور لكان الأمر بالوفاء بهما استحبابا وفاء للوعد دليلا على عدم بطلان البيع و الوجه في استثناء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 466

و قد يستدل على الصحّة بان صحّة الشرط (1).

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 466

في ثبوت الخيار

للمشروط له مع فساد الشرط (2).

______________________________

الميراث عن استحباب الوفاء لكون الإرث لا يقبل الاستحباب أو الوجوب كما لا يخفى.

و في الثانية أي صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الشرط في الإماء لا تباع و لا توهب و لا تورث فقال يجوز في غير الميراث فإنها تورث و كل شرط خالف كتاب اللّٰه فهو ردّ و ظاهر قوله عليه السلام فإنّها تورث شاهد لثبوت البيع و سقوط شرط عدم الإرث بل في قوله عليه السلام كل شرط خالف كتاب اللّٰه فهو ردّ ان الشرط لا يعمل به مع كونه مخالفا لكتاب اللّٰه و انّ العقد يبقى في جميع موارد عدم العمل بالشرط لمخالفته كتاب اللّٰه و يؤيّد أيضا صحّة المعاملة مع بطلان الشرط ما ورد في الشرط الفاسد في النكاح.

(1) و قد يستدل على صحة العقد مع بطلان شرطه بان صحّة الشرط متوفّقة على صحة العقد و لو كان صحّة العقد متوقّفا على صحّة الشرط لدار و فيه ما لا يخفى فان مدعى سراية الفساد الى العقد يدعى الملازمة بين الحكمين اى الحكم بصحة العقد و إمضائه و الحكم بصحّة الشرط و إمضائه نظير الملازمة بين وجوب القصر و لزوم الإفطار و الملازمة بين الحكمين لا يرتبط على كون كل من الحكمين علة لحدوث الحكم الآخر كما هو واضح.

(2) ذكر (قده) انه بناء على صحّة المعاملة مع فساد الشرط فيها يثبت للمشروط له خيار الفسخ مع جهله ببطلان الشرط لأن عدم حصول الشرط المزبور من تخلّف الشرط لأن المانع الشرعي و تحريم الشارع الفعل المشروط في المعاملة كتعذّر ذلك الفعل عقلا في عدم حصول الشرط و تخلّفه فيدلّ على ثبوت الخيار

مع بطلان الشرط ما دلّ على ثبوته عند تخلف الشرط.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 467

..........

______________________________

ثم لا فرق في ثبوت الخيار للمشروط له مع الجهل بفساد الشرط بين جهله بالحكم كما إذا لا يعلم بان شرط كنس المسجد على الحائض باطل أو جهله بالموضوع بان لا يعلم بان المشروط عليها الكنس حائض و الشاهد لثبوت الخيار و لو مع الجهل بالحكم تقصيرا ذكرهم ثبوت خيار الغبن للجاهل به أو بفوريّته.

و لكن يمكن القول بان الجاهل بفساد الشرط كالعالم بفساده في عدم ثبوت الخيار له سواء كان بطلان الشرط مع جهله بالحكم أو الموضوع لانّ الدليل على ثبوت الخيار مع تخلف الشرط الإجماع و قاعدة نفى الضرر و شي ء منهما غير جار في المقام فإن الإجماع على الخيار مع بطلان الشرط غير محرز بل تقدم عدم الإشارة الى ذلك في كلماتهم فضلا عن التصريح و اما قاعدة نفى الضرر فقد ذكرنا في التكلم في القاعدة أنّه لا يعمل بها في غير مورد إحراز عمل المشهور بها للعلم بأنه كان لها قيد لم يصل إلينا و عمل المشهور بها في مورد كاشف عن عدم شمول القيد لذلك المورد و الوجه في العلم الإجمالي المزبور استلزام إطلاقها تأسيس فقه جديد خصوصا لو جعل الجهل بالحكم عذرا بحيث تنفى بالقاعدة الحكم الضرري المتعلق بالمكلف و لو لجهله بالحكم الشرعي الآخر كنفي لزوم المعاملة في صورة الجهل بخيار الغبن أو جهله بفوريّته.

و الوجه في استلزام العمل بعموم القاعدة تأسيس فقه جديد انه يثبت في المعاملات من جهة الجهل بأحكامها خصوصا الجهل بصحّتها أو فسادها ضرر لا يتدارك فيلزم ان لا يثبت صحتها أو فسادها لئلا يقع الضرر

كما إذا اشترى مالا نسية مع عدم تعيين المدة في ناحية الثمن للجهل باشتراط التعيين و تسلم المبيع ثم علم بطلان البيع فانّ بطلانه يوجب تضرّر البائع لو قيل بأن أجرة حمل المتاع اليه ثانيا على البائع و تضرر المشترى لو قلنا بأن أجرته عليه فيلزم ان ينفى فساد المعاملة بقاعدة نفى الضرر لئلا يقع الضرر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 468

و هو المانع من صحّة البيع (1).

و في باب المرابحة بعد ذكر المحقّق (2).

______________________________

و الحاصل ان العمل بقاعدة نفى الضرر في لزوم البيع مع فساد الشرط فيه غير محرز فلا يمكن نفيه و لو مع جهل المشروط له بفاسد الشرط حكما أو موضوعا.

أقول قد تقدم ان الخيار في المعاملات لا يثبت بقاعدة نفى الضرر و لو جرت القاعدة فيها لكان مقتضاها فسادها لا ثبوت الخيار و ان المدرك للخيار في المقام و نظيره هو الشرط الارتكازي الثابت في المعاملات و هذا الشرط مشمول لقوله صلى اللّٰه عليه و آله المسلمون عند شروطهم.

بل لا يبعدان يثبت الخيار فيما كان المشروط المحكوم بالفساد أمرا وضعيّا فانّ عدم حصوله ايضا موضوع للخيار المشروط في ارتكازهم و يشهد لذلك موت المشروط عليه بعد العقد مع شرط الوكالة بنحو شرط النتيجة عليه.

و امّا ما ذكر (قده) من ان الأخذ بعموم القاعدة يوجب تأسيس فقه جديد فقد ذكرنا في محلّه ان الحكم الضرري منفي بها لا الناشي من عدم الحكم أو الناشي من غير الحكم و هذا لا يستلزم محذورا و التفصيل في محلّه.

(1) اى الشرط مانع عن صحة البيع و مع إسقاط الشرط يصح البيع ثم ذكر و بالجملة فهل يترتب على مثل شرط تخمير العنب

فساد بيعه من أصله بحيث لو رضى المشترى بإسقاط شرطه لم يصح البيع أيضا أو انّ البيع بدون إسقاط الشرط موقوف فإن أسقط صحّ و وجه الإيقاف ان التراضي بأصل العقد كالتراضي في عقد المكروه و الفضولي و لكن الجواب ما قيل في وجه بطلان العقد ببطلان شرطه مقتضاه عدم كفاية إسقاط الشرط حيث ان العقد المطلق غير منشأ كما لا يخفى.

(2) ذكر المحقق (قده) في مسألة اشتراط بيع المبيع من بايعه ثانيا انه لو لم يشترطا البيع الثاني بذكره في البيع الأول شرطا بل كان ذلك من قصد هما من غيران

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 469

..........

______________________________

يشترطا لفظا كان البيع مكروها.

ثم انه ذكر في المسالك في مسألة اشتراط البيع من البائع ثانيا انّ المراد من اشتراط بيعه من بايعه ذكر هذا الشرط في عقد البيع و لو لم يذكرا في العقد بل كان بيعه من بايعه ثانيا في قصد المتبايعين فقط لم يضر هذا القصد بصحّة البيع و لا بصحّة الشراء من مشتريه ثانيا و امّا لو ذكرا هذا الشرط قبل العقد و تركا ذكره في العقد فان كان عالمين بأنّ الشرط المذكور قبل العقد لا اثر له فيحكم أيضا بصحّة البيع و الشراء ثانيا و امّا لو جهلا ذلك و تخيّلا انّ المذكور قبل العقد كالمذكور في العقد يحكم ببطلان البيع نظير الحكم ببطلانه مع ذكر الشرط في نفس العقد و الوجه في التفصيل انه مع علمهما بعدم الأثر للشرط المذكور قبل العقد يكون إقدامهما مطلقا بخلاف ما إذا جهلا و تخيّلا لزوم الشرط فإن إقدامهما على ملكية المبيع يكون مقيّدا.

و ذكر أيضا في المسالك في ذيل كلام المحقق

في باب المرابحة انّه لو لم يشترطا بيع المتاع من بايعه ثانيا في متن عقد البيع بل اشترطا ذلك قبل البيع فلا يوجب بطلان البيع إلّا إذا توهّما لزوم رعاية المذكور قبل العقد أيضا أو علما عدم لزومه و لكن كان عدم ذكره في متن العقد لنسيانهما.

ثم تعرّض لما يورد على كلام المحقق من حكمه بصحّة البيع من عدم ذكر الشرط في عقد البيع و كونه في قصدهما فقط و لما يجاب عن الإيراد أما الإيراد فهو ان العقود في صحتها تتبع القصود و إذا لم يكن العقد بحسب القصد مطلقا كما هو فرض قصدهما بيع المتاع من بايعه ثانيا فكيف يحكم بصحّة البيع اما الجواب فلأنّ صحّة الشرط و ان يحتاج الى قصده و ذكره في العقد و لكن فساد الشرط لا يتوقف على قصده بل يكفى فيه عدم ذكره في العقد كما انّ بطلان العقد بالشرط يتوقف على قصد ذلك الشرط و ذكره في العقد و كذلك صحّة الشرط فإنّه يتوقف على القصد و ذكره في العقد و المفروض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 470

..........

______________________________

عدم حصول الشرط كذلك ثم أورد على هذا الجواب بان توقف صحّة العقد على اللفظ و القصد لازمه الحكم ببطلان العقد مع عدم القصد كما هو مقتضى الإيراد فإن اللّفظ يحصل من الساهي و الغالط و المكره و لكن لا يصح عقدهم لعدم القصد.

و على ذلك فإنّما يحكم بصحّة البيع مع عدم ذكرهما الشرط في متن العقد فيما لو قصد البيع المتاع من المشترى بحيث يكون ملكا له على وجه لا يكون للبائع إلزامه ببيعه منه ثانيا بل يكون هذا البيع باختيار المشترى و إرادته

و إقدام البائع على بيع المتاع لوثوقه بالمشتري و انه لا يمتنع عن تمليك المتاع منه ثانيا بمحض اختياره و وعده.

و أورد المصنف (قده) على المسالك بأنّه لو فرض الحكم بفساد العقد فيما إذا شرطا بيع المتاع من بائعة ثانيا قبل العقد مع جهلهما بفساد الشرط المذكور قبل العقد لزم الحكم بفساد العقد مع علمهما بفساده أيضا فإن العلم بالفساد شرعا لا ينافي قصدهما ملك المتاع للمشتري بنحو يحقّ للبائع إلزامه ببيعه منه ثانيا بان لا يقصد ملك المتاع للمشتري بالملك المطلق كما ان العلم بفساد بيع لا ينافي قصد بيع المتاع من المشترى لا مجانا نظير ما إذا باع المكيل من المشترى بغير كيل و على الجملة كون تمليك المتاع من المشترى مقيّدا أو مطلقا أمر عرفي يحصل بالعقد من المتعاقدين و قصد المتعاقدين لا يتبع الفساد الشرعي.

أقول لو كان الوجه في فساد البيع مع ذكر شرط بيع المتاع من بايعه ثانيا في متن العقد عدم قصد المتعاقدين ملك المتاع بنحو الإطلاق فالظاهر عدم الفرق في بطلان البيع بين ذكره في متن العقد و بين ذكره سابقا و إيقاع العقد مبنيّا عليه لعدم الفرق بين عدم قصد الملك المطلق في الصورتين و كذا لو قلنا بان فساد البيع المشروط فيه بيع المتاع من بايعه ثانيا للتّعبد فإنه أيضا يحكم ببطلان البيع في الصورتين لان العقلاء لا يفرقون في معاملاتهم بين ذكر الشرط في متن العقد أو ذكره سابقا و إيقاع العقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 471

[الكلام في أحكام الخيار]

اشارة

الخيار موروث بأنواعه (1).

______________________________

مبنيّا عليه ففي الصورتين مع الشرط المزبور ليس المشترى بحسب بنائهم ان يبيع أو يترك البيع من بايعه ثانيا كما

انّه ليس للبائع ان يأخذ المبيع ثانيا أو ان يتركه و قد ذكر في رواية الحسين بن منذر و صحيحة على بن جعفر هذا الاختيار شرطا في صحّة البيع و ليس المراد خصوص الاختيار شرعا و الّا فالاختيار شرعا حاصل حتى مع ذكره في العقد ايضا لبطلانه كما لا يخفى.

(1) الخيار موروث بأنواعه بلا خلاف كما عن جماعة و في التذكرة ان الخيار عندنا موروث بجميع أنواعه لأنه من الحقوق كالشفعة و القصاص و وافقنا في الحكم الشافعي إلّا في خيار المجلس و عن الغنيّة الإجماع على إرث خيار المجلس و الشرط و يستدل على إرث الخيار مضافا الى الإجماع بأنّ الخيار حق للميّت فيعمّه قوله سبحانه و لِلرِّجٰالِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّسٰاءِ نَصِيبٌ مِمّٰا تَرَكَ الْوٰالِدٰانِ وَ الْأَقْرَبُونَ و بالنبوي المعروف ما ترك الميّت من حقّ لوارثه.

و ذكر المصنف (ره) ان الاستدلال على هذا الحكم بالكتاب العزيز و الأخبار الواردة في إرث تركه الميت يتوقف على ثبوت أمرين الأوّل- كون الخيار حقا لا حكما نظير حق المالك ان يجيز البيع الجاري على ماله فضولا و جواز أن يرجع الواهب في هبته و جواز الفسخ في العقود الجائزة فإنّ الجواز في هذه المورد حكم شرعي و الحكم الشرعي يتبع موضوعه و لا يدخل في الإرث و كذا لا يحكم بالإرث فيما إذا تردد كون شي ء حقا أو حكما فإنّ الأصل عدم ثبوته للوارث أو عدم انتقاله الى غيره و ليس في البين ما يدل على كون الخيار حقا اى قابلا للإسقاط في مقابل الحكم غير ما دل على انتهاء الخيار بالتصرف في المبيع الحيوان معلّلا بأنّ التصرف رضاء بقرار البيع و

استفادة كون الخيار في جميع موارده حقا قابلا للإسقاط لا يخلو عن اشكال و التمسك على كونه مطلقا قابلا للإسقاط بالإجماع فيكون حقّا مستغنى منه بقيام الإجماع على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 472

..........

______________________________

نفس إرث الخيار كما تقدم.

الثاني بعد كون الخيار حقا قابلا للإسقاط ثبوت كونه من الحقوق التي تقبل النقل ليثبت للوارث و يصدق انه مما تركه الميّت بان لا يكون من له الحق مقوما للحق كما في حق الجلوس للمسجد أو السوق فإنّه يثبت للجالس و لا ينتفل الى غيره و كذا حق التولية أو النظارة فإنه يثبت لمن يجعله الواقف أو الحاكم متولّيا أو ناظرا و لا يثبت لوارثه الّا ان يجعل الواقف أو الحاكم وارثه ايضا متوليا أو ناظرا أو إثبات هذا الأمر في الخيار بغير الإجماع مشكل و التمسّك باستصحاب بقاء الحق بعد موت من له الحق غير ممكن لعدم إحراز بقاء الموضوع و احتمال ان لا يكون عدم ثبوت الحق للوارث من عدم بقاء الحق بل من عدم ثبوته من الأول كما لا يخفى.

أقول قد تقدم في البحث في حقيقة الخيار أنّه سلطنة على المعاملة المنشأة و يكون لمن له الخيار سلطنة قرار العقد و إلغائه و هذه السلطنة تأسيسيّة كخياري المجلس و الحيوان و إمضائيّة كخياري الشرط و الغبن و غيرهما و بما ان الخيار المشترط في اعتبار المتعاقدين حقي و وقع الإمضاء الشرعي بما هو عند المتبايعين بحسب اعتبارهم فلا ينبغي التأمّل في كون الخيارات الإمضائيّة من الحقوق و كذا الخيار التأسيسي فإنّ قوله عليه السلام الخيار في الحيوان ثلاثة أيام و في غيره الى ان يفترقا ظاهر عدم اختلاف الخيار في المجلس

و الثابت إلى ثلاثة أيام و انه سنخ واحد و مع ملاحظة ما دل على كون الخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيام بنحو الحق كالحكم بسقوطه بالرّضا ببقاء العقد و الإغماض عن فسخه يكون خيار المجلس ايضا كذلك أضف الى ذلك انّ المتبادر من الخيار في قوله البيّعان بالخيار انّه من سنخ ما يشترطه المتبايعان لأحدهما أو كلاهما و لذا عبر عن خيار الحيوان بالشرط في الحيوان و كيف ما كان فالعمدة في المقام ما ذكر من اعتباره في بناء أرباب المعاملات بنحو الحق و إمضاء الشارع ظاهره كجعله انّه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 473

..........

______________________________

على ما هو عليه عند أبناء المعاملات و الّا فالإجماع في المقام مدركي لا يصلح للاعتماد عليه و في صحيحة الحلبي في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري و هو بالخيار فيها ان شرط أو لم يشترط و فيها دلالة واضحة على خيار الحيوان لا يختلف عن الخيار المشروط إلى ثلاثة أيّام في سنخه.

و امّا بالإضافة إلى الأمر الثاني و ان الالتزام بالإرث في الخيار يحتاج إلى إثبات كونه قابلا للنقل فإن أريد بالنقل النقل الاختياري فلا حاجة الى إثباته فإن بعض الحقوق لا يقبل النقل الاختياري كحق القصاص بل الشفعة مع انّهما يورث و ان أريد النقل القهري فالنقل القهري اى الإرث بنفسه مورد الكلام في المقام.

فالصحيح ان الالتزام بالإرث يتوقف على اعتبار النبوي المعروف من قوله (ص) ما ترك الميت من حق فلو إرثه أو إثبات كون الخيار مما ترك ليعمه بعض آيات الإرث و ان لم يثبت اعتبار النبوي كما لا يخفى.

و الحاصل ثبوت الحق لشخص يكون بعنوان مقوم للحق عرفا كثبوت حق

الحضانة للأم و حق القسم للزوجة و حق السبق الى المسجد و المشهد للجالس و مثل هذه الحقوق لا يدخل في الإرث لانتهاء العنوان المقوم بانتهاء حياة الشخص و قد يكون العنوان غير مقوم له و يقال من هذه الحقوق ما يكون الغرض منه جلب المال كثبوت حق التحجير و حق الصيد بنصب الشبكة و الخيار من هذا القبيل.

و لكن إثبات هذه الضابطة لا يخلو من صعوبة فإنه لا فرق في اعتبار أبناء المعاملات بين الخيار المشترط لأحد المتعاقدين أو لأجنبي مع ان الثاني لا يورث بلا كلام فلا يبعد ان يكون العمدة في مسألة إرث الخيار هو الإجماع أو يدعى ان الخيار المجعول للأجنبي من قبيل ثبوت الحق لشخص بعنوان مقوّم بخلاف الثابت لأحد المتعاقدين تأسيسا أو إمضاء بمعنى انه يثبت الخيار لأحد المتعاقدين بعنوان يكون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 474

[بقي الكلام في ان إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال]
اشارة

ان إرث الخيار ليس تابعا لإرث المال (1).

______________________________

ذلك العنوان دخيلا في حدوث الخيار و لكن لا يكون حياة الشخص بقاء دخيلا في بقاء ذلك الحق فينتقل الى الوارث بأدلة الإرث و يكشف عن عدم كون الحياة لمن له الخيار مقوّما له مثل قوله عليه السلام عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال قال رسول اللّٰه (ص) البيعان بالخيار حتى يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام فإن المراد من صاحب الحيوان مالكه المشترى و من الظاهر ان الحياة لا تكون مقوّما للملكيّة في المال و الرواية دالّة على انّ الخيار يثبت للمالك فيكون كأمواله تركه له فيرثه من يرثه ماله.

(1) إرث الخيار لا يتبع إرث المال و إذا كان دين الميت مستغرقا لجميع تركته فلا إرث بالإضافة إلى

المال و لكن لو كان العقد على بعض تركته متعلّقا للخيار للميّت فينتقل ذلك الخيار الى ورثته لأن إرث المال من بعد الدين فلو لم يكن المال من تركته زائدا على الدين فلا إرث بخلاف الحقوق للميت مما لا تقبل المعاوضة عليها لعدم كونها مالا فيدخل تلك الحقوق في الإرث.

و بهذا يظهر ان الخيار للوارث من قبيل إرثه استقلالا لا تبعا لإرث المال حتى لا يكون الخيار موروثا في فرض استغراق الدين للتركة نعم الموانع عن إرث المال مانع عن إرث الحق أيضا و لو لم يكن الحق مالا يبذل بإزائه المال كقتل الوارث مورّثه أو كفره أو كونه رقا فان ما ورد في انه لا يرث القاتل أو الكافر أو الرّق يعم ما إذا كان الموروث مالا أو حقّا.

و في صحيحة هشام ابن سالم عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله لا ميراث للقاتل و- صحيحة محمد بن قيس عن ابى جعفر (عليه السلام) سمعته يقول لا يرث اليهودي و النصراني المسلمين و يرث المسلمون اليهود و النصارى و في صحيحة محمد ابن مسلم عن أحدهما عليه السلام لا يتوارث الحر و المملوك الى غير ذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 475

[ثالثها التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الى الميت]

ثالثها التفصيل بين كون ما يحرم الوارث عنه منتقلا الى الميت (1).

______________________________

و اما إذا كان الوارث محروما عن إرث بعض المال فالأظهر عدم حرمانه من إرث الخيار المتعلّق بالعقد على ذلك المال و الوجه في ذلك ان حرمان غير الولد الأكبر عن الحبوة أو حرمان الزّوجة غير ذات الوالد أو مطلقا من العقار تخصيص في أدلة الإرث و قد تقدم ان

التوارث في الحقّ المتعلق بالعقد على المال لا يتبع ذلك المال بل الحق بنفسه داخل في خطابات الإرث بل لو قلنا بأنّ الخيار حق متعلّق بنفس المال لا بالعقد على ذلك المال يكون الأمر أيضا كذلك فانّ الحق المتعلّق بالمال غير ذلك المال و ما دل على اختصاص الولد الأكبر بالحبوة أو حرمان الزوجة عن العقار مقتضاه انّ نفس الحبوة لا يكون ميراثا لغير الولد الأكبر و كذا الزوجة محرومة عن نفس العقار لا عن الحق المتعلق بها كما لا يخفى.

(1) ثم ان المصنف (ره) قد ذكر في المسألة أقوالا أربعة الأول الإرث مطلقا:

الثاني عدم الإرث مطلقا و ثالثها التفصيل بان يثبت الخيار للمحروم فيما إذا انتقل الى الميت المال الذي يحرم الوارث عنه و لا يثبت ما إذا كان منتقلا عنه و بهذا صرّح فخر الدين في الإيضاح و فسرّ به عبارة والده. و الرابع عكس ذلك بان يثبت الخيار للمحروم فيما إذا انتقل المال المزبور عن الميت و الاشكال فيما إذا انتقل اليه.

و قال لم أجد من جزم بالقول بعدم الإرث مطلقا و لكن يمكن توجيهه بان ما يحرم عنه الوارث لو كان منتقلا عن الميت كالحبوة فلا معنى لثبوت الخيار لسائر الورثة لعدم إمكان الفسخ منهم فانّ الفسخ عبارة عن إخراج ذي الخيار ما يملكه فعلا الى ملك الآخر بإرجاع ملك الآخر الى نفسه و من الظاهر ان ما يملكه سائر الورثة من ثمن بعض الحبوة لا يمكن لهم إخراجه عن ملكهم و إرجاع ما بإزائه من المثمن اى بعض الحبوة الى ملكهم و كذا لا يمكن ان يثبت الخيار لهم فيما إذا انتقلت الحبوة إلى ملك الميت.

فإن سائر الورثة لا يملكون

شيئا من الحبوة ليخرجوها الى ملك الآخر و يملكون ما بإزائها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 476

[رابعها عدم الجواز في تلك الصورة و الإشكال في غيرها]

و حاصله انّ الميّت انما كان له الخيار (1).

______________________________

من الثمن. و الحاصل انّ الخيار حق لاسترداد ما انتقل من ماله بعد تسلطه على ما وصل اليه و المفروض عدم تحقق ذلك بالإضافة إلى المحروم عن الحبوة.

و لكن قد يورد على ذلك كما في الإيضاح ان ثبوت الخيار لا يقتضي ما ذكر و لذا يصح جعل الخيار للأجنبي مع انّه لا يتمكن على إرجاع المال الى نفسه أو إخراجه عن ملكه و بتعبير آخر حقّ الخيار ليس تابعا لملكيّة المال في الإرث و مقتضى ما دل على اختصاص الحبوة بالولد الأكبر أو حرمان الزوجة عن العقار تخصيص الإرث بالإضافة إلى نفس المال لا بالإضافة إلى الخيار.

و أجاب (ره) عن النقض باشتراط الخيار للأجنبي بان الأجنبي منصوب من قبل أحد المتعاقدين و يكون فسخه كالفسخ من أحدهما و الخيار عبارة عن سلطنة ذي الخيار إلى إرجاع المال الى نفسه أو إلى من نصبه بعد تسلّطه على إخراج ما هو ملكه أو ملك من نصبه فعلا و هذا لا يجري في حق المحروم عن بعض المال في الميراث فلا ينتقل الخيار الّا الى وارث يكون له السلطنة على ما ذكر.

و دعوى انه لو انتقلت الى الميت ما يحرم عنه كان الثمن المدفوع الى الطرف الآخر متزلزلا فيكون في معرض العود الى جميع الورثة و منهم المحروم فيكون لجميع الورثة حقا في ذلك الثمن فيثبت لهم الخيار في هذه الصورة يمكن دفعها بأنّ الخيار عبارة عن السلطنة على الثمن المزبور بعد السلطنة على ما وصل بإزائه فعلا إليه

الى من نصبه و الالتزام بثبوت الخيار للمحروم يستلزم سلطنة جميع الورثة على الحبوة و هذا من تسلّط الشخص على مال الغير كما ذكر في جامع المقاصد.

(1) يعنى حاصل ما ذكر في وجه عدم إرثها من الخيار هو انّه يكون الخيار للميّت حيث كان له علقة فيما انتقل عنه لتسلّطه على ردّ ما بيده من الأرض الى صاحبه ليتملّك بإزاء تلك الأرض الثمن الّذي بيد صاحبه و لا ينتقل الخيار عن الميت الّا الى ورثة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 477

..........

______________________________

تكون كالميت في هذا التسلّط و من الظاهر انّه لا تكون الزوجة كذلك لعدم تسلّطه على رد الأرض و ان يكون لها حصّة من الثمن على تقدير فسخ سائر الورثة المعاملة الجارية على الأرض و قد تقدم نظير ذلك في عكس هذه الصورة أي فيما انتقل الأرض عن الميت فإنّ الزوجة و ان تملّك حصّتها من الثمن الّا انه لا يمكن لها تملك ما بإزائها من الأرض برد تلك الحصة و قد تقدم في خيار المجلس عدم ثبوته للوكيل لأن الوكيل لا يكون مسلطا على ردّ ما وصل الى موكلّه ليمكن له تملك ما بإزائه مما انتقل عن موكلّه و هذا الكلام يجري في حق الزّوجة أيضا فيما انتقل الأرض إلى الميت.

اللّهم الّا ان يقال بالفرق بين الوكيل في خيار المجلس و بين الزّوجة فيما انتقلت الأرض إلى الميت و وجه الفرق ان تزلزل ملك صاحب الوكيل في المعاملة كان متوقّفا على تسلط الوكيل على ردّ ما وصل الى موكلّه و هذه السلطنة لم تكن ثابتة بخلاف ما نحن فيه فان ملك المشترى ثمن الأرض الّتي باعه من الميت متزلزل على

كل تقدير سواء كان للزوجة خيار أم لا لثبوت الخيار لسائر الورثة فيكون للزوجة علقة في ذلك الثمن بإرجاعه إلى ملك الميت لترث منه.

نعم فيما إذا انتقل الأرض عن الميت فلا يكون لها علقة في الأرض المنتقلة إلى الميّت و لو لم تكن للزوجة خيار الفسخ فيما إذا انتقلت الأرض إلى الميت بدعوى انها لا تتمكن على ردّ الأرض إلى بائعها لتملّك حصتها من الثمن لا يكون لسائر الورثة أيضا خيار الفسخ فإنهم لا يتملكون تمام الثمن بإزاء الأرض التي يردونها على بائع الأرض اللهم الّا ان يقال لهم خيار الفسخ بالإضافة إلى حصصهم من الثمن و لازم ذلك تبعض المعاملة الجارية على الأرض في الفسخ و لكن يأتي ان تبعض في الفسخ مشكل و على ذلك فيقوى ثبوت الخيار في شراء الميت الأرض للزوجة ايضا على ما ذكر في الإيضاح و فسرّ به عبارة والده.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 478

..........

______________________________

قال في القواعد الخيار موروث بالحصص كالمال من أيّ أنواع الخيار إلّا في الزوجة غير ذات الولد في الأرض على اشكال أقربه ذلك ان اشترى بخيار لترث من الثمن يعني الأقرب كون الخيار موروثا للزوجة و نتيجة هذا الخيار ان ترث من ثمنها و قال في الإيضاح في توضيح الاشكال ان الزوجة لا ترث من الأرض فلا ترث من خيار المتعلق بالأرض و وجه ثبوته لها انّ الخيار لا يتوقف على ملك المال كثبوت الخيار للأجنبي و لكن عن المصنف الوالد انه لو كان المورّث أى الميت قد اشترى حال حيوته الأرض بخيار فالأقرب إرثها من- الخيار لأن للزّوجة حقا في الثمن و يحتمل ان لا يثبت لها الخيار لأنها لا

ترث من الثمن الّا بعد فسخ المعاملة فملكها للثمن يتوقف على الفسخ و لو علّل الفسخ بملكها للثمن لدار و مع ذلك الأصح اختيار المصنف لانّ شراء الأرض يستلزم منعها عن جزء الثمن الّذي انتقل إلى بائع الأرض و الثمن المزبور منزل منزلة تركة الميت باعتبار الخيار.

و لكن ذكر في جامع المقاصد في قوله الأقرب ذلك أي الأقرب من ثبوت الاشكال عدم إرثها فيما إذا اشترى الميت الأرض و أراد الزوجة من خيارها ان ترث من الثمن و اما إذا باع الميت الأرض فالإشكال في ثبوت الخيار لها بحاله لأنّها لو فسخت المعاملة لم ترث شيئا من الأرض التي ترجع الى ملك الميت.

أقول قد تقدم ان الخيار حق يتعلّق بالعقد لا بالعوض في المعاملة و لذا يجوز لمن انتقل اليه العوض في المعاملة التصرف فيه الّا مع اشتراط إبقائه في تلك المعاملة أو غيرها و عود المالين الى ما كانا عليه من حين الفسخ لا يكون بالفسخ فإنّ شأن الفسخ انتفاء العقد الناقل لا العود بل عودهما يكون بالسبب الذي كان قبل العقد الملغى فلا يكون حرمان الورثة عن المال العائد إلى ملك الميت موجبا لعدم ثبوت الخيار لهم فضلا عن حرمان بعضهم و تشريع الخيار في المعاملات للتروي في صلاح عود المال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 479

يحتاج إلى زيادة تقدير (1).

[كيفية استحقاق كل منهم خيارا مستقلا]
[الأول ما اختاره بعضهم]

الأول ما اختاره بعضهم (2).

______________________________

على تقديره حكمة لا علّة لتدور مدار عود المال فلا حظ ثبوته مع تلف المال كما لا يخفى.

(1) يعني إذا كان ذلك في كلام العلّامة (أقربه ذلك) إشارة الى عدم الإرث يحتاج قوله لترث من الثمن الى تقدير أقول يمكن ان يكون لترث غاية

للمنفي فلا يحتاج الى التقدير سواء كان ذلك إشارة إلى الإرث أو عدمه.

(2) قيل في كيفيّة إرث الورثة الخيار وجوه أربعة الأوّل- ان يثبت الخيار لكل من افراد الورثة مستقلا بالإضافة إلى العقد الجاري على تمام المال بحيث لو فسخ أحدهم و لو بعد اجازة الآخرين ينفسخ العقد في تمام المال نظير ما في حق القذف الثابت للمتعدد كالأخوين فيما إذا عفى أحدهما القاذف لامّها يثبت للآخر منهما حق القذف و مثل ذلك ما عليه المشهور في حق الشفعة من انه إذا كان للمورث حق الشفعة فلكلّ من ورثته الأخذ بذلك الحق في تمام الحصّة المبيعة بدعوى انّ مقتضى النبوي المتقدم من انّ ما ترك الميت من حق فلوارثه ثبوت الخيار لكل من الورثة فإنّ الخيار يقبل التعدد بخلاف المال فانّ المال الواحد لا يعقل كونه مملو كالكل واحد واحد من الورثة مستقلا فلا بد من الالتزام فيه بالإشاعة.

و أورد المصنف على هذا الوجه بأنه لا دلالة للنبوي على إرث الخيار لكل واحد من الورثة استقلالا لأن المراد بالوارث الجنس الصادق على الواحد و الكثير و قيام الخيار بجنس الوارث بتصور بوجوه أربعة و ما ورد فيه لفظ الورثة بصيغة الجمع فالأمر فيه ايضا كذلك فانّ المراد امّا جنس الجمع أو جنس المفرد أو الاستغراق الأفرادي أو الاستغراق المجموعي و لكن الظاهر هو الثاني أي جنس الفرد فيكون مساويا لما تقدم من صيغة المفرد مع ان الاستغراق الأفرادي لا يمكن في إرث الخيار للقرينة العقلية و اللفظيّة فالقرينة العقليّة هو عدم إمكان الخيار الواحد الذي كان للميّت لكل من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 480

..........

______________________________

الورثة على سبيل الاستغراق مع ان المراد

من العموم بالإضافة إلى المال المجموعي و لو كان بالإضافة إلى الحق الأفرادي لزم الاستعمال في المعنيين و هذه هي القرينة اللفظيّة و لو ثبت الخيار في المقام لكل من الورثة فتكون الورثة كالوكلاء المتعددين في انّ أيّهم سبق إلى إجازة العقد أو فسخه نقد تصرف السابق و لا يتقدّم الفسخ و لو مع تأخّره عن اجازة الأخرين كما ذكر القائل المزبور.

أقول إرادة الاستغراق المجموعي أو الأفرادي من كيفيّة تعلق الحكم أو الحقّ فإن كان الحق المتعلّق للمتعدد انحلاليا يكون الاستغراق افراديّا و ان كان غير انحلال بل واحدا يكون بنحو الاستغراق المجموعي و إذا كان الحق الذي تركه الميت واحدا فتعلقه بالمتعدد يكون بنحو العام المجموعي لا محالة و على ذلك فلا بد من الالتزام في المقام بثبوت خيار واحد لمجموع الورثة فلا ينفذ الفسخ من بعضهم بدون اتفاق الآخرين و رضاهم و الأمر في إرث حق الشفعة أيضا ذلك و اما حق القذف فليس لدليل الإرث بل ثبوت حق القذف لمثل أحد الأخوين مع عفو الآخر أو عدم مطالبته مورد النص كثبوت حق القصاص لكل من أولياء المقتول.

و يظهر مما ذكرنا انّه لا وجه لثبوت الخيار لكل واحد من الورثة بالإضافة إلى حصّة من المال و وجه الظهور انّ الخيار حق متعلق بالعقد على المال لا بنفس المال و انّ الخيار المنتقل إلى الورثة ميراث من ميتهم و من الظاهر انّ الخيار الثابت للميّت لم يكن انحلاليّا بالإضافة الى الأجزاء المشاعة للمال و هذا بخلاف إرث المال كما لا يخفى كما ظهر انّه لا وجه لثبوت الخيار لطبيعى الوارث بمعنى ان أيهم سبق إلى إجازة العقد أو فسخه نفذ التصرّف من السابق و

وجه الظهور ان مع تعدد الوارث كما هو الفرض لا يفترق إرث المال عن إرث الحق و كما انّ المال يكون ملكا لمجموعهم كذلك الحق فانصراف الحق إلى كونه ملكا لطبيعى الوارث لا لأفراده تفكيك مخالف ظاهر

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 481

[الثالث استحقاق كل منهم خيارا مستقلا في نصيبه]

و الفرق بينه و بين ما نحن فيه مشكل (1).

ثم انه ربما يحمل ما في القواعد (2).

______________________________

طبقات الإرث فإن ظاهر ما دل على الطبقات ان كلّ افراد طبقة يشترك في الميراث مالا كان أو حقّا لا انّ الحق يكون ملكا للطبيعى الوارث نظير ملكيّة الزكاة و نحوها لعنوان الفقراء أو عنوان الحكومة فيصير كل من الأفراد المنطبق عليهم عنوان الحكومة وليا في التصرف من ذلك المال.

(1) قد تقدم عدم الفرق بين إرث الخيار و إرث حق الشفعة و كما انّه لا ينفذ الفسخ من أحد الورثة من غير اتفاق الآخرين كذلك الأمر في الأخذ بالشفعة و اما ما ذكر المصنف (ره) من ان ثبوت حق الشفعة للوارث الواحد مع عدم أخذ باقي الوارثة بها لكون الشركة الحاصلة بين مشتري الحصّته المبيعة و الوارثة ضرريّة لكل واحد من الورثة ففيه ما لا يخفى فانّ الضرر قد حصلت ببيع الحصّة و لو جرت قاعدة نفى الضرر كان مقتضاها بطلان ذلك البيع مع انّ بطلانه أيضا ضرري على شريك الميت البائع و الحاصل انّ ثبوت حق الشفعة لكل من الورثة مع امتناع الآخرين عن الأخذ بالشفعة الموروثة حق آخر غير موروث و يتدارك به الضرر و قد ذكرنا مرارا ان قاعدة نفى الضرر لا يثبت حكما أو حقّا يتدارك به الضرر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(2) ظاهر القواعد عدم نفوذ فسخ

بعض الورثة مع عدم اتفاق الآخرين و لكن قد يقال ان المراد عدم نفوذ فسخ بعض الورثة في سهمه من المال لا عدم نفوذ فسخه في الجميع و على ذلك فلو فسخ بعضهم العقد في جميع المال و أجاز الآخرون قدّم الفسخ.

و ينسب ذلك الى كل من منع عن تفريق الورثة و في الحدائق ان تصريح الأصحاب بتقديم الفسخ في الكل على اجازة المجيز و لكن نسب في الرياض هذا التقديم الى قيل و ناقش فيه بقوله و في تقديم الفسخ على الإجازة إشكال.

ثم ان ظاهر المصنف و غيره ان اجازة بعض الورثة يوجب عدم نفوذ الفسخ من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 482

[فرع إذا اجتمع الورثة كلّهم]

فرع إذا اجتمع الورثة كلّهم (1).

______________________________

الآخرين حتى فيما توافق الكل على ذلك الفسخ فيما بعد بمعنى انّ اجازة أحدهم يوجب سقوط الخيار و انتفائه حيث ذكر في ذيل حكاية كلام القواعد في خيار العيب (من أنه فلا إشكال في وجوب توافقهما) و المراد بوجوب التوافق الوجوب الشرطي و معناه عدم نفوذ التخالف و لا ريب ان عدم نفوذ التخالف ليس معناه عدم نفوذ اجازة أحدهما مع فسخ الآخر بل المراد عدم نفوذ فسخ صاحبه من دون أجازته الفسخ المزبور.

و لكن يمكن ان يقال مقتضى كون الخيار حقا للجميع ان يكون سقوطه أيضا بإسقاط الجميع لا بإسقاط واحد منهم و لو مع عدم رضا الآخرين كما هو الفرض.

(1) ذكر (قده) في هذا الفرع أمورا: الأول انه إذا اجتمع الورثة كلّهم على فسخ العقد الجاري على العين المنتقلة عن ملك الميت فان كان الثمن بعينه باقيا فللمشتري استرداده و ان لم يكن باقيا بصير ذلك الثمن التالف دينا من

ديون الميت فيخرج من تركته.

الثاني انه لا يمنع الورثة عن فسخ العقد و لو كان على الميت دين مستغرق لتركته لأن الورثة و ان يكونوا محجورين بالإضافة إلى إرث المال الّا ان لهم حق الخيار الذي تركه ميتهم و على ذلك فيجوز في الفرض للورثة فسخ العقد الجاري على العين المنتقلة عن ميتهم أو الى ميتهم و هل يجوز لهم الفسخ و ان لم يكن صلاحا للديّان كما إذا كان الثمن بعينه باقيا على ملك الميت و كان قسمته للغرماء أصلح من قسمته العين المفروضة مثمنا لذلك الثمن.

و على تقدير جواز الفسخ مطلقا أو فيما كان صلاحا للغرماء فلا يجير الورثة على الفسخ لان الفسخ حق لهم لا عليهم و لا يجبر ذو الحق على الانتفاع بحقّه.

الثالث: لو لم يكن للميت تركة و فرض تلف الثمن الذي أخذ مورّثهم من مشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 483

..........

______________________________

العين فقد تقدم ان للورثة فسخ العقد فهل مع فسخه يكون الثمن على الورثة على حسب سهامهم من العين أو يصير الثمن دنيا على الميت فيلزم وفائه من العين المرجوعة الى ملك الميّت فان كان فسخ الورثة من قبيل فسخ الوكيل أو الأجنبي المشروط له الخيار فيرجع العين الى ملك الميّت فيوفى بها دينه بل لو كان للميت غرماء ضرب المشترى مع الغرماء في الثمن المزبور.

و الحاصل مقتضى خروج الثمن المعين عن ملك المورث و ثبوت الثمن أي كلّيه بذمته ان لا يكون ما يدفعه الوارث عوضا عن المبيع بل يكون وفاء لدين الميت لتلف عين الثمن.

نعم إذا كان الفسخ تملكا جديدا من الورثة بالإضافة إلى العين و بإزاء ما يدفعون نظير أخذهم بحقّ الشفعة

الموروثة حيث يتملكون الحصة في الأخذ بالشفعة بإزاء الثمن الذي يدفعون من مالهم يلزم عليهم في الفسخ ايضا الثمن على حسب سهامهم الرابع انه لو قيل بان لكل واحد من افراد الورثة خيار الفسخ بالإضافة إلى تمام العقد ففي فرض فسخ بعضهم و امتناع الآخرين يرجع العين الى ملك جميعهم أو الى ملك الفاسخ فقط فيكون الثمن عليه فهذا ايضا مبنى على ان فسخه من قبيل فسخ الوكيل أو الأجنبي المشروط له الخيار أو أنه كالميت يتملّك العين بإزاء ما يدفعه إلى المشترى.

ثم قال (ره) ان الفسخ في الفرضين يعنى المفروض في الأمر الثالث و المفروض في الأمر الرابع كوقوع الفسخ من المورث في كونه تملكا للعين بإزاء ما يدفعه الفاسخ من مال نفسه على الأظهر و استشهد لذلك بالخيار الثابت للورثة فيما إذا باع مورثهم العين ببيع الخيار فإنه لا ينبغي التأمل في جريان السيرة على دفع الورثة مثل الثمن من ما لهم و يستردون العين لأنفسهم من غير ان يلزموا بأداء دين الميت من تلك العين فيما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 484

..........

______________________________

إذا اخرجوا ديون الغرماء بحسب تركة الميت قبل الفسخ.

أقول: يرد عليه قده ان ما اختاره في الفرضين ينافي ما ذكره في الأمر الأول من انه على تقدير عدم التركة للميت و وقوع الفسخ بعد تلف عين الثمن يكون دينا على الميت فيخرج من تركته فان مع كون الفسخ من الورثة تملكا لأنفسهم لا وجه لكون الثمن دينا على الميت هذا أولا و ثانيا قد تقدم، ان الفسخ يتعلق بالعقد و معنى فسخ العقد إلغائه و اما عود ملكيته المبيع و الثمن يكون بالسبب الذي كان قبل العقد

و لا يكون الفسخ إنشاء تملك جديد أصلا و عليه فلا بد من عود المبيع الى ملك المورث على جميع التقادير و عود الثمن الذي أخذه مورثهم الى ملك المشترى ثانيا سواء كان ذلك الثمن باقيا أو تالفا غاية الأمر لازم، ملكية التالف المضمون ردّ المثل أو القيمة.

و الحاصل يكون الثمن التالف دنيا على الميت فيوفى من العين المرجوعة الى ملك الميت و يجوز للورثة أدائه من مال أنفسهم فتدخل العين في موضوع الإرث كما هو الحال فيما إذا كان للميت تركة بمقدار ديونه فان مع أداء الوارث الدين من مالهم تدخل التركة في موضوع الإرث و اما قياس الخيار بأخذ الوارث بحق الشفعة في دفع الورثة الثمن من أموالهم في الأخذ بحق الشفعة غير صحيح فإن الأخذ بحق الشفعة لا يوجب انحلال العقد الجاري على الحصة كي تعود الحصة إلى ملك الميت بل الأخذ بحق الشفعة تملك للحصة بإزاء دفع مثل الثمن الى مشتريها كما لا يخفى. و مما ذكرنا يظهر الحال في الفسخ ببيع الخيار فان دفع الوارث مثل الثمن إلى مشتري العين فسخ للبيع و مبادلة أخرى بين المدفوع و بين الثمن التالف أو الباقي على ما ذكر في محله. و الحاصل يلزم لما ذكر قده ان لا يكون تملك الوارث للعين المنتقلة عن الميت من قبيل الميراث فلا وجه- لتقسيط تلك العين بالحصص و لو مع اتفاقهم على الفسخ فتدبر جيدا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 485

[مسألة لو كان الخيار لأجنبي فمات]

لو كان الخيار لأجنبي فمات (1).

[مسألة من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف]

من أحكام الخيار سقوطه بالتصرف (2).

______________________________

(1) ذكر قده أنه لو شرط الخيار لأجنبي فمات الأجنبي ففي انتقال الخيار لوارثه فإنه مقتضى ما دلّ على ان ما ترك الميت من حقّ لوارثه أو أنه ينتقل للمشروط له فان ثبوت الخيار للأجنبي حقّ له أو أنه ينتهى بموت الأجنبي فلا يثبت للمشروط له و لا لورثته وجوه أقواها انتهائه بموته لان الظاهر من جعل الخيار للأجنبي كون حياته مقوّما لحق الخيار.

أقول كون حياة الأجنبي مقوّما لحق الخيار باشتراط المتعاقدين و لو ارتكازا مقتضاه انتهاء الخيار عند موته و هذا الشرط الارتكازي لا يكون مخالفا للكتاب و السنة الدالتين على الإرث و ذلك فان الموضوع للإرث ما ترك الميت و مع شرط سقوط الخيار و نحوه لا يكون حق الخيار المزبور مما ترك لينتقل الى وارثه بل يمكن دعوى ان خيار المجلس و نحوه إذا ثبت للوكيل كما إذا لم يكن وكيلا في مجردا اجراء العقد لا ينتقل الى ورثته لان الخيار كان من أثر الوكالة المنتهية بموته.

(2) ذكر قده حصول الفسخ بالفعل كحصوله بالقول و لعل هذا متسالم عليه بينهم في بابي الإجازة و الفسخ و حيث ذكروا في وجه حصول الإجازة بالفعل ظهوره فيها فيكون الأمر في الفسخ بالفعل كذلك و قد استظهر اعتبار الدلالة على الرضا و الإغماض عن الخيار من صحيحة على بن رثاب عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترطا فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له ما الحدث قال ان لامس أو قبّل أو نظر منها الى

ما يحرم عليه قبل الشراء فان ظاهر تعليله عليه السلام سقوط الخيار بالحدث دلالته على الرضا.

و كذلك النبوي الوارد في خيار الحيوان ايضا و فيه قال رسول اللّٰه (ص) في رجل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 486

..........

______________________________

اشترى عبدا بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط قال يستخلف باللّٰه ما رضيه ثم هو بري ء من الضمان فان ظاهره ايضا اعتبار الرضا في سقوط الخيار و استحلاف المشترى يحمل على سماع دعوى البائع عليه بأنه لعل أغمض عن خياره فيكون الدعوى بنحو التهمة أو يحمل على دعوى ان المشترى كان قد أغمض عن خياره قبل التلف.

و لو فرض ظهور صحيحة على بن رثاب في سقوط الخيار بكل فعل لا يجوز ذلك الفعل لغير المالك و ان لم يكن له ظهور في إغماض الفاعل عن حقّ خياره و ان هذا السقوط تعبد يبقى اعتبار الظهور في ناحية كون الفعل فسخا بحاله الّا ان يدعى الإجماع على عدم الفصل بين الإجازة و الفسخ و هذا الإجماع أي عدم الفصل و ان لم يكن بعيدا الّا انه يستفاد من أكثرهم اعتبار الدلالة على الرضا في سقوط الخيار بالفعل بل كلماتهم في المقام يعنى حصول الفسخ بالفعل ايضا كذلك.

قال العلامة في التذكرة ان عرض ذو الخيار ما باعه للبيع ثانيا أو اذنه أو توكيله الآخر في بيعه أو جعل المبيع المزبور رهنا لم يتم لعدم القبض و كذلك هبته مع عدم القبض فسخ كما أنها من المشترى الذي له الخيار اجازة لدلالتها فيما إذا صدرت عن البائع الذي له الخيار على طلب المبيع و الإغماض عن الثمن و فيما إذا صدرت عن المشتري الذي له الخيار على

استيفاء المبيع و الإغماض عن خياره.

أقول قد تقدم حصول الإنشاء بالفعل كحصوله بالقول و يعتبر في الإنشاء الدلالة كان بالقول أو بالفعل و ظاهر صحيحة على بن رثاب بل و غيرها اعتبار إسقاط الخيار في سقوطه و لا ينافي ذلك كون النظر إلى الأمة المشتراة أو لمسها أو تقبيلها مسقطا تعبدّيا كما لا يبعد كون مطلق احداث الحدث في الحيوان كذلك بان يسقط الخيار به و ان كان مع الغفلة عن الخيار أو مع اعتقاد انه يجوز لغير المالك ايضا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 487

..........

______________________________

و كيف ما كان فلا يستفاد من الروايات الواردة في خيار الحيوان سقوطه بكل فعل لا يجوز لغير مالك الأمة مع عدم عدّه حدثا بل السقوط مع عدم عدّه حدثا ينحصر بما إذا كان بقصد الإغماض عن حق خياره كما ان عدّه فسخا فيما إذا كان بقصده.

ثم قال ره ان بعض التصرف من ذي الخيار فيما انتقل اليه مما يحرم على غير المالك و ان يستشكل في دلالته على ارادة العقد و الإغماض عن الخيار الّا ان الأمر في تصرف ذي الخيار بتلك التصرفات فيما انتقل عنه خالية عن الإشكال في دلالتها على الفسخ لان المتصرف فيما انتقل عنه يكون غير مالك قبل التصرف فيكشف تصرّفه عن إرادته الفسخ كما هو مقتضى حمل فعل المسلم على الصحيح أى الحلال وضعا أو تكليفا كركوبه الدابة التي باعها من غيره بخيار و كذلك إذا كانت تصرفاته فيما انتقل عنه غير جائزة وضعا مع عدم قصده الفسخ كهبته المال الذي باعه من آخر قبل ذلك بخيار أو بيعه من آخر بعد البيع المزبور أو إجارته المبيع أو تزويجه الأمة التي

باعها قبل تزويجها بخيار ففي جميع ذلك يكون مقتضى حمل تصرفه الثاني على النافذ إرادته فسخ المعاملة التي كان له فيها الخيار.

لا يقال حمل فعل المسلم على الحلال في الفرض الأوّل لا يثبت إرادته فسخ المعاملة الجارحيّة على الدابة قبل ذلك كما ان الحمل على الصحة في التصرفات المعاملية فيما انتقل عنه و أصالة عدم الفضولية فيها لا تثبت إرادته الفسخ على ما هو المقرر في محلّه من عدم الاعتبار بمثبتات الأصول و لو صلى و بعد صلاته شك في صحتها لطهارته حال الصلاة يحكم بصحة صلاته و لكن عليه الوضوء للصلوات الآتية لأن أصالة الصحة في الصلاة لا تثبت الوضوء و لو طلق زوجته بحضور شخصين و شك الآخر في صحته طلاقه لعدالتهما يحكم بصحته و لكن أصالة الصحة لا تثبت عدالتهما بان يجوز للشاك الاقتداء بهما في الصلاة أو طلاق زوجته عندهما الى غير ذلك.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 488

..........

______________________________

فإنه يقال كل من أصالة الصحة بمعنى حمل فعل المسلم على الصحة يعني الحلال و حمل تصرفه على النافذ من قبيل الامارة فتثبت بها ارادة المتصرف فسخ المعاملة التي كان له حق الخيار فيها فإن الأوّل من ظهور فعل المسلم في الحلال و الثاني من ظهور تصرف المتصرف في كونه استقلاليا و عن نفسه لا عن الغير وكالة أو فضولا.

بل لو كان أصالة عدم قصد الفضولية أصلا عمليّا تكون حاكمة على أصالة عدم فسخ العقد لان احتمال عدم قصد الفسخ ناش عن احتمال قصد الفضولية و لكن الإنصاف عدم ترتب فسخ العقد على عدم قصد الفضولية في التصرف بل فسخه مترتب على قصده فقصده مع قصد التصرف فضولا من المتضادين

و نفى أحد الضدين لا يثبت الضّد الآخر فيكون أصالة عدم قصد الفضولية معارضة بأصالة عدم ارادة الفسخ و عدم الفسخ.

أقول لا ينبغي التأمل في أمرين: الأوّل حيث ان الفسخ و الإجازة من قبيل الإنشاءات فيحتاج كل منهما زائدا على قصدهما الى ابرازهما بمبرز و إذا كان الفعل كالقول في ظهوره و لو بقرينة المقام في- إرادة الفسخ أو الإجازة كفى في تحققهما.

الثاني: انه إذا صدر الفعل الظاهر و لو بحسب المقام في إرادة الفسخ أو الإمضاء عن ذي الخيار يعتبر هذا الظهور و يستكشف به ارادة الفاعل كما يؤخذ بظهور القول و حيث ان التصرف المعاملي من شخص ظاهر في كونه بالأصالة لا عن الغير وكالة أو فضولا يكون تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه بإجارته العين التي باعها من آخر بخيار أو هبتها و بيعها من آخر ثانيا ظاهرا في كونه بالأصالة و- يكشف عن إرادته الفسخ و هذا الظهور لا يدخل في الأصل العملي ليستشكل في اعتباره بالإضافة إلى إرادة الفسخ كما لا يخفى.

و اما إذا لم يكن للفعل ظهور في إرادة الفسخ أو الإمضاء و انما يحرم ذلك- الفعل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 489

..........

______________________________

لغير المالك تكليفا كركوب الدابة التي باعها فان دل نص أو تمّ إجماع على ان الفعل المزبور إجازة أو فسخ حتى فيما إذا لم يكن الفاعل مريدا لهما فيؤخذ به كما قام الدليل على ذلك في الحدث من المشترى أو تقبيل الجارية المشتراة أو لمسها أو النظر الى مواضع التحريم لغير مالكها و كما في المطلقة الرجعية حيث دل النص على ان مثل تقبيل المطلقة رجوع في الطلاق.

و ان لم يقم على ذلك

نصّ و لم يتم إجماع فيقع الكلام في الفعل المزبور في جهتين:

الاولى: هل يكون ذلك الفعل مع ارادة الفاعل الفسخ أو الإمضاء فسخا أو اجازة مع عدم ظهور الفعل في إرادتهما كما هو الفرض.

الثانية، على تقدير تحقق الفسخ أو الإجازة به هل يكون صدوره عن ذي الخيار يعتبر في الفسخ و الإجازة و في كشف إرادته الفسخ و الإجازة.

اما الاولى فلا يبعد الالتزام بتحقق الإنشاء بالفعل المزبور في الإيقاعات التي لا يعتبر فيها إلا الإتيان بالمبرز و لو بالإضافة إلى نفس الموقع كالإبراء و الاسقاط بخلاف ما يعتبر فيه الإبراز للغير كما في العقود حيث يعتبر فيها الإبراز بالإضافة إلى القابل ايضا.

و اما الثانية فلا يعتبر لعدم الظهور في الفعل كما هو الفرض الا مع قيام دليل في مورد كما ذكرنا فإن أصالة- الصحة بمعنى عدم صدور القبيح عن الفاعل لا تثبت شيئا و أصالة الصحة بمعنى وقوع الفعل التام فجريانها في مورد يتوقف- على إحراز أن الفاعل قد قصد تحقيق الفعل و شك في الإتيان به تاما أو ناقصا بعد إحراز أصل الإتيان به كما لو شك في ان المصلى على الميت اتى بالصلاة تاما أو فاسدا و اما إذا شك في أصل تحقق الصلاة من الغير فالأصل عدمها و على ذلك فلو شك في ان بايع الدابة بخيار هل فسخه بركوبها فالأصل عدم إرادته الفسخ كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 490

[مسألة و هل الفسخ يحصل بنفس التصرف]
اشارة

و هل الفسخ يحصل بنفس التصرف (1).

______________________________

(1) يقع الكلام في ان عند تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه بتصرف موقوف على الملك هل يحصل الفسخ و عود الملك الى المتصرف بنفس ذلك التصرف سواء كان اعتباريّا

كهبة ما باعه بخيار أو تصرفا خارجيا كوطي الأمة التي باعها بخيار أو- يحصل الانفساخ سابقا على التصرف بحيث يكون زمان عود الملك الى المتصرف متصلا بزمان تصرفه.

و بتعبير آخر هل يكون التصرف موجبا للفسخ أو يكون كاشفا عن سبق الانفساخ. و ذكر قده في وجه كون التصرف موجبا أمرين الأول: ان الفسخ الفعلي قسيم للفسخ القولي و كما ان الانفساخ يحصل بالفسخ القولي فلا بد من ان يكون التصرف- الفعلي فسخا يحصل به الانفساخ.

الثاني: اتفاق كلماتهم على ان الفسخ كالإجازة من قسم الإنشاء و لا يحصل الإنشاء بالنية فقط بل يعتبر فيه القول أو الفعل.

و ذكر أيضا في كون التصرف كاشفا عن الانفساخ و سبق عود الملك الى المتصرف أمرين الأول: ما تقدم عن التذكرة و غيره في وجه كون التصرف فسخا هو حمل فعل المسلم على الصحة و انما يفيد الحمل على الصحة في كون الفعل حلالا ان يكشف عن سبق الملك على التصرف و الا كان الفعل في أول وقوعه حراما.

الثاني: انه يستفاد من روايات خيار الحيوان ان رضا المشترى بشراء الحيوان بقاء يوجب سقوط خياره فمقتضى المقابلة بين الفسخ و الإجازة ان يحصل الفسخ أيضا بكراهة ذي الخيار فيما إذا كشف الفعل الرضا أو الكراهة.

و يؤيد كون الرضا موجبا لسقوط الخيار ما ذكروا من انه لا تحصل الإجازة فيما إذا اطلع بايع الأمة بخيار على وطي المشترى و سكت معللين ذلك بان السكوت لا يكشف عن الرضا فان مقتضى التعليل ان يكون مسقط الخيار هو الرضا و صرح

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 491

و قد ذكر العلامة في بعض مواضع التذكرة (1).

______________________________

الشيخ ره بأنه لو علم رضا

البائع بوطي المشتري سقط خياره.

و الحاصل انه يستفاد من كلماتهم ان الموجب لسقوط الخيار و انفساخ العقد رضا ذي الخيار بالعقد أو كراهته و لكن مع تقارنهما بما يدل عليهما و ما تقدم من الاتفاق على عدم حصول الإجازة و الفسخ بالرضا و الكراهة فمقتضاه عدم حصولهما بمجرد الرضا أو الكراهة و اما عدم حصولهما فيما إذا تقارنا بالفعل الكاشف فلا قائل بخلافه بل لا يكون في الفعل إنشاء فإنه ليس شأن الفعل غير الكشف و الظهور و لكن أورد على هذا الوجه بان لازمه ان لا يحصل الفسخ بالقول ايضا بنحو الإنشاء فإن القول ايضا كالفعل مسبوق بالرضا بالعقد أو كراهته فيحصل الإجازة أو الفسخ بهما لا بالقول.

(1) و حاصله ان الالتزام بأن وطي الأمة المبيعة بخيار يتضمن الفسخ اما بالالتزام بحصول (الفسخ مع الوطي) أو قبله فيكون الوطي على الثاني حلالا.

ثم ان ظاهر التحرير حصول الفسخ بنفس الفعل و عليه فلا يكون فسخ قبل الوطي فيكون الفعل في أوله حراما و هذا ظاهر كل من حكم ببطلان عقد الواهب فيما إذ رجع عن هبته بذلك العقد فان العقد المزبور في أوله لا يقع في ملك و لا فرق في هذا الحكم بين الرجوع في الهبة و الفسخ بالخيار فلا يكون تصرف ذي الخيار صحيحا مع فسخه البيع السابق بذلك التصرف و لكن الشهيد في الدروس مع توقفه عن الحكم في الرجوع و الخيار حكم بصحة رهن ذي الخيار.

و على كل حال يترتّب على القولين الحكم بصحة التصرفات لحصول الانفساخ بالقصد المقارن للتصرف و الحكم ببطلانها لحصول الانفساخ بالتصرف و لو بأوّل جزء منه.

و قد يذكر للمنع عن صحة ذلك التصرف كما عن بعض

العامة بأن الشي ء الواحد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 492

ان قلنا بان المستفاد من أدلة توقف البيع (1).

______________________________

لا يحصل به شيئان نظير التكبيرة ثانية بقصد الإحرام حيث يخرج بها عن الصلاة فلا يمكن الدخول بها في الصلاة.

و ايضا ان صحة التصرف مع حصول الفسخ به دوري حيث ان بيع المتاع من آخر ثانيا يتوقف على كون بايعه مالكا فيكون البيع الثاني موقوفا على ملك المتاع الموقوف على الفسخ و المفروض ان الفسخ ايضا موقوف على البيع المزبور.

و أجاب في التذكرة عن الأول بأنه لا يمتنع حصول شيئين بشي ء واحد و أجاب الشهيد ره عن الثاني بأن الدور معى و لعله لحصول الفسخ و البيع بإنشاء العاقد فيكون اتصاف التصرف بكونه فسخا و بكونه بيعا في زمان واحد و بإنشاء العاقد.

و أجاب في الإيضاح عن الدور بان الفسخ يحصل بأول جزء من التصرف و قال في باب الهبة بعد هذا فيبقى المحل قابلا لمجموع العقد اى يقع العقد مع تمامه في الملك و أجيب عن الدور أيضا بأن بيع مال الغير مع تملك البائع ذلك المال عند تمام البيع كاف في صحته.

(1) و حاصله انه على تقدير حصول الفسخ بالفعل سواء كان خارجيا أو اعتباريا فان كان الشرط في صحته التصرف العقدي أو الإيقاعي وقوعهما بتمامها في ملك المتصرف فاللازم الحكم بحصول الفسخ بذلك التصرف مع الحكم ببطلان نفس التصرف لان المعتبر في وقوعه صحيحا وقوعه بتمام اجزائه في ملك الفاعل و المفروض عدم حصول هذا الشرط لان بعض العقد مما يتحقق به الفسخ يكون سابقا على عود الملك لا محالة فكل جزء من العقد يفرض أنه الجزء الأخير من الفسخ فلا

يكون عود الملك الى المتصرف قبل ذلك و الّا لزم تقدم المسبب على سببه.

لا يقال نفرض عود الملك مع جزء لا يقبل ذلك الجزء التجزّي بحيث لا يكون قبله جزء ليقال أنه يحصل في غير الملك فإنه يقال الجزء الذي لا يتجزّى غير موجود فكل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 493

..........

______________________________

جزء يفرض من العقد يكون قبله جزء ايضا وقع في غير الملك بل لو فرض انتهاء العقد.

بجزء لا يتجزء فغاية الأمر عود الملك مع الجزء زمانا و ان يتقدم الجزء على عوده رتبة و لكن هذا المقدار لا يكفي في صحة العقد أو الإيقاع فإن المعتبر في صحّتها سبق ملك المتصرف على تصرفه عقدا كان أو إيقاعا.

و اما إدخال التصرف في المقام في مسألة من باع شيئا ثم ملك فغير صحيح لان تلك المسألة ما إذا باع المال من الغير ثم ملك فيحتاج الحكم بالصحة إلى إجازة المتصرف ثانيا بل على تقدير عدم الحاجة إليها فيما إذا باع عن نفسه كالغاصب فلازم ذلك الحكم ببطلان التصرف فيما كان إيقاعا كالعتق لعدم جريان الفضولية في الإيقاعات.

نعم بناء على ان المعتبر في صحة التصرف وقوعه قبل تمامه في الملك بحيث لا ينافي وقوع بعض العقد أو الإيقاع في ملك الغير فيحكم بحصول الفسخ و صحة التصرف فان الممنوع وقوع التصرف الى تمامه في ملك الغير فإنه الظاهر في مثل قوله (ص) لا تبع ما ليس عندك بل لا يبعدان يقال ان المراد بالبيع كما هو ظاهره معناه الاسم المصدري و ان البيع بهذا المعنى لا يقع في ملك الغير فالنهي المزبور لا يعم ما يصير فيه المال قبل تمام البيع ملكا لبائعه و

كذلك الأمر في العتق و غيره ممّا تعلق النهى عنه به قبل الملك.

و يبقى الكلام في التصرف الذي من قبيل الفعل الخارجي كوطي الأمة المبيعة بخيار فان الفعل في أوّله يقع محرما لا يقال إذا قام الدليل على جواز كل فسخ كما هو ظاهر مثل قوله عليه السلام البيعان بالخيار ما لم يفترقا و المسلمون عند شروطهم فيعم جواز الفسخ الفعل الذي لا يجوز لغير المالك و النتيجة عدم البأس بوطي البائع الأمة التي باعها بشرط الخيار فيما كان الوطي بقصد الفسخ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 494

..........

______________________________

فإنه يقال مقتضى جواز كل فسخ كون جوازه وضعيا يعنى يحصل به الفسخ فلا تنافي حرمة الفعل الفسخي تكليفا بمقتضى مثل قوله سبحانه إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ* و لو فرض قيام دليل على جواز الفسخ تكليفا نظير الرجوع في المطلقة الرجعية بوطيها فلا بد من الالتزام بعود الملك كالزوجية الى الواطى ليقع الفعل في ملكه نظير الجمع بين ما دل على حليته البيع و ما ذلّ على ان الشخص لا يملك أحد عموديّة بالالتزام بحصول الملك بالبيع انا ما بحيث ترتب عليه انعتاق الولد أو الوالد و كيف كان فالأظهر في المقام ما ذكره المحقق و الشهيد الثانيان من حصول الفسخ بالقصد المقارن للفعل و عليه فلا إشكال في الفسخ بالفعل و جوازه تكليفا و وضعا من غير فرق بين الاعتباري و الخارجي.

و يظهر ذلك من الشيخ قده في مبسوطه حيث ذكر في بيع الصرف ان المتصارفين يجوز لهما التبايع ثانيا في مجلس العقد و قال ان شروعهما في البيع الثاني قطع لخيار المجلس و وجه الظهور ان حصول الملك عنده مشروط

بانتهاء الخيار فلا بد من التزامه بسقوط الخيار في البيع الأول و صيرورة المبيع ملكا للمشتري عند الشروع في البيع الثاني ليجوز للمشتري له من بيعه ثانيا من بايعه.

نعم في باب الهبة لم يصحح البيع الذي يحصل به الرجوع في الهبة معللا عدم وقوعه في ملك البائع انتهى.

أقول: يرد عليه ان اقتران ارادة الفسخ بالفعل لا يكون الا بالفعل فتحقق الاقتران و عود الملك الى المتصرف عنده يوجب ان لا يكون الفعل عند شروعه مصادفا لملك الفاعل و دعوى ان زمان الاقتران بعينه زمان عود الملك و انما- يتقدم الإرادة المقترنة بالفعل على عود الملك في الرتبة لا في الزمان لا يمكن المساعدة عليها فإنه يجري مثلها على القول- بحصول الفسخ بأول جزء من الفعل فان حصول الجزء من الفعل أى جزء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 495

..........

______________________________

فرض منه يتقدم على عود الملك بالرتبة لا في الزمان.

و ما ذكر قده من اعتبار سبق الملك على التصرف بالزمان قضاء لحق الظرفية ففيه ما لا يخفى فإنه لا يستفاد من أدلة اعتبار الملك في البيع أو العتق أو الوطي إلا تحقق الملك عند كل من هذه الأفعال لا تقدمه عليها زمانا.

و لكن يلزم على القول بتحقق الفسخ بالجزء الأول من الفعل أو بالقصد- المقارن ان يلتزم بحصول الفسخ بمجرد تحقق الجزء الأول و لو ندم المتصرف عن فسخه و ترك سائر أجزاء الفعل فإنه من قبيل الندم عن الشي ء بعد حصوله فيبقى في البين الالتزام بان ملك المتصرف معتبر في البيع مثلا بمعناه المصدري أو انه يكفى حصوله و لو عند تمام العقد.

اما الأول فقد تقدم في بحث البيع انه لا اختلاف بين

المعنى المصدري و المعنى الاسم المصدري إلا بالاعتبار لا انّ البيع بمعناه المصدري فعل و الاسم المصدري أثر يترتب عليه نظير ترتب الانعتاق على العتق مع ان قوله عليه السلام لا عتق في- ملك غير كونه لا انعتاق إلا في ملك.

و امّا الثاني ففيه انه خلاف ظاهر الظرفية في مثل قوله لا عتق إلا في ملك حيث ان ظاهرها وقوع التصرف من أوله في الملك كما في قوله لا علم إلا في الجوع و لا عيش إلا في الحضر و لا صلاة إلا في الساتر و غير ذلك.

فيبقى الكلام في ان مع الفسخ بالفعل يقترن التصرف من اوله بالملك أم لا؟

و دعوى ان المراد بالملك هي السلطنة و التمكن لا ملك الرقبة و المعتبر في جواز الوطي سلطنة الواطى و لذا يجوز مع التحليل و التزويج يدفعها ان ما ذكر خلاف الظاهر في أدلة اعتبار الملك في العتق و نحوه بل الوطي بملك اليمين ظاهره حصول السلطنة بملك الرقبة زمان التصرف و الوطي.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 496

..........

______________________________

و على ذلك فنقول اما الفسخ بالتصرفات الاعتبارية فلا إشكال في كونها فسخا و محكومة بالصحة مع تمام سائر شرائطها و الوجه في ذلك ان الفسخ كالإجازة و ان يكون من الأمور الإنشائية في اعتبار العقلاء و لذا يحصل سقوط الخيار بالإسقاط و لو لم يكن- إسقاطه بطيب النفس بل استحياء أو خجلا.

و بتعبير آخر إسقاط الخيار من قبيل إبراز الرضا المعاملي ببقاء العقد و عدم حلّه- الا ان الإنشاء و المنشأ ليس من قبيل الأسباب و المسببات بان يكون المنشأ أثرا و الإنشاء مؤثرا ليقال ان الأثر و ان يقارن المؤثر زمانا و

انما يتقدم المؤثر على الأثر بالرتبة و لكن هذا بالبرهان العقلي و أهل العرف يرون للأثر تأخرا زمانيا في الجملة و العبرة- في الأحكام الشرعية بنظر العرف لا بالتدقيق العقلي الناشي من البرهان بل المنشأ أمر يعتبره صاحب الإنشاء قبل إنشائه و الإنشاء عبارة عن إبرازه بقصد ان يتم العنوان الإنشائي فالمعتبر إبرازه بقصد تحقق ذلك العنوان عين وجود ذلك العنوان الذي يرد عليه الإمضاء و الحكم من العقلاء و الشرع.

و على ذلك فكما ان الإجازة في بيع الفضولي اعتباره بنحو الكشف الحكمي حيث ان العاقد الفضولي يعتبر ملكية المبيع المشترى من حين العقد فالمالك المجيز يجيز هذه الملكية و لو بعد مدة و الشارع يمضى الإجازة المزبورة فيحكم حين الإجازة بأن المبيع ملك للمشتري من حين ذلك العقد كذلك فيما نحن فيه فأن المتصرف يعتبر انحلال العقد قبل اعتباره ملكية المبيع لثالث و إذا أبرز المعتبرين بمبرز واحد يتحقق الفسخ من حين تحقق المبرز بالكسر و لكن معنى تحققه انحلال- العقد قبل اعتبار ملكية المال لثالث لانه المعتبر في نفس المتصرف فيثبت بإمضاء الفسخ موضوع إمضاء التصرف حيث يحكم بوقوعه في الملك و العمدة شمول دليل الإمضاء لذلك الفسخ حيث يستفاد ذلك قبل الإجماع من إطلاق دليل الخيارات الشرعية و المشروطة أى المؤمنون عند

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 497

..........

______________________________

شروطهم.

و الحاصل ان هذا يدخل في الكشف الحكمي و يفيد في صحة التصرفات الاعتبارية لا في حلية الفعل الخارجي حيث لا- يستفاد من دليل إمضاء كل فسخ حلية ذلك الفسخ تكليفا كما هو ظاهر بل حلية الفعل الخارجي مبنية على انصراف أدلة التحريم عن ذلك الفعل أو قيام دليل على جهة

أخرى تحل بها الفعل كالوطي في عدة المطلقة الرجعية حيث ان ظاهر الأدلة عدم زوال الزوجية إلا بانقضاء العدة في مورد الطلاق الرجعي و الحاصل ان الكشف الحكمي بالإضافة إلى الأحكام التكليفية غير معقول كما أوضحناه في بيع الفضولي.

و دعوى ان الفعل الخارجي كالتصرف الاعتباري بنفسه مصداق للفسخ فيجوز بجواز الفسخ تكليفا و وضعا لا يمكن المساعدة عليها فإنه ان أريد ان الفعل الخارجي بلا قصد إلغاء العقد مصداق للفسخ فيدفعه ان الفسخ- كالامضاء من الأمور الإنشائية و القصد فيها مقوم و لا يقاس بالوطي في عدة المطلقة الرجعية فإن جواز الوطي و غيره من الاستمتاعات تكليفا لكون المطلقة الرجعية زوجة تنقضي تلك الزوجية بانقضاء العدة و تمام الطلاق و اما كونه كسائر الاستمتاعات رجوعا و ان لم يقصد بها الرجوع فلما أشرنا الى ذلك سابقا من استفادة ذلك من النص.

و ان أريد أن الفعل الخارجي مع قصد إلغاء العقد في نفسه فسخ لا ان الفسخ مسبب منه فهو صحيح كما ذكرنا الا ان كونه فسخا مقتضاه جوازه وضعا لا تكليفا فإنه لا يستفاد من أدلة الخيار و أدلة جواز الشروط الا نفوذ الفسخ لا جواز كل فسخ تكليفا لو بنى على دلالتهما على جواز كل فسخ تكليفا يكون مقتضى الجمع بينهما و بين ما دل على وجوب حفظ الفرج الا عن الزوجة أو ملك اليمين عدم جواز الفسخ تكليفا فيما إذا كان بمثل الوطي في غير ملك اليمين في ابتدائه خصوصا إذا كان الفسخ بخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 498

[فرع لو اشترى عبدا بجارية]

فرع لو اشترى عبدا بجارية (1).

______________________________

الشرط حيث ان الشرط لا يكون مشرعا لما لا يجوز تكليفا أو وضعا اللهم

الا ان يقال بانصراف دليل التحريم عن مثل هذا الفرض.

فتلخص عما ذكرنا ان التصرف الخارجي أو الاعتباري يكون فسخا و بيعا ثانيا أو هبة أو رهنا و نحو ذلك و يحكم بحصول الفسخ و التصرف و لو كان من شرط التصرف ملك المال من حين وقوع التصرف.

و دعوى أن الشيئين لا يحصلان بشي ء واحد نظير التكبيرة الثانية حيث لا تكون خروجا عن الصلاة و دخولا في الأخرى قد عرفت جوابها من كلام العلامة (ره) من انه لا مانع عن حصول شي ء بشي ء منضما الى قصده أو بدونه و ان يكون ذلك الشي ء منضما الى قصد آخر شيئا آخر و عدم كون التكبيرة الثانية دخولا في الصلاة و ان قصدها المصلى لعدم جوازها تكليفا لكونها قطعا للصلاة التي- شرع فيها و المحرم لا يصلح لكونها عبادة لأن القطع عين الإتيان بالقاطع و المبطل خارجا كما ان الإفطار عين الإتيان بالمفطر لا ان الإتيان بالقاطع أمر و القطع أمر أخر و المحرم هو الثاني دون الأول.

(1) و ليعلم ان الحكم لا يختص بشراء العبد بالجارية و عتقهما بل يجرى فيما إذا وقعت المعاوضة بين المالين بخيار و تصرف- المشترى في كلا المالين بتصرفين متنافيين في زمان واحد بالمباشرة أو بالتوكيل كما إذا اشترى كتابا بفراش و وهبهما من ثالث.

و كيف كان ففي الفرع صور: الاولى، ما إذا كان الخيار للمشتري خاصة و يقال فيها بانعتاق الجارية دون العبد لان عتق الجارية فسخ للشراء و عتق العبد اجازة له و كلما دار الأمر في المعاملة بين فسخها و إمضائها يقدم فسخها. و فيه ان تقديم الفسخ على الإجازة يختص بما إذا كان الخيار المستقل لمتعدد حيث ان اجازه

المجيز معناها إسقاط خياره فيكفي في انفساخ المعاملة فسخ الآخر و اما إذا كان الفسخ و الإمضاء بالخيار للواحد سواء كان المباشر بهما نفس ذي الخيار أو وكيليه فان وقعا في زمان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 499

..........

______________________________

واحد فلا موجب لتقديم الفسخ على الإجازة بل الموجب لتقديم أحدهما سبقه على الآخر زمانا.

و قد يقال بتقديم عتق العبد فان العبد ملك للمعتق بالكسر في زمان عتقه فينعتق بخلاف الجارية فإن صيرورتها ملكا للمعتق بالكسر موقوف على انفساخ المعاملة بعتقها و المفروض عدم حصوله لعدم كون عتقها إنشاء الفسخ مع اقترانه بعتق العبد و لا أقل من الشك فيكون مقتضى الأصل بقاء العقد و استمراره.

أقول: لا ينبغي الريب في الفرض في بطلان كلا العتقين لعدم المعين في البين نظير تزويج الام و البنت دفعة واحدة بلا فرق بين صدور نكاحهما عن شخص واحد أو صدورها عنه و عن وكيله في زمان واحد.

و على الجملة فبما ان عتق كل من العبد و الجارية أمر جائز للمشتري و لكن لا يمكن الجمع بينهما يكون كتزويج الام و البنت دفعة واحدة نعم الظاهر الحكم بالصحة بالإضافة الى العبد فيما إذا لم يقصد في عتقهما انحلال الشراء السابق كما إذا انسى شراء العبد بالجارية و تخيلهما ملكه فعلا فأعتقهما و لكن هذا الفرض خارج عن مفروض كلامهم و في مفروض كلامهم يحكم ببطلان العتقين و بقاء الخيار لعدم ثبوت المسقط.

لا يقال: مع قصده انحلال الشراء بعتق الجارية بحكم بانحلال الشراء مع فساد العتقين لان عدم إمضاء عتق الجارية و العبد لعدم إمكان كونها معا ملكه في زمان واحد و صحة العتقين تتوقف على كونهما معا في ملكه

في زمان واحد و ترجيح أحدهما بلا معيّن. فإنه يقال: إنشاء عتق العبد يمنع عن كون إنشاء عتق الجارية إبرازا للانحلال فان عتق العبد احداث حدث في المشتري بانفساخ زمان- خيار الحيوان أو خيار الشرط فيكون اجازة للشراء و إذا لم يحرز الفسخ يحكم ببقاء الشراء بل ببقاء الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 500

[مسألة من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار]
اشارة

من أحكام الخيار عدم جواز تصرف غير ذي الخيار (1).

______________________________

الصورة الثانية: ما إذا كان عتق العبد و الجارية مع الخيار للبائع فقط ففي الفرض يحكم بانعتاق العبد بناء على جواز تصرف من عليه الخيار فيما انتقل اليه كما يحكم ببطلان عتق الجارية لوقوعه في غير ملكه و لا يفيده إجازة البائع لعدم جريان الفضولية في العتق.

الصورة الثالثة: ما إذا كان الخيار لهما و على ذلك فعتق المشترى بالإضافة الى العبد غير صحيح بناء على تعلق حق البائع به فيكون عتقه تصرفا في حق الغير فيبطل و اما عتق الجارية فيصح فيكون عتقهما فسخا و لو أجاز البائع عتق العبد بعد ذلك فيكون أجازته إسقاطا لخياره فيكون من تقديم الفسخ على الإجازة نعم لو قلنا بجواز تصرف- المشترى في العبد بالعتق فيكون الفرض كالفرض الأول في بطلان العتقين و بقاء العقد و الخيار.

(1) يقع الكلام في المقام في جواز التصرف من عليه الخيار فيما انتقل اليه بتصرف يمنع عن رد العين على من له الخيار على تقدير فسخه و لو قيل بعدم حصول النقل و الانتقال الا بانقضاء الخيار كما عن الشيخ و ابن سعيد في جامع الشرائع يكون عدم جواز تصرف كل من المتعاقدين فيما وصل اليه من صاحبه على القاعدة سواء كان التصرف متلقا أو ناقلا

أو لم يمنع عن رد العين كركوب الدابة.

و انما الكلام في عدم الجواز على القول بحصول النقل و الانتقال من حين تمام العقد كما عليه المشهور و قد ينسب عدم الجواز إلى العلامة في القواعد و المحقق و الشهيد الثانيين بل في مفتاح الكرامة في مسألة عدم انتقال حق الرجوع عن الواهب الى ورثته ان خيار البائع يمنع المشترى عن تصرفه في المبيع مع كون التصرف متلقا أو ناقلا عند الأكثر.

و عن جماعة عدم وجوب الزكاة على مشتري النصاب فيما- كان لبائعه خيار الفسخ

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 501

و يمكن ان يقال ان قول الشيخ و من تبعه (1).

______________________________

و ان انقضى من حين الشراء حولا كاملا لان من شرطا الزكاة كون مالك النصاب متمكنا على التصرف في تمام الحول و المشترى في الفرض لا يجوز له التصرف في النصاب المزبور ما دام للبائع خيار الفسخ.

و لكن عن الشرائع انه يجوز لمشتري العين رهنها عند آخر زمان الخيار سواء كان الخيار للبائع أوله أو لكليهما و كذا ذكر في مسألة شراء النصاب مع الخيار لبائعه وجوب الزكاة على المشترى بانقضاء حول الشراء و ان استشكل عليه في المسالك في كل من- المسألتين بحيث يظهر منه ان المحقق ايضا ملتزم بمنشاء الاشكال و ان التصرف ينافي حق استرداد العين للبائع و كذا يظهر جواز التصرف عن رهن القواعد بل عن صريح العلامة في التذكرة في باب الصرف و ايضا يظهر الجواز عن الشهيد ره في الدروس حيث ذكر- في باب الصرف انه يجوز لأحد المتصارفين في مجلس العقد بيع ما قبضه من شخص ثالث و لا يمنع خيار المجلس الثابت لصاحبه عن

جواز البيع الثاني لأن حق الخيار لصاحبه يبقى و يكون له على تقدير الفسخ استرداد مثل المقبوض و ايضا ذكر الشهيد ره في اللمعة انه يجوز لمشتري العين رهنها و لو مع الخيار للبائع و ظاهره جواز الرهن و جعلها وثيقة للدين عليه لثالث و لكن حمله الشهيد الثاني في الشرح على ما كان الثمن دينا على المشترى و جعل العين المبيعة رهنا على ذلك الثمن و هذا الحمل تكلف فإنه لم يفرض الشهيد قده كون الثمن دينا عليه.

(1) و حاصله ان منع الشيخ و ابن سعيد (قدس سرهما) عن تصرف من عليه الخيار فيما وصل اليه ليس لأجل عدم حصول الملك الى انقضاء الخيار بحيث لو قالا بحصول الملك من حين العقد لالتزما بجواز التصرف الناقل أو المتلف و الوجه في ذلك انه قد علّل الشيخ (قده) عدم جواز بيع أحد المتصارفين ما قبضه من ثالث في مجلس العقد بان البيع المزبور مانع عن خيار صاحبه و لو كان عدم الجواز متفرعا على عدم الملك لكان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 502

..........

______________________________

المتعين ان يعلل عدم الجواز بعدم صيرورة ما قبضه ملكا لبائعه.

و يظهر عدم كون منعهما متفرعا على عدم حصول الملك بالعقد عن الشهيد (قده) في مسألة حصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار و ان انقضاء الخيار يعتبر بنحو الكشف أو بنحو النقل و ذلك فإنه ذكر في وجه حصول الملك بالعقد انه الناقل و ثبوت الخيار للاستدراك و الاستدراك لا ينافي حصول الملك بالعقد.

و ذكر في وجه حصول الملك بانقضاء الخيار ان الغرض من الملك هو التصرف و التصرف ممتنع زمان الخيار و ظاهر هذا الكلام ان عدم جواز

التصرف زمان الخيار متسالم عليه عند القائلين بحصول الملك بالعقد و القائلين بحصوله بانقضاء الخيار.

اللهم الا ان يقال ان المراد من التصرف الذي تسالم عليه القائل بحصول الملك بالعقد و القائل بحصوله بانقضاء الخيار على عدم جوازه، هو التصرف الذي يكون نافذا بحيث لا يكون في معرض الانحلال و لا في معرض الضمان بان لا يبطل ذلك التصرف بفسخ ذي الخيار و لا يكون لذي الخيار الرجوع الى بدل المال الذي أتلفه من عليه الخيار أو نقله الى ثالث فلا ينافي التسالم على ذلك الالتزام بجواز تصرف من عليه الخيار بحيث يبطل مع فسخ من له الخيار أو يرجع من له الخيار الى بدله.

و كون المراد من التصرف الممنوع عند القائلين بالقولين ما ذكر خلاف ظاهر كلام الدروس في بيان مدرك القول بحصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار حيث ان ظاهره ان التصرف ممتنع اى غير جائز لا انه غير نافذ على حدّ الملك اللازم الا انه يقرب احتمال كون المراد التصرف النافذ قوله بعد أسطر من بيان مدرك حصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار ان في جواز تصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهين و وجه التقريب ان حصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار يجري في الخيار المشترك و المختص كما يأتي و الاستدلال على الحصول بانقضاء الخيار بامتناع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 503

ثم ان الظاهر عدم الفرق بين العتق و غيره (1).

______________________________

التصرف. لا بد من كونه المتسالم عليه في الخيار المختص و المشترك فذكر الوجهين في جواز التصرف في الخيار المشترك يلزمه ان يكون المراد بالجواز غير امتناع التصرف المذكور في مبنى حصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار

بان يكون الامتناع بمعنى عدم النفوذ المتسالم عليه و بمعنى عدم الصحة المختلف فيه.

(1) قد يقال بان من عليه الخيار يجوز له عتق العبد بمعنى ان عتق العبد الذي اشتراه بخيار بايعه صحيح دون سائر التصرفات لبناء العتق على التغليب. و فيه ان معنى التغليب تقديم العتق على غيره مع جواز كل منهما.

و قد يقال بأن إتلاف من عليه الخيار العين المنتقلة إليه غير جائز و اما التصرفات الاعتبارية الناقلة فلا بأس بها و لكن التزم هذا القائل بأنه مع فسخ ذي الخيار تنحل تلك التصرفات الصادرة عمن عليه الخيار من حين الفسخ أو من أصلها و لعل مبنى ذلك ان التصرفات الاعتبارية لانحلالها بفسخ البيع لا تمنع عن استرداد ذي الخيار عين المال بخلاف الإتلاف فلا يكون تفصيلا في- التصرفات المانعة عن ردّ العين كما لا يخفى.

و كيف ما كان فيستدل على عدم جواز التصرف المتلف أو الناقل بان الخيار و ان يتعلق بالعقد حيث انه السلطنة على فسخ العقد الا ان- تعلق العقد بالعوضين مقتضاه تعلق الحق بالأخرة بالعين المنتقلة عن ذي الخيار بان يكون له حق استرجاعها الى ملكه ثانيا فلا يجوز للآخر التصرف في تلك العين بما يمنع عن الاسترجاع سواء كان بإتلافها أو نقلها الى ثالث.

لا يقال لو كان الحق متعلقا بالعين لانتهى بتلف العين بنفسها مع ان لذي الخيار الفسخ بعد التلف و الرجوع ببدلها.

فإنه يقال: لا تلازم بين عدم جواز الإتلاف أو النقل لتعلق الحق بالعين ابتداء و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 504

فان الثابت من خيار الفسخ (1).

______________________________

بين التعلق ببدلها على تقدير تلفها نظير ما ارتهن العين فإنه لو تلف العين لتعلق حق

الرهن ببدلها مع انه لا يجوز في الفرض للراهن إتلاف العين المرهونة و الى ذلك يرجع ما في الإيضاح من عدم جواز عتق العبد المشترى بخيار البائع لأنه يجب صيانة حق ذي الخيار في العين المعينة.

و يؤيد تعلق حق ذي الخيار بالعين ما تسالموا عليه من انه لو تصرف من عليه الخيار في العين المنتقلة اليه و اجازه من له الخيار سقط خياره و الوجه في التأييد انه لو لم يتعلق حقه بالعين لما كانت اجازة التصرف إسقاطا للخيار حيث لا منافاة بين صحة التصرف المزبور و فسخ العقد كما لا يخفى.

(1) الثابت من أدلة الخيار جواز فسخ العقد بنحو الحق سواء كانت العين المنتقلة عن ذي الخيار تالفة أو باقية فان قوله (ع) و مشتري الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام مع ملاحظة ان الحدث في الحيوان مسقط لخيار المشترى مقتضاه جواز فسخ- المشترى في ثلاثة أيام سواء كان الثمن بيد بايعه باقيا أو تالفا و كذلك قوله عليه السلام من اشترى ما به عين و عوار إلخ مقتضاه جواز فسخ شراء المعيب مع بقائه سواء كان ثمنه باقيا بيد بايعه أو تالفا بل يثبت هذا الإطلاق في روايات خيار المجلس أيضا فإن مقتضاها انه يجوز لبائع الشي ء قبل الافتراق فسخ ذلك البيع و لو باع مشتريه ذلك المتاع في مجلس العقد من آخر و على ذلك فلا دلالة في أدلة الخيارات الشرعية التأسيسيّة على ان من عليه الخيار يجب عليه إبقاء ما انتقل اليه ما دام لصاحبه خيار بل مقتضى ما دل على سلطنة المالك على ماله جواز التصرف له كان التصرف خارجيا أو اعتباريا.

و الحاصل ان ثبوت الحق لمن له فسخ العقد لا

يمنع من عليه الخيار عن التصرف في العين المنتقلة إليه كما ان ثبوت حق الشفعة للشفيع لا يلازم منع مشتري الحصة عن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 505

..........

______________________________

التصرف في الحصة المزبورة.

لا يقال: الأخذ بالشفعة لا يوجب انحلال بيع تلك الحصة حيث ان الأخذ بالشفعة مبادلة أخرى بين مشتري الحصة و بين الشفيع و ان الشفيع بالأخذ بالشفعة يتملك تلك الحصة بإزاء مثل الثمن في الشراء بخلاف خيار الفسخ فان بالفسخ ينحل الشراء.

فإنه يقال: الكلام في تصرف من عليه الخيار و تصرف من عليه الشفعة و نقول كما ان حق الشفعة لا يمنع عن جواز تصرف من- عليه الشفعة و لا يكون حق الشفعة حقا في تلك الحصة المبيعة بل الحق متعلق بتملكها بمساو الثمن كذلك حق الخيار لا يوجب الحق في العين المنتقلة الى من عليه الخيار بل جواز تصرف من عليه الشفعة أشكل لأن تصرفه في معرض الانحلال بلا خلاف فإنه لو باع مشتري الحصة تلك الحصة من آخر يجوز للشفيع الأخذ بالشفعة من شراء ذلك الآخر و الأخذ بالشفعة من الشراء الأول فإن أخذ بها من الشراء الأول ينحل البيع الثاني بلا خلاف بخلاف خيار الفسخ فإن المشتري لو باع العين من آخر و فسخ البائع البيع بخياره فقد يأتي عدم انحلال البيع الثاني و ان البائع بعد فسخه يرجع الى بدل العين مثلا أو قيمة.

لا يقال: تعلق حق الرهانة بالعين المرهونة يمنع الراهن عن التصرف في تلك العين فلم لا يكون الخيار مثله.

فإنه يقال: قد تقدم ان الخيار حق يتعلق بالفسخ بخلاف حق الرهانة فإنه يتعلق بالعين المرهونة. مع ان حق الرهانة في نفسه يمنع الراهن عن التصرف

في العين المرهونة حيث ان الرهن في الحقيقة وثيقة للدين و مع جواز الإتلاف لا يتحقق الوثاقة و لذا- ذكروا انه لا يجوز للراهن و المرتهن التصرف في العين المرهونة كان التصرف متلفا أو ناقلا أو غيرهما.

و لكن ذكرنا في شرائط العوضين انه و ان لا يجوز للراهن إتلاف العين المرهونة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 506

و اما الخيارات المجعولة بالشرط (1).

______________________________

حيث ان الإتلاف ينافي كون العين وثيقة للدين الا انه لا بأس- بالتصرفات الناقلة فضلا عن غيرها فان العين تنتقل الى الثالث كما هي من تعلق حق الرهانة بها.

و ما ذكروا من سقوط الخيار بإذن ذي الخيار في التصرف المتلف أو الناقل فلا يدل على تعلق الخيار بالعين بل لأنّ الإذن المزبور كاشف بكشف نوعي عن إغماض ذي الخيار عن فسخ البيع و الرضا ببقائه فيدخل في الإسقاط من هذه الجهة لا لأنّ الإذن فيه ينافي بقاء الخيار عقلا كما لا يخفى.

(1) ذكر (قده) ان الحكمة في ثبوت الخيار شرعا إبقاء السلطنة على استرداد العين و لذا لا ينافي الخيار الشرعي تصرف من عليه الخيار في العين المنتقلة إليه بخلاف الخيار المجعول باشتراط المتعاقدين فإن السلطنة المزبورة علة لجعل الخيار باشتراطهما و بقاء الخيار المجعول حتى مع تصرف من عليه الخيار إتلافا أو نقلا و ان كان ممكنا لأن السلطنة على الاسترداد علة لجعله لا للخيار المجعول- الا انه يقتضي ان لا يجوز لمن عليه الخيار الإتلاف أو النقل.

أقول: كون الغاية من جعل الخيار التمكن على استرداد العين لا يجري في جميع الخيارات المشروطة فضلا عن التأسيسية الشرعية بل الغرض من جعلها تمكن من له الخيار على تدارك ما فات

عنه سواء كانت الفائت مالا أو عرضا و كيف يمكن ان يكون الغرض من جعل الخيار استرداد العين في موارد اشتراطه للمشتري مع انه لا غرض للمشتري غالبا في عين الثمن بل الأمر في البائع أيضا كذلك فيما كان غرضه من البيع الاسترباح.

نعم ما ذكر غاية في بيع الخيار لذا يكون- اشتراطه إبقاء العين فيه ارتكازيا فلا يجوز لمن عليه الخيار إتلافه أو نقله عملا لما اشترط عليه من التحفظ على العين في مدة الخيار.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 507

..........

______________________________

لا يقال: ثبوت الخيار لأحد المتعاقدين يمنع من عليه الخيار عن التصرف فيما انتقل اليه سواء كان التصرف المزبور متلفا للعين أو ناقلا و ذلك فان مع فسخ ذي الخيار و انحلال البيع تعود- تلك العين الى ملك الفاسخ كي يصح ضمانها مثلا أو قيمة و مع التصرف المتلف كالعتق أو الناقل كبيع العين من ثالث لا يمكن العود فان عودها يستلزم كون العبد معتقا و مملوكا للبائع الفاسخ في زمان واحد أو كونه مملوكا له و للثالث مع التصرف الناقل و لا يمكن الالتزام بانحلال العتق أو الشراء الثاني بانحلال البيع الأول من الأصل أو من زمان وقوع فسخ البيع الأول فإن لازم ذلك وقوع العتق أو الشراء الثاني مراعى أو متزلزلا و لا يصح شي ء منهما.

فإنه يقال: لا منافاة بين الخيار و نفوذ التصرف المتلف أو الناقل و لا موجب للالتزام بانحلال التصرف المتلف أو الناقل لا من أصلهما أو من حين فسخ البيع الأول و الوجه في ذلك يظهر بملاحظة التلف الحقيقي للعين بيد من عليه الخيار فان معنى عود التالف الى ملك الفاسخ اعتبار تلك العين عند تلفها

ملكا للفاسخ بمعنى ان تلفها وقع في ملكه مع كون العين بيد الغير لا أن العين بعد تلفها عادت الى ملك الفاسخ فان العود كذلك لا يوجب ضمان ذي الخيار.

و على ذلك فالعتق عمن عليه الخيار لوقوعه في ملكه يكون نافذا فيحسب بعد فسخ ذي الخيار إتلافا واقعا في ملك الفاسخ و كذلك- الشراء الثاني فإنه بعد فسخ ذي الخيار يحسب عند بيعها من ثالث إتلافا واقعا في ملك الفاسخ فيكون ضمانها على من أتلفها و لا وجه لانحلال العتق لا من الأصل و لا من حين الفسخ و كذا الشراء الثاني لكون كل من العتق و البيع الثاني في زمان وقوعه واجدا لتمام ما يعتبر في صحته و لزومه و قد شملهما خطاب النفوذ و دليل حلّ البيع و وجوب الوفاء بالعقود.

و مما ذكر يظهر الحال فيما إذا وقع المعاوضة بين العينين و تصرف من انتقل اليه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 508

ثم ان المتيقن من زمان الخيار (1).

______________________________

احدى العينين فيها بتصرف متلف أو ناقل ثم تلفت العين الأخرى قبل قبضها فإنه يصح التصرف الناقل أو المتلف لوقوع كل منهما في ملك المتصرف فيعمّه دليل النفوذ و خطاب الصحة بناء على ما هو الصحيح من ان التلف قبل القبض يوجب انحلال البيع من حين التلف لا من أصله لأن اشتراط القبض يختص ببيع السلم و التقابض ببيع الصرف و ما دل على ضمان البائع التلف قبل القبض لا يستفاد منه الّا- الانحلال من حين التلف.

و مما ذكرنا من ان التصرف الناقل عمن عليه الخيار يعتبر حين الفسخ إتلافا لمال الغير فينتقل الى- الضمان بالمثل أو القيمة يظهر عدم الفرق بين

الناقل اللازم أو الجائز و انه ليس لذي الخيار فسخ ذلك الناقل الجائز لأنه أجنبي عن ذلك التصرف و لا إجبار على من عليه الخيار بفسخه بل ليس لذي الخيار إلزام من عليه الخيار بدفع العين لو رجعت اليه بناقل آخر بل بفسخ ذلك الناقل الجائز أيضا اللهم الا ان يقال ان النقل الجائز انما يحسب إتلافا فيما إذا لم ترجع العين الى ملك من عليه الخيار بفسخ الناقل الجائز و الا فلا إتلاف في اعتبار العقلاء و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) لا يخفى انه لو كان المانع عن جواز تصرف من عليه الخيار تعلق الحق بالعين المنتقلة إليه لجاز له التصرف في تلك العين قبل زمان ثبوت الخيار كما لو قيل بان خيار الغبن بعد ظهور الغبن و ان خيار العيب بعد ظهور العيب لان الموجب لتعلق الحق بالعين و هو الخيار لم يحصل.

و اما لو قيل بان المانع عن صحة التصرف و نفوذه ان التصرف المزبور ينافي ثبوت الخيار فلا فرق بين التصرف قبل زمان فعلية الخيار و التصرف قبله فان مع كل من التصرفين لا يحصل الفسخ و يلزم كون العبد معتقا و مملوكا أو مملوكا- للفاسخ و للثالث فتدبّر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 509

[فرعان]
[الأول لو منعا من التصرف]

لو منعا من التصرف (1).

[الثاني هل يجوز اجارة العين في زمان الخيار]

هل يجوز اجارة العين في زمان الخيار (2).

______________________________

(1) لو بنى على من عليه الخيار لا يجوز له التصرف المتلف أو الناقل فهل يمنع عن تصرف كانت العين معه في معرض عدم- إمكان الردّ على ذي الخيار بفسخه كوطي الأمة مع الإنزال في رحمها حيث يمكن كون الأمة مستولدة به.

أقول: مع عدم العلم و الاطمئنان بالاستيلاد فالأصل جوازه أخذا بأصالة الحلية و اما مع العلم أو الاطمئنان فلا يبعد عدم الجواز لكونه منعا عن رد الأمة التي تعلق بها حق ذي الخيار و عدم إمكان صيرورتها ملكا للفاسخ مع كونها ملكا للواطى على ما تقدم من ان المانع عن التصرف تعلق حق ذي الخيار بالعين أو تنافي التصرف مع الخيار.

(2) و حاصل ما ذكره في المقام ان من عليه الخيار لو آجر العين التي اشتراها بخيار بائعها فهل تصح تلك الإجارة بحيث لو فسخ ذو الخيار البيع لعادت العين إليه مسلوبة المنفعة أم لا يصح تلك الإجارة لاستلزامها ان لا يجوز للبائع بعد فسخه أخذ العين من يد مستأجرها مدة الإجارة فتكون الإجارة منافيه لحق الخيار على ما تقدم. نعم لو استأجر العين بائعها من مشتريها أو آجرها مشتريها لآخر باذن- بائعها فلا تبطل الإجارة بفسخ البائع بل تعود العين إليه مسلوبة المنفعة.

و الوجه في عدم بطلان الإجارة ان من عليه الخيار يملك منفعة العين تبعا لملك العين بملكية مطلقه فله استيفاء تلك المنفعة باستئجار العين و إذا فسخ بائعها يرجع العين الى ملكه مسلوبة المنفعة كما إذا آجر العين مالكها ثم باعها من آخر فان مشتريها يملك العين مسلوبة المنفعة على ما هو المقرر في محله.

و لا يقاس بما إذا

آجر البطن الأول العين الموقوفة إلى مدة ثم انقرضوا قبل انقضاء تلك المدة فإنه تبطل الإجارة بالإضافة إلى المدة الباقية بمعنى انها فضولية تحتاج إلى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 510

..........

______________________________

إجازة البطن الثاني و الوجه في عدم القياس ان البطن الأول لا يملك العين و لا منفعتها بملكية مطلقه بل ما دام حياتهم و البطن الثاني لا يتلقى الملك منهم بالوراثة و نحوها ليقال بان العين تنتقل إليهم مسلوبة المنفعة بل الملكية مجعولة لكل بطن من الواقف مدة حياتهم على ما تقدّم في بحث عدم جواز بيع الوقف. بخلاف المقام فإن مشتري العين يملك العين بملكية مطلقة و تتبعها ملكية منافعها و إذا استوفى المنافع بالإجارة و نحوها لعادت العين الى الفاسخ مسلوبة المنفعة.

لا يقال: انما لا تبطل الإجارة بتملك العين فيما إذا كان تملكها بتمليك أو مملك جديد كما فيها آجر العين مالكها ثم باعها من ثالث و اما إذا كان تملكها بزوال السبب الذي كانت العين بذلك السبب ملكا لآخر كما في تملك بائعها بفسخ بيعها الذي كان له خيار فيه فيوجب تملكها بطلان الإجارة التي أوقعها مشتريها فان زوال السبب بالفسخ كزواله بنفسه كما في انقضاء البطن الأول فإن مقدار المنفعة في الفرض تتبع مقدار تملك العين.

فإنه يقال: في بيع البائع العين بخيار يملك المشترى العين بالملك المطلق و كذا منفعتها و إذا استوفى منفعتها بإجارتها لعادت العين إلى بائعها بالفسخ مسلوبة المنفعة نظير ما إذا وقع التفاسخ بالإقالة بعد إجارة المشتري العين التي اشتراها و المراد بالملك ما يقبل البقاء و الدوام لولا الرافع و لا يقاس ذلك بملك البطون في الوقف.

و يظهر من صاحب القوانين ره

في بعض أجوبة مسائله ان مشتري العين في بيع الخيار لو آجرها تبطل الإجارة بفسخ بائعها بردّه مثل الثمن و علل البطلان بأن الفسخ يكشف ان- المشترى لم يكن مالكا لمنفعة العين بالإضافة الى ما بعد الفسخ و ان الإجارة بالإضافة إليه كانت فضولية و مراعاة.

و فيه ان أريد أن ملكية المنفعة تتبع ملك نفس العين فتبقى ما دام العين باقية في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 511

..........

______________________________

الملك أو ما دام العين باقية في ملك من يستند ملكه العين الى الملك الأول كما في إجارة العين ثم بيعها من آخر فإن الإجارة تبقى لان ملك العين للموجر و ان لم يكن باقيا الا ان ملك مشتري العين المستند الى ملك بائعها حاصل فقد عرفت جوابه نقصا بتفاسخ البيع بعد اجارة العين و- و حلّا بان ملكية منفعة العين مطلقه تتبع ملك العين القابل للدوام و البقاء لو لا الرفع.

أقول: ملك المشترى العين بملكية مطلقه بمعنى انها تكون ملكا للمشتري كما كانت للبائع و يحصل بالشراء كان لبائعها خيار الفسخ أم لا لما تقدم من ان الخيار حق يتعلق بالعقد لا بالعين غاية الأمر إذا فسخ الشراء بخيار أو إقالة تعود تلك الملكية إلى البائع بالسبب الذي كان في البين قبل العقد الناقل و كما ان مشتري العين يملك نفس العين بملكية مطلقه كذلك يملك منفعتها بتبع ملكية العين و لذا يجوز له التصرف في العين بنقلها من ثالث أو نقل منفعتها حيث يعم التصرف المزبور ما دل على حل البيع و الإجارة و لزوم الوفاء بالعقود.

و عليه فان فسخ ذو الخيار بعد هذا التصرف يعد هذا التصرف النافذ بعد الفسخ إتلافا

لمال الفاسخ عينا أو منفعة فيكون على المتصرف بدل ما أتلف المشترى من بدل العين أو بدل المنفعة أي الأجرة المثل- بالإضافة إلى المدة الباقية و هذا مقتضى ما دلّ على ثبوت الخيار للبائع و ما دل على إمضاء البيع و الإجارة أو غيرهما من التصرفات.

و يشبه المقام ما إذا شهد الشاهدان بان العين بيد زيد ملك لعمرو و حكم الحاكم بشهادتهما انها لعمرو ثم رجع الشاهدان عن- شهادتهما فإنه يؤخذ بدل العين من الشاهدين و يدفع الى من كانت العين بيده فان مع رجوعهما بعد الحكم عن شهادتهما تحسب الشهادة السابقة النافذة إتلافا للعين على ذي اليد على ما في الرواية و كذلك ما إذا أقرّ ذو اليد بان العين لزيد ثم أقرّ انها لبكر فإن بالإقرار الثاني يحسب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 512

ثم لا إشكال في نفوذ التصرف بإذن ذي الخيار (1).

______________________________

الإقرار الأول النافذ إتلافا للعين على بكر فيضمن له بدلها و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) لو تصرف من عليه الخيار فيما انتقل إليه بإذن ذي الخيار فيصح ذلك التصرف متلفا كان كالعتق أو ناقلا كالبيع و الهبة و لا ينبغي الإشكال في سقوط خيار من له الخيار بالتصرف المزبور فإنه لو كان الخيار حقا متعلقا بالعقد فالإذن في التصرف و ان لا ينافي الخيار فيمكن لذي الخيار فسخ البيع و الرجوع الى بدل ما أتلف عليه الا ان الاذن المزبور كاشف عن رضا ذي الخيار ببقاء البيع و الإغماض عن خياره.

و كذا بناء على ان الخيار حق يتعلق بما انتقل الى من عليه الخيار فان ضمان من عليه الخيار تلف العين و بطلان تصرفه لأجل الحق في

العين و مع اذنه في التصرف فيها ينتفي الحق فلا يكون للمشتري ضمان لان الضمان فيما إذا تلف العين و بها حق ذي الخيار. و اما لو اذن ذو الخيار في التصرف و لكن لم يتصرف من عليه الخيار فهل يسقط خياره أم لا فعن العلامة في القواعد و التذكرة انه يسقط و لعله لدلالة الاذن على رضاه ببقاء البيع و اغماضه عن خياره من غير دخالة تصرف من عليه الخيار في هذه الدلالة و لكن عن جامع المقاصد و المسالك عدم سقوطه.

و الاولى ان يقال انه لو اذن ذو الخيار لشخص ثالث في التصرف فيما انتقل الى من عليه الخيار يكون هذا الاذن فسخا لانه لا معنى للاذن للغير في التصرف فيما انتقل إلى المشتري نيابة عن ذي الخيار من عيران يقصد انحلال البيع و اما لو اذن ذو الخيار للمشتري في التصرف فيما انتقل إليه ففي كونه إسقاطا لخياره إشكال لأن المستفاد من الروايات كون تصرف ذي الخيار فيما انتقل اليه- مسقط لخياره و الاذن المزبور ليس تصرفا فيما انتقل اليه و الحكم بسقوط خياره بتصرف من عليه الخيار باذنه ليس لكون- اذنه إسقاطا للخيار يعنى إنشاء لسقوطه بل لان مع التصرف المزبور لا يبقى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 513

[مسألة المشهور ان المبيع يملك بالعقد]

المشهور ان المبيع يملك بالعقد (1).

______________________________

في العين حق لذي الخيار و لا يكون على من عليه الخيار ضمان لان الضمان فيما إذا تلفت العين و بها حق ذي الخيار كما تقدم و مع الاذن لا يتحقق هذا التلف بخلاف ما إذا- لم يتصرف فإنه يبقى مورد الحق فيكون إذن ذي الخيار كإذن المرتهن للراهن في بيع العين المرهونة

في عدم سقوط حق الرهانة عن العين بمجرد الاذن و لذا يجوز له الرجوع عن اذنه قبل بيعها.

و لكن مع ذلك كله يمكن القول بسقوط الخيار بالاذن و ان لم يتصرف من عليه الخيار فإن الإذن كاشف عن رضاه ببقاء العقد و الإغماض عن خياره فان هذا الاذن لا يقصر في الكشف عن الرضا عن تقبيل الجارية الّتي اشتراها و قد تقدم عن المبسوط انه لو علم رضا البائع بوطي المشتري الأمة المبيعة منه سقط خياره.

و يؤيد هذا السقوط ما في ذيل معتبرة لسكونى من أنّ عرض المشترى ما اشتراه بشرط الخيار للبيع إسقاط لخياره فإنه روى عن ابى عبد اللّٰه (ع) انه قضى في رجل اشترى ثوبا الى نصف النهار فعرض له الربح فأراد بيعه الى ان قال: فان اقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه.

(1) و حاصله ان المشهور على حصول ملك المبيع للمشتري بالعقد و لا يتوقف على انقضاء الخيار من غير فرق بين كون الخيار لهما أو لأحدهما و ان الخيار يوجب تزلزل الملك لتسلط ذي الخيار على رفع السبب الناقل فيتعلق حق ذي الخيار بما انتقل عنه الى صاحبه.

و حكى المحقق و جماعة عن الشيخ انه (قده) التزم بعدم حصول الملك الا بانقضاء الخيار و الحكاية يعم ما إذا كان الخيار للمشتري فقط كما صرح بهذا الشمول العلامة في التحرير.

و لكن تعرض في الدروس لحصول الملك بالعقد أو بانقضاء الخيار و ذكر لكل

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 514

..........

______________________________

منهما وجها و قال في وجه حصول الملك بالعقد ان العقد هو الناقل و الخيار لاستدراك ما فات بالعقد فلا يكون منافيا لحصول الملك بالعقد.

و قال

في وجه عدم حصول الملك الا بانقضاء الخيار بان الغرض من الملك جواز التصرف و لا يجوز التصرف ما دام- الخيار ثم قال و ربما قطع الشيخ قده بحصول الملك بالعقد فيما كان الخيار مختصا بالمشتري و عن ابى الجنيد عدم حصوله الا بانقضاء الخيار- انتهى.

و هذا الكلام من الدروس يدل على حصول ملك المبيع للمشتري عند الشيخ ايضا فيما- كان الخيار للمشتري خاصة و دلالته من وجهين: أحدهما ما ذكر في مأخذ الخلاف و وجهه فإنه إذا كان الوجه في عدم حصول الملك عدم جواز التصرف في المبيع فلا يجري في مثل خيار الحيوان فإن المشتري يجوز له التصرف في الحيوان و يكون تصرفه مسقطا لخياره.

و بتعبير آخر عدم جواز التصرف يختص بمن عليه الخيار و لا يعم من له الخيار كما تقدم في المسألة السابقة.

و ثانيهما ما ذكره من انه ربما قطع الشيخ بملك المشترى بالعقد فيما إذا اختص بالخيار بل ما ذكره ره في بيان مأخذ الخلاف صريح في انه لا- خلاف في حصول الملك بالعقد فيما إذا كان الخيار للمشتري من غير الشيخ في الخلاف و المبسوط فان كلامه في الخلاف و المبسوط يعطى عدم حصول الملك ايضا ما دام لم ينقض خيار المشترى قال في الخلاف ان الملك لا يحصل الا بانقضاء الخيار فيما كان الخيار لهما أو للبائع و اما إذا كان للمشتري فيخرج عن ملك البائع و يدخل في ملك المشترى بعد انقضاء الخيار بالعقد انتهى.

و ظاهر هذا الكلام الكشف و انه لو انقضى الخيار و لم يفسخ المشترى العقد

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 515

..........

______________________________

ينكشف حصول الملك للمشتري بالعقد نظير كشف حصول الملك

من حين العقد فضولا بعد اجازة المالك فيكون عدم حصول الملك للمشتري في زمان خياره حكما ظاهريا و المراد بخروج المبيع عن ملك بايعه عدم جواز تصرفه في ذلك المبيع نظير عدم جواز تصرف الأصيل في العقد فضولا قبل- اجازة المالك أو ردّه لان ذلك مقتضى لزوم الوفاء بالعقد من جهته.

و يحتمل في عبارة الشيخ ان يكون مراد، بعدم حصول الملك الا بعد انقضاء الخيار حصول الملك اللازم فيكون موافقا لما عليه المشهور و يدلّ على كون مراده ذلك ما ذكره في عدّة- مواضع من المبسوط كقوله بأنه لا يجوز لأحد المتصارفين بيع ما اشتراه في المجلس من غير صاحبه و انه لا يجوز لمشتري العين رهن ما اشتراه في مجلس العقد لان البيع أو الرهن ينافي خيار صاحبه و وجه الدلالة انه لو كان الحكم عنده عدم حصول الملك الا بعد- انقضاء الخيار لكان المتعين تعليل عدم الجواز بعدم صيرورة المبيع ملكا للمشتري لأن مع عدم المقتضى للبيع أو الرهن لا معنى لتعليل عدم جوازهما بالمانع.

و كيف ما كان فالأظهر ما عليه المشهور من حصول الملك بالعقد لان البيع عند العقلاء هو ناقل الملك حتى في مورد شرط الخيار لأحدهما أو كلاهما و ظاهر قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ إمضاء البيع على ما هو المقرر عند العقلاء و لان قوله (ع) البيعان بالخيار ما لم يفترقا ظاهره كون الخيار حكما بعد تلبس كل من المتعاقدين بكون أحدهما- بائعا و الآخر مشتريا و ايضا ظاهر قوله (ع) في خيار الحيوان من الحكم بلزوم البيع بنظر المشترى الى ما يحرم النظر اليه أو تقبيله أو لمسه الجارية المشتراة جواز هذه التصرفات للمشتري نظير احداث الحدث في

الحيوان الا ان يلتزم بحصول الملك للمشتري مقارنا لهذه الأفعال نظير عود الزوجية بالوطي في عدة الطلاق الرجعي.

و بتعبير آخر لا يكون مثل هذه الأفعال مسقطا فعليا للخيار بل حدوثها غاية للخيار

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 516

ربما يتمسك بالأخبار الواردة في العينة (1).

______________________________

فيقع في- الملك و يدل ايضا على حصول الملك بالعقد ما ورد في غلة المبيع ببيع الخيار و ان الغلة للمشتري و تلفه منه و لو لم يكن العين ملكا للمشتري زمان الخيار البائع لما كانت الغلة ملكا للمشتري و تلفه منه الا ان يلتزم بان رد مثل الثمن في ذلك البيع شرط لانفساخ العقد و لا يرتبط بالخيار أو يقال ان الخيار المشروط يحصل بردّ مثل الثمن فيكون البيع قبله لازما فلا يصح الاستدلال به الا على من التزم بأنّ الملك لا يحصل الا بعد انقضاء الخيار المنفصل أيضا أو يقال ما ورد في غلة المبيع يعم ما إذا كان ردّ الثمن شرطا للخيار أو قيدا للفسخ فلا حظ.

(1) و قد يستدل على حصول الملك بالعقد بالأخبار الواردة في بيع العينة كرواية الحسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد الهّٰس (ع) يجيئني الرجل و يطلب العينة فاشترى المتاع له مرابحة ثم أبيعه إياه ثم أشتريه مكاني قال إذا كان بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم- تشتر فلا بأس فإن ظاهرها كظاهر غيرها جواز شراء ما باعه من طالب العينة في مجلس بيعه و لو لم يكن ملك المتاع حاصلا لطالبها بمجرد البيع لما جاز الشراء ثانيا في ذلك المجلس.

و أجاب المصنف قده عن

الاستدلال بان الشراء ثانيا و ان كان في مجلس البيع الا ان بيع المشترى المتاع من بايعه ثانيا إسقاط لخيارهما و لو على القول- بحصول الملك بانقضاء الخيار و لذا جوز الشيخ قده بيع أحد المتصارفين ما اشتراه من بايعه ثانيا في مجلس الصرف.

نعم في بعض اخبار الباب فقرات يمكن استفادة حصول الملك بالبيع منها و في صحيحة بشار بن يسار قال سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يبيع المتاع بنساء ثم يشترى من صاحبه الذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به فقلت اشترى متاعي فقال ليس هو متاعك و لا بقرك و لا غنمك فان الحكم بجواز الشراء و لو في مجلس البيع-

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 517

و مثل هذه الرواية في عدم الدلالة و الاستيناس صحيحة محمد بن مسلم (1).

______________________________

الأول و ان لا يدل على الحكم كما تقدم الا ان قوله عليه السلام ليس هو متاعك ظاهر في كون المتاع أو البقر ملكا للمشتري قبل بيعه من بايعه.

و لكن ناقش ره في ذلك أيضا بأن تواطئهما على البيع بنسية أوّلا و الشراء منه ثانيا بنقد يوجب عدم ثبوت خيار المجلس في البيع الأول و قول السائل اشترى متاعي ناش من ارتكاز ما عليه الشيخ قده من عدم حصول الملك الا بانقضاء مجلس البيع و جواب الامام (ع) ليس هو متاعك إشارة إلى صيرورة المتاع ملكا للمشتري لسقوط خيار كما بتوافقكما على هذا البيع و الشراء.

أقول: التوافق على سقوط الخيار على تقديره يكون كالتواطى على البيع أولا و الشراء ثانيا في عدم كونه شرطا في البيع الأول كما يفصح عن ذلك قوله عليه السلام ان شئت اشتريت و

ان شئت لم تشتر.

و دعوى ارتكاز مذهب الشيخ في ذهن السائل مع اشتراطه سقوط خيار المجلس عجيب و أعجب منه قوله قده و هذا في غاية الوضوح لمن تأمل في فقه المسألة و الظاهران سؤال السائل راجع الى ما يخطر الى بعض الأذهان من عدم الجدّ في البيع أو الشراء كذلك و أجاب عليه السلام بان الملاك في صحة المعاملات وقوعها بشرائطها بالقصد و لو كانت وسيلة إلى دفع المال نقدا و الأخذ بالأكثر- نسية.

(1) و قد يستدل على الحكم الذي عليه المشهور بصحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر (ع) قال سألته عن رجل أتاه رجل فقال ابتع لي متاعا لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية فابتاعه الرجل من اجله فقال ليس به بأس إنما يشتريه منه بعد ما يملكه فان مقتضاها جواز البيع ثانيا بعد الشراء سواء كان خيار المجلس في ذلك الشراء باقيا أم لا.

و ناقش ره في هذا- الاستدلال بأمور: الأوّل ان هذه الرواية ناظرة الى ان البيع من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 518

و أشد ضعفا من الكل (1).

______________________________

الطالب يقع ثانيا لا بمجرد تقاضاه أولا ليكون من بيع ما ليس عنده و لذا ذكر في بعض الروايات الواردة في هذه المسألة و لا توجب البيع أى مع الطالب قبل ان تستوجبه اى مع البائع- الأول.

و ثانيا ان الغالب في هذا البيع جلوس الطالب في محل المطلوب منه و يذهب المطلوب منه فيشترى المتاع من السوق و نحوه ثمّ يجي ء به الى محله فبمجرد افتراق المطلوب منه من البائع الأول ينتهي خيار المجلس فيكون بيعه من الطالب بعد لزوم البيع الأول و لو فرض اجتماع الطالب و

المطلوب منه و من باع المتاع أولا في مكان لكان تعريض المشتري الأول بيعه من- المشترى الثاني إسقاطا لخياره و خيار بايعه.

و الحاصل انه ليس في قوله (ع) انما يشتريه منه بعد ما يملكه دلالة على حصول الملك بمجرد العقد و على تقدير التسليم فيدفع احتمال النقل بان يكون انقضاء الخيار دخيلا في النقل و الانتقال و لا- يدفع احتمال الكشف حيث انه على الكشف يكون البيع الثاني محكوما بالصحة لأنه ينكشف بانقضاء الخيار وقوعه في ملك بايعه.

أقول: العمدة في الجواب هو الوجه الأول و هو نفى كون- المقاولة الأولية بيعا ليكون محكوما بالبطلان لوقوعه في غير الملك و اما البيع بعد الشراء فما هو شرائطه فليست الرواية ناظرة إليه ليتمسك بإطلاقها كما لا يخفى.

و مما ذكر يظهر الحال فيما ورد في مال العبد و انه يكون للمشتري مطلقا أو مع الاشتراط أو مع علم البائع بماله فإن غاية مدلوله صيرورة المال للمشتري نحو صيرورة نفس العبد له فان كان الملك بالعقد فالمال ايضا كذلك و لو كان بانقضاء الخيار فالمال ايضا تابع له كما لا يخفى.

(1) ذكر في الجواهر في وجه حصول الملك بالبيع ان مقصود المتعاقدين و ما وقع عليه تراضيهما هو انتقال العوضين عند تمام العقد أي الإيجاب و القبول بشرائطهما فهذه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 519

..........

______________________________

المعاملة على تقدير صحتها كذلك يثبت ما عليه المشهور و هو- المطلوب و الا تكون المعاملة باطلة من أصلها أو تكون صحيحة لا على وجه تراضيهما و مقصودهما.

و أجاب المصنف ره عن هذا الوجه بأنه أضعف الوجوه لان الزمان غير داخل في مدلول العقد و لا يكون مدلوله النقل من حين

العقد بل مدلوله نفس نقل المعوض بعوض و انتقال الأول بإزاء الثاني نعم بما أن المتعاقدان يرون العقد علة تامة للنقل و الانتقال يكون قصدهما النقل و الانتقال من حين تمام العقد داعيا لهما الى إنشائه و لكن العقد لا يدلّ الا على النقل و الانتقال و لذا لو جعل الشرع شرطا آخر في حصول النقل و الانتقال كما في اشتراط التقابض الصرف لما كان حصول النقل و الانتقال بعد القبض الا من قبيل تخلف الداعي للمتعاقدين لا وقوع مدلول العقد على غير وجهه و هكذا الحال على تقدير اشتراط انقضاء الخيار و قد تقدم في إجازة العقد الفضولي انه لو كان النقل و الانتقال حاصلا من حين الإجازة لما كان ذلك من خلاف مدلول العقد الذي أجراه الفضولي مع الأصيل.

و فيه ان أريد عدم كون النقل و الانتقال من حين تمام الإيجاب و القبول مدلولا للعقد و لو بإطلاقه فهذا غير صحيح قطعا لأن الإهمال في العاقد الملتفت الى اعتبار الملك غير معقول و عدم تعليقها البيع على حصول أمر استقبالي أو الأمر- الماضي مقتضاه كون المبدء للملك المعتبر تمام العقد نعم للشارع إمضاء ذلك الملك على تقدير حصول أمر كحصول التقابض في مجلس العقد في بيع الصرف و لا ينافي ذلك اعتبار المتعاقدين و لا يكون من تخلف العقود عن القصود لأن الإمضاء- الشرعي غير مقصود من ألفاظ الإيجاب و القبول بل المقصود منها الملك الذي يعتبره المتعاقدان و تخلفه عن القصود لم يحصل بل تعلق به الإمضاء على تقدير حصول أمر بنحو الشرط المقارن و هذا التقدير يحتاج الى قيام قرينه عليه و الا- فمقتضى الإطلاق في مثل قوله سبحانه

إرشاد الطالب

إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 520

و قد يستدل أيضا بالنبوي المشهور (1).

______________________________

أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وقوع الإمضاء بلا تعليق و يأتي انه ليس في أدلة الخيارات و غيره دلالة على التقييد في الإمضاء بل فيها ما ينفى هذا التقييد كما ذكرناه فيما ورد في بيع الخيار و بيع العينة و الأظهر في الجواب عن صاحب الجواهر ان ما ذكره لا يزيد على التمسك بإطلاق دليل حل البيع.

(1) و قد يستدل على مسلك المشهور بالنبوي المذكور في كتب الفتوى من الفريقين من قوله (ص) الخراج بالضمان أى منافع الشي ء تتبع ضمانه و إذا كان ضمان الشي ء على شخص يكون منافعه له و إذا كان منافع الشي ء ملكا له فيكون ذلك الشي ء ملكا له ايضا و من الظاهر انه إذا كان الخيار مشتركا بينهما أو مختصا بالبائع يكون ضمان المبيع على المشترى فيكون منافعه له و ملكية المنافع له علامة كون نفس المبيع له و أجاب ره بأنه لم يظهر ان القائل بحصول الملك بانقضاء الخيار يتسلّم بان ضمان المبيع على المشترى ليقال بان منافعه ايضا له و بما انه يتبع ملكها ملكية العين فيكون علامة للثاني.

أقول مع انه لا يمكن الاعتماد على النبوي المزبور و ذكره في بعض كتب أصحابنا لا يدل على الاعتماد عليه لإمكان ذكره تأييدا.

و العجب من المصنف ره من انه يتمسك بإطلاق حل البيع و يذكر انه العمدة في إثبات النقل و الانتقال زمان الخيار مع انه التزم في الرد على صاحب الجواهر قده بعدم كون مدلول البيع الملك من حينه فإنه إذا لم يكن ذلك داخلا في مدلوله وضعا و إطلاقا فكيف يكون إمضائه دالا على كون الملك من حين

البيع اللهم الا ان يقال الملكية مستفادة من حل التصرف بالبيع و مقتضى إطلاق حلية التصرف حصولها من حين البيع فيكشف الحلية من ذلك الحين عن حصول الملك الشرعي أيضا عندها كما لا يخفى.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 521

و استدل للقول الآخر بما دل على كون تلف المبيع من مال البائع زمان الخيار (1).

______________________________

(1) يستدل على القول الآخر بما ورد في اخبار خيار الحيوان و شرط الخيار للمشتري من ان تلف المبيع في زمان خياره من بايعه و بضميمة أن الخراج بالضمان يكون مقتضاه ان منافع المبيع أيضا للبائع و إذا كانت منافعه له يكون المبيع ايضا ملكا له.

و أجاب المصنف قده ان الشيخ قده يلتزم في الخيار المختص بالمشتري بحصول النقل و الانتقال من حين البيع على ما ذكره في المبسوط في باب الشفعة مع ان هذا الدليل لا يجري إلّا في الخيار المختص به. و على كل حال فقد تقدم أدلة المشهور و ان العمدة فيها إطلاق حل البيع و هذا الدليل المختص بصورة خيار المشترى اما ان يكون مقيدا لإطلاق حلّ البيع و المراد بالمشار إليه الأخبار- الواردة في ضمان البائع زمان خيار المشتري بضميمة الخراج بالضمان أو تكون الأخبار المزبورة مخصصة لقاعدة الخراج بالضمان و لو وصلت النوبة الى الأصل العملي لعدم الترجيح لأحد التخصيصين يكون مقتضى الاستصحاب بقاء المبيع في ملك البائع الا انه يتعين تخصيص ما دلّ على تبعية ضمان الشي ء ملكه لوجوه عمدتها الشهرة المحققة المؤيدة بالإجماع المحكي عن السرائر.

أقول: لا حاجة إلى انضمام تلازم الضمان مع ملك العين بل- يمكن ان يدعى ان الاخبار الواردة في الحدث زمان خيار الحيوان و الشرط ظاهرة

في عدم صيرورة المبيع ملكا للمشتري الا بعد انقضاء الخيار و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الى يوم أو يومين فيموت العبد أو الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك فقال على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع- للمشتري.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 522

..........

______________________________

و لكن لا يخفى انه يتعين حمل مثلها على صيرورة المبيع ملكا لازما لا أصل الملك و ذلك بقرينة صحيحة على بن رئاب عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه فلا شرط قيل له و ما الحدث ان لا مس أو قبل أو نظر منها الى ما كان يحرم عليه قبل الشراء فان ظاهرها جواز تصرف المشترى في الأمة بعد الشراء بما كان يحرم قبله على غير المالك و مقتضى ذلك كونها بعد الشراء ملكا له و لو كان الملك حاصلا بنفس النظر و اللمس و التقبيل لكان الأنسب أن يقول ان ينظر الى ما كان يحرم عليه قبل ذلك لا قبل الشراء مع ان تحريم الشي ء و جوازه بمجرد الشروع في ارتكابه غير معقول.

و الحاصل ظاهر هذه الصحيحة حصول الملك بالشراء و عدم اعتبار انقضاء الخيار في حصوله لا بنحو النقل و لا بنحو الكشف و على ذلك فلا موجب لرفع اليد عن إطلاق حل البيع بالالتزام بتوقف إمضائه على انقضاء الخيار بل الخيار كما ذكرنا حكم لتمام البيع و يكشف عن ذلك قوله (ع) و صاحب

الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام و على ذلك فلو تم النبوي المزبور سندا و دلالة على تلازم ضمان العين مع ملكها فيرفع اليد عن إطلاقه في المقام كما رفعنا اليد عنه في ضمان اليد و في صورة التلف قبل القبض كما لا يخفى.

و قد يقال انه يستفاد من بعض الروايات عدم صيرورة المبيع ملكا للمشتري مع شرط الخيار له كمعتبرة السكوني عن ابى عبد اللّٰه (ع) ان أمير المؤمنين (ع) قضى في رجل اشترى ثوبا بشرط الى نصف النهار فعرض له ربح فأراد بيعه قال ليشهد انه قد رضيه فاستوجبه ثم ليبيعه ان شاء فان اقامه في السوق و لم يبع فقد وجب عليه فإنه لو كان المبيع ملكا للمشتري بمجرد الشراء لما كان في بيع المشتري إسقاط خياره معتبرا فقوله

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 523

ثم ان مقتضى إطلاق ما تقدم في عبارتي المبسوط و الخلاف (1).

______________________________

عليه السلام ليشهد انه قد رضيه فاستوجبه ظاهر في اعتبار ذلك في حصول الملك.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه لا دلالة في الرواية على عدم حصول الملك قبل انقضاء الخيار بل غايته عدم جواز ان يبيع ما اشتراه بخيار قبل إسقاط خياره و يمكن ان يكون الوجه في ذلك سقوط خيار الشرط بتصرف ذي الخيار فيما اشتراه فيما كان تصرفا ناقلا كما يفصح عن ذلك صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انه سأل عن الرجل يبتاع الثوب من السوق لأهله و يأخذه بشرط فيعطى الربح في أهله قال ان رغب في الربح فليوجب الثوب على نفسه و لا يجعل في نفسه ان يرد الثوب على صاحبه ان ردّ عليه.

و لا يبعد

الالتزام بذلك في الخيار المشروط بل جميع الخيارات بناء على عدم احتمال الخصوصية في شرط الخيار و خيار الحيوان كما لا يخفى و يحتمل ان يكون ذلك حكما استحبابيا كما عنون صاحب الوسائل قده الباب به فلا حظ.

(1) تعرض قده لشرط الخيار المنفصل و ذكر ما حاصله ان ظاهر كلام الشيخ في المبسوط و الخلاف انه لا يحصل النقل و الانتقال في مورد خيار المجلس و خيار الشرط سواء كان الخيار المشروط متصلا أو منفصلا و اما إذا كان الخيار غيرهما كخيار العيب و الغبن و الرؤية فيحصل النقل و الانتقال بنفس البيع حيث خصص الشيخ قده في المبسوط و الخلاف بما إذا كان البيع مشروطا و المراد بكون البيع مقيدا و مشروطا شرط الخيار فيه كما ان المراد بإطلاق البيع عدم اشتراط الخيار فيه و اما خيار المجلس فقد ذكر قده في كلماته في المبسوط و الخلاف لحوقه بخيار الشرط و الحيوان.

و المذكور في كلمات الأصحاب أيضا في عنوان الخلاف حصول الملك بالبيع أو بانقضاء الخيار و ظاهر الانقضاء كون الخيار زمانيا فلا يعم مثل خيار العيب و الغبن و الرؤية نعم خيار المجلس لا حق بخياري الشرط و الحيوان كما صرح الشيخ قده بأن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 524

[مسألة من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار]

من أحكام الخيار كون المبيع في ضمان من ليس له الخيار (1).

______________________________

الافتراق كانقضاء- الخيار في لزوم العقد.

و قد صرح في الدروس في منشأ الخلاف ان التصرف في زمان الخيار ممتنع و هذا لا يجري في خيار العيب و نحوه حيث ان التصرف في الخيارات المزبورة قبل ظهور العيب و الغبن و روية المبيع على خلاف ما وصف جائز فلا

بد ان يلتزم الشيخ قده بحصول الملك في مورد الخيارات المزبورة بالعقد. و يفصح عن ذلك ما ذكره في المبسوط من انه لو ظهر للمعيب نماء ثم ظهر عيبه فيرد المعيب دون نمائه و الحاصل احتمال ان الشيخ قده لا يلتزم بجواز التصرف قبل ظهور العيب و الغبن و الرؤية لا يليق به كما ان التزامه قده بجواز التصرف قبل حصول الخيارات المزبورة لحصول الملك قبلها و بعد حصول الخيار يزول الملك و يرجع المبيع الى ملك بايعه ايضا لا يليق بشأنه قده.

أقول: لو بنى على ان الخيار حق يتعلق بالعين و ان تعلقه به يمنع عن تصرف من عليه الخيار فيه فلا يجوز التصرف لمن عليه الخيار في جميع الخيارات و لو كان اعتبار الملك مع هذا المنع عن التصرف لغوا لما يحصل الملك الا بعد انتهاء الخيار و سقوطه من غير فرق بين خيار و خيار آخر فان الخيار المزبور يكون كشرط الخيار المنفصل نعم لو استند في منع حصول الملك بالاخبار فلا يحصل النقل و الانتقال في خياري المجلس و الحيوان و خيار الشرط فيما كان المبيع من قبيل الحيوان لا سائر المتاع كما تقدم في الخيار المشروط في بيع الخيار كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في المقام في المسألة المعروفة في ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له و يستفاد من كلماتهم فيها ان في عموم هذه القاعدة و عدم عمومها أقوال:

الأول: ان هذا الحكم يختص بخيار الحيوان و خيار الشرط فيما كان الخيار المشروط في شراء الحيوان أو غيره متصلا بالعقد أم منفصلا.

الثاني: كون الحكم كذلك فيما كان الخيار المشروط في شراء الحيوان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 525

..........

______________________________

الثالث: ان الحكم يجري في خياري الحيوان و الشرط سواء كان الخيار المشروط للبائع أو للمشتري و في خيار المجلس فيما كان الخيار مختصا بأحد المتعاقدين كما إذا شرط عدم خيار المجلس للبائع أو للمشتري و يظهر من المصنف ره اختيار ذلك.

الرابع، ان الحكم يجري في كل الخيارات فيما إذا اختص الخيار بأحد المتبايعين سواء كان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا.

و العمدة في وجه الاختلاف ملاحظة ما يستفاد منه الحكم فإنه قيل يستفاد مما ورد في خياري الحيوان و الشرط ان البيع فيما لم يكن لازما لأحد المتعاقدين بحيث يمكن له إرجاع المال الى من انتقل عنه يكون ضمان تلفه على من انتقل عنه و في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن الرجل يشتري الدابة أو العبد و يشترط الى يوم أو يومين فيموت العبد و الدابة أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك فقال على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري فإن ظاهرها ان انتقال الضمان إلى المشتري فيما كان الشراء المزبور لازما عليه و في ذيل هذه الصحيحة على رواية الشيخ قده و ان كان بينهما شرط أيام معدودة فهلك في يد المشترى قبل ان ينقضي الشرط فهو من مال البائع و هذا الذيل يعم ما إذا كان شرط الأيام منفصلا عن العقد بل يعم شراء غير الحيوان ايضا لرجوع ضمير بينهما إلى البائع و المشترى لا الى خصوص مشتري الحيوان و بايعه.

و الحاصل قد يقال ان المستفاد من الصحيحة ان الملاك في ضمان المبيع على بايعه عدم صيرورته ملكا لازما للمشتري و يجرى ذلك في جميع الخيارات فإنه ان كان المراد بالشرط مطلق الخيار

فالأمر واضح و هذا ظاهر الدروس و قبله السرائر و غيرها و قد تصدى المصنف قده لنقل كلمات الأصحاب. في المقام لاستظهار القول بعموم القاعدة و عدم عمومها و لكن ناقش في استظهار عموم القاعدة من الصحيحة بأنها

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 526

..........

______________________________

لا تعم غير خيار الحيوان و الشرط نعم يدخل فيها خيار المجلس فيما إذا اختص بأحدهما لأنه قد أطلق الشرط بخيار المجلس ايضا كما في صحيحة الفضيل عن ابى عبد اللّٰه «ع» قلت: له ما الشرط في غير الحيوان قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما.

أقول: عمدة ما استظهر من كلامه عموم القاعدة الشهيد ره في الدروس و اللمعة حيث قال ره في أحكام القبض و بالقبض ينتقل الضمان الى القابض إذا لم يكن له خيار فان مقتضى التقييد بما إذا لم يكن للقابض خيار ان مع الخيار له لا ينتقل الضمان و لكن لا يخفى انه لو أخذ بهذا الظهور يكون مقتضاه عدم ضمان القابض مع الخيار له سواء كان لصاحبه ايضا خيار أم لا فيعم موارد خيار المجلس و ما إذا باع المعيب مع جهل المشترى بالعيب- بأقل من القيمة السوقية بحيث يكون للبائع خيار الغبن و للمشتري خيار العيب.

و كذا استظهر العموم من كلام المحقق الثاني في توجيه القيد من كلام العلامة حيث ذكر العلامة انه لو ماتت- الشاة المصراة أو الأمة المدلّسة فلا شي ء للمشتري يعنى لا يستحق المشتري مطالبة البائع بشي ء لا بأخذ الثمن و لا الأرش فيكون الحاصل انه لا ضمان على البائع في موت الشاة المصراة و لا في موت الأمة المدلسة.

اما عدم استحقاق الأرش

فظاهر لأن الأرش يختص بموارد خيار العيب و لا يجري في موارد خيار التدليس حيث ان التدليس إيهام وصف كمال في المبيع مع عدم وجوده فيه.

و اما عدم استحقاق الثمن فلا بد من ان يفرض الموت في غير زمان خيار الحيوان أو الشرط للمشتري حيث ان كلام العلامة ناظر الى عدم ضمان البائع بالتدليس لا نفى ضمانه بخيار آخر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 527

..........

______________________________

و قال العلامة عقيب ذلك و كذا لو تعيبت عنده قبل علمه بالتدليس اى لا يكون شي ء للمشتري فيما إذا تعيبت الأمة المدلسة عنده قبل علمه بالتدليس و أورد المحقق الثاني بأنه لا وجه لتقييد عدم ضمان البائع بما إذا كان تعيب الأمة قبل علم المشترى بكونها مدلسة بل لو تعيبت بعد علمه بالتدليس فلا يضمن البائع أيضا الا ان يقال مع علمه بالتدليس يثبت له خيار التدليس فيكون- التعيّب زمان خياره فلا يكون مضمونا عليه بل يكون مضمونا على بايعه و لكن لم أظفر في كلام المصنف و غيره ان يكون على البائع ضمان تلف المبيع في زمان خيار التدليس للمشتري.

و لكن لا يخفى انه ينبغي استظهار عموم قاعدة ان التلف أو التعيب في زمان الخيار ممن لا خيار له من التقييد في كلام العلامة لا من توجيه المحقق الثاني فإن توجيهه لا يزيد الا كون العموم قولا للعلامة مع انه لا وجه للعلامة ره تقييد عدم ضمان البائع تعيّب الأمة المدلّسة بما إذا كان قبل علم المشترى بالتدليس و إطلاق عدم ضمان البائع موت الشاة المصراة و الأمة المدلّسة.

و كيف ما كان فما ذكره في مفتاح الكرامة من ان قولهم التلف في زمان الخيار ممن لا

خيار له قاعدة لا خلاف فيها لا يمكن المساعدة عليه فان الناظر في كلماتهم يرى عدم التسالم عليها بل ادعى الإجماع على ان حدوث العيب الجديد في يد المشترى يمنع عن الفسخ بالعيب القديم و يبقى المطالبة بالأرش من غير فوق بين حدوث العيب الجديد بعد العلم بالقديم أو قبله بل على تقدير التسالم ايضا فلا يمكن الاعتماد عليه. لانه لم يظهر من كلماتهم في مدرك القاعدة غير الاخبار المشار إليها و استفادة القاعدة الكلية منها مشكل جدا فان قوله (ع) حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام و يصير المبيع للمشتري غاية لضمان البائع موت العبد أو الدابة أو حدوث العيب و- النقص في أحدهما و هذا لا يعم غير خيار الحيوان للمشتري و التعدي إلى سائر الخيارات حتى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 528

و اما عموم الحكم للثمن و المثمن (1).

______________________________

خيار المجلس بلا وجه فان خيار المجلس و ان أطلق عليه الشرط الا انه ليس ثلاثة أيام كما لا يخفى.

و اما ما في ذيل صحيحة عبد اللّٰه بن سنان من قوله (ع) و ان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشترى قبل ان- يمضي الشرط فهو من مال البائع فغايته انه يعم شرط الخيار متصلا أو منفصلا للمشتري و الضمير في بينهما يرجع الى مطلق البائع و المشترى لا بايع العبد أو الدابة و مشتريهما.

لا يقال، هذا الذيل يعم ما إذا كان الخيار المشروط لكل من البائع و المشترى لو لم نقل بمشموله لما إذا اختص الخيار للبائع فلا يمكن حمله على ما اختص المشترى بالخيار.

فإنه يقال: ظاهر الذيل وحدة الخيار- المشروط و الا لكان الأنسب التعبير بان كان

لهما شرط فيكون الخيار المشروط للمشتري بقرينة ان الموجب لانتفاء- ضمان البائع انقضاء الشرط للمشتري كما هو ظاهر الموثقة عبد الرحمن عن رجل إلخ.

(1) ذكر قده ما حاصله كما ان ضمان تلف المبيع بيد المشترى زمان خياره على البائع كذلك ضمان تلف الثمن بيد البائع زمان خياره على المشترى و الوجه في ذلك ما يستفاد مما ورد في خيار الحيوان ان ضمان التلف قبل القبض لا يرتفع بالقبض عن الضامن فيما كان المقبوض ملكا غير لازم لقابضه بحيث يمكن له سلبه عن نفسه و هذا الملاك يجري في ناحية الثمن كما كان في ناحية المثمن و لو أغمض عن ذلك و فرضتا الشك في بقاء ضمان الثمن على المشترى الى ما بعد القبض فيجري الاستصحاب في ناحية بقاء ضمانه الذي كان ثابتا قبل القبض.

لا يقال: الثمن في الفرض ملك للبائع و قد تلف في يده و ضمان شخص آخر ذلك الثمن خلاف قاعدة الخراج بالضمان فان خراج الثمن المزبور للبائع فيكون ضمانه ايضا عليه فلا تصل النوبة إلى التمسك بالاستصحاب.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 529

..........

______________________________

فإنه يقال: هذا الضمان لا يخالف تلك القاعدة فإن معنى هذا الضمان رجوع الثمن عند تلفه الى ملك المشترى فيتلف ملكا له و كما ان الثمن زمان تلفه في ضمان المشترى و كذلك خراجه بل و عينه ايضا ملكه كما هو الحال في تلف المبيع زمان خيار المشترى نعم استصحاب بقاء ضمان الثمن على المشترى الى ما بعد قبض البائع مخالف لاستصحاب بقاء العقد و عدم انحلاله بتلف الثمن بيد بائعه الذي يكون له خيار الشرط أو خيار المجلس بل خيار الحيوان الا ان استصحاب بقاء الضمان

الثابت قبل القبض الى ما بعده حاكم على استصحاب عدم انفساخ العقد كحكومة استصحاب ضمان اليد على أصالة عدم اشتغال من تلف المال بيده بالمثل أو القيمة.

أقول: استصحاب بقاء الضمان قبل القبض من- الاستصحاب في الشبهة الحكمية فلا اعتبار به و على تقدير اعتباره فيها و القول بان الضمان في نفسه أمر اعتباري لا يدخل استصحابه في الاستصحاب التعليقي فلا ريب في انه لا تصل النوبة إلى استصحاب الضمان لا لان استصحاب عدم الانفساخ ينافيه لما تقدم من ان معنى الضمان هو ان تلف الثمن بيد المشترى كان مع الانفساخ و كذلك بعد قبض البائع فيكون التشبث باستصحاب عدم الانفساخ من الأخذ بالاستصحاب المسببي مع الأصل السببي- بل لعدم وصول النوبة إلى استصحاب بقاء ضمان الثمن على المشترى لعدم المورد للاستصحاب في المقام أصلا لأن المرجع عند الشك في تلف الثمن في يد البائع الذي له الخيار إطلاق حل البيع و إمضائه نظير قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فان مفاد الإطلاق إمضاء البيع إلى الأبد و ما دل على الخيار و ضمان التلف قبل القبض و ضمان البائع تلف المبيع إلخ هو ان الإمضاء الى ان يقع الفسخ من ذي الخيار أو الى ان يقع التلف قبل القبض أو الى ان يتلف المبيع بيد المشتري الذي كان له- الخيار و يبقى باقي الصور تحت الإطلاق.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 530

ثم ان ظاهر كلام الأصحاب و صريح جماعة منهم (1).

______________________________

لا يقال، هذا التمسك مبنى على جواز- التمسك بالعام فيما ورد عليه مخصص في زمان و شك بعد ذلك الزمان في حكم الفرد الخارج.

فإنه يقال: ليس ما نحن فيه من صغريات تلك الكبرى

و ان كان الصحيح في ذلك البحث ايضا جواز التمسك بالعام حتى ما لو كان حكم افراد العام استمراريا و الوجه في عدم دخول المقام في تلك الكبرى ان البيع المفروض في المقام لم يكن- خارجا عن خطاب الإمضاء سابقا لعدم وقوع تلف الثمن قبل القبض كما لا يخفى.

و يبقى في البين دعوى انه يستفاد من صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المناط في الضمان المعاملي و لكن قد تقدم انه لا يستفاد منها الا ضمان البائع تلف المبيع بيد المشترى فيما كان له خيار الحيوان أو الشرط.

ثم بناء على ان تلف الثمن في زمان خيار البائع على المشترى انه لو تلف الثمن بيد البائع في بيع الخيار فعلى المشترى ان يرد المبيع إلى بائعه و هذا فيما كان الثمن شخصيا و اما إذا كان كليا و تلف الفرد المقبوض بيد البائع فلا يكون هذا التلف موجبا لانحلال البيع لان تلف المقبوض من ملك المشترى لا يلازم الانفساخ في البيع بل يكفى فيه انحلال القبض فيستحق البائع المطالبة بفرد آخر و يجرى ذلك فيما إذا كان المبيع كليا و قبض المشترى فردا منه و تلف ذلك الفرد في زمان خياره و الحاصل ان الالتزام بالانحلال في العقد- لتصحيح وقوع التلف على مال غير ذي الخيار و هذا يحصل بالانحلال في القبض و لو شك في انحلال البيع في هذه الصورة فالمرجع إطلاق دليل الإمضاء و لا أقل في استصحاب بقاء البيع.

(1) المراد من كون ضمان تلف المبيع في زمان خيار المشترى من بايعه على ما تقدم انحلال البيع عند تلفه ليقع التلف في ملك البائع فيرجع الثمن الى ملك المشترى و لو كان للمبيع نماء الى

زمان تلفه فالنماء للمشتري كما ان نماء الثمن الى ذلك

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 531

..........

______________________________

الزمان للبائع و ليس المراد من ضمان البائع ضمان التلف في اليد بان يصح البيع حتى بعد تلف المبيع بحيث يكون للمشتري فسخه- بالخيار فيرجع الى البائع بالثمن أو يبقى البيع بحاله فيرجع الى البائع ببدل المبيع مثلا، أو قيمة.

و الوجه في كون ضمان البائع على النحو الأول مضافا الى كونه ظاهر كلمات الأصحاب من ان التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له، انه لم يعهد ان يتلف مال مالك في يده و يكون خسارته على غيره.

و بتعبير آخر الملازمة- بين كون شي ء ملكا لشخص و ذهابه عن كسيه عند تلفه في يده و مقتضى قاعدة الخراج بالضمان و أن كون شخص مالكا لعين يلازم ضمانها- ان يكون المبيع عند تلفه في يد المشترى غير مملوكة له بل تكون مملوكة لبائعها و لا يكون هذا الا بانحلال البيع عند تلفها.

أقول: لا ينبغي التأمل في ان معنى الضمان قبل القبض هو الضمان المعاملي أي انحلال البيع بتلف قبل قبضه فان ظاهر معتبرة عقبة بن خالد عن ابى عبد اللّٰه (ع)، وقوع تلفه في ملك بايعه قال في رجل اشترى متاعا من رجل و أوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه قال آتيك غدا إنشاء اللّٰه تعالى فسرق المتاع من مال من يكون قال- من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع و كذا الضمان في زمان الخيار كما هو ظاهر مرسلة حسن بن على بن رباط عمن رواه عن ابى عبد اللّٰه (ع) قال: ان أحدث في الحيوان قبل ثلاثة أيام

فهو من مال البائع بل ظاهر صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و غيرها أيضا فإن المتفاهم منها ان الضمان المنفي عن المشترى هو الذي يثبت عليه بعد انقضاء الخيار- و من الظاهر ان الضمان الثابت على المشترى بعد انقضاء خيار الحيوان هو الضمان المعاوضي ففي موثقة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه ليس على الذي اشترى حتى ينقضي الشرط و في رواية عبد اللّٰه بن الحسن بن زيد عن أبيه قال: يستخلف باللّٰه ما رضيه ثم هو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 532

و العبارة محتاجة إلى التأمل (1).

و ربما يحتمل ان معنى قولهم ان التلف ممن لا خيار له (2).

______________________________

بري ء من الضمان و هذا هو العمدة و الا فمقتضى إطلاق الإمضاء حتى بعد تلف المبيع زمان خيار المشترى تعيّن ضمان التلف مع عدم فسخ ذي الخيار و لو فرض تعارض هذا الإطلاق مع قاعدة التلازم بين الضمان و الملك فيرجع الى استصحاب بقاء البيع و الخيار و تكون النتيجة ضمان التلف كما لا يخفى.

(1) وجه التأمل فإن الشهيد ره ذكر في أول كلامه ان البائع إذا فسخ البيع في صورة تلف المبيع بيد المشترى يرجع اليه ببدل المبيع فيما إذا لم يكن ضمان و مفهوم القيد ان البائع الفاسخ إذا كان عليه ضمان فليس له مطالبة البدل من المشترى.

و لكن لا يخفى انه لا يتصور كون البائع ذا خيار و ان يكون عليه ضمان تلف المبيع بيد المشترى هذا أولا و ثانيا ذكر في آخر كلامه انه إذا كان- للمشتري خيار و تلف المبيع بيد بايعه قبل قبضه يبطل البيع و لا يفيد إيجاب المشتري أي إمضائه في تضمين البائع بالمثل

أو القيمة ثم ذكر انه إذا تلف المبيع بيد المشترى زمان خياره ففي انسحاب الحكم الثابت قبل القبض بان لا يفيد إيجاب المشترى في تضمين البائع بالمثل أو القيمة إشكال مع انه ذكر في أول كلامه انه إذا تلف المبيع بعد قبض المشترى لا يبطل البيع و لا خيار- المشترى.

(2) المحتملات في ضمان التلف في زمان الخيار خمسة الأول: ما اخترناه من انحلال البيع و إتلاف المبيع في ملك بايعه.

الثاني: ما عن ظاهر الدروس من كون المشترى مخيرا بين فسخ البيع الرجوع الى ثمنه و إبقاء البيع و مطالبة البائع بالبدل.

الثالث: كون المشترى مخيرا بين الفسخ و استرداد ثمنه و بين إبقاء البيع و إيجابه فيتخير في صورة الإبقاء بين المطالبة بالبدل و بين المطالبة بالثمن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 533

ثم ان الظاهر ان حكم تلف البعض حكم تلف الكل (1).

______________________________

الرابع: فسخ البيع و استرداد الثمن و إبقاء البيع و المطالبة بالثمن.

الخامس: انه إذا فسخ البيع يسترد الثمن و الا فلا شي ء له و غير الأول من المحتملات ينافيها إطلاق ما دل على ان الحدث بعد انقضاء زمان خيار المشترى عليه و قبله على البائع على ما تقدم تقريره.

(1) لو اشترى حيوانين بصفقة واحدة و تلف أحدهما زمان خيار المشترى يتبعض البيع فيرجع المشترى الى البائع بما يقع من الثمن بإزاء الحيوان التالف و يحصل له خيار التبعض ايضا بالإضافة إلى الحيوان الآخر و بتعبير آخر يكون تلف أحدهما في زمان الخيار كتلفه بيد- بايعه قبل القبض و كذا لو اشترى حيوانا و قبضه و حصل فيه عيب في زمان خياره يكون ذلك كحدوث العيب فيه بعد البيع بيد بايعه قبل

القبض في كونه موجبا لفسخ المشترى بالعيب و المطالبة بالأرش.

و لو لم يعلم المشترى بحدوث العيب بيده الا بعد انقضاء خيار الحيوان أو الشرط كان له الفسخ بالعيب الحادث.

و دعوى تعين الأرش في هذه الصورة لأن الشرط في جواز الفسخ بالعيب بقاء المبيع على ما كان عليه عند الشراء لا يمكن المساعدة عليها لان المعتبر في جواز الفسخ بقاء المبيع بحاله مع قطع النظر عن العيب الموجب لجواز الفسخ.

ثم ان التلف في زمان الخيار الموجب لانفساخ المعاملة ما إذا كان بآفة سماوية و يدخل في هذه الافة حكم الشارع بتلف المبيع كحكمه- على العبد المشترى بالانعتاق بصيرورته مقعدا أو أعمى و اما إذا كان التلف بفعل المشترى يكون ذلك موجبا للزوم البيع و سقوط خيار الحيوان بل خيار الشرط ايضا على وجه و اما إذا كان التلف بفعل البائع فلا يوجب إتلافه زمان خيار المشترى بطلان البيع كما هو الحال كذلك في إتلافه قبل قبض المشترى فيكون للمشتري فسخ المعاملة و الرجوع بثمنه و بين إبقاء

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 534

و ان كان بإتلاف أجنبي تخيّر ايضا (1) و هل يرجع بالقيمة إلى المتلف (2).

______________________________

البيع بحاله و مطالبة- البائع ببدل المبيع مثلا أو قيمة.

(1) ذكر قده انه لو كان تلف المبيع زمان خيار المشترى بفعل الأجنبي يكون الأمر كذلك فيتخيّر بين فسخ البيع و استرداد ثمنه و بين إبقاء البيع و مطالبة الأجنبي المتلف بالمثل أو القيمة و لكن لا يخفى ما فيه فان إتلاف الأجنبي من تلف المبيع سواء كان ذلك قبل قبض المبيع أو زمان خيار الحيوان أو الشرط للمشتري و قد ذكر سلام اللّٰه عليه في معتبرة

عقبة بن خالد سرقة المبيع في يد بايعه من تلفه قبل القبض و ما في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان و غيره من الحدث في الحيوان في ثلاثة أيام يعم التلف بفعل الأجنبي نعم يكون المشترى مخيرا بين الفسخ و استرداد ثمنه و بين إبقاء البيع و مطالبة المتلف بالكسر بالبدل في سائر الخيارات التي لا يكون فيها ضمان المبيع على بايعه كما في خيار الغبن أو المجلس و نحوهما و يجري في المقام ايضا بناء على عدم ضمان البائع إتلاف الأجنبي كما هو الفرض.

(2) إذا فسخ المشترى البيع و استرد ثمنه يقع الكلام في رجوع البائع فهل يرجع الى المتلف بالكسر ببدل المبيع أو يرجع الى صاحب الخيار الفاسخ أو يتخير في الرجوع الى كل منهما وجوه و قوله قده و هل يرجع ح بالقيمة إشارة الى هذا الخلاف.

و قد ذكر في وجه رجوع البائع إلى المتلف بالبدل أمران: أحدهما: ان بدل العين التالفة بذمة المتلف فيملك البائع المفسوخ عليه ذلك البدل بالفسخ.

ثانيهما: ان تلف العين و ان حصل حال كونها ملكا للفاسخ أي المشتري الا انه بعد الفسخ يعتبر عود تلك العين إلى البائع قبل تلفها بناء على ان المعتبر في الضمان اعتبار زمان التلف أو تعتبر العين التالفة ملكا للمفسوخ عليه عند الفسخ بناء على ان الاعتبار في الضمان بيوم الفسخ و على كلا التقديرين يكون البدل بذمة المتلف بالكسر للبائع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 535

..........

______________________________

كما لو كانت العين بيد الأجنبي باقية عند فسخ ذي الخيار فإنه كما تكون تلك العين مع بقائها ملكا للبائع كذلك بدلها مع تلفها بفعل الأجنبي.

أقول: في ملك الفاسخ في قوله لرجوع

العين قبل تلفها في ملك الفاسخ متعلق بالتلف لا بالرجوع و للفاسخ في قوله ملكا تالفا للفاسخ سهو و الصحيح للمفسوخ عليه.

و ذكر في وجه الرجوع الى صاحب الخيار أى الفاسخ انه إذا رجع الثمن الى ملك ذي الخيار المفروض تلف العين في ملكه يلزم خروج بدل المثمن عن ملك صاحب الخيار و مقتضى خروجه عن ملكه ثبوت البدل على ذمته لان ضمان المال التالف و خروجه الى ملك الغير بمعنى ثبوت بدله على الذمة و هذا هو المراد من قوله لان ضمان المتلف بالفتح محله الذمة لا ضمان الأمور الخارجية أي الأعيان الخارجية الغير التالفة فإن ضمانها ليس بمعنى الثبوت على العهدة.

لا يقال: بدل العين التالفة كان ثابتا على ذمة المتلف بالكسر قبل الفسخ فيدخل بالفسخ ذلك البدل في ملك البائع و بتعبير آخر ذلك البدل المملوك لصاحب الخيار يرجع الى البائع في مقابل رجوع الثمن الى ملك صاحب الخيار الفاسخ.

فإنه يقال: البدل على ذمة المتلف بالكسر قد تشخّص قبل الفسخ ملكا لصاحب الخيار المفروض كونه مالكا للعين عند تلفها- فيكون ذلك البدل نظير ما باع المشترى المتاع في زمان خيار البائع من ثالث و أخذ الثمن من ذلك الثالث أو كان الثمن على عهدة الثالث فلا يحق للبائع بعد فسخه المطالبة بذلك الثمن بل يكون على المشترى الأول بدل ذلك المتاع مثلا أو قيمة.

و بتعبير آخر البدل على عهدة المتلف بالكسر يترتب عليه البدلية في التلف خاصة لا البدلية عن العين التالفة في جميع جهاتها و لو كانت- العين باقيه بيد الأجنبي كانت راجعة إلى ملك بائعها بفسخ ذي الخيار فلا يكون مع تلفها البدل الثابت على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 536

[مسألة من أحكام الخيار ما ذكره في التذكرة فقال لا يجب على البائع]

من أحكام الخيار ما ذكره في التذكرة فقال لا يجب على البائع (1).

______________________________

عهدة المتلف- بالكسر مثل العين من هذه الجهة أيضا.

و الحاصل لا يكون ما على عهدة المتلف بدلا خارجيا عن العين ليترتب عليه ما كان مترتبا على العين مع بقائها و على ذلك فإذا فسخ صاحب الخيار البيع يعتبر رجوع العين قبل ان تتلف حال كونها مضمونة لذي الخيار على متلفها الى ملك المفسوخ عليه فيكون العين التالفة بالنحو المزبور على عهدة ذي الخيار فيثبت بدلها على ذمته و لا يكون على عهدة المتلف بالكسر بالإضافة إلى بائعها بدل.

أقول: مما ذكر في توضيح العبارة يظهر ان الصحيح ابدال ملك الفاسخ في عبارته مضمونة لمالكها على متلفها بالقيمة في ملك الفاسخ بملك المفسوخ عليه.

و ذكر في وجه الثالث: ان يد الفاسخ يد ضمان بالبدل بعد الفسخ كما ان إتلاف الأجنبي أيضا موجب للضمان فيجوز للبائع الرجوع الى كل منهما بنحو التخيير.

أقول: قد ظهر ايضا ان الصحيح ابدال يد المفسوخ عليه بيد الفاسخ. ثم قال و أضعف الوجوه أخيرها و لكن لا يخفى أنه أتمها و ذلك فان يد المشترى في زمان خياره في مفروض الكلام يد ضمان غاية الأمر ان الضمان على تقدير بقاء البيع معاوضي و على- تقدير فسخه ضمان يد و إتلاف الأجنبي موجب لكونه مديونا بالبدل لمن يعتبر العين التالفة عند إتلافها ملكا له و كان- يعتبر قبل الفسخ انها عند إتلافها ملكا للمشتري و بعد الفسخ يعتبر انها عند إتلافها ملكا للبائع مع كون اليد المشترى عليها يد ضمان فيجوز- للبائع الرجوع الى كل منهما كما هو الحال في تعاقب الأيدي غاية الأمر استقرار الضمان على المتلف

و يشهد لذلك انه لا يستحق المشتري مطالبة المتلف بالبدل فيما إذا فسخ البيع و استرد الثمن و ابرء البائع ذمة المتلف أو ذمة المشترى عن البدل فلاحظ و تدبر.

(1) ذكر العلامة في التذكرة انه لا يجب على المتبايعين تسليم ما لصاحبه و لو تبرع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 537

..........

______________________________

أحدهما بالتسليم لا يجب على الآخر التسليم و يجوز- للمتبرع استرداد ما سلمه الى الآخر سواء كان الخيار له أو للآخر و نقل عن بعض الشافعية انه لا يجوز للمتبرع الاسترداد بل على الآخر التسليم و ان امتنع يجوز للمتبرع اخدما انتقل اليه و لو مع عدم رضاه كما لم يكن البيع خياريا.

و ذكر المصنف (ره) انه يظهر من كلام العلامة ان الخلاف بين المسلمين انما هو في وجوب التسليم بعد اختيار أحدهما التسليم و اما التسليم ابتداء فلا يجوز على ذي الخيار بالاتفاق.

أقول: ما لا يخفى ما في الاستظهار من التهافت فان حصر الخلاف في وجوب التسليم بما إذا اختار أحدهما التسليم معناه الاتفاق على عدم وجوب التسليم ابتداء لا على ذي الخيار و لا على صاحبه فيكون منافيا لتخصيص الإجماع على عدم وجوب التسليم ابتداء بذي الخيار.

و كيف ما كان فان قيل بعدم حصول النقل و الانتقال زمان الخيار يكون الأمر كما ذكره في التذكرة و اما على القول بحصولهما بالعقد فقد يقال ان الخيار على تقدير كونه حقا متعلقا بما انتقل عنه- لا يجب على ذي الخيار التسليم كما لا يجب على صاحبه أيضا لأن امتناع كل منهما على تقدير امتناع الآخر شرط ارتكازي نعم لو تبرّع ذو الخيار بالتسليم يجب على صاحبه ايضا التسليم.

و فيه أوّلا ان

الخيار حق متعلق بالعقد فيكون لذي الخيار فسخه و لا يتعلق الحق بما انتقل عنه.

و ثانيا على تقدير كون الحق متعلقا بالعين فأيضا لا يجوز الإمساك بما انتقل عنه فان متعلق الحق استرداد تلك العين لا بالإمساك بها.

و بتعبير آخر لا وجه لرفع اليد عن مقتضى عدم حل مال الغير بغير طبيبة نفسه في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 538

[مسألة قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين]

قال في القواعد لا يبطل الخيار بتلف العين (1).

______________________________

موارد الخيارات فإن الإمساك بمال الغير بغير رضا صاحبه داخل في العموم المزبور.

نعم إذا كان الإمساك لامتناع صاحبه عن التسليم جاز لما أشرنا إليه من ان حق كل منهما بالإمساك بمال الآخر ما دام صاحبه ممسكا بماله شرط ارتكازي في جميع البيوع الحالية.

و ذكر النائيني قده انه لا يجب على ذي الخيار التسليم و ان اختار صاحبه التسليم بخلاف ما إذا تبرع ذو الخيار بالتسليم فإنه يجب التسليم على الآخر و علّل ذلك بعدم وجوب الوفاء بالعقد على ذي الخيار و مقتضى جواز نقضه عدم التزامه بتسليم ما بيده ما دام الخيار فيكون سلطنة صاحبه بذلك المال مضيقة.

و فيه ان جواز نقض العقد- بالفسخ لا يرتبط بالتسليم و عدم الالتزام بالتسليم لو فسخ البيع قبله لا ينافي لزوم التسليم ما دام لم يفسخ.

(1) ينبغي ان يرادان الموارد التي لا ينحل البيع فيها بتلف العين لا يبطل الخيار ايضا بتلفها و اما مع انحلال البيع كما في تلف المبيع قبل القبض أو تلفه زمان خيار الحيوان و الشرط للمشتري فبانحلال البيع بتلف المبيع لا يبقى مورد للخيار و ما ذكر صحيح لان الخيار حق يتعلق بالعقد و إذا فسخه ذو الخيار يرجع صاحبه اليه

بالبدل مثلا أو قيمة كما يرجع هو الى صاحبه بالبدل لو كان ما انتقل عنه هو التالف هذا في غير مورد قيام النص بأنه لا ينفذ الفسخ مع عدم بقاء العين كما في خيار العيب حيث دل النص على ان عدم بقاء المعيب بيد مشتريه بحاله يعيّن أخذ الأرش و قد ذكر المصنف قده انه يشكل الفسخ بعد تلف العين في موارد:

الأول: ما إذا كان الخيار لضرر الصبر على العين كما في خياري العيب و التدليس.

الثاني: ما إذا كان مقتضى الدليل جواز ردّ العين كما ذكر ذلك في مسئلة ظهور

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 539

[مسألة لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة]

لو فسخ ذو الخيار فالعين في يده مضمونة (1).

______________________________

كذب البائع بعد تلف المبيع في بيعه مرابحة.

الثالث: ما إذا كان الغرض من شرط الخيار تمكن ذي الخيار على استرداد نفس العين كما في بيع الشرط فإنه يمكن القول بأنه لا يجوز لبائع العين الفسخ بعد تلفها بيد المشترى و كذا في كل مورد كان تصريح المتبايعين أو ظاهرهما عدم الغرض من شرط الخيار الّا رد العين و استردادها.

أقول: إذا كان المشروط في البيع هو الخيار و لكن مع بقاء العين لا مطلقا فالمتبع شرطهما و لا ينبغي الريب في عدم الخيار مع تلفها و اما إذا كان المشروط هو الخيار فقط أو كان الخيار بلا قيد- مدلول النص كما في خيار المجلس و نحوه فلا وجه لسقوط الخيار بتلف العين و مجرد كون الحكمة في جعل الخيار التمكن على استرداد العين أو تدارك الضرر أو كون الداعي إلى اشتراطه استردادها لا يوجب اختصاص الخيار بصورة بقائها.

و مما ذكر يظهر الحال في بيع الخيار و انه لا

يتفاوت في جواز الفسخ بين بقاء العين و عدمه.

(1) لو فسخ البيع بالخيار أو بالإقالة فالعين التي يرجع الى ملك صاحب ذي الخيار مضمونة بيد ذي الخيار بضمان اليد فان اليد على مال الغير مع عدم كون ذي اليد أمينا بجعل مالك المال أو بجعل الشارع يوجب الضمان كما ذكرنا ذلك في مدرك ضمان اليد من استقرار سيرة العقلاء من المتشرعة و غيرهم و يقتضيه عموم حديث على اليد و من الظاهر ان مجرد الفسخ لا يجعل المال امانة بيده سواء كان يده على ذلك المال مضمونا بضمان معاملي قبل الفسخ أو لم يكن كما إذا فسخ مشتري الحيوان الشراء ثم تلف الحيوان بيده.

و بتعبير آخر الضمان في المقام نظير ضمان المقبوض بالسوم ضمان يد و الموجب له

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 540

[القول في النقد و النسية]

اشارة

ينقسم البيع باعتبار التأخير و التقديم (1)

[مسألة إطلاق العقد يقتضي النقد]

إطلاق العقد يقتضي النقد (2).

______________________________

عدم كون اليد على مال الغير يد أمانة مالكية كانت أو شرعية و كذا الحال في تلف المال بيد غير ذي الخيار فان تلفه عليه سواء كان التلف قبل الفسخ أو بعده.

و يمكن ان يستدل على ذلك بقوله (ع) في ذيل رواية ضمان البائع قبل القبض إذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه فإن ضمان الحق قبل الفسخ هو الثمن المسمى و بعده نفس العين مع بقائها و بدلها مع تلفها و بتعبير آخر هذا الذيل يعم زمان الخيار و بعده و قبل الفسخ و بعده.

(1) ذكروا للبيع أربعة أقسام بيع الحاضر بالحاضر و ليس المراد بالحاضر خصوص العين الخارجية الموجودة بل يعم الكلى على العهدة حالّا و بيع المؤجل بالمؤجّل و يعبّر عن ذلك ببيع الكالي بالكالي أى النسيئة بالنسيئة و الكالى من الكلاء و بمعنى التأخير و قد ورد النهى عنه في روايات مخالفينا و ما ورد في رواياتنا من النهى عن بيع الدين بالدين يأتي بيان المراد منه و بيع الحاضر بالمؤجل و يعبّر عن ذلك بالبيع نسيئة و بيع المؤجل بالحاضر و يعبّر عن ذلك ببيع السّلم.

(2) إطلاق العقد يقتضي كون الثمن كالمثمن حالّا المعبّر عن ذلك ببيع النقد فيكون للبائع مطالبة المشتري بالثمن مع استحقاقه- و يحصل استحقاقه بدفع المثمن إليه أو تمكينه من أخذه على الخلاف في معنى الإقباض.

و الوجه في ذلك أن البائع يملك الثمن على عهدة المشتري عينا كان أو دينا و إذا أقبض المبيع يستحق المطالبة بما ملكه بالبيع فان الناس مسلطون على أموالهم و حبس الحق و المال على مالكه

ظلم و عدوان و الإمساك بملك الغير لا يحل بغير طيبة نفس مالكه. و يدل على الحكم موثقة عمار بن موسى عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام في رجل اشترى من رجل جارية بثمن مسمّى ثمّ افترقا فقال وجب البيع و الثمن إذا لم يكونا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 541

..........

______________________________

اشترطا فهو نقد.

ثمّ انّه إذا اشترط تعجيل الثمن في العقد يكون شرطه عند المصنف ره تأكيدا لما يفيده إطلاق العقد حيث انّ ظاهر الاشتراط عدم المماطلة و التأخير مع المطالبة و ليس ظاهر دفع الثمن و لو بلا مطالبة فإنّه على ذلك و ان لا يكون الاشتراط تأكيدا الّا ان فهمه يحتاج إلى قرينة.

ثمّ ذكر انّه لا معنى لاشتراط التعجيل إلّا التأكيد فإنه إذا لم يطالب المشترى بالثمن يكون مرجع عدم مطالبته إلى إلغاء اشتراط التعجيل فلا يجب عليه و مع المطالبة يثبت له وجوب التعجيل كما هو الحال في صورة إطلاق العقد فتكون النتيجة أنّه لا يفيد اشتراط التعجيل إلّا التأكيد و المراد بالتأكيد بالإضافة إلى وجوب قبض المال مع مطالبة المستحق و امّا بالإضافة إلى ثبوت الخيار في الفسخ فقد ذكر في الدروس أنه لو عيّن للتعجيل زمان خاصّ و لم يؤدّ الثمن فيه يثبت للمشروط له خيار الفسخ.

أقول ما ذكر (قده) من كون اشتراط التعجيل تأكيدا ضعيف و الوجه في ذلك ان المبيع بالبيع يصير ملكا للمشتري و الثمن فيما كان كلّيا يكون على عهدة المشتري ملكا للبائع فيستحق البائع المطالبة به بقبض المبيع كما هو الحال في سائر الديون الحالّية فلا يجب على المشترى أداء ما عليه قبل مطالبة المستحق و على ذلك فاشتراط التعجيل بحسب المتفاهم

العرفي في نفسه مطالبة لما على المشترى سواء عيّن للتعجيل زمانا أم لا.

و بهذا يظهران ترك المطالبة بعد اشتراط التعجيل لا يكون إسقاطا لحق التعجيل ثمّ انه قد ذكر الشهيد الثاني ان ثبوت الخيار للمشروط له لا ينحصر بما إذا عين للتعجيل زمانا معيّنا بل لو أطلق اشتراط التعجيل يثبت له الخيار مع ترك التعجيل في أوّل أزمنة إمكانه عرفا.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 542

..........

______________________________

و ناقش في هذا الإلحاق صاحب الجواهر قده بأن صورة إطلاق الاشتراط لا يلحق بصورة تعيين زمان خاصّ فان مع إطلاق التعجيل يكون زمانه مجهولا فيبطل الشرط و لو فرض عدم بطلان الشرط فلا يثبت الخيار للمشروط له الّا مع عدم التمكن على إجبار المشروط عليه بالتعجيل فلا يصح ان يقال أنه مع إطلاق الاشتراط يترتب عليه ثبوت الخيار بترك التعجيل مطلقا بل لا بد من تقييده بصورة عدم التمكن على الإجبار.

و قد ردّ المصنّف ره على الجواهر بأن إلحاق الشهيد الثاني حسن حيث ان إطلاق الاشتراط مع انصرافه إلى أوّل أزمنة إمكان التعجيل عرفا لا يكون مجهولا و لا حاجة ايضا الى ان ثبوت الخيار انّما هو في فرض عدم التمكن على الإجبار لأن كلام الشهيد الثاني ان اشتراط الفعل على المشترى يترتب عليه ثبوت الخيار و لكن هذا الخيار يترتب على مجرد ترك الفعل أو عليه مع عدم التمكن على إجبار المشروط عليه فذلك مسألة أخرى سيالة في جميع شروط الفعل مع أنه لو بنى على ترتب الخيار على عدم تمكن المشروط له على الإجبار في سائر شرائط الأفعال فلا يجرى ذلك في المقام لان مع عدم حصول أول أزمنة الإمكان عرفا فلا وجه للإجبار

و مع حصوله لا ينفع الإجبار لأن الفعل أى قبض الثمن يقع في ثاني أزمنة إمكانه و هو غير الزمان المشروط فيه.

أقول قد ذكرنا سابقا ان ترتب الخيار على ترك العمل المشروط لا يتوقف على عدم التمكن على الإجبار من غير فرق بين عمل و عمل آخر نعم للمشروط له إجبار على العمل بحيث يقع العمل في زمانه المعين و عليه فيجوز للمشروط له إجبار المشروط عليه قبل حصول الزمان المعين أو قبل أوّل أزمنة الإمكان بحيث يقع قبضه في ذلك الزمان المعين أو أول أزمنة الإمكان أو إجباره في أوّل ذلك الزمان ليقع القبض و لو في آخره فيما كان الزمان المعين أوسع من الفعل كما هو الحال في أول أزمنة الإمكان.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 543

[مسألة يجوز اشترط التأجيل الثمن مدّة معيّنة]

يجوز اشترط التأجيل الثمن مدّة معيّنة (1).

______________________________

ثمّ ان ظاهرهم في المقام انه مع عدم اشتراط التعجيل لا يجوز للبائع فسخ البيع بمماطلة المشترى في أداء الثمن بعد مطالبة البائع و ان الخيار يترتب على اشتراط التعجيل و لكن لا يخفى ان عدم مماطلة كل من المتبايعين في القبض و الإقباض شرط ارتكازى في المعاملات و عليه فلا يبعد ثبوت الخيار لكل من المتبايعين في صورة مماطلة صاحبه بلا فرق بين اشتراط التعجيل و عدمه و بلا فرق بين كون مماطلة صاحبه عن عذر كالعسر في أداء ما عليه من الثمن أم لا و بلا فرق بين كون المبيع من المستثنيات في أداء الدين و عدمه فيجوز للبائع أخذ الدار المبيعة من المشترى و لو جعلها المشترى مسكنا و كانت مماطلته لعسره فان قوله سبحانه «وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ» لا

يمنع عن فسخ البيع و انّما يمنع عن المطالبة بالثمن مع إبقائه و الممنوع عنه بيع المسكن في استيفاء الدّين لا أخذ البائع المسكن بعد فسخ بيعه كما هو الحال في صورة اشتراط التعجيل و ما تقدم في خيار تأخير الثمن فهو خيار شرعي تأسيسى استفيد من الروايات و مع عدم تحقق شرائطه ينتفي و لكن لا يوجب انتفاء الخيار الذي ذكرناه في المقام و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يجوز بيع المتاع نسيئة و يعتبر فيه تعيين الأجل الذي يستحق البائع المطالبة فيه بالثمن بما لا يكون في الأجل المزبور جهالة من حيث المفهوم كالسنة حيث انّها مرددة بين القمرية و الشمسية نعم لو كان في البين انصراف إلى أحدهما خرج عن الإجمال و لا من حيث المصداق كيوم الجمعة من شهر رمضان هذه السنة حيث يتردد بين الاولى و غيرها و يدل على اعتبار التعيين كذلك النهى عن بيع الغرر الظاهر في فساده و في موثقة غياث بن إبراهيم بن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم و لا تسلمه الى دياس و لا الى حصاد.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 544

..........

______________________________

و في موثقة سماعة المروية كما قبلها في باب السلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن السلم و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت به قال: نعم إذا كان لأجل معلوم و نحوهما غيرهما ثمّ انه لا فرق في المدة المعينة بين القصيرة و الطويلة و ربما ينسب إلى الإسكافي انه منع عن التأجيل إلى ثلاث سنوات أو أزيد و

لعلّه للنهى الوارد عنه في بعض الاخبار و في رواية البزنطي قال قلت لأبي الحسن عليه السّلام انى أريد الخروج الى بعض الجبال فقال ما للناس بد من ان يضطربوا سنتهم هذه فقلت له جعلت فداك انا إذا بعناهم بنسية كان أكثر للربح قال فبعهم بتأخير سنة قلت بتأخير سنتين قال: نعم قلت بتأخير ثلاث قال لا.

و في صحيحة الأخرى انه قال لأبي الحسن الرضا عليه السّلام ان هذا الجبل قد فتح على الناس منه باب رزق فقال ان أردت الخروج فاخرج فإنها سنة مضطرب و ليس للناس بد من معاشهم فلا تدع الطلب فقلت انهم قوم ملاء و نحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة قال بعهم قلت سنتين قال بعهم قلت ثلاث سنين قال لا يكون لك شي ء أكثر من ثلاث سنين.

و لكن لا يخفى ظاهر الصحيحة صحة البيع و انه لا يصل الى المخاطب البائع من البيع المزبور الّا الانتظار فلا يناسب الرواية إلّا المشورة مع الامام عليه السّلام و المراد بالإرشاد في عبارة المصنف (قده) الإرشاد الى غير الحكم الشرعي كالتنبيه الى ضياع المال و المراد بالملاء في الصحيحة الذين لا يهلك عندهم المال لغناهم و الرواية الاولى مع ضعف سندها بسهل بن زياد تحتمل اتحاد الواقعة.

ثمّ لا يخفى أنه بأس بتأجيل الثمن و الإفراط بالتأخير و ما يقال من ان التأجيل يجوز الى ان يعد بيع البائع مع التأجيل المزبور سفهيا و أكل المشتري المبيع المزبور مع التأجيل المزبور أكلا للمبيع بالباطل لا يمكن المساعدة عليه فان عدّ بيع البائع سفهيّا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 545

أقواها الثاني (1).

______________________________

لا يوجب بطلان البيع فان المحكوم بالفساد و هو

بيع السفيه لا البيع السفهى.

و دعوى انصراف ما دلّ البيع الى غير السفهى كما ترى و اما الأكل بالباطل فتحققه و ان يوجب بطلان البيع الّا انه غير محقق كما نذكر.

نعم قيل انه لا يجوز تأجيل الثمن إلى مدة يعلم بأن المشترى و البائع لا يعيشان الى تلك المدة و وجه البطلان خروج الثمن عن انتفاع البائع به و يردّه انه قابل لانتفاع البائع ببيع ذلك الدين بالحاضر بالتنقيص أو المصالحة عليه و بهذا يظهر أن أكل المشترى و تملكه المبيع بإزاء الثمن المزبور لا يكون أكلا بالباطل.

لا يقال ان الإفراط بالتأخير إلى أجل لا- يعيش المشترى الى ذلك المقدار لغو محض فيكون غاية التأجيل حلول الموت و لجهالته يبطل البيع بل التأجيل المزبور مخالف للسنة فيوجب بطلان البيع نظير اشتراط مدّة مجهولة.

فإنه يقال الشرط صحيح بالإضافة إلى ما قبل موت المشترى فيبطل بالإضافة الى ما بعده و لا يوجب ذلك بطلان البيع لمعلومية الأجل في صورة العقد و جهالته بالانحلال و الفساد بالإضافة الى ما بعد موت المشترى لا- يضرّ على ما تقدم في جهالة الثمن في موارد تبعض ألصفقه و انحلال البيع بالإضافة الى بعض المبيع و هذا بناء على انّ التأجيل أمر زائد على الثمن نعم بناء على ان التأجيل قيد للثمن و تضيق لدائرته فلا- يبعد الحكم ببطلان البيع لان الثمن المزبور ليس عوضا شرعا ليتملكه البائع على المشترى هذا مع إمكان كون الغاية انتفاع الوارث.

(1) لا يبعد كون الأول هو الأظهر كما إذا كان الأجل معينا بحسب الواقع و يعرفه أهل بلد المعاملة كالبيع الى مهرجان على وزن أصبهان اسم لعيد للفرس و يكون الفرض نظير البيع و الشراء بأوزان

البلاد مع عدم معرفة أحد المتعاقدين به أحيانا فإنه لم تكن سيرة المتشرعة عند الدخول في بلد معرفة أوزان ذلك البلد قبل شراء حاجياتهم

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 546

[مسألة لو باع بثمن حالا و بالأزيد منه مؤجلا]

لو باع بثمن حالا و بالأزيد منه مؤجلا (1).

______________________________

منها و كان الزوار يدخلون بلدا يشترون الفواكه و الطعام و غيرهما بأوزان البلد المزبور قبل قياس تلك الأوزان بأوزان بلادهم لمعرفتها و لم يحرز شمول النهى عن بيع الغرر لذلك حيث انّه ليس في البين ما يقتضي ان الغرر مطلق عدم المعرفة و لا يستفاد من الاخبار الواردة في اعتبار كيل المبيع أو وزنه أزيد مما ذكر و اعتبار اليقين في ناحية الثمن و أجله أيضا كذلك و إذا كان وصول الشمس الى برج الحمل أجلا يعرفه أهل السوق و انه أول يوم من فصل الربيع فلا بأس بجعله البائع أجلا و ان لم يعرفه المشترى و لا يستفاد من الاخبار الواردة في السلم أزيد من التعيين عند الناس.

و ليس هذا من التأجيل إلى موت المشتري أو البائع ليكون البيع غرريا و الى أجل غير معلوم لان موته ممّا لا يعرفه الناس و لا المتعاقدان بخلاف ما إذا كان له واقع معين يعرفه الناس و أحد المتعاقدين و إذا كان الأجل بحسب الواقع معينا و لا يعرفه أهل بلد المعاملة بل يعرفه المتعاقدان كما إذا باع بمكّة ايرانى زميله متاعا نسيئة و جعل الأجل حلول نيروز صحّ و أن عدم معرفة غيرهما في ذلك البلد لا يقدح في المعاملة و إلى ذلك يشير العلامة (قده) في عبارة المنقولة في الكتاب بقوله و سواء اعتبر معرفتهما أم لا و لو عرفا كفى.

(1) المنسوب

الى أكثر الأصحاب من المتأخرين انه لو قال في مقام إنشاء البيع بعته بكذا نقدا و بكذا نسية لا يصحّ سواء قال المشترى قبلته نقدا أو قال نسية أو أطلق القبول.

و في مرسلة الكليني ره من سادم بثمنين أحدهما عاجلا و الآخر نسية فليسمّ أحدهما قبل الصفقة.

و في رواية سليمان بن صالح عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال: نهى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله عن سلف و بيع و عن بيعين في بيع و لكن في صحيحة محمّد بن قيس

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 547

..........

______________________________

عن ابى جعفر عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من باع سلعة فقال: ان ثمنها كذا و كذا يدا بيد و ثمنها كذا و كذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت و جعل صفقتها واحدة فليس له الّا أقلّهما و ان كانت نظرة.

و نحوها معتبرة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام ان عليا قضى في رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا و بالنسيئة كذا فأخذ المتاع على ذلك الشرط هو بأقل الثمنين و أبعد الأجلين يقول: ليس له إلّا أقل النقدين إلى الأجل الذي أجله بنسيئة.

و ربّما التزم بعض الأصحاب بظاهرهما و حكم بثبوت البيع بالأقل مع أبعد الأجلين.

و فيه انه يعارضهما مع ما سبق موثقة عمّار عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في حديث ان رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله بعث رجلا الى أهل مكة و أمره و أن ينهاهم عن شرطين في بيع و ظاهر الشرطين على ما تقدّم بيع المتاع نقدا بكذا و نسية بكذا.

و الجمع بين الطائفتين بحمل الناهية على الكراهة

لا يمكن المساعدة عليه إذ الاهتمام كذلك ببعث الرسول أو الوالي الى أهل مكة و أمره صلّى اللّٰه عليه و آله أن ينهاهم عن بيع ما لم يقبض و عن شرطين في بيع و ربح ما لم يضمن بان يبيع المتاع مرابحة قبل ان يدخل في ضمانه أى قبل ان يشتريه لا يناسب الكراهة.

و بذلك يظهر ان ما ذكر السيد (قده) في الناصريات من كراهة البيع بثمنين بالأقل نقدا و بالأكثر نسية لا يمكن المساعدة عليه و يبقى في البين الالتزام اما بفساد البيع المزبور و حمل الروايتين على خلاف ظاهرهما بان يقال المذكور فيهما حكم صورة تلف القيمي حيث ان قيمة يوم الضمان التي يجب دفعها الى البائع هي الأقل و لو كان دفعها في الأجل المزبور أو يقال ان النهى في الموثقة إرشاد إلى فساد الشرط لا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 548

إلّا ان يقال ان الزيادة ليست في مقابل الأجل (1).

______________________________

إلى فساد أصل البيع بان كان بيع المتاع بالأقل و قول البائع و ان كان بعد شهر مثلا بكذا تأجيل للثمن المزبور بزيادة و يأتي ان تأجيل الدين كذلك ربا موضوعا أو حكما فيكون شرطه باطلا.

لا يقال الجمع بين الطائفتين كما ذكر لا يعدّ من الجمع العرفي بل هما بظاهرهما متعارضتان فتصل النوبة إلى إطلاق حل البيع فيما إذا كان قبول المشتري لأحدهما على التعيين نعم إذا كان قبول المشتري ايضا على نحو الترديد يحكم بالبطلان إذ لا يقع كلا البيعين و لا معين لأحدهما و أحدهما بلا تعيين غير داخل في إطلاق حل البيع حيث ان أفراده المعينات كما هو الحال في كل الخطابات المتكفلة لبيان الحكم

على الطبيعي بنحو الشمول و الاستيعاب فإنه يقال البطلان لفقد الإيجاب لتعلقه بالجامع.

(1) و حاصله انّه لو كانت الزيادة في الثمن بإزاء التأجيل فبطلان هذه المعاملة لكونها ربا حكما أو موضوعا لا يمنع البائع من المطالبة بالثمن الأقل حالا نعم لو كان الزيادة بإزاء إسقاط البائع حقه بالمطالبة بالثمن الأقل يسقط حق المطالبة و لا يتعين الّا الثمن الأقل نظير ما احتمل انه إذا أسقط ولي الدم حق القصاص بإزاء عبد يعلمان انه ملك لغير القاتل أو انه حرّ سقط حق القصاص و لا يكون على القاتل شي ء أو يكون عليه الدية كما نقل عن العلامة في التحرير و على ذلك فالتأجيل لازم على البائع بمعنى انه لا- يستحق مطالبة المشتري بالثمن الأقل قبل انقضاء المدة و لكن لو دفع المشترى الثمن في تلك المدّة فليس للبائع الامتناع عن أخذه بخلاف موارد صحة التاجل فإنه يحق للبائع الامتناع عن أخذ الثمن الى ان ينقض المدة.

أقول لا يلزم التأخير المزبور على البائع بلا فرق بين وقوع المعاوضة بين المقدار الزائد من الثمن و التأجيل أو تقع المعاوضة بين إسقاط البائع حقّه في المطالبة بالثمن الأقل و

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 549

..........

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب؛ ج 4، ص: 549

______________________________

بين المقدار الزائد لأنه إذا لم يصح أحد العوضين فلا يصح العوض الآخر و يكون هذا نظير إسقاط الحق بنحو التعليق فإنه ببطلان التعليق في الإيقاع لا يحصل الاسقاط و ما ذكر في مسألة حق القصاص من سقوطه فيما إذا أسقطه الولي

بإزاء عبد الغير أو الحر مع علم الولي و القاتل بالحال لا يمكن المساعدة عليه.

نعم لو علم الولي بان العبد حر و مع ذلك أسقط حق قصاصه بإزائه سقط حق القصاص فإنه من الاسقاط مجانا بخلاف جهله بالحال أو إسقاطه بإزاء عبد الغير مع الجهل بالحال أو مع العلم فإنه لا يسقط حق القصاص و لذا لا يكون بيع ماله بإزاء عبد الغير مع العلم بالحال أو الجهل من تمليكه مجانا على ما تقدم في بيع الفضولي و المتحصل في المقام انه لو قال بعته نقدا بكذا و نسية بكذا و قبل المشتري أحدهما بعينه فيمكن الحكم بصحة بخلاف ما إذا قبل المشترى قبلته بلا تعيين أحدهما فلا يمكن الحكم بصحّته كل منهما و لا صحة أحدهما بعينه فإنه ترجيح بلا معين و أحدهما لا بعينه ليس فردا لمثل قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ بل ذكرنا بطلانه حتى مع تعيين المشترى في قبوله.

نعم لو قال بعته بكذا و ان اجلته فعليك كذا يكون البيع محكوما بالصحة و ثبوت الثمن الأقل حتى ما لو تأخر في أداء الثمن لبطلان الشرط و عدم سراية فساده الى نفس البيع على ما تقدم في ذلك البحث فلا يلزم الأجل على المشروط له فان له مطالبة المشتري بالثمن حالا.

و دعوى ان المتعين في المقام العمل بموثقة السكوني و صحيحة محمّد بن قيس بان يحكم بالثمن الأقل مؤجلا و تقييد النهي في موثقة عمار عن الشرطين في بيع الى غير هذه الصورة كما إذا قال بعته مؤجلا بشهر بكذا أو بشهرين بكذا و نحو ذلك لا يمكن المساعدة عليه فان المتبادر عن النهى عن شرطين في بيعه نقدا بكذا و نسية

بكذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 550

[مسألة لا يجب على المشترى دفع الثمن المؤجل]

لا يجب على المشترى دفع الثمن المؤجل (1).

______________________________

بشهادة موثقة السكوني مع انه لا يحتمل الفرق بين قوله بعته نقدا بكذا و الى شهرين بكذا كما لا يخفى.

(1) لا يجب على المشترى دفع الثمن المؤجل قبل حلول الأجل و لا يحق للبائع المطالبة قبل حلوله بلا خلاف لأن التأجيل في الثمن مقتضاه انّ للمشتري حق التأخير و لا يختص هذا الحكم بالثمن المؤجل بل يجري في كل دين سواء كان تأجيله بجعل المتعاقدين كالسلم و القرض المشروط فيه الأجل أو بجعل الشارع كما في الاقساط و النجوم المعتبرة في الدية.

و المشهور في كلام المتأخرين انه لا يجب على البائع تسلمه فيما إذا تبرع المديون قبل الأجل.

و علل في التذكرة بأن تعجيل المشترى و دفعه الثمن قبل الأجل كتبرع المديون بالزيادة حيث لا يجب على الدائن قبول المنة بأخذ تلك الزيادة و يشهد بكون تعجيل المؤجل كالزيادة ما يذكر في باب الربا من عدم جواز بيع حنطة حالا بحنطة اخرى مؤجلا.

و فيه انه لو لم يكن في أصل الدعوى تأمل فلا ينبغي الريب في ان إطلاقها ممنوعة حيث ربما يكون التعجيل مصلحة للمشتري أو يكون دفعه بعد حلول الأجل أو قبله على حد سواء كما إذا أراد المشتري دفع الثمن قبل حلول الأجل بساعة أو ساعتين.

و ذكر المصنف ره في وجه عدم وجوب التسليم ان اشتراط الأجل كما يكون من جعل حق التأخير للمشتري كذلك يكون من جعل الحق للبائع في تأخيره أخذ الثمن إلى حلول الأجل و يكون على المشترى حفظ مال البائع على العهدة كالودعي الذي عليه حفظ مال المودع و الحاصل أن في

التأجيل حق للدائن بلا خلاف ظاهر.

و لكن ربما يقال بعدم الفرق بين الدين المؤجل و الحال في انه كما يجب على الدائن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 551

ثم انه لو أسقط المشتري أجل الدين (1).

______________________________

تسلّم الدين في الثاني كذلك في الأول.

و بتعبير آخر التأجيل حق للمديون في التأخير في الأداء و للدائن في التأخير في التسلم حق فغير داخل فيه و يشهد لذلك كون التأجيل موجبا لزيادة الثمن و أن للبائع تنقيص الثمن المؤجل حتى يؤديه المديون حالا.

و الحاصل الدين المؤجل بالإضافة إلى المديون كالواجب الموسع فيجوز له الأداء و ان لم يرض به البائع و يتضيق بحلول الأجل و فيه كون التأجيل موجبا لزيادة الثمن لا يمنع عن كون التأخيرى التسلم حقا للبائع أيضا.

و الأظهر أن يقال ان الأجل في الثمن لو كان قيد إله فلا يجب على البائع تسلمه قبل الأجل إلّا بالتراضي لأن المدفوع قبل الأجل ليس فردا له و ان كان التأجيل شرطا كما هو الظاهر المتفاهم فليس الاشتراط الا حق التأخير للمديون.

نعم لو قامت قرينة خاصة في مورد أن في البيع نسيئة غرض آخر للبائع غير زيادة الثمن أو الإرفاق على المشترى كالفرار من كلفة حفظ المال في تلك المدّة كما قد يتفق في المعاملات في الأسفار لكان على البائع الامتناع عن التسلم و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) ذكر العلامة في التذكرة و القواعد انه لو أسقط المديون التأجيل في الدين لم يصح فلا يجوز للدائن المطالبة بالدين قبل الأجل بمعنى انه لا يجب على المديون أداء ما عليه بمطالبة البائع قبل الأجل و علل ذلك في جامع المقاصد بوجهين.

الأول ان التأجيل ثبت بالعقد اللازم و

ما دام العقد باقيا لا يوجب إسقاط الأجل شيئا.

و الثاني ان التأجيل حق للدائن أيضا و لذا لا يجب عليه التسلم فيما إذا تبرع المديون بالأداء قبل حلول الأجل.

نعم لو تقابلا في الأجل بأن أسقط كل منهما شرط الأجل لجاز للدائن مطالبة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 552

و وجّه في التذكرة عدم سقوط شرط الأجل بوجه آخر (1).

______________________________

المديون و الإقالة في الأجل نافذة في غير صورة نذرهما أو نذر أحدهما بيع المال أو شرائه مؤجلا حيث ان مع النذر لا يجوز الإقالة و لا يسقط الأجل و يكون نفوذ الإقالة في العقد لا في النذر.

و فيه أن شيئا من الوجهين غير تام فان المشروط في العقد اللازم فيما إذا كان من قبيل الحق لأحد المتعاقدين أو كلاهما فهو قابل للإسقاط كما إذا باع العين منه بثمن و اشترط عليه خياطة ثوبه يكون اشترط الخياطة من حق البائع على المشتري فيجوز للبائع إسقاط هذا الحق بحيث لا يجوز له بعد إسقاطه إجبار المشترى على خياطته و لا فسخ العقد بتركه الخياطة و ثبوت الحق للدائن على المشترى في حفظ ماله على عهدته لا يمنع عن إجباره المشترى على الأداء قبل الأجل فإن هذا الإجبار اثر لسقوط حق المديون في التأخير و لا يوجب ان يمتنع البائع عن التسلم الى ان ينقضي الأجل.

و ما ذكر أخيرا من عدم صحة الإقالة مع نذر شرط الأجل ضعيف و ان لم يتعرض المصنف ره لضعفه فإنه لو كان نذره بيع المال أو شرائه مؤجلا شاملا لما بعد إنشاء البيع ايضا يكون إسقاطه محرّما تكليفا و النهى بما انه من النهى عن المعاملة لا يقتضي فساد الإقالة.

(1)

و حاصله ان شرط التأجيل من قبيل الصفة التابعة لأحد العوضين أى من الوصف المشروط لأحدهما و فيما كان موصوفه من الكلى كقول البائع في بيع السلف بعت منا من الحنطة الموصوفة بوصف كذا يكون الوصف تقييدا لذلك الكلى و تضييق دائرته فلا يكون الفاقد لذلك الوصف فردا للمبيع بخلاف وصف المذكور للعين الخارجية فإن الوصف فيه مرجعه الى جعل الخيار مع تخلف ذلك الوصف و لذا يمكن إسقاط الوصف المشترط في العين الخارجية دون الوصف المشترط للكلي.

و الحاصل كما أن وصف الصحة و الجودة في الكلي يوجب تقييد ذلك الكلى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 553

..........

______________________________

و لا يكون الفاسد المدفوع أو غير الجيد فردا منه و لا يجوز للمشتري فسخ العقد بل له ردّ المدفوع و مطالبة البائع بالصحيح أو الجيد كذلك الأجل المذكور للثمن من قبيل الوصف المزبور.

أقول الوصف المذكور للكلي و ان يرجع الى تقييده و لكن اشتراط الأجل كما ذكرنا ليس من قبيل الوصف بل من قبيل اشتراط فعل آخر كاشتراط خياطة الثوب على المشترى كما إذا باع منا من الحنطة سلما و اشترط تسليمها في البلد الفلاني فإن هذا الشرط بما أنه شرط فعل لا يوجب تقييد المبيع و تسليم الثمن في زمان أو مكان من هذا القبيل.

و الصحيح في وجه عدم جواز إسقاط شرط الأجل ما أشار إليه المصنف ره من ان مرجع شرط الأجل إلى إسقاط البائع حقّه في المطالبة بالثمن إلى الأجل المفروض فان مع البيع مطلقا يكون للبائع حق المطالبة بالثمن فالتأجيل شرط لسقوط هذا الحق و كلما كان مقتضى الشرط في العقد سقوط حق من أحد المتعاقدين فلا يعود ذلك الحق

الساقط نظير اشتراط البائع التبري من عيوب المبيع فان مقتضاه سقوط الخيار عن المشترى مع ظهور العيب في المبيع و بعد هذا الاسقاط لا يمكن ثبوت الخيار بإسقاط البائع تبريه.

و الحاصل كلما كان مقتضى الشرط ثبوت حق لأحد المتعاقدين فهذا الحق يسقط بالإسقاط بعد العقد بخلاف ما إذا كان مقتضى الاشتراط سقوط الحق فان الحق بعد سقوطه كما هو فرض نفوذ الشرط لا يعود و قد ذكرنا التأجيل يتضمن حقا واحدا و ليس فيه ثبوت حق للبائع على المشترى في حفظ ماله الى ان يحل الأجل و مع ثبوته ايضا يكون حقا آخر يثبت للبائع و لو مع سقوط حق مطالبته من الأول.

و على الجملة فالوجه في عدم سقوط شرط الأجل ما أشرنا إليه من الوجه و اللّٰه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 554

[إذا كان الثمن بل كل دين حالا أو حل وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه]

وجب على مالكه قبوله عند دفعه إليه (1).

______________________________

سبحانه هو العالم.

(1) المشهور بل من غير خلاف ظاهر أنّه يجب على الدائن أخذ دينه الحال عند دفعه اليه سواء كان حالا بالأصالة أو بانقضاء الأجل بمعنى أنه لا يجوز له الامتناع عن الأخذ و إبقاء المال بذمة المديون و يذكر لذلك وجهين:

الأوّل- ان للمديون سلطنة تفريغ عهدته عن الدين حيث ان للناس سلطنة على أنفسهم كما هو المفهوم من سلطنتهم على أموالهم.

و الثاني- ان امتناع الدائن عن الأخذ و إبقاء المال على عهدة المديون بلا رضاه إضرار و عدوان على المديون فلا يكون له سلطنة على هذا التعدي كما ان امتناع سمرة بن جندب عن الاستئذان في الدخول الى عذقه كان إضرارا و تعديا على الأنصاري و قد دلّ الحديث على عدم سلطانه على الدخول المزبور.

و على الجملة كل

ما يكون إضرارا و تعديا على مؤمن لا يكون للمالك سلطنة عليه.

لا يقال الضرر في المقام بإبقاء المال على عهدة المديون بلا رضاه و مجرّد الامتناع عن أخذ ما عليه لا يوجب هذا الضرر حيث ان للمديون مراجعة الحاكم و دفع ما عليه اليه و بقبض الحاكم ينتهى عهدته فلا موجب للأخذ على الدائن مع إمكان مراجعة الحاكم.

فإنه يقال مراجعة الحاكم علاج و دفع لإضرار الدائن و ظلمه كما أن مراجعة الأنصاري إلى النبي و أمره صلّى اللّٰه عليه و آله بقلع شجرته كان علاجا لامتناع سمرة عن الدخول مع الاستيذان و عن بيع نخلته فيكون قبض الحاكم في المقام كبيعه مال الزوج الممتنع عن إنفاق زوجته و كما ان العلاج المزبور لا ينافي وجوب الإنفاق على الزوج كذلك علاج الإضرار في المقام بقبض الحاكم لا ينافي وجوب القبض على الدائن.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 555

..........

______________________________

و بتعبير آخر مراجعته و قبضه لا يكون بدلا اختياريا بل يترتب على امتناع الدائن و تركه العمل بوظيفته.

أقول الوجهان ضعيفان فان فحوى حديث سلطنة الناس على أموالهم على تقديره هو ان للشخص سلطنة تفريغ ذمّته الذي يدخل في السلطنة على النفس و امّا بيان طريق فراغ ذمّته و انه أي نحو يكون أو أنه يجب على الآخرين كلّما يتوقف عليه فراغ ذمته فلا دلالة على ذلك أصلا فلا حظ مثلا أن الحديث دالّ على سلطنة المالك على بيع ماله و لكن لا دلالة له على صحة المعاطاة أو وجوب الشراء على الآخرين و كذلك سلطنة المالك على هبة ماله لا يدلّ على وجوب قبول الهبة على الموهوب له.

و الحاصل لا يمكن الاستدلال بالفحوى على وجوب

الأخذ على الدائن أو على تعيّن الدّين في المال المعزول في صورة امتناعه عن الأخذ.

و ما ذكر في الوجه الثاني غير صحيح أيضا فإن بقاء المال على عهدة المديون و ذمته لا يكون من إدخال النقص في مال المديون أو نفسه أو عرضه ليكون إضرارا عليه و لا يقاس بدخول سمرة بن جندب على حائط الأنصاري بلا استيذان فان الدخول كذلك من الضرر في عرضه حيث انه ربما كان دخوله كما ذكر من الاطلاع على خلوات النّاس و عوراتهم و لو كان بقاء المال على عهدة المديون بلا رضاه ضررا عليه لكان مقتضاه سقوط المال عن ذمته بلا حاجة الى قبض الحاكم كما هو المدعى.

و الحاصل قبض الحاكم و لو يكون بدلا اضطراريا الّا ان البدل بالإضافة إلى أداء المديون حيث ان مع إمكان دفع المال الى مالكه يتعين الدفع اليه و مع امتناعه يدفع الى الحاكم و هذا النحو من البدل لا يقتضي وجوب الأخذ على الدائن.

و لا يبعد ان يقال على الدائن الأخذ لأن عهدة حفظ المال على مالكه و ان الدين يتعين بغير قبض الدائن أيضا كما إذا القى المديون ما يكون فردا لما عليه الى بين يدي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 556

مقتضى القاعدة إجبار الحاكم على القبض (1).

______________________________

الدائن مع التفات الدائن بذلك، و لو تلف المال بعد ذلك لا يكون على المديون شي ء خصوصا فيما إذا وقع هذا النحو من الإلقاء مع امتناع الدائن عن أخذه فلا حاجة الى المراجعة إلى الحاكم الشرعي أو عدول المؤمنين و لا مورد للإكراه على الأخذ و لا يرجع الملقى اليه على عهدة الدافع الا بموجب جديد على ما تسمع

في التعليقات الآتية.

(1) لم يظهر وجه لتوقف تعين الكلى بالمدفوع فيما إذا كان فردا على رضا المستحق و طيب نفسه بأخذه ليرتفع اعتبار رضاه في صورة امتناعه بقاعدة نفى الضرر أو بحديث سلطنة الناس على أنفسهم بل يعتبر رضاه فيما كان المدفوع بغير ما عليه حيث مرجع الدفع في هذا الفرض إلى مبادلة ما عليه بالمدفوع و هذه مبادلة بينهما فيعتبر في وقوعها رضا الطرفين و لو كان على زيد لعمرو منا من الشعير و اعتقد عمرو ان له عليه منا من الحنطة و أكرهه زيد على أخذ الشعير برئت ذمته و لا فرق في ذلك بين إكراه الحاكم و المديون بل لا يبعد ان لا يعتبر في صورة قبض الدائن علمه بان المدفوع اليه وفاء لما على المديون كما يفصح عن ذلك صحيحة عبد الرحمن عن ابى الحسن عليه السّلام في الرجل يكون عند بعض أهل بيته المال لأيتام فيدفعه إليه فيأخذ منه دراهم يحتاج إليها و لا يعلم الذي كان عنده المال لأيتام انه أخذ من أموالهم شيئا ثمّ ييسر بعد ذلك أىّ ذلك خير له أ يعطيه الذي كان في يده أم يدفع الى اليتيم و قد بلغ و هل يجزيه ان يدفعه الى صاحبه- على وجه الصلة و لا يعلمه انه أخذ له مالا فقال يجزيه أى ذلك فعل إذا أوصله الى صاحبه فان هذا من السرائر إذا كان من نيّته ان شاء ردّه الى اليتيم ان كان قد بلغ على أى وجه شاء الحديث.

نعم إذا لم يكن أداء المديون بنحو أخذ الدائن بل إلقاء المال اليه فيعتبر علم الدائن و التفاته الى ان الملقى إليه أداء لما على المديون فلا

يكون بعد ذلك ضمان على المديون لفراغ ذمته كما هو مقتضى السيرة العقلائية.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 557

فإن تعذر مباشرته و لو كرها تولّى الحاكم (1) و ليس للحاكم مطالبة المديون (2) أقواه العدم (3).

______________________________

(1) يعني إذا لم يأخذ الدائن ما دفع اليه و لم يمكن إكراهه عليه يكون أخذ الحاكم بمنزلة أخذه في كونه موجبا لتعيّن الدين فيه و براءة ذمة المديون بدفعه اليه حيث ان ذلك مقتضى ولايته على الممتنع بل لو صدق الممتنع على الدائن المزبور بمجرّد امتناعه لكان أخذ الحاكم موجبا لتعينه و براءة ذمة المديون و لو مع إمكان إكراهه على الأخذ كما اختار ذلك في جامع المقاصد بل على المحكي عن جماعة عدم اعتبار أخذ الحاكم ايضا بل يتعيّن الدين بما أراد المديون دفعه و امتنع الدائن عن أخذه فإنه لو تلف المال المزبور بعد ذلك فلا حقّ للدائن في مطالبة المديون.

(2) يعنى ليس للحاكم مطالبة المديون بالأداء لأنه لا حرج على المديون في بقاء المال على ذمته مع رضا الدائن و عدم مطالبته و لا يجب على الحاكم أخذ المال فيما إذا لم يرد المديون تفريغ ذمته مع امتناع الدائن عن أخذه.

و لكن ظاهر السرائر وجوب القبض و انه لا يجب على الحاكم إكراه الدائن و الاستبعاد في محله لان مالك المال أي الدائن عاقل مختار حاضر غير قاصر ليكون الحاكم وليا له ليراعى مصالحه في أمواله.

(3) وجه القوة عدم الدليل على ولايتهم و ما ورد في ان السلطان ولى الممتنع غايته انه يعم الحاكم و على عدول المؤمنين بل غيرهم أمر الدائن و إجباره على الأخذ من باب الأمر بالمعروف من غير أن

يوجب ذلك الولاية لهما كما لا يخفى.

ثم انه يستفاد من كلام المصنف ره إمكان القول ببراءة ذمة المديون عند امتناع الدائن و عدم إمكان مراجعة الحاكم بأمور:

الأول عزل الدين و تعينه بالمعزول نظير تعين الزكاة بالمعزول. و.

الثاني عزل الدين في المال لا نظير عزل الزكاة بل يدخل المعزول في ملك الدائن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 558

و لم يأته به (1).

______________________________

قبل تلفه آنا ما فيتلف عليه.

و الثالث سقوط الدين عن عهدة المديون و بقاء المعزول في ملك المديون أيضا غاية الأمر يكون للدائن حق في المال الخارجي بتملكه حتى مع عدم رضا المديون نظير ما إذا جنى العبد فإنه بالجناية لا يخرج عن ملك مولاه بل يكون للمجنى عليه أو وليّه حق تملك العبد و استرقاقه و حيث لا يخرج عن مولاه فيجوز لمولاه التصرف فيه حتى التصرف الموقوف على الملك مع كون العبد عرضة للاسترقاق و هذا عيب يثبت لمشتريه مع جهله بالحال خيار الفسخ و كذا الحال في المال المعزول في المقام أنه ملك للمديون و لكن للدائن حق تملكه و ناقش ره في العزل بالنحو الأول و التزم بأحد الأخيرين.

و الأظهر عدم تمام الأخيرين أيضا لأنه ليس في البين ما يصلح الاعتماد عليه في الالتزام بشي ء منهما و قد تقدم ان قاعدة نفى الضرر على تقدير جريانها مقتضاه سقوط المال عن العهدة لا تعلق حقه بالمال الخارجي.

(1) يعني فيما إذا لم يأت بالمعزول بل ذكر انه يريد أداء دينه فقال الدائن لا أخذه ففي هذه الصورة يجب على المديون حفظ ذلك المال المعزول بخلاف ما إذا أتاه فأبى الدائن عن أخذه ففي هذه الصورة لا يجب عليه حفظه

بل له وضعه عنده و اعلامه.

و الوجه في براءة الذمة في الفرض الثاني انه يتعين الدين في المعزول و يكفى الوضع المزبور في رد الأمانات على أهلها و مع وضعها في متناول يد مالكها مع الاعلام بالحال يتحقق الرد المأمور به حتى و ان لم يأخذه الدائن بخلاف ما إذا لم يأت بالمعزول فإنه مأمور برده على الدائن الموقوف على حفظه الى ذلك الحين.

أقول قد تقدم عدم تعين الدين بمجرد العزل و انه يتحقق الرد بإلقاء فرد ما عليه إلى الدائن فلا حظ.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 559

ثمّ ان المحقق الثاني ذكر في جامع المقاصد (1).

______________________________

(1) و حاصله انه بعد ما ذكر في تعين الدين بالمعزول و ان فائدة تعينه حساب تلفه على الدائن فهل يجرى ذلك التعين فيما إذا أكره الظالم أحد الشريكين على دفع حصة شريكه الغائب فدفع مقدار حصته اليه أو باشر الظالم بأخذ مقدار معين من المشاع بعنوان انه لشريكه الغائب أو ان كلا التلفين يكون على الشريكين معا.

لم أجد للأصحاب تصريحا بالحساب عليه أو عليهما معا و مقتضى قاعدة نفى الضرر هو الحساب على الشريك الغائب فقط.

و فيه انه لا وجه للحساب على ذلك الشريك خاصة في الفرع الثاني أي فيما باشر الظالم بأخذ مقدار معين بعنوان أنه حصته فان قصد الجائر بكون المأخوذ حصته لا يوجب تعينها فيه ليكون تلفه عليه بل المقدار المتلف نسبته إلى الشريكين على حد سواء فيحسب عليهما معا و اما في الفرع الأول أي فيما أكرهه الجائر على دفع حصة شريكه اليه فيمكن ان يقال فيه أن بقاء الشركة إلى زمان دفع الشريك المكره بالفتح فيكون مقتضى قاعدة نفى الضرر

عدم اعتبار رضاه في حصول القسمة و لكن القول ضعيف فإنه لا مجرى لقاعدة نفى الضرر في أمثال المقام و لا يجوز القسمة مع الغاصب لتعارض الضررين فان بقاء الشركة ضرر على المكره بالفتح و زوالها ضرر على الشريك الآخر أضف الى ذلك ان الأخذ بقاعدة نفى الضرر من غير ملاحظة عمل الأصحاب بها يوجب تأسيس فقه جديد.

أقول العمدة عدم حكومة قاعدة لا ضرر و انه لا تثبت ولاية المكره على القسمة للتعارض.

لا يقال الضرر في إرادة المكره بالكسر متوجه الى الشريك الغائب فلا يجب على هذا المكره بالفتح دفعه عنه بتحمل ذلك الضرر.

فإنه يقال قد مر سابقا المناقشة في ذلك و على تقديره فلا يرتبط بالمقام فإنه فيما إذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 560

[مسألة لا خلاف في عدم جواز تأجيل الثمن الحال]

عدم جواز تأجيل الثمن الحال (1).

______________________________

كان مال الآخر معينا في الخارج فلا يجب على المكره بالفتح حفظه و دفع ضرره بإيراد الضرر على نفسه و في المقام لا يكون مال الشريك الآخر معينا في الخارج بل كل ما يدفع المكره بالفتح إلى الجائز نسبته اليه و الى الشريك الآخر على السواء و لازم ذلك حساب تلفه عليهما و لذا ذكرنا ان ما ورد في إقرار أحد الورثة بوارث آخر من نفوذ اعترافه بمقدار حصته و ان ما في يد سائر الورثة يحسب تالفا على المقر له خاصة على خلاف القاعدة حيث ان مقتضى القاعدة كون ما بيد المتصرف و حساب تلف ما بيد سائر الورثة عليهما كما لا يخفى.

(1) يظهر من الحدائق عدم الخلاف في عدم جواز تأجيل الدين الحال بالزائد منه بل عدم الجواز مصرح به في غير الحدائق.

و لو كان له على زيد

ألفا و قال أمهلك شهرين و لكن عليك الف و مأتان لا يصح بمعنى ان الدائن لا يستحق الزائد حتى ما إذا أخر المديون الى تمام الشهرين.

و ذكر المصنف ره ان الوجه في عدم جواز ذلك كون الزيادة ربا حيث ان حقيقة الربا في الفرض هو أخذ الزيادة في مقابل الإمهال للمديون و لا فرق في الإطلاق العرفي بين جعل الزيادة لامهاله في عقد القرض و المداينة أو جعلها بإزاء إمهاله بعد المداينة كما إذا قال بعتك بعشرة دنانير و أمهلتك شهرين و عليك اثنا عشر أو يقول بعد تمام عقد المداينة لا أطلبك بالدين و عليك كذا و يظهر من بعض التفاسير ان صدق الربا عرفا على تأجيل الدين الحال بزيادة أمر مسلم و ان مورد نزول قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا هو التأجيل بالزيادة ففي مجمع البيان عن ابن عباس انه كان الرجل في الجاهلية إذا حل دينه يقول لدائنه زدني في الأجل أزيدك في المال فيتراضيان على ذلك و إذا قيل له هذا ربا يقول البيع مثل هذا يعنى لا فرق بين بيع المال بذلك المقدار من الأول على تلك المدة أو يزيد في الثمن بعد البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 561

..........

______________________________

أقول لا حاجة في إثبات عدم جواز الزيادة المزبورة إلى إثبات كونها ربا لدلالة النص على عدم جوازها و انها داخل في الربا موضوعا أو حكما و في صحيحة محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول انقدني من الذي لي كذا و كذا و أضع لك بقية أو يقول انقدني بعضا و

أمد لك في الأجل فيما بقي فقال لا أرى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا يقول اللّٰه عز و جل فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَ لٰا تُظْلَمُونَ «1» حيث ان استشهاده عليه السلام في ذيل الرواية بقوله سبحانه شاهد لكون الزيادة ربا و لكن يمكن كونه ربا حكما لعدم جريان أصالة الحقيقة في موارد العلم بالمراد كما لا يخفى.

و الحاصل أنه يستفاد من الصحيحة المباركة حكمان أحدهما انه لا بأس بتعجيل الدين المؤجل بتنقيصه بإسقاط بعضه.

و ثانيهما عدم جواز تأجيل الدين بالزيادة فيه و ليس في البين ما يرفع اليد من مدلوليها بل يؤيده أو يدل عليه أيضا رواية محمد بن إسحاق بن عمار قال قلت للرضا عليه السلام الرجل يكون له المال فيدخل على صاحبه يبيعه لؤلؤة تسوى مأة درهم بألف درهم و يؤخر عنه المال الى وقت قال لا بأس به قد أمرني أبي ففعلت ذلك «2» و موثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن عليه السلام يكون لي على الرجل دراهم فيقول أخرني بها و أنا أربحك فأبيعه جبّة تقوم على بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو قال بعشرين ألفا و أؤخره المال قال: لا بأس «3» و نحوها غيرها فإنه لو كانت الزيادة في الدين للتأجيل فيه جائزا لما احتاجوا إلى إعمال الحيل و تعليمها حتى وقعوا في

______________________________

(1). الوسائل ج 13، الباب 32 من أبواب الدين.

(2). الوسائل ج 13، الباب 1 من أبواب الدين.

(3). الوسائل ج 12، الباب 1 من أبواب الدين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 562

يظهر عدم الفرق بين المصالحة عنه بها و المقاولة عليها (1).

[إذا ابتاع عينا شخصية بثمن مؤجل جاز بيعه من بايعه و غيره قبل حلول الأجل و بعده]

جاز بيعه من بايعه

و غيره قبل حلول الأجل و بعده (2).

______________________________

اعمال بعضها مورد اعتراض العامة كما ورد ذلك في ضم غير الجنس في بيع المتجانسين الى العوض الأقل.

(1) يعني لا فرق في عدم الجواز بين المصالحة عن التأجيل بالزيادة و بين المقاولة على تلك الزيادة و المراد من المقاولة الملزمة بحسب قرارهم بحيث يكون على المديون تلك الزيادة على تقدير إمهال الدائن و اما إذا لم تكن ملزمة بحيث لم ير الدائن لنفسه تلك الزيادة حتى مع الإمهال كما إذا علم المديون انه لو لم يعط للدائن مالا لطالبه بالدين و يعطى له هدية لئلا يطالبه بالدين فلا بأس بذلك و في موثقة إسحاق بن عمار عن ابى الحسن عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون له على رجل مال قرضا فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرطا عليه قال:

لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا «1».

ثم لا يخفى أن تعجيل الثمن المؤجل أو الدين المؤجل لو كان بعنوان الوفاء ببعض الدين مع الإبراء عن بعض الآخر لم يكن فرق بين كون الدين من المكيل أو الموزن أو غيرهما و ان كان بعنوان معاوضة ما على المديون بالأقل نقدا فيعتبران لا يكون من المكيل أو الموزون لان مع كونه منهما يدخل البيع المزبور في البيع الربوي.

و مما ذكر انه لا فرق في جواز نقد البعض على تمديد الأجل في الباقي بين كون الدين من المكيل أو الموزون أو غيرهما لأن تأجيل البعض الآخر لا يكون بزيادة بل يكون شرطا في ضمن الوفاء ببعض الدين.

(2) يقع الكلام في مقامين: الأول في المستثنى منه في عنوان المسألة يعني جواز

______________________________

(1). الوسائل

ج 13، الباب 19 من أبواب الدين.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 563

..........

______________________________

شراء البائع من المشترى قبل حلول الأجل أو بعده العين الشخصية التي قد باعها منه مؤجلا.

الثاني في المستثنى يعنى حكم شراء البائع من المشترى فيما إذا كان الشراء شرطا في البيع الأول.

اما المقام الأول فالمعروف جواز الشراء المزبور و لم ينسب الخلاف الا الى الشيخ (ره) في بعض صور المسألة و ذلك البعض بيع العين بعد حلول الأجل من بايعه ثانيا بجنس الثمن بتفاوت كما إذا كان الثمن في البيع الأول مأة درهم فباعها بعد حلول الأجل من بائعها بتسعين.

و ذكر الشهيد ره انه لا ينفرد الشيخ ره بهذا القول بل تبعه على ذلك جماعة.

و ذكر صاحب الحدائق عدم انحصار خلافهم بصورة البيع بعد حلول الأجل بل لا يجوز البيع الثاني قبل حلول الأجل أيضا و قال ان خلافهم لا يعم الأشياء بل يختص بما إذا كان المبيع طعاما حيث ان الطعام عندهم إذا بيع إلى أجل لا يجوز لمشتريه بيعه من بايعه ثانيا قبل حلول الأجل أو بعده بجنس الثمن بتفاوت.

و كيف ما كان فالأظهر عند المصنف ره ما عليه المشهور من الجواز مطلقا و يقتضيه عموم وجوب الوفاء بالعقد و إطلاق حلّ البيع مع روايات خاصة دالة على الجواز في المقام كصحيحة بشار بن يسار قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبيع المتاع فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه قال نعم لا بأس به فقلت له اشترى متاعي فقال ليس متاعك و لا بقرك و لا غنمك فان ترك الاستفصال فيها عن كون الشراء ثانيا بجنس الثمن بتفاوت أم لا مقتضاه عدم الفرق بذلك في

نفى البأس.

و كذا رواية الحسين بن المنذر قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام يجيئني الرجل فيطلب العينة فاشترى المتاع مرابحة ثمّ أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني قال إذا كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 564

..........

______________________________

بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر فلا بأس و هذا أيضا دالة على جواز الاشتراء بتفاوت كما لا يخفى.

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم إلى أجل ثم اشتراه بخمسة نقدا قال إذا لم يشترطا و رضيا فلا بأس و هذه الروايات تعم بعض الصور التي نسب الخلاف فيها الى الشيخ (قده).

و قد يستدل على الجواز أيضا بموثقة يعقوب بن شعيب و عبيد بن زرارة معا قال سألنا أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل باع طعاما بدراهم إلى أجل فلما بلغ ذلك فتقاضاه فقال ليس لي دراهم خدمني طعاما فقال لا بأس به فإنما له دراهم يأخذ بها ما شاء و لكن في دلالتها على حكم المقام تأمل فإن المفروض في المقام شراء البائع من المشترى نفس ما باعه منه و ليس في الرواية دلالة على كون الطعام الذي أراد المشتري بيعه من البائع بدلا عن الدراهم ما اشتراه منه أولا اللّهم الا ان يتمسك بعدم الاستفصال في الجواب.

و قد يدعى انه بتعارض الروايات المتقدمة صحيحة خالد بن الحجاج قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السّلام عن رجل بعته طعاما بتأخير إلى أجل مسمى فلمّا حل الأجل أخذته بدراهمي فقال ليس عندي دراهم و لكن عندي

طعام فاشتره منى قال لا تشتره منه فإنه لا خير فيه و.

لكن لا دلالة في هذه على ان المشترى أراد بيع نفس الطعام الذي اشتراه منه أولا مع ان كلمة خير اسم تفضيل فنفيه لا يدل على عدم الجواز.

و اما رواية عبد الصمد بن بشير المحكية عن الفقيه قال سأله محمد بن القاسم الحناط فقال أصلحك اللّٰه أبيع الطعام من الرجل إلى أجل فأجي ء و قد تغير الطعام من سعره فيقول ليس عندي دراهم قال خذ منه بسعر يومه قال أفهم أصلحك اللّٰه انه طعامي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 565

قال الشيخ في المبسوط إذا باع طعاما (1).

______________________________

الذي اشتراه منى قال لا تأخذ منه حتى يبيعه و يعطيك قال أرغم اللّٰه أنفي رخص لي فرددت عليه فشدد على فلضعف سندها غير قابلة للاعتماد عليها بل على تقدير كونها معتبرة لكون القاسم بن محمد الجوهري من المشاهير و لم يرد فيه قدح لكانت محمولة على الكراهة جمعا بينها و بين ما تقدم من أنه ليس متاعك و لا بقرك و لا غنمك.

(1) ظاهر هذه العبارة انه لا يجوز للبائع أخذ الطعام الأكثر من المشترى بدلا عما عليه من الثمن بلا فرق بين كون ذلك الطعام هو الذي باعه منه أولا أو غيره و الوجه في عدم الجواز على ما يظهر مما ذكر (ره) في الخلاف هو رجوع البيعين الى بيع الطعام بالطعام و لو كان البيع بتفاوت لكان ربا و قد تقدم ايضا انه قال في النهاية إذا اشترى نسيئة فحل الأجل و لم يكن عنده ما يدفعه إلى البائع جاز للبائع أن يأخذ ما باعه إياه من غير نقصان من ثمنه

فإن أخذ بنقصان لم يكن صحيحا.

و الحاصل ان ما ذكره في المبسوط و الخلاف و النهاية متفرع على القاعدة التي أشار إليه المصنف ره و هي أنه يجرى على عوض الجنس الربوي حكم ذلك الجنس الربوي بمعنى انه لا يجوز مبادلة ذلك العوض بذلك الجنس بالأكثر أو بالأقل مثلا إذا باع مقدارا من الحنطة الأخرى ثانية بالزيادة أو النقيصة من الحنطة المباعة أولا فإنها ترجع إلى مبادلة الحنطة بالحنطة بتفاوت كما أنه لو اشترى نفس ما باعه أولا لكان من بيع الدراهم بالدراهم مع الاختلاف.

و القاعدة المشار إليها تستفاد من التعليل الوارد في صحيحة على بن جعفر المروية في باب السلم قال سألته عن رجل له علىّ تمر أو شعير أو حنطة أ يأخذ بقيمته قال إذا قومه دراهم فسد لأن الأصل الذي اشترى به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم.

و يؤيد ذلك بعض الروايات الواردة في منع المشترى في السلم عن بيع ما على البائع منه الا برأس ماله.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 566

و اما الحكم في المستثنى (1).

______________________________

و بتعبير آخر إذا كان الدين على المشترى فلا يجوز للبائع شراء جنس ما باعه بدلا عن الدين و لا عين ما باعه مع الاختلاف و التفاضل كما أنه إذا كان الدين على البائع كما في بيع السلم فلا يجوز للمشتري بيع ذلك الدين من بايعه بجنس الثمن مع التفاضل حيث انه يجرى على العوض الثاني للدين حكم العوض الأول للدين في أنه لا يجوز معاوضة ذلك الدين بجنس العوض الأول مع التفاضل بلا فرق بين كون المعاوضة الثانية بعد حلول الأجل أو قبله و كون العوض الثاني أقل من العوض الأول أو

أكثر.

أقول هذه القاعدة لا أساس لها فإن الأخبار الواردة في بيع العينة دلالتها واضحة في ان للبائع شراء ما باعه مؤجلا أولا بنقصان نقدا ثانيا و صحيحة على بن جعفر لا يرتبط بالمقام فان الالتزام بعدم جواز شراء البائع في بيع السلف ما باعه إلا برأس المال ظاهر بعض الروايات المعتبرة كصحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعطى رجلا ورقا في وصيف إلى أجل مسمى فقال له صاحبه لا نجد وصيفا خذ منى قيمة وصيفك اليوم ورقا قال فقال لا يأخذ إلا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرّة لا يزداد عليه شيئا و لا يعارضها مثل رواية حسن بن على بن فضال قال كتبت الى ابى الحسن عليه السلام الرجل يسلفني في الطعام فيجي ء الوقت و ليس عندي طعام أعطيه بقيمته دراهم قال نعم فإنه مع الإغماض عن السند يحمل إطلاقه على إذا كان الدراهم مساوية مع الثمن المسمى من غير زيادة جمعا بينهما كما لا يخفى بل لا يبعد ان يقال لا يختص الحكم ببيع السلف بل إذا كان المبيع كليا في العهدة لا يجوز بيعه من بائعه إلا برأس المال أخذا بإطلاق صحيحة على بن جعفر المتقدمة كما لا يخفى.

(1) اما الكلام في المستثنى أى بيع المتاع على ان يبيعه من بايعه ثانيا فقد يستدل على بطلان البيع المزبور بوجوه:

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 567

..........

______________________________

منها ما ذكره في التذكرة من كون البيع دوريا لان تحقق البيع موقوف على حصول شرطه كما هو مقتضى توقف كلّ مشروط على تحقق شرطه و تحقق الشرط موقوف على حصول البيع لأن

المشتري ما لم يتملك المبيع فلا يمكن له بيعه من بايعه نعم لا بأس إذا شرط في بيع المتاع بيعه من شخص آخر لان هذا الشرط لا يخالف الكتاب و السنة.

لا يقال ما ذكر من لزوم الدور يجري في هذه الصورة أيضا.

فإنه يقال بيع المشترى المتاع من شخص آخر لا يتوقف على تملكه ذلك المتاع لإمكان وقوعه على نحو بيع الفضولي أو البيع بالوكالة بخلاف بيعه من بائعه فإنه لا يتصور فيه الفضولية أو الوكالة.

أقول الشرط في المعاملات بمعنى التزام آخر و لا يكون المشروط هو المعلق عليه للبيع ليلزم في الفرض الدور و ما ذكر من صحة اشتراط بيعه من شخص آخر و انه لا يلزم الدور ضعيف جدا لانه لو كان المراد من بيعه من آخر فضولا أو وكالة لكان المشروط منافيا لمقتضى البيع لان مقتضى البيع ان لا يكون البيع من الآخر بالوكالة أو فضولا و مقتضى الشرط ان يكون بالوكالة و الفضولية على الفرض ثم انه ره التزم في التذكرة بجواز اشتراط رهن المبيع على الثمن و عليه يبقى بيان الفرق بين اشتراط ذلك و اشتراط المبيع من بايعه ثانيا.

و ربما يفرق بينهما بان الرهن على الثمن من توابع البيع و من مصالح تمامه و لا بأس باشتراط ما يكون من توابع البيع و أحكامه نظير اشتراط عدم تأخير الثمن بخلاف بيع المبيع من بايعه ثانيا فإنه ربما يكون منافيا لقصد البيع الأول كما يأتي.

نعم يرد عليه النقض بيع المتاع و الاشتراط على المشترى ان يوقفه على البائع و ولده فان هذا الاشتراط صحيح عند العلامة مع أن الوقف المزبور ليس من توابع البيع و مصالحه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب،

ج 4، ص: 568

و استدل عليه ايضا بعدم قصد البائع (1).

و استدل في الحدائق بقوله عليه السلام في رواية الحسين بن المنذر (2).

______________________________

أقول لم يظهر الوجه لدعوى ان الرهن على الثمن من توابع البيع دون بيعه من بايعه ثانيا فان التابع بمعنى كونه حكما للبيع الأول غير حاصل في شي ء منهما و بمعنى التوقف على حصول البيع موجود في كل منهما كما لا يخفى.

نعم لا يكون البيع الثاني من مصلحة البيع الأول بخلاف الرهن و لكن هذا لا يوجب الفرق في الدور و عدمه.

(1) و هذا هو الوجه الثاني لبطلان البيع المشروط فيه بيع الشي ء من بايعه ثانيا و حاصله عدم قصد البائع حقيقة إخراج المال عن ملكه و تمليكه من مشتريه بالعوض و استحسن الشهيد ره هذا الوجه في غاية المراد.

و لكن لا يخفى ما فيه فإنه يرد عليه ما ذكره الشهيد و المحقق الثانيان من أن لازم ذلك هو الحكم ببطلان البيع الأول حتى فيما لم يجعلا البيع من بايعه شرطا بل كان مجرد بناء خارجي مع الإجماع على الصحة معه كما هو مقتضى مشروعية بيع العينة أضف الى ذلك أن عدم تحقق القصد على تقديره ينحصر بما إذا لم يختلف البيعان في الثمن و لم يختلفا بالنقد و النسيئة كيف و البيع الثاني المقصود يتوقف على البيع الأول فلا بد من كونه مقصودا ايضا كما لا يخفى.

(2) استدل في الحدائق على بطلان البيع المشروط فيه بيع الشي ء من بايعه ثانيا بقوله عليه السلام في رواية الحسين بن المنذر المتقدمة ان كان بالخيار ان شاء باع و ان شاء لم يبع و كنت أنت بالخيار ان شئت اشتريت و ان شئت لم تشتر

فلا بأس.

و وجه الاستدلال ان المراد بالخيار فيه هو الاختيار و حاصل الجواب انه على تقدير كون المشترى مختارا في بيع المبيع ثانيا و أنت على اختيار من شرائه فلا بأس و نفى البأس إما راجع الى البيع الأول فيكون مفهوم الجواب انه ان لم يكن الطرفان على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 569

..........

______________________________

اختيار مما ذكر ففي البيع الأول بأس و اما راجع الى البيع الثاني فيكون مفهومه ان لم يكونا على اختيار ففي البيع الثاني بأس و البأس في الثاني يكشف عن بطلان البيع الأول حيث انه لو صح الأول فلا موجب لبطلان الثاني بل يكون الثاني لازما لا يجرى فيه حتى الخيار الثابت في سائر البيوع كما هو مقتضى الشرط.

لا يقال ثبوت البأس بالمفهوم لا يدل على المنع الوضعي لاحتمال كونه كراهة و كراهة الثاني أو الأول لا تنافي صحتهما.

فإنه يقال ثبوت البأس في المعاملة ظاهره فسادها كما أن ظاهر في الأفعال الخارجية حرمتها.

لا يقال كما أن الرواية بمفهومها دالة على البطلان فيما إذا اشترط البائع على المشترى بيع المبيع منه ثانيا كذلك تدل على البطلان فيما إذا اشترط المشترى على البائع شرائه منه ثانيا مع انه لا خلاف في الجواز في صورة اشتراط المشترى على البائع فإنه يقال كلا الفرضين متحد في الحكم و دعوى الاتفاق على الجواز في الثاني غير صحيحة.

و لكن الإنصاف عدم دلالة الرواية على بطلان البيع الأول بل ظاهرها بطلان البيع الثاني و بطلانه لبطلان الشرط في البيع الأول و عدم وقوع الثاني مع الغمض عنه بالاختيار و بطلان الشرط في البيع الأول لا يسرى الى نفس البيع على ما تقدم فيكون حاصل الرواية

أنه لا بأس بالبيع الثاني فيما إذا لم يكن الطرفان غير ملزمين به و فيه بأس مع كونهما ملزمين عليه بمقتضى الشرط في البيع الأول خلافا لأهل المسجد حيث كانوا على اعتقاد البطلان في البيع الثاني حتى فيما إذا لم يكونا ملزمين عليه و لم يشترطاه في البيع الأول و أنه انما يصح البيع الثاني فيما إذا وقع مع فصل شهر أو أزيد حتى فيما إذا اشترطا البيع المنفصل في البيع الأول و يظهر ذلك من صحيحة على بن

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 570

[القول في القبض]

[مسألة اختلفوا في ماهية القبض في المنقول]
اشارة

بل التحقيق ان القبض مطلقا استيلاء المشترى (1).

______________________________

جعفر المتقدمة أيضا حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها إذا لم يشترط و رضيا فلا بأس فإن الضمير المقدر في قوله لم يشترط و في قوله رضيا و في قوله لا بأس مرجعه واحد و لا ينبغي الريب في ان المرجع في الأولين هو البيع الثاني فيكون نفى البأس أيضا راجعا اليه.

ثم ان العمدة في سند الحكم بالبطلان و كون الشرط في البيع الأول فاسدا هي هذه الصحيحة لا رواية الحسين بن المنذر حتى يناقش في سندها و بما ان المفروض اختلاف الثمنين في البيعين فيحكم بالصحة في صورة تساويهما و لو مع شرط البيع الثاني في البيع الأول.

و قد ذكرنا ان المتيقن لو لا ظاهرها بطلان البيع الثاني في صورة اشتراطه و اما البيع الأول فيؤخذ فيه بإطلاق حل البيع كما لا يخفى.

(1) و حاصل ما ذكره (قده) في المقام ان قبض المبيع فعل المشترى و المراد به استيلائه على المبيع سواء كان قابلا للنقل الخارجي أم لا كالأراضي و البساتين و الاستيلاء على المبيع يختلف بحسب اختلاف

الأشياء و لا يلزم المباشرة في كلها باليد فضلا عن المباشرة بجميع اليد لا بمثل رؤوس الأصابع و اما التخلية فهي فعل البائع و يتوقف عليه وصول المبيع إلى المشتري كرفع البائع جميع الموانع بين المال و المشترى و اذنه له في التصرف الخارجي فيه و ربما يعبر عن هذه التخلية بالتسليم و الإقباض.

ثم ان الأحكام المترتبة على وضع اليد على مال الغير عدوانا أو بغيره لا يترتب الا على الاستيلاء المزبور و ربما يترتب بعض الأحكام على القبض بمعنى التخلية كوجوب تسليم المبيع على البائع و وجوب رد الامانة على مالكها و وجوب قبض العين المرهونة على الراهن فيما إذا كان الرهن لازما كاشتراطه في عقد لازم الى غير ذلك و على ذلك فاللازم في الموارد ملاحظة ان الحكم فيها مترتب بحسب ظاهر الخطاب على القبض بمعنى الاستيلاء الذي هو فعل القابض أو على التخلية التي فعل المقبض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 571

..........

______________________________

بالكسر.

و لذلك فصل الشهيد (ره) في الدروس بين قبض البائع الموجب لارتفاع ضمان المبيع عنه و بين مثل بيع مشتري المكيل أو الموزون من آخر حيث انه اكتفى في ارتفاع الضمان بالتخلية و التزم بعدم كفايتها في بيع المشترى المكيل أو الموزون و هذا على تقدير الاستناد في ارتفاع الضمان على النبوي كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه غير ظاهر فان ظاهره اعتبار القبض الذي من فعل المشترى.

نعم لو استند في ارتفاعه إلى رواية عقبة بن خالد فظاهرها اعتبار التخلية في ارتفاع ضمان البائع و على ذلك فيمكن حمل النبوي على ظاهر الرواية بأن يكون الاعتبار في ارتفاع الضمان بالتخلية و ذكر قبض المشترى

في النبوي من جهة كونه مقارنا غالبا بالتخلية و يمكن ان يكون الاعتبار في ارتفاع الضمان بقبض المشترى و استيلائه كما هو ظاهر النبوي و ذكر ما يقرب إلى التخلية في الرواية لكونها ملازما غالبا لوصول المال الى يد المشترى.

و يشهد لكون ظاهر النبوي هو الأخذ و الاستيلاء أن جامع المقاصد نقل قول الثامن أي التخلية عن الشهيد ره في الدروس ثم قال و ظاهر الخبر خلاف ذلك و هذا الكلام من جامع المقاصد حسن لو كان مراده بالخبر النبوي و اما إذا كان مراده رواية عقبة خالد فقد ذكرنا ان ظاهرها التخلية و ينبغي عدّ القول الثامن موافقا لها لا مخالفا لها.

لا يقال ظاهر معتبرة عقبة خالد على خلاف الإجماع و ذلك فإنه اعتبر فيها في ارتفاع الضمان أمر آخر غير تخلية البائع و غير أخذ المشترى و الأمر الآخر هو إخراج البائع المتاع من بيته مثلا إذا باع متاعا من زيد و سلمه اليه و تلف المتاع في يد زيد قبل خروجه من بيت البائع فظاهر الرواية ضمانه على البائع مع انه خلاف المتسالم عليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 572

قوله و اما اعتبار الكيل و الوزن أو كفايته في قبض المكيل و الموزون (1).

______________________________

و الحاصل ان الرواية بظاهرها معرض عنها و الجواب ان إخراج البائع المتاع من بينه كناية عن عدم إمساكه و تسليمه الى المشتري فيكون مساوقا لاعتبار التخلية، و التعبير عن رفع البائع يده عما باعه بما في الرواية متعارف و اعتبار إخراج المال من بيت البائع أمر يقتضيه الجمود على اللفظ في الرواية بحمله على الاستعمال الحقيقي دون الكناية.

أقول لا يبعد اعتبار رواية عقبة خالد بدعوى

ان عقبة بن خالد من المشاهير المشار إليهم و لا يستفاد منها غير التخلية على ما تقدم و لو كان النبوي ظاهرا في اعتبار فعل القابض في ارتفاع ضمان البائع فلضعف سنده لا يمكن حمل الرواية عليه خصوصا بملاحظة السيرة الجارية من العقلاء على انحلال البيع بتلف المبيع الشخصي بل الثمن الشخصي أيضا قبل التخلية و قد تقدم سابقا من ان إتلاف المشتري المبيع بيد بايعه و إتلاف البائع الثمن بيد المشترى خارج عن مدلول الرواية و السيرة العقلائية المشار إليها و على الجملة فلا بد في سائر الموارد من ملاحظة الأدلة الواردة فيها و أن مقتضى تلك الأدلة اعتبار فعل القابض أو فعل المقبض أي التخلية أو أن المعتبر فعل المقبض بما هو اقباض لا التخلية كما لا يخفى.

(1) و حاصله أنه يحتمل ان يعتبر الكيل و الوزن في قبض المكيل و الموزون و ان يكون الكيل أو الوزن بمجردهما كافيا في تحقق القبض في المكيل و الموزون و على كل منهما فالاعتبار كما اعترف غير واحد تعبّد مستفاد من مثل صحيحة معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان تولّيه الذي قام عليه «1» و صحيحة

______________________________

(1). الوسائل ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 573

..........

______________________________

منصور بن حازم عن ابى عبد اللّٰه عليه السّلام قال إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه الا ان توليه «1» و في صحيحة على بن جعفر عن أخيه انه سال

أخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يشترى الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبض و ان كان يوليه فلا بأس «2» و رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل ان يكيله قال لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه الا ان يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع «3» الى غير ذلك فان اعتبار الكيل أو الوزن قبل البيع الثاني ليس لإحراز مقدار المبيع ليتم الشرط بالإضافة إلى البيع المزبور حيث انه لو كان ذكرهما لذلك لم يكن وجه للفرق بين التولية و غيرها لأن إحراز كيل المبيع أو وزنه شرط في كل بيع تولية كانت أو غيرها فيتعين ان يكون ذكر الكيل أو الوزن لجهة أخرى و تلك الجهة قبض المكيل أو الموزون و ان الكيل و الوزن معتبران في قبضهما.

و بذلك يظهر ضعف ما ذكر في المسالك و حاصله انه ليس ذكر الكيل أو الوزن لعدم تحقق القبض بدونهما بل هما لتصحيح البيع و اما القبض الرافع للضمان فيحصل بدونهما و هذا مقتضى الجمع بين هذه الروايات و الخبر الآخر يعني رواية عقبة بن خالد الدالة على ارتفاع الضمان بإخراج البائع يده عن المال و تسليمه الى المشتري لا يقال قد عبّر في الروايات عن الكيل أو الوزن بالقبض فيكون ذكرهما لاعتبارهما في القبض فإنه يقال التعبير عن الكيل و الوزن بالقبض باعتبار الغالب من ان البائع يرفع يده عن الطعام بكيله أو وزنه فيكون الكيل أو الوزن قبضا و زيادة و لذا عبر عنهما بالقبض.

______________________________

(1). الوسائل

ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

(2). الوسائل ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

(3). الوسائل ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 574

..........

______________________________

و وجه ظهور الضعف أنه لو كان الكيل أو الوزن لإحراز الشرط للبيع الثاني لم يكن وجه للفرق بين كون ذلك البيع تولية أو غيرها.

أقول يمكن دعوى ان مقتضى رواية عقبة بن خالد حصول القبض في المكيل و الموزون ايضا بالتخلية فيخرج بها البائع عن ضمان ما اقبضه كما إذا اشترى طعاما خارجيا باخبار بايعه بكيله أو وزنه فإنه يخرج بايعه عن ضمانه بالتخلية و لكن لا يجوز للمشتري ان يبيعه بغير التولية قبل ان يكيله.

و بتعبير آخر إذا كان المكيل و الموزون مما اشتراه بغير كيل أو وزن بان اشتراه بإخبار البائع بوزنه أو كيله يجوز بيعه تولية قبل قبضه و قبل كيله و يدل على عدم اعتبار القبض في الفرض صحيحة على بن جعفر حيث سأل أخاه عليه السلام عن الرجل يشترى الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه فقال عليه السلام إذا ربح لم يصلح حتى يقبض و ان كان يوليه فلا بأس و يدل على عدم اعتبار الكيل و الوزن في الفرض صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان يوليه الذي قام عليه و التعرض لاعتبار الكيل و الوزن مع وقوع السؤال عن جواز البيع قبل القبض لأجل أن كيل المشتري أو وزنه غالبا يحصل به تخلية المالك أو تحصل التخلية قبل ذلك.

و الحاصل يعتبر في جواز

بيع ما اشتراه بغير الكيل أو الوزن كالاعتماد على اخبار البائع بهما أو كان المبيع كليا في الذمة أو في المعين القبض و الكيل أو الوزن قبل البيع الثاني فيما كان بغير التولية لا أن الكيل أو الوزن يعتبر في تحقق القبض المخرج البائع عن ضمان ما اقبضه كما هو ظاهر المصنف و غيره في المقام و في رواية محمد بن حمران قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام اشترينا طعاما فزعم صاحبه انه كاله فصدفناه و أخذناه بكيله فقال لا بأس فقلت أ يجوز بيعه كما اشتريته بغير كيل قال لا اما أنت فلا تبعه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 575

[فرعان]
[الأول قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة]

قال في التذكرة لو باع دارا أو سفينة مشحونة (1).

[الثاني قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا]

قال في المسالك لو كان المبيع مكيلا أو موزونا (2).

______________________________

حتى تكيله.

و على الجملة هذه الروايات في مقام اعتبار الكيل أو الوزن في جواز بيع ما اشتراه بغير التولية و لا دلالة لها على اعتبارهما في القبض المخرج البائع عن ضمان ما باعه و اقبضه كما لا يخفى.

(1) هذا من التعرض للصغرى بعد بيان كبرى القبض و حاصله انه لو باع دارا أو سفينة مشحونة بأمتعة باقية في ملك بائعها و لكن أذن للمشتري تحويل تلك الأمتعة و نقلها الى مكان آخر يكون هذا من قبض الدار أو السفينة فيترتب عليه حكمه من خروج البائع عن الضمان و غيره و إذا باع متاعا منقولا و كان المتاع في موضع غير مملوك للبائع يكون نقل المشترى المتاع الى موضع آخر قبضا و ان كان المتاع في موضع مملوك للبائع و اذن للمشتري في نقله فبنقله الى موضع آخر مملوك للبائع أيضا يحصل القبض و كأن المشترى استعار من البائع الموضع المنقول اليه و ان كان بغير اذن البائع لم يجز النقل و لكن مع ذلك يدخل المتاع في ضمان المشترى و ان لم يعد ذلك قبضا.

أقول لا يبعد تحقق القبض ايضا و لو مع عدم اذن البائع للمشتري في نقل الأمتعة إلى مكان آخر و ان للمشتري تفريغ الدار أو السفينة من تلك الأمتعة رضى البائع أم لا و ايضا ان تحقق القبض في المنقول لا يتوقف على النقل على ما تقدم.

(2) و حاصله ان جواز البيع الأول أي إحراز كيل المبيع أو وزنه قد يكون بالكيل أو الوزن عند البيع و قد يجوز البيع الأول من

غير وزن أو كيل عند ذلك البيع بأن أخبر البائع بمقدار المبيع كيلا أو وزنا أو لوقوع البيع على نحو الكلي في المعين كما إذا اشترى عشر كيلوات حنطة من صبرة مشتملة عليها و في الغرض الذي لم يحصل الكيل و الوزن مع صحة البيع فاللازم الكيل أو الوزن قبل البيع الثاني فيما لم يكن بنحو التولية

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 576

..........

______________________________

للروايات المتقدمة.

و اما في فرض الكيل أو الوزن عند البيع الأول فيحتمل الاكتفاء به و عدم لزوم اعادة الكيل أو الوزن قبل البيع الثاني لأنه لا يصدق على البيع الثاني من غير تجديد الكيل أو الوزن العنوان المنهي عنه في الروايات و ان المشترى قد باع الطعام قبل ان تكيله أو يزنه بل يصدق أنه قد باعه بعد كيله أو وزنه و يحتمل لزوم تجديد الكيل أو الوزن و ذلك فان الكيل أو الوزن ليس شرطا في معرفة مقدار البيع ليقال بتحققه بالكيل أو الوزن قبل ذلك بل الكيل أو الوزن قبض للمبيع و لا يجوز البيع الثاني بغير التولية قبله و الكيل و الوزن الأول شرط لإحراز مقدار المبيع بلا فرق بين بيع التولية و غيرها و هذا الاحتمال الثاني هو الأقوى كما عليه العلامة و الشهيد و جماعة انتهى.

و أورد على كلامه المصنف بان لازم اعتبار تجديد الكيل أو الوزن في حصول القبض كون المبيع في ضمان البائع قبل الكيل أو الوزن الثاني حتى ما أخذه المشتري بعد الكيل أو الوزن الأول و تصرف فيه بالطحن أو غيره و لو بعد حمله إلى منزله و يبقى هذا الضمان حتى بكيله أو يزنه ثانيا و ان لم يرد

بيعه ثانيا.

و كذا يلزم ان يبقى في ضمان البائع فيما إذا كال أو وزن قبل البيع الأول و قبض الموزون أو المكيل و عقد عليه مع البائع الأول و لذا خصص المحقق الأردبيلي ان اعتبار الكيل أو الوزن في البيع الثاني بما إذا كان البيع الأول بإخبار البائع بمقدار مبيعة أو كان البيع الأول بعنوان الكلي في المعين حيث ان القبض في المبيع كذلك يكون بالكيل أو الوزن على ما في الروايات و اما إذا كان البيع الأول بعد تعيين المبيع فيه بالكيل أو الوزن يكون القبض فيه بالأخذ لخروج ذلك عن مورد النهي في الروايات المتقدمة.

أقول يرد على المصنف ايضا فيما إذا أخبر البائع الأول بمقدار المبيع و قد أخذه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 577

ثم الظاهر ان مراد المسالك ممّا نسبه الى العلامة و الشهيد (1).

______________________________

المشترى و طحنه فان القول بأنه لم يحصل قبضه فالمبيع بعد في ضمان البائع كما ترى و الصحيح ان الكيل أو الوزن لا يعتبر في حصول القبض مطلقا بل يحصل القبض بالتخلية أو استيلاء المشترى بلا فرق بين الموزون و المكيل و غيره حتى ما إذا باع كليا على العهدة أو في المعين ثم سلم فردا من ذلك الكلي باخباره بأنه بمقدار المبيع فالنهي عن بيعه قبل الكيل أو الوزن كناية عن حصول القبض على ما تقدم أو يحمل على الكراهة أو يقال اعتبار الكيل أو الوزن لرعاية اخبار المشترى حيث ان ظاهر أخباره الشهادة بكيل المبيع أو وزنه نظير ما ورد في شراء العصير مع اخبار بايعه بذهاب ثلثيه بأنه لا يجوز للمشتري بيعه ثانيا اعتمادا على اخبار البائع الأول فتدبر.

(1) هذا تعرض

للوجه الموجب لنسبة المسالك اعتبار الكيل أو الوزن الثاني إلى العلامة و الشهيد و جماعة و الوجه في النسبة إلى العلامة أنه ذكر في القواعد تفريعا على القول باعتبار القبض بالكيل أو الوزن قبل البيع الثاني لو اشترى مكايلة و باع مكايلة فلا بد لكل بيع كيل جديد ليتم القبض مع انه قد شرح في جامع المقاصد هذا الكلام بما ظاهره ان حضور المشترى للكيل الأول أو اخبار بايعه به كفى نقل المبيع في تحقق القبض و قيام الحضور عند كيله أو اخبار البائع بمقداره منزلة الكيل أو الوزن في تحقق القبض.

و اما وجه النسبة إلى الشهيد (قده) انه ذكر في دروسه بعد اختياره كفاية التخلية في القبض الموجب لارتفاع ضمان البائع و قوله انه لو لم يأخذ المشتري المبيع حتى يكتاله أو يزنه لم يرتفع الضمان انه لا يكفى اعتبار الأول في القبض يعنى لا يكفى الكيل الأول عن الكيل المحقق للقبض.

و ذكر (قده) انه يبعد ان ينسب الى الشيخ (قده) و من تبعه و الى العلامة اعتبار الكيل أو الوزن في قبض المبيع فيما إذا كيل أو وزن عند شرائه بحضور المشتري لأنه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 578

[القول في وجوب القبض]
[مسألة يجب على كل من المتبايعين تسليم ما استحقه الآخر بالبيع]

و لعل وجهه دعوى انصراف إطلاق العقد (1).

______________________________

لا يحتاج تسمية مقدار الكيل في شرائه في الفرض و انما يحتاج إلى تسمية مقدار الكيل أو الوزن فيما إذا كان الشراء اعتمادا على اخبار البائع بالوزن أو الكيل و في هذا الفرض يمكن اعتبار الكيل أو الوزن في القبض حتى في غير البيع ايضا مثلا إذا رهن إناء معينا من صفر لا يحتاج قبضه الى الوزن مع ان الصفر من الموزون بخلاف

ما إذا رهنه على ان وزنه كذا فإنه يمكن ان ان يدعى ان تحقق القبض فيه بالوزن و ان القبض بلا وزن كلا قبض.

و على ذلك فقول العلامة لو اشترى مكايلة و باع مكايلة راجع الى وقوع الشراء و البيع ثانيا باشتراط مقدار الكيل الحاصل باخبار بايعه فإنه يعتبر في هذه الصورة في قبضه الكيل و كذا لو باعه من مشتر آخر من غير حضور ذلك الآخر كيله بان باعه باشتراط كيله يعتبر في تحقق قبضه من ذلك الآخر الكيل الجديد و يؤيد هذا الاحتمال تكرار المكايلة و وجه التأييد انه لو لم يكن المراد بالمكايلة تسمية مقدار كيل الشي ء اشتراطا في بيعه لكان الأنسب أن يقول لو اشترى المكيل و باعه فلا بد لكل من الشراء و البيع من كيل جديد.

و يشهد بان المراد بالمكايلة ما ذكر من اشتراط مقدار الكيل قول العلامة في التذكرة أنه لو قبض ما اشتراه مكايلة جزافا حيث لا معنى بالأخذ الجزاف في الشراء بحضور الكيل كما يشهد بذلك قوله في موضع آخر من التذكرة انه لو أخذ ما اشتراه كيلا بالوزن فان تيقن بحصول الحق فيه إلخ فإن الشك لا يتصور مع حضور المشترى الكيل و لو وزنه عند قبضه ثانيا.

(1) لم يظهر وجه للانصراف المزبور فإن المطالبة بالثمن عند ارادة تسليم المبيع أمر متعارف و ليس أمرا قبيحا و لا مقبحا و لا يقاس ذلك بالمطالبة بالأجرة قبل العمل لأن المطالبة بالأجرة يكون مع تسليم العمل و تسليمه يكون بتمامه لا قبله نعم المتعارف في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 579

..........

______________________________

بعض الموارد كاستنابة الحج تسليم الأجرة قبل العمل و هذا التعارف كاشتراط ضمني

يرفع اليد به عن مقتضى إطلاق العقد في سائر الموارد.

و مما ذكرنا انه لا قبح في مطالبة الأجرة عند تسليم العين المستأجرة حيث تكون تسليم المنفعة بتسليمها نعم يكون في بعض الأعيان و في بعض البلاد تعارف يعتبر شرطا ضمنيا كما لا يخفى.

و توضيح المقام انه قد يقال بما أن البيع تمليك عين بعوض فبتمامه يكون المبيع ملكا للمشتري و الثمن ملكا للبائع فيترتب على كل من الملكين حكمه من عدم جواز الإمساك بمال صاحبه فيلزم دفعه اليه خروجا عن الإمساك بمال الآخر بغير رضا صاحبه.

نعم لو كان أحد العوضين من قبيل الدين يترتب عليه حكمه من وجوب الوفاء به مع مطالبة الدائن و على ذلك يجبر الممتنع عن التسليم و الوفاء عليهما من باب الأمر بالمعروف و لو امتنعا يجبرا على التسليم و الوفاء من ذلك الباب فلا يجوز لأحدهما الامتناع حتى مع امتناع صاحبه و عدم إمكان إجباره و هذا ظاهر كلام الأردبيلي قده حيث قال في المحكي عنه ان وجوب التسليم على كل منهما ليس مشروطا بتحققه من الآخر فلا يسقط التكليف بأداء مال الغير عن أحدهما بمعصية الآخر و ان ظلم أحدهما لا يسوغ ظلم الآخر و يترتب على ذلك انه لو وقع ماله بيده بدون الإقباض تم القبض.

و قد يقال انه بتمام البيع و ان يصير المبيع ملكا للمشتري و الثمن ملكا للبائع الا أن في البين شرط ضمني و هو أن على كل منهما الإقباض فيما لو حصل منه لكان مقارنا لإقباض الآخر و لو أحرز أنه على تقدير إقباضه لا يحصل الإقباض من الآخر معه لا يجب عليه الإقباض و لا يكون هذا ظلما بل الظالم هو الآخر

حيث يمسك بمال الآخر مع إحرازه انه على تقدير إقباضه يتسلم ماله من الآخر.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 580

..........

______________________________

و يترتب على ذلك أنه لو كان منهما ممتنعا عن الإقباض فلا موجب لاجبارهما على التقابض لو كان كل منهما باذلا و تشاحا في الإقباض أولا فقد يقال بإقباض البائع و إجباره به أولا و قد ذكرنا ضعفه بل الوجه التقابض معا و إجبارهما عليه لما تقدم من أن على كل منهما الإقباض مع كون الآخر باذلا عنده فما هو القيد في وجوب عمل كل منهما على ما التزم به حاصل كما لا يخفى هذا كله فيما كان عدم اقباض الآخر عن غير عذر.

و اما مع العذر كما إذا كان الثمن كليا و كان معسرا فقد تقدم ان للآخر الفسخ و الرجوع الى عين ماله و يدل على ذلك مضافا الى كونه مقتضى الشرط الارتكازي ما ورد في المفلس من ان صاحب المتاع إذا وجد عين ماله فلا يحاصوه الغرماء.

و قد ذكرنا ان ذلك الفسخ لا يختص بما إذا كان البيع حالا بل يجري في النسيئة أيضا فيما إذا حلّ الأجل و امتنع المشترى عن الوفاء بالدين بالعذر و بغيره كما يقتضيه أيضا إطلاق ما ورد في المفلس فراجع.

نعم لا يجوز في مورد كون الثمن نسيئة الإمساك بالمبيع حتى يتسلم الثمن فإن التأجيل في الثمن إسقاط لحق المطالبة الى ذلك الأجل و التزام بقبض المبيع من غير تسلم الثمن مع و لو لم يتفق تسليم المبيع حتى حل الأجل لم يكن له الحبس بل يكون للمشتري حبس الثمن و ترك الأداء حتى يتسلم المبيع لان الساقط في بيع النسيئة الاشتراط على المشترى لا

الاشتراط على البائع كما لا يخفى.

ثم انه قد ذكر المصنف (ره) ان عدم جواز حبس البائع المبيع على المشترى بعد حلول الأجل لالتزامه على نفسه بتسليمه من دون تعليق يؤيد ان حق الحبس لمجرد ثبوت حق للحابس على صاحبه بان يمتنع عن اقباض ما عنده حتى يتسلم ما عند صاحبه و لو كان صاحبه باذلا كما نقل العلامة عن قوم توهم ذلك بل ثبوت حق

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 581

لم يحصل القبض (1).

______________________________

الحبس للحابس بإزاء حبس صاحبه و امتناعه و حيث لم يكن من ناحية من عليه الثمن المؤجل حبس فلا يثبت للبائع حق الحبس في الفرض.

أقول لا تأييد لذلك فيما ذكر، و ذلك فإنه لو ثبت حق الحبس للحابس مطلقا و كان له الامتناع عن التسليم حتى يتسلم العوض لما كان للبائع في الفرض حق الحبس أيضا لإسقاطه ذلك الحق ببيع المال نسيئة كما لا يخفى.

و لا يبعد دعوى أن حبس المال المنتقل الى الغير على مالكه بإزاء حبس ذلك المالك لا يختص بالبيع و لا سائر المعاوضات المالية بل هو مما يترتب على وضع اليد و استيلاء الغير على ملك الشخص من غير حق أو الامتناع عن أداء ما عليه مع التمكن عليه و هذا مما جرت السيرة العقلائية عليه و لم يردع عنه الشرع.

و على ذلك فلو امتنع من عليه الثمن المؤجل بعد حلول الأجل عن أداء الدين فللبائع أخذ العين أو غيرها من يده أو عدم تسليمها اليه حتى يبذل ذلك الثمن المؤجل و هذا من التقاص في الإمساك و لا يجري في موارد البذل و التشاح في البدء بل يختص بموارد الامتناع و حبس المال

على مالكه و لو فرض امتناع كل منهما عن التسليم بحيث لو فرض بذل صاحبه لحبس ماله عليه أيضا أجبرا على التباذل و الخروج عن الامتناع لانه ليس امتناع أحدهما تقاصا كما يخفى.

(1) يعنى لا يسقط حق صاحبه بالإمساك بذلك المال حتى يتسلم العوض نعم قد حصل بذلك القبض الموجب لخروج المال عن عهدة صاحبه.

و اما سائر الأحكام فقد ذكر في التذكرة انه لا يجوز بيع ذلك المال إذا كان من المكيل و الموزون و لعل وجهه انصراف ما دل على كون البيع بعد قبضهما الى القبض الصحيح أى بعد القبض الذي لا يكون لبائعه حق الإمساك بالمقبوض.

أقول لا يخفى ان فساد القبض بمعنى عدم كون الاستيلاء بإذن البائع و رضاه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 582

و لا يحجر عليه فيما عنده (1)

[مسألة يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا]

يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله مطلقا (2).

______________________________

باعتبار أن للبائع حق الإمساك بالعين فيكون أخذه و الإمساك بها بلا رضاه و اذنه منافيا لذلك الحق فيكون تعديا و ظلما على البائع.

و بتعبير آخر يكون الأخذ كذلك محرما و لا يسقط حق البائع به.

و اما سائر التصرفات في العين المقبوضة فلا موجب لحرمتها كالانتفاع بتلك العين بل التصرفات الناقلة أيضا كذلك غاية الأمر لا ينتفي بتلك التصرفات حق الإمساك لبائعها على ما ذكرنا في بيع العين المرهونة.

ثم انه لا يبعد ان يكون ظاهر النهى عن بيع المكيل و الموزون قبل قبضه هو صورة بقاء المبيع على عهدة بائعه الأول و المفروض خروجه عن العهدة بالقبض المزبور و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) يعنى لا يحجر على الآخر في العوض الذي سلمه صاحبه اليه و لا في مال آخر مثلا

لو كان ما عليه من مال صاحبه كليا على الذمة فلا يحجر عليه في ماله الخارجي المساوي لما على عهدته.

(2) يجب على البائع تفريغ المبيع من أمواله بلا استثناء و من أموال غيره أيضا في الجملة أي في الموارد التي يكون مأذونا في التصرف فيها بتحريكها و نقلها و الا فيجب التفريغ على مالك تلك الأموال و هذا الوجوب لكون إبقائها في المبيع تصرف فيما صار ملكا للمشتري فيحتاج الى اذنه أو رضاه.

و الحاصل ان وجوب التفريغ ليس لعدم حصول اقباض المبيع بدونه بل وجوب التفريغ حكم آخر غير وجوب الإقباض و قد مرّ عن التذكرة اقباض الدار و السفينة المشترى مع كونهما مشغولتين بأموال البائع و الوجه المزبور لوجوب التفريغ هو الوجه الموجب لوجوب اقباض المبيع و تسليمه يعنى الشرط الارتكازي حيث ان التسليم بدون

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 583

..........

______________________________

التفريغ كالعدم بالإضافة إلى غرض المتعاقدين من التسليم و التسلم و ان يترتب على التسليم بلا تفريغ بعض الحكم كخروج البائع عن ضمان المبيع.

أقول قد تقدم ان التسليم وجوبه لكون إمساك البائع بالمبيع بلا رضا المشترى تصرف في ملك الغير بلا رضا صاحبه و يجرى هذا الوجه بالإضافة إلى إبقاء البائع أمتعته في المبيع و عدم تفريغها منه سواء كان تسليم المبيع غير مفرغ مخالفا لغرض المشترى من قبض المبيع أم لا و هنا فروع أشار إليها المصنف ره منها أنه لو كان في الدار المبيعة متاع للبائع وجب عليه تفريغ الدار و نقله منها فورا مع تمكنه فان تعذر ففي أول زمان التمكن و لو تأخر أول أزمنة الإمكان و كان المشترى حين الشراء جاهلا بالحال كان له الخيار

في فسخ البيع في فرض تضرره بتأخير التفريغ لفوت بعض منافع الدار عليه.

و هل يثبت للمشتري أجرة بقاء متاع البائع في المبيع الى زمان التفريغ وجه هذا ما ذكره في هذا الفرع و الظاهر أنه أخذ بقاعدة نفى الضرر في نفى لزوم المعاملة بالإضافة إلى المشترى مع جهله بالحال و لكن فيما كان عالما بالحال فلا يكون له خيار لإقدامه بالمعاملة مع العلم بكون لزومها ضرريا.

أقول قد ذكرنا مرارا ان قاعدة نفى الضرر لا تنفى لزوم المعاملة و إثبات الخيار بل لوجت كان مقتضاها بطلان المعاملة حيث ان صحتها ضررية.

و الأصح ان ثبوت الخيار في الفرض باعتبار تخلف الشرط الارتكازي و هو تسليم المبيع مفرغا و هذا الشرط الارتكازي لا يثبت مع علم المشترى بالحال من الأول نظير ما ذكرنا من عدم ثبوت خيار الغبن للمشتري مع علمه حال البيع باختلاف الثمن المسمى مع القيمة السوقية بالفاحش هذا كلّه ما إذا لم يمكن التفريغ.

و اما إذا أمكن عادة فقصر في إفراغه فلا ينبغي الشك في استحقاق المشتري

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 584

..........

______________________________

مطالبة البائع بالأجرة على إبقاء متاعه في الدار أو غيرها لو كان للإبقاء أجرة عادة كما جزموا باستحقاقه الأجرة مع امتناع البائع عن أصل تسليم الدار فإن للمشتري المطالبة بالأجرة لمنفعتها الفائتة عليه و لا يبعد استحقاق الأجرة في فرض العجز عن التفريغ ايضا فيما كان العجز الحاصل عند البيع من جهة قد ارتفعت و حصل قبل ارتفاعها العجز من جهة أخرى لم تكن حال البيع فإنه لا يفرق في استحقاق الأجرة لاستيفاء منفعة العين المملوكة للغير بين كونه لعذر أم لا.

نعم لا يستحق الأجرة بالإضافة الى ما كان

حال البيع فإن إبقاء المتاع زمان ذلك العجز استيفاء لمنفعة العين قبل بيعها و كونه بلا أجرة شرط ارتكازي غاية الأمر بما ان التسليم مفرغا ايضا شرط ارتكازي يثبت مع جهل المشترى بعدم إمكانه الخيار لتخلف هذا الشرط كما تقدم.

منها لو كان في الأرض المبيعة زرع لبائعه فإن كان قد أحصد وجب على البائع إزالته و تسليم الأرض إلى المشتري مفرغا لان إبقائه تصرف في ملك الغير بلا رضاه و تسليمها مفرغا شرط ارتكازي كما مر نعم لو كان في البين قرينة على عدم التزام البائع بتسليم المبيع مفرغا إلى مدة معروفة كما إذا باع الأرض المزروعة قبل أو ان حصاده فلا يجوز للمشتري في الفرض قلع الأرض بدعوى ان الأرض مملوكة له بالشراء و له تخليص ملكه من مال الغير و لو بقلع الزرع بالأرش بل لا يجوز له مطالبة الأجرة على بقاء الزرع الى حصاده فإن الإبقاء في الفرض بمنزلة بيع الأرض المستأجرة قبل بيعها.

و الحاصل ان إبقاء الزرع الى أو ان حصاده مجانا بنظر العرف استيفاء لمنفعة الأرض قبل بيعها كما هو الحال في وضع متاع في الدار لا يتمكن على تفريغها منه قبل مدة معروفة بل غير معروفة فيكون نظير بيع العين المستأجرة بعد إجارتها فلا يثبت للمشتري غير خيار الفسخ مع جهله بالحال عند البيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 585

..........

______________________________

لا يقال التنظير غير صحيح فان منافع المبيع مع استيجاره قبل البيع غير مملوكة للبائع فينتقل المبيع الى ملك المشترى أو الدار مسلوبة المنفعة و لذا يثبت للمشتري مع جهله بالحال خيار الفسخ خاصة بخلاف المقام فان المفروض فيه أن منافع الأرض مملوكة لبائعها و بالبيع تدخل

في ملك المشترى و مقتضى دخولها في ملكه جواز مطالبته بالأجرة أو بالقلع.

فإنه يقال كما أن الإجارة قبل البيع استيفاء لمنافعها قبل البيع كذلك زرعها و هذا لا يوجب الا ثبوت خيار الفسخ نعم لو كان الأرض تصلح لزرع جديد فعلا يجب على بائعها إزالة ذلك الزرع أو إرضاء مشتريها بالإبقاء بالأجرة أو مجانا.

و مما ذكرنا أنه لا وجه لما ذكره المصنف ره من ثبوت الأجرة على البائع في الفرض و انه يتخير بين الإبقاء بالأجرة أو قلعها تقديما لضرر القلع على ضرر اشتغال ذمته بأجرة منفعة الأرض.

و منها أنه لو احتاج تفريغ الأرض إلى هدم شي ء هدمه البائع بإذن المشترى و على البائع طم ما يطم و يكون الطم ايضا كالحفر بإذن المشتري كما أن على البائع إصلاح ما هدمه أو يعطى أرش المهدوم على اختلاف الموارد فيكون المتعين في بعض الموارد الإصلاح كما في قلع باب أو ساجة منه فإن إصلاحه إعادته إلى موضع قلعه و يكون في بعضها الأخرى الأرش كما هو في هدم الحائط فإن المهدوم من الحائط قيمي فعليه الأرش أي قيمة المهدوم لا التفاوت بين ما يكون الحائط بعضها مهدوما و بين ما لم يكن مهدوما.

و على الجملة قد يكون المهدوم بنظر العرف مثليا و قد يكون قيميا و لو قيل بان المهدوم مطلقا قيمي كان له وجه.

و يظهر منهم في مسألة هدم أحد الشريكين الجدار المشترك بغير اذن صاحبه أقوال

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 586

[مسألة لو امتنع البائع عن التسليم فان كان لحق]

مسألة لو امتنع البائع عن التسليم فان كان لحق (1).

______________________________

ثلاثة الإعادة مطلقا كما في الشرائع و المحكي عن المبسوط فيكون مثليا و الأرش مطلقا كما عن العلامة و

التفصيل بين ما كان من نوع واحد و كيفية واحدة كما في حائط البساتين و المزارع و ما كان مختلفا كما في حائط الدور و المخازن فيكون قيميا كما حكى ذلك عن الدروس و الظاهر جريان الاختلاف بحسب الموارد في كسر الباب و الشبابيك و فتق الثوب ايضا من قبيل ما ذكر.

أقول لو توقف تفريغ أمتعة البائع على هدم حائط الدار المبيعة أو كسر بابه أو قلعه فظاهر المصنف ان الهدم و الكسر كطم الحفر و الإصلاح لا يجوز إلّا بإذن المالك و رضاه و مقتضاه انه إذا لم يرض المشترى بذلك يتعين الرجوع الى الحاكم لأنه ولي الممتنع و لكن الأظهر عدم توقف ذلك الى اذن المشترى و رضاه فان التفريغ المزبور شرط ارتكازي في بيع الدار و نحوه نظير اشتراط عدم غبن البائع في بيع ماله غاية الأمر لو لم يكن المشترى عالما بكون الدار مشغولة بمتاع يتوقف إخراجه على كسر بابه و نحوه يكون ذلك في بعض الموارد نقصا في المبيع يوجب الخيار للمشتري.

و ايضا قد تقدم سابقا انه لا دليل على ولاية الحاكم في مثل هذه الموارد.

(1) لو امتنع البائع عن تسليم المبيع و كان امتناعه لحق كما لو امتنع المشترى عن تسليم الثمن فلا يكون البائع بامتناعه المفروض عاصيا لما تقدم من ثبوت الحق له في ذلك و هل عليه أجرة مدة الامتناع فلا ينبغي الإشكال في ضمانه لو استوفى منفعة العين في تلك المدّة و كون استيفائها بلا رضا المشترى محرم تكليفا لان الثابت له الإمساك بالعين لا استيفاء منافعها ايضا و يكون ضمان استيفائها من مقتضى قاعدة احترام مال المسلم.

و انما الكلام في ضمان الأجرة على المنفعة الفائتة

على المشترى في مدة إمساكه و لكن الأظهر عدم الضمان فإن الإمساك بالعين مجانا حتى يبذل المشترى الثمن من

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 587

..........

______________________________

الشرط الارتكازي أو من جهة جواز التقاص عن إمساك المشتري بالثمن أو عدم وفائه به كما لا يخفى.

و قد يقال ان على المشترى نفقة المبيع في تلك المدة لأن نفقة العين تابعة لملكيتها فمن كان مالكا لها فعليه نفقتها الا ان يشترط نفقتها على غيره بموجب شرعي من شرط و نحوه و يمكن استفاده كون النفقة على المشترى ما ورد من التعليل في صحيحة أبي ولاد الواردة في إجارة البغل و في جامع المقاصد شبّه المقام بنفقة الزوجة التي تمنع زوجها من نفسها قبل قبض مهرها فان المشهور ان لها الحق من الامتناع حتى تقبض مهرها و ذكروا ان ذلك مقتضى معاوضة البضع و المهر و لما يستفاد من بعض الروايات ان لها هذا الحق كموثقة سماعة قال سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته من صداقها في حل أ يجوز ان يدخل بها قبل ان يعطيها شيئا قال نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه.

فان ظاهرها عدم جواز الدخول بها قبل ان يقبضها مهرها و بما ان المطالبة بالقبض من حقوق المرأة قطعا فيختص عدم الجواز بصورة مطالبته و لكن مع ذلك لا يخلو دلالتها على الحكم من تأمل.

ثم هل تستحق المرأة النفقة زمان امتناعها لعدم قبض مهرها ذكروا فيه وجهين أوجههما ان عليه نفقتها فيما كان الزوج متمكنا على أداء مهرها فإنه في هذا الفرض يصدق كونها في اختيار زوجها و كونها عنده هو الموضوع لوجوب الإنفاق في صحيحة محمد بن

قيس الواردة في النفقات الواجبة و اما كون المشترى متمكنا على أداء الثمن أو عدمه فلا أثر له في المقام لما ذكرنا من ان نفقة المال تتبع ملكه فاحتمال جامع المقاصد التفصيل بين المشتري الموسر و المعسر بالإضافة إلى أداء الثمن بلا وجه فقد ظهر إمكان التفرقة في النفقة بين المقامين و لو طلب الانتفاع بالمبيع و هو في يده ففي وجوب

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 588

[الكلام في أحكام القبض]
[مسألة من أحكام القبض انتقال الضمان]

من أحكام القبض انتقال الضمان (1).

______________________________

اجابته وجهان و لكن الشرط الارتكازي المشار اليه يدفع هذا الوجوب كما لا يخفى.

(1) من الأحكام المترتبة على القبض بمعنى الإقباض انتقال ضمان المال الى المنتقل اليه و لو تلف المال قبل إقباضه يكون ضمانه على ناقله و المراد بالضمان الضمان المعاوضي أى انحلال البيع عند تلفه بحيث يقع التلف في ملك ناقله و مقتضى الانحلال رجوع العوض الى من دفعه بإزاء التالف و يستدل على ذلك مع الغمض عن الإجماع عليه بالنبوي المشهور في كلمات الأصحاب كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه و ظاهره كما هو ظاهر كل خطاب الموضوع و الحكم في فعلية الحكم بعد فعلية الموضوع بقيوده أنه بعد تلف المبيع يصير مالا لبائعه و لكن الحكم أي إطلاق المال قرينة على كون المراد أن المبيع عند تلفه أى قبله ملك لبائعه حيث ان التالف بعد تلفه لا يكون مالا و ان فرض كونه ملكا و بذلك الاعتبار يقع مورد المصالحة فيما إذا أتلفه الغير لا أن بدله أى قيمته فيما كان قيميا يقع مورد المصالحة كما صرح بذلك في باب صلح الشرائع و التحرير و الحال ان مقتضى الظهور بقرينة ما

ذكر انحلال المعاملة و رجوع المبيع إلى بائعه انا ما ليكون التالف مالا لبائعه.

و من هنا ذكر في التذكرة و تبعه من تأخر عنه من انه يتجدد انتقال المبيع إلى بائعه قبل التلف بجزء من الزمان و لو كان ذلك الزمان لا يتجزى و يسمى ذلك ضمان المعاوضة.

و اما ما في المسالك من أن ظاهر النبوي ان التلف يقع على البائع بمعنى انه يكون خسارته عليه كما في موارد ضمان اليد كتلف المغضوب و المال المأخوذ للشراء المعبر عنه بالمستام لا يمكن المساعدة عليه حيث ان ظاهر النبوي ان التالف مال لبائعه لا أنه مال لمشتريه و لكن يكون دركه و ضمانه على بايعه.

و الحاصل ان الضمان بمعنى انحلال البيع بتلف المبيع قبل قبضه حكم شرعي

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 589

..........

______________________________

تأسيسى أو إمضائي و ليس بمعنى ثبوت البدل على العهدة ليسقط بإسقاطه بالاشتراط في العقد أو بعده و أوضح من النبوي في كون المراد انحلال المعاملة ما في ذيل معتبرة عقبة بن خالد من انه إذا أقبض المتاع يكون المبتاع ضامنا لحق البائع ليرده عليه فلا وجه لاحتمال كون المراد من الضمان في المقام ضمان اليد و لا يقاس بذلك الضمان في ثبوته و سقوطه بالاشتراط في العقد أو إسقاطه بعده كما لا يخفى.

ثم ان ظاهر المصنف ان استفادة الضمان المعاوضي مبنى على كون من في النبوي بمعنى التبعيض مع أنه غير مبنى عليه بل لو فرض كونها زائدة فالمعنى كما ذكر بل كان أوضح فتدبر.

ثم ان مقتضى قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ إمضائه قبل تلف المبيع بيد بايعه و بعده و يدفع اليد عن إطلاقه بالإضافة الى ما بعد

التلف بالنبوي و معتبرة عقبة بن خالد و يبقى إمضائه بالإضافة الى قبل تلفه بحاله فيكون الحاصل أن المبيع بعد البيع الى زمان تلفه ملك المشترى فيكون نمائه له و لا حاجة في إثبات ذلك الى استصحاب بقاء البيع الى ذلك الزمان ليقال انه لا اعتبار بالاستصحاب في الشبهات الحكمية و يلحق بنماء المبيع في ذلك الزمان الركاز أى الكنز الذي يجده العبد بعد بيعه و هو بيد بايعه فإنه إذا تلف العبد قبل تسليمه الى المشتري لا يخرج الكنز عن ملك المشترى و من ذلك المال الذي يوهب للعبد المزبور و قد قبله و أخذ المال قبل موته فيكون المال الموهوب لمشتريه و كذا في المال الموصى به للعبد و قبوله الوصية قبل موته و قد صرح العلامة بأن مؤنة تجهيز العبد لبائعه و هو مبنى على رجوعه إلى بائعه قبل تلفه بآن ملكا حقيقيا لا مجرد الملك التقديري المصحح لانحلال المعاملة فقط من غير ان يترتب عليه سائر آثار ملك البائع.

ثم ان المراد بالتلف ليس هو التلف الحقيقي فقط بل يعم تعذر الوصول الى المبيع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 590

و في التذكرة أيضا لو هرب المشترى (1).

و اما الإتلاف فاما ان يكون من المشترى (2).

______________________________

عادة مثل سرقته بحيث لا يرجى عوده.

و ما ورد في رواية عقبة من فرض سرقة المال محمول على مثل هذه السرقة و وقوع الدرة في البحر قبل إقباضها من قبيل التلف و كذا الطير و الصيد المتوحش فان خروجهما عن اليد يحسب تلفا و اما لو غرق الأرض المبيعة بارتفاع ماء البحر أو وقع عليها صخور من جبل أو كسى الأرض رمل فهي من

قبيل التلف أو التعصيب الموجب للخيار للشافعية وجهان و الأقوى عند العلامة في التذكرة أنه من حدوث العيب.

(1) قال في التذكرة بما حاصله أنه لو امتنع المشترى من دفع الثمن إلى البائع كما هو هرب المشترى قبل دفع الثمن حيث يحصل دفعه بوزنه و كان المشترى معسرا و المبيع بيد بايعه احتمل ان يثبت البائع خيار الفسخ في الحال لتعذر أخذ الثمن المشروط على المشترى و يحتمل ان يثبت في حقه خيار التأخير المشروط بمضي ثلاثة أيام و لكن الأظهر هو الأول فإن الروايات الواردة في خيار التأخير ظاهرها كون المشترى باذلا و إذا كان المشترى الممتنع موسرا رفع البائع أمره الى الحاكم فإن أثبت امتناعه عند الحاكم يدفع الحاكم من مال المشترى الثمن و ان لم يظفر بغير المبيع من مال المشترى باعه و يرد فاضل الثمن على المشترى.

و لكن لا يخفى انه لو تم الموضوع لخيار التأخير فعليه الصبر إلى ثلاثة أيام و في غيره يثبت له خيار الفسخ في الحال بلا فرق بين الموسر و غيره و لا حاجة في الفسخ إلى المراجعة إلى الحاكم الشرعي فإن التقابض شرط ارتكازي في البيوع على ما تقدم التفصيل.

(2) لا ينحل البيع بإتلاف المشتري المبيع و لا يرجع الثمن الى ملكه فإن السيرة العقلائية المشار إليها لا يجري في الفرض و لا يبعد انصراف معتبرة عقبة بن خالد عن هذا

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 591

[مسألة تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين.]

تلف الثمن المعين قبل القبض كتلف المبيع المعين (1)

______________________________

الفرض نعم إذا كان المشترى جاهلا بالحال كما إذا قدمه البائع عليه بان له إتلافه مجانا فأكله المشترى فهذا يرجع الى إتلاف البائع تسبيبا و يعم ذلك

حتى فيما إذا كان البائع أيضا مشتبها و يلحق بإتلاف المشتري مثل ما إذا صال العبد المشترى على مشتريه فقتله المشترى دفاعا عن نفسه فلا يكون في هذا انحلال البيع حتى مع جهل المشترى بالحال و لا يجرى فيه التسبيب و قاعدة الغرور و ما عن التذكرة من عدم استقرار الثمن فيه على الأصحّ ضعيف جدّا و على الجملة فإتلاف المبيع المستند إلى المشتري استيفاء لذلك المبيع.

و اما إذا كان الإتلاف من الأجنبي فقد ذكرنا سابقا أنه يلحق بالتلف كما هو مقتضى رواية عقبة بن خالد و لكن هذا فيما إذا لم يكن عادة الرجوع الى ذلك المتلف بالكسر فان هذا الفرض خارج عن الرواية و يكون كإتلاف البائع في أنه يتخير المشترى بالرجوع اليه بالبدل أو فسخ البيع فان تسليم المبيع اليه شرط ارتكازي له على البائع فمع تخلفه يكون له الفسخ على ما تقدم.

و هل يكون للبائع حبس البدل حتى يتسلم الثمن من المشترى فقد يقال ان حبس المبيع كان للشرط الارتكازي و لا يجري بالإضافة إلى بدله و لكن قد أشرنا الى ان حبس المبيع لكونه حبسه نوع تقاص عن إمساك المشترى و امتناعه عن أداء الثمن و لا يختص هذا النوع من التقاص بخصوص المبيع كما لا يخفى.

(1) قد أشرنا الى ان تلف الثمن المعين قبل قبضه يشترك مع تلف المبيع قبل قبضه في أنه يوجب انحلال البيع حيث لا فرق في السيرة العقلائية بين تلفهما في ذلك و يترتب على ذلك انه لو باع المشترى ما اشتراه قبل اقباض الثمن ثم تلف الثمن يرجع البائع إلى المشتري ببدل المبيع مثلا أو قيمة لأن بيع المشترى لوقوعه في زمان ملكه محكوم

بالصحة و اللزوم و يعتبر بيعه النافذ بعد تلف الثمن من إتلاف مال البائع على

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 592

..........

______________________________

ما تقدم في فسخ ذي الخيار بعد نقل أحد العوضين كما يظهر ذلك من المبسوط و غيره في مسألة من باع شيئا معينا بثمن معين ثم بيع أحدهما قبل تلف الآخر قبل إقباضه و انما الكلام في استفادة ذلك من الروايات فقيل ان المبيع في النبوي يعم الثمن بمعنى ان قوله كل مبيع تلف قبل قبضه بمعنى كل ما تعلق به البيع مثمنا كان أو ثمنا و فيه ان ظاهر المبيع ما تعلق به التمليك بعوض و لا يعم ما تعلق به التملك بعوض.

و ذكر المصنف ره أنه يمكن استفادة ذلك من معتبرة عقبة بن خالد حيث ذكر سلام اللّٰه عليه فيها فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه فإنه بناء على رجوع الضمير في لحقه إلى البائع يكون المراد من حقه هو الثمن فالمعنى إذا أقبض البائع المبيع يكون المشترى ضامنا لحق البائع أي الثمن حتى يخرج الثمن إلى البائع كما ان المراد من ضمان المشترى ضمانه المعاوضي بمعنى أنه لو تلف الثمن يرجع البائع بالمبيع كما كان الحال في ضمان البائع بالإضافة إلى المبيع.

لا يقال ضمان المشترى حق البائع أي الثمن بضمان معاوضي قبل القبض لا يختص بصورة إخراج البائع المبيع من بيته بل لو كان المبيع عند بايعه ايضا يكون المشترى ضامنا بالثمن بضمان معاوضي هذا أولا.

و ثانيا لا دليل على كون ضمان المشترى الثمن حتى يرده على البائع ضمان معاوضي بل يحتمل كونه ضمان اليد نظير ما ورد في حديث على اليد من

ان عليه ما أخذه حتى يرده فيكون المراد من الرواية أنه معه اقباض المبيع يكون المشترى ضامنا بالثمن بحيث لو تلف لكان عليه مثله أو قيمته.

و ثالثا يحتمل كون المراد بالضمير في لحقه هو المشترى و حقه عبارة عن المبيع فالمراد ان المبيع بعد إخراج البائع إيّاه عن بيته يدخل في ضمان المشترى الى ان يصل بيده فيكون يرد في قوله حتى يرد ماله عليه بالتخفيف من الورود بمعنى الوصول.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 593

ثم انه هل يلحق العوضان في غير البيع (1).

______________________________

فإنه يقال لا ينبغي الريب في ظهور الرواية في رجوع الضمائر الثلاثة إلى مرجع ضمير الفاعل في قوله إذا أخرجه من بيته فيكون حاصل الشرطية في الجواب ان البائع إذا أخرج المتاع من بيته و وقع السرقة بعده فعلى المشترى ان يرد الثمن على البائع و نفى الضمان عنه قبل ذلك لانحلال البيع بالسرقة قبل قبض المتاع فلا نظر في الرواية إلى صورة بقاء المبيع و تلف الثمن بيد المشترى و لا يمكن استفادة انحلال البيع بتلف الثمن قبل قبضه من الرواية فتدبر جيدا.

(1) هل يجرى التلف قبل القبض في غير البيع من سائر المعوضات بان ينحل الإجارة مثلا بتلف الأجرة المعينة قبل قبض المستأجر أو المؤجر أو تلف المصالح عنه أو به قبل القبض الى غير ذلك فقد ذكر المصنف ره ان عموم هذا الحكم مسكوت عنه في كلماتهم نعم ذكروا الضمان قبل القبض لو تلف المهر قبل قبض المرأة و عوض طلاق الخلع قبل أخذ الزوج و كذا في الإجارة و ظاهرهم بطلان المهر و البذل و الإجارة.

و لكن يظهر من بعض مواضع التذكرة ان الجريان و

العموم متسالم عليه بين العامة و الخاصة حيث انه قال في مسألة جواز بيع ما يملكه الشخص بغير البيع قبل قبضه، و ما يكون ملكا له و لكن كان بيد الآخر بيد ضمان بالقيمة أي بضمان اليد كالعارية المشروط فيها ضمان المستعير أو المضمونة لتفريط المستعير أو غيره، أنه يجوز البيع لتمام ملك البائع و هكذا بالإضافة إلى المضمون بالعوض كمال الصلح و الأجرة المعينة لما ذكر من تمام ملك البائع و ان لم يقبض المال و قال الشافعي لا يصح البيع في المضمون بالعوض لاحتمال انفساخ ذلك الضمان بالعوض أى تلك المعاملة بتلف المال قبل قبضه انتهى.

و ظاهر تعليل عدم الجواز باحتمال حدوث الانفساخ في المعاوضة بتلف المال قبل قبضه يعطي أن الانحلال بالتلف قبل القبض متسالم عليه في المعاوضات.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 594

[مسألة لو تلف بعض المبيع قبل قبضه]

لو تلف بعض المبيع قبل قبضه (1).

______________________________

أقول لا دلالة في التعليل المزبور على ان انحلال المعاوضة بتلف المال قبل القبض متسالم عليه عندنا ايضا بل و عند غير الشافعي أيضا فإنه كما يحتمل ان يكون الوجه لجواز البيع عند العلامة الملك مع الالتزام بانحلال المعاوضة كذلك يحتمل ان يكون تمام الملك بمعنى حصوله مع عدم انحلال المعاوضة نعم لا يبعد عموم القاعدة في التلف قبل القبض لما أشرنا إليه من جريان السيرة عليها.

(1) لو تلف بعض المبيع قبل قبضه فان كان البعض مما يقسط عليه الثمن كالمن من الحنطة فيما إذا تلف بعضه فلا ينبغي الريب في بطلان البيع بالإضافة الى ذلك التالف باعتبار كونه مبيعا قد تلف قبل قبضه و يصح بالإضافة إلى بعضه الباقي فإنه مبيع لم يتلف قبل قبضه غاية الأمر يثبت

لكل من البائع و المشترى خيار الفسخ بالإضافة إلى بيع الباقي لتبعض الصفقة.

لا يقال نعم بيع الكلّ ينحل الى بيع أجزائه الخارجية بعضا كما في بيع مثل المن من الحنطة و لكن بيع الجزء الخارجي يكون من البيع الضمني لا الاستقلالي نظير وجوب كل جزء من اجزاء الكل فإنه كما يكون ضمنيا كذلك بيعه في ضمن الكل و الحكم المجعول في الخطاب على بيع شي ء ظاهره ترتبه عليه فيما إذا كان استقلاليا و لذا لا يطلق على بيع الكل البيوع المتعددة.

فإنه يقال انحلال البيع في موارد تقسيط الثمن من قبيل انحلال الحكم في خطاب العام الاستغراقي لا من قبيل الوجوب الضمني في العام المجموعي أو الواجب الارتباطي.

و الحاصل يكون الشي ء في موارد تقسيط الثمن عليه مبيعا حصل بيعه و بيع الآخر بإنشاء واحد و مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع ان الانحلال حكم لتلف المبيع سواء كان بيعه بإنشاء مستقل أم لا نظير ما ذكر في خيار الحيوان من أنه لو باع الحيوان مع

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 595

..........

______________________________

غيره بصفقة يثبت الخيار في شراء الحيوان إلى ثلاثة أيام بخلاف ما إذا بيع حيوان مع حيوان آخر بصفقة واحدة فإنه يثبت في ذلك البيع خيار واحد حيث ان ظاهر خطاب خيار الحيوان ثبوت خيار واحد في إنشاء واحد بالإضافة إلى بيع الحيوان سواء كان الحيوان متعددا أم واحدا.

و ان لم يكن التالف مما يقسط عليه الثمن و لو فرض تقسيطه على جزئه المشاع كما في ثمن العبد فإنه لا يقسط على أعضائه يكون تلف يد العبد مثلا قبل قبضه نظير ما كان للعبد يد واحدة قبل بيعه و يعدّ ذلك عيبا.

و يبقى

الكلام في حكم العيب الحادث في المبيع بعد بيعه و قبل قبضه و يجرى هذا الكلام في العيب الحادث في الأيام التي يكون المبيع فيها في ضمان البائع كأيام الخيار المختص للمشتري فهل يكون التلف المزبور موجبا لثبوت خيار للفسخ للمشتري أو يكون الثابت الأرش فقط أو يثبت للمشتري التخيير بين الرد و الأرش نظير العيب قبل البيع فاختار الأخير المصنف ره في آخر كلامه و وجهه كون المبيع في ضمان البائع قبل قبضه سواء تلف كله أو بعضه أو وصفه.

لا يقال ما ورد في ضمان البائع بالتلف قبل القبض ظاهره تلف العين و معنى ضمانه رجوع العين الى ملكه قبل تلفه بزمان فينحل البيع و يرجع تمام الثمن في فرض تلف المبيع كله أو بعضه في فرض تلف بعضه الى ملك المشترى و هذا بخلاف تلف الوصف فان الوصف لا يقابل بشي ء من الثمن ليفرض عند تلفه انحلال البيع بالإضافة إلى الوصف نعم يقع بإزائه ما يعم غير الثمن حيث ان الأرش لا يتعين ان يكون من الثمن.

فإنه يقال لو صح هذا الاعتراض فلازمه عدم جواز مطالبة المشتري بجزء من الثمن و اما جواز المطالبة بما يعم مساوية فهو داخل في الضمان بمعنى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 596

..........

______________________________

انحلال البيع و لكن الصحيح ان الأوصاف التي لا تكون مقومة للمبيع لا تقابل في المعاملة بشي ء لا من الثمن و لا من غيره بل لها دخل في زيادة قيمة المبيع و لذا يجوز للمشتري إمضاء البيع على المعيب بلا أرش و لكن عدم انحلال البيع بتلف الوصف و عدم مقابلته بشي ء لا يلازم عدم ضمان البائع الوصف لان ضمان البائع معناه

تنزيل هذا التلف منزلة التلف قبل البيع و ان الأثر المترتب على التلف قبل البيع يترتب على تلفه بعد البيع و قبل قبضه و حيث ان التلف قبل البيع بالإضافة إلى عين المبيع موجبا لعدم انعقاده فيكون التلف المزبور بعده موجبا لانحلاله على ما مر و التلف قبل البيع في الوصف كان موجبا لخيار الفسخ أو التخير بينه و بين الأرش فيكون تلفه بعد البيع و قبل القبض ايضا كذلك و يؤيد ان الضمان يعم ضمان العين و الوصف بضمان معاملي ما ورد في بعض اخبار التلف في زمان الخيار كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن الرجل يشتري الدابة أو العبد فيموت أو يحدث فيه حدث على من ضمان ذلك قال على البائع حتى يمضى الشرط و المراد بالحدث النقض الموجب لجواز الفسخ فقط أو أخذ الأرش أيضا.

لا يقال ليس في البين ما يدل على كون المبيع قبل قبضه في ضمان البائع ليقال بان المراد بالضمان ما يعم الأوصاف و ان ضمانه الوصف نظير ضمانه العين ضمان معاوضي بل الوارد كون تلف المبيع قبل قبضه على بايعه و هذا لا يشمل غير تلف العين و بما ان التسالم على ثبوت جواز الفسخ بتلف الوصف في يد بايعه متحقق يلتزم به و لكن لا وجه للالتزام بجواز أخذ الأرش.

و ما ذكر في ذيل معتبرة عقبة بن خالد فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد عليه ماله يحتمل ضمان المبيع و ان ضمانه بعد تخلية بايعه على المشترى و لو كان تلفه قبل وصوله الى يده و على تقدير رجوعه الى ضمان الثمن فالضمان بمعنى وجوب الرد بقرينة فرض

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 597

[مسألة الأقوى من حيث الجمع بين الروايات (1)]
اشارة

الأقوى من حيث الجمع بين الروايات (1).

______________________________

تلف المبيع و بقاء الثمن أو كونه على العهدة و لذا ذكرنا ان الضمان لفرض تلف المبيع بعد التخلية.

فإنه يقال قد جمع في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان بين موت العبد و الدابة و حدوث الحدث في ثلاثة أيام من خيار الحيوان و حكم بان الضمان فيها على البائع و إذا كان ضمان البائع بالإضافة إلى التلف من ضمان المعاوضي فيكون ضمانه الوصف ايضا كذلك و لا يحتمل الفرق في هذا الضمان بين كونه أيام خيار خيار الحيوان أو كونه قبل القبض كما لا يخفى.

(1) الأظهر بحسب الروايات عدم جواز بيع المكيل و الموزون قبل قبضه إلا تولية و في صحيحة منصور بن حازم عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه الا ان توليه فإذا لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه و في صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام انه قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل ان يكال قال لا يصلح له ذلك و في صحيحة الأخرى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن قوم اشتروا بزا فاشتركوا فيه جميعا و لم يقتسموه أ يصلح لأحد منهم بيع بزه قبل ان بقبضه قال لا بأس به و قال ان هذا ليس بمنزلة الطعام ان الطعام يكال بناء على ان المراد قبل ان يقبضه من البائع فإنه لو أريد قبض حصته من الشركاء فلا يدل على حكم المقام لان قبض أحد الشركاء المأذون من الباقين يكفي في القبض و لا يبعد كون المراد القبض من بايعه حيث انه لو كان المبيع طعاما يجوز

لمشتريه بيعه و هو في يد شريكه المأذون.

و صحيحة معاوية بن وهب المعبر عنها في عبارة المصنف قده بالرواية قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه الا ان توليه الذي قام عليه.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 598

..........

______________________________

و في معتبرة منصور بن حازم قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل اشترى بيعا ليس فيه كيل و لا وزن إله أن يبيعه مرابحة قبل ان يقبضه و يأخذ ربحه فقال لا بأس بذلك ما لم يكن كيل و لا وزن فان هو قبضه فهو أبرأ لنفسه.

و صحيحة على بن جعفر عن الرجل يشترى الطعام أ يصلح بيعه قبل ان يقبضه قال إذا ربح لم يصلح حتى يقبض و ان كان يوليه فلا بأس.

و في رواية حزام بن حكيم بن حزام المروية في المجالس قال ابتعت طعاما من طعام الصدقة فأربحت فيه قبل ان أقبضه فأردت بيعه فسألت النبي (ص) فقال لا تبعه حتى تقبضه.

و في رواية ابن الحجاج الكرخي قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام اشترى الطعام إلى أجل مسمى فيطلبه التجار بعد ما اشتريته قبل ان أقبضه قال لا بأس ان تبيع إلى أجل كما اشتريت و ليس لك ان تدفع قبل ان تقبض قلت فإذا قبضته جعلت فداك فعلى أن أدفعه بكيله قال لا بأس إذا رضوا.

و ذكر المصنف ره ان المراد بالاشتراء إلى أجل بنحو النسيئة بقرينة السؤال عن بيعه بعد شرائه قبل قبضه و مقتضى تقييد نفى البأس بقوله كما اشتريت ثبوت البأس في بيعه بغير

التولية.

أقول الرواية كما قبلها ضعيفة لعدم توثيق ابن الحجاج مع انه لم يظهر ان الشراء كان بالبيع نسيئة بل يحتمل الشراء بنحو السلف و لم يثبت عدم التعبير عن السلف و السلم بشراء الشي ء إلى أجل.

و في رواية إسماعيل بن عمر انه كان له على رجل دراهم فعرض عليه الرجل ان يبيعه بها طعاما إلى أجل.

ثم انه لا ينبغي الريب في ظهور الأخبار المتقدمة منطوقا في بعضها و مفهوما في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 599

..........

______________________________

بعضها الأخرى في عدم جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه و ان البيع إذا كان بنحو التولية فلا بأس سواء باعه من بائعه أو من غيره و لكن في مقابلها روايات يستظهر منها الجواز فيحمل النهي في الاخبار المتقدمة على الكراهة في مقام الجمع منها رواية خالد بن الحجاج الكرخي قال قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام اشترى الطعام من الرجل ثم أبيعه من رجل آخر قبل ان أكتاله فأقول أبعث وكيلك حتى يشهد كيله إذا قبضته قال لا بأس و في رواية جميل بن دراج عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام في الرجل يشترى الطعام ثم يبيعه قبل ان تقبضه قال لا بأس و يوكل الرجل المشترى منه يقبضه وكيله قال لا بأس «1» و نحوهما رواية إسحاق المدائني و لكن لا يخفى أنّها مع الغمض عن ضعف إسنادها مطلقة من حيث كون البيع قبل القبض بنحو بيع التولية أو غيره فيرفع عن إطلاق بالمنع الوارد في الروايات المعتبرة المتقدمة عن البيع بغير التولية.

و لكن ربما يحمل الأخبار المتقدمة المانعة على الكراهة بقرينة رواية أبي بصير قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن

رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل ان يكيله قال لا يعجبني ان يبيع كيلا أو وزنا قبل ان يكيله أو يزنه الا ان يوليه كما إذا اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع و ما كان من شي ء عنده ليس بكيل و لا وزن فلا بأس ان يبيعه قبل ان يقبضه فان التعبير بعدم الإعجاب ظاهر في صحة البيع المزبور و كراهته و لكن نوقش في هذا الحمل بأن الكراهة عندهم لا تختص بالبيع بغير التولية بل يجرى فيها ايضا و ان كانت الكراهة في التولية أخف.

أقول لو كانت الرواية ظاهرة في الكراهة المصطلحة فلا توجب رفع اليد عن ظهور

______________________________

(1). الوسائل ج 12، الباب 16 من أبواب أحكام العقود و كذا سائر روايات.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 600

..........

______________________________

الأخبار المتقدمة لضعف سندها و لم يثبت الكراهة في بيع التولية.

و يبقى في البين صحيحة الحلبي عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها قال لا بأس به إذا وجد ربحا فليبع و في صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام أنه قال في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قال لا بأس.

و لكن لا يمكن رفع اليد بهما عن ظهور الأخبار المتقدمة في المنع فإنه لو لم نقل بانصرافهما على بيع الشي ء على الشجرة كما لا يبعد ذلك بملاحظة الأخبار الواردة في بيع الثمار فلا ينبغي الريب في ان صحيحة محمد بن مسلم مطلقة من حيث كونها على الشجرة و من حيث كونها بنحو التولية كما ان صحيحة الحلبي مطلقة من حيث كونها على الشجرة أم لا.

و لكن يعارضهما موثقة سماعة قال سألته

عن بيع الطعام أو الثمرة و قد كان اشتراها و لم يقبضها قال لا حتى يقبضها الا ان يكون معه قوم يشاركهم فيخرجه بعضهم من نصيبه من شركته بربح أو يوليه بعضهم فلا بأس فإن مقتضاها عدم جواز الثمرة إلا بنحو التولية أو بربح فيما كان البيع بنحو التشريك و يحمل هذه على الثمرة المقطوعة فإن مثل معتبرة منصور قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل اشترى بيعا ليس فيه كيل و لا وزن الى ان قال لا بأس بذلك ما لم يكن كيل أو وزن مقتضاها جواز بيع غير المكيل و الموزون قبل القبض سواء كان ثمرة على الشجرة أو غيرها و مقتضى موثقة سماعة عدم جواز بيع الثمرة قبل قبضها بالمرابحة سواء كانت على الشجرة أم لا فيتعارضان في الثمرة على الشجرة و يؤخذ بالمعتبرة لموافقتها للكتاب العزيز من قوله سبحانه أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ فتكون النتيجة جواز بيع الثمرة على الشجرة قبل قبضها.

و اما إذا كانت الثمرة مقطوعة فلا يجوز بيعها قبل قبضها الا بنحو بيع التولية أو

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 601

و ربما يستأنس للجواز بالأخبار الواردة في بيع السلم على من هو عليه (1).

______________________________

التشريك في النصيب بالمرابحة فتكون الموثقة بعد هذا أخص مطلقا بالإضافة إلى صحيحتي الحلبي و محمد بن مسلم كما لا يخفى.

(1) و حاصل الاستيناس للجواز ان الاخبار الواردة في بيع السلم على المسلم إليه أي بايعه يوجب الجواز في المسألة و وجهه انه قد ورد في تلك الاخبار جواز بيع الطعام المسلم فيه من بايعه ثانيا و إذا جاز بيع الطعام المزبور من بايعه جاز بيع المكيل أو الموزون في مسألتنا

قبل قبضه من بائعه أو من غيره حيث لا يحتمل جواز بيع المسلم فيه من بايعه قبل القبض و لا يجوز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما و فيه انه يمكن الالتزام بجواز بيع المسلم فيه على بايعه قبل قبضه قبل حلول الأجل أو بعده بخلاف غير السلم أى المكيل أو الموزون في مسألتنا بان لا يجوز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما من غير بايعهما.

و اما بيع المكيل أو الموزون من بايعهما قبل قبضهما فهذه مسألة أخرى كما جعل العلامة حيث ذكر ان بيع الشي ء قبل قبضه من غير بائعه جائز عند جماعة و ممنوع عند اخرى و اما بيعه من بائعه فجائز عند الجماعة الاولى و مختلف فيها عند الثانية.

و بالجملة غاية ما يستفاد مما ورد في السلم جواز بيع المكيل أو الموزون من بائعها قبل قبضهما و اما بيعهما من شخص آخر فلا يستفاد جوازه و يظهر ايضا من كلام القائلين بجواز بيع المسلم على بايعه قبل قبضه و من كلام القائلين بعدم جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما ان مورد الجواز في السلم غير مورد المنع في مسألتنا و ان مورد الجواز في الأول البيع من بايعه و مورد المنع في الثاني البيع من غيره.

ثم لا يخفى أن مورد الجواز في السلم في بيعه من بايعه ثانيا ما إذا كان الثمن في البيع الثاني غير الجنس و اما إذا كان بجنس الثمن فلا يجوز بيعه إلا برأس المال سواء كان

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 602

و من العجب ما عن التنقيح (1).

ثم ان الظاهر ان أصل عنوان المسألة (2).

______________________________

ذلك قبل حلول الأجل أو بعده فلا حظ

الروايات الواردة فيها كما انه لا يجوز فيه بعد حلول الأجل البيع من غيره بغير التولية إلا بعد القبض فيما كان المسلم فيه مكيلا أو موزونا و اما إذا كان من غير المكيل و الموزون فيجوز بعد حلول الأجل بالتولية أو بغيرها-

(1) يعنى بعد ما ذكر العلامة ره ان بيع غير المقبوض من بايعه مورد أخلاف عند المانعين عن بيعه من غير بايعه لا يتم للتنقيح دعوى الإجماع على جواز بيع السلم على من هو عليه و لا يناسب ايضا كلام الشيخ (ره) حيث ذكر في المبسوط الإجماع على عدم جواز بيع السلم قبل قبضه مع تصريحه بعدم الفرق بين بيعه من بائعه أم من غيره.

(2) ليس في البين وجه صحيح لاختصاص الحكم في المسألة بالمبيع الشخصي بعد فرض كون المستند في المسألة للمنع أو الكراهة هي الأخبار نعم من يكون المستند له في المنع هو الوجه الاستحسانى يعنى ضعف الملك قبل القبض باعتبار كونه معرض الزوال بتلف المبيع فلاختصاص الوجه بالمبيع الشخصي و عدم جريانه في المبيع الكلى يتعين التخصيص.

ثم بناء على عدم الجواز في المكيل و الموزون في بيعهما قبل قبضهما بغير التولية كما هو مقتضى الجمع بين الروايات يكون عدم الجواز لكونه في المعاملة وضعيا فيحكم ببطلان البيع المزبور و حمله على الحكم التكليفي يحتاج إلى قرينة كما هو الحال في جميع موارد النهى عن البيع و سائر المعاملات.

أقول اعتبار للتقابض في المجلس في بيع الصرف لا يوجب اعتبار قبض الثمن قبل البيع بحيث يبطل بيع الصرف ببيع ذلك الثمن قبل قبضه و لو فرض ان البائع الذي له الدنانير على المشترى باعها من شخص آخر و دفعها المشترى المزبور الى ذلك

الشخص

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 603

[ينبغي التنبيه على أمور]
[الثاني هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال]

هل البيع كناية عن مطلق الاستبدال (1).

______________________________

قبل افتراق البائع و ذلك الشخص تم بيع الصرف.

و استدل في التذكرة على عدم جريان الحكم في ناحية الثمن بصحيحة يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل باع طعاما بدرهم فلما بلغ الأجل تقاضاه فقال ليس عندي دراهم خذ منى طعاما فقال لا بأس إنما له دراهمه يأخذ بها ما شاء «1» حيث ان مقتضى التعليل جواز المعاملة على الدراهم المزبورة قبل قبضها بجعلها ثمنا للطعام أو غيره.

و أورد المصنف ره على الاستدلال بوجهين الأول ان مورد الكلام في المسألة جعل الثمن من الدين المكيل أو الموزون قبل القبض مبيعا في البيع الثاني و ظاهر الصحيحة جعل الدراهم في البيع الثاني كالبيع الأوّل ثمنا.

و الثاني ان مدلول الرواية بيع الدراهم على من هي عليه و لا يدخل فيه بيعها على غيره و قد تقدم عدم البأس بالأول و الكلام في المسألة في الثاني.

أقول لا حاجة في الحكم بالجواز في بيع الثمن الكلى قبل قبضه الى هذه الرواية أو غيرها بل هو مقتضى العمومات و إطلاق حل البيع و اما تعليل المنع بضعف الملك قبل القبض فهو و ان يجرى في ناحية الثمن المعين أيضا الا انه كما تقدم وجه استحساني و الا لم يجز البيع في غير المكيل و الموزون ايضا قبل القبض بل كان بيع المكيل و الموزون ممنوعا و لو بالتولية.

(1) قد تعلق النهي في الروايات ببيع المكيل و الموزون قبل قبضهما و يحتمل ان يكون ذكر البيع فيها لكونه الفرد الغالب في الاستبدالات كما يحتمل كون النهى عنه لخصوصية فيه

دون سائرها فالمتعين هو الثاني و كون البيع هو الفرد الغالب في

______________________________

(1). الوسائل ج 13، الباب 11 من أبواب السلف.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 604

[الثالث هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع]

الثالث هل المراد من البيع المنهي إيقاع عقد البيع (1).

______________________________

الاستبدال ينفع فيما إذا كان في البين عموم أو إطلاق و لا أقل من اطمينان بعدم الخصوصية و ليس المقام كذلك.

و قد أشكل في التعدي إلى الثمن فكيف يتعدى الى سائر الاستبدالات و أيضا المأخوذ في متعلق النهى بيع ما اشتراه من المكيل و الموزون قبل قبضهما.

و امّا إذا ملك المكيل أو الموزون بغير الشراء كالإرث أو الجائزة أو الصلح و غيرها و أراد بيعه قبل قبضه فلا يدخل هذا في متعلق النهي في الروايات بل مقتضى إطلاق حل البيع و عموم الوفاء بالعقود جوازه.

نعم ذكر المصنف ره انه لو انتقل ما اشتراه الى الوارث قبل قبضه أو انتقل إلى الزوجة بعنوان الصداق و نحوه و أراد الوارث أو الزوجة بيعه قبل قبضه فيدخل في متعلق النهى و لعل نظره (ره) إلى رواية معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يبيع البيع قبل ان يقبضه فقال ما لم يكن كيل أو وزن فلا يبيعه حتى بكيله أو يزنه حيث ان السؤال في الرواية يشمل ما إذا كان البيع المزبور من الوارث أو الزوجة.

و اما سائر الروايات فمد لولها نهى المشترى عن ان يبيع ما اشتراه قبل قبضه و لا يعم ما إذا انتقل المبيع الى الوارث أو الزوجة فأراد بيعه قبل قبضه.

أقول لو قيل بشمول هذه الصحيحة لما إذا كان البائع في البيع الثاني غير المشتري الأول لما يختص المنع بالموارد

المزبورة بل يعم ما إذا وقع الصلح على المبيع قبل القبض و أراد من انتقل اليه ذلك المبيع بيعه قبل قبضه كما لا يخفى.

(1) إذا كان المكيل أو الموزون معينا خارجا و أراد مشتريه بيعه قبل قبضه فهذا يدخل في المنهي عنه في الاخبار المتقدمة.

و ان أراد مشتريه دفعه وفاء للبيع على الكلي في الذمة كما إذا اشترى صبرة

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 605

..........

______________________________

خارجية على انها كذا و كذا صاعا ثم باع المشترى من الآخر بنحو الكلى على العهدة مقدارا من الحنطة يساوى تلك الصبرة و أراد ان يأخذ ذلك الآخر الصبرة المزبورة من البائع الأول فهل أخذ الآخر تلك الصبرة من بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه ليكون فاسدا بان يبقى المأخوذ في ملك المشترى الأول و ملك ذلك الآخر بعد على عهدة المشتري الأول أو أن النهى في الاخبار لا يعمه الأظهر عدم العموم فإن الأخذ المزبور وفاء للبيع الجاري على الكلى لا من بيع الصبرة قبل قبضها كما لا يخفى.

و الحاصل ان مورد النهى ما إذا كان المبيع المكيل قبل قبضه مبيعا في بيع آخر و يشهد لذلك استثناء بيع التولية في بعض تلك الاخبار حيث ان التولية تتحقق بإجراء البيع الثاني على ما اشتراه أولا بثمن مساو فلا يكون اجراء العقد على ما في العهدة و لو بثمن مساو للثمن في بيع الصبرة من بيع تلك الصبرة تولية- نعم ربما يكون مناسبة الحكم و الموضوع أو غيرها موجبا للظهور في ان المنهي عنه نقل المال بسبب البيع من غير فرق بين كون المال مبيعا في ذلك البيع أو كونه وفاء لذلك البيع كما في النهي عن

بيع أمهات الأولاد و كما إذا نذر أو حلف على عدم بيع عبده لا في مثل المقام الذي لم يظهر فيه ملاك الحكم بل النهى عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضه يشبه التعبد المحض.

هذا مع ظهور النقل بالوفاء قبل القبض من بعض الروايات كصحيحة الحلبي التي عبر عنها المصنف (قده) بصحيحة يعقوب بن شعيب عن ابى عبد اللّٰه عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون له على الآخر أحمال من رطب أو تمر فيبعث اليه بدنانير فيقول اشتر بهذه و استوف منه الذي لك قال لا بأس إذا ائتمنه.

و تقريب الاستدلال ان مقتضى كون الدراهم ملكا لمن عليه الأحمال من الرطب أو التمر ان يكون عوض تلك الدراهم أى ما يشتريه الدائن ملكا لمن عليه الأحمال و قد أذن للدائن أن يتملك ما اشتراه قبل قبضه ذلك المبيع.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 606

ثم ان هذا كله إذا كان الطعام المشترى شخصيا (1).

______________________________

و الحاصل مدلول الصحيحة أنه لا بأس بأن يتعين ما على الشخص من المال في المكيل أو الموزون الذي لم يقبض.

لا يقال لا دلالة للصحيحة على الجواز فان قول المدين للدائن اشتر بهذه و استوف حقك بمنزلة توكيله في الشراء و القبض للمديون ثم الاستيفاء.

فإنه يقال لا دلالة لقول المدين على التوكيل في القبض للمدين أوّلا فيما كان ما اشتراه الدائن من العين الخارجية.

نعم لا بأس بالالتزام في التوكيل على القبض فيما كان ما اشتراه الدائن كليا لان تعين ذلك الكلى يكون بالقبض للمالك أصالة أو وكالة ثم الاستيفاء أو كان قول المدين في الفرض من إنشاء الحوالة.

و لكن في صحيحة الحلبي الأخرى قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه

السلام عن رجل أسلفه دراهم في طعام فلما حل طعامي عليه بعث الى بدراهم و قال اشتر لنفسك طعاما و استوف حقك قال أرى ان تتولى ذلك غيرك و تقوم معه حتى تقبض الذي لك و لا تتولى أنت شرائه.

و في موثقة عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل أسلف دراهم في طعام فحل الذي له فأرسل إليه بدراهم فقال اشتر طعاما و استوف حقك هل ترى به بأسا قال يكون معه غيره يوفيه ذلك.

و لكن المراد من الصحيحتين بقرينة الاولى منهما الكراهة لكون شراء الدائن من معرض التهمة هذا أولا و ثانيا مدلولهما المنع عن تولى الشراء لا عدم جواز الاستيفاء بعد شراء شخص آخر و قبل قبضه و الكلام في دلالتهما على جواز الشراء و عدم جواز الاستيفاء كما لا يخفى.

(1) الكلام في ان توكيل الدائن في الشراء لنفسه داخل في متعلق النهي في

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 607

و استدل في الحدائق على الجواز (1).

______________________________

الأخبار المتقدمة الناهية عن بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما أم لا ينحصر في شراء الطعام الشخصي و اما إذا اشترى طعاما بنحو الكلى فلا يكون قبض الدائن ذلك الكلي إلا بوجهين أحدهما ان يقع القبض للمديون ثم استيفائه و إقباضه من المديون وكالة أو يكون قول المدين اشتر و استوف حقك من الحوالة إلى ذمة البائع من الدائن و كلا التقديرين محكوم بالصحة حيث ان إقباض المكيل أو الموزون في الأول يكون بعد قبضه بالوكالة و الثاني حوالة جامعة لشرائطها.

و لكن تأمل بعض الأصحاب في الثاني و وجهه ان الاخبار و ان يكون مدلولها عدم

جواز بيع المكيل أو الموزون قبل قبضهما الا ان ذكر البيع بما هو من المعاوضة لا لخصوصية فيه و الحوالة أيضا معاوضة حيث ينتقل بها الكلى على المديون من ملك الدائن إلى المديون بإزاء ما على عهدة البائع حيث ينتقل الى ملك الدائن المحال كما لا يخفى و عليه بما أن ما على البائع غير مقبوض فيكون المعاوضة عليه قبل قبضه.

و أجيب عن ذلك أولا بأن الحوالة ليست معاوضة بل هي استيفاء و تعيين لما على المديون بذمة الغير بحيث لا يكون للدائن الا مطالبة ذلك الغير بل لو فرض كون الحوالة معاوضة فليس مطلق معاوضة المكيل أو الموزون قبل القبض مورد النهى بل الوارد في الروايات النهى عن بيعهما قبل قبضهما الا بالتولية كما تقدم-

(1) و توضيح الحال أنه قد ظهر مما تقدم ان مورد الاشكال ما إذا باع كليا على العهدة سلما أو حالا ثم اشترى البائع المزبور من ثالث مثل ذلك المبيع بنحو الكلى على عهدة ذلك الثالث و قال للمشتري الأول خذ مالك على من ذلك الثالث فان القول المزبور لا بد من كونه بنحو الحوالة أو بنحو التوكيل بان يكون المشترى الأول وكيلا في قبض ما على عهدة الثالث للبائع ثم اقباض المال عنه لنفسه.

و الوجه في ذلك ان ما على عهدة البائع الأول يتشخص بالفرد مع قبض مستحقه

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 608

..........

______________________________

لا بالكلي الثابت بذمة الآخر فيحتاج سقوط المال عن عهدة البائع الأول إلى عقد الحوالة أو الوكالة المزبورة.

و لكن نوقش في صحة الحوالة بأنها في مفروض الكلام تستلزم المعاوضة على المبيع المكيل الكلى قبل قبضه حيث ان الحوالة في الحقيقة معاوضة بين

المالين الثابتين في العهدتين فيقع في المسألة المعاوضة بين البائع الأول و مشتريه في الكلي الثابت بعهدة البائع بإزاء الكلي الثابت بعهدة الثالث و بما ان المعاوضة بغير التولية و قبل القبض فلا تصح فينحصر صحة الحوالة بكون المالين على العهدتين من غير المكيل أو الموزون أو كان منهما و لكن كان ثبوتهما على العهدة بغير البيع و الشراء كما إذا اقترض زيد منا من الحنطة من بكر و أقرض عمرا بمن آخر ثم أحال بكرا على عمرو.

و لكن استدل في الحدائق على جواز الحوالة في مسألة ثبوت المكيل و الموزون على العهدة بالبيع و الشراء بما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح في بعض و الموثق في بعض عن عبد الرحمن بن ابى عبد اللّٰه قال سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن رجل عليه كر من طعام فاشترى كرا من رجل آخر فقال للرجل انطلق فاستوف كرك فقال لا بأس به قال في الحدائق و هو ظاهر في المراد عار عن وصمة الإيراد.

و ناقش المصنف قده في الاستدلال المزبور بأنه لم يعلم ما على المديون من الكر من الطعام كان مبيعا و لعله كان من القرض أو الضمان كما أنه لم يعلم بان المديون جعل في حوالته الطعام المشترى معوضا و ما على ذمته عوضا بل يحتمل كون ما على ذمته في الحوالة معوضا و ما على ذمة البائع منه عوضا و المنع عن بيع المكيل أو الموزون و المعاوضة عليهما قبل قبضهما يختص بما إذا كان ذلك المكيل أو الموزون مبيعا لم يقبض و لا بأس بجعله ثمنا في المعاملة كما تقدم.

و لكن استوجه الاستدلال بعد ذلك بان الحوالة فعل المديون و المديون

يجعل ما

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 609

[الرابع ذكر جماعة أنه لو دفع الى من عليه طعام]

ذكر جماعة أنه لو دفع الى من عليه طعام (1).

______________________________

يملكه بذمة الآخر ملكا لدائنه بإزاء ما يملكه الدائن على عهدته فما يملكه المحيل من المال المحال به معوض و ما يملكه المحتال على المحيل عوض في تلك المعاوضة و لذا يعتبر في الحوالة المتفق على صحته ان لا يكون المال المحال به من المبيع المكيل أو الموزون.

و الحاصل احتمال ان يكون ما على عهدة المحيل معوضا و ما له على ذمة المحال عليه عوضا بان يكون فعل المحيل إنشاء تملك ما بذمته بإزاء ما له على عهدة المحال عليه و يشبه إنشاء الحوالة بإنشاء الشراء قبل إيجاب البائع فيكون إنشاء المحتال تمليكا ضعيف لانه كما ذكرنا ان الحوالة ينسب الى المحيل لا الى المحال.

أقول لا يخفى تمام الاستدلال حتى على عدم كون ما على المحال عليه معوضا في الحوالة فإن مقتضى ترك الاستفصال في الجواب عن كون ما عليه من الكر مبيعا أو ثابتا على عهدته بغير البيع جواز الحوالة على كلا التقديرين كما أن ترك الاستفصال عن كون ما اشتراه من الكر كليا على العهدة أو شخصا خارجيا جواز الحوالة و جواز اقباض ما اشتراه قبل قبضه.

و أما مسألة التوكيل في القبض للمديون و الإقباض عنه لنفسه فلا ينبغي التأمل في جوازه و لا يضر اتحاد المقبض و القابض و لو قيل بعدم جواز اتحاد الموجب و القابل في العقود مع أنه جائز أيضا إلا في عقد النكاح في بعض الفروض و اللّٰه سبحانه هو العالم.

(1) إذا قال لدائنه هذه الدراهم اشتر بها لنفسك طعاما يكون القول المزبور ظاهرا بقرينة ما هو

مرتكز في أذهان أبناء المعاملات انه يكون المبيع ملكا لمن يخرج عن ملكه ثمنه في أحد أمرين:

الأول توكيل الدائن ان يشترى الطعام للمديون ثم يتملك ما اشتراه عن المديون وفاء لما بذمة المديون أو حوالة و لذا لا يفرق بين كون ما يشتريه الدائن شخصيا أو كليا.

الثاني ان يكون ما يشتريه الدائن لنفسه بان يكون ثمن ما يشتريه بذمته و يعطى

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 610

[مسألة لو كان له طعام على غيره]

مسألة لو كان له طعام على غيره (1).

______________________________

الدراهم المزبورة للبائع منه وفاء بدينه بمال الغير و لكن الشرط في الوفاء بما في ذمته بالدراهم سقوط ما على المديون من الطعام و هذا ايضا لا بأس به.

و اما التوكيل في تمليك الدراهم ثم الاشتراء بها فهو و ان لا بأس به الا أنه خارج عن الظهور العرفي للكلام المزبور.

(1) إذا كان له طعام على غيره و كذا ما كان غير الطعام من سائر المكيل أو الموزون فطالب المديون في غير مكان حدوثه بذمته ففيه صور.

الاولى ما إذا كان الطعام أو غيره بذمته ببيعه سلما كما إذا أسلفه طعاما في بلد من العراق فطالبه في غير بلد آخر مع عدم اشتراط التسليم في ذلك البلد الآخر فإنه مع عدم الاشتراط يكون مقتضى إطلاق العقد في موارد كون المتاع مختلفة في القيمة بحسب البلاد أو مؤنة النقل انصرافه الى بلد العقد.

و على ذلك فلا ينبغي الريب في أنه لا يجب على المديون أدائه في ذلك البلد الآخر و إذا لم يكن للدائن المطالبة بنفس الطعام فيه لم يكن له المطالبة بالقيمة بحسب ذلك البلد الآخر بطريق أولى فإن المطالبة بالقيمة على تقدير جوازه فرع جواز المطالبة بنفس

ما على الذمة من المثل.

نعم يقع الكلام في أنه يجوز للمشتري مطالبة البائع بقيمة الطعام بحسب بلد استحقاق التسليم في ذلك البلد الآخر مع رضا البائع أو بدونه فإنه يظهر من الشيخ قده أنه لم يجز للمشتري المطالبة بتلك القيمة و تراضيهما بها فإن التراضي المزبور يدخل في بيع الطعام قبل قبضه.

و ذكر المصنف قده ان ما ذكر الشيخ (قده) حسن لو كان المراد من تراضيهما جعل ما على الذمة مبيعا و القيمة ثمنا أو كان المراد من بيع المكيل و الموزون قبل قبضهما في الاخبار المنهي عنه مطلق الاستبدال.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 611

..........

______________________________

و اما إذا كان المراد في الاخبار المنهي عنه خصوص البيع و لم يحمل التراضي على جعل القيمة ثمنا و ما على الذمة مبيعا بل احتمل ان يكون التراضي بكون القيمة مبيعا و ما على الذمة ثمنا فلا بأس بالتراضي على القيمة لكن الظاهر من القيمة كونها ثمنا و ما على العهدة معوضا فيدخل التراضي المزبور في الاخبار المنهي عنه.

و الحاصل ما ذكر الشيخ من عدم الجواز مبنى على أحد الأمرين انصراف التراضي المزبور بكونه بيعا لما على العهدة بإزاء القيمة أو كان المنهي عنه في الاخبار المانعة مطلق الاستبدلال.

أقول قد تقدم أنه يجوز بيع المكيل و الموزون قبل قبضهما من بايعهما غاية الأمر يعتبر أن يكون العوض من غير جنس الثمن الأول و مع اتحاد الجنس يعتبر عدم اختلاف الثمنين بالزيادة و الاخبار المنهي فيها عن بيع المكيل و الموزون قبل قبضهما الا بالتولية ناظرة إلى بيعهما من غير بايعهما.

هذا بالإضافة إلى صورة التراضي بأخذ القيمة و اما مع عدم رضا من عليه المال فلا يجوز

للمشتري الا الصبر و التسلم بالمال في بلد التسليم أو فسخ الشراء و المطالبة بثمنه كما هو الحال في تعذر التسليم في السلم و هذا فيما حسب تأخير التسليم الى بلد الاستحقاق لطول زمانه تخلفا لشرط التسليم في زمان الاستحقاق كما لا يخفى.

و الحاصل انه لم يثبت جواز الأخذ بالقيمة في السلم مع تعذر التسليم ليجري في المقام ايضا.

و مما ذكرنا يظهر أنه لو لم يختلف البلدان بحسب القيمة و مؤنة النقل و لكن كان المشروط للمشتري التسليم في أحدهما المعين فللمشتري إسقاط شرطه و المطالبة بالمبيع في البلد الآخر و مع عدم إسقاط شرطه يجوز له فسخ الشراء في مورد تخلف البائع الشرط عليه كما تقدم.

إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، ج 4، ص: 612

..........

______________________________

و ايضا ظهر الحال ما إذا كان المثلي الثابت على الذمة قرضا فإنه مع اختلاف البلاد في القيمة و مؤنة النقل يكون الثابت على العهدة مع إطلاق عقد الاقتراض هو بلد القرض فلا يجوز للمقرض مطالبة المقترض بالمال في البلد الآخر الا مع تراضيهما و بدون رضى المقترض يثبت له حق المطالبة بقيمة بلد الاقتراض بناء على جواز المطالبة بالقيمة في المثلي حتى في مثل هذا التعذر.

و يلحق بذلك الصورة الثالثة و هو ما إذا كان المثلي على الذمة للغصب و لو قلنا بجواز أخذ القيمة و لو مع عدم التراضي يكون الملاك في القيمة قيمة الشي ء في بلد الاقتراض أو الغضب يوم الدفع لا بقيمته يوم الاقتراض أو الغصب لان الملاك بالقيمة يوم الاقتراض أو الغصب المستفاد من صحيحة أبي ولاد ينحصر بضمان القيمي لا المثلي المتعذر و اللّٰه سبحانه هو العالم.

قد وقع الفراغ يوم الرابع و العشرين من

شهر شعبان المعظم سنة 1405 بيد مؤلفه جواد بن على غفر اللّٰه لهما و عاملهما بلطفه الكريم انه غفور رحيم.

________________________________________

تبريزى، جواد بن على، إرشاد الطالب إلى التعليق على المكاسب، 4 جلد، مؤسسه اسماعيليان، قم - ايران، سوم، 1416 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.