تبيان الصلاة المجلد 2

اشارة

نام كتاب: تبيان الصلاة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: بروجردى، آقا حسين طباطبايى

تاريخ وفات مؤلف: 1380 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 8

ناشر: گنج عرفان للطباعة و النشر

تاريخ نشر: 1426 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 51- 93362- 964

مقرر: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مقرر: 1430 ه ق

المقدمه

تبيان الصّلاة تقرير البحث فخر الشّيعة و مفخر الشّريعة آية اللّه العظمى الحاجّ السّيّد حسين الطّباطبائي البروجرديّ قدس سره الشّريف

لمقرّره سماحة آية اللّه العظمى الحاجّ آقا علي الصّافيّ الكلبايكاني

المجلّد الثّاني

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 3

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 4

اللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه و على آبائه في هذه السّاعة و في كلّ ساعة وليّا و حافظا و قائدا و ناصرا و دليلا و عينا حتّى تسكنه ارضك طوعا و تمتّعه فيها طويلا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 5

[تتمة الشرط الثالث من شرائط القصر]

فصل في قواطع السّفر

اشارة

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 7

الجهة الثالثة: في قواطع السفر

اشارة

و هي ثلاثة بين مجمع عليه و مختلف فيه:

[الاوّل من قواطع السفر المرور على الوطن]
اشارة

الأوّل منها: المرور على الوطن و هو يذكر:

تارة في طى شرائط القصر و يجعل أحد منها، و يقال من شرائط وجوب القصر أن لا يكون من قصده المرور على وطنه، و تارة في ضمن القواطع و يقال: إن من القواطع المرور على الوطن.

و على كل حال لا اشكال في قاطعيته للسفر، لأنّ السفر عبارة عن التغرب عن الوطن و المسكن، فهو مقابل للكون في الوطن، فمع مرور الشخص بوطنه لا يكون مسافرا قطعا، بل يكون حاضرا لأنّ الحضر مقابل السفر الّذي معناه البعد عن الوطن، و لا يقال لمن كان في وطنه و منزلة إنه مسافر، و لذا لا يشمل قوله تعالى: وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ اخ «1» أو قوله فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ

______________________________

(1) سورة النساء/ الآية 101

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 8

فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّٰامٍ أُخَرَ «1» من يكون حاضرا في منزله و وطنه، لأنّ الحضر مقابل للسفر و يكون السكون و المقام في الوطن مقابل للضرب في الأرض، و هذا مما لا شك فيه.

إنما الكلام في ما هو وطن عند العرف، و أن الوطن هل يكون مسقط رأس الشخص، أو يكون مسكن آبائه و اجداده مع كونه مسقط راسه، أو يكون مكانا أراد الشخص السكون فيه ما دام الحياة، أولا يعتبر فيه شي ء من ذلك كما هو الحق، بل هو مكان يكون الانسان ساكنا فيه بحسب طبعه مثل أن يكون فيه اهله و عياله؟

[الوطن هو الّذي خروج الانسان منه على خلاف طبعه الاولى]
اشارة

و بعبارة اخرى: هو عبارة عن المكان الّذي يكون خروج الإنسان منه بسبب العوارض و حدوث الحوائج و على خلاف طبعه الأولي.

و الحاصل: انّه لا يصح الالتزام بكون الملاك في صدق الوطن كونه مسقط رأس الشخص،

أو مسكن آبائه و اجداده، أو مقره مع البناء على الإقامة فيه ما دام الحياة، بل المعتبر في صدق كون المكان وطنا للشخص، هو أن يكون المكان مقره بحيث يكون خروجه منه بازعاج مزعج، و بعد قضاء حوائجه الموجبة للخروج منه يرجع الى ذلك المكان، كالطيور الّتي ترجع الى أو كارها بعد الخروج لتهيئة الرزق، فعلى ما قلنا من كونه الوطن هو الّذي يعدّ التباعد منه سفرا و الكون فيه حضرا.

فما في العروة الوثقى من أن المشهور بين الفقهاء اعتبار البناء على الإقامة ما دام العمر في صدق الوطن ليس في محله؛ لعدم اشتهاره بينهم، و لذا ترى أن العلّامة في القواعد «2» و التذكرة «3» و غيرهما من كتبه يعبّر بهذه العبارة «لو اتخذ بلدا دار

______________________________

(1)- سورة البقرة/ الآية 184

(2)- القواعد/ ج 1/ ص 50

(3)- التذكرة، ج 4، ص 394، فرع ط

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 9

اقامة»، و كذا غير العلّامة، و المستفاد من هذه العبارة هو كفاية صرف اتخاذ محل بعنوان دار إقامة في صدق الوطن بدون اعتبار كون اتخاذه دار إقامة ما دام العمر.

فما يعد التباعد عنه عند العرف سفرا ليس إلّا دار الإقامة و مقره بنحو الّذي قلنا.

و يستظهر ذلك من بعض الروايات أيضا، مثل ما ورد في من دخل عليه الوقت و هو حاضر، ثمّ صار مسافرا أو بالعكس بهذه العبارة «دخل الوقت و هو في بيته» فإنّ المراد من البيت ليس الا دار الإقامة و مقره.

و ما ورد في أهل مكّة إذا خرجوا الى منى، فإنّ المراد من أهل مكّة في هذه الروايات ليس إلّا من يكون ساكنا في مكّة و من اتّخذ مكّة دار إقامته.

و ما ورد

من التعليل في الاعراب و الملاح في مقام عدم وجوب القصر عليهم في السفر بأن «بيوتهم معهم» و يستظهر ذلك من الآية الشريفة المذكورة كما مربيانه، هذا حال الوطن في نظر العرف.

و أمّا حال الوطن في لسان الادلة الشرعية و الأخبار الواردة فليس في الروايات الّتي تكون في مقام بيان حكم المسافر ذكر الوطن حتى ندور مداره.

[في ان روايات على بن يقطين كلها رواية واحدة]

نعم، قد ذكر في بعض الروايات لفظ «الاستيطان»، و الظاهر أنّ الروايات التي ذكر فيها الاستيطان أو التوطين أو الوطن أو السكون لا تتجاوز ثلاث روايات و إن كان صاحب الوسائل رحمه اللّه عدّها سبعا؛ و ذلك لأنّ الروايات الواردة في هذا الباب ينتهى سند أربع منها الى عليّ بن يقطين، و هي: الرواية 1 و 6 و 7 و 10 من باب 14 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل، و الظاهر بل المعلوم كون هذه الروايات الأربع رواية واحدة، و اختلاف الواقع في متن البعض منها مع بعض

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 10

الآخر إمّا لاجل اختلاف نقل عليّ بن يقطين» «1»، أو من بعض من روى عنه الرواية لا بعين عبارتها، بل بنحو النقل بالمعنى.

و كذا الرواية 9 من هذا الباب ليست رواية مستقلة غير رواية عليّ بن يقطين فهذه الرواية و إن كان سندها ينتهى الى سعد بن ابي خلف، و الظاهر من الرواية هو كون سعد المذكور حاضرا حينما سأل عليّ بن يقطين من المعصوم عليه السّلام «لأنّه قال:

سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: إن كان ممّا قد سكنه أتم فيه الصّلاة، و إن كان مما لم يسكنه فليقصّر» و لم يكن فيها

لفظ الاستيطان، بل جعل ملاك الاتمام و القصر السكون فيه و عدمه.

و لكن ليست هذه الرواية غير ما رواها علي بن يقطين السائل عن المسألة من الإمام عليه السّلام «2».

إنّما الكلام في الرواية 8 من الباب المذكور الّتي ينتهي سندها الى حماد بن عثمان، و هو يروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قد يتوهم أن هذه الرواية أيضا لم تكن غير ما رواها عليّ بن يقطين عن ابي الحسن عليه السّلام لقوة احتمال الاشتباه و ذكر أبي عبد اللّه عليه السّلام بدل أبي الحسن عليه السّلام.

و وجه هذا الاحتمال رواية حماد هذا الحكم عن عليّ بن يقطين كما نرى في الرواية 6 و 10 من الباب المذكور، و لكن هذا التوهّم في غير محله لكونه خلاف الظاهر.

______________________________

(1)- الرواية 1 و 6 و 7 و 10 من الباب 14 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- أقول: و الشاهد على ذلك هو انّه اخبر عما سأل عليّ بن يقطين، فليست الرواية الصادرة عن الإمام عليه السّلام إلّا ما رواها عليّ بن يقطين. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 11

و اعلم أن بعد الدقة و الفحص يظهر أن هذه الرواية- اعنى الرواية 8 من الباب المذكور- هي الرواية الّتي رواها في الوافى عن حمّاد بن عثمان عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «1» و نقل صاحب الوسائل اشتباه.

و كيف كان فاعلم أن الروايات المذكور فيها الاستيطان على ما استظهرنا من كون روايات عليّ بن يقطين رواية واحدة تكون ثلاث:

إحداها: رواية عليّ بن يقطين.

ثانيتها: رواية حماد بن عثمان عن الحلبي، و هي الرواية 8 من الباب المذكور.

ثالثتها: رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا

عليه السّلام، و هي الرواية 11 من الباب المذكور بنقل الوسائل، و هي الرواية الّتي تكون مدرك فتوى المشهور، و هو اعتبار إقامة ستّة أشهر في وجوب الاتمام

[في ان الروايات الثلاث مقيدات]

و لا يخفى عليك أن رواية عليّ بن يقطين و حماد بن عثمان و محمد بن اسماعيل بن بزيع الدالات على وجوب التمام في خصوص المنزل الّذي استوطنه الشخص، و القصر إذا لم يكن في منزل أو ضيعة استوطن فيها، مقيدات للروايات الدالة على وجوب التمام إذا مر الشخص بضيعته أو قريته أو داره، لأنّ هذه الروايات تدلّ على وجوب التمام بنفس المرور بالضيعة أو القرية أو المنزل.

و رواية عليّ بن يقطين و الحلبي و محمد بن اسماعيل بن بزيع تدلّ على وجوب القصر في صورة الاستيطان في الضيعة فتقيد بها الروايات المطلقة.

[ذكر الروايات المربوطة]

و هذه الروايات المطلقة المذكورة فيها لفظ الضيعة تبلغ اثنتى عشرة رواية

______________________________

(1)- الرواية 17 من الباب 11 من ابواب صلاة المسافر من الوافى.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 12

و هي الرواية 2 و 3 و 4 و 5 و 12 و 13 و 14 و 15 و 16 و 17 و 18 و 19 من الباب المذكور.

إلّا أن اكثرها لا تدلّ على وجوب التمام بمجرد المرور بالضيعة أو القرية أو داره، مثل الرواية 13 الّتي رواها حذيفة بن منصور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فانها قابلة للحمل على كون سؤال السائل من أن هذا المقدار من المسافة هل يوجب القصر أو لا.

و مثل الرواية 15 الّتي رواها موسى الخزرجي، فإنّ ظاهرها السؤال عن أنّ المسافة البالغة الى اثنى عشر فرسخا هل توجب القصر أم لا؟ و لا بدّ في أن يسأل السائل عن المسافة البالغة باثنى عشر فرسخا مع كون القصر واجبا في ثمانية فراسخ لمكان اشتهار عدم كفاية ثمانية فراسخ، بل و اثنى عشر فرسخا بين العجم من جهة شيوع

فتاوى العامة من ابي حنيفة و غيره، و هم يقولون بالقصر في مرحلتين أو ثلاث مراحل على ما مضى الكلام فيه، فلأجل ذلك سأل من الإمام عليه السّلام عن وجوب القصر و عدمه في اثنى عشر فرسخا.

و أمّا رواية ابن بكير عن عبد الرحمن بن الحجاج و هي الرواية 12 من باب 14 بنقل الوسائل فهي و إن كان بحيث يمكن دعوى دلالتها على وجوب التمام في الضياع بترك الاستفصال، لأنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام أمر بالتمام على ما فيها بدون أن يفصل بين الطريق و بين الضيعة، فهذا دليل على وجوب التمام في الضياع أيضا.

و لكن يمكن أن يقال بعدم كونها غير رواية ابن بكير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، اعنى الرواية 3 من الباب المذكور، فعلى هذا يمكن أن يخدش في دلالتها أيضا للمطلب، لأنّ هذه الرواية- أعني

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 13

الرواية 3- صريحة في كون السؤال عن المسافة بينه و بين منزله أو ضيعته لا عن نفس المنزل و الضيعة.

و أمّا رواية عمران بن محمد و هي الرواية 14 من الباب المذكور الدالة على وجوب القصر في خمسة فراسخ، و الحكم بالقصر في الطريق، و التمام في الضيعة، فإن هذه الرواية من الروايات الدالة على وجوب القصر في خمسة فراسخ، و هي معارضة مع ما دل على وجوب القصر في ثمانية فراسخ امتدادية أو الملفقة، فبعد ما دلّت على خلاف هذه الروايات الروايات الكثيرة الدالة على وجوب القصر في ثمانية فراسخ امتدادية او الملفقة على الكلام المتقدم فيه، فلا يمكن العمل بهذه الروايات لأنّ الروايات الكثيرة قائمة على خلافها «1».

و

أمّا الرواية 11 من الباب المذكور فأيضا يكون السؤال فيها عن الحد الّذي يجب فيه القصر لا عن حكم الضيعة و جواب الامام عليه السّلام بأن القصر في «ثلاثة» لعله يكون المراد من الثلاثة ثلاث مراحل، و صدرت موافقة للعامة تقيه.

و كذلك الرواية 14 فهي مع قابلية حملها على كون السؤال فيها عن المسافة الموجبة للقصر نقول: بأن مدلولها من وجوب الإتمام إذا كان المرور بضياع غيره من بني أعمامه مثلا مما لم يفت به أحد من الفقهاء فهي غير معمول بها.

و أمّا الرواية 4 و هي ما رواها ابن أبي عمير عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فهي أيضا تكون متعرضة سؤالا و جوابا عن المسافة الموجبة للقصر،

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يقال: بأنّه إن لم يمكن العمل بفقرة من هذه الرواية، و هي الفقرة الدالة على وجوب القصر في خمسة فراسخ، فلا يوجب ذلك عدم العمل بفقراتها الاخرى الدالة على وجوب الإتمام في الضيعة، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 14

لا عن حكم الضيعة، فلا تكون مرتبطة بما نحن فيه.

فعلى هذا نقول: و إن كانت الروايات الّتي ذكر فيها الضيعة، أو القرية، أو المنزل كثيرة، و لكن ليست كلها مربوطة بما نحن فيه كما عرفت ممّا قلنا في هذه الروايات، فتبقى رواية اسماعيل بن فضل- و هي الرواية 2- و رواية عمّار بن موسى- و هي الرواية 5- و رواية احمد بن محمد بن ابي نصر- و هي الرواية 17- و هي ليست غير رواية احمد الّذي ذكر في قرب الاسناد، و هي الرواية 18 من الباب المذكور بنقل الوسائل، و تدلّ رواية احمد على ما نحن فيه بضميمة

ترك الاستفصال في الرواية بين الطريق و الضيعة، فتدل على أن كلا من الطريق الى الضيعة و نفسها محكوم بوجوب الإتمام.

[في ذكر الطائفة الاولى و الثانية من الروايات]

إذا عرفت حال هذه الروايات فنقول: إن الروايات الواردة في هذا الباب تكون على ثلاثة طوائف، بل على وجه على اربع طوائف كما سيأتي ذكره:

الطائفة الاولى: ما يدلّ على وجوب اتمام الصّلاة بنفس المرور بالضيعة، أو القرية، أو الدار، و هي رواية اسماعيل بن فضل، و رواية عمّار بن موسى، و رواية احمد بن ابي نصر البزنطي، فإن رواية عمار و إن لم يكن فيها لفظ الضيعة و لكن من جملة «فيمر بقرية له او دار» يستفاد أن المراد من الدار هو الضيعة.

الطائفة الثانية: ما يدلّ على وجوب الإتمام إذا استوطن الشخص، و هي روايات علي بن يقطين، و رواية الحبلي، و رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع، و رواية سعد بن خلف، إلا أن التعبير في رواية سعد بن خلف بلفظ السكون لا بلفظ الاستيطان، و هذه الطائفة بعضها متعرض لوجوب الإتمام في الضيعة إذا استوطن مثل الرواية 7 من علي بن يقطين، و رواية سعد بن خلف، و رواية محمّد بن اسماعيل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 15

بن بزيع.

و بعضها متعرض لحكم المنزل الّذي استوطن فيه مثل الرواية 1 من علي بن يقطين، و الرواية 6 من علي بن يقطين، و رواية الحلبي.

الطائفة الثالثة: بعض ما يدلّ على وجوب التمام في الضيعة إذا عزم الشخص على الإقامة فيها عشرة أيّام مثل رواية عبد اللّه بن سنان، و هي الرواية 6 من الباب 15 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل، و رواية موسى بن حمزة بن بزيع «1»، و هي الرواية 7 من

الباب المذكور.

و يمكن عد طوائف الروايات أربعة بجعل رواية محمّد بن اسماعيل بن بزيع طائفة مستقلة من باب تعرضها لحد الاستيطان الموجب للتمام.

إذا عرفت أن الروايات باعتبار مفادها على طوائف ثلاثة، فنقول:

إن الظاهر من الطائفة الأولى هو كون نفس المرور بالضيعة، أو القرية، أو الدار موجبا لوجوب الاتمام.

و ظاهر الطائفة الثانية وجوب الإتمام في الضيعة إذا استوطن فيها و إلّا فلا.

و ظاهر الطائفة الثالثة وجوب الإتمام فيها إذا عزم على إقامة عشرة أيّام فيها و إلّا فلا، فيقع التعارض بين الطائفة الاولى و بين الثالثة لأنّ مفاد الأولى وجوب الإتمام بمجرد المرور بالضيعة سواء عزم على الاقامة أم لا، و مفاد الثالثة وجوب الإتمام فيما لو عزم على الاقامة في الضيعة، فيقع التعارض بينهما و لكن الطائفة الثانية شاهد الجمع بينهما.

______________________________

(1)- هي الرواية 11 من الباب 14 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 16

[الطائفة الثانية من الروايات شاهدة الجمع]

لا يقال: بأنّه بعد كون مفاد الطائفة الاولى وجوب الإتمام بمجرد المرور بالضيعة، و اطلاقها يشمل صورة العزم على الاقامة و عدمه، و كذا يشمل اطلاقها صورة الاستيطان و عدمه، و مفاد الطائفة الثالث وجوب التمام في خصوص عزمه على الإقامة، فالطائفة الثانية و الثالث مقيدتان لاطلاق الاولى، فيقيد بمقتضى الجمع العرفي اطلاقها بالثانية و الثالث و تكون النتيجة وجوب الإتمام في الضيعة إذا استوطن فيها، أو إذا عزم على إقامة العشرة، فلا حاجة في رفع التعارض بين الطائفة الاولى و الثالث بكون الطائفة الثانية شاهدة على الجمع و لو لم تكن الطائفة الثانية يرفع التعارض بما قلنا بين الاولى و الثالثة.

لانا نقول: إن مفاد الطائفة الاولى هو موضوعية المرور بالضيعة و علية نفس ذلك لوجوب الإتمام،

و مفاد الطائفة الثالث هو علية العزم على الإقامة و موضوعيتها لوجوب الإتمام، و الغاء دخل المرور بالضيعة لمدخليتها في وجوب الاتمام و كونه كالحجر في جنب الانسان، فعلى هذا ليس نسبة الطائفة الثالث مع الاولى نسبة المقيد حتى يقال بتقيد اطلاق الاولى بها، لأنّ لسان الثالث عدم كون الطائفة الاولى تمام الموضوع في الحكم و لا جزء الموضوع، فعلى هذا يقع بينهما التعارض، و لكن بعد دلالة الطائفة الثانية على أن وجه كون المرور بالضيعة و موضوع وجوب التمام هو الاستيطان، و كونها وطن الشخص فيجمع بين الطائفة الاولى و الثالث، و يقال: إن سبب وجوب الإتمام أمران:

الأمر الأول: المرور بالضيعة من باب كونها وطن الشخص.

و الأمر الثاني: العزم على إقامة عشرة أيّام في مكان، فبهذا النحو يجمع بين الطوائف الثلاثة من الروايات، فأفهم.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 17

و اعلم أنّه بعد ما قلنا من أن جملة الروايات المعترضة للاستيطان هي رواية محمّد بن اسماعيل بن بزيع المعترضة لحد الاستيطان نعطف عنان الكلام نحوها، و بيان ما يستفاد منها و نقول:

إذا عرفت ما ذكرنا يبقى الكلام الى ذكر ما يستفاد من رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع فنقول بعونه تعالى: إن من الروايات الواقع فيها ذكر الاستيطان هي الرواية التي رواها محمد بن اسماعيل بن بزيع عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام (قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته؟ فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام إلّا أن يكون فيها منزل يستوطنه. فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فاذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها) «1» و هي الرواية 11 من الباب 14 من أبواب

صلاة المسافر من الوسائل.

و يستفاد من هذه الرواية أن سؤال السائل كان عن الرجل الّذي يرد الى ضيعته و انّه هل يجب عليه القصر، فقال أبو الحسن عليه السّلام: بعدم الباس عليه بالتقصير ما لم ينو مقام عشرة أيّام في هذه الضيعة، قال الامام عليه السّلام: إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقال السائل: ما الاستيطان؟ فكان سؤاله عما يتحقّق به الاستيطان لا أن يكون سؤاله عن حقيقة الاستيطان، لعدم المجال لأنّ يقال: إن (ما) ما الحقيقية أو الشارحة، لأنّ حقيقة الوطن أمر معلوم عند العرف و السائل عالم بما هو مفهوم الوطن عرفا، فعلى هذا يكون سؤاله عما يتحقّق به الاستيطان.

إن قلت: إن الوطن العرفى أمر معلوم عند العرف حقيقة، فلا مجال لأنّ يسأل

______________________________

(1)- هي الرواية 11 من الباب 14 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 18

عن حقيقته، و أمّا الوطن الشرعي فحقيقته غير معلوم عند السائل، فسئل عن حقيقة الوطن الشرعي.

أقول: إنه لم يكن في ارتكازه الوطن غير وطن العرفي حتى يسأل عنه و عن حقيقته، فيكون سؤاله عن محقّق الوطن العرفي بعد معلومية حقيقته عند السائل فاجاب عليه السّلام (أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر) يعني الاستيطان يكون له في الضيعة منزل يقيم فيه ستة أشهر، و من الواضح أن قوله «ان يكون له فيها منزل» يكون التوطئة للجواب، لأنّ هذا مذكور سابقا، لأنه عليه السّلام قال أولا «إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» فذكره ثانيا توطئة للجواب فيكون الجواب يقيم فيه ستة أشهر، فإقامة ستة أشهر محققة للاستيطان، فعلى هذا لا دخل لكون المنزل الّذي له في الموضع الّذي يقيم ستة

أشهر فيه، لأنّ محقّق الاستيطان على ما يظهر من الجواب بعد كون قوله «ان يكون له منزل» مذكورا سابقا ليس إلّا إقامة ستة أشهر.

ثمّ بعد ما عبر الامام عليه السّلام عن الإقامة بلفظ المضارع بقوله «يقيم»، فهل نقول:

بأن المراد هو أن يكون له إقامة فعلية ستة أشهر، حتى يجب عليه الإتمام بأن يكون المراد من لفظ (يقيم) هو الحال.

[في ذكر المراد من لفظ (يقيم) في رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع]
اشارة

أو يقال: بأن المراد منه الاستقبال، فعلى هذا يكون محقّق الاستيطان هو أن يقيم في المستقبل ستة أشهر، فيكون المراد وجوب الإتمام فعلا لاجل انّه يقيم بعدا في هذا الموضع ستة أشهر.

أو أن يقال: بأن المراد من لفظ «يقيم» هو اقامة الماضية سابقا، و يكون المراد من المضارع الماضي فيكون إقامة ستة شهر في السابق موجبا للإتمام إذا مرّ بهذا الموضع بعد ذلك.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 19

أو يقال: بأن المضارع منسلخ في المقام عن الزمان، أعني: اعتبرت الإقامة مجرّدة عن الزمان، فلا يستفاد من «يقيم» زمان المضارع و لا الماضي، بل يستفاد منه صرف لزوم حصول ذلك منسلخا عن الزمان و في وعاء الدهر.

إذا عرفت هذه الاحتمالات نتعرّض أولا لأمرين، ثمّ نتعرض لما هو الحق في الرواية:

الأمر الأول: يقع الكلام في ما هو المراد من الوطن عند العرف
اشارة

، و ما يعتبر فيه مع قطع النظر عما يستفاد من الروايات الوارد فيها ذكر الاستيطان.

اعلم أن المعبّر في كلمات اللغويين في مقام شرح المراد من الوطن هو أن المراد منه هو المسكن أعني: محل سكونة الشخص، و يمكن ان يعبر عنه بالفارسية «آرامشگاه».

و هل المعتبر في الوطن عند العرف- أعني: محل سكونة الشخص، و موضع توطنه- أن يكون هذا الموضع مولد الشخص.

أو يعتبر أزيد من ذلك بأن يكون محل آبائه و اجداده أيضا، مع كون هذا الموضع هو موضع مولده و مسقط راسه.

أولا يعتبر شي ء من ذلك، بل لا يعتبر فيه أن يكون هذا الموضع مولده، بل يكفى في صدق الوطن مجرد اتخاذ محل مسكنا، و كان بنائه على الإقامة فيه بحيث يكون خروجه عنه باز عاج مزعج و انصراف منصرف، و هل يعتبر فيه أن يكون له في هذا الموضع ملكا اصلا أم لا؟

و هل

يعتبر فيه أن يتخذه مسكنا و مقرا لنفسه دائما أم لا؟

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 20

و هل يعتبر أن يكون هذا الوطن و المسكن منحصرا بواحد بأن لم يكن له إلا وطن واحد؟

أو يمكن أن يكون له وطنان أو ازيد، و يصدق على كل منهما الوطن؟

و هل يعتبر على تقدير تصوير اكثر من وطن واحد أن تكون إقامته في وطنيه بالسوية بأن يقيم في كل منهما مثلا ستة أشهر؟

أولا يعتبر التسوية، فيكفى أن يقيم في احدهما في عرض السنة اكثر من الأخر.

و على تقدير عدم اعتبار ذلك.

هل يعتبر أن تكون مدة إقامته في كل منهما معلومة، مثلا يعلم و ينبي على الإقامة في أحدهما ثمانية أشهر و في الآخر أربعة أشهر في كل سنته أولا يعتبر ذلك، بل يكفي صرف الإقامة فيهما و إن لم تكن مدة إقامته في كليهما معلومة.

و مع قطع النظر عن كل ذلك هل المعتبر في وجوب الإتمام في الصّلاة على المكلف، تحقق صدق الوطن أم لا؟ و بعبارة أخرى يدور حكم وجوب الإتمام مدار صدق الوطن حتى نحتاج في وجوب الإتمام من تحقق هذا العنوان، فكل موضع يعد وطنا عند العرف نحكم بوجوب الإتمام فيه، و إلّا فلا؟ أو لا حاجة في وجوب الإتمام و تحقّق موضوعه إلى تحقق صدق الوطن عند العرف؟

اعلم أن الوطن عند العرف عبارة عن كل مكان يقيم فيه الشخص بحسب طبعه بحيث لا يخرج منه إلّا لاجل عارض يعرض له.

و بعبارة اخرى كل موضع تكون إقامة الإنسان فيه بحسب ميله الطبيعي، و

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 21

حركته الطبيعية، فهو الوطن و لهذا يكون الخروج عنه بحسب الحركة القسرية، و لاجل طروّ عارض، و بعبارة

ثالثة كل فرد من افراد الانسان، بل و ساير الحيوانات مسكنهم و موطنهم عبارة عن كل موضع يقيمون فيه، و يتوجهون نحوه بحسب وضعهم و بنائهم الأوّلى، و إذا خرجوا من هذا المكان لاجل عارض و حاجة يتوجهون نحوه مجّددا، و لا يتركونه إلّا باز عاج مزعج و انصراف منصرف.

فهذا ما نفهم من الوطن بحسب ذوق العرفي، و لا دخالة عند العرف في صدق الوطن كون مسكنه محل ولادته، أو محل آبائه و اجداده، و لا أن يكون بنائه على الإقامة فيه دائما- كما يظهر من السيّد رحمه اللّه في العروة من اعتبار قصد الإقامة الدائمة في هذا الموضع- لعدم اعتبار قصد الإقامة الدائمية في صدق الوطن عرفا، كما ترى أن نوع الناس لم يكونوا قاصدين على الإقامة دائما في محل سكنا هم، و مع ذلك يصدق عرفا أن هذه المساكن أوطانهم.

بل يكفي في صدق ذلك بنظر العرف كون الشخص ساكنا فيها بعنوان الإقامة، بحيث يكون بحسب وضعه الطبيعي ساكنا فيها، و لا يخرج منها الا بازعاج مزعج، وجهة طارئة كما قلنا، و لا يعتبر بنظرهم أن يكون هذا الوطن منحصرا بواحد، بل يمكن أن يكون للشخص وطنان، و كان بنائه على الإقامة فيهما بحسب وضعه الطبيعي، أو اكثر من وطنين، و كذلك لا يعتبر كون إقامته في أوطانه بالسوية، بل يصدق على كل منهما الوطن و إن لم تكن إقامته فيهما بالسوية.

نعم يمكن أن يشكل في صدق الوطن عرفا في ما كانت إقامته في أحد وطنيه معلومة بحسب الزمان، و الآخر غير معلوم، أعني: يشكل صدق الوطن على المحل الغير المعلوم سكونه فيه بحسب الزمان فقط لا في الآخر المعلوم سكونه فيه.

تبيان الصلاة، ج 2،

ص: 22

هذا كله في ما يعتبر في صدق الوطن بنظر العرف، و يمكن أن يرد في بعض صغرياته إشكال في صدق الوطن عرفا.

[موضوع وجوب الاتمام هل يكون متفرعا على الوطن أولا]

و أمّا الكلام في ما قلنا من أن حكم وجوب الإتمام يكون تابعا و متفرعا على صدق الوطن عرفا، حتى انّه إذا لم يصدق الوطن بموضع لا يجب على المكلف القصر فيه، أو ليس تابعا له.

فنقول: إن المستفاد من الآية الشريفة وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ الخ بعض روايات الواردة في الباب، هو وجوب القصر على المسافر، فمن كان مسافرا يجب عليه القصر، و من لم يكن مسافرا يجب عليه التمام، لأنّ الظاهر من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ هو وجوب القصر في مورد الضرب في الأرض، و معناه وجوب الاتمام في غير مورد الضرب في الأرض، فالقصر مجعول للمسافر و من يكون في السفر و ضاربا في الأرض، و الإتمام واجب على غير المسافر و من لم يكن ضاربا في الأرض، سواء يصدق عليه عرفا انّه وطنه أولا يصدق ذلك، لأنّ موضوع حكم الإتمام هو غير المسافر، و قد يعبّر عنه بالحاضر، لا أن يكون موضوع الحكم من يكون في وطنه، لأنّ ظاهر الدليل هو وجوب القصر على المسافر و من يكون ضاربا في الأرض، فمن لم يكن كذلك أعني: يكون حاضرا فهو موضوع وجوب التمام، سواء يصدق أن هذا الشخص الغير المسافر في وطنه أو لا يصدق ذلك.

و بعبارة اخرى كان القصر واجبا على من يكون مسافرا و بعيدا عن موضع يقتضي طبعه وقوفه في هذا- الموضع و لهذا قلنا في البدوي: بعدم وجوب القصر عليه لعدم كونه بالسفر بعيدا عن منزله و بيته، لأنّ بيته معه-

فمن كان مسافرا يجب عليه القصر، و من لم يكن مسافرا لا يجب عليه القصر بل يجب عليه الإتمام، فموضوع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 23

وجوب حكم الإتمام هو من لم يكن مسافرا، ففي كل موضع لا يكون الشخص مسافرا يجب عليه الإتمام سواء صدق عرفا أن هذا الموضع وطنه أولا، فعلى هذا لم يكن وجوب الاتمام دائرا مدار صدق الوطن العرفي.

و إن وقع الشّك في كونه مسافرا أم لا، يجب عليه الإتمام أيضا لما قدمنا الكلام فيه، فإن بقينا في الشّك في صدق الوطن عرفا على بعض الصغريات المتقدمة و عدمه، و لا يمكن لنا الجزم بكونه مصداقا للوطن عند العرف، فمع ذلك لا يوجب ذلك الاشكال لنا في وجوب الإتمام، لأنّ موضوع وجوب الإتمام هو من لم يكن مسافرا، و بعبارة اخرى من يكون ساكنا في بيته سواء يصدق عليه انّه في وطنه أولا، يجب عليه الإتمام.

الأمر الثاني: [في ان الفقهاء مختلفون في المراد من الوطن]

اعلم أن ما يظهر من كلمات الفقهاء في مقام ذكر الوطن، هو انهم مختلفون فيه بحيث يمكن ارجاع كلامهم الى اصطلاحات ثلاثة للوطن:

الأول: ما يظهر من كلمات بعض المتأخرين من انّه ليس الوطن إلّا ما هو معناه بحسب العرف، و هو كل محلّ يكون موطن الانسان إمّا لولادته فيه، أو لكونه موطن آبائه و اجداده، أو من باب اتخاذه وطنا بدون أن يكون مولده و مسقط رأسه، و موطن آبائه و أجداده، فإنّ هذه الطائفة قائلة بالوطن العرفي و انّه لا يجب الإتمام إلّا في هذا الوطن، و إن كان الاشكال و الخلاف في بعض صغرياته عندهم و لا يقولون بالوطن الشرعي، بل يقولون بوجوب الإتمام في الوطن العرفي.

و هذا الوطن العرفي على قسمين:

الأول: ما يكون

محلّ إقامته باعتبار كون مولده و محلّ نشوه.

و الثاني: ما يتخذه وطنا و يسمّى بالوطن المستجدّ، و هو كل موضع يبنى على

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 24

الاقامة فيه و ان لم يكن محل ولادته و موطن آبائه و محل اقامته من اصل، بل يتخذه محل إقامته.

الثاني: الوطن الشرعى بمعنى انّه كما يفرض للشخص الوطن العرفي بالمعنى المتقدم، و يجب عليه الإتمام في هذا الوطن، كذلك يفرض وطن آخر، و هو المسمى بالوطن الشرعي، و هو كل موضع أقام فيه ستة أشهر و إن أعرض عنه بعد هذه الإقامة، فيجب عليه الإتمام إذا مرّ بهذا المحل و ان اعرض، بشرط أن يكون للشخص في هذا الموضع ملك و إن لم يكن هذا الملك إلّا نخلة واحدة، و القائلون بهذا الوطن الشرعى و وجوب الإتمام فيه المشهور من الفقهاء رضوان اللّه عليهم، كما يظهر من تتبع كلماتهم كالشيخ رحمه اللّه و المحقق و غيرهما، فإنّ المحقق رحمه اللّه يقول كما في الشرائع: (الوطن الّذي يتم فيه هو كل موضع له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا متوالية كانت أو متفرقة) «1» فإنّه و إن كان بينهم الاختلاف في بعض خصوصيات هذا الوطن الشرعى إلّا انهم قائلون به في الجملة.

الثالث: الوطن الفاصل بين العرفي و الشرعي، و هو أن الوطن هو الوطن العرفي و لكن يعتبر في هذا الوطن العرفي الإقامة ستة أشهر في كل سنة كما يمكن دعوى ظهور ذلك من كلام الصّدوق رحمه اللّه في الفقيه، و إن لم يكن مسلّما، فهذا هو وطن ثالث.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّ ما يظهر من كلمات المشهور هو وجوب الإتمام في كل موضع يكون للشخص فيه ملك

قد استوطنه ستة أشهر فصاعدا، متوالية كانت

______________________________

(1)- الشرائع، ص 39، الشرط الثالث.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 25

أو متفرقة، و ليس في كلماتهم ما يدلّ على التزامهم بالوطن الشرعي.

و لا يوجد في عباراتهم ما يشعر بكونهم قائلين بالوطن الشرعي في قبال الوطن العرفي، بل الوطن الواقع في كلماتهم أو الاستيطان ليس إلّا عبارة عن المسكن، أو ما يتخذه مسكنا، لأنّ الوطن بمعنى المسكن كما يظهر من كلمات أهل اللغة، فعلى هذا يكون مراد هم إن كل موضع يسكن فيه الشخص له فيه ملك، و قد أتخذه مسكنا ستة أشهر متوالية أو متفرقة يجب عليه الإتمام متى يمر عليه و إن أعرض عنه.

فما قيل من أن المشهور يقولون بالوطن الشرعي في قبال الوطن العرفي، هو من استنباطات بعض المتأخرين من الفقهاء من كلمات المشهور، و إلا كما هو ظاهر كلماتهم، و بينّا مرادهم، ليس هناك تعرض في كلامهم للوطن الشرعي، بل هم يقولون بأن الشخص، و إن لم يخرج من موضوع المسافر إذا مرّ بمحل سكن فيه ستة أشهر، يجب عليه الإتمام مع كونه مسافرا تمسكا برواية ابن بزيع المتقدم ذكرها، فحكمهم بوجوب الإتمام في الصورة الّتي فرضوها، ليس من باب كون الشخص خارجا عن موضوع المسافر و صيرورته غير المسافر، و كونه في منزله و وطنه، بل هو مع كونه مسافرا يجب عليه الإتمام، و وجه وجوب الإتمام عليه عندهم هو رواية ابن بزيع، و وجه اعتبار وجوب الإتمام عليه في مورد يكون له الملك هو رواية عمّار الدالّة على اعتبار الملك و إن لم يكن هذا الملك إلا نخلة واحدة، فاعتبار الملك في هذا الحكم أيضا مسلم عند المشهور، و لكن يكفي في الملك

اقلا كون نخلة واحدة له، فاذا كان له نخلة واحدة يجب عليه الإتمام في الفرض.

و الشاهد على اعتبار النخلة الواحدة اقلا هو بعض الفروع المعنونة عندهم،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 26

مثل انّه يكفي نخلة واحدة مشتركة بينه و بين غيره، أو ما فرعوا من انّه هل يكفى نخلتان مشتركتان، أو لا بدّ من نخلة واحدة مختصة به لا بالاشتراك، و يأتى الكلام في اعتبار ذلك، و رواية عمار و ما يستفاد منها، فظهر لك ممّا مرّ أن التعبير بالوطن الشرعي لم يقع في كلمات المشهور، و ظهر لك ما هو مرادهم.

[تعبيرات ثلاثة في الوطن العرفى و الشرعى و البرزخى]
اشارة

إذا عرفت هذين الأمرين، نقول: إنه كما قلنا يظهر من كلمات الفقهاء تعبيرات ثلاثة في الوطن:

الأول: الوطن العرفي.

الثاني: الوطن الشرعي على ما نسب الى المشهور.

الثالث: البرزخ بينهما كما يلوح من كلام الصّدوق رحمه اللّه، فمع قطع النظر عن الروايات ظهر لك ما هو المراد من الوطن عند العرف، و ظهر لك عدم كون وجوب الإتمام دائرا مدار صدق الوطن العرفي.

أمّا الروايات فنقول: إن رواية الحلبي، و أربع روايات من روايات علي بن يقطين، و رواية محمد بن اسماعيل بن بزيع مشتملة على الاستيطان، بمعنى دلالتها على وجوب الإتمام إذا مر بضيعة استوطن فيها، و رواية ابن بزيع مشتملة على زيادة، و هي أن الراوي بعد ما سأل عن الاستيطان اجاب الامام عليه السّلام (أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر) فالقائلون بالوطن العرفي، و عدم تصوير الوطن الشرعي يقولون بما حاصله يرجع الى انّه إن كان الوطن الشرعى مجعولا من الشارع، فمعناه جعل وطن شرعي في قبال الوطن العرفي، و جعل مستقل في الوطن على خلاف ما هو المرتكز عند العرف فهو

في قبال الوطن العرفي، و لازمه جعل الوطن من الشارع، و هذا أمر بعيد بحسب النظر، لأنه من البعيد أن جعل الشارع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 27

الوطن بحدود خاصة في قبال الوطن العرفي.

و أبعد من ذلك كون مراد المعصوم عليه السّلام من الاستيطان الوارد في هذه الروايات، و حتى رواية ابن بزيع هو أمر آخر غير ما هو في ارتكاز العرف أعني:

الوطن العرفي، بل كان مراده الوطن الشرعى، لأنّ الوطن الشرعي غير معروف عند الناس، و لا يختلج ببال السائل عن الوطن إلّا ما هو يأتي بالنظر العرفي من معناه العرفي.

و الشاهد على ذلك أن في غير رواية ابن بزيع علق المعصوم عليه السّلام حكم الإتمام على الاستيطان، و لم يعيّن موضوع الاستيطان، و الحال أن السائل لا يفهم من ذلك إلّا اتخاذ الوطن العرفي، فإن كان مراده عليه السّلام غير الوطن العرفي أعني: الشرعي، فكان اللازم بيانه و إلّا لاخل بالغرض خصوصا في مثل هذه المطلقات الواردة في مقام بيان الحكم.

و لو أراد غير ذلك يلزم تاخير البيان عن وقت الحاجة و الإخلال بالغرض، فمن هنا نستكشف أن المراد من الوطن فيها هو الوطن العرفي.

و أمّا في خصوص رواية ابن بزيع فهو أيضا كذلك، لأنّ هذه الرواية و إن كان لها هذا الذيل إلّا أن صدر الرواية يدلّ على ما قلنا، لأنّ السائل بعد ما سأل عن الضيعة و أجاب المعصوم عليه السّلام بما حاصله يرجع الى أن نفس المرور بالضيعة لا يوجب انقلاب حكم القصر إلّا إذا نوى إقامة العشرة فيها قال عليه السّلام (إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه) فهو عليه السّلام اجاب عن السؤال بأن الاستيطان سبب للاتمام، فإن

سكت الراوي و لم يسأل عنه بعد ذلك بقوله (ما الاستيطان) لاكتفى عليه السّلام بما اجاب.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 28

فإن كان المراد من (يستوطنه) هو اخذ الوطن الشرعي، فمع عدم خلجان ذهن الراوي إلّا بالوطن العرفي، و عدم بلوغ نظره الى الوطن الشرعي، فهو عليه السّلام اخل بالغرض، لأنه لم يبيّن ما هو موضوع حكمه، مع غفلة السائل عنه و الحال ان المقام يقتضي ذكره، فمع عدم ذكره نستكشف عدم كون موضوع حكمه إلا ما يكون في ذكر السائل بحسب ارتكازه العرفي.

ثمّ بعد ما سأل السائل عن الاستيطان فأيضا ليس جواب الامام، من ذكر ستة أشهر، دليلا على الوطن الشرعي، بل يكون سؤاله راجعا الى ما هو محقّق الوطن العرفي، و أجاب عليه السّلام و ذكر في الجواب أحد مصاديق الوطن العرفي، و كان التعبير (بستة أشهر) من باب المثال، لا أن تكون هناك موضوعية للستة أشهر، و لعله تكون ستة أشهر من باب أن من له وطنان يقيم بوضعه الطبيعي في كل منهما ستة أشهر، و إلا لا مانع من إقامة أربعة أشهر، أو كون أوطان ثلاثة له لعدم وجود مانع في نظر العرف، و صدق الوطن على كل منها، فعلى هذا لا يستفاد من الرواية إلا الوطن العرفي لا أمرا آخر اوسع منه، أو أضيق منه.

[مراد المعصوم ذكر محقق الوطن العرفى و ذكر ستة أشهر من باب المثال]

إن قلت: إنه إن كان المراد من الوطن الواقع عنه السؤال بقوله (ما الاستيطان) هو الوطن العرفي، فهو أمر واضح لا يخفى على أحد، فكيف كان حقيقته أو محققه مخفيّا على ابن بزيع حتى يحتاج الى السؤال عنه، فبعد عدم كون السؤال عن الوطن العرفي لكون موضوعه جليّا غير خفي على السائل، فلا بدّ من أن

يكون السؤال إمّا من باب أن السائل علم أن مراد الامام عليه السّلام وطن غير الوطن العرفي اعني: الوطن الشرعي، فكان السؤال عن حقيقته، أو أن يكون السؤال راجعا الى ما هو محقّق هذا الوطن بعد علم السائل بحقيقته، أو أن السائل يدري و يعلم بأن الوطن

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 29

على نوعين: الوطن العرفي و الوطن الشرعي، و لكن كان سؤاله من الامام عليه السّلام من أنه أراد أيّا من الوطنين.

أو انّه و لو لم يعلم بأنّه أراد غير العرفي، أو ما هو محقّق الوطن الغير العرفي اعني الشرعي، أو لم يكن سؤاله عن إرادته أيا منهما، و لكن يحتمل انّه اراد الشرعي فسئل عنه أو عن محققه، فسئل عن ذلك بقوله (ما الاستيطان).

فاجاب الامام عليه السّلام بما يرجع الى انّه اراد وطنا غير الوطن العرفي أعني: اراد الوطن الشرعي، لأنّ ما اعتبر فيه من إقامة ستة أشهر لا يتناسب الا مع الوطن الشرعي، فمن هنا نستكشف أن المراد من الوطن الواقع في مورد السؤال و الجواب هو الوطن الشرعي.

نقول: أمّا ما قلت: من أن الوطن العرفي بعد معروفية موضوعه لا يناسب أن يكون السؤال عنه، فلا بدّ من أن يكون السؤال عن أمر آخر نقول: بأنّه بعد التسليم بذلك و بعد كون السؤال عما هو محقّق الوطن العرفي، و لكن بعد كون الوطن العرفي على قسمين: الأوّل محل مولد الشخص و موضع إقامة آبائه و اجداده، و الثاني الموضع الّذي يتخذه الشخص وطنا لنفسه و دار إقامة، و يبني على ذلك، و يعبر عنه بالوطن المستجد.

فيمكن أن يكون السؤال راجعا الى الثاني بمعنى أن المرتكز في ذهن السائل من الوطن كان هو

القسم الأول، و بعد ما كان السؤال عن الضيعة لا عن مولده و مسكنه، و لا يكون التوطن فيها بنحو الأول، فلا بدّ و أن يفرض بالنحو الثاني، و حيث يكون الاستيطان بالنحو الثاني غير مرتكز عنده، فلهذا بعد ما فهم من كلام معصوم عليه السّلام انّه اراد الوطن المتخذ، فسأل عن محقّق هذا الوطن فاجاب عليه السّلام بصغرى

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 30

من صغرياته على سبيل المثال، فبعد امكان حمل السؤال على ذلك لا يلزم أن يكون سؤاله عن الاحتمالات الاربعة.

إن قلت: إنّ مقتضى القاعدة في دوران الأمر بين ظهور المفسّر و المفسّر عنه، هو الأخذ بظهور المفسر، لأنّه بيان للمفسّر عنه، فعلى هذا لا بدّ و أن يقال في المقام بالاخذ بالذيل اعنى: ما يدلّ على كفاية إقامة ستة أشهر في وجوب الإتمام، لا بالصدر اعنى بنفس اقتضاء اطلاق الاستيطان.

نقول: إنّ ما قلت من تقديم ظهور المفسّر على المفسّر عنه في محله، لكن هذا فيما لو لم يكن ظهور المفسّر عنه اقوى من ظهور المفسّر كما في ما نحن فيه، فإن ظهور الاستيطان في الوطن العرفى أقوى من ذيل الرواية الواقع في مقام التفسير، فلا بدّ من حمل الذيل على المثال، و أن ستة أشهر تكون من باب المثال، خصوصا مع ما وقع في روايات اخرى من التعبير عن الاستيطان بهيئات مختلفة من «تستوطنه» أو «وطنه» فإنّ تقييد هذه المطلقات الواردة في مقام البيان بما في ذيل رواية ابن بزيع مشكل، فعلى هذه لا يستفاد من هذه الرواية إلّا الوطن العرفي، و المراد من قوله:

«يقيم» هو أن هذا الموضع يكون معدّا للإقامة فيه بحسب بنائه و اتخاذه وطنا، فلا يكفى صرف إقامة

ستة أشهر سابقا و إن أعرض بعد ذلك عنه في وجوب الإتمام، فلا يثبت الوطن الشرعي بالرواية.

[حاصل كلام المحقق الهمدانى و العلامة الحائرى رحمه اللّه]

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه الاستدلال بهذه الرواية في عدم إثباتها أزيد من الوطن العرفي، و هذا حاصل ما يستفاد من كلام الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه «1» و آية اللّه الحائرى رحمه اللّه.

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 739.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 31

إذا عرفت ذلك نقول في مقام فهم ما هو المراد من الرواية بأنّ (الضيعة) تطلق في الأصل على مطلق حرفة الرجل و صناعته، ثمّ استعملت بعد ذلك في خصوص العقار و كل أرض معدّة للزرع، و ضيعة الرجل عبارة عن مزرعة، أو قرية، أو أرض معدّة للزراعة سواء كان صاحب الضيعة بنفسه زارعها، أو كان المتصدى للزراعة فيها شخصا غيره، و من كانت له ضيعة إذا لم يكن زارعها بنفسه فيكون المتعارف سكناها في غير الضيعة إمّا في البلد الواقعة هذه الضيعة حوله، أو في بلد آخر و يكون المتعارف أن صاحب الضياع ساكن في البلد، غاية الأمر يروح و ينزل في ضيعته في كل سنة مرة أو مرتين للاطلاع بوضع الضيعة من كيفية بذرها، و ترتيب فلاحتها، و جمع البيدر و غير ذلك.

و ربما يكون له فيها دار و منزل يسكن فيه متى يذهب الى الضيعة، و ربما لا يكون له فيها منزل و دار مخصوص للاقامة فيها، بل ينزل في منزل من منازل أحد الساكنين في الضيعة مثلا من الرعايا.

و بعد ما عرفت من أن المراد من الوطن ليس ما يفهمه العجم من كونه عبارة عن البلد، أو القرية الّتي يكون الشخص مقيما فيها، و كان موطنه و مولوده، بل

يكون المدلول من الوطن أضيق دائرة من هذا و إن كان لا يعتبر فيه كون هذا الموضع ملكا له، لأنّ الوطن كما قلنا عبارة عن المسكن، و المسكن لا يطلق على بلد الشخص أو قريته إلا مسامحة، بل المسكن عبارة عن بيت أو دار يكون الشخص ساكنا فيه، كما ترى أن ذلك يستفاد من بعض هذه الروايات المتعرضة للاستيطان، فإن فيها فرض بأن يكون للشخص في الضيعة منزل يستوطنه، فالتوطن و السكونة يقع في الضيعة، فالضيعة اوسع دائرة من ذلك، فالمراد من الوطن أعني: المسكن، هو بيت، أو دار، أو منزل يكون للشخص في بلد، أو قرية، أو ضيعة يستوطن فيه.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 32

فعلى هذا نقول: إن هذه المسألة كانت مورد السؤال و الجواب عند العامة، و كذا الخاصّة كما ترى أن بعض العامة قائلون بوجوب الإتمام على صاحب الضيعة إذا مرّ بها تمسكا بأن من ينزل في ضيعته فهو في ملكه، و بيته و من يكون في داره و بيته فليس بمسافر، و لا يجب القصر إلّا على المسافر، بل يجب عليه الإتمام، و كان هذا الموضوع موردا لسؤال السائلين في هذه الروايات، فاذا نرجع الى الروايات و نحاسب ما يستفاد منها.

[النظر فى الروايات الوردة فى الباب التى فيما لفظ الوطن]

فنقول: إن بعضها ورد التعبير فيه بلفظ (تستوطن) و اثبت الحكم بالإتمام في الضيعة في صورة الاستيطان بالمفهوم، و هو روايات علي بن يقطين الّتي قلنا بأنها كلها رواية واحدة، و هي الرواية 1 و 6 و 10، لأنّ لسان الرواية يكون هكذا «كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير» في الرواية 1، و قال «كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل، و ليس لك أن تتمّ فيه»

في الرواية 6، و قال «كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير» في الرواية 10 من باب 14 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.

فيستفاد من هذه العبارة أن كل منزل لا تستوطنه يعني: ما اتخذته وطنا، و ما وقع منك الاستيطان فيه بعد فليس لك بمنزل أو يجب عليك التقصير، فيكون مفهوم هذه القضية هو أن كل منزل من منازلك وقع منك الاستيطان فيه و اتّخذته وطنا اعني: مسكنا من قبل، فيجب عليك فيه الإتمام.

فيستفاد من هذا اللسان انّه يعتبر حصول الاستيطان، و طلب السكونة، و وقوعها من الشخص من قبل حتى يجب عليه الإتمام بعد حصول ذلك، فلا يكفي في وجوب الإتمام الاستيطان الحاصل من بعد ذلك المرور، أو في حال المرور «فلا يستفاد منها الوطن العرفي، لأنه لا يكفي مجرد اتخاذ الوطن فيه و إن أعرض عنه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 33

بعده في وجوب الإتمام».

و بعضها و هي الرواية 9 من هذا الباب، و هي أيضا من جملة روايات علي بن يقطين، فهي صريحة في اعتبار حصول السكونة الفعلية لإتمام البعدية، و صريح في كون المراد من الوطن هو المسكن لكون التعبير بلفظ (سكن) لأنّ لسان الرواية هكذا «قال: إن كان ممّا قد سكنه اتم فيه الصّلاة فإن كان مما لم يسكنه فليقصر».

و بعضها و هي الرواية 8 من هذا الباب الّتي رواها الحلبى (و ما في نقل صاحب الوسائل عن حمّاد اشتباه) و الصحيح هو نقل الوافي هي بهذه العبارة «عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصّلاة أم يقصر؟ قال:

يقصر، إنما هو المنزل الّذي توطنه».

فلفظ (توطنه) يحتمل لأنّ يكون توطنه

اعنى الماضي من توطن يتوطن، و ان استشكل على هذا الاحتمال الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه، «1» أو يكون مضارعا و خطابا، أو بعض احتمالات أخر، فمع هذه الاحتمالات لا صراحة في الرواية، بل لا دلالة لها على اعتبار فعلية الاستيطان، بل قابل للحمل على ما قلنا في ساير الروايات و هو حصول الاستيطان أعني: السكونة قبلا، فلا يستفاد من هذه الروايات ما ينافي اعتبار السكونة و تحققها قبل المرور بالضيعة في وجوب الإتمام إذا مرّ بها.

إذا عرفت حال هذه الروايات يبقى الكلام في رواية ابن بزيع و هذه الرواية، مع ما بينّا لك من كون الوطن عبارة عن المسكن لا ما يتبادر منه عند أهل العجم، و مع ما بينّا لك من كون حكم نفس الضيعة بنفسها من حيث ورود صاحبها فيها من

______________________________

(1)- مصباح الفقيه، ص 739.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 34

جهة حكمه في القصر و الإتمام موردا للسؤال و الجواب عند العامة و الخاصة، و مع ما قلنا من أن وجوب الإتمام في الوطن الأصلي، و المسكن الحقيقي من باب كون الشخص غير مسافر و عدم صدق ضارب الأرض عليه، لا من باب دليل خاص وارد فيه.

لا يستفاد من هذه الرواية إلّا أن السائل أعني: ابن بزيع سئل عن حكم مسئلة الورود على الضيعة الّتي كانت مورد السؤال و الجواب عند العامة و الخاصة، فلا يكون سؤاله راجعا أصلا الى الوطن و المسكن العرفي الّذي يكون مقابل السفر و الضرب في الأرض، بل يكون سؤاله عن حكم الضيعة الواقع مورد السؤال و الجواب، و هو من حيث إن من يكون مسكنه محلا آخر، و له ضياع، و يمرّ بضياعه هل يجب

عليه الإتمام فيها أم لا خصوصا مع وضع السائل، فإن ابن بزيع كان دخيلا في مؤسسة خلافة بني العباس، و له ضياع و كان مسكنه في غير ضياعه، غاية الامر قد يتفق له المرور بضياعه للاطلاع على وضع زراعتها و جهاتها الاخرى، فلم يكن أصل السؤال و الجواب عن الوطن و المسكن الأصلي المقابل للسفر، أو بتعبيرهم لا يكون السؤال و الجواب راجعا الى الوطن العرفي، بل عن الضيعة و هي غير مستقر الشخص و مسكنه العرفي.

و الشاهد على ذلك- مع قطع النظر عما بينا من وضع الضيعة و حكمها الواقع مورد السؤال و الجواب عند العامة و الخاصة- هو انّه إن كان المراد من الاستيطان، و سؤال السائل و جواب الامام عليه السّلام من الوطن العرفي، فيلزم أن يكون الاستثناء، و هو قوله عليه السّلام في الرواية «إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه» منقطعا لأنّه مع ما قلنا من أن المتعارف في الضياع هو كون وطن صاحبها و مسكنه في غيرها، و

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 35

لا يتعارف سكونته العرفية فيها، فقوله (إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه) يعني إلّا أن يكون لصاحب الضيعة فيها منزل اتخذه مسكنا عرفيا لنفسه يكون خارجا عن الوضع المتعارف من الضيعة، لأنّ قسما من الضيعة لا يتخذه مسكنا عرفيا فيه، بل المتعارف ما قلنا، فيكون الاستثناء خارجا عن وضع الضيعة، فالاستثناء يكون منقطعا على هذا، و هو خلاف الظاهر.

فبعد ذلك نقول: بأن حاصل السؤال و الجواب هو انّه بعد ما سئل السائل عن حكم الضيعة، و أن الشخص يقصر فيه أولا، أجاب عليه السّلام بعدم البأس بذلك يعنى:

القصر ما لم ينو البقاء عشرة أيام إلّا

أن يكون له في الضيعة منزل اتخذه مسكنا لنفسه فسأل عن المقدار الّذي يكفي في السكونة في الضيعة، فاجاب عليه السّلام بأن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، يعني: إذا سكن في منزل له في الضيعة ستة أشهر، فيجب عليه الإتمام فيها إذا مربها، فلا يستفاد من الرواية إلّا انّه يعتبر في وجوب الإتمام في الضيعة سكونته ستة أشهر، و هذا غير مربوط بالوطن العرفي اصلا لما قلنا من أن الإتمام في الوطن العرفي يكون من باب عدم كون الشخص مسافرا و ضاربا في الأرض، و لا حاجة الى دليل خاص، و أمّا في الضيعة فهو مع كونه مسافرا، و كون مسكنه غير الضيعة إذا أقام فيها ستة أشهر يجب عليه الإتمام بشرط أن يكون له ملك فيها.

فظهر لك ممّا قلنا في هذا المقام أن وجوب الإتمام على غير المسافر أعني: من يكون في منزله و مسكنه، و بتعبير القائلين بالوطن العرفي من يكون في وطنه، ليس إلّا من باب كونه غير مسافر و عدم كونه ممّن يضرب في الارض، فلا حاجة في وجوب الإتمام عليه الى دليل خاص، بل من أول الأمر من يكون كذلك خارج عن

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 36

الحكم الّذي ثبت للمسافر، و هو وجوب القصر.

فما ترى من أن الفقهاء قبل العلّامة رحمه اللّه لم يعدّوا المرور بالوطن و المسكن من القواطع، و ليس هناك تعرض في كلماتهم له، ليس إلّا من باب عدم الحاجة الى ذكر ذلك، لأنّ كلامهم- على ما هو صريح في عناوين كلماتهم- في احكام صلاة المسافر و وجوب القصر عليه، فمن لا يكون مسافرا خارج من رأس عن موضوع كلماتهم، فلا حاجة الى

استثناء غير المسافر عن الأحكام الثابتة للمسافر.

مضافا الى أن الكلام يكون في قواطع السفر، و الكلام فيه هو في ما يكون الشخص مسافرا و وقع له قاطع في سفره، و لهذا ينبغي أن يذكر في هذا المقام أمران:

الأمر الأول: العزم على الإقامة عشرة أيّام في محل.

و الأمر الثاني: بقاء ثلاثين يوما مترددا في محل، فهما قاطعان لحكم السفر اعني القصر «على الكلام الّذي يأتي من كونهما قاطعين للموضوع أو الحكم».

[المرور فى أثناء السفر بالوطن لا يكون قاطعا]

و أمّا المرور في اثناء السفر الى الوطن و المسكن فلا يعد قاطعا، لأنّ من مرّ بوطنه و مسكنه فهو غير مسافر، لا أن يكون مسافرا و مع ذلك طرأ له القاطع، فلهذا لا ينبغي أن يذكر المرور بالوطن و المسكن من جملة القواطع، فلاجل ما قلنا لم يتعرض القدماء قبل العلّامة رحمه اللّه للمرور بالوطن و لم يعدّوه من القواطع، و إذا بلغ الزمان الى العلّامة رحمه اللّه تعرض لذلك و ذكر بأن مع المرور بالوطن و المسكن في اثناء السفر يجب الإتمام، و لعل ذلك كان لتوضيح منه، و إلا لا حاجة الى التعرض له.

فالمرور بالوطن و المسكن موجب للاتمام من باب كون الشخص غير مسافر فوجوب القصر ثابت للمسافر، وجوب الاتمام لغير المسافر، فمن لم يكن مسافرا يجب عليه الإتمام سواء صدق عرفا بأنّه في وطنه أم لا، فلا يدور حكم وجوب

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 37

الإتمام لغير المسافر مدار صدق الوطن العرفي.

و أيضا ظهر لك أن حكم وجوب الإتمام الثابت على كل من يمر بكل موضع يكون فيه له ملك قد استوطنه ستة أشهر، و إن أعرض عنه مع بقاء ملك له فيها، الذي افتى به المشهور، و هو مختار

الشّيخ رحمه اللّه و غيره، و هو ظاهر كلام العلّامة رحمه اللّه في القواعد «1» في باب قواطع السفر فإنه قال «و كذا لو كان له في الاثناء ملك قد استوطنه ستة أشهر متوالية و متفرقة، و لا يشترط استيطان الملك، بل البلد الّذي هو فيه و لا كون الملك صالحا للسكنى بل لو كان له مزرعة أتم الخ».

[في ان مراد المشهور من الوطن المسكن كما قلنا]

ليس من باب كون هذا الموضع وطنه العرفي، و لا وطنه الشرعي المعبّر عنه في بعض الكلمات، و نسب الى المشهور بأنّهم قائلون بالوطن الشرعي، لما قلنا من أن حمل روايات الباب و رواية ابن بزيع على الوطن العرفي لا وجه له، و ليس في كلماتهم التعبير بالوطن الشرعي، و لم يقل بذلك بمعنى جعل مستقل من الشارع في باب الوطن في مقابل الوطن العرفي، حيث إنه ما وقع من الشارع جعل في هذا الباب في قبال العرف حتى يقال إن من المجعولات الشرعية هو الوطن الشرعي، و ليس مراد المشهور أيضا ذلك.

بل مراد هم كما يظهر من كلماتهم بعد توضيح منا من أن المراد من الوطن المسكن، و بعد ما قلنا من أن حكم الضيعة من حيث القصر و الإتمام فيها كان مورد الكلام عند العامة و الخاصة، كما ترى أن الشافعي من العامة قال في أحد قوليه:

بوجوب الإتمام تمسكا بأن من ورد الى ضيعته، فهو في بيته و منزله، فيجب عليه

______________________________

(1)- قواعد كتاب الصّلاة فصل 5، ص 5

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 38

الإتمام، و قال في أحد قوليه: بخلاف ذلك تمسكا بفعل الصحابة، و انهم بعد هجرتهم الى المدينة متى دخلوا مكّة قصروا من الصّلاة، و الحال أن مكّة بيتهم و محل اقامتهم

سابقا، و استشكل على ذلك بأن قصرهم بمكة كان من باب عدم كون ملك لهم في حال زيارتهم البيت و دخولهم بمكة، لانهم باعوا منازلهم و املاكهم، و وجوب الإتمام فرع بقاء ملك للشخص في الضيعة، و لكل موضع يكون له فيه ملك، و على كل حال يكون الغرض أن المسألة كانت مورد الكلام عند العامة.

و كذلك كانت مورد الكلام عند الخاصّة كما ترى أن المسألة وقعت مورد السؤال و الجواب من زمن الصادق و الموسى و الرضا عليه السّلام هو انّه يجب الإتمام في هذا الموضع مع كون الشخص في السفر، و عدم كونه غير مسافر، لأنّ من مرّ بضيعته يكون برزخا بين المسافر و الحاضر، فلا يكون حاضرا لعدم كونه في منزله و مسكنه العرفي و مع ذلك لا يكون كسائر المسافرين، لأنّ وضعه في ضيعته على غير وضع المسافرين و لكن مع ذلك لم يخرج من كونه مسافرا، فمع كونه مسافرا يجب عليه الإتمام لما يظهر من رواية ابن بزيع.

فالحكم الّذي افتى به المشهور هو حكم يثبت من هذه الرواية، إنما الكلام في بعض خصوصياته.

فنقول: أمّا اعتبار إقامة ستة أشهر و اشتراطها فلدلالة رواية ابن بزيع عليه.

و أمّا اشتراط كون ملك له فيه، و إن لم يكن إلا نخلة واحدة، فلرواية رواها عمّار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: يتم الصّلاة و لو لم يكن له إلا نخلة واحدة، و لا يقصر، و ليصم إذا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 39

حضره الصوم و هو فيها). «1»

فهذه الرواية تدلّ على أن مع الملك و إن لم يكن إلا

نخلة واحدة يجب الإتمام، و بعد فهم هذه الرواية و تقييدها برواية ابن بزيع الدالة على أن مجرد المرور إذا لم يقم فيها ستة أشهر لا يصير موجبا للإتمام، فتكون النتيجة هي وجوب الإتمام في الضيعة و امثالها إذا سكن فيها ستة أشهر.

و أمّا بعض الروايات الاخرى الواردة في الباب و إن كان مورد فرض الرواية موردا يكون للشخص ملك، و لكن مع ذلك لا يستفاد منه اعتبار الملك في وجوب الإتمام في الضيعة، لأنّ صرف كون المورد الّذي وقع منه السؤال موردا يكون ملك للشخص ليس دليلا على اعتبار الملك، إذ لعل ذلك كان من باب المورد، و المورد لا يخصص و لا يعمم، و يمكن انّه إذا كان السؤال عن مورد لا يكون للشخص ملك يامر الامام عليه السّلام بالاتمام أيضا، فالدليل على اعتبار الملك هو رواية عمّار الّذي وقع التصريح فيها بأن الحكم بالاتمام مقيد بصورة وجود الملك و إن لم يكن إلا نخلة واحدة.

و أمّا عدم اعتبار التوالي في ستة أشهر و كفاية إقامة ستة أشهر متفرقة في وجوب الإتمام فنقول: إن كنا نحن و ظاهر رواية ابن بزيع فلا بدّ من الالتزام باعتبار تحقق إقامة ستة أشهر متوالية، لأنه قال: إن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، و ظاهر هذه العبارة هو حصول ذلك بالتوالي.

و لكن بعد ما نرى خارجا ما هو المتعارف في الإقامة في الضيعة من إقامة

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 14 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 40

مالكها و صاحبها فيها يوما، أو يومين، أو أكثر من ذلك بقليل، و لا يتعارف إقامة سنة أشهر متوالية أو اكثر من اصحاب

القرى و الضياع في قراهم و ضياعهم- خصوصا ابن بزيع فإنه كان دخيلا في أساس حكومة بني العباس، و مشغولا بشغل فيه، فكيف هو يتوقف ستة أشهر في ضياعه و ليس متعارفا الإقامة بهذا المقدار متواليا- فنستكشف من هذا انّه لا تعتبر إقامة ستة أشهر متوالية، لأنّ بعد كون المتعارف هو الإقامة أقل من ذلك، فلا يفهم العرف من ستة أشهر إلّا ما هو المتعارف عند هم من وقوع ذلك متفرقة، فإن كان نظره عليه السّلام بالتوالي لكان اللازم بيانه، فلاجل ذلك نقول بعدم اعتبار إقامة ستة أشهر متوالية.

[لا يصير الأعراض مانعا عن حكم الاتمام]

و أمّا عدم كون الإعراض مضرا اعني: إذا أقام الشخص ستة أشهر و لو متفرقة في موضع يكون له فيه ملك، يجب عليه الإتمام إذا مر بهذا الموضع و إن أعرض عن الإقامة في هذا الموضع.

فلأن ظاهر رواية ابن يزيع هو كفاية إقامة ستة أشهر في ذلك الموضع، و ظاهر رواية عمّار هو دخالة كون الملك له فيه، و بعد عدم الدليل على كون الإعراض مضرا، فلا بدّ من الأخذ بهذا الظهور، و مقتضاه هو اعتبار ما قلنا فقط، فلا يصير الإعراض مانعا عن حكم الإتمام إذا حصل سائر ما هو المعتبر في موضوع الحكم، فافهم، هذا تمام الكلام في هذا الباب.

ثمّ إنه قد ظهر لك ممّا مرّ أن من لم يكن مسافرا و لا يصدق عليه انّه المسافر و الضارب في الأرض، يجب عليه الإتمام سواء يصدق عليه انّه في وطنه أولا يصدق ذلك، فمن يكون في مسكنه و موطنه يجب عليه الإتمام لكونه غير مسافر.

[هل يعتبر فى الاتمام على المقيم قصد الاقامة دائما او لا؟]

ثمّ إنه يتولد هنا فرع، و هو انّه هل يعتبر في هذا المحل الّذي يجب على الشخص

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 41

فيه الإتمام لكونه غير مسافر، أن يكون من قصده الإقامة فيه دائما، بحيث انّه لو لم يكن قاصدا لذلك كان الواجب عليه القصر، أولا يعتبر ذلك، فمن ذهب الى موضع غير مسكنه و موطنه الأصلي، و أقام فيه و له فيه أهل، و عيال، و متجر، و مكسب، و أراد الاقامة فيه فعلا و إن لم يكن قاصدا فعلا لإقامته فيه دائما، أو يكون مترددا في الإقامة فيه، فهل يجب عليه القصر، أو يجب عليه الإتمام إذا مر بهذا الموضع.

فهل يقال: إنه مسافر في هذا المحل،

أو يقال: إنه غير مسافر بشرط عدم اعراضه فعلا عن الاقامة فيه؟

مثلا نحن أهل العلم الساكنون في النجف الأشرف أو في قم يكون وضع تحصيلنا بالاقامة في احدهما زمانا، و لم نكن بانين على الإقامة في أحدهما دائما، أو لم يكن بنائنا فعلا بالنسبة الى الإقامة البعدية، أو لم نكن ملتفتين الى ذلك أصلا، أو نكون مترددين في الإقامة البعدية من تلك المدة الّتي أقمنا في احدهما، و لكننا مقيمون في احدهما فعلا، بل لبعضنا اهلا و عيالا في أحدهما، فهل نكون نحن مسافرين، و يقال في حقنا عرفا بانا مسافرون، أو يقال في حقنا بأنا غير مسافرين؟

لا يخفى عليك أن بعض صغرياتها و إن كان مورد الإشكال في صدق المسافر عليه و عدم صدقه، و بتعبير آخر في صدق المقيم عليه و غير المقيم، و لكن لا اشكال في أن بعض صغرياتها لا يعد في العرف مسافرا، بل يعد عندهم انّه غير مسافر، فأفهم.

الثاني: من القواطع
اشارة

العزم على اقامة عشرة أيّام، و من القواطع توقف ثلاثين يوما أو شهر مترددا في المكان.

[في ذكر الروايات الواردة فى كون الاقامة و اقامة شهر قاطع للسفر]

اعلم أن كونهما قاطعين للسفر في الجملة مسلّم لدلالة روايات متعددة

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 42

على ذلك.

منها رواية أبي بصير «1»، و هي ليست رواية مستقلة غير رواية 13 من هذا الباب و الراوي في كليهما أبو بصير مع اختلاف يسير في متنها، و اختلاف النقل حصل من جهة اختلاف الراويين عن ابي بصير، و الراوى عنه في الرواية 3 علي بن حمزة، و هو الّذي يكون من الواقفية و معروف بالوقف.

و رواية اخرى و هو الّذي يروي عنه كما في رواية 13 يعقوب بن شعيب، و هذا الطريق أصح من طريق الرواية الاولى لما قلنا من كون علي بن حمزة المعروف بالوقف في طريق الرواية الاولى.

و على ما يروي يعقوب تكون الرواية مسندة لأنه يروي عن ابي بصير و هو القائل (قال أبو عبد اللّه عليه السّلام) فالسند متصل به عليه السّلام بخلاف رواية علي بن حمزة فإن على مقتضاها تكون الرواية مقطوعة لأنه يروي من ابي بصير، و يكون السند بهذا النحو «علي بن حمزة عن أبي بصير قال: إذا قدمت الخ» فلم يذكران أبا بصير عمّن يروى الرواية فتصير مضمرة.

و على كل حال يستفاد من هذه الرواية كلا الحكمين أعني: حكم وجوب الإتمام في صورة عزم عشرة أيّام في أرض، و حكم إقامة شهر مترددا في محل، و قبل تماميته يجب القصر مع الإقامة مترددا و بعد تمامية الشهر يجب عليه الإتمام.

و منها رواية ابي ولاد الحنّاط «2» فإنه يستفاد منها كلا الحكمين.

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية

5 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 43

و منها الرواية الّتي رواها زرارة عن ابى جعفر المستفاد منها كلا الحكمين.

و منها رواية محمد بن مسلم «1» و كان أبو أيّوب حاضرا حينما سأل محمّد بن مسلم هذا الحكم عن المعصوم عليه السّلام و هو أبو أيوب فما في نسخ الوسائل (ابن ابي أيوب) بدل (أبي أيوب) اشتباه، و محمد بن مسلم يروي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و يستفاد منها أيضا كلا الحكمين، و ما في ذيل الرواية بعد بيان الحكمين و هو «فقال محمد بن مسلم: بلغني انك قلت: خمسا، فقال قد قلت ذلك، قال أبو أيوب فقلت أنا جعلت فداك، يكون أقل من خمسة أيّام؟ قال: لا». «2»

فالمراد منه هو انّه ما قال سابقا كان من باب التقية، و لذا قال (قد قلت ذلك) و لكن مع الحكم في الصدر بما ينافي ذلك أعني: الإتمام في الخمسة فقوله (قد قلت ذلك) اعني قلت، و لكن ما قلت كان من جهة التقية و إلّا فالحكم ما قلت في الصدر، و بعد ما سأل ابو أيوب في أقل من خمسة فأجاب أيضا بقوله لا، يعني: لا توجب الإقامة في أقل من الخمسة الإتمام «و قيل: يحتمل الذيل أعنى: (قد قلت ذلك) أعنى:

قلت حكم المسألة بأن الإتمام واجب في صورة العزم على إقامة عشرة أيّام، فظهر حكم أقل من العشرة يعني لا يجب الإتمام، و لذا لم يقل (نعم، قد قلت ذلك) و حمل الشيخ حكم الخمسة على من كان بمكة أو بالمدينة». «3»

______________________________

(1)- الرواية 12 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 12 من

الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- أقول: و من القريب كون الرواية 16 الّتي رواها حريز عن محمد بن مسلم و هو لم يذكر عمّن يروي، و لذا تكون الرواية مضمرة، هي هذه الرواية لا غيرها، غاية الأمر تارة نقل محمد بن مسلم ما سمع فروى عنه حريز، و تارة نقل أبو أيوب المستمع لما سأل محمد بن مسلم،-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 44

و تدلّ على الحكمين بعض روايات أخر مثل رواية معاوية بن وهب.

و تدلّ على نفس وجوب الإتمام في صورة العزم على الإقامة عشرة أيّام فقط بعض الروايات أيضا.

و على كل حال أصل المسألة أعني وجوب الإتمام في صورة العزم على إقامة عشرة أيّام، و في صورة إقامة الشخص مترددا شهرا او ثلاثين يوما «باختلاف الروايات في ذلك» في الجملة ليس مورد الإشكال.

و إنما الكلام في بعض خصوصيات المسألة فنقول بعونه تعالى: إنه يقع الكلام في جهات:

الجهة الأولى: في أن موضع هذين الحكمين هل يكون خصوص البلد، أو القرية، أو الكوخ مثلا بحيث إن قصد إقامة عشرة أيّام أو إقامة شهر مترددا إذا كان في بلد، أو قرية، أو كوخ موجب للإتمام، أو لا خصوصية للبلد، و القرية، و الكوخ، بل كل موضع تعلق العزم بالاقامة فيه عشرة أيّام، أو أقام فيه ثلاثين يوما و لو كان هذا الموضع بادية من البوادي، أو على رأس جبل، أو عند عين جارية يجب الاتمام؟

لا إشكال في عدم خصوصية للبلد، أو القرية، أو الكوخ بل يشمل الحكم لكل موضع من الأرض و الجبال و غيرهما، لأنّ الوارد في بعض الروايات و إن كان البلد، و لكن بعد عدم خصوصية للبلد «بل في بعض الروايات

التصريح بكفاية مطلق الأرض لأنه فرض فيه الإقامة في أرض» فثبوت الحكمين لمطلق موضع عزم

______________________________

- فالروايتان واحدة، و إن كان بينهما اختلاف يسير بحسب المتن و ما قلت اختاره سيدنا الأستاذ- مد ظله- في يوم البعد في مجلس البحث. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 45

الشخص على الاقامة فيه عشرة أيّام، أو أقام فيه شهرا مترددا ممّا لا إشكال فيه.

الجهة الثانية: هل يعتبر أن تكون هذه الإقامة فيمن عزم على الإقامة عشرة أيّام و فيمن أقام ثلاثين يوما، في محل واحد، أو يكفى كونها في محلين؟ مثلا يعتبر أن يعزم على إقامة عشرة أيام أو إقامة ثلاثين يوما مترددا في النجف الأشرف فقط في موجبيتها لطرو الحكمين، أو يكفى العزم على الإقامة في النجف الأشرف و الكوفة، أو في الكاظمين و بغداد، أو في قم و جمكران كليهما، بأن يعزم على الإقامة في كلا المحلين عشرة أيّام أو أقام مترددا في كليهما شهرا.

لا إشكال في اعتبار كون ذلك في محل واحد، لأنّ معنى الإقامة في أرض، أو بلد ليس إلّا هذا.

نعم، يقع الكلام في أن الإقامة في محل يكون معناه هو العزم على خصوص الإقامة في هذا الموضع، و الشاهد ظهور الأخبار في ذلك لأنّه قال مثلا «إذا دخلت أرضا» أو «إذا اتيت بلدة» أو «إذا دخلت بلدا» و غير ذلك، او يكون أوسع من ذلك نذكره في الجهة الثالث.

الجهة الثالثة: يقع الكلام في ما هو المراد من الإقامة المتعلقة بها العزم، و الإقامة المعتبرة في ثلاثين يوما مترددا.

و انّه هل يكون المراد من الإقامة هو أن يتوقف الشخص في خصوص موضع تعلق به الإقامة، مثلا إذا عزم على الإقامة في بلد، أو قرية، أو

كوخ، أو خيمة لا بدّ أن يقيم في نفس البلد بحيث لا يخرج من سوره، أو من جدران القرية أو من الكوخ و الخيمة، أولا يضرّ بصدق الإقامة الخروج الى اطراف البلد، أو القرية الّذي قصد

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 46

المقام فيهما و حواليها من المزارع و البساتين، أو اطراف الكوخ و الخمية، أو لا يضرّ بصدق الاقامة الخروج الى حد الترخص من البلد، أو القرية الّتي أقام الشخص فيها، أو تكون دائرة الإقامة أوسع من ذلك، فلا يضرّ في صدق الإقامة الخروج الى ما دون المسافة، فما نقول في المقام؟

لا يخفى عليك أن دائرة الاقامة ليست ضيقة بمقدار حتى يقال: إن من قصد الإقامة في محل لا بدّ من أن لا يخرج عن نفس هذا الموضع، و يرسم خطا في أطرافه، فاذا خرج عن هذا الخط خرج عن المقيم في هذا المحل، بل الإقامة في محل بحسب الصدق العرفى لا ينافى الذهاب و الإياب الى حوالي هذا الموضع، بل ربما تقتضي الإقامة في كل موضع الإياب و الذهاب الى حواليه و حواشيه القريبة.

[في ذكر الاقوال فى المسألة]

إنما الكلام في ما ينبغي أن يقال في هذا المقام.

فهل نقول بعدم اعتبار الخروج من سور البلد كما يظهر من الشّيخ المهدي الفتوني رحمه اللّه أستاذ بحر العلوم رحمه اللّه؟

أو نقول بعدم مضرية الخروج الى أقل من المسافة في صدق الإقامة.

أو نقول بعدم مضرية الخروج الى حدّ الترخص لا أزيد من ذلك في صدق الإقامة، أو نقول بعدم كون الخروج الى التوابع المتصلة من البساتين و المزارع القريبة من البلد مضرّا في صدق الإقامة في البلد.

أو نفصّل بين من يخرج من محل الإقامة الى ما دون المسافة و يعود عن

قريب بحيث يعود في يومه أو يعود في ليلته، لأنّ ينام في هذا المحل بحيث يكون هذا المحل محل نومه و بين من لا يعود كذلك، وجوه في المسألة بل اقوال.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 47

و الحق أن يقال: بأن السفر الّذي هو عبارة عن البعد عن المسكن و المنزل يقتضي بحسب وضعه، و في كل يوم و ليلة مقدارا من السير و الحركة، و يقتضي مقدارا من التوقف و الاقامة للاستراحة من النوم و الأكل و الشرب و غير ذلك، و هذا المقدار من السير و التوقف في كل يوم و ليلة هو المقدار المتعارف في السفر و التوقف، فهذا المقدار من الإقامة كما قلنا غير مناف مع وضع السفر، و معه يعدّ الشخص مسافرا، و لا يخرج بذلك من المسافرة، و لا يعدّ بأنّه متعطل للسفر، و تارة يقيم الشخص في ضمن السفر في محل، و يكون وقوفه فيه بمقدار يعدّ في العرف تعطل السفر، و أقام في هذا المحل، و بالفارسية يقال ان المسافر «لنگ كرده است» فاذا تعطل السفر بالاقامة في محل.

فنقول: إن الإقامة في بلد أو محل آخر في ضمن السفر، تارة تكون بنحو يقال للمقيم، إنه متعطل للسفر بالاقامة في هذا المحل، فهو مقيم فاذا عد مقيما في هذا المحل، فكلما خرج عن هذا المحل الى محل يعد مع هذا الخروج انّه متعطل للسفر فيعد مقيما، لذا قلنا في حاشيتنا على العروة بأن «إقامة المسافر في منزل يوما أو اياما عبارة في العرف عن بقائه فيه متعطلا عما هو شغل المسافرين في كل يوم من مرحلة قصيرة او طويلة لا جعله ذلك المنزل محل استراحته و نومه عند فراغه

من شغل المسافرة في يومه» فالضابط في الاقامة هو أن يعدّ الشخص متعطلا لسفره باعتبار إقامة في المحل الذي أقام فيه فمتى يكون الشخص باعتبار إقامته في محل الإقامة هو متعطلا للسفر فهو مقيم.

فخروجه من موضع إقامته إذا كان في بعض الأمكنة الّتي لا يخرجه عن التعطيل في السفر من حيث كونه مقيما، فهذا المقدار غير مضر بصدق الإقامة.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 48

و أمّا إذا كان خروجه من محل الإقامة الى بعض المواضع من أطراف محل الإقامة و جوانبها الّتي يعد بسبب خروجه إليها انّه انشأ سفرا جديدا، و لا يعد مع ذلك الخروج انّه تعطل للسفر، فهذا غير داخل في حدود الإقامة.

[أنا ندور مدار الضابط فى الاقامة]

فعلى هذا نرى أن في بعض المصاديق تكون الإقامة باقية بنظر العرف باعتبار عدّ الشخص متعطلا للسفر مثل خروجه الى بعض المزارع القريبة من بلد الإقامة، و اطرافه المتصلة به، و في بعض المصاديق لا يعد متعطلا مثل ما إذا خرج أربعة فراسخ أو اكثر، فان هذا سفر لا يعدّ الشخص مع هذه المسافرة إنه متعطل للسفر، و لهذا الضابط بعض المصاديق المشتبهة، و لا يضر ذلك بتمامية الضابط لأنه يجد لنوع الضوابط بعض المصاديق المشتبهة، فعلى هذا نقول: إنا ندور مدار هذا الضابط في الإقامة.

و ليس الاعتبار بما ربما يتوهم، كما اشرنا سابقا، من كون العبرة في الإقامة و عدم مضرية الخروج بكون الذهاب و الاياب في يومه أو ليلته، أو بحيث يكون محل الإقامة محل نومه و استراحته فقط، فلا يضر الخروج بلغ ما بلغ إذا كان نومه و استراحته في الليل في هذا المحل.

لان معنى الإقامة في محل ليس معناها كون المحل محل إقامته في الليل، أو كون

نومه و استراحته فيه، بل كما قلنا تكون الإقامة مقابل السفر، فمتى لا يعدّ الشخص مسافرا يمكن اطلاق المقيم و إلّا فلا، و العرف كما ترى لا يرى الضابط هذا، بل العرف مساعد مع الضابط الّذي اخترناه.

إذا عرفت ما قلنا من الضابط في باب الإقامة فربما يتوهم أن بعض الأخبار تدلّ على كون الاعتبار بغير ما قلنا، فاذا لا بدّ من التعرض للأخبار و مقدار دلالتها

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 49

و تمامية سندها حتى يظهر الحق،

[في الروايات غير مربوطة بما نحن فيه]

فنقول بعونه تعالى: بأن هذه الروايات ثلاثة.

الأولى: رواية اسحاق بن عمّار «قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أهل مكّة إذا زاروا عليهم إتمام الصّلاة قال: المقيم بمكة الى شهر بمنزلتهم» «1».

و توهم أن هذه الرواية تدلّ على انّه لا يضر في صدق الإقامة بمكة الخروج الى عرفات و المنى لأنه بمنزلة أهل مكة، فكما أن أهل مكّة إذا رجعوا الى منى و زاروا البيت يتمون، كذلك المقيم الى شهر يتم إذا رجع الى مكّة لأنه بمنزلتهم.

و فيه أن هذه الرواية غير متعرضة لما نحن بصدده، أعنى: ما يكفى في صدق الإقامة و ما يضرّ في صدقها في محل، و انّه إذا اراد الشخص ان يقيم عشرة أيّام في محل، أو بقى مترددا في محل فهل يلزم أن يكون في خصوص هذا المحل أو لا يضرّ في الإقامة الخروج الى الاطراف القريبة، أو الى فرسخ أو فرسخين، أو إلى ما دون المسافة، فنزاعنا في هذا الحيث و في ما يتحقّق به أصل الإقامة، و ليس الكلام في بعد الإقامة ما حكمه، و ما أثر الإقامة، فربما يكون أثر إقامة عشرة أيام أو شهر مترددا أنه بعد تحقق ذلك

لا يكون الخروج الى الاقل من المسافة بل المسافة أيضا مضر في وجوب الإتمام عليه إذا رجع الى محل إقامته، و الرواية متعرضة لهذا الحيث، و لا بدّ من إجراء الكلام بعد ذلك في انّه يمكن أن يحكم بما يحتمل في الرواية من أن الخروج الى هذا الحد غير مانع من وجوب الإتمام إذا رجع الى المحل الّذي وقعت فيه اقامة عشرة أيّام مع العزم أو شهر مترددا أولا، فإن نفس هذه المسألة محل الكلام و على كل حال فهي غير مربوطة بما نحن في مقامه.

______________________________

(1)- الرواية 11 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 50

الثانية: رواية زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام (قال: من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه اتمام الصّلاة، و هو بمنزلة أهل مكة، فاذا خرج الى منى وجب عليه التقصير، فاذا زار البيت أتمّ الصّلاة، و عليه إتمام الصّلاة إذا رجع الى منى حتى ينفر. «1»

و توهم أن هذه الرواية تدلّ على أن في إقامة العشرة لا يضرّ الخروج الى الاقل من المسافة الشرعية في صدق الاقامة لأنّ المستفاد من الرواية إن المقيم الى عشرة بمنزلة أهل مكة، فكما أنّه لا يضر في وجوب الإتمام عليهم الخروج الى الاقل من المسافة فكذلك ناوي إقامة العشرة).

و لكن فيه- بعد حمل الرواية على صورة عزم إقامة العشرة لأنّ من يأتي الى مكة فهو يأتي لاداء مناسك الحج فيبقى الى زمان بلوغ الموسم فيقصد الإقامة- ما قلنا في الرواية السابقة من عدم تعرض الرواية لما نحن بصدده، لأنا فعلا نتكلم فيما هو المراد من الإقامة الّتي يكون العزم عليها في عشرة أيّام، أو وقوعها ثلاثون يوما

مترددا و تحقّق عنوانها موجبا للإتمام، فيكون الكلام فعلا في ما هو دخيل في الإقامة حتى كان المعتبر في وجوب الإتمام العزم على الإقامة مع ما هو دخيل فيها أو وقوع الإقامة شهر مترددا مع ما هو دخيل فيها، و في ما لم يكن دخيلا في هذه الاقامة.

و لم يكن الكلام فعلا في انّه بعد تحقق الإقامة على وجهها فما هو اثر العزم على الإقامة الواقعة مورد العزم على وجهها، أو الاقامة الخارجية في شهر مترددا من وجوب الإتمام إذا دخل بعد ذلك في هذا المحل الّذي أقام فيه، كما يمكن أن يستظهر من هذه الرواية، و فيها كلام من حيث انّه هل يكون الحكم الإتمام في محل الإقامة إذا مرّ به بعد حصول الإقامة و تحققها فيه أولا، فالرواية على تقدير دلالتها و الالتزام

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 3 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 51

بمضمونها تدلّ على وجوب الإتمام بعد حصول ما هو موضوع الإقامة، و نحن فعلا نتكلم في ما هو موضوعها فالرواية غير مرتبطة بما نحن فيه.

الثالثة: ما رواها محمد بن حسن «شيخ الطائفة» باسناده عن محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن عبد الجبار، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن إبراهيم الحضينى (قال: استأمرت أبا جعفر عليه السّلام في الإتمام و التقصير، قال: إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام و أتم الصّلاة. قلت: إني أقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ايام، قال: انو مقام عشرة أيّام و اتم الصّلاة). «1»

و توهم أن الرواية تدلّ على أن قصد الإقامة غير مناف مع الخروج الى ما دون المسافة بل الى أزيد من

المسافة، لأنه مع فرض الراوي بأنّه لم يبق في مكّة الا يوما أو يومين أو ثلاثة، لعدم زمان ازيد من ذلك الى بلوغ يوم التروية و يذهب الى عرفات بعد ذلك، مع ذلك أمر عليه السّلام بأن ينوي مقام عشرة أيّام و يتم مع وقوع مقدار من العشرة بحسب قصده في عرفات و المشعر و منى، فيستفاد عدم منافات هذه المسافة في الإقامة بمكة.

و فيه، مع قطع النظر عن سند الرواية، بأن الرواية بحسب الاحتمال، قابلة لان يكون سؤال السائل عن حكم وجوب الإتمام أو القصر في الحرمين، و حيث يكون مفاد بعض الروايات الإتمام فيهما من العلم المذخور عندهم عليهم السّلام، و كانت العامة مخالفة لذلك، فاجاب عليه السّلام السائل، و بيّن الحكم الواقعي بلسان التقية و قال: إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيّام فامر بوجوب الإتمام، و لكن علل الحكم ظاهرا بامر

______________________________

(1)- الرواية 15 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 52

آخر و هو العزم على الإقامة عشرة أيّام تقية، ثمّ بعد ما سأل السائل و (قال: إني اقدم مكّة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة) فمع ذلك أمر بالإتمام لوجوب الإتمام فيهما، و لكن مع ذلك لاجل التقيّة قال إنو مقام عشرة أيّام، فهو عليه السّلام في هذه الرواية يكون في مقام بيان وجوب الإتمام في الحرمين من باب خصوصية فيهما و كون الإتمام فيهما من العلم المذخور، غاية الأمر علّل ظاهرا هذا الحكم بالعزم على الإقامة عشرة أيّام من باب التقية.

و قابلة لأنّ يكون نظر المعصوم عليه السّلام بكفاية العزم على العشرة مع كون بعضها في غير محل الإقامة، بل مع كونه في

بعض أيّام العشرة بحسب قصده الأولى خارجا عن المسافة الشرعية.

و الاحتمال الأوّل اقوى بالنظر، و لا أقل من عدم ظهور الرواية في الاحتمال الثاني، فهذه الرواية أيضا لا يستفاد منها شي ء على خلاف الضابط الّذي قلنا.

إذا عرفت ذلك نقول توضيحا للمطلب: بأن الميزان في الإقامة هل هو كون محل الإقامة محل بيوتة الشخص و نومه في كل ليلة في هذا المحل حتى لو خرج في يومه الى غير هذا المحل الى ما دون المسافة، مثلا بنى الشخص على الإقامة عشرة أيّام في قم، و لكن يذهب في كل يوم الى مسافة لم تبلغ المسافة الشرعية مثلا ثلاثة فراسخ و نصف فرسخ، و يأتي للاستراحة و البيتوتة و النوم في الليل بقم؟

أو يكون الميزان ما قلنا من انّ معنى الإقامة هو تعطيل السفر فكلما يعدّ تعطيلا للسفر فهو مقيم؟

و بعبارة اخرى من الواضح بأن السفر بحسب وضعه الطبيعي يشغل مقدارا من الزمان قسم منه للضرب في الأرض و السير، و قسم منه معد للاقامة و

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 53

الاستراحة و تجديد القوى للسير و الضرب، فالقسم المعدّ لاقامته يكون من السفر لما قلنا من أن وضع السفر يقتضي مقدارا من الإقامة، فمن ينوي الإقامة في محل لا بدّ و أن ينوي أن يصرف مقدارا كان معدا للضرب و السير في الإقامة، لأنّ الإقامة عبارة عن تغيير وضع السفر و هو بأن يعطّل المسافر السير و الضرب و يبدّله بالإقامة، فلا بدّ من أن يصرف المقيم مقدارا الّذي يصرفه في السير و الضرب في الإقامة، فمقدار من الزمان المعد للسير يصرف في الاقامة، لأنّ الإقامة مقابل السفر.

و إن كان تحقق الإقامة بصرف الإقامة في الليل

و بالمقدار المعد للاستراحة فكل مسافر يكون له هذا المقدار من الإقامة، فالإقامة محتاجة الى التوقف و تعطيل السفر أزيد من ذلك المقدار، و هو مقدار الّذي يقتضي السفر و السير و الضرب في هذا المقدار من الزمان للمسافر، فالمقيم هو المتعطل لما يقتضي وضع السفر السير في هذا المقدار، فعلى هذا لا يكفي في تحقق عنوان الإقامة، و صدقها بنظر العرف صرف البيتوتة في الليل، أو جعل موضع محل نومه في الليل، بل لا بدّ من كون المقيم معطلا للسفر حتى يصدق عليه انّه مقيم.

[لا يكون محل الاقامة عبارة عن محل النوم و الاستراحة]

ثمّ إن القائل بكون الميزان في صدق الإقامة هو كون محل الإقامة محل بيتوتته بالليل أو محل نومه و استراحته في الليل لا بدّ من أن يلتزم بأن.

الخروج الى الأزيد من المسافة لم يكن مضرا في صدق الإقامة إذا كان يعود في الليل، مثلا عزم الشخص على الإقامة في الطهران عشرة أيّام، أو في ضمن إقامة شهرا مترددا فيه، و لكن يكون له شغل فيذهب كل يوم الى قم، و الحال أن ما بين قم و طهران ازيد من المسافة الموجبة للقصر، و يشتغل بشغله أو حرفته و كسبه، و يعود من قم الى طهران و يبيت فيه في الليل و ينام فيه، فهو مقيم عشرة أيام فيه إذا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 54

أقام بهذا النحو عشرة أيّام فيه، أو عزم من الأوّل على الإقامة بهذا النحو أو إذا أقام مترددا شهرا فيه بهذا النحو يعدّ انّه أقام شهرا فيه مترددا، فلا بدّ للقائل بهذه المبنى من الالتزام بعدم مضرية هذا السفر في صدق الإقامة و الحال أن القائل لا يلتزم بذلك و لا يمكن الالتزام به.

فمن هذا

التالي الفاسد نكشف عدم كون الضابط ما تخيّل من كون محل الإقامة عبارة عن محل النوم و البيتوتة في الليل و محل الاستراحة في الليل، و يستكشف من ذلك أن المرتكز في الذهن بحسب الارتكاز العرفي هو أمر غير هذا الضابط، و لذا يأبى الذهن عن قبول صدق الإقامة في هذه الصورة، فهذا أيضا دليل على بطلان هذا الضابط.

ثمّ إنّه ربّما يتوهم عدم كون الخروج الى الاقل من المسافة الشرعية عن محل الإقامة مضرا في صدق الاقامة بنحو آخر و هو أن يقال: بأن الميزان في مضرية الخروج عن محل الإقامة في صدق الإقامة في هذا المحل و عدم مضرية الخروج، هو كون زمان الخروج طويلا و عدم كون زمان الخروج طويلا، فاذا كان الزمان الّذي يخرج عن محل الإقامة طويلا مثل أن من عزم على الإقامة يذهب في كلّ يوم الى محل مع الوسائط النقلية السابقة كالحمار، و البغال، و الجمال و يطول زمان الخروج، مثلا في اليوم أو أكثر من اليوم، فهذا النحو من الخروج يكون مضرا، و أما إذا يخرج في كل يوم عن محل الإقامة و كان زمان خروجه قليلا مثل أن يسافر في السيارة أو الطيارة ساعة في كل يوم، فلا يكون هذا الخروج مضرا بصدق الإقامة.

و فيه انّه إن كان يلتزم أحد بهذا، فلازمه رفع اليد عن أحكام صلاة المسافر من رأس، لأنه على هذا يقال: إن جعل صلاة المسافر و وضعها كان باعتبار نوع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 55

المسافرات المتداولة في العصر الأوّل من الإسلام، و ما يشابهه من كون المسافرات المتعارفة إمّا راجلا أو مع الحمير أو البغال أو الجمال الّذي يطول معه السفر، فليس حكم

صلاة المسافر مجعولا لوضع المسافرات المتداولة في عصرنا من المسافرة في السيارات، و الطيارات، و السكك الحديدية، و السفن الدخانية بلا مشقة و كلفة، فيسير الشخص مسافة بعيدة في نصف ساعة.

و لا يمكن الالتزام بذلك و القول بأن حكم صلاة المسافر كان مجعولا باعتبار طول زمان المسافرة، فلم يكن مجعولا للمسافرات المتداولة في عصرنا هذا، فبعد عدم إمكان الالتزام بذلك، و كيف يمكن الالتزام به مع استلزامه فقها جديدا، فنقول:

إنه لا يمكن كون الميزان في هذا الباب أيضا طول الزمان و قصره فيكون الخروج من محل الاقامة الى ما دون المسافة مضرا بالإقامة إلّا إذا وقع تحت الضابط الذي قدمنا ذكره من كون الميزان تعطيل السفر في صدق الإقامة.

فمحقق الإقامة الّتي خارجيتها تكون موضوعا لوجوب الإتمام و قاطعية السفر في ثلاثين يوما أو الشهر، و يكون تعلق العزم عليها في العشرة موضوعا لحكم وجوب الإتمام و قاطعا للسفر، هو تعطيل السفر، فالعرف لا يفهمون من الإقامة إلّا تعطيل السفر في مقدار يقتضي السفر السير فيه، لا تعطيل السفر في خصوص المقدار الذي يقتضي السفر بنفسه تعطيل هذا المقدار للاستراحة، فعلى هذا ربما لا يعدّ الخروج الى بعض التوابع المتصلة من محل الإقامة، مناف لصدق الإقامة لعدم كون هذا المقدار من السير و الخروج منافيا لتعطيل السفر، و ليس الميزان سور البلد أو حد الترخص، أو ما دون المسافة، بل الميزان ما قلنا و إن كان ربما يعدّ الخروج حتى الى حد الترخص غير مضر بصدق الإقامة من باب كون هذا السير غير مناف

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 56

لتعطيل السفر الّذي هو ضابط صدق الإقامة، و ليس الميزان طول زمان الخروج و قصره كما قلنا.

[ان التوابع ربما يتخلف عند العرف بحسب الزمان]

نعم، هنا كلام و هو انّه بعد ما قلنا من أن الخروج الى بعض التوابع المتصلة لا يعدّ منا فيا لتعطيل السفر، يمكن أن يقال: بأن التوابع ربما يختلف عند العرف بحسب الازمنة من باب اختلاف وضع السفر، مثلا إن كان السفر مع الجمال و البغال و الحمير لكان الخروج الى قلهك مثلا من طهران خارجا عن حد التوابع لطول زمان السفر إليه، و لم يكن المتعارف الخروج إليه من طهران لمن كان مقيما في طهران، و لكن اليوم مع وضع الوسائط النقلية يعدّ جزء طهران و من توابعه بحيث لا يكون الخروج إليه من طهران و الرجوع الى طهران لقصر زمان الاياب و الذهاب منافيا مع تعطيل السفر بالاقامة في طهران، لتعارف ذلك مع الإقامة، و حتى ربما يقتضي وضع الاقامة الذهاب إليه لقضاء بعض الحوائج من الكسب و الحرفة، مثل من يكون مقيما في قلهك و يروح كل يوم للبيع و الشّراء الى طهران، و هذا و إن كان ممّا يتخيله الانسان و يختلج بالبال، و لكن ليس على وجه نطمئن به و لنا فيه التردّد.

الجهة الرابعة: هل الميزان في عشرة أيّام الّتي تقع متعلق العزم، هو انّه يلزم قصد عشرة أيّام بحيث يكون كل يوم من هذه العشرة يوما تاما من اوّل طلوع الفجر أو طلوع الشّمس- على الكلام في ذلك- الى آخر اليوم، بمعنى لزوم تعلق العزم بعشرة أيّام بهذا النحو، و لازم ذلك انّه إن ورد ساعة بعد طلوع شمس و عزم على الإقامة إلى ساعة بعد طلوع الشّمس من يوم الحادى عشر لم تكن هذه الإقامة كافية لكونها مع العزم قاطعة للسفر، بل و لا بدّ من كون قصده

الإقامة عشرة أيّام يكون كل يوم منه يوما تاما و تماما.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 57

أو لا يلزم ذلك، بل كما يحصل القاطع بقصد الاقامة عشرة أيّام بحيث يكون كلّ يوم منه يوما تاما، كذلك يحصل بالتلفيق بمعنى أن العزم لو تعلق بما يكون عشرة أيّام و لو بالتلفيق حصل القاطع للسفر، مثلا إذا ورد الشخص في بلد في وسط اليوم، و اراد الإقامة في هذا البلد الى وسط يوم الحاد يعشر، فتكون هذه الإقامة الواقعة متعلق القصد قاطعة للسفر، لأنه عزم على الإقامة عشرة أيّام و إن لم تكن كل يوم من العشرة يوما تاما، بل تصل هذه الايام بالعشرة على وجه التلفيق، و هذا معنى كفاية عشرة أيّام ملفقة.

أو يقال: بأنّه بعد ما قلنا في الجهة الثالثة بأن الميزان في الإقامة بحسب صدقها العرفى هو كون المسافر متعطلا للسفر، بأنّه يعتبر أن يكون القصد متعلقا بعشرة أيّام اعنى: على هذا يكون القصد متعلقا بعشرة تعطيلات، مثلا في المثال المتقدم من دخل بلدة في نصف اليوم، فهو في هذا اليوم قد صرف ما يقتضي المسافرة في كل يوم للمسافر، و يكون تعطيله في هذا اليوم لا من باب الإقامة، بل هذا التعطيل هو مقتضى وضع السفر، لأنّ المسافر كما قلنا محتاج بحسب وضع السفر الى مقدار من السير و مقدار من الإقامة و الاستراحة، فهذا المسافر الّذي ورد من السفر في نصف النار في هذا البلد فهو ما صرف مقدار السير في الإقامة، بل صرف في السير، فهو إن عزم على الاقامة فلا بدّ من أن يقصد عشرة أيّام في مقدار الّذي يقتضي السفر السير فيه و لا يوجد هذا المقدار، لأنّ موضوعه مفقود

بالسير القبلى من الصبح الى نصف النهار، و على الفرض في اليوم الحاد يعشر أيضا يروح بعد الظهر فيصرف مقدارا من يوم الحاد يعشر من المسافرة في السير أيضا، لا في الاقامة.

فعلى هذا لا يكفي التلفيق، بل لا بدّ من تعلق العزم بعشرة أيّام يكون فيها

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 58

عشرة تعطيلات، و لا تحصل ذلك إلّا في صورة تكون إقامته في محل الإقامة عشرة أيّام تامة، و ليس المراد من عشرة أيّام تامة كون كل يوم من أول اليوم الى آخر اليوم، كما هو المفروض في الاحتمال الأول، بل المراد كون إقامة المتعلقة للقصد في عشرة أيّام كانت إقامة الشخص في محل الإقامة في عشرة مرحلة من مراحل يقتضي السفر السير في هذه المرحلة و ان لم تكن يوما تاما، فالميزان هو أن يعزم على عشرة أيّام تدخل فيها عشرة مراحل من مراحل الّتي يقتضي وضع السفر السير فيها حتى يتحقّق تعطيل السفر الّذي هو ميزان صدق الاقامة، فعلى هذا إن كان يوم الورود و الخروج يوما غير تام صرف المسافر هاتين المرحلتين في هذين اليومين في السير، فلا يحسب من هذه الاقامة،

فالاحتمالات في المسألة ثلاثة.

قد يأتي بالنظر أن الميزان هو الاحتمال الثالث على ما اخترنا من كون الميزان في صدق الاقامة هو كون المسافر متعطلا للسفر، لأنّ في العشرة الملفقة ليس المسافر في اليوم الأوّل و الآخر اعنى: يوم الحاد يعشر متعطلا للسفر، بل يصرف المرحلتين في السير لأنه في اليوم الأوّل ينزل في وسط اليوم فصرف مرحلته في السير، و يروح بعد نصف النهار في اليوم الآخر فصرف مرحلته في السير أيضا.

و لكن لا يبعد أن يقال: إنه على مختارنا أيضا يكفى في

حصول القاطع العزم على الاقامة في العشرة الملفقة، لأنّ الشخص و إن صرف في السير مرحلتين و لكن مع ذلك يعد في العرف انّه أقام عشرة أيام، و إن كانت اقامته في اليوم الأوّل و الآخر لا في مقدار الّذي يقتضي السفر السير فيه، لأنّ المسافر بعد قصد الإقامة يقال في حقة: إنه عزم على الاقامة عشرة أيّام، و من ورد في وسط اليوم و عزم على الاقامة و أراد الخروج في اليوم الحاد يعشر في وسط النهار مثلا، فهو اراد الاقامة في هذا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 59

المحل و كان تعطيله في اليوم الأوّل و الآخر لا في مقدار يقتضي السفر السير فيه، و لكن مع ذلك يعدّ عند العرف أن هذا الشخص متعطل لسفره بمجرّد عزمه على الاقامة باعتبار عزمه على الاقامة عشرة أيّام، فيصدق تعطيل السفر الّذي هو عبارة عن الاقامة.

و لا يقول العرف: بأنه، مع عزمه في اليوم الاول، لم يكن مقيما باقامة المقابلة للسفر من اليوم الأوّل و الآخر، بل الاقامة في اليوم الأوّل و الآخر تعدّ جزء لاقامة عشرة أيّام، و يقال: إن هذا الشخص عزم على إقامة عشرة أيّام، فمع ما قلنا من الضابط أيضا تكفي عشرة أيّام ملفقة «خصوصا مع أن احتمال الأوّل- و هو كون اليوم بتمامه موضوعا للحكم، و دخالة عشرة أيّام تامة في الاقامة- ممّا لا وجه له، بل الميزان على ما يخطر بذهن العرف هو زمان محدود بهذا الحد اعني، عشرة أيّام فعلى هذا يكفى التلفيق».

الجهة الخامسة: بعد ما قلنا بأن الاقامة المترددة في شهر أو ثلثين يوما قاطع للسفر، يقع الكلام في أن الميزان في ذلك هو إقامة شهر او ثلثين

يوما، و منشأ هذا الكلام هو الأخبار.

فإن في تمام الأخبار المتعرضة لهذا الحكم- غير رواية واحدة- ورد بلفظ شهر اعنى: إقامة شهر مترددا قاطع للسفر، فجعل فيها الاقامة في شهر قاطعا، و في رواية واحدة، و هي ما رواها ابى أيوب جعل قاطع الاقامة في ثلثين يوما مترددا، لا شهر «1».

______________________________

(1)- قلنا بأن الصحيح أبو أيوب فما في الوسائل طبع أمير بهادري (ابن ابي أيوب) اشتباه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 60

[فى بيان ان الميزان هو أى احتمال]
اشارة

إذا عرفت ذلك، فما نقول في المقام؟ فيحتمل أن يكون الميزان هو الشهر، و المراد بالشهر يكون هو أيّام الواقعة بين الهلالين الّذي يكون له خارجا مصداقان، فتارة يتحقّق الشهر بثلاثين يوما، و تارة بتسعة و عشرين يوما، لأنّ الهلال تارة يرى بعد تمامية ثلثين يوما، و تارة بعد تمامية تسعة و عشرين يوما.

و يحتمل أن يكون الميزان هو ثلثون يوما مطلقا، و تكون الإقامة المردّدة في هذا الزمان قاطعا للسفر، سواء كان الشهر ثلثين يوما، أو تسعة و عشرين يوما.

و يحتمل أن يكون الميزان هو الشهر سواء كان الشهر ثلثين يوما أو تسعة و عشرين يوما إذا كان شروع الاقامة في أول الشهر، و أن يكون الميزان ثلثين يوما إذا كان شروع إقامة الشخص في وسط الشهر.

و يحتمل إن يكون الميزان هو الشهر، و المراد منه مطلقا هو تسعة و عشرين يوما.

اعلم أن احتمال الأخير ممّا لا نجد له وجها، لأنه و إن لم يكن المراد من الشهر هو ثلثون يوما بقرينة رواية ابي أيوب، فلا اقل من عدم وجه لحمل الشهر على خصوص تسعة و عشرين يوما مع كون الغالب في الشهر هو ثلثون يوما.

و أمّا وجه احتمال كون القاطع هو إقامة

شهر سواء كان الشهر ثلثين يوما أو نقص من ذلك بيوم إذا كان شروع الاقامة في أول الشهر، و ثلثين يوما إذا كان شروعها من وسط الشهر، فلأن الشهر عبارة عن قطعة من الزمان، و يعرف دخوله

______________________________

و يستفاد منها أن محمد بن مسلم سئل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و هو سمع ما سأله محمد بن مسلم. (المقرر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 61

بروية الهلال و خروجه بها أيضا، و حيث إن الهلال يرى تارة بمضى ثلثين يوما، و تارة بمضى تسعة و عشرين يوما مضت من أول الشهر، فللشهر مصداقان، و يطلق الشهر على كل منهما فالشهر بعد كونه عبارة عما قلنا و كون المصداقين له، فبعد كون القاطع هو الشهر كما يظهر من روايات الباب إلّا رواية واحدة، فلا بدّ من كون الحكم دائرا مدار تحقق الشهر، فاذا أقام الشخص في محل مترددا، فمتى لم ينقض الشهر فيجب عليه القصر، و إذا انقضى الشهر فيجب عليه الإتمام لحصول القاطع، و هو مضى الشهر سواء مضى بثلاثين أو انقص.

و أمّا ما ورد في رواية ابي أيوب من جعل القاطع إقامة ثلاثين يوما مترددا فيمكن أن يكون وجه ذلك هو انّه بعد كون المسافر إذا ورد في محل فيبنى على الاقامة فيه، فتارة يكون أول زمان إقامته مصادفا مع أول الشهر، و تارة يكون مصادفا مع غير أول الشهر من ساير أيّام الشهر.

فما ورد في الروايات غير رواية ابي أيوب من كون العبرة بالشهر في ما كان شروع الاقامة في أول الشهر، و ما ورد في رواية أبي أيوب من كون العبرة بثلاثين يوما، يكون في ما كان شروع الاقامة في وسطه الشهر، فحيث

إنه لا تتم هذه الاقامة بآخر الشهر، بل تتمّ في وسط الشهر و آخر الشهر يقع في ما بين الاقامة فجعل العبرة بثلاثين يوما، و هو أحد مصداقى الشهر، فيحمل هذه الرواية على هذه الصورة، فليس منافات بين رواية ابي أيوب و بين ساير الروايات.

و أمّا وجه كون الميزان هو الشهر، سواء كان ثلثين أو تسعة و عشرين يوما، و سواء كان مبدأ الاقامة أول الشهر أو وسطه، فلان كل الروايات الواردة في إقامة شهر مترددا ورد بلفظ (الشهر) و جعل القاطع إقامة شهر مترددا، فيدور الحكم

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 62

مداره سواء تمر الشهر بثلاثين أو انقص منه بيوم.

و ما ورد من التعبير بثلاثين في خصوص رواية ابي أيوب، فهو قابل للحمل على الشهر، و أنه في هذه الرواية بيّن أحد مصداقى الشهر و بيان فرد الغالب، لا أن يكون له موضوعية بخصوصه.

[ذكر مؤيدات لكون المدار على الثلاثين]

اذا عرفت ذلك نقول: إن الاقوى بالنظر هو كون الميزان ثلثين يوما.

أما أولا فلما ورد في رواية ابي أيوب، فإن في غيرها من الروايات و إن كان التعبير بالشهر لكن بعد التصريح بثلاثين، فلا بدّ من حمل الشهر على خصوص ثلثين يوما.

و ثانيا فلأنّ الاوفق بالاعتبار هو الثلاثون، لأنّ ما يأتي بنظر العرف من جعل الاقامة المترددة قاطعة للسفر في مدة، هو كون زمان خاص حدا لذلك بحيث يكون اوله و آخره محدودا بحدّ معين، لا ما يختلف خارجا و ليس له زمان معيّن، فإن كان الميزان هو الثلاثون، فهو محدود لا يوجد تفاوت و اختلاف في اوله و آخره، و أمّا إن كان الشهر فيوجد الاختلاف في آخره، لاختلاف الشهور في كونها تارة ثلاثين و تارة تسعة و عشرون،

و جعل الحد أمرا ليس له آخر معين غير مناسب بنظر العرف لأنّ إقامة معينة جعلت ميزانا.

فالأوفق هو الثلاثون، فيحمل ما دل على الشهر على الثلاثين، و لعل كان وجه ذكر (الشهر) هو كون الغالب في الشهور هو الثلاثون، مضافا الى أن أصل جعل الحد أمرا ليس له خارجية غير مختلفة مثل الشهر بعيد، فجعل الاقامة لأحد ثلاثين باعتبار كون شهر الّذي أقام فيه ثلثين، و للآخر تسعة و عشرين باعتبار كون شهر

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 63

الّذي أقام فيه هذا المقدار بعيد، لأنّ الظاهر كون الاقامة المترددة في مدة معينة و بوزان واحد مورد حكم الاتمام لكل من المكلفين.

إن قلت: لا بعد في جعل الحد أمرا يكون فيه الاختلاف خارجا بالطول و القصر من حيث الزمان مثل الشهر كما نرى في العدة، فإن عدة الوفات مثلا أربعة اشهر و عشرا، و الحال أن هذه الشهور تختلف من حيث كون عدد كل منها ثلاثين أو تسعة و عشرين، فيوجب على ما قلت جعل العدة لمرأة اكثر من الاخرى باعتبار كون أيّام شهور عدتها ثلثين و الآخر انقص من ذلك.

قلت: أولا: بانا ادعينا البعد مع قطع النظر عن ورود الدليل المصرح بكون الحدّ أمرا مختلفا من حيث خارجيته بحسب الزمان، و ما قلت في العدة و نظائرها مما ورد عليها الدليل و نحن تابع للدليل و نأخذ به.

و ثانيا: كما قلنا في خصوص الاقامة تكون إقامة خاصة باعتبار الزمان قاطعة فجعل انتهائها زمانا معينا يكون أوفق بنظر العرف و الاعتبار.

و ثالثا: انّه و لو فرض عدم بعد في كون الشهر مع كون مصداقه مختلفا حدّا في حد ذاته كما في العدة، و لكن في المقام

اشكال آخر، و هو أن رواية ابي أيوب تدلّ على أن العبرة بثلاثين يوما، فصار الشهر مبتلى بالمعارض، ففي مثل هذا المقام يقدم الثلاثون و مؤيد تقديمه على الشهر ما قلنا من أن جعل الحد هو الثلاثون يكون أوفق بالاعتبار بنظر العرف، فالمعيار هو إقامة ثلثين يوما مطلقا، سواء كان شروع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 64

الاقامة و مبدأها أول الشهر أو وسطه. «1»

اشكال المقرر بأنّ الجزم بكون المعيار ثلاثين مشكل و الاحتبار بالجمع بين القصر و الاتمام فى يوم ثلاثين حسن

______________________________

(1)- أقول: ما افاده مد ظله من مؤيدات ما اختاره و إن كان مؤيدا، و لكن لا يمكن الجزم مع ذلك على كون العبرة بثلاثين، لأنّ الدليل مع قطع النظر عما ذكر تأييدا للمطلب، هو رواية ابي أيوب، و كون هذه الرواية كما افاد سيدنا الأستاد مد ظله غير ما رواها محمد بن مسلم بنفسه، و هي الرواية 16 من الباب 15 من أبواب الصّلاة المسافر بنقل الوسائل، غير معلوم و إن كان ابو أيوب يقول: إن محمد بن مسلم سئل و أنا مستمع، و الرواية 16 الّتي يرويها محمد بن مسلم و إن كانت مضمرة لعدم تعرض لمن ينقله عنه، و لكن الظاهر أن الاضمار حصل من تقطيع الروايات.

إمّا من اجل أن بعض من يكون له كتاب رواية جمع روايات فيه، و بعد ما قال في أول كتابه:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام قال- بعد ذلك الى آخر كتابه- (و سألته و سألته و هكذا) فبعده من نقل عن هذا الكتاب نقل (و سألته) فصار ذلك سببا لتوهم كون الرواية مضمرة.

أو من جهة اخر فبين الروايتين و إن كان اختلاف بحسب المتن، و

لكن مع ذلك يحتمل قويا، بل المظنون كونهما رواية واحدة، فعلى نقل محمد بن مسلم جعل العبرة بالشهر، و على ما نقل ابو أيوب جعل العبرة بثلاثين، فلا يمكن الاخذ بمقتضى هذه الرواية بأحد منهما غاية الأمر لا بدّ من الاخذ بالشهر بمقتضى روايات أخر.

و بعد ما اوردت ما قلت، فاجاب مدّ ظلّه بأنّه و إن فرض كون الروايتين رواية واحدة، و حصل الاختلاف من الناقلين اعنى: ما صدر من الامام عليه السّلام إمّا ما نقل محمد بن مسلم أو ما نقل ابو أيوب، و نقلوا منهما بالمعنى بلفظ آخر، و لكن نقول: بأنّه إن كان الصادر منه عليه السّلام هو ثلاثون فالعبرة به، و إن كان الصادر منه عليه السّلام هو الشهر كما نقل محمد بن مسلم، فأيضا يستفاد بأن أبا أيوب الّذي نقل ثلاثين فهم من أن المراد من الشهر هو ثلاثون من باب كون المتبادر في زمان صدور هذا الكلام من الشهر، هو ثلاثون، فعلى هذا أيضا لا بدّ من جعل العبرة ثلاثين.

و لكن أقول: مع ذلك إن بعد الاختلاف في النقلين، فلا ندري بأن الصادر منه عليه السّلام أيا منها، فصار كلام الصادر محتملا بينهما، فلا يمكن الأخذ بكل منهما لاحتمال وقوع الاشتباه من أحد الراويين.

و ما أفاد مدّ ظله من أن ما صدر و إن كان الشهر فرضا فأيضا يكون المراد منه ثلاثين يوما من-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 65

[هل القاطع العزم على العنوان العشرة التفصيلى او يكفى القصد الاجمالي]

الجهة الخامسة: هل يكون القاطع للسفر هو العزم على إقامة عشرة أيّام بهذا العنوان التفصيلي، أو لا يلزم ذلك، بل يكفى قصد الاجمالى على ذلك بحيث ينطبق واقعا على عشرة أيّام، و الثمرة تظهر في الفرع الّذي ذكره السيّد رحمه

اللّه في العروة «1» فإنّه قال «مسئلة 13 الزوجة و العبد إذا قصدا المقام بمقدار ما قصده الزوج و السيد، و المفروض من انهما قصدا العشرة لا يبعد كفايته في تحقق الاقامة بالنسبة إليهما و إن لم يعلما حين القصد أن مقصد الزوج و السيد هو العشرة نعم، قبل العلم بذلك عليهما

______________________________

- باب دعوى التبادر فنقول: أمّا أولا كما يحتمل ذلك، يحتمل أن ما صدر من المعصوم عليه السّلام اشتبه على أبى أيوب ما قاله عليه السّلام، و تخيل انّه قال ثلاثين.

و ثانيا أن دعوى تبادر ذلك حين صدور الرواية، دعوى بعيدة، لعدم كون حقيقة شرعية للشهر، و هو كون الشهر عند الشرع أو المتشرعة، موضوعا لثلاثين يوما، بل الشهر هو عبارة عن قطعة من الزمان بين هلالين.

فعلى هذا نقول: بأن الجزم بكون العبرة بثلاثين و الحكم بذلك مشكل، و لا بدّ من أن يقع الكلام في أن المعيار هو الشهر سواء تمر بثلاثين او تسعة و عشرين يوما، أو بعض احتمالات المتقدمة الأخرى غير احتمال كون العبرة ثلاثين مطلقا.

اعلم أن ما يأتى بالنظر هو كون الميزان، هو الشهر في ما كون مبدأ الاقامة أول الشهر، فاذا تم الشهر بأى مصداقيه حصل القاطع، لأنه ليس لنا الا روايات الدالة على الشهر.

و يشكل الأمر في ما كان مبدأ الاقامة وسط الشهر غير اوله، فهل يقال في هذه الصورة: بأن العبرة أيضا بمضىّ الشهر بمعنى انّه يحسب ما بقى من هذا الشهر الّذي شرع في الإقامة مع مثله من الشهر اللاحق بالعدد، مثلا إذا كان مبدأ الاقامة نصف الشهر، فاذا وصل نصف شهر التالي حصل ما هو القاطع، سواء تم شهر الأوّل بثلاثين أو بتسعة و

عشرين يوما.

أو يقال بأن في هذه الصورة تكون العبرة بثلاثين، فاذا بلغت الاقامة مترددا بثلاثين، فقد حصل القاطع، فالمسألة بعد عندى مورد الإشكال، و الجمع بين القصر و الإتمام في يوم الثلاثين لازم، فتأمل. (المقرّر).

(1)- العروة الوثقى، فصل قواطع السفر، مسئلة 13.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 66

التقصير، و يجب عليهما الاتمام بعد الاطلاع و إن لم يبق إلّا يومين أو ثلاثة، فالظاهر وجوب الاعادة أو القضاء عليهما بالنسبة إلى ما مضى ممّا صلّيا قصرا، و كذا الحال إذا قصد المقام بمقدار ما قصده رفقائه و كان مقصدهم العشرة، فالقصد الاجمالى كاف في تحقق الإقامة، لكن الاحوط الجمع في الصورتين، بل لا يترك الاحتياط».

فترى انّه إن قلنا بلزوم العزم على إقامة عشرة أيّام تفصيلا بحيث يكون هذا العنوان واقعا تحت القصد، فلا يجب في هذا الفرض الاتمام على الزوجة و العبد حتى بعد العلم بكون عزم الزوج و السيد على إقامة عشرة أيّام، لأنهما عزما على الاقامة بمقدار ما عزم الزوج و السيد، و لكن لا يكفي صرف ذلك في وجوب الإتمام عليهما، لأنهما مع ذلك غير قاصدين على عنوان إقامة عشرة ايام.

و إن قلنا بعدم لزوم ذلك، بل يكفي عزم الاجمالي، فيجب في هذا الفرع الإتمام على الزوجة و العبد بعد العلم بعزم الزوج و السيد على الاقامة في عشرة أيّام.

[ذكر مسألتين من العروة فى كفاية القصد الاجمالى]

و ذكر السيّد رحمه اللّه «1» في العروة فرعا آخر و هو هذا (مسئلة 14 إذا قصد المقام الى آخر الشهر مثلا، و كان عشرة، كفى و إن لم يكن عالما به حين القصد، بل و إن كان عالما بالخلاف، لكن الاحوط في هذه المسألة أيضا الجمع بين القصر و التمام بعد العلم بالحال،

لاحتمل اعتبار العلم حين القصد».

اعلم أن الكلام يقع في جهتين:

الأولى: في أصل حكم المسألة، و أنه يكفي قصد الاجمالى أو لا يكفى، بل موضع وجوب التمام هو العزم على خصوص عنوان إقامة عشرة أيّام تفصيلا.

______________________________

(1)- العروة الوثقى/ فصل قواطع السفر/ مسئلة 14

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 67

الثانية: في انّه هل يكون فرق بين المسألتين المتقدمتين في الحكم، أو تكونان من باب واحد، فإن قلنا باعتبار عزم التفصيلي فلا يجب الإتمام في كلتا المسألتين بعد العلم، و إن قلنا بكفاية قصد الاجمالى فيجب الإتمام في كلتا المسألتين بعد العلم.

أما الكلام في الجهة الأولى فتارة يقع الكلام في حكم المسألة بعد العلم، و تارة قبل العلم، مثلا في فرض الزوجة و العبد، أو في فرض قصد المقام الى آخر الشهر يقع الكلام تارة في أن بعد علم الزوجة و العبد على أن الزوج و السيد عزما على الاقامة، مع عزمهما المقام بمقدار ما عزم الزوج و السيد، هل يجب الاتمام عليهما أو لا؟ و في فرض المقام الى آخر الشهر يقع الكلام تارة بعد العلم بأن من يوم وروده و عزمه على الاقامة الى آخر الشهر يكون هذا الزمان عشرة أيّام، هل يجب الإتمام عليه أو لا؟ و تارة يفع الكلام في ما قبل علم الزوجة و السيد بالحال، و كذلك قبل علم الشخص بكون يوم عزمه الى آخر الشهر عشرة أيّام يجب عليهم القصر أو الإتمام.

فنقول: أمّا بعد العلم فما يأتى بالنظر هو وجوب القصر عليهم في المسألتين و إن كان بين المسألتين فرق من حيث آخر، و وجه وجوب القصر هو أن ظاهر الادلة اعتبار العزم المتعلّق بعشرة أيّام، فيستفاد منها أن هذا العنوان اعنى:

عنوان عزم المتعلّق باقامة عشرة أيّام، موضوع لوجوب الإتمام، و من الواضح بأن من عزم على الاقامة بمقدار الّذي عزم شخص آخر، مثلا عزم العبد أو الزوجة على الاقامة بمقدار الّذي عزم السيّد و الزوج، فهو فعلا غير عازم على إقامة عشرة أيّام، بل مردد في انّه اى مقدار يقيم في هذا المحل، و لذا يكون مصداق غدا اخرج أو بعد غد، بل لا يلتفت بمقدار عزم شخص الآخر الّذي تفرع عزمه على عزمه، فهو فعلا غير عازم على العشرة مسلما، لأنّ العزم مثل القصد و العلم من الصفات الوجدانية ذات اضافة

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 68

فلا يعقل العزم بدون المعزوم عليه، و القصد بدون المقصود، و العلم بدون المعلوم، فلا بدّ من تعلقها بمورد، فمن عزم على الاقامة بمقدار عزم شخص آخر، فهو إذا رجع الى نفسه يرى انّه فعلا غير عازم على العشرة، فالحكم الثابت لعنوان العازم على العشرة لا يثبت لهذا الشخص، فقبل العلم غير عازم على هذا العنوان و بعد العلم ليس عازما على الفرض لاقامة عشرة أيّام من حين العلم.

[لا وجه لالحاق قبل العلم بما بعد العلم و لا فرق بين مسألتين]

و لا وجه لالحاق قبل العلم ببعد العلم ثمّ الحكم بوجوب الإتمام عليه.

و كذلك الحال فيمن عزم على الاقامة الى آخر الشهر مع كون هذا الزمان عشرة أيّام واقعا، فإن هذا الشخص و إن كان عازما على زمان يكون منطبقا على العشرة واقعا، و هو عزم على زمان يدرى اوله و آخره، و يكون له من حيث هذا فرق مع فرع الزوجة و العبد لأنّهما لا يلتفتان على آخر زمان الّذي يقيمان في هذا المحل.

و لكن لا فرق بينه و بينهما من حيث الّذي نحن بصدده لأنّ كلامنا يكون

في أن قصد الاجمالى بمعنى العزم على أمر ينطبق مع العشرة في الواقع يكفى في وجوب الإتمام و إن لم يكن الشخص تفصيلا ملتفتا بعنوان العشرة فعلا، أولا يكفى إلّا قصد التفصيلي على إقامة عشرة أيّام، و كلتا المسألتين لهما مناط واحد اعنى: إن قلنا بالاول فنقول في كليهما، و إن لم نقل به و قلنا بالثانى نقول أيضا في كليهما، لأنّ كلتا المسألتين متفرعتان على هذين الاحتمالين بنحو سواء.

فما قال سيد الاصفهانى رحمه اللّه من الاشكال في أحد المسألتين ممّا لا نعلم له وجها فيما نحن بصدده.

فظهر لك ممّا قلنا في الجهة الاولى حال الجهة الثانية لما قلنا من عدم الفرق بين

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 69

الفرعين المتقدمين.

و أمّا قبل العلم فعلى مختارنا من عدم كفاية قصد الاجمالى، و وجوب الإتمام في الصورة الّتي تحقق القصد على الاقامة عشرة أيّام تفصيلا فالامر واضح اعنى:

لا يجب الإتمام بل يجب القصر، لأنّ الشخص على الفرض غير عازم على إقامة عشرة أيّام فعلا، بل وجدانا غير عازم على هذا العنوان فيجب عليه القصر، لأنّ الخارج من عمومات التقصير العازم على إقامة عشرة أيّام، و هو في الفرض لم يكن فردا بعنوان الخاص.

و أمّا على مبنى من يكتفى بقصد الاجمالى كما يظهر من السيّد رحمه اللّه في العروة فيظهر منه ره أنّه قال بوجوب القصر قبل العلم، فاذا علم يجب عليه الاعادة و قضاء ما صلى قبل العلم إن لم نقل بكون حكم الظاهرى مقتضى للاجزاء.

أقول: لا ادري ما وجه ما افتى به من وجوب القصر قبل العلم، فإن منشأ ذلك إن كانت العمومات الدالة على وجوب القصر في السفر، ففي المقام لا يجوز التمسك بها لكون

الشبهة مصداقية، لانه مع فرض عدم علم الزوجة و العبد بما قصد الزوج و السيد، و كون قصد هما الاقامة بمقدار الّذي عزم الزوج و السيد، و كفاية ذلك على مختار السيّد.

فلا يعلم كونهما مصداقا للعام لاحتمال كون عزم متبوعهما اقامة العشر و لا يعلم كونهما مصداقا للخاص اعنى: من يجب عليه الإتمام لكونهما غير عازمين على الاقامة في عشرة أيّام، لاحتمال عدم كون متبوعهما ناو للاقامة، فلا يعلم كونهما فردا للعام او الخاص، فلا يجوز التمسك في مثل المقام بالعام لكون الشبهة مصداقية.

و إن كان وجه ذلك استصحاب وجوب القصر الثابت قبل تحقق العزم منهما

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 70

على الاقامة بمقدار إقامة الزوج و السيد، فنقول: إن الاستصحاب لا يجرى في المقام لأنّ التكليف المتعلّق بكل صلاة يكون تكليفا مستقلا، فوجوب القصر الثابت للصلاة الّتي صليها قبل العزم غير الوجوب الثابت للصلاة الّتي يصليها بعد ذلك، فلا معنى لوجوب القصر «مضافا الى انّه يمكن أن يقال: بأنّه لا شك له خارجا، لأنّه يدرى أن غير العازم على الاقامة يجب عليه القصر، و عازم الاقامة يجب عليه الإتمام، و لكن لا يدرى انّه تحقّق عنوان العزم أم لا، فلا وجه لاستصحاب الموضوعى».

[لا فرق بين القصد الاجبارى و الاختياري]

الجهة السادسة: لا يعتبر في قاطعية العزم على إقامة عشرة أيّام أن يكون عزم الشخص من باب ارادته على ذلك بالاختيار، بل يكفى صدور العزم منه و لو كان من باب كونه مجبورا على الاقامة، و في فرض مجبوريته يعزم على الاقامة، بل و لو يعلم بالاقامة، لأنّ المستفاد من الادلة ليس إلّا العزم على الاقامة، أو اليقين بالاقامة، أو حديث النفس بالاقامة.

الجهة السابعة: بعد العزم على إقامة العشرة إذا تمت

العشرة لا يلزم في وجوب الإتمام على العازم بعد ذلك من إقامة جديدة، بل يكفى صرف عزم الأول، فعلى هذا فكل زمان يكون في محل الاقامة يجب عليه الإتمام، لأنّ القاطع على ما يستفاد من أخبار الباب هو نفس عزم الاقامة، و هو متحقق على الفرض.

الجهة الثامنة: ما قلنا من كون إقامة المترددة في شهر او في ثلثين يوما قاطعة ليس معناها اعتبار التردد فيه، بمعنى كونه في هذه المدة في كل آن مترددا و يكون له وصف، بل يكفى صرف عدم كونه عازما على الاقامة عشرة أيّام، سواء كان له وصف التردد أولا، مثل انّه لا يعزم على الاقامة و يكون في كل يوم ظانا أو متيقنا بالخروج في يوم اللاحق، و من باب الاتفاق يبدو له ما يصرفه فأقام بهذا الحال الى

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 71

آخر الشهر، لأنّ إقامة المترددة في شهر تكون في قبال العزم على إقامة عشرة أيّام، فما لم يعزم على الاقامة فهو داخل فيمن أقام مترددا، فافهم.

[في كون هذه القواطع قاطعه لحكم السفر او لموضوع السفر]

ثمّ إن هنا مسئلة مهمة لا بدّ من التنبيه عليها لاهميتها، و هي أن القواطع الثلاث- التي أحدها الاقامة في محل ستة اشهر مع كون ملك له فيه و إن عرض عنه، ثانيها العزم على إقامة عشرة أيّام في محل، ثالثها إقامة شهر أو ثلاثين يوما مترددا في محل- هل تكون قاطعة لحكم السفر فقط؟ أو تكون قاطعة لموضوع السفر.

و بعبارة أخرى هل هذه القواطع تقطع حكم السفر من وجوب القصر، فالشخص مع كونه مسافرا إذا طرأ عليه أحد هذه القواطع يجب عليه الإتمام؟ أو تقطع هذه القواطع موضوع السفر بمعنى: أن الشخص يخرج عن موضوع كونه مسافرا مع طروّ

هذه القواطع.

و تظهر الثمرة في انّه إن قلنا بكون هذه القواطع قاطعة لموضوع السفر، المسافة السابقة و كذا اللاحقة على طروّ القاطع لا بدّ و ان تكون مستقلة مسافة التقصير حتى يجب القصر فيها، مثلا من خرج من وطنه و مسكنه ليذهب الى مقصد، و لكن في وسط طريق هذا المقصد مرّ بالمحل الّذي أقام فيه ستة اشهر، أو عزم على إقامة عشرة أيّام في هذا المحل، أو أقام فيه مترددا شهرا، ثمّ ذهب بعد ذلك نحو مقصده، فعلى هذا إن كانت المسافة الّتي بين مسكنه و هذا المحل الّذي طرأ القاطع يكون مستقلا بحد مسافة التقصير، و كذلك بين هذا المحل و بين المقصد مستقلا تبلغ مسافته مسافة التقصير بدون ضم كلتا المسافتين الى الأخرى، فيجب القصر في كلتا المسافتين، أو في كل منهما تبلغ مسافته مسافة التقصير بنفسها.

و إن لم تكن كذلك فلا يجب القصر، لأنّ طروّ القاطع يصير سببا لقطع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 72

موضوع السفر، فالمسافة الواقعة بين المسكن و محل طروّ القاطع غير قابلة لأنّ تضم بالمسافة اللاحقة حتى صار مجموع المسافتين بالغتين حد مسافة التقصير، لأنّ السفر قطع بالقاطع فلا بدّ في وجوب القصر الى مسافة جديدة تبلغ بنفسها حد مسافة التقصير، و كذلك المسافة السابقة على حصول القاطع.

و أمّا إن كانت القواطع قاطعة لحكم السفر فقط، فحيث إنّ مع طروّها يقطع حكم السفر أعني: وجوب القصر مع كون الشخص مسافرا مع ذلك، ففي محل القاطع يجب الإتمام فقط، و أمّا في المسافة السابقة و اللاحقة فيجب القصر إذا كانت المسافة في احدهما، أو مع ضم كل منهما الى الأخرى بالغة حد المسافة الّتي يجب القصر فيها، و

تضم السابقة باللاحقة لأنه لم يخرج من كونه مسافرا بسبب طروّ القاطع، فمع كونه مسافرا يشمله الحكم الثابت للمسافر و هو وجوب القصر.

[في ذكر الثمرة بين القولين]

إذا عرفت ما هي الثمرة بين القولين نقول: إن ما نسب الى المشهور من القدماء من الفقهاء رضوان اللّه عليهم هو كون إقامة ستة أشهر و العزم على إقامة عشرة أيّام قاطعين لموضوع السفر، كما يظهر هذا القول من الشّيخ في المبسوط- و هو الكتاب المعدّ لذكر التفريعات لا لخصوص ذكر الفتاوى المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام- و لم يذكر ذلك الحكم في النّهاية، و هو كتابه المعدّ لذكر الفتاوى المتلقاة عن المعصومين عليهم السّلام.

و من القاضى عميد الدين بن البراج، و لم يكن في كلامهم تعرض لإقامة ثلاثين يوما مترددا، و انّها هل هي قاطعة للحكم أو للموضوع.

و نسب الى المحقق البغدادي «و لا ندري بأن المراد منه هو صاحب كتاب مفتاح الكرامة المعبر عنه بالمقدس البغدادى أو غيره» أنّه قال بالتفصيل بين

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 73

إقامة ستة أشهر و إقامة عشرة أيّام مع العزم، و بين إقامة شهر مترددا، فقال: بأن الاولين قاطعان لموضوع السفر، و الثالث قاطع لحكم السفر، و لعل منشأ هذا التفصيل هو ما رأى من وجود الشهرة في الأولين دون الثالث.

[في ذكر كلام صاحب المستند]

و على كل حال إنه قال في المستند «1» بما يرجع حاصل كلامه الى أن ما يمكن أن يكون وجها لقاطعية موضوع السفر أمور:

الامر الأول: الإجماعات المنقولة على كون إقامة ستة أشهر و إقامة عشرة أيّام مع العزم قاطعين لاصل السفر.

الامر الثاني: ما يدل على وجوب القصر من الادلة يدلّ عليه إذا كانت المسافة سفرا و احدا، و فيما حصل القاطع يصير الشخص في سفرين، لأنّ القاطع يجعل السفر الواحد سفرين سفرا قبل ورود القاطع، و سفرا بعده.

الامر الثالث: استصحاب وجوب التمام الثابت في البلد في

المسافة الأولية و استصحاب وجوب التمام الثابت في أحد الموضعين في المسافة الثانوية، لأنه في المسافة قبل الوصول الى محل إقامة ستة أشهر أو المحل الّذي عزم على الاقامة فيه عشرة أيّام، مع عدم كونها بنفسها مسافة التقصير، إذا شك في وجوب القصر عليه أو الإتمام فيستصحب وجوب التمام الثابت له في البلد، و في ما بعد محل الإقامة من المسافة إذا شك في وجوب القصر عليه أو التمام، مع عدم كونها بنفسها مسافة التقصير يستصحب وجوب التمام الثابت في محل الإقامة، لأنه بعد عدم شمول أدلة القصر لهذا النحو من المسافة فتصل النوبة الى الاصل، و الأصل هو الاستصحاب، و

______________________________

(1)- في الشرط الثالث من شروط القصر، ج 1، ص 564.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 74

هو يقتضي وجوب التمام.

[اشكال صاحب المستند على الادلة الثلاثة]
اشارة

ثمّ استشكل على كل هذه الوجوه بما يرجع حاصله الى ما نذكر فنقول: أمّا ما في الوجه الأوّل فهو عدم حجية الاجماع المنقول.

و أمّا ما في وجه الثاني فلانه كيف يدعى عدم كون السفر الواقع بينه أحد القاطعين سفرا واحدا لمنع تعدد السفر عرفا، فإنه لا وجه لكون المسافة المتخللة في اثنائها تسعة أيّام و نصف مثلا سفرا واحدا عند العرف و إقامة عشرة أيّام سفرين عرفا، و أنتم لا تلتزمون بكون السفر الواقع بينه إقامة تسعة أيّام و نصف سفرين فإقامة العشرة مثلها لعدم الفرق عند العرف بينهما.

و أمّا ما في الوجه الثالث فلعدم امكان منع شمول أكثر الأخبار الدالة على وجوب القصر لذلك، بل الظاهر شمول الأكثر، و تسليم شمولها للمقيم في الأثناء تسعة أيّام مثلا، و منعه للمقيم في الاثناء عشرة أيّام لا وجه له، فبعد شمول الأخبار للمورد فلا تصل النوبة

الى الاستصحاب، لأنّ الدليل الاجتهادي مقدم على الأصل العملي «1».

______________________________

(1)- اقول: اما ما ذكره وجها للاشكال على الوجه الثالث فيكون مورد الاشكال، لأنّ المستدل يقول: بان الاخبار لا تشمل صورة تقطع السفر بالتمام في اثناء المسافة، بل الاخبار تشمل ما اذا كانت المسافة من المسافات الّتي يكون المسافر من اولها الى آخرها باقية على القصر، فلا يدفع هذا الاستدلال بما قال صاحب المستند (ره) بأنّه كما تشمل ادلة وجوب القصر ما اذا اقام المسافر في الاثناء اقلا من العشرة مثلا تسعة ايام، كذلك تشمل ما إذا اقام في اثناء سفره عشرة ايام، لأنّ المستدل يقول: بان شمولها في صورة اقامة اقل من العشرة يكون لاجل عدم حصول سبب الاتمام بخلاف اقامة العشرة، فان المسافة صارت منقطعة بالتمام في اثنائها.

(المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 75

إذا عرفت ذلك نقول، بعد عدم النص الظاهر على مختار المشهور:

ما يمكن أن يقال في وجه كلامهم: هو أن المستفاد من قوله تعالى: وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ الخ بحسب الظاهر هو وجوب القصر في ما يكون الشخص ضاربا في الأرض، غاية الأمر يدخل تحت هذا الحكم اقامات التابعة لهذا الضرب في الأرض، لأنّ الضرب في الأرض موقوف بالاقامة للاستراحة، فلا بدّ من أن يصرف المسافر حال السفر قسمة من الزمان في الضرب و قسمة منه للنوم و الاستراحة.

و لهذا يرى كان ذلك مورد النظر عند العامة فنقل عن عائشة انّها قالت: إن المسافر يجب عليه القصر متى يكون ضاربا و لم يضع اثقاله و احماله من الدابة في الأرض، فاذا وضع فيجب عليه الإتمام بمجرد ذلك، نعم إذا كانت اثقاله على دابته و صلى

يجب عليه القصر.

و قال الشافعي: بأن القصر واجب في السفر إلّا إذا أقام أربعة أيّام في محل فوجب الإتمام في إقامة أربعة أيّام.

و قال أبو حنيفة يجب الإتمام إذا أقام المسافر في أثناء السفر خمسة عشر يوما.

و ليس مقصودنا الاستناد بأقوال هؤلاء، بل المقصود أن القصر واجب على ضارب الارض، و دخل مقدار الزائد على الضرب من الاقامة اللازمة في السفر بالتبع، و لهذا اختلفوا في مقدار الإقامة التابعة، فقالت عائشة: لا تتبع الإقامة الضرب في وجوب القصر الا فى خصوص المقدار الّذي يضع المسافر احماله و أثقاله عن دابته، و قال الشافعي: تتبع الإقامة الضرب الى أن تبلغ أربعة أيّام، و قال أبو حنيفة: الى خمسة عشر يوما.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 76

فيظهر ممّا مرّ منّا أن المسافر بحسب ظاهر الآية يجب عليه القصر في ما إذا كان ضاربا في الأرض و في ما يقتضي السفر من الاقامة بالتبع بحسب وضع السفر، و إن كان الاختلاف في ما يقتضي طبع المسافر الاقامة، و بعده يخرج المسافر عن كونه مسافرا، و كان كلام هؤلاء الى بيان حدّ ذلك، و انه اي مقدار يكون ذلك الحد.

إذا عرفت ذلك نقول: إن الأخبار الواردة عن المعصومين عليهم السّلام- من كون إقامة ستة أشهر، أو الإقامة عشرة أيّام مع العزم، أو الإقامة في شهر مترددا قاطعة- تكون ناظرة الى تحديد ما هو في ارتكاز العرف من كون المسافر مسافرا في مقدار يكون ضاربا في الأرض، و مقدارا خاصا يقتضي وضع السفر الإقامة في هذا المقدار، و أن الامر ليس على نحو ما قال هؤلاء، بل ما هو قاطع للسفر أعني: به يخرج المسافر عن كونه مسافرا لخروجه عن وضع

السفر، هو هذا أعني: الاقامة ستة أشهر، أو العزم على الإقامة عشرة أيّام، أو الاقامة مع التردد ثلاثون يوما لا غير ذلك.

فيستفاد من وضع السفر، و كون هذه الجهة مورد الكلام عند العامة أن الأخبار ناظرة الى هذا الحيث، فنستكشف من هذا الطريق إن هذين القاطعين قاطعان لموضوع السفر، و يقال إنّ كون ستة أشهر أعني الوطن الشرعي أيضا قاطع لموضوع السفر، بأنّه بعد ما أقام الشخص في موضع ستة أشهر و كان له فيه ملك يجب الإتمام متى يمرّ عليه و إن أعرض عنه، فاذا مرّ الشخص بهذا الموضع و إن كان مروره لا بعنوان الإقامة و هو مسافر، و لكن مع ذلك باعتبار العلقة الحاصلة له في هذا الموضع لا يعد انّه مسافر في هذا الموقع، و لهذا إذا مر بهذا الموضع يخرج عن كونه مسافرا، فهذا شاهد على كون المرور الى الوطن الشرعي قاطعا لموضوع السفر،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 77

فالوجه في كون ذلك قاطعا غير وجه كون العزم على الاقامة عشرة أيّام و إقامة ثلاثين يوما مترددا قاطعا، فأفهم.

و اعلم أن ما قلنا هنا من كون إقامة ستة أشهر قاطعة لموضوع السفر غير مناف مع ما قلنا في توجيه الوطن الشرعي، لأنا و إن قلنا بكونه مسافرا و مع ذلك كان المرور الى هذا المحل موجبا للإتمام، و لكن هذا لا ينافي بأنّه و إن كان في هذا المرور مسافرا، و لكن مع ذلك يكون في حال وصوله الى هذا الموضع خارجا عن موضوع المسافر، هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه فتوى المشهور، فأفهم.

و الاستدلال على مختار المشهور برواية زرارة، و هي الرواية 3 من باب 3 من أبواب

صلاة المسافر بنقل الوسائل «عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من قدم التروية بعشرة وجب عليه اتمام الصّلاة و هو بمنزلة أهل مكة، فاذا خرج الى منى وجب عليه التقصير، فاذا زار البيت أتم الصّلاة، و عليه إتمام الصّلاة إذا رجع الى منى حتى ينفر».

وجه الاستدلال هو أن يقال: إنّ المستفاد من هذه الرواية هو انّه من قدم قبل التروية بعشرة أيّام، و الظاهر كون إقامته و قدومه مع العزم، لأنه قدم مكّة لاداء مناسك الحج فهو يقيم في مكّة مع العزم و يكون بمنزلة أهل مكة، ففرّع على ذلك أن أهل مكّة كما يقصرون الصّلاة إذا خرجوا الى منى لأن يذهبوا الى عرفات، فهو أيضا يقصر من الصّلاة ثمّ إذا رجع الى مكّة في يوم العاشر من ذي الحجة، أو في ما بعد الإتمام المناسك من الطواف و الصّلاة و السعي يجب عليه إتمام الصّلاة لوروده في محل إقامته، و إذا رجع مجددا الى منى لأنّ يبيت فيه يجب عليه القصر لعدم كون المسافة بين مكّة و بين منى مسافة التقصير، و لو لم يكن العزم على الإقامة عشرة أيّام

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 78

قاطعا لموضوع السفر، فكان اللازم أن يأمر عليه السّلام لا يجب القصر عليه، بل يجب الإتمام في هذا السفر إذا كانت المسافة الّتي سافر فيها قبل وروده بمكة إذا انضمت الى المسافة الواقعة بين مكّة و بين منى اقل من المسافة الموجبة للقصر، و الا يجب عليه القصر، فعدم التعرض للمسافة السابقة على العزم يدلّ على أن الميزان بعد حصول القاطع هو احتساب كل من المسافة السابقة و اللاحقة عليه مستقلا المسافة الموجبة للقصر.

[رد التمسك برواية زرارة على مختار المشهور]

و فيه أن

الرواية تدلّ بظاهرها على أن من قدم التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصّلاة و هو بمنزلة أهل مكة، ثمّ كون حكم وجوب القصر في عرفات متفرعا على هذا التنزيل غير مناسب، لأنه لو فرض كون المسافة الواقعة بين مكّة و عرفات موجبة للقصر، و اغمضنا النظر عما قلنا من اعتبار كون الرجوع في البريد الذاهب و البريد الجائي ليومه، فالقصر واجب على هذا العازم على كل حال سواء كان بمنزلة أهل مكّة أولا، لأنّ هذا السفر على هذا يكون سفر القصر و يجب على المسافر القصر، و لا يتفرع هذا الحكم على كونه بمنزلة أهل مكة، بل و لو لم يكن بمنزلتهم أيضا يجب القصر عليه لكون المسافة على هذا مسافة التقصير «1».

فالتفريع راجع الى ما بعد ذلك أعني: حيث يكون بمنزلتهم فاذا زار البيت يجب عليه الاتمام مثلهم، و إذا رجع الى منى يجب عليه الإتمام مثلهم، فنقول: إن لازم

______________________________

(1)- أقول: اللهم إلّا أن يقال بأن المقصود من الرواية أن هذا الشخص يكون بمنزلة أهل في وجوب القصر و الإتمام، فكلما يجب عليهم القصر يجب القصر عليه أيضا، و كلما يجب عليهم الإتمام يجب عليه الإتمام أيضا، و ذكر المورد الأوّل لوجوب القصر، و مورد الثاني لوجوب الإتمام. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 79

ذلك هو كون العازم على إقامة عشرة أيّام في محل بمنزلة أهل هذا المحل، فكما يجب عليهم الإتمام متى يدخلوا محلّهم و مسكنهم، كذلك من عزم زمانا على إقامة عشرة أيّام في هذا المحل يكون مثلهم، و معناه انّه كلما يمرّ على هذا المحل يجب عليه الإتمام لأنّه أقام في السالف من الزمان عشرة أيّام في هذا المحل مع

العزم، و لا يمكن الالتزام بذلك.

فالرواية من هذا الحيث تكون معرضا عنها من قبل الأصحاب، لأنه لم يقل أحد: بأن صرف إقامة عشرة أيّام مع العزم مرة واحدة في محل موجب لوجوب الإتمام على العازم مطلقا كلما يمر بهذا المحل، و الرواية تدلّ على هذا، لأنّ الظاهر منها أن العازم على إقامة عشرة أيّام في مكّة إذا رجع ثانيا الى مكّة يجب عليه الإتمام، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فهذا موجب لعدم امكان الاخذ بظاهر الرواية «1».

كما أن الاستدلال برواية أخرى، و هي رواية اسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن أهل مكّة إذا زاروا عليهم إتمام الصّلاة؟ قال: المقيم بمكة الى شهر بمنزلتهم» «2» بأن يقال: إنّ الرواية تدلّ على كون المقيم الى شهر بمنزلة أهل مكة، فكما أنّ من يخرج من مكّة من أهل مكّة يجب القصر عليه إذا كانت المسافة الّتي

______________________________

(1)- أقول: مضافا الى أن الكلام يكون فعلا في أن من عزم على الاقامة و أقام في هذا المحل إذا خرج بعد هذه الاقامة يمكن ضم المسافة السابقة الى اللاحقة حتى يجب عليه القصر بضم اللاحقة الى السابقة إذا بلغتا مجموعا بحد مسافة القصر أم لا، و الرواية غير متعرضة لهذا الحكم بل الرواية متعرضة لحكم ما إذا ورد بعد خروجه عن محل الإقامة، و دخوله ثانيا في محل الاقامة، و خرج بعد ذلك عن هذا المحل في أقل من مسافة التقصير، و انّه يجب الإتمام و ليس ذلك مربوطا بما نحن بصدده، مع أن هذا أيضا ممّا لا يمكن الالتزام به. (المقرّر).

(2)- الرواية 11 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2،

ص: 80

يقطعها من مكّة الى مقصده مسافة التقصير، و لا يكفي في وجوب القصر عليه ضم المسافة السابقة الى مكّة باللاحقة كذلك للمقيم شهرا، فتدل الرواية على كون هذا القاطع قاطعا لموضوع السفر.

مما لا وجه له، لأنّ الرواية على فرض تسلم دلالتها على أن المراد منه هو أن أهل نفس مكّة إذا زاروا البيت، و كان المقصود انهم إذا رجعوا من منى لزيارة البيت يجب عليهم إتمام الصّلاة، كذلك المقيم الى شهر بمنزلتهم يعني: أن من أقام شهرا في مكة إذا خرج الى عرفات و رجع لزيارة البيت يجب عليه إتمام الصّلاة لكونه بمنزلتهم، و معناه انّه يجب عليه الإتمام لوروده الى محل أقام فيه شهرا و هو مكة، فلازم ذلك هو أن كل من أقام شهرا في موضع يجب عليه الإتمام إذا مرّ بهذا الموضع، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام به، فلا يمكن العمل بالرواية، فلا بدّ من ردّ علمها الى اهلها.

[لم يرد دليل دال على مذهب المشهور]

فظهر لك ممّا مرّ عدم ورود الرواية الدالة على المذهب المشهور، و غاية ما يمكن أن يقال هو ما قلنا، فأفهم.

بل إن قيل بأن مقتضى أدلة وجوب القصر على المسافر و عموماتها، هو كون القصر ثابتا لكل مسافر في كل زمان من مسافرته، و غاية ما في الباب ورود التخصيص للمسافر في جزء من الزمان و هو في زمان، عزمه على الاقامة و كان في محل الإقامة، فاذا خرج من هذا المحل فيدخل في الحكم الثابت بالعمومات، لأنه إذا كان لسان العام هو العموم الأزماني، ففي القدر المتقين من الدليل الخاص نأخذ بالخاص و في غيره إذا شك في كون هذا الزمان محكوما بحكم العام أو الخاص فنأخذ بالعام.

لا وجه

لأنّ يقال في مقام دفع ذلك: بأن رواية زرارة المتقدمة تدلّ على أن

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 81

بعد حصول الإقامة يقطع السفر موضوعا، فالمسافر يخرج بسبب هذه الإقامة عن كونه مسافرا، فلا يشمل عمومات وجوب القصر مثل هذا المسافر الّذي قطع مسافة التقصير بالقاطع بين المسافة بحيث لا تكون المسافة قبل القاطع و لا بعده مستقلا مسافة التقصير.

لما قلنا في الرواية من عدم امكان الاستدلال بها لما فيها من الإشكال، مضافا الى انّه لو فرض بانا التزمنا بالإتمام إذا مرّ الشخص بمحل اقامته، و قلنا أيضا بوجوب الإتمام إذا خرج بعد المرور عن محل الاقامة باقل من المسافة، لما كان في هذه الرواية من وجوب الإتمام إذا زار البيت، و إذا خرج الى منى بعد زيارة البيت، فغاية ذلك وجوب الإتمام في تلك الصورتين، و وجوب الإتمام كما يناسب مع كون ذلك من باب عدم كون المسافر مسافرا لاجل الاقامة السابقة و كون الإقامة عشرة أيّام قاطعة لموضوع السفر، كذلك يناسب مع كون هذا الشخص مع كونه مسافرا و لم يخرج بسبب حصول القاطع عن كونه مسافرا خرج عن الحكم الثابت للمسافر و هو وجوب القصر لاجل طروّ القاطع، و كان ذلك تخصيصا في حكم المسافر، فلا يستفاد على هذا كون القاطع قاطعا لموضوع السفر من الرواية. «1»

______________________________

(1)- اقول: بعد ما افاد مدّ ظلّه هكذا قلت بحضرته في مجلس البحث: بأنّه إن قلنا كذلك فتبطل الثمرة، لأنّ الثمرة بين الالتزام بكون القواطع قاطعة للموضوع و بين كونها قاطعة للحكم هو وجوب القصر إذا كان كل من المسافة السابقة على طرو القاطع و اللاحقة بنفسها مسافة القصر، ففي كل منهما أو كليهما يجب القصر إذا

كانت مسافة كل منهما مستقلا مسافة القصر، و إلّا يجب الإتمام، و وجوب الإتمام إذا كانت المسافة السابقة و اللاحقة عن طروّ القاطع منضما الى مسافة غير بالغة بحد مسافة القصر، و إلّا لو بلغتا و لو منضمة بحد مسافة القصر يجب القصر، و-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 82

[فالملاك ما قلنا من كون هذه الامور الثلاثة تخرج المسافر عن كونه مسافرا]

نعم يبقى في المقام ما قلنا في وجه كون هذه القواطع قاطعة لموضوع السفر و هو كون الروايات الواردة في هذه القواطع ناظرة الى ما كان مرتكزا في الأذهان من فتاوى العامة من كون زمان السفر بمقدار خاص يعد جزء للسفر، و هو المقدار الذي يكون المسافر ضاربا في الأرض، و مقدار آخر داخل في السفر بالتبع، و إن اختلفوا في المقدار الداخل بالتبع.

و حيث كان هذا الموضوع مورد الكلام عند الناس فلسان الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السّلام ناظر الى هذا الحيث، و في مقام بيان تحديد مقدار من الإقامة للضرب في الأرض، و هو المقدار الّذي يكون المسافر مسافرا، و لا يخرج بسببها عن كونه مسافرا، فحدد ذلك و أنّ إقامة ستة أشهر بالنحو المتقدم، و العزم على الاقامة بالنحو المتقدم، و إقامة شهر مترددا بالنحو المتقدم يقطع السفر، و يخرج المسافر بسببها عن كونه مسافرا، و الشافعي قال: بأن إقامة أربعة أيّام غير يوم

______________________________

بعبارة اخرى بناء على كونها قاطعة للموضوع لا تنضم المسافة السابقة الى اللاحقة، و بناء على كونها قاطعة للحكم تنضم السابقة الى اللاحقة، و على ما قلت لا تجري الثمرة، لأنه على كلا التقديرين لا يجب القصر إلّا إذا كان كل من المسافتين بنفسها مسافة التقصير أمّا على إخراج الموضوع فواضح، و أمّا على الاخراج الحكمي فأيضا بعد كون

المرور بمحل الإقامة و الخروج بعد ذلك الى الاقل من المسافة موجبا للاتمام من باب الرواية، فوجوب الإتمام بعد الخروج من محل الاقامة إذا كان الخروج في أول مرتبة بعد الاقامة مسلم بطريق اولى، لأنّ الرواية على هذا دلت على أنّ بعد المرور بمحل الاقامة لا يجب القصر إلّا إذا كان الى مسافة جديدة، فبعد الخروج عن محل الاقامة و بعد حصول الإقامة في السفر الأوّل يكون الاتمام بطريق اولى إذا كانت المسافة اللاحقة اقل من المسافة.

و أجاب مد ظله و قال: بأن الأمر و إن كان كذلك لكن كلامنا في أن ما قالوا بأن هذه القواطع قاطعة لموضوع السفر لا وجه له، و لا يستفاد من الاخبار. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 83

الدخول و الخروج يخرج المسافر عن كونه مسافرا، و أبو حنيفة قال: بأن المسافر يخرج عن كونه مسافرا إذا أقام خمسة عشرة يوما في محل، و هما لا يعتبران العزم في الاقامة، غاية الأمر يقولان بأن العزم يتم من الأوّل و في صورة عدم العزم يتم بعد حصول الأيّام المعتبرة.

و على كل حال يكون مقصودنا أن هذه الأخبار ناظرة الى هذا الحيث، و في قبال العامة أعني: ناظرة الى بيان مقدار من الاقامة الّتي يكون المسافر مسافرا مع عدم كونه ضاربا في الأرض، و المقدار الّذي لا يكون المسافر مسافرا معه، فيستفاد أنه في صورة إقامة ستة أشهر مع ما قدمنا الكلام فيها، و في صورة العزم على الاقامة، و في صورة الإقامة مترددا في شهر يخرج المسافر عن كونه مسافرا، فيحتاج القصر الى كون المسافة اللاحقة على ذلك بنفسها مسافة جديدة، و كذلك وجوب القصر في المسافة السابقة يكون في صورة

كونها بنفسها بالغة حد السفر الموجب للقصر.

مسئلة: بعد ما قلنا بأن من القواطع العزم على إقامة عشرة أيّام في محل.

يقع الكلام في انّه ما هو القاطع، فهل العزم أو اليقين الوارد في بعض روايات الباب يكون أخذهما في الموضوع بعنوان الطريقية او بعنوان الموضوعية و على تقدير موضوعيتهما هل يكونان تمام الموضوع، أو يكونان جزء الموضوع؟ فنقول إن هنا احتمالات أربعة:

[في ذكر الاحتمالات الاربعة فى المقام]

الاحتمال الأول: أن يقال بأن العزم أو العلم أخذ طريقا، بمعنى أن القاطع للسفر أو لحكم السفر هو إقامة الواقعية في عشرة أيّام، فالإقامة في عشرة أيّام موضوع لوجوب الإتمام، فيعتبر في وجوب الإتمام الإقامة الواقعية في عشرة أيّام

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 84

و لو بنحو الشرط المتأخر، فاذا أقام عشرة أيّام يكشف عن وجوب الإتمام عليه من أول ما عزم على الإقامة.

الاحتمال الثاني: أن يكون نفس حدوث العزم أو العلم باقامة عشرة أيّام قاطعا و إن حصل الانصراف عن العزم أو تبدل علمه آنا ما بعد العزم و العلم، فعلى هذا يكون وجوب الإتمام في صورة حصول العزم على الاقامة آنا مّا، سواء أقام عشرة أيّام بعد العزم أم لا، و سواء وجب عليه عمل عبادي متفرعا على العزم أم لا.

الاحتمال الثالث: ان يكون العزم على الاقامة جزء الموضوع لوجوب التمام، و يكون جزئه الآخر بقاء هذا العزم إلى أن يأتي زمان التكليف مبنيا على حصول العزم على الاقامة، و توجه به هذا التكليف، مثلا عزم على الاقامة و يبقى عزمه الى أن يتوجه بالعازم تكليف صلاة رباعية يكون وجوبها رباعية مبنيا على عزمه، أو توجه به الصوم المتفرع توجه وجوبه به على عزمه، و حاصل هذا الوجه اعتبار العزم في وجوب

الإتمام على العازم مع بقاء عزمه الى وقت يتوجه به تكليف مبني على كونه عازما على الإقامة، فاذا بقى العزم الى هذا الوقت تحقق موضوع الإقامة و يجب الإتمام و إن انصرف بعد ذلك عن عزمه، و إن لم يبق العزم الى هذا الوقت فلا يجب الإتمام.

الاحتمال الرابع: ان يكون العزم موضوعا لوجوب الإتمام مع بقاء هذا العزم الى زمان توجه التكليف المتفرع على حصول الإقامة في تمام العشرة به، بمعنى أن وجود العزم في كل زمان يتوجه به التكليف يكون موضوعا لوجوب الإتمام، ففي العشرة الّتي عزم على الاقامة فيها لا بدّ من ملاحظة أوقات توجه التكليف المتفرع على العزم من الصّلاة و الصوم، ففي كل وقت من هذه العشرة يكون ظرف التكليف

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 85

إذا كان العزم موجودا يجب الإتمام و إلّا فلا، مثلا من عزم على الاقامة في أول طلوع الصبح الّذي ورد في محل الاقامة إذا جاء وقت الظهر- و هو وقت يتوجه التكليف بالصّلاة الرباعية- إذا كان عازما على الإقامة يجب الإتمام عليه و إلا فلا، و هكذا الى آخر العشرة.

و إذا فرض مجي ء أيّام شهر رمضان في ضمن تلك العشرة فإن بقي عزمه الى زمان توجه هذا التكليف يجب عليه الصوم و إلا فلا، فوجوب الإتمام يتفرع على بقاء العزم في ظرف توجه التكليف، ففي كل ظرف من ظروف التكليف الواقع في ضمن العشرة إن كان العزم باقيا يجب الإتمام في هذا الظرف، و فيما لم يبق هذا العزم لا يجب الإتمام عليه.

[في ذكر توالى الفاسدة للاحتمالات الاربعة]

إذا عرفت هذه الاحتمالات الأربعة، فما نقول في المقام؟

فنقول: إن من البعيد كون روايات الباب ناظرة الى الاحتمال الأول، لأنه و إن يمكن

أن يقال: إن كون العزم بنفسه موضوعا لوجوب الإتمام و عدم دخالة إقامة العشرة، يكون خلاف الظاهر، بل الظاهر هو كون العزم أو العلم طريقا الى الواقع.

و لكن جعل إقامة عشرة أيّام شرطا لوجوب الإتمام بمجرد العزم على العشرة في أول العشرة بنحو الشرط المتأخر، بحيث يكون الحكم بالاتمام في ما قبل اتمام العشرة مراعى باتمام العشرة، فإن اقام يكشف عن كون الإتمام واجبا من الأوّل و إلّا فلا، بعيد في غاية البعد، فلا وجه لترجيح هذا الاحتمال على غيره.

و أمّا الاحتمال الرابع فيبعّده أن المستفاد من الروايات هو كون العزم على إقامة عشرة أيام قاطعا، و المراد من ذلك يحتمل أن يكون الموضوع هو عزم باقامة العشرة بتمامها، و يحتمل أن يكون المراد هو العزم المتعلّق بالعشرة في أول العشرة و

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 86

في ما بعد ذلك باقل من ذلك، مثلا من أراد المقام في بلد عشرة أيّام ففي اليوم الأوّل يعزم على إقامة العشرة، و في اليوم الثاني الى إقامة تسعة أيام، و في اليوم الثالث الى إقامة ثمانية أيّام، و هكذا الى أن ينتهي الى اليوم الآخر، فلا بدّ من أن يكون عزمه متعلقا على إقامة يوم واحد.

فإن قيل: بالأخذ بالاحتمال الرابع فلا بدّ من الالتزام إمّا بأن القاطع هو العزم على العشرة في أول العشرة و في ما بعده كما فرض في المثال المتقدم يكون القاطع العزم على إقامة أقل من العشرة، و إمّا من التزام بأنّه يلزم بقاء العزم على تمام العشرة في كل يوم من أيّام العشرة حتى يصدق بأنّه ناو للعشرة، لأنه بعد اعتبار بقاء العزم في ظرف كل تكليف معناه العزم على إقامة العشرة

في تمام العشرة.

فان قلنا بالالتزام الأوّل فلا بد أن يقال يكفى في صدق العزم على إقامة العشرة في ظرف كل تكليف العزم على إقامة عشرة واحدة، فيلزم أن يكون الشخص في ضمن العشرة في غير اليوم الأوّل غير عازم على إقامة العشرة، لأنّ من يعزم على إقامة عشرة أيّام في بلد في اليوم الأوّل عازم على العشرة، و في اليوم الثاني على التسعة قهرا، و هكذا فهو في وسط العشرة إذا جاء ظرف التكليف لم يكن عازما على العشرة، و الحال أن المستفاد من الدليل اعتبار العزم على العشرة لا على بعض العشرة، فلازم الاحتمال الرابع هو الالتزام على هذا الاحتمال بكفاية العزم على الاقامة في بعض العشرة لما قلنا، و لا يمكن الالتزام بذلك لكونه خلاف ظاهر الرواية.

و إن قلنا بالالتزام الثاني فلا بد أن يقال: بكون العزم على إقامة العشرة في كل يوم قاطعا، فعلى هذا الاحتمال أعني: الاحتمال الرابع فلا بدّ من الالتزام بأنّه يلزم في

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 87

تمام العشرة في الظرف التكاليف المبنية على إقامة العزم على العشرة مثلا، فلا بدّ على الشخص العازم على الاقامة من العزم على إقامة العشرة في اليوم الأوّل، و كذا اليوم الثاني، و هكذا فلازم ذلك كون القاطع العازم على إقامة عشرات لا عشرة واحدة لأنه لا بدّ من بقاء عزمه في ظرف تمام التكاليف في ضمن العشرة، فلا بدّ من أن يكون كل يوم عازما على العشرة، فلازم ذلك كون القاطع إقامة عشرات لا عشرة واحدة.

و يمكن أن يقال في دفع هذا الإشكال: بانا نلتزم بأن القاطع هو العزم على العشرة، غاية الأمر العازم في أول عزمه يعزم العشرة بوجودها الحدوثي،

و في ما بعد ذلك بوجودها البقائي فما دام هو في العشرة يكون عازما على العشرة من باب كون هذا جزء العشرة، و بقاء هذا الوجود الحادث أعني: العشرة، فيرتفع الإشكال.

و أمّا الاحتمال الثاني، و هو كون نفس حدوث العزم و لو آنا مّا كاف، فهو أيضا بعيد.

[ما يقوى بالنظر هذا الاحتمال الثالث]

فالاحتمال الثالث، و هو كون القاطع العزم و بقائه الى وصول ظرف التكليف على الاقامة مثل أن يأتي وقت صلاة رباعية، يكون أرجح بالنظر، لأنّ المستفاد من روايات الباب هو هذا، كما ترى في رواية أبي بصير قال: «إذا قدمت أرضا و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و اتم» فإن الظاهر فيها هو كون الصوم و التمام متفرعا على إرادة الإقامة، فيفهم من ذلك اعتبار كون إرادة عشرة أيّام باقية حتى يصل وقت أن يصوم و يتم، لأنّ الظاهر هو وجوب الصوم و الإتمام في حال وجود إرادة الإقامة عشرة أيّام للشخص، فمن أجل ذلك يقوى بالنظر هذا الاحتمال من بين

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 88

الاحتمالات الأربعة. «1»

هذا كله بمقتضى ما تقتضيه الاطلاقات أو العمومات الأولية الدالة على وجوب الإتمام مع العزم على إقامة عشرة أيّام.

[ذكر الرواية المعروفة التى كان مضمونها مورد عمل الاصحاب و لا يساعد مع أحد الاحتمالات الاربعة]

ثمّ إن هنا رواية معروفة، و هي الّتي كان مضمونها مورد عمل الاصحاب رضوان اللّه عليهم، و تكون رواية صحيحة، و هي ما رواها أبي ولّاد الحناط قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيّام و اتم الصّلاة، ثمّ بدا لي بعد أن لا أقيم بها، فما ترى لي أتم أم اقصر؟ قال: إن كنت حين دخلت المدينة و حين صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و اتم، و إن لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك و

بين شهر، فاذا مضى لك شهر فاتم الصّلاة». «2»

مضمون هذه الرواية لا يساعد احدا من الاحتمالات الاربعة، لأنه على الاحتمال الرابع يجب الإتمام في ظرف كل تكليف في ضمن العشرة إن بقي العزم الى

______________________________

(1)- أقول: ما يأتى بالنظر فعلا و إن كان محتاجا الى التأمل كاملا، هو كون نفس حدوث العزم آنا مّا و إن ذهب بعد حدوثه، موضوعا لوجوب الإتمام متى يكون في محل الاقامة، لأنّ ظاهر الأخبار هذا و ما تفرع على ذلك من وجوب الإتمام أو الصوم، فليس معناه بقاء العزم الى ظرف التكليف المبني على العزم، لعدم استفادة ذلك من الروايات، و التعبير في بعضها بالمضارع لا يقتضي استمرار الإرادة الى التالى، بل يتناسب مع حدوث صرف العزم، مضافا الى أن التعبير في بعضها كان بلفظ الماضي مثل قوله «و ايقنت» فتأمّل. (المقرّر)

(2)- الرواية 1 من الباب 18 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 89

هذا الظرف، و الرواية تدلّ على وجوب الإتمام بمجرد الاتيان بصلوة واحدة و أن انصرف بعد ذلك عن عزمه.

و كذلك مع الاحتمال الثالث، لأنه على هذا كان العزم الباقي الى مجي ء ظرف أول تكليف متعلق بالمقيم موضوعا لوجوب الإتمام، و الرواية تدلّ على عدم كفاية ذلك بل على إتيان صلاة مع العزم.

و كذلك مع الاحتمال الثاني، لأنّ على هذا الاحتمال كان العزم بنفسه موضوعا لوجوب الإتمام، و الرواية تدلّ على عدم كفاية ذلك، بل على أن العزم مع إتيان صلاة فريضة واحدة بتمام موضوعا لوجوب الإتمام.

و كذلك مع الاحتمال الأوّل فإن مقتضاه كون إقامة عشرة أيّام واقعية بتمامها موضوعا لوجوب الإتمام، و الرواية تدلّ على كفاية العزم مع اتيان صلاة، فالرواية بمضمونها

مخالفة مع كل الاحتمالات.

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 2، ص: 89

[في ذكر بعض الجهات]
اشارة

إذا عرفت ذلك نقول: إن المستفاد من الرواية هو وجوب الإتمام إذا عزم على الاقامة و صلى صلاة فريضة واحدة بتمام و إن انصرف بعد ذلك عن عزمه، و وجوب القصر إذا عزم و انصرف قبل ذلك عن عزمه، و هذا المقدار يستفاد من الرواية مسلما بمعنى كون بقاء العزم إلى اتيان خصوص صلاة فريضة واحدة بتمام موضوعا لوجوب الإتمام و إن انصرف المقيم بعد ذلك عن عزمه، و وجوب القصر إذا انصرف عن عزمه قبل أن يصلي صلاة فريضة واحدة بتمام ممّا لا إشكال فيه، إنما الإشكال في بعض الجهات الأخرى:

الجهة الاولى:
اشارة

هل يكون لاتيان صلاة فريضة واحدة بتمام موضوعية و خصوصية بحيث لا يمكن التعدي منها الى غيرها، فعلى هذا إن ورد الى محل في الليل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 90

و عزم على الإقامة، و فرض كون تلك الليلة ليلة أول شهر رمضان فقصد الصوم و صام، و اتفق انّه لم يأت بصلاة الظهر و العصر إمّا غفلة أو عمدا، و لكن صام حتى دخل الليل الثاني فبعد ذلك انصرف عن عزمه، و الحال انّه لم يصل صلاة فريضة واحدة بتمام، فلا يجب عليه الاتمام بعد ذلك متى يكون في هذا المحل، لأنّ الرواية اختصت حكم وجوب الإتمام لخصوص صورة بقاء العزم الى أن يصلى صلاة فريضة واحدة بتمام.

أولا يكون للصّلاة خصوصية، بل يكون ذكر الصّلاة من باب المثال بدعوى عدم خصوصية للصّلاة، لأنّ هذه الخصوصية ملغاة في نظر العرف، و يفهم أن ذكر الصّلاة كان من باب أن الراوي حيث كان سؤاله عن الإتمام في الصّلاة، فأجاب عليه السّلام «إن كنت حين دخلت المدينة صليت بها صلاة واحدة فريضة بتمام» و جعل

الإتمام و القصر دائرا مدار اتيان الصّلاة مع العزم و عدمه، و إلّا لا خصوصيّة للصّلاة.

و بعد كون ذكر الصّلاة من باب ذكر أحد الأفراد و من باب التمثيل، أو كون السؤال عن اتمام الصّلاة، فدار الحكم مداره، فما نقول في المقام؟ هل نقول بالاول و أن لإتيان الصّلاة موضوعية، أو نقول بالثاني أعني عدم خصوصية له، بل يكفي إتيان كل تكليف يبنى على الاتمام كالصوم مع بقاء العزم الى أن يأتى به، كما ادعيت الشهرة على كفاية إتيان الصوم مع بقاء العزم في وجوب الإتمام.

لا يخفى عليك انّه و إن لم يبعد عدم كون خصوصية للصّلاة- و كون الجواب و ذكر خصوصية الصّلاة إمّا من باب المثال، أو من باب كون سؤال السائل راجعا الى الإتمام في الصّلاة، و لعله كان دخوله في المدينة في غير شهر الصيام، و لا حاجة له الى السؤال عنه، بل كان محتاجا الى خصوص الصّلاة و لهذا سئل عنها-

[الافتاء بكفاية الصوم لتحقّق الاقامة مشكل]

و لكن الجزم مع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 91

ذلك على هذا، و الافتاء على كفاية إتيان الصوم عن عزم في وجوب الإتمام في ما بعد و إن انصرف بعد إتيان صومه عن عزمه، مشكل.

ثمّ إن لم نقل بدلالة الرواية مع إلغاء الخصوصية بنظر العرف لعدم الفرق بين الصّلاة و الصوم في هذا الحكم.

و لكن الرواية- مع كونها متعرضة لخصوص الصّلاة لا لغيرها، لأنه بعد كون قوله عليه السّلام «إن كنت حين دخلت المدينة صليت بها صلاة واحدة فريضة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها» غير ظاهرة في كون إتيان خصوص الصّلاة مع العزم موجبا للإتمام ما لم يخرج من بلد الإقامة، بل من المحتمل كون ذكر

الصّلاة من باب الخصوصية فيها- لا تدلّ بمنطوقها و لا بمفهومها المذكور بعدا بصورة المنطوق، و هو قوله عليه السّلام «و إن كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم، فأنت في تلك الحال بالخيار» على أن غير أعنى:

الصوم غير كاف في وجوب الإتمام، لإمكان كون ذكر الصّلاة فقط من باب كون الصّلاة محتاجا إليها الراوي، و عدم ذكر الصوم كان من باب عدم كونه مورد ابتلائه من باب عدم كون زمان سؤاله زمان الصوم، و الشاهد على ذلك هو أن الراوي فرض أن يقيم ليتم الصّلاة، فبعد عدم كون الرواية متعرضة لانحصار كون الإتمام و القصر دائرا مدار العزم الباقي مع إتيان صلاة واحدة فريضة بتمام و عدمه و غاية الأمر عدم دلالتها على كفاية الصوم، لا دلالتها على عدم كفايته.

فلا بدّ من أن يتفرع الحكم بوجوب الإتمام و القصر مدار اتيان الصوم مع العزم و عدمه على الاحتمالات الأربعة المتقدمة في الروايات الدالة على قاطعية العزم على إقامة عشرة أيّام.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 92

فعلى الاحتمال الأوّل لا يكفي إتيان الصوم لوجوب الإتمام في ما بعد مع فرض البداء، لأنّ إقامة عشرة أيّام تكون موضوع الحكم و مع الانصراف ما حصل موضوع لحكم الإتمام.

و على الاحتمال الثاني يجب الإتمام لتحقق العزم و إن انصرف بعد ذلك لموضوعية نفس العزم و لو آنا مّا لوجوب الإتمام.

و على الاحتمال الثالث أيضا يجب الإتمام، لأنه يكفي في وجوب الإتمام بقاء العزم الى وصول ظرف أول تكليف يبنى على العزم و لو انصرف بعد ذلك، و على الفرض حصل الموضوع، لأنه صام على الفرض.

و على الاحتمال الرابع

يجب القصر بعد الانصراف و إن صام، لأنه لا بدّ من بقاء العزم في ظرف كل تكليف مبني على العزم في تمام العشرة، و هو على الفرض انصرف عن عزمه، فلا يجب عليه الإتمام، بل يجب القصر عليه.

الجهة الثانية:

بعد ما لا إشكال في أنّ المسافر إذا عزم على الاقامة في محل و صلى صلاة واحدة فريضة بتمام، يجب عليه الإتمام بعد ذلك متى يكون في هذا المحل و إن انصرف عن عزمه لدلالة رواية أبي ولاد على ذلك، فهل يكتفي في هذه بخصوص الصّلاة أدائية، أو يكتفي باتيان صلاة رباعية قضائية في وجوب الإتمام أيضا مثل الادائية؟

و الكلام في ذلك تارة يقع في الاكتفاء في وجوب الإتمام باتيان صلاة رباعية قضائية يكون سبب وجوبها حاصلة من قبل، مثل من فاتت عنه صلاة رباعية في الحضر في زمان فحيث يجب عليه قضائها رباعية في السفر أيضا، فاتى بقضائها بعد العزم، ثمّ بدا له في الاقامة، أو عدم الاكتفاء بتلك الصّلاة الرباعية القضائية.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 93

فإن كان الكلام في هذا، فلا إشكال في عدم شمول رواية أبي ولاد له، لأنّ إتيانها رباعية ليس مبينا على العزم مسلما، بل لو لم يعزم لكان الواجب عليه إتيانها رباعية لأنّ القضاء تابع للأداء.

و تارة يقع الكلام في ما إذا أتي بعد العزم على الإقامة بصلوة رباعية قضائية حصل سبب وجوبها بعد العزم، مثل من دخل أرضا و أراد أن يقيم فيها عشرة أيّام و دخل عليه وقت الظهر و لم يأت بصلوة الظهر حتى خرج الوقت، ثمّ بعد الوقت قبل أن ينصرف عن عزمه قضى الصّلاة الّتي فانت عنه، ثمّ انصرف بعد ذلك عن عزمه، فهل يكتفى بهذه

الصّلاة لوجوب الإتمام في ما بعد الانصراف متى يكون في هذه الأرض، أولا يكتفى بها.

و منشأ الاكتفاء و عدمه شمول رواية أبي ولاد و عدمه، فهل يشمل قوله عليه السّلام في الرواية «صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام» لهذه الصّلاة، لأنّ الميزان هو إتيان صلاة واحدة فريضة بتمام، و لا فرق بين كون هذه الصّلاة أدائية أو قضائية، و يحتمل عدم الشمول.

«و قد يقال في وجه ذلك بالانصراف، لانصراف الصّلاة الفريضة عن الصّلاة القضائية».

«و فيه أن منشأ عدم الشمول إن كانت دعوى الانصراف، فإن كان انصراف فهو انصراف بدوي، و لا فرق بين الصّلاة الأدائية و القضائية و عدم انصراف الفريضة الواقعة في الرواية بالفريضة الادائية».

و الحق هو عدم شمول الرواية للصلاة القضائية، لا لأجل دعوى الانصراف، بل من باب أن الظاهر من الرواية كما ترى، هو وقوع صلاة فريضة رباعية مبنيا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 94

على العزم على الإقامة، فمن أتى بصلوة أدائية رباعية بعد العزم كان إتيانها رباعية مستندا و مبنيا بنفسه الى العزم، لأنه لو لم يعزم على الإقامة لما وجبت عليه صلاة فريضة رباعية، و أمّا من أتى بصلوة رباعية قضائية قبل الانصراف عن عزمه فاتت عنه بعد العزم، فإتيانه هذه الصّلاة القضائية غير مستند و غير مبني بنفس العزم، بل وجوب قضاء الرباعية مستند الى أن ما فات منه من الصّلاة الأدائية كانت رباعية، فاتيانها رباعية مستند الى أن ما وجب عليه في الوقت كان رباعية.

فما يكون مستندا الى العزم هو وجوب إتيان صلاة رباعية أدائية، لأنّ مع العزم يجب عليه الإتمام، فوجوب الإتمام مستند الى العزم، و أمّا إذا لم يأت بها و خرج الوقت، فوجوب قضائها رباعية

غير مستند الى العزم بنفسها، بل مستند أولا و بلا واسطة إلى أن ما وجب عليه في الوقت كانت رباعية، لأنّ القضاء تابع للأداء.

فالصّلاة الّتي تشملها رواية أبي ولاد هي كل صلاة يكون إتيانها رباعية مستندة بنفسها و بلا واسطة الى العزم، و هي ليست إلا الصّلاة الأدائية، فنحن و إن لم نخالف السيّد في حاشيتنا على العروة، لكن الآن نقول: بأن الحق هو عدم الاكتفاء لوجوب الاتمام بعد الانصراف عن العزم باتيان صلاة واحدة رباعية قضائية خلافا للسيد، فإنه اكتفى بتلك الصّلاة في وجوب الإتمام بعد الانصراف متى يكون الشخص في محل الاقامة.

الجهة الثالثة:
اشارة

استفيد من رواية ابي ولّاد وجوب الإتمام بعد الانصراف عن العزم متى يكون الشخص في محل الاقامة إذا أتى بصلوة فريضة واحدة بتمام قبل الانصراف، و وجوب القصر و عدم وجوب الإتمام إذا أنصرف عن عزمه قبل إتيانه بصلاة فريضة واحدة بتمام إلّا أن يعزم على إقامة جديدة.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 95

فهل يكون الانصراف عن العزم موجوبا للقصر و ترتيب آثار السفر، في صورة عدم الاتيان بصلوة فريضة واحدة بتمام، من حين البداء و حصول الانصراف من العزم، فيكون لازم ذلك ترتيب الاثر على الانصراف من حينه و وقوع ما وقع قبل الانصراف و ترتيب أثر الاقامة عليه، أو يكون الانصراف كاشفا عن عدم حصول موضوع وجوب الإتمام و الصوم من أول الأمر، فعلى الأوّل يكون نظير النقل، و على الثاني نظير الكشف، و تظهر الثمرة في بعض الموارد:

منها ما لو صام قبل الانصراف عن العزم، و فرض عدم الاكتفاء باتيان الصوم في وجوب الإتمام بعد الانصراف، و فرض عدم اتيانه صلاة فريضة ادائية واحدة بتمام فانصرف عن عزمه بعد

الصوم، فيقع صومه صحيحا و في محله، لأنه قبل الانصراف كان غير مسافر و بعد الانصراف يصير مسافرا على تقدير كون تأثير البداء من حينه لا من الأصل، و عدم وقوع الصوم صحيحا على الالتزام بالكشف عن عدم حصول القاطع من رأس مع الانصراف.

و منها ما لو عزم و دخل عليه وقت صلاة رباعية، ثمّ فاتت عنه و لم يأت بها فبعد الوقت قبل قضائها انصرف عن عزمه، فعلى النقل يجب عليه اتيان قضائها رباعية لأنه قبل الانصراف كان مقيما بحكم المطلقات الدالة على وجوب الإتمام و الصوم على المقيم، و غاية ما خصص منها برواية ابي ولاد هو عدم تأثير العزم بعد الانصراف لو لم يصل الصّلاة فريضة واحدة بتمام.

و أمّا على الكشف فيجب عليه قضاء هذه الصّلاة قصرا، لأنه على الكشف يكشف الانصراف عن عدم حصول القاطع، و كون الشخص مسافرا في حال دخول الوقت و من المسلم انّه يجب على المسافر اتيان الرباعيات قصرا.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 96

إذا عرفت الفرق بين القولين.

[الانصراف يكون مؤثرا فيما بعده لا قبله]
اشارة

نقول: لا إشكال في أن الانصراف يؤثر في ما بعد الانصراف لا فيما قبله، و بعبارة اخرى نلتزم بالنقل لا بالكشف.

لا لما قد يتراءى من بعض الكلمات من لزوم الدور لو قلنا بالكشف بأنّه يقال:

على هذا يكون وجوب اتيان الصّلاة أربع ركعات موقوفا على تحقق العزم، لأنه ما لم يعزم لا يجب الإتمام و اتيان الصّلاة رباعية، و على الفرض اعنى: فرض الكشف يكون وجوب الإتمام واقعا موقوفا على اتيان الصّلاة أربع ركعات، فيتوقف وجوب الاتيان بالصّلاة الرباعية على تحقق العزم على الاقامة، و يتوقف نفس العزم و كونه موجبا لوجوب الإتمام و اتيان صلاة الرباعية على اتيان صلاة

الرباعية، و بعبارة اخرى يتوقف وجوب التمام على فعل أربع ركعات على الفرض، لأنه على الكشف استفيد من رواية ابي ولاد اشتراط وجوب الإتمام باتيان صلاة رباعية، و من المسلم أن فعل أربع ركعات في محل الاقامة يتوقف على وجوب الإتمام و لو لم يجب الإتمام لما يجب فعل الصّلاة رباعية، و هذا دور.

لأنّه يمكن الجواب عن ذلك بأن المستفاد من رواية ابي ولاد هو اشتراط وجوب الإتمام على اتيان صلاة رباعية واقعا، بحيث لو لم يصل صلاة رباعية يكشف ذلك عن عدم تأثير العزم على الكشف، فقبل ذلك يجب الإتمام بعد تحقق العزم، لأنه عازم فعلا و يستصحب بقاء عزمه الى آخر العشرة، فهو يعتقد بقاء عزمه الى حصول الشرط و هو اتيان صلاة رباعية، فيجب لاجل ذلك بحسب الظاهر الإتمام و اتيان الصّلاة رباعية، فإن بدا له بعد فعل الصّلاة يكشف انّه لم يكن موضوعا لوجوب الإتمام و إن صلّى رباعية و يكشف عن وقوع القاطع من أول ما

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 97

عزم على الاقامة.

بل نقول في وجه النقل و تأثير البداء من حين حصوله: بأن الظاهر من رواية أبي ولاد و هو كون سؤال السائل عن الإتمام و القصر بعد الانصراف عن العزم و جواب الامام عليه السّلام ناظرا الى الإتمام في ما بعد الانصراف إن صلى صلاة فريضة واحدة بتمام، و وجوب القصر إن لم يصل صلاة فريضة واحدة بتمام، فليست الرواية متعرضة لتأثير إتيان الصّلاة و عدمه لما قبل ذلك، و هذا معنى النقل و يتفرع على ذلك فروع:

[في ذكر بعض الفروع]

الفرع الأول: انّه لو عزم على الاقامة و دخل وقت صلاة من الصلوات الرباعية، فلم يأت بها إمّا نسيانا

أو عمدا حتى خرج الوقت و انصرف عن عزمه، فيجب قضائها إتماما على النقل سواء يقضيها بعد البداء في هذا المحل أو في محل آخر، لأنّ ما تعلق به في الوقت هي الصّلاة الرباعية فيجب إتيانها قضاء أربع ركعات، لأنّ من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت.

و يجب قضائها قصرا إن قلنا بالكشف، لأنّ بعد البداء يكشف أن القاطع ما حصل من رأس و ما حدث موجب الإتمام، فهو كان مسافرا في الوقت و كان الواجب عليه اتيان الصّلاة قصرا، فاذا فاتت يجب قضائها قصرا أيضا سواء اتى بعد الانصراف في محل الاقامة أو في محل آخر.

الفرع الثاني: لو عزم على الاقامة و صام يوما أو أياما بعد العزم من باب كون شهر رمضان مثلا، و لكن لم يصل رباعية إمّا غفلة أو عمدا، ثمّ بعد ما صام يوما أو أياما بدا له في العزم.

فعلى النقل يصح صومه لوقوعه في زمان لم يكن الشخص مسافرا، و لا يجب

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 98

قضاء هذا الصوم عليه، و على الكشف يكشف بعد البداء بطلان الصوم لوقوعه في السفر، و يجب قضاء هذا الصوم.

و هذه الثمرة مبنية على عدم كون إتيان الصوم قبل اتيان صلاة فريضة واحدة بتمام موجبا للاتمام في ما بعد، و أمّا إن قلنا بكون الصوم مثل الصّلاة كما اشرنا سابقا بأن يقال: إنه بعد كون العزم على إقامة العشرة قاطعا للموضوع و مقتضى المطلقات وجوب الإتمام و الصوم بعد العزم، و رواية ابي ولاد و إن وقع التصريح فيها بخصوص الصّلاة، لكن بعد احتمال كون ذكر خصوص الصّلاة من باب كون مورد سؤاله و نظره الى الإتمام، لا من باب خصوصية في صلاة،

و لا اقل من عدم دلالتها على عدم الاكتفاء بالصوم، فلا يبعد الاكتفاء بالصوم في وجوب الإتمام، و عدم الاختصاص بما إذا عزم و صلي صلاة فريضة واحدة بتمام، بل الصوم أيضا مثلها.

الثالث: إذا صام بعد العزم على الاقامة، و امسك الى أن يدخل الظهر و زال الشمس، و قبل أن يصل صلاة فريضة رباعية مبنية على العزم انصرف عن عزمه، فعلى النقل لا إشكال في وقوع الصوم الى حال البداء صحيحا لأنه لم يكن مسافرا و على الكشف لا يصح صومه لكونه مسافرا واقعا بناء على عدم الاكتفاء بالصوم.

ثمّ بعد وقوع الصوم صحيحا من أول الفجر الى ما بعد الزوال على النقل، فيقع الكلام في ما بعد البداء و أنه يمكن تصحيح هذا الصوم بحيث لا يجب الافطار، بل يجب الامساك بعد ذلك الى الغروب و يقع صحيحا، و لا يحتاج هذا الصوم الى القضاء أو لا؟

اعلم أن ما يمكن أن يكون وجها لتصحيح هذا الصوم هو التمسك في اجزاء الباقي من الصوم بعد البداء، بما ورد من انّه من يسافر بعد الزوال يصح صوم يومه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 99

بأن يقال: إن مورد هذا الدليل هو من سافر بعد الزوال، و هو أيضا كذلك لأنه بعد البداء يصير مسافرا.

لا يبعد شمول الدليل لهذا المورد بدعوى عدم خصوصية لكون المراد من مدلول الدليل من ينشأ السفر ابتداء، لا من يكون مسافرا و قطع سفره، ثمّ يصير مسافرا، لعدم الفرق عند العرف بينهما في كونهما مسافرا، لأنّ المسافر في مقابل الحاضر سواء انشأ السفر ابتداء أو قطع سفره بقاطع ثمّ يصير مسافرا، فيشمل الدليل لكل منهما.

الجهة الرابعة:
اشارة

إذا عزم الشخص على الاقامة في موضع، ثمّ

صلى صلاة فريضة واحدة بتمام و حصل له الانصراف، يجب عليه الإتمام ما دام يكون في محل الاقامة لدلالة رواية ابي ولاد.

فهل يحتاج القصر بعد خروجه عن محل الاقامة الى قصد مسافة جديدة بحيث لو خرج الى ما دون المسافة لا يجب عليه القصر، أو ليس كذلك بل بمجرد الخروج يدخل في حكم المسافر و إن لم يكن السفر الّذي انشأ بقدر المسافة؟

لا اشكال في انّه إذا عزم الشخص على الاقامة عشرة أيّام، و تحقق منه الاقامة و خرج بعد العشرة عن محل الاقامة، يجب عليه القصر إذا قصد سفرا بالغا حد المسافة و إلّا فلا، لأنه بعد كون عزم الإقامة قاطعا لموضوع السفر، فكما قلنا سابقا في مقام الثمرة بين كونه قاطعا لموضوع السفر و بين كونه قاطعا لحكم السفر، هو أنه على تقدير كونه قاطعا للموضوع لا يقبل ضم السفر السابق الى الاحق إذا كانا معا بالغين حد المسافة، بل لا بدّ في وجوب القصر فيهما من كون كل منهما بنفسه سفر التقصير، فلا بدّ من وجوب القصر بعد قطع السفر على هذا، بالعزم على الاقامة من

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 100

إنشاء سفر جديد بالغ حد المسافة.

[اذا خرج عن محل الاقامة قبل العشرة يحتاج الى قصد سفر جديد بقدر المسافة أو لا يحتاج]

إنما الكلام في ما قلنا من انّه إذا لم تتحقق إقامة العشرة، و لكن عزم و صلى صلاة واحدة فريضة بتمام، فاذا خرج بعد الانصراف قبل إتمام العشرة عن محل الاقامة، فهل يحتاج وجوب القصر في هذه الصورة أيضا الى قصد سفر جديد بالغ حد المسافة، أو لا يحتاج الى ذلك، بل بمجرد الخروج عن محل الاقامة يجب عليه القصر و إن لم يقصد مسافة التقصير.

وجه عدم احتياج وجوب القصر الى قصد السفر الموجب للتقصير

بل وجوب القصر بمجرد الخروج، هو أن غاية ما يستفاد من رواية ابي ولاد هو وجوب الإتمام بعد الانصراف متى لم يخرج عن محل الاقامة، فظهور الرواية في ذلك.

و وجوب الإتمام بعد الانصراف كما يمكن أن يكون من باب كون الشخص غير مسافر، و لذا كان الواجب عليه الإتمام بمعنى كون صرف العزم مع الصّلاة قاطعا للسفر و موجبا للاتمام في ما بعد متى يكون في محل الاقامة، كذلك يحتمل أن يكون الحكم بوجوب الإتمام تخصيصا في حكم المسافر، بمعنى انّه مع كونه مسافرا لعدم بقاء عزمه و حصول البداء له، و لكن هذا المسافر يجب الإتمام عليه، فتكون هذه الرواية مخصصة للعمومات الدالة على وجوب القصر على المسافر، مضافا الى أن المستفاد من الرواية هو بقاء وجوب الإتمام الى زمان الخروج، فبعد الخروج يجب القصر لحصول غاية الإتمام.

و أمّا وجه احتياج القصر الى قصد مسافة جديدة فهو بأن يقال: إنه بعد ما قلنا من أن المستفاد من الاطلاقات الدالة على وجوب الإتمام مع العزم على إقامة عشرة أيّام، مع ما قلنا من أن الأخبار ناظرة الى الجهة الّتي قدمنا ذكرها، هو كون

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 101

العزم على الاقامة قاطعا لموضوع السفر، فاذا كان كذلك فرواية أبي ولاد أيضا ناظرة الى هذه المطلقات، و وزانها و زانها بمعنى: أن المستفاد من كيفية سؤال ابي ولاد و جواب الامام عليه السّلام هو انّه كان سؤاله راجعا الى فهم ما هو القاطع، و انّه بعد كون العزم على العشرة قاطعا، فهل لا يضر البداء في قاطعيته و موجبيته للاتمام، أو يكون البداء مضرا، فجوابه عليه السّلام بأنّه (إن صلى صلاة فريضة واحدة بتمام يجب الاتمام

عليه) ناظر الى أن القاطع هو ذلك، فبعد ذلك هو غير مسافر، و لهذا يجب عليه الإتمام «مضافا الى أن الرواية ليست متعرضة لحال الخروج و في مقام البيان من هذا الحيث، فعلى هذا بعد الخروج متى يجب القصر و متى يجب الإتمام فالرواية لم تكن في مقام بيانها، بل غاية ما كانت في بيانها هو وجوب الإتمام متى لم يخرج، فاذا خرج فما هو محقّق الخروج و متى يجب الإتمام أو القصر، فليست الرواية في مقام بيان ذلك» مع أن مناسبة وضع السائل أعنى: أبي ولاد انّه إذا خرج من المدينة يذهب الى وطنه و هو الكوفة، فالظاهر و لا أقل من المحتمل أن الخروج الّذي هو غاية للاتمام و يتوهم أن بعده القصر، هو خروجه الى الكوفة، فكان خروجه الى سفر يكون سفر التقصير، و لهذا يجب القصر بعد الخروج، فلا ظهور للرواية على أن مطلق الخروج و إن كان الى اقل من المسافة موجبا للقصر.

الجهة الخامسة:

بعد ما يجب الإتمام في الصّلاة، إذا حصل الانصراف بشرط أن صلّى صلاة فريضة واحدة تماما، بمقتضى دلالة رواية أبي ولاد فهل يجب الصوم أيضا، أو يقال: بأنّ الرواية لا تدلّ إلّا على وجوب الإتمام متى يكون في محلّ الاقامة بعد ما صلّى صلاة فريضة واحدة تماما و حصل الانصراف و البداء له؟

لا يخفى عليك انّه في الفرض يجب الصوم إذا جاء في ضمن العشرة وقت

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 102

الصوم الواجب، مثل انّه إذا دخل شهر رمضان لا لدلالة رواية أبي ولاد، بل للملازمة المستفادة من بعض «1» الروايات بأنّه إذا قصّرت افطرت، و إذا أفطرت قصّرت، و إذا وجب التمام وجب الصوم و بالعكس،

فبناء على هذا يجب بعد الانصراف إذا صلّى صلاة فريضة واحدة بتمام، الصوم إذا جاء وقته بلا إشكال «2».

الجهة السادسة: [في ذكر المسألة المهمة التى اضطربت فيها كلمات الاعلام]
اشارة

يقع الكلام في مسئلة مهمّة صارت مورد الكلام، و هي المسألة الّتي يقول عنها صاحب «3» الجواهر: المسألة الّتي اضطربت فيها الأفهام و زلت فيها أقدام كثير من الأعلام، و هي أنّه بعد كون العزم على إقامة عشرة أيّام قاطعا للسفر يقع الكلام في أن الشخص إذا خرج عن محل الاقامة الى محل تكون المسافة بينه و بين محل الاقامة اقل من المسافة الموجبة للقصر، و اراد العود الى محلّ الإقامة ثانيا و الخروج عنه، و تكون المسافة بين المقصد الّذي يذهب إليه و منتهى سفره مسافة موجبة للقصر، فيكون الذهاب من محل الإقامة أقلّ من المسافة الموجبة للقصر، و الذهاب الى منتهى سفره أكثر من المسافة الموجبة للقصر، و نحن نتعرّض أولا لما هو المتيقّن من محلّ الكلام في المسألة، ثمّ نتعرّض لبعض صور أخر.

فنقول: إن القدر المتيقّن من محل الكلام في هذه المسألة، هو انّه إذا خرج المسافر عن محل الاقامة، و كانت المسافة بينه و بين مقصده اقل من أربعة فراسخ، و يريد الرجوع الى محل الاقامة، و الخروج عنه الى وطنه مثلا و يكون الاياب اعنى:

______________________________

(1)- الرواية 17 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- أقول: بعد ما عنون سيّدنا الأستاذ- مد ظله- هذه المسألة و ذكر الاحتمالين قلت: في وجه وجوب الصوم ما ذكرت من الملازمة بين الصوم و الإتمام، و استرضى هو مد ظله. (المقرّر).

(3)- جواهر، ج 14، ص 363.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 103

المسافة الواقعة بين المقصد و الوطن، ثمانية فراسخ ففي هذا المورد ما يظهر من

كلمات الشيخ في المبسوط، و بعض من تأخر عنه- ممن يكون له كتاب يتعرض للمسائل التفريعية- هو الحكم بالقصر مطلقا في الذهاب و الاياب و محل الاقامة، و في قبال ذلك نسب الى الشهيد الإتمام متى خرج عن محل الاقامة الى المقصد، و القصر في الاياب مطلقا اعنى: في الطريق الي منتهى السفر، و محل الاقامة الّذي يمر به في الاياب، و تبعه بعض من تأخر عنه و ان كان الاختلاف بين الشهيد رحمه اللّه و بينهم في جهتين:

الجهة الأولى: أن ظاهر عبارة الشهيد رحمه اللّه هو الوجوب في الذهاب بعد ما خرج عن محل الاقامة الى المقصد، و الظاهر دخول المقصد في الذهاب في وجوب الإتمام و كلام من تبعه ظاهر في وجوب الإتمام في الذهاب لا في المقصد، بل القصر فيه و في الاياب.

الجهة الثانية: أن ظاهر عبارة الشهيد رحمه اللّه هو وجوب القصر في الاياب و في محل الاقامة إذا مرّ به، و أمّا إذا توقف فيه و إن كان وقوفه اقل من العشرة يجب الإتمام، و الحال ان من تبعه لا يفرّقون بين المرور و بين الاقامة أقل من العشرة في محل الاقامة، و يحكمون في كلتا الصورتين بالقصر.

و اعلم أن ما يظهر بعد التتبع التام هو أن أول من تعرض لهذه المسألة هو الشيخ رحمه اللّه في المبسوط، و هو كتابه الّذي قال في أوله: بأنّه كتاب لا يكتفي فيه بذكر خصوص المسائل المتلقاة عن الأئمة عليهم السّلام، بل بنائه رحمه اللّه في هذا الكتاب هو ذكر التفريعات، و استفادة حكمها من بطون النصوص في قبال العامة، فإنهم حيث يستنبطون احكاما بآرائهم و بعض امور ليست ميزانا عندنا و موافقة

للصواب من

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 104

الاستحسانات و الاقيسة، فصار الشّيخ رحمه اللّه بأن يستنبط حكم التفريعات من نفس النصوص، لأنّ يثبت بأنّا و إن كنّا أهل النص، و لا نعمل بالقياس و الاستحسانات، و لكن مع ذلك نستنبط حكم التفريعات من النصوص، و بعد كون بنائه على ذلك في هذا الكتاب، لا في مقام بيان خصوص الفتاوى المتلقاة منهم عليهم السّلام، كما هو دأب من تقدم عليه زمانا من الفقهاء رضوان اللّه عليهم، و بناء نفس الشّيخ رحمه اللّه في بعض كتبه الاخرى، بل هو في هذا الكتاب في مقام ذكر التفريعات، و لا يرى تعرضا لهذه المسألة في كلام أحد قبل الشّيخ رحمه اللّه، و من تعرض بعده أيضا يكون ممّن بنائه ذكر التفريعات، لا خصوص الفتاوى المتلقاة من الأئمّة عليهم السّلام.

[ليس فى المسألة اجماع فلا مجال لدعواه]

فعلى هذا لا مجال في مثل هذه المسألة للاجماع أصلا، لما قلنا مكررا من أن مورد دعوى الاجماع يكون في خصوص الفتاوى المتلقاة عنهم عليهم السّلام، فاذا رأينا في الكتب المعدة لذكر الفتاوى المتلقاة ذكر مسئلة و بيان حكم لها، فإن لم نجد في موردها نص نكشف بعد ذلك من ذكرهم وجود نص في المسألة، فعلى اي حال ليس في مثل هذه المسألة مجال لدعوى الاجماع على أحد طرفي المسألة، فما أتعب نفسه صاحب الجواهر رحمه اللّه من التمسك بقول الشّيخ رحمه اللّه و بيان وجه ذهابهم الى القصر في الذهاب و الاياب حتى في محل الاقامة، مما لا وجه له كما أن دعوى الاجماع على فتوى الشهيد رحمه اللّه أيضا ممّا لا وجه له، فلا وجه لكون المدرك في المسألة الاجماع.

بل ما يمكن أن يكون وجها لكلا القولين هو

أن يقال: إن ما يمكن أن يكون نظر الشيخ رحمه اللّه إليه في وجوب القصر في الذهاب و الاياب حتى في محل الاقامة، هو بعد خروجه عن محل الاقامة و انشائه لسفر موجب للقصر، فهو مسافر و يجب عليه القصر.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 105

[في ذكر وجه فتوى الشهيد]

و ما يمكن أن يكون نظر الشهيد رحمه اللّه و من تبعه في تلك الفتوى هو انّه في الذهاب الى المقصد حيث تكون المسافة أقل من أربعة فراسخ، فلا يجب القصر فيه، لأنّ في المسافة التلفيقية لا بدّ من كون الذهاب أربعة فراسخ كما قدمنا سابقا. «1»

______________________________

(1)- اقول: بعد ما ذكر سيدنا الاستاذ مدّ ظلّه هذا الوجه لفتوى الشهيد رحمه اللّه. قلت ردا لهذا الوجه و تقوية لفتوى الشيخ رحمه اللّه: بأنّه اما أولا فما قلنا في المسافة التلفيقية من انّه لا بد و ان يكون الذهاب أربعة فراسخ اقلا، و لا يجب القصر إذا كان اقلا من ذلك و ان كان الاياب بحد يبلغ مع ضمه بالذهاب الى ثمانية فراسخ او اكثر، مثلا إذا كان الذهاب ثلاثة فراسخ و الاياب خمسة فراسخ فلا يجب القصر، فكان الغرض هو ان الذهاب لا بد و ان يكون بريدا فاذا كان اقل من ذلك، فلا يقبل هذا الذهاب لأنّ يصير مسافته جزء المسافة المحققة للقصر، و اثر ذلك عدم وجوب القصر في المثال المتقدم، و ليس المراد ان الذهاب خارج عن السفر اصلا حتى يكون معناه ان من يسافر الى مقصد و يكون ذهابه ثلاثة فراسخ، و ايابه ازيد من ثمانية فراسخ، فهو لا يكون مسافرا متى يكون في الذهاب، بل يصير إذا شرع في الاياب، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام

به، فالمسافر بمجرد خروجه من منزله فهو مسافر و يعد مسافرا و مصيره جزء للسفر، غاية الامر بعض المسافات لا توجب القصر و بعضها توجب القصر، فالذهاب الاقل من أربعة فراسخ لا يخرج عن السفر، بل خارج عما هو محقّق للسفر الموجب للقصر.

و ثانيا إن ما قلنا في المسافة التلفيقية من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ، او ما قواه- مد ظله- من كون وجوب القصر دائرا مدار كون الرجوع ليومه كلاما آخر غير مربوط بالمقام، لأنّ كلام المشهور من اعتبار كون الرجوع ليومه او كلامه (مد ظله) من اعتبار كون الذهاب في المسافة التلفيقية أربعة فراسخ اقلا هو في ما كان المجموع من الاياب و الذهاب يبلغان حد القصر.

فمورد كلام المشهور هو في ما كان الذهاب أربعة فراسخ و الاياب كذلك فاعتبروا كون الرجوع ليومه في ذلك، و امّا المسافة التلفيقية الّتي يكون الاياب فيها بنفسه ثمانية فراسخ فالذهاب و ان كان اقل من ذلك فلا يجري فيه كلامهم.-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 106

[المختار قول الشيخ و من تابعه]

اقول: إذا عرفت هذين القولين في المسألة إن ما يأتي بالنظر هو ما اختاره الشيخ من وجوب القصر في الذهاب و الاياب و المقصد حتى في محل الإقامة، و وجه ذلك هو أن هذا السفر الملفق من الذهاب و الاياب مع المقصد، و العبور عن محل الإقامة، يعدّ سفرا واحدا، لأنّا إذا راجعنا العرف نرى أن المسافر إذا خرج من منزله لأجل مقصد أو مقاصد، فمتى يكون في هذا السفر يعدّ سفره سفرا واحدا، و لا يعدّ ذهابه سفرا و إيابه سفرا آخرا، و لهذا نقول: بأن الشخص إذا سافر فإن كان له في هذا السفر مقاصد شتّى في المنازل الواقعة

بين سفره، و لكن مع ذلك سفره يكون سفرا واحدا إلّا إذا حصل قاطع من القواطع الثلاثة المتقدمة بمقتضى الدليل على متى طرأ القاطع يخرج المسافر عن كونه مسافرا، فعلى هذا من خرج عن محل إقامته يعدّ

______________________________

و كذلك ما قلنا من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ هو في ما كان المجموع من الذهاب و الاياب ثمانية فراسخ بحيث يكون ضم كل منهما الى الآخر محقّق للقصر فاعتبر (مد ظله) في هذا المقام كون الذهاب أربعة فراسخ اقلا، فلا يجب القصر الّا إذا كان الذهاب أربعة فراسخ اقلا.

و امّا إذا كان الاياب بنفسه ثمانية فراسخ أو اكثر بحيث لا يكون الذهاب دخيلا في محققية القصر، فيكون الذهاب داخلا في السفر، و يجب القصر و إن كان محقّق القصر في هذا السفر هو الاياب لا الذهاب.

فعلى هذا نقول: بان الحق مع الشّيخ رحمه اللّه فانّه انشأ السفر الموجب للقصر بعد خروجه عن محل الاقامة، لا ما ذهب إليه الشهيد رحمه اللّه و من تبعه.

و بعد ما بينت مرادي توجه (مد ظله) الى هذا الكلام، و عطف عنان الكلام نحو هذا البيان، و اتم البحث في هذا اليوم، و اتفق لي السفر الى طهران و طال سفري ثلاثة ايام، فبعد رجوعي من طهران و حضوري في مجلس البحث قد تم هذا البحث، و لكن بين حاصل مراده و مختاره (مد ظله) في هذه المسألة، و كان راجعا الى ما خطر ببالي و قلت بحضرته، مع ما بينه من بيان امتن و ابلغ، فنذكر حاصله الآن. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 107

سفره ذهابا الى المقصد و إيابا من المقصد الى محل الإقامة، و منه الى منزله، سفرا واحدا

فاذا كان هذا السفر سفرا واحدا يجب القصر في هذا السفر على هذا الشخص، لكونه عازما و قاصدا على طي مسافة تبلغ هذه المسافة الى ثمانية فراسخ.

و إن قلت: إن الاياب يكون ثمانية فراسخ، و أمّا الذهاب الى المقصد فعلى الفرض يكون أنقص من أربعة فراسخ، فلازم ذلك القصر في الاياب و محل الإقامة حتى إذا وصل الى منزله لا الذهاب، لأنّ الذهاب بعد كونه أنقص من أربعة فراسخ فلا يمكن جعله داخلا في السفر، لأنّ الذهاب على ما اخترت لا بدّ و أن لا يكون اقلا من أربعة فراسخ في المسافة الملفقة، و إن كان انقص من ذلك فلا يجب القصر في السفر الملفق و أن كان الاياب بمقدار يبلغ من ضمه الى الذهاب بحد مسافة القصر، فعلى هذا يجب الإتمام في الذهاب لكونه انقص من أربعة فراسخ.

[توضيح المطالب]

نقول: بأن ما قلنا من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ كان في المسافة الملفقة الّتي لو انضم مجموع الذهاب الى الاياب يصير المجموع ثمانية فراسخ، ففي هذا المقام قلنا من اعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ اقلا، فان كان أنقص من ذلك و ان كان الذهاب بحد يصير سبب ضمه الى الذهاب بالغا ثمانية فراسخ فلا يجب القصر، و قلنا في وجه ذلك: بأن حقيقة السفر هو البعد عن الوطن، و حدد الشارع هذا البعد بحد مخصوص، ففي بعض الروايات ورد بريدان، أو ثمانية فراسخ و في بعضها بريد، و في بعضها بريد ذاهب و بريد جائي، و بعد جمع الأخبار يستفاد أن محقّق القصر يكون ثمانية فراسخ امتداديه أو ثمانية فراسخ ملفقة، و اعتبرنا في الملفقة كون الذهاب بريدا أعني: أربعة فراسخ اقلا، لأنّ بعد الجمع

هذا الحدّ اعني: كون الذهاب بريدا محفوظ بحاله على ما فصّلنا سابقا، و لكن كل ذلك كما قلنا يكون في مورد يكون

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 108

الذهاب و الاياب مجموعا بقدر ثمانية فراسخ، فقابلية كون الذهاب محققا للسفر الموجب للقصر تكون في ما يكون الذهاب أربعة فراسخ اقلا.

و أمّا إذا كان الاياب بنفسه محققا للقصر مثل ما نحن فيه الّذي يكون الاياب بالغا الى ثمانية فراسخ، فالذهاب غير دخيل في المسافة الموجبة للقصر، و لكن يكون داخلا في السفر، كما أن من يعزم أن يسافر الى محل يكون العبد بينه و بين منزله عشرة فراسخ فالفرسخان من تلك العشرة غير دخيلين في محققية القصر، لأنّ القصر يجب في الثمانية، و لكن مع ذلك داخل في هذا السفر و جزء له، كذلك الذهاب فيما نحن فيه داخل في السفر، فالشخص بمجرد الخروج يكون في السفر ذهابا و ايابا، و يعد سفره سفرا واحدا و يجب القصر عليه، لاشتمال هذا السفر على المسافة الايابية التي يجب القصر لاجلها لكونها ثمانية فراسخ.

فما قلنا من اعتبار كون الذهاب في المسافة التلفيقية أربعة فراسخ اقلا، ليس مربوطا بما نحن فيه و لا يصير سببا للاشكال في المقام، كما أن ما ذكره المشهور من اعتبار كون الرجوع ليومه في المسافة الملفقة، و كان الراجح تقريبا بنظرنا، يكون ظاهر كلامهم في ما كان المجموع من الذهاب و الاياب بريدان: بريد ذاهب و بريد جائي، فاعتبروا في ذلك المورد كون الرجوع ليومه، و أمّا في مثل هذا المقام و هو مورد يكون الاياب بنفسه بالغا مسافة التقصير فيجب القصر في الذهاب و الاياب، و لا يظهر منهم اعتبار كون الرجوع من المقصد

ليومه.

و من هنا يظهر أن الشّيخ رحمه اللّه و إن اختار في المسافة التلفيقية كون الرجوع ليومه في وجوب القصر و إن لم يرجع ليومه يكون مخيرا بين القصر و الإتمام، و لكن التزم بالقصر في المقام بدون تقييد القصر بكون الرجوع ليومه، لعل كان وجه ما قلنا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 109

من أن اعتبار الرجوع ليومه يكون في ما كان مجموع الذهاب و الاياب بريدان، لا في مثل المقام الّذي يكون الاياب بنفسه بريدان أو اكثر.

فظهر لك مما مرّ أن الاقوى ما اختاره الشّيخ رحمه اللّه و من تبعه في ذلك لا ما اختاره الشهيد رحمه اللّه و من تبعه.

[اختيار الشهيد تفصيلا آخر و رده]

ثمّ إنه يظهر من الشهيد الثاني رحمه اللّه تفصيل آخر في المسألة كما حكي عن كتابه المسمى بكتاب (نتائج الافكار) و هو التفصيل بين ما إذا كان المقصد الخارج إليه في الجهة المقابلة لجهة بلده أو مخالفة له، حيث لا يتحقق بالذهاب إليه القرب من بلده، و في الرجوع منه الى محل الاقامة البعد من بلده، فوافق المشهور حينئذ في التقصير، و بين ما إذا كان في طريق الرجوع الى بلده، أو في غير طريقه لكن في جهة يقرب بالذهاب إليه من بلده و يبعّد بالعود منه الى محل الإقامة من بلده، فيتمّ حينئذ في العود من بلده، لأنّ العود الى موضع الاقامة حينئذ لا يعدّ رجوعا الى البلد، و قال ما يرجع حاصله الى أن هذا التفصيل لو قيل بكونه خرقا للاجماع المركب لمخالفة هذا القول للقولين المتقدم ذكرهما نقول: ذلك ممنوع، بل القائل به أكثر من القولين.

و لكن لا يخفى عليك انّه لا وجه لهذا التفصيل، و لم نجد في شمول

أدلة القصر فرقا بين ما كان المقصد الخارج إليه في الجهة المقابلة للبلد أو في الجهة المخالفة لبلده، و بين ما إذا كان المقصد في طريق الرجوع الى بلده، لأنه في كل منهما يكون السفر سفر التقصير.

كما انّه لا وجه للتفصيل الّذي يظهر من بعض آخر، و يوجد في كلمات بعض المتاخرين من الفرق بين ما إذا كانت راحلته و اثاثه باقية في محل الإقامة، و أراد الرجوع إليه ليأخذ راحلته و متاعه و اثاثه و لا يعرض عنه كلما أراد قضاء حاجة في

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 110

خارجه ذهب ثمّ عاد إليه ثمّ إنشاء السفر منه و لو بعد يومين أو يوم، بل أو اقل، و بين ما إذا لم يكن كذلك، بل إذا خرج مع كل ماله من راحلته و أثاثه الّذي كان معه و اعرض عنه، فلا يجب القصر في الصورة الاولى و يجب في الثانية، لأنه في الفرض الأوّل لا يعد انّه انصرف عن الاقامة في محل الاقامة و ترك هذا المحل، بل يكون حاله حال من يعزم على الاقامة في محل ثمّ يسافر كل يوم في الاقل من المسافة و يعود في الليل في محل الاقامة و يستريح فيه، بخلاف الثاني فانّه اعرض عن محل الإقامة و تركه.

و وجه فساد هذا التفصيل يظهر مما قدمنا في ضابط الاقامة، فان المختار عندنا في الاقامة هو التعطل عن شغل المسافرة، فتكون حقيقة الاقامة التعطل عن شغل المسافرة فمتى خرج الشخص لأنّ يسافر، فلم يكن متعطلا و يخرج بذلك عن كونه مقيما، فعلى هذا نقول في المقام: بأنّه و لو خرج عن محل الاقامة و ابقى اثاثه و راحلته في محل الاقامة،

فيصير مسافرا بعد خروجه بنظر العرف، فلا فرق في وجوب القصر فيما نحن فيه بين كون خروجه مع الاعراض و حمل اثاثه و راحلته معه، و بين كون خروجه عن محل الاقامة مع بقاء أثاثه و راحلته في محل و أراد العود إليه لأنّ يذهب براحلته و أثاثه.

نعم، على مبنى من يقول بأن صدق المقيم على من عزم على الاقامة يدور مدار جعل محل الاقامة محل استراحته و نومه في الليل يكون لهذا التفصيل وجه، فإن من يكون بنائه على الرجوع الى محل الاقامة لاخذ اثاثه و راحلته و لم يعرض عنه فليس صرف السفر مانعا عن صدق المقيم عليه، بل لا يصدق المقيم عليه إذا اعرض عنه و خرج عنه مع كل ماله من الراحلة و الاثاث، فانّه على هذا لم يكن بنائه على

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 111

جعل هذا الموضع محل استراحته و نومه في الليل، بخلاف ما إذا خرج و أراد قضاء حاجة و العود إليه ثمّ إنشاء السفر بعد ذلك، لأنه على هذا لم يعرض عنه و يكون بعد هذا المحل محل اقامته،

[على مختارنا فى الاقامة لا وجه لهذا التفصيل]

و أمّا على مختارنا فلا وجه لهذا التفصيل، فأفهم. «1»

هذا كله في ما إذا أنشأ السفر بعد الخروج عن محل الاقامة، و يكون الذهاب الى المقصد أقل من أربعة فراسخ، و الاياب يبلغ الى ثمانية فراسخ و يمرّ بمحل الاقامة في الاياب.

و أمّا إن خرج عن محل الاقامة و أنشأ سفرا لم يكن الذهاب و الاياب الى وطنه بالغا حدّ المسافة، فيجب عليه الإتمام في الذهاب و الاياب و المقصد و محل الاقامة مطلقا، لأنه بالاقامة قطع سفره و وجوب القصر عليه محتاج الى إنشاء سفر جديد

يبلغ ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفقة، و على الفرض ليست مسافة هذا السفر بالغة بهذا المقدار.

و أمّا إن خرج من محل الاقامة و انشأ السفر الّذي يكون بين محل الاقامة و بين المقصد الى الوطن ثمانية فراسخ أو أزيد، و لكن في الاياب يمرّ بمحل الاقامة قبل أن يبلغ ثمانية فراسخ، و يكون بنائه على العزم على إقامة عشرة أيّام مجددا في محل الاقامة، فيجب في هذا الفرض الإتمام مطلقا أيضا، لأنّ سفره قبل بلوغه الى محل

______________________________

(1)- اقول: بل على المبنى المتقدم يمكن توجيه هذا التفصيل في ما إذا كان زمان الذهاب و الاياب الى المقصد في يوم واحد او الليلة من هذا اليوم حتى يرجع الى محل الاقامة و ينام و يستريح فيه، و امّا ان كان يومين او اكثر فلا وجه لهذا التفصيل على هذا المبنى أيضا، لانه لا بدّ على هذا المبنى من جعل محل الاقامة محل استراحته و نومه في الليل، فلو لم يرجع فكونه مع ذلك محل اقامته و صدق المقيم عليه في هذا المحل مشكل، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 112

الاقامة لم يبلغ حد المسافة الموجبة للقصر، و لا يمكن ضم المسافة اللاحقة على محل الاقامة بالمسافة السابقة عليه، لأنّ عزم الاقامة يقطع السفر فمع العزم على أن يقيم مجددا في محل الاقامة لم يقصد السفر الموجب للتقصير.

[الخروج عن الوطن مثل الخروج عن محل الاقامة في كل الصور]

ثمّ انّه إن خرج عن محل الاقامة و يقصد سفرا يكون بالغا حد التقصير، و لكن يكون مرددا في انّه هل يعزم في البين على إقامة مجددة في محل الإقامة أو محل آخر قبل بلوغه ثمانية فراسخ أو لا يعزم على ذلك، فهل يجب القصر في هذا الفرض أولا؟

اعلم

أن هذا الكلام لا يختص بما إذا خرج عن محل الإقامة، بل يجري في الخروج عن الوطن أيضا مثلا إذا خرج الشخص من وطنه و أراد أن يسير الى مقصد يكون البعد بينه و بين مقصده ثمانية فراسخ أو أزيد، و لكن هذا الشخص مردد في انّه هل يعزم على الاقامة بين هذا الطريق قبل بلوغه ثمانية فراسخ أولا، فهو مع قصده طيّ مسافة تبلغ ثمانية فراسخ يكون مرددا في انّه هل يعزم على إقامة العشرة قبل بلوغه الى ثمانية فراسخ أولا يعزم على ذلك، فهل يجب عليه مع هذا التردد الإتمام أو القصر؟

وجه وجوب الإتمام عليه انّه مع هذا الترديد لم يكن قاصدا للمسافة الموجبة للقصر، و وجه وجوب القصر انّه مع هذا الترديد يكون عازما على طي مسافة التقصير، فيجب عليه القصر.

اعلم أن ما نرى من نوع المتأخرين في نجاة العباد و محشيه مطلقا إنهم حكموا في هذه المسألة بوجوب الإتمام، و لكن الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه اختار القصر كما يظهر من كلامه، و ما يأتي بالنظر هو وجوب الإتمام.

الشرط الرابع: [أن يكون السفر سائغا]

اشارة

من شرائط القصر أن يكون السفر سائغا جائزا، فالسفر

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 113

الّذي يكون في المعصية لا يجوز فيه القصر، بل يجب فيه الإتمام، و الدليل على ذلك مضافا الى الشهرة عند الاصحاب.

[ذكر بعض الروايات المربوطة بالمقام]

أولا: يكون بعض الأخبار الواردة في الباب.

و يكون هو ما رواها حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ «1» قال الباغي الصيد و العادي السارق، و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، فهي عليهما حرام، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصّلاة. «2»

و ما رواها عمار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سمعته يقول: من سافر قصّر و أفطر إلّا أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية اللّه أو رسولا لم يعصي اللّه أو في طلب عدّو أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين). «3»

و ما رواها رواية سماعة (قال: سألته عن المسافر (الى أن قال) و من سافر قصر الصّلاة و أفطر إلّا أن يكون رجلا مشيّعا لسلطان جائر أو خرج الى صيد أو الى قرية له تكون مسيرة يوم يبيت الى اهله لا يقصر و لا يفطر). «4»

و ما رواها إسماعيل بن ابي زياد عن جعفر عن أبيه (قال: سبعة لا يقصرون الصّلاة (الى أن قال) الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا و المحارب الّذي

______________________________

(1)- سورة البقرة، الآية 173.

(2)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 3 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 4 من

الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 114

يقطع السبيل). «1»

و ما رواها رواية ابو سعيد الخراسانى (قال: دخل رجلان على أبى الحسن الرضا عليه السّلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال لاحدهما: وجب عليك التقصير). «2»

لأنك قصدتني، و قال للآخر وجب عليك التمام لأنك قصدت السلطان.

و هذه الروايات تدلّ على الحكم المتقدم ذكره في الجملة و إن كان الكلام في بعض خصوصياته.

و أمّا ما رواها ابن ابي عمير عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال:

لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حق) «3» فيمكن الخدشة في دلالتها على ما نحن فيه لعدم ذكر السفر فيه، و احتمال كون المراد من (سبيل حق) هو وجه الحق يعنى: لا يجوز الافطار إلّا إذا كان له وجه حق، مثل ما إذا كان الصوم له مضرا مثلا، فلا ظهور للرواية في ما نحن بصدده حتى يستشهد بها.

و ثانيا يدلّ على اشتراط عدم كون السفر معصية العموم الملتقط من الروايات الواردة في السارق و المحارب و المشيع لسلطان جائر و قاصد السلطان و من كان رسولا لمن يعصى اللّه أو كان سفره في طلب عدد أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين، فإن الظاهر عدم وجود خصوصية في تلك الموارد المذكورة في بعض الروايات، و أن الملاك اشتراط الكل في جامع يكون سببا لعدم الترخيص في القصر، و ليس هو الا معصية اللّه، و ربما يسمى مثل هذا العموم الملتقط

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 6 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 8

من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 115

بالاستقراء في ألسنتهم، فيظن من لا بصيرة له انّه هو القياس، مع أن مرادهم من ذلك تتبع الموارد المنصوصة و ملاحظة جهة الّتي يكون بها الموضوع مركبا للحكم، فاذا استفيد من جميع الموارد المذكورة عدم دخل الخصوصيات، و أن ما هو الموضوع و مركب الحكم هو الجامع بين هذه الموارد، يتعدى منها الى غيرها و هذا غير القياس.

و ثالثا أن رواية عمار المتقدمة المصرحة فيها بأن من الموجبات للاتمام و زوال حكم القصر في السفر هو كون السفر في معصية اللّه، فتدل على وجوب الإتمام في السفر الّذي يكون في معصية اللّه، فظهر لك ممّا مرّ أن هذا الشرط و اعتباره في الجهلة مما لا إشكال فيه، و إنما الكلام في بعض جهات اخرى الراجعة الى هذا الشرط:

الجهة الاولى: [الشقوق المتصورة فى السفر المحرم]

اشارة

اعلم أن السفر تارة يكون بنفسه حراما، بمعنى كون الحركة الخاصة بين محل الى محل آخر المعبر عن هذا السير بالسفر، بنفسها حراما، مثل مشايعة سلطان الجائر و الفرار من الزحف و الإباق و النشوز و عصيان الوالد.

و تارة يكون السفر بغايته حراما، بمعنى عدم وجود حرمة في نفس السفر، بل غاية الداعية الى السفر تكون حراما مثل من كان غاية سفره سعاية أو ضررا على المسلمين.

و تارة يكون السفر ضد الواجب لا يتمكن من ادائه في السفر.

و تارة يكون مقارنا لوجود حرام.

و تارة يكون السفر ملازما لعنوان آخر، يكون هذا العنوان الملازم محرما كالمرور على الأرض المغصوبة في السفر، سواء كان الطريق منحصرا بالمرور او لم يكن منحصرا.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 116

أمّا إذا كان السفر بغايته حراما فلا اشكال في وجوب الإتمام لصراحة الروايات في

ذلك، بل قد يدعى أن جميع الامثلة المذكورة في الروايات من هذا الباب.

و لهذا قد يناقش في وجوب الإتمام إذا كان نفس السفر حراما كما عن شهيد الثاني رحمه اللّه في روض الجنان «1» على ما حكى عنه فإنه قال بوجوب القصر إذا كان نفس السفر معصية بدعوى عدم دلالة الروايات إلّا على وجوب الإتمام في ما كان السفر بغايته معصية.

و لا يخفى ما فيه من الضعف فإنه، مضافا على وجود ذلك في الموارد المنصوصة المذكورة في الرواية، و هو المشيع لسلطان الجائر، يدلّ عليه قوله عليه السّلام في رواية عمّار «أو في معصية اللّه» قطعا، فلا اشكال في وجوب الإتمام أيضا إذا كان السفر بنفسه حراما.

و أمّا إذا كان السفر ضدا لواجب كالتعلم الواجب، أو اداء الدين مع مطالبة العزيم، ففي هذا الفرض تارة يقصد المسافر بسفره ترك هذا الواجب، و تارة لا يقصد ذلك.

فإن كان قصده هذا فلا اشكال في وجوب الإتمام عليه، لكون غاية سفره معصية على هذا لأنّ مقصوده هو ترك الواجب، فغاية سفره ترك الواجب فتكون غاية سفره معصية، و لا فرق في كون غاية السفر معصية بين كون الغاية فعلا حراما كسعاية او ضررا على قوم من المسلمين، و بين كون الغاية ترك واجب.

______________________________

(1)- الروض، ص 388

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 117

و أمّا إذا لم يقصد بسفره ترك الواجب، فهل يقال: بأن وجوب الإتمام في هذه الصورة يكون مبنيا على مسئلة الأمر بالشي ء و النهي عن ضده، فانّه إن قلنا بحرمة ضد الواجب فيصير السفر حراما و معصية، فيجب الإتمام، و إن قلنا بعدم كون الأمر بالشي ء مقتضيا للنهى عن ضده فلا يجب الإتمام، بل يجب القصر، و حيث

حققنا في الاصول عدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده، فلا يجب في هذه الصورة الإتمام بل يجب القصر.

أو يقال: بعدم ابتناء هذا على مسئلة الامر بالشي ء و النهى عن الضد، بل نحن و ما ورد في الرواية من قوله: «أو في معصية اللّه» أو العموم الملتقط الدال على وجوب الإتمام في ما كان السفر في معصية اللّه، فكلما يحكم العرف بكون هذا السفر في معصية اللّه، يجب الإتمام و إذا لم يحكم يجب القصر.

فيقال في هذه الصورة: بوجوب الإتمام بدعوى حكم العرف بكون السفر في معصية اللّه، أو يقال: بوجوب القصر لعدم صدق معصية اللّه على هذا السفر عند العرف فلا تخلو هذه المسألة من تردد.

و خلاصة الكلام أنّ المعصية قد تكون بنفس قطع المسافة أعني: يرجع إليه كركوب الدابة المغصوبة، أو المشي في الأرض المغصوبة، و قد لا تكون كذلك مثل ما إذا كان الشخص حاملا لشي ء مغصوب.

[المستفاد من كلام صاحب الجواهر التفصيل]

و يستفاد من كلام صاحب «1» الجواهر رحمه اللّه أنّه يجب الإتمام في ما لو كان من قبيل الأوّل بخلاف القسم الثاني.

______________________________

(1)- جواهر، ج 4، ص 260.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 118

[رد كلام صاحب الجواهر]

و لكن الظاهر اشتراكهما في وجوب القصر إذا كان السفر بهذين النحوين، و الميزان هو أن الدليل لا يقتضي إلّا وجوب الإتمام في ما لو كان نفس السفر معصية، فكلّ ما يعد العرف أن السفر معصية بحيث يعد بالحمل الشائع سفر معصية، فيجب الإتمام، و إلّا فلا، و حيث إنّ في المقام يكون مركب الحرمة و موضوعها هو التصرف في مال الغير فما يكون حراما هو التصرف في ملك الغير، و هذا التصرف كما بالسير كذلك يتحقّق في حال الوقوف، لأنّ كلّا منهما تصرف في ملك الغير فليس السفر بنفسه معصية حتى يشمله قوله: «في معصية اللّه» فليس لجهة الحرمة مساس بالحركة و السير الّذي ينتزع منها عنوان السفر.

نعم، يلازمه و يقارنه و لا يحكم بمجرّد ذلك بوجوب الإتمام، و صرف كون السير و الوقوف من مصاديق الحرمة، لانّهما محقّقان التصرف في ملك الغير، و يتصف بالحرمة السير و الوقوف من هذا الحيث، لا يوجب الإتمام لأنّ الميزان كما قلنا هو عد السفر معصية، و في المقام ليس السفر معصية، بل عنوان آخر محرّم و معصية، و هو التصرف، و بهذا الميزان يظهر لك عدم وجوب الإتمام في السفر إذا كان السفر مقارنا لوجود حرام، أو يكون السفر ملازما لعنوان آخر محرم، لأنه كما قلنا لا بدّ من أن يكون السفر بما هو حرام لا من باب أمر آخر مقارن له؛ أو ملازم له، لأنّ بذلك لا يقال بكون السفر معصية، فافهم.

الجهة الثانية: [صور كون بعض اجزاء السفر فى المعصية]

اشارة

لا إشكال في وجوب الإتمام في السفر إذا كان السفر بتمامه إمّا بنفسه أو بغايته «في معصية اللّه» كما لا إشكال في وجوب القصر إذا لم يكن جزء من اجزاء السفر «في معصية

اللّه» بل كان تمام اجزائه ليس «في معصية اللّه» إنما الكلام كان بعض اجزاء المسافة في السفر «في معصية اللّه» بنفسه أو بغايته و بعض

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 119

أجزائه الأخر ليس «في معصية اللّه» و حيث يتصور ذلك على انحاء فنقول: إنه بحسب التصور.

تارة يكون السفر الّذي قصده المسافر بمقدار أقل مسافة يجب فيه القصر اعني: ثمانية فراسخ أو البريدان، و تارة قصد المسافر سفرا تكون المسافة اكثر من ذلك، و يتصور ذلك على انحاء ثلاثة:

تارة يعدل المسافر عن قصد الطاعة الى المعصية في أثناء المسافة حين بيتوتته في المنزل، أو يعدل عن المعصية الى الطاعة حين بيتوتته في المنزل.

و تارة أن يقصد المسافر المسافة الّتي يكون البعد بين منزله الى مقصده ثمانية فراسخ امتدادية، و لكن كانت في المعصية و عدل عن قصده حين العود من المقصد بحيث يكون إيابه لا «في معصية اللّه» فيقع الكلام في هذه الفروع الاربعة:

الفرع الأول: و هو الصورة الّتي قصد المسافر سفرا يكون بالغا بحد أقل مسافة يجب فيها القصر و هي ثمانية فراسخ، و كانت بعض المسافة «في معصية اللّه» دون بعضها الآخر.

فهل يقال: بوجوب القصر في هذا السفر مطلقا بدعوى أن مقتضى الاطلاقات وجوب القصر مطلقا في السفر، و خرج منه كل سفر يكون تمامه «في معصية اللّه» فما لم يكن تمامه «في معصية اللّه» يجب القصر لشمول الاطلاقات الدالة على وجوب القصر لهذا المورد، فاذا كان بعضه مباحا يجب القصر فى جميع المسافة حتى في العصيان، و لا يمكن الالتزام بذلك.

أو يقال: بوجوب الإتمام مطلقا بدعوى أن المستفاد من الادلة الواردة في وجوب الإتمام إذا كان السفر «في معصية اللّه» هو وجوب الإتمام

إذا لم يكن تمام

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 120

المسافة «في غير معصية اللّه» فاذا كان جزء منه «في معصية» اللّه فيجب الإتمام، و عدم احتساب ما يصاحب من المعصية أصلا و لو عدل في الاثناء الى قصد الطاعة، و يؤيد قوله عليه السّلام في بعض «1» الروايات الواردة في المقام (لا كرامة) فيستظهر عدم تأثير المسافة الواقعة في حال العصيان و لو بنحو الجزئية للسبب، فاذا ألغي هذا المقدار من الجزئية و لم يبلغ ما بقي من الاجزاء حد مسافة القصر، فيجب الإتمام.

أو يقال: بأن الملاك في التقصير و الإتمام هو وقت الاشتغال بالصّلاة، فإن كان وقت الاشتغال بالصّلاة عاصيا في سفره يتم، و إن كان في هذا الحال غير عاص في سفره يقصر، بدعوى أن المستفاد من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ الخ وجوب القصر إذا كان حال الاشتغال بالصّلاة مسافرا لأنّ صدق عنوان المسافر على المصلي في غير هذا الوقت لا يكون موجبا للقصر، و هكذا يكون المستفاد من قوله عليه السّلام «او في معصية اللّه» عدم جواز القصر إذا كان سفره معصية وقت الاشتغال بالصّلاة، و إذا لوحظ هذا المطلق و المقيد مع الادلة الدالة على لزوم كون السفر الموجب للقصر بريدين، يمكن استظهار وجوب القصر لو كان سفره بريدين و قصد المعصية في أوله، ثمّ عدل إذا لم يكن وقت الصّلاة غير عاص للّه تعالى.

[و الّذي يقوى فى النظر وجوب الاتمام فى هذا القرض مطلقا بتقريب آخر]

و الذي يقوى في النظر هو وجوب الإتمام مطلقا في هذا الفرض بتقريب آخر.

و هو أن المستفاد من الادلة الدالة على تحديد السفر الموجب للقصر بالبريدين هو أن البريدين أعني: هذا المقدار من المسافة يكون مركب حكم القصر و موضوعه بتمام اجزائه، لأنّ

معنى التحديد و جعل الحد ليس إلا دخالة جميع

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 121

الاجزاء فيه دخالة اجزاء العلة في المعلول، و لذا بمجرد خروج جزء مثل ما إذا كان اقل من ذلك بعشرة أذرع لا يأتى حكم وجوب القصر، فالمجموع من حيث المجموع من هذه المسافة دخيلا و مقوما في موضوع الحكم.

و المستفاد من الأخبار الدالة على وجوب الإتمام في السفر الّذي يكون في المعصية، هو إلغاء كل مسافة تكون في المعصية عن قابلية طروّ حكم القصر له، ففي الفرض بعد كون المسافة ثمانية فراسخ، و بعد فرض دخالة وجود هذه الثمانية بمجموعها بحيث لا يسري حكم القصر لو كان أنقص من ذلك بجزء، فاذا كانت بعض أجزاء هذه المسافة مثلا بريدا «في معصية اللّه» فيلغى هذا البريد عن قابلية صيرورته موضوعا لحكم وجوب القصر، و بعد الغائه لم يقبل بريد آخر لأنّ يصير موضوعا لوجوب القصر، لأنّ الموضوع لا بدّ أن يكون بريدين، فعلى هذا لا يكون موضوع لوجوب القصر، بل يجب الإتمام في هذا الفرض في كل من الحالتين اي حال المعصية و حال الطاعة.

الفرع الثاني: إذا قصد المسافر المسافة الّتي تكون ازيد من ثمانية فراسخ مثلا قصد أربع برد أعنى: ستة عشر فرسخا بقصد المعصية، ثمّ عدل الى الاطاعة أو بالعكس، و هذا على اقسام ثلاثة بحسب الفرض و التصور:

الأول: أن يقصد بالبريدين الاولين المعصية و بالبريدين الآخرين الطاعة.

الثاني: عكس ذلك بأن يقصد الطاعة بالبريدين الاولين و المعصية بالبريدين الآخرين.

الثالث: أن لا يكون كل من البريدين من أربع برد في معصية اللّه، أو في طاعة اللّه، بل يكون البريد الأوّل

في معصية اللّه، و البريد الثاني في غير معصية اللّه،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 122

و بريد الثالث في المعصية أيضا و بريد الرابع في طاعة اللّه، و صار هذا الفرض مورد الإشكال و الخلاف، فنقل عن الصّدوق و الشيخ و المحقق و الشهيد و جماعة ممّن تاخر عنهم القصر و عن العلّامة في القواعد و جماعة الإتمام.

وجه وجوب الإتمام هو أن الظاهر من الادلة اعتبار اتصال المسافة في جواز القصر، و لا يكفي الانفصال، و وجه وجوب القصر هو أن المستفاد من الادلة لزوم كون السفر بريدين في سفر واحد، سواء تخلل في اثنائه ما يوجب رفع حكم القصر أم لا.

[دفع ما قيل فى وجه وجوب القصر]

و يمكن دفع ما قيل في وجه القصر بأنّه انقطع سفره شرعا لاجل تخلل وقع في أثناء سفره، أمّا أولا فلان الشارع لم يتصرف في موضوع السفر في المقام، و انما هو تخصيص لاطلاقات حكم المسافر، فلا معنى لانقطاع السفر هنا شرعا، فلا وجه لانقطاع السفر.

و ثانيا انّه ليس من شرائط القصر اتصال السفر و المسافة نعم، نفهم من الخارج اشتراط وحدة السفر، و هذا ممّا لا شك فيه، و لكن تخلل قصد المعصية في اثناء السفر لا يوجب تعدد السفر إلّا أن يتمسّك في توجيه وجوب القصر بما ذكرناه في المقام السابق من لغوية السفر للمعصية، و عدم صلاحيته للتاثير حتى بنحو جزء السبب، فكانت المسافة المتخللة لا يحسب بشي ء عند الشارع، فتأمل.

الفرع الثالث: أن يعدل المسافر من المعصية الى الطاعة في حال بيتوتته للاستراحة في اثناء السفر لا في حال سيره، أو يعدل من الطاعة الى المعصية في حال البيتوتة لا في حال السير، و نفرض بأن المسافة الّتي يشرع بالسير فيها

بعد ذلك، المسافة البالغة حد مسافة التقصير حتى ينسد الإشكال من هذا الحيث.

فهل يجب في الأوّل القصر بمجرد العدول عن المعصية مع كونه متعطلا للسفر

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 123

أم لا؟ و هل يجب في الثاني الإتمام بمجرد العدول عن قصد الطاعة مع كونه متعطلا للسفر أم لا؟

فما يأتي بالنظر هو الفرق بين فرض الأوّل و بين فرض الثاني أعني: نقول في الأوّل بوجوب الإتمام حال البيتوتة مع العدول عن قصده، و لم نقل في الثاني بوجوب القصر مع العدول، بل بالاتمام بمجرد العدول من الطاعة الى المعصية فنقول.

أمّا في صورة العدول عن المعصية الى الطاعة فيجب الإتمام على المسافر في حال البيتوتة حتى يشتغل بالسير في الطاعة و ذلك، لأنّ البيتوتة الّتي حصلت له تكون تابعة لما مضى من سفره لا لما يأتي، فانّه كما قلنا سابقا في طي الكلام في ذكر الوطن يقتضي السفر السير في مرحلة و الاقامة و التعطل في مرحلة بحسب طبعه، و الاقامة و البيتوتة في هذا المقام تابعة للسير السابق، و السير السابق كان في معصية اللّه على الفرض، فهو و إن عدل عن قصده في حال البيتوتة و لكن حيث هذه البيتوتة تابعة للسير السابق، و باعتبار تبعيته للسير يقال: إنها جزء السفر، فهذه البيتوتة بعد كونها تابعة للسير السابق محكومة بحكم متبوعه، فلا يقال متى لم يشرع في السير بعد قصد الطاعة: بأنّه مسافر و قصده ليس بمعصية اللّه تعالى، فلا تشمل عمومات وجوب القصر لهذا الفرض.

و أمّا في الثاني اعني ما إذا عدل عن الطاعة الى المعصية، فحيث إنّ الإتمام في السفر الّذي يكون في معصية اللّه، ليس من باب خصوصية اخرى موجبة للاتمام،

بل وجه وجوب الإتمام في سفر المعصية ليس إلّا لأجل عدم اجتماع شرائط القصر، فحيث لم تجتمع شرائط وجوب القصر وجب الإتمام، فوجوب الإتمام لا يحتاج الى حصول أمر زائد غير عدم وجود شرائط القصر، فمجرد عدم وجوب القصر لاجل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 124

عدم حصول شرائطه يجب الإتمام.

فعلى هذا نقول في الفرض: بأنّه بمجرد قصد المعصية و عدوله عن قصد الطاعة لم يتحقّق ما هو موضوع وجوب القصر بتمامه، فاذا لم يجب القصر لعدم حصول شرائطه فيجب الإتمام حتى حال البيتوتة، لأنّ في هذا الحال لا موضوع لوجوب القصر لطرو قصد المعصية و بعد عدم ذلك يجب الإتمام، لأنّ الإتمام لا يحتاج الى أمر زائد غير عدم حصول شرائط القصر.

و لا مجال لأنّ يقال في الفرض ما قلنا في الفرض الأوّل من كون البيتوتة تابعة للسير السابق، لما قلنا من أنّه مع العدول عن قصد الطاعة الى المعصية فليس هناك موضوع لوجوب القصر، لعدم حصول تمام شرائطه، فأفهم.

[اذا كان فى الذهاب قاصدا للمعصية و عدل فى الإياب و كان الذهاب ثمانية فراسخ امتدادية]

الفرع الرابع: و هو الصورة الّتي قصد المسافر سفرا يكون البعد بين منزله و بين مقصده ثمانية فراسخ امتدادية، و لكن كانت في المعصية و عدل عن قصده في العود من المقصد بحيث يكون إيابه لا في معصية اللّه، فهل يجب عليه في الرجوع القصر، أو الإتمام وجوه:

من أن رجوعه يعدّ في العرف حركة مستقلة، و ليس في معصية اللّه.

و من أن المجموع عند العرف يعدّ سفرا لمعصية و في معصية اللّه و أن الرجوع تابع للذهاب، كالحركات القصرية الّتي تعدّ تابعة للحركات الطبيعية، مثل رجوع الحجر المدفوع في الهواء الى الأرض، فإن رجوعه يعدّ تابعا لدفعه في الهواء، فالحركات الرجوعية حيث تكون ممّا لا

بدّ منها، لأنّ كل مسافر يرجع الى وطنه فيعدّ عند العرف ملجأ الى الرجوع، فهذه الحركات تابعة للحركات الذهابية.

و يمكن التفصيل بين ما إذا تاب بعد الوصول الى الغاية، فإن التوبة تزيل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 125

الآثار المترتبة على المعصية، و من جملتها رفع الترخص فترفعها التوبة، فيكون مرخصا في القصر كما قويناه في الاصول في مسئلة من توسط ارضا مغصوبة إذا تاب و رجع من أقصر الطرق بأن الحركات الخروجية لا تعد معصية، و لكن الفرق بيّن بين المقام و بين من توسط أرضا مغصوبة.

فإن من توسط أرضا مغصوبة فيكون خروجه أيضا تصرف في الملك المغصوب و هو حرام، فاذا تاب بعد الدخول فيكون اثر التوبة هو جعل هذا الشخص مثل من توسط أرضا مغصوبة بدون اختيار.

و أمّا الراجع من سفر المعصية فليس عليه ذنب في رجوعه، و إنما صدر منه الذنب في ذهابه، و بهذا تحقق موضوع وجوب الإتمام، و لا ترفع التوبة الموضوع المتحقق سابقا.

نعم، يمكن التفصيل على نحو آخر بأنّه إذا كان غاية سفره معصية و تحققت الغاية لا فائدة في التوبة في ذلك، و يجب الإتمام، و كذا إذا لم تتحقق الغاية في المقصد و لم يتب، و أمّا إذا لم تتحقق الغاية و تاب فيمكن القول بوجوب القصر و لعل الأقرب هذا الوجه.

الجهة الثالثة: إذا كانت الغاية ملفقة من الطاعة و المعصية.

فإن كان قصد الطاعة تابعا لقصد المعصية بحيث لو لا قصد المعصية لم منه السفر، أو كان بالعكس، فلا اشكال في وجوب الإتمام في الأول، و القصر في الثاني و إن كان كل واحد منهما جزء السبب للسفر.

فهل يجب عليه القصر، لأنّ المستفاد من الادلة تقييد الاطلاقات بالسفر الّذي يكون مستندا بالمعصية فقط، و مع

عدم ذلك فيجب القصر؟ أو يجب عليه الإتمام؟

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 126

الظاهر وجوب الإتمام فإنه يصدق على هذا السفر و يطلق عليه كون السفر في معصية اللّه تعالى.

[الجهة الرابعة: اذا اعتقد كون السفر حراما ثم انكشف الخلاف او بالعكس]

اشارة

الجهة الرابعة: إذا اعتقد كون السفر حراما، أو اقتضى الأصل ذلك و انكشف الخلاف، او اعتقد إباحة السفر، أو اقتضى الأصل ذلك و انكشف الخلاف، فهل المدار على الواقع، أو على الاعتقاد و الوظيفة الظاهرية؟

أما إذا اعتقد كون السفر حراما، او اقتضى الاصل ذلك فلا اشكال في وجوب الإتمام، لما حققنا في الأصول من اشتراك العاصي و المتجري في ما هو ملاك العصيان و صدق المخالفة، فيعد هذا الشخص عاصيا، فيجب عليه الإتمام.

و أمّا إذا اعتقد كون السفر مباحا، أو اقتضى الأصل ذلك فلا اشكال أيضا بأن المدار على الاعتقاد و ما يقتضيه الأصل.

مسئلة: لا إشكال في وجوب إتمام الصّلاة و الصيام على المسافر الّذي يريد بسفره الصيد لهوا و بطرا بحسب النصوص و الفتاوى من غير خلاف، إنما الكلام و الإشكال في مقامين:

المقام الأول: في بيان اقسام سفر الصيد، و تفصيل احكامها.

المقام الثاني: في بيان أن السفر الّذي يريد به الصيد لهوا المحكوم بالإتمام هذا السفر، هل الملاك في وجوب الإتمام فيه هو كون هذا السفر سفرا في معصية اللّه، فبناء عليه ليس عنوانا مستقلا، بل يكون من صغريات سفر المعصية، أو يكون له ملاك مستقل و هو عنوان آخر في قبال سفر المعصية.

أمّا المقام الأوّل فنقول: بأن السفر الّذي يريد المسافر الصيد: إمّا أن يكون

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 127

الصيد للّهو و البطر، و إمّا أن يكون للتجارة و التكسب، و إمّا أن يكون لقوته و قوت عياله.

[الكلام فى سفر الصيد الّذي يكون للتجارة]

لا إشكال في كون سفر الصيد للهو و البطر موضوعا لوجوب الإتمام، كما لا إشكال في وجوب القصر في سفر الصيد لقوته و قوت عياله، و إنما الكلام و الإشكال في سفر الصيد الّذي

يكون للتجارة و التكسب.

فما هو المشهور بين متقدمي أصحابنا الى زمان المحقق و العلّامة رحمه اللّه هو وجوب افطار الصوم و إتمام الصّلاة، و بعبارة اخرى الفرق بين الصوم و بين الصّلاة، و للشيخ رحمه اللّه في الخلاف «1» بعد ذكر الاقسام الثلاثة المتقدّمة كلام حاصله هو أنّه يتم الصّلاة و يفطر الصوم إن كان الصيد للتجارة باجماع أصحابنا و أخبارهم.

و اعلم انّه ليس لهذا التفصيل اعنى: التفصيل بين الصّلاة و الصوم عين و لا اثر في الروايات الّتي وصلت بأيدينا، بل الصيد للتجارة بحسب ما بأيدينا من الأخبار ليس مذكورا بخصوصه، فلو كنا نحن و هذه الأخبار لا بدّ لنا إمّا من الحكم بشمول عنوان صيد اللهو عليه و إن كان في غاية البعد، و إمّا بشمول عنوان طلب القوت المذكور في الرواية عليه «2» فكيف كان، فليس لنا طريق لاثبات هذا الحكم بهذه الأخبار، و لا يخفى عليك أن المسألة ليست عقلية حتى يتوهم انهم اتكلوا في هذه الفتوى الى العقل، مع انهم ليسوا أهل القياس، بل اجتنابهم عن الاخذ بالقياس و عدم كونه من مذهبنا مما يكون اظهر من الشمس، فيمكن أن يقال كما مضى منا مكررا: بأنّه من افتائهم بذلك نكشف من وجود دليل وصل إليهم و قد خفي عنا و لم

______________________________

(1)- خلاف، ج 1، ص 587- 588، مسئلة 349- 350.

(2)- الرواية 5 من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 128

يصل إلينا.

و ربّما يتعجب من ذلك من لا يقف على الحال، و لكن ليس هناك موضع للتعجب بعد ما قلنا مكررا: من أن الجوامع الاربعة الموجودة بأيدينا لم يستقصوا تمام الروايات الواردة عن المعصومين

عليهم السّلام، و الحال أن صاحب الجوامع الاولية في عصر الرضا عليه السّلام المعروفة بالاصول الاربع مائة رواها، و اقوى شاهد على عدم استقصائهم هو أن من راجع هذه الاصول الاربعة يرى خلوّ الفقيه و الكافي من روايات كثيرة جمعها في التهذيب، و كذا وصل كتاب نوادر محمد بن عيسى بيد المحقق الحلّيّ، و الحال انّه لم يكن عند المشايخ المتقدمين على هذا المحقق.

مضافا الى تصريح الشّيخ رحمه اللّه بوجود الرواية في المقام، و من انّه اعتمد عليها في مقام الفتوى يستكشف اعتبارها، و ليس اعتماده برواية في الدلالة على اعتبارها أهون من شهادته بصحة رواته لو لم يكن اقوى،

[لا بأس بالركون الى الشهرة القائمة على التفصيل بين الصوم و الصلاة]

فاذا لا بأس بالركون الى الشهرة القائمة على التفصيل بين افطار الصوم و بين اتمام الصّلاة، و ما نرى في الفقه هو أن المسائل الّتي ركن فيها المتأخرون- كالمحقق و العلّامة رحمه اللّه و من لحقهم- الى اشتهار الحكم بين القدماء من دون مطالبة دليل منهم، أو وصول آية أو رواية بايديهم، كثيرة تقرب من خمسمائة مورد.

فمن الغريب ما أفاده المحقّق «1» و العلّامة رحمه اللّه «2» في المقام و تبعهما المتأخرون فالمحقّق بعد نقل الفتوى عن الشيخ، اعترض عليه و طالبه بالدليل، و الحال انّه لا فرق بين هذه المسألة و بين مسائل كثيرة ركن هو و المتأخرون فيها الى فتوى القدماء من

______________________________

(1)- المختصر النافع، ص 51.

(2)- المعتبر 2، ص 471، المعتبر، ص 252.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 129

دون مطالبة الدليل، و للشيخ رحمه اللّه أن يقول للمحقق رحمه اللّه: إن عدم وقوفكم بالدليل يكون من باب عهدكم و قصور أيديكم عما وصل إلينا، و لا يمكن لنا أن نقدم ما عندنا من

الروايات إليكم مع ذلك الفصل الطويل بيننا و بينكم.

و لعل السر في ما أفاد المحقق رحمه اللّه هو انّه يرى كون ذلك التفصيل مخالفا للاعتبار و لما يرى من دلالة بعض الروايات من التلازم بين الافطار و القصر المستفاد منها بأنه كلما قصر افطر و كلما افطر قصر «1»، و لا مجال لذلك بعد ما قلنا من النكتة الدقيقة، فافهم.

أمّا الكلام في المقام الثاني فنقول:

إن ظاهر كلام جمع من الاصحاب منهم المحقق رحمه اللّه في الشرائع، هو أن السفر للصيد لهوا معصية، و وجه وجوب الإتمام في هذا السفر هو هذا أعني: كون السفر معصية، و ظاهر جمع من القدماء و المتأخرين هو عدم كون وجوب الإتمام في السفر من باب المعصية، فإن الشّيخ رحمه اللّه ذكر في الخلاف هنا مسائل متعددة، و ذكر في الاولى سفر المعصية، و نقل اجماع الامامية على عدم وجوب التقصير في هذا السفر، و نقل الخلاف فيه عن العامة، و ذكر في المسألة الثانية سفر الصيد لهوا فجعل وجوب الإتمام في هذا السفر من متفردات الامامية و معقد اجماعهم، و نقل في المسألتين الآخرتين الصيد للتجارة و لطلب القوت، و هكذا جمع كثير، بل نقل عن المحقق «2» المقدس البغدادي رحمه اللّه انّه انكر حرمته اشد الانكار، و جعله كالتنزه بالمناظر البهيجة، و المراكب الحسنة، و مجامع الانس و نظائرها ممّا قضت السيرة القطعية بإباحتها و إن

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 15 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- جواهر، ج 14، ص 263.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 130

حرم الصيد للهو و التنزه لحرم جميع اقسام التنزهات.

[الظاهر أنّ الحق مع المحقق فى انكاره]

و الظاهر أن الحق مع هذا المحقق في انكاره و أن اصر

على خلافه في الجواهر، لدلالة الآيات الشريفة الكثيرة الصريحة في حلية الصيد مطلقا، و أمّا الروايات الواردة في سفر الصيد، فليس فيها ما يدلّ على حرمة سفر الصيد، بل يستفاد من رواية عمار بن مروان من جعل سفر الصيد في قبال السفر في معصيته اللّه و عطفه به، كون سفر الصيد موضوعا لوجوب الإتمام لا من باب كونه حراما و في معصية اللّه.

نعم، ربما يستشعر من خبر حماد المتقدم حرمة سفر الصيد و كونه معصية، لأنّ قوله عليه السّلام في هذه الرواية «الباغي الصيد و العادى السارق و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي عليهما حرام، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصّلاة» «1» فإنه يستفاد، و يستشعر من التشديد و التضييق على المسافر في سفر الصيد، أن هذا الفعل حرام عليه، و لكن إن تمسك بهذه الرواية، و قيل بأنها تدلّ على حرمة الصيد، فلازمه حرمة مطلق الصيد و لا اختصاص بما يكون الصيد لهوا، لأنّ التشديد و التضييق على مطلق سفر الصيد، و لا يمكن الالتزام بذلك اعني: بحرمة الصيد مطلقا، فلا يمكن رفع اليد عن الآيات الدالة على الاباحه و تخصيصها بهذه الأخبار.

[المستفاد من الرواية هو خصوص صيد اللهو]

نعم يمكن أن يقال: إن المستفاد من الرواية هو خصوص صيد اللهو بأن يقال:

بأن الظاهر من رواية حماد هو أن المسافر بسفر الصيد الّذي لا يحل له اكل الميتة عند الاضطرار، هو من سافر للصيد و كان غاية سفر هو الصيد بنفسه، من دون أن يقصد

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 8 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 131

بذلك تحصيل القوت أو التجارة، بل كان

غاية سفره نفس الصيد من حيث انّه فعل لهوي يتنزه به، و هذا هو صيد اللهو، و لذا قد لا يكون طالب الصيد مبطرا و لاهيا بصدد قبض ما صاده و جمعه لأنّ يستفاد من الصيد لقوته أو التجارة، بل ربما يذره حتى تاكله السباع.

مسئلة: اعلم أن ما رواه في التهذيب، و هو ما رواه صفوان عن عبد اللّه قال:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتصيد، فقال: إن كان يدور حوله فلا يقصر، و إن كان تجاوز الوقت فليقصر» «1» و الوقت كما يطلق و يراد منه الزمان، كذلك يطلق و يراد منه المكان كما ترى من اطلاق مواقيت الحج، فإن المراد من الوقت فيه هو المكان، و لعل المراد بالوقت حد الترخص إن ثبت له اطلاق على وجوب التقصير بعد المضى عن حد الترخص، فيتعارض مع الأخبار الدالة على وجوب الإتمام على المتصيد في سفره، و لا يمكن رفع اليد لاجلها عن هذا الأخبار.

و روى أيضا رواية، عن بعض أهل العسكر (قال: خرج عن أبي الحسن عليه السّلام أن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة، فاذا عدل عن الجادة اتم، فاذا رجع إليها قصر). «2»

و من المحتمل ان يكون المراد من الرواية هو مورد لم يكن من أول شروعه في سفره قاصدا للصيد، و يحتمل وجوها أخر، و على كل حال لا دلالة لها على حرمة سفر الصيد، بل لا ظهور لها في الحرمة في ما كان الصيد لهوا، غاية الأمر تدلّ على وجوب الإتمام في سفر الصيد، و بضميمة ما أمضينا من الكلام نقول: بوجوب الإتمام

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 6

من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 132

إذا كان لهوا.

و روى هو و الصدوق في الفقيه باسنادهما عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيّام و إذا جاوز الثلاثة لزمه». «1»

و الظاهر أن المراد من الثلاثة المرحلة و البريد فتوافق الرواية مع مذهب بعض العامة الّذي يقول بالقصر في ثلاثة، فتحمل على التقية من هذه الجهة اعني: من حيث جعل أقل المسافة ثلاثة برد، و عدم وجوب القصر قبل ذلك، و من جهة دلالتها على وجوب القصر بعد الثلاثة أيضا موافقة مع مذهب جماعة من العامة كما مضى نقله عن الخلاف.

الشرط الخامس: [لا يجوز التقصير حتى يتوارى عنه جدران البلد]

اشارة

كما قيل، انّه لا يجوز التقصير حتى يتوارى عنه جدران البلد الّذي يخرج منه، أو يخفى عليه الاذان، و يعبّر عنه بحد الترخص.

اعلم أن الروايات التي نقلها صاحب الوسائل رحمه اللّه في باب 6 من أبواب الصّلاة المسافر و إن كانت عشرة إلّا أن بعضها غير مربوط بالمقام مثل رواية 6 من هذا الباب مسلّما.

و عمدة ما في الباب هي رواية محمد بن مسلم قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الرجل يريد السفر فيخرج، متى يقصر؟ قال إذا توارى من البيوت» «2» و هذه الرواية رواية صحيحة.

و رواية 3، و هي رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه قال: سألته عن

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 9 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 6 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 133

التقصير قال: «إذا كنت في الموضع الّذي تسمع فيه الأذان فاتم، و إذا كنت في الموضع الذي لا

تسمع فيه الأذان فقصر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك». «1»

فنقول: أمّا الرواية الاولى فتدل على أن السائل بعد فرض معلومية السفر الذي يجب فيها القصر، و ما لا يجب فيه القصر عنده، سئل من أبي عبد اللّه عليه السّلام بأنّه في أى زمان من الازمنة في السفر المشروع فيه القصر، يجب على المسافر القصر، فقال:

متى يقصر فاجاب عليه السّلام «إذا توارى من البيوت» و الظاهر من كلامه وجوب القصر إذا توارى المسافر من البيوت يعني: إذا ذهب المسافر بحدّ يتوارى من البيوت، فيجب عليه القصر في هذا الزمان.

و المراد من الاسناد بالبيوت بقوله: حتى يتوارى من البيوت، إمّا أن يكون الاسناد الى نفس البيوت باعتبار كون أهل للبيوت، و يناسب باعتبارهم اسناد التواري من البيوت، و إمّا أن يكون المراد من التواري من البيوت هو التواري عن أهل البيوت، فيكون الاسناد على هذا الى أهل البيوت حقيقة بخلاف الأول، فإن الاسناد الى نفس البيوت حقيقة لا الى اهلها، غاية الأمر اسند الى البيوت باعتبار كون أهل للبيوت و ذوي ابصار فيها، و يمكن لهم أن ينظروا الى المسافر في مقدار من سيره و يتوارى المسافر عنهم في مقدار آخر من السير، و لهذا يقال في هذا الحال يتوارى المسافر عن البيوت، فعلى كل حال يكون المراد بحسب الظاهر من الرواية هو أن الميزان تواري المسافر عن البيوت، و هل يكون تواري المسافر من البيوت ملازما مع تواري البيوت عن المسافر بمعنى: انّه كلما يتوارى المسافر من بيوت قريته أو بلده أو كوخه كذلك يتوارى البلد أو القرية أو الكوخ أيضا عن المسافر،

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 6 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان

الصلاة، ج 2، ص: 134

بحيث يكون بينهما التلازم أو ليس كذلك؟

[التوارى يختلف بحسب صغر الجسم و كبره]

اعلم أن التوارى بعد كونه في مثل المقام بحسب التباعد عن النظر، فمن الواضح أن التواري يختلف بحسب كبر الجسم و صغره، فربما يتوارى جسم عن الشخص و عن البصر لصغر حجمه و الحال انّه لم يتوار جسم آخر عنه لكبر حجمه، فعلى هذا من الواضح أن البيوت في الحجم و عظم الهيكل اعظم من الانسان، فربما يحصل التباعد بمقدار يوجب هذا المقدار تواري الانسان عن النظر، و الحال أن البيوت لم تتوار من النظر لكبر حجم البيوت و جسمها، فعلى هذا ربما يتوارى المسافر لصغر جسمه عن البيوت في حال مع عدم تواري البيت لكبر جسمها، فلا تلازم بين توارى المسافر من البيوت مع تواري البيوت من المسافر.

فبناء على هذا نقول: بأن المستفاد من ظاهر هذه الرواية وجوب القصر إذا توارى المسافر عن البيوت سواء توارت البيوت عن المسافر أم لا، فيقع الإشكال فيما هو ظاهر كلمات المشهور من جعل شرط القصر هو تواري الجد ران عن المسافر، و أن هذه الفتوى كيف تنطبق مع ما يظهر من الرواية، فإن الظاهر من الرواية هو تواري المسافر من البيوت، و الحال أنهم اعتبروا تواري الجدران عن المسافر.

فإن كان نظرهم الى ذلك من باب التلازم بين تواري المسافر من البيوت و بين تواري الجدران عنه، فكما قلنا لا تلازم بينهما.

و إن كان نظر هم الى أن الشرط و إن كان تواري المسافر من البيوت؛ و لكن حيث لا طريق للمسافر بحصول الشرط إلا بتواري البيوت منه، لأنه غير ممكن بين الطريق من الاستعلام عن بلده، أو قريته بأنّه هل توارى من البيوت أم لا،

تبيان الصلاة،

ج 2، ص: 135

فلا طريق له الى كشف ذلك إلّا بهذا الطريق أعني: بتواري البيوت عنه.

فهذا أيضا مشكل لأنه بصرف ذلك لا يمكن رفع اليد مما جعل في الرواية شرطا، و الالتزام بكون أمر آخر طريقا إليه بدون دليل عليه.

و إن كان منشأ إفتائهم هو وقوفهم على نص غير هذه الرواية الدالة على وجوب القصر إذا توارت الجدران عن المسافر، و لم يصل إلينا هذا النص، فيستكشف من فتواهم وجود نص في المسألة، فهذا أيضا مشكل.

و لكن ما يمكن أن يقال- مع ذلك في توجيه ما جعلوه شرطا على خلاف مقتضى ظاهر الرواية بحيث لا يباين فتواهم مع هذا الظاهر- هو انّه بعد كون المتعارف من البيوت في زمان صدور الرواية هو غير البيوت المتعارفة في زماننا من الابنيه المرتفعة و القصور المتعالية، بل المتعارف كان إمّا الكوخ، أو الخيمة، أو البيوت التي كانت جدرانها منخفضة لا متعالية، فكانت نظير الكوخ، فعلى هذا لا يكون بين امثال هذه البيوت و بين قامة الشخص تفاوتا كثيرا من حيث الحجم و عظم الجسم، فيكون تواري الشخص من البيت متقارب مع تواري البيوت من الشخص، فاذا توارى الشخص من البيوت يتوارى البيوت أيضا من الشخص تقريبا، بحيث لا يقع بين توارى الشخص عن البيوت و بين توارى البيوت من الشخص زمانا كثيرا، بل يكون توارى الثاني قريبا من توارى الأوّل.

فإذا كان الأمر كذلك نقول: بأن نظر المشهور- من جعل شرط القصر تواري الجدران عن المسافر- يمكن أن يكون من باب ذلك، فإنهم بعد ما يرون تواري البيوت من المسافر يحصل قريبا من تواري المسافر عن البيت، و من المفروض لا طريق للمسافر الى فهم تواريه من البيوت، فجعل

تواري البيوت منه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 136

طريقا الى فهم تواري المسافر من البيوت، فجعلوا الشرط تواري البيوت من المسافر، لأنه بذلك يتحقّق تواريه من البيوت حتما، فكما أن بعض الانجم الطالعة في الليل جعلت عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم علامة لانتصاف الليل، و لذا قلنا بأنّه في هذا الحال يجوز الاتيان بصلوة الليل لدخول النصف الثاني من الليل، و لكن لا يجوز تأخير الصّلاة العشاء الى هذا الوقت، لأنه في هذا الحال مضى نصف الأوّل من الليل، كذلك تواري الجدران من المسافر دليل على سبق تواريه من البيوت، فبهذا النحو يمكن توجيه كلامهم بحيث لا يكون منافيا مع ظاهر رواية محمد بن مسلم المتقدّمة.

[المراد من التوارى هو حصول مقدار من المسافة المحدد بهذا الحد]

اشارة

فإن قلت: إن كانت الأمر كذلك اعنى: ما هو الطريق الى هذا المقدار من البعد إن كان هو تواري البيوت من المسافر، فلم لا يكون ذلك بنفسه حدا لوجوب القصر، و لم يجعل المعصوم عليه السّلام تواري البيت من المسافر علامة و قال: «إذا توارى من البيوت».

نقول: بأنّه يمكن أن يقال: بأن الفقهاء رضوان اللّه عليهم ربما فهموا من قوله عليه السّلام «إذا توارى من البيوت» أن المراد هو تواري البيوت من المسافر، فعلى كل حال يمكن توجيه كلامهم بهذا النحو، فافهم.

إذا عرفت ذلك نقول: إنّه يظهر من جعل تواري المسافر عن البيوت كما في الرواية، أو تواري البيوت من المسافر كما يظهر من كلام المشهور، أنّ الشرط في وجوب القصر هو حصول مقدار من البعد المحدّد بهذا الحد المذكور في الرواية، لأنّ الظاهر من الرواية من جعل التواري شرطا لوجوب القصر هو جعله شرطا باعتبار التباعد الحاصل في هذا المقدار من المسافة بين المسافر و البيوت، فلا يعتبر

الا فرض

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 137

حصول التواري لا تحققه فعلا، فعلى هذا لا بدّ في حصول هذا الشرط و تحققه فرض حصول التواري بحيث لو نظر المسافر لا يرى البيوت، أو لو نظر من البيوت لا يرى المسافر.

فلو كان مانع بين البيوت و بين المسافر بحيث لا يرى فعلا بالنظر، مثل كون الاشجار بين البيت و بين المسافر تمنع عن المشاهدة، فلا جل هذا المانع حصل التواري، و لكن لو لم تكن هذه الاشجار لا تتوارى البيوت منه، فلا يكفي هذا النحو من التواري في تحقق الشرط، لعدم حصول مقدار التباعد المعتبر في وجوب القصر على المسافر.

و كذلك لو كان الجدار فاصلا بين المسافر و البيوت، و لكن لو رفع هذا الجدار ليرى البيوت فأيضا لا يكفي هذا النحو من التواري في حصول الشرط.

فرع: هل الميزان في البيوت الّتي يعتبر التوارى عنها، أو تواري البيوت عن المسافر هو كل بيت و إن كان في الارتفاع بقدر البيوت المرتفعة المتعارفة في عصرنا في بعض البلاد، أو الميزان خصوص البيوت الّتي كانت متعارفة في الصدر الأوّل مثل الكوخ، أو الميزان هو المتعارف من البيوت، فلا اختصاص بالبيوت المنخفضة تكون كالكوخ، و لا الميزان هو البيوت المرتفعة المتعالية المتداولة في هذا العصر.

فرع: بعد كون العبرة بتواري البيوت، فهل يعتبر في حصول الشرط تواري البيوت و إن كانت البيوت البيوت الواقعة في البلاد الموسّعة مثل طهران، فيعتبر التوارى من تمام بيوت البلد في مثل طهران، أو يكفي تواريه من محلته، أو يكفى تواريه من بيت نفسه.

الحق هو الرجوع في ذلك الى المتعارف بمعنى انّه يقال في القرى و الكوخ:

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 138

يعتبر التواري عن القرية

و الكوخ بحيث يتواري عن الشخص الكوخ و تمام القرية، و كذلك في البلاد المتعارفة، لأنه لا يصدق التواري في مثل تلك البلد بمجرد الخروج عن بيته او بيوت محلته، أمّا في البلاد المتسعة مثل لندن فلا بدّ من الالتزام بكفاية التواري عن المحلة كما يساعد العرف مع ذلك.

[الحقّ التواري عن نفس البيوت لا عن منارها]

فرع: هل الميزان في التوارى هو التواري عن نفس البيوت، أو لا بدّ من التوارى بحيث لا يرى قباب البلد، و مناراته، و سوره إن كان لها قباب، و منارة، و سور.

الحق هو الأوّل لأنّ الميزان على ما هو ظاهر الرواية هو التواري عن البيوت لا أمر آخر كالقباب و المنارات و السور، فاذا فرض أن المسافر بلغ بحد لو فرض ينظر الى مسكنه لا يرى بيوت مسكنه، فقد حصل شرط القصر و إن كانت قباب مسكنه و منارته و سوره مرئيا بعد.

هذا تمام الكلام في الرواية الاولى.

أمّا الكلام في الرواية الثانية اعني: رواية عبد اللّه بن سنان فهي رواية صحيحة تدلّ على وجوب القصر إذا لم يسمع الأذان، و وجوب الإتمام إذا سمع الا ذان إذا خرج للسفر، و كذلك إذا قدم من سفره يجب عليه القصر إذا لم يسمع الأذان، و الإتمام إذا سمع الاذان.

و المراد من جعل سماع الاذان و عدمه حدا لوجوب الإتمام و عدم سماع الاذان حدا للقصر هو كون ذلك كناية عن مقدار من البعد، فيجب في مقدار خاص من البعد من الوطن الإتمام و هو مقدار يسمع الاذان معه، و في مقدار يجب القصر و هو مقدار لا يسمع معه الاذان.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 139

و بعد كون ذلك كناية عن مقدار من البعد، فلا دخالة في حصول هذا

الشرط تحقق خصوص خفاء الاذان، بل يكفي في وجوب القصر عدم سماع المناجات أيضا، أو غيرها من الاصوات البالغ صوتها بصوت الأذان، و تكون معرفا كالاذان لهذا الحد، و لا يلزم تحقق سماع الاذان فعلا بمعنى انّه إذا سمع الاذان فعلا يجب الإتمام و إذا لم يسمع فعلا فيجب القصر، بل بعد كون ذلك كناية عن مقدار خاص من البعد، فيكفي التباعد بمقدار لو فرض أن المؤذن يؤذن في بلده لا يسمع صوته، و إلّا فإن قلنا باعتبار فعلية هذا الشرط، فلا بدّ أولا من الالتزام باختصاص هذا الحكم بما إذا كان المسافر في السفر، و كان موقع الاذان، لأنّ في غير هذا الوقت لا اذان حتى كان سماعه موضوع حكم و عدمه موضوع حكم آخر.

و ثانيا يلزم أن يكون هذا الحكم لخصوص غير الاصم لأنّ الاصم، لا يتمكن من الاخذ بذلك لعدم القوة السامعة له حتى إذا سمع الأذان يتم في السفر، و إذا لم يسمع يقصر في السفر، فكلا المحظورين يكونان مانعين من الاخذ بأن المعتبر فعلية سماع الاذان و عدمه، و شاهدان على أن الميزان هو مقدار من البعد الّذي لو فرض أن مؤذنا يؤذن في البلد لا يسمع في هذا الحد بحسب المتعارف، فلا عبرة بعد سماع الاصم لأنه لا يسمع الاذان حتى في البلد أيضا، و لا بمن تكون قوة سمعه شديدة بحيث يكون خارجا عن المتعارف مثل من يسمع الصوت مع بعد فراسخ كما نقل عن الشّيخ الرئيس.

و لا يلزم فعلية السماع كما قلنا، بل يكفي التقدير و الفرض بحيث يكون البعد بمقدار لو كان أذان في البلد و بنى على السماع، و لا مانع له من السماع يسمع

الاذان.

[الميزان فى السماع المتعارف من الاصوات]

ثمّ بعد ذلك يقع الكلام في أن الاذان الّذي جعل سماعه موجبا لوجوب الإتمام

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 140

و عدم سماعه موجبا لوجوب القصر، هو سماع كل اذان و عدم سماعه و إن كان يؤذن المؤذّن في البيت بحيث لا يتجاوز صوته كثيرا، أو الميزان هو أذان المؤذن في المنارة، أو على سطوح البيوت؟

و هل الميزان أذان البلد مطلقا و إن كان البلد من البلاد المتسعة، أو الميزان بالبلاد الصغيرة أو القرى نظير البيوت المتداولة للاعراب من الكوخ و الخيم؟ أو الميزان في ذلك هو المتعارف؟

و هل الميزان بسماع أذان المصر من جانب مخالف من جانب سفر المسافر، مثلا يكون مشي المسافر في سفره في الجهة الشرقية من البلد، و يؤذن المؤذن في جانبه الغربي؟ أو الميزان على الاذان الاقرب من الناحية الّتي سافر المسافر، مثلا إذا سافر المسافر و كان مسيره من الجهة الغربية من البلد يعتبر في سماع الاذان و عدمه الاذان الواقع في هذه الناحية من البلد؟ أو يكفي من كل جانب و ناحية من مصر؟

و هل الميزان في سماع الاذان و عدمه هو الوقت الّذي يكون الهواء لطيفا بحيث يصل الصوت بنحو جيد؟ أو لا فرق بين ذلك و بين كون الهواء غير مساعد، أو يكون الميزان في ذلك أيضا هو المتعارف؟

و بعد ذلك كله يقع الكلام في انّه هل يكون بين العلامتين اختلاف أم لا؟

قد يقال بكون العلامتين مختلفتين، لأنه ربما لم يتحقّق احدهما و يتحقّق الآخر مثلا لا يسمع الشخص المسافر صوت الاذان و الحال انّه لم يتوار منه جدران البيوت أو بالعكس، فلازم ذلك وقوع التعارض بين الروايتين، لأنّ لازم رواية محمد بن مسلم هو وجوب

القصر بمجرد تواري البيوت سواء يسمع الاذان أو لا، و لازم

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 141

رواية عبد اللّه بن سنان هو وجوب القصر إذا لم يسمع الاذان سواء توارت البيوت أم لا، فما يقال في المقام.

[في ذكر الاقوال في المسألة]

اشارة

اعلم إن هنا اقوالا: فبعضهم قال: بأنّه وقع التعارض بين الروايتين لا بدّ من الاخذ بارجحها، و قال بعض في مقام الترجيح: بأن الترجيح مع رواية محمد بن مسلم لكونها مذكورة في الكتب الثلاثة «أعني: الكافي و التهذيب و الاستبصار» فيؤخذ بها و تترك الأخرى، و قال بعض آخر في مقام الترجيح: بأن الترجيح مع رواية عبد اللّه بن سنان لكونها معتضدة برواية المحاسن و فقه الرضا عليه السّلام.

و قال بعض في مقام التعارض بالتخيير، و يظهر من بعضهم أن مرادهم من التخيير، هو التخيير الواقعي، مثل تخيير المكلف في مقام الكفارة لافطار الصوم بين الخصال الثلاثة، و يظهر من بعضهم بكون التخيير هو التخيير الظاهري الّذي مورده في التعارض بين الخبرين.

و قال بعض: بأنّه مع امكان الجمع الدلالي لا تصل النوبة بما ذكر من الترجيح أو التخيير، و مختارهم في مقام الجمع الدلالي أيضا مختلف، فبعضهم قال: بأن الحد هو «مجموع منهما، بمعنى انّه إذا تحققت كلتا العلامتين معا يجب القصر و إلّا فلا، و بعضهم قال: بأن الحد أحدهما، بمعنى انّه متى تحقق احدهما يجب القصر «و غير ذلك ممّا قالوا في الاصول في البحث المعروف إذا تعدد الشرط».

[قال المحقق البهبهانى رحمه اللّه عدم التنافى بين الروايتين لما قلنا]

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه قد يقال بعدم التعارض بين العلامتين أصلا، لأنّ التعارض فرع التنافي و لم يعلم بوقوع التنافي في المقام بين العلامتين خارجا، لأنّ التنافي يتوقف على كون البعد في أحد العلامتين أزيد من البعد المتحقق في ضمن حصول العلّامة الاخرى، و هذا غير معلوم كما نسب الى الوحيد البهبهانى عليه السّلام عدم

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 142

التنافي بين الروايتين لاجل ما قلنا من عدم الاختلاف بينهما خارجا.

و إن أبيت

عن ذلك فلا بدّ من صرف عنان الكلام الى ما قيل في مقام التنافي بين الروايتين.

فنقول: أمّا الترجيح فلا وجه له، لعدم مرجح في إحدى الروايتين حتى يؤخذ بها و تطرح الاخرى، لأنّهما كليهما مخالفتان للعامة، لأنّ فتواهم على خلافهما، و كذلك ليست احدى الروايتين مخالفة مع الكتاب حتى يؤخذ بالموافق منهما للكتاب فلا وجه لترجيح إحداهما على الاخرى.

أمّا القول بالتخيير الواقعى فمورده هو ما إذا ورد امران بشيئين فيجمع بينهما بالتخيير، و يكون التخيير بينهما من باب التخيير الواقعي، مثل التخيير بين الخصال الثلاثة في كفارة افطار الصوم، و في المقام لا مجال للتخيير الواقعي لما يأتي من عدم وجه صحيح للالتزام بالتخيير الواقعي.

و أمّا التخيير الظاهري الّذي يقال في التعارض بين الخبرين، فلا مجال له أيضا لأنّ ذلك فرع التنافي و فرع عدم امكان الجمع الدلالي.

و أمّا الجمع الدلالي.

فإن قيل: بأنّه يقيّد منطوق كل منهما بالآخر، فيكون الاعتبار بحصول كل منهما معا، بمعنى انّه إذا تحقق تواري البيوت و خفاء الاذان معا يجب القصر، و إلا فلا.

فنقول: إنه بعد فرض التنافي بين الروايتين، بمعنى تحقق أحد العلامتين تارة مع عدم تحقق الاخرى، و خصوصا مع دعوى تسلم أن خفاء الاذان يحصل قبل تواري المسافر من البيوت، فلازمه طرح أحد الروايتين، لأنّ تواري البيوت

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 143

يتحقق بعد خفاء الاذان فمتى لم يحصل التواري لا عبرة به، فعلى هذا يكون جعل خفاء الاذان علامة لغوا.

[جعل حد الترخص بخفاء الاذان و توارى البيوت من متفردات الامامية]

و الحاصل إنا نقول في هذا الباب ملخصا: بأن جعل حد الترخص خفاء الاذان و تواري البيوت على الكلام في كيفية جعلهما حدّا، يكون من جملة متفردات الامامية رضوان اللّه عليهم، و لم ينقل من غير

الاماميه من أحد علماء المسلمين جعل حد الترخص خفاء الاذان أو تواري البيوت.

بل المنقول عن الشافعي و أبي حنيفة و مالك و احمد أئمتهم الاربعة، هو وجوب القصر على المسافر بمجرد خروجه من بيوت وطنه، و نقل عن قتادة وجوب القصر على المسافر بخروجه عن خندق وطنه أو جسره، و قوله ينطبق تقريبا مع قولهم.

و نقل عن بعض منهم انهم اوجبوا القصر على المسافر بمجرد خروجه من منزله، و هذا القول مطابق مع ما نقل عن ابن بابويه رحمه اللّه من الاماميه، و نقل عن حارثة بن أبي عميرة و هو الحاكم بالكوفة بأنّه اراد السفر فقصّر بمجرد ارادته السفر في منزله، و أمّ على جماعة منهم أسود بن يزيد و هو من فقهائهم، و على كل حال ترى انهم، مع اختلاف فتوى بعضهم مع بعض، مخالفون كلية مع ما هو حد الترخص عند الامامية.

و بعد ما عرفت ذلك لا إشكال في أن ما ذهب إليه الامامية ليس إلّا من باب ما روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و لا إشكال أيضا في أن جعل حد الترخص خفاء الاذان أو تواري الجدران ليس باعتبار فعليتهما، بمعنى وجوب القصر على المسافر إذا خفى عليه الأذان أو توارى عنه الجدران فعلا، بحيث انّه لو لم يكن وقت الاذان،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 144

أو يكون المسافر أعمى و لم ير البيوت، أو كان سحاب في الهواء، لا يكونان حدّا، بل المراد هو انّه على تقدير أن المسافر يريد أن يسمع و لا مانع من السماع يسمع صوت الاذان، أو توارى عنه البيوت.

[لا اشكال فى كونها حدين من باب اعتبار بعد المنزل]

و لا إشكال أيضا في أن المراد من جعلهما حدّا، على ما يستفاد من الروايتين،

ليس إلّا من باب اعتبار بعد المنزل و المسكن، و حدّ الشارع هذا البعد بهذين الحدّين من باب أن المسافر إذا وصل الى هذا المقدار من البعد، فهو خارج عن وطنه، و لا يعدّ ضربه في الأرض بأنّه ضرب في وطنه و مسكنه، بل ضربه يكون ضربا في الأرض للسفر فيجب عليه القصر.

إذا عرفت ذلك نقول: بأنّه إن قلنا بما يكون في الجواهر، و يستفاد من مصباح اللغة، من كون تواري البيوت يحصل بعد خفاء الاذان، بل يحصل خفاء الاذان في نصف فرسخ تقريبا، و يتحقّق تواري البيوت على رأس فرسخ و نصفه تقريبا بحيث يكون الفرق بينهما بفرسخ، فيكون دائما تحقق تواري البيوت بعد فرسخ عن خفاء الاذان.

فما يظهر من كلام بعض بأن مقتضى الجمع بين الروايتين هو كون مجموعهما دخيلا في اثبات وجوب القصر، بحيث إنه كلما حصل كل من العلامتين يجب القصر، و إلّا فلا أو ما يستفاد من كلام بعض أخر من كفاية تحقق احدهما في وجوب القصر، فلا يمكن الالتزام بهما.

أمّا ما قيل من كون مقتضى الجمع بين الروايتين، هو كون مجموع العلامتين شرطا في وجوب القصر.

ففيه انّه بعد فرض حصول تواري البيوت بعد خفاء الاذان دائما، فما لم تتوار

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 145

لا يجب القصر لما قلت من كون الميزان تحقق كل من العلامتين، فلازم ذلك هو كون جعل خفاء الاذان علامة لغوا، لأنه لا اثر لجعله علامة على هذا، لأنه ما لم تتوار البيوت لا اثر لخفاء الاذان، و إذا توارت فقد خفي الاذان قطعا، فلا حاجة و لا فائدة في جعل خفاء الاذان علامة و هذا واضح.

و أمّا كون الدخيل في وجوب القصر هو تحقق

احدهما و إن لم يتحقّق الآخر.

ففيه انّه مع فرض كون تحقق تواري البيوت بعد تحقق خفاء الاذان بفرسخ تقريبا، فيكون دائما تواري البيوت بعد خفاء الاذان، فاذا كان الكافي في وجوب القصر تحقق احدهما، فدائما ما به يجب القصر هو خفاء الاذان، لأنه بمجرد تحققه يجب القصر، فلازم ذلك كون جعل علامة اخرى اعنى: تواري البيوت لغوا و بلا اثر، فبهذين النحوين لا يمكن الجمع بين الروايتين، لأنّ لازم الجمعين عدم الاخذ بإحدى الروايتين دائما، إمّا الرواية الدالة على خفاء الأذان إن قيل بكون شرط القصر مجموع العلامتين و إمّا الرواية الدالة على تواري الجدران، لأنّه لو كان شرط القصر حصول احد العلامتين فقط و الفرض خفاء الأذان قبله فيصير جعل توارى الجدران علامة لغوا، فعلى هذا لا يمكن الاخذ باحد هذين الجمعين.

و لا بالتخيير الظاهري لما قدّمنا من كون مورد التخيير الظاهري، هو مورد تعارض الخبرين، فلا بدّ من أن يكون التنافي بين الخبرين و التعارض موجودا و الكلام الآن في ذلك.

و أمّا التخيير الواقعي فمعنى التخيير الواقعى هو كون المسافر مخيرا بين أن يأخذ بخفاء الاذان و يقصر بمجرد خفاء الاذان، و بين أن يقصر بمجرد توارى البيوت، و لكن لو فرض كون تواري البيوت متحققا بعد خفاء الاذان دائما، فلازم

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 146

التخيير هو جواز القصر إذا خفي الاذان، و وجوب القصر إذا توارت البيوت.

و لا يمكن الالتزام بذلك، أمّا أولا فلبعد هذا الجمع بنفسه، و أما ثانيا فلأجل محذور يكون في المقام، لأنه بعد كون القصر عزيمة على المسافر فيجب القصر على المسافر، و هاتان الروايتان متعرضتان لزمان يجب القصر على المسافر، لأنّ نظر السائل و المجيب هو

بيان الحد الّذي يجب القصر على المسافر في هذا الحد بعد مفروغية وجوب القصر و أن قصر الواجب واجب في هذا الحد، فعلى هذا متى يكون القصر يكون بنحو الوجوب لا الجواز، فلا معنى لحمل القصر الّذي أمر به في الرواية الدالة على خفاء الاذان على الجواز فلا يمكن الالتزام بالتخيير الواقعي.

[الروايتين مورد اعتناء المشهور يعنى رواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان]

إذا عرفت ذلك كله نقول: إن ما نرى في كلمات الاصحاب رضوان اللّه عليهم هو كون الروايتين اعني: رواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان، مورد اعتنائهم و عملهم و أنهم لم يعرضوا عن أحد منهما، بل اخذوا بهما و إن كان الاختلاف عندهم في نحو دلالتهما و ما يستفاد منهما، فبعضهم قال باعتبار حصول مجموع العلامتين، و بعضهم باعتبار تحقق احدهما، فلا يمكن أن يقال باعراض الاصحاب من احدهما.

[لم يكن بين الروايتين تعارض حتى يحتاج الى الجمع بينهما]

و بعد ذلك نقول: بأنّه لا يبعد أن يكون ما جعل علامة في رواية محمد بن مسلم مساوقا مع ما جعل علامة في رواية عبد اللّه بن سنان، و بعبارة اخرى يكون تحقق خفاء الاذان مساوقا مع تحقق تواري البيوت، و لم يكن على هذا خلاف و تعارض بين الروايتين.

فنقول في بيان مساوقية أحد الحدّين مع الآخر: بأنّه من توجه الى نحو الأبنية السابقة و بيوتهم في زمان صدور الرواية الدالة على جعل تواري البيوت حد الترخص، يرى أن الأبنية السابقة ليس وضعها مثل أبنية العصر الحاضر من ارتفاع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 147

الأبنية و العمارات المشتملة على طبقات كثيرة كل طبقة فوق الاخرى، بل كانت ابنيتهم و بيوتهم نظير الكوخ المتعارف الآن في بعض اقطار العرب، غاية الأمر كانت أبنيتهم العالية ذات طبقة واحدة، و من الواضح أن أبنية الرفيعة يرى في موضع لارتفاعها و لا يرى الابنية السافلة لعدم ارتفاعها.

فإن ترى أن هذه الابنية ترى من مكان بعيد مثلا على رأس فرسخين أو فرسخ و نصف، لا تتوهم بأن الابنية المتعارفة في زمن صدور الرواية تكون كذلك أيضا، لما قلنا من تفاوتهم في الارتفاع، فاذا حوسب الأبنية السالفة يرى أن

تواري البيوت يكون تقريبا مساوقا مع خفاء الأذان.

مضافا الى ما أشرنا في طي كلامنا في المقام بأن ما ورد في رواية محمد بن مسلم هو تواري المسافر عن البيوت، لا تواري البيوت عن المسافر، فاذا كان المراد من رواية محمد بن مسلم هو تواري المسافر عن البيوت كما هو ظاهر قوله عليه السّلام «إذا توارى من البيوت» و من الواضح بأن تواري المسافر و هو جسم صغير يتحقّق قبل تواري البيوت من المسافر لعظم جسمه و ارتفاعه، و الحال انّه لو فرض أن ينظر من البيوت الى هذا المسافر لا يرى هذا المسافر لصغر جسمه.

فعلى هذا نقول: بأنّه لا يبعد أن يكون تواري المسافر عن البيوت مساوقا مع خفاء الاذان، لحصول تواري المسافر من البيوت قبل تحقق توارى البيوت من المسافر بكثير، فهذا أيضا شاهد آخر على كون العلامتين مساوقتين في التحقق تقريبا، كما انّه لا يبعد كون تواري البيوت مع خفاء الاذان متقاربين، بل و مساوقتين في التحقق، لا جل كون البيوت المتعارفة في زمان صدور الرواية قليلة الارتفاع كالكوخ، و الخيمة، و غاية الأمر كونها ذو طبقة واحدة، فتواري البيوت الّتي كانت

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 148

معمولة في زمان صدور الرواية يتحقّق تقريبا مع خفاء الاذان. «1»

و على فرض دعوى اطلاق للبيوت، و دعوى شموله لكل ما يصدق عليه البيت حتى البيوت المرتفعة في هذا العصر، فأيضا بعد شمول لفظ البيوت لمثل البيوت المنخفضة المتعارفة في الصدر الأول، لأنّ المطلق مطلق عن القيد فيشمل لجميع الأفراد، و من جملة افرادها بعض البيوت المنخفضة المساوقة تواريها تقريبا مع خفاء الاذان مثل الابنية المتعارفة في الصدر الأول، و لا إشكال في شمول المطلق لهذا

الفرد، لأنه الفرد المتعارف في عصر صدور المطلق، و من هنا يكشف انّه لم يرد من تواري البيوت ما ينافي في تحقّقه مع خفاء الاذان، لكون بعض افراده مساوقا في التحقق مع خفاء الاذان.

فعلى هذا البيان لم يكن بين الروايتين تعارض حتى تصل النوبة الى الجمع الدلالي، أو الاخذ بعد عدم امكان الجمع الدلالى بأرجحهما إن كان أرجح في البين، و مع عدم الترجيح يعامل معهما معاملة تعارض الخبرين.

[نقل كلام الشيخ بقول المحقق الهمداني]

ثمّ اعلم أن هنا كلاما للشيخ الانصاري رحمه اللّه على ما نقله الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه في مصباح «2» الفقيه، و هذا لفظه «و هذا الجمع حسن لو كان المقام مقام بيان السبب للتقصير، فيحمل على تعدد السبب كما في نظائره، لكن المقام مقام بيان التحديد، و الحمل على تعدد الحد غير مستقيم بين الاقل و الاكثر، و لعله لذا عكس المتأخرون الجمع بين الصحيحتين، فاعتبروا خفاء الأمرين انتهى».

و كان نظره الشريف الإشكال على الجمع الّذي نسب الى المشهور من

______________________________

(1)- و لعل كان نظره الشريف الى أن البيوت منزلة على المتعارف في زمان صدور الرواية.

(2)- مصباح الفقيه صفحة 751- 750

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 149

القدماء من كون حد الترخص أحدهما، فكلما تحقق أحدهما وجب القصر، و وجه الإشكال واضح لأنه على تقدير استفادة العلية من الشرط، و كونه علّة فهو يكون في كل مورد كان سببا و كان المتكلم في مقام بيان ذكر السبب، فيأخذ بالمنطوق و يرفع اليد عن المفهوم جمعا بين السببين، و في المقام ليس الأمر كذلك لأنّ ما هو السبب لوجوب القصر هو السفر و لكن له حدّ، و هو إمّا تواري الجدران، أو خفاء الاذان على ما يستفاد

من الروايتين، و لا معنى لتعدد الحد خصوصا مع كون النسبة بينهما الأقل و الاكثر، و أحدهما قبل الاخر، فلهذا لا مجال للجمع بين الروايتين بأنّه يكتفي بكل منهما حصل أولا، لأنه على تقدير التنافى فيحصل خفاء الاذان دائما قبل الآخر اعني: تواري البيوت، و هذا هو الّذي قلنا من الإشكال في هذا الجمع.

و لكن ما افاد رحمه اللّه في ذيل كلامه من قوله «و لعله لذا عكس المتأخرون الجمع الخ» يعني حكموا باعتبار تحقق كل من العلامتين حتى يفرون من الإشكال.

ففيه انّه يرد على هذا الجمع أيضا الإشكال كما نبهنا عليها سابقا، لأنه مع فرض تحقق أحد العلامتين قبل الآخر دائما، فلا معنى لكون الحد هو مجموعهما، لأنه ما لم يحصل الحد الآخر لا يجب القصر، فيكون جعل الحدّ الّذي يحصل أولا لغوا، لعدم اثر لجعله حدا أصلا.

ثمّ إن أبيت عما قلنا من عدم التنافي بين العلامتين خارجا و كونهما مساوقتين في التحقق، و قلت: بتحقق احدهما بعد الآخر بفصل كثير، فلا مجال أيضا لما قيل في مقام الجمع من التخيير، أو كون الحد هو مجموعهما، أو كون الحد أحدهما، أو غير ذلك.

نعم هنا كلام للحاج آغا رضا الهمدانى عليه السّلام في مصباح الفقيه، و هو انّه يجمع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 150

بين الروايتين بأن يقال: إن خفاء الاذان حدّ حقيقي، و تواري البيوت حدّ كاشف عما هو الحدّ الحقيقي.

بيانه أن رواية عبد اللّه بن سنان نص في وجوب القصر إذا خفي الأذان و عدم وجوب القصر إذا لم يخف الأذان، لكون ذلك منطوق الرواية لا المفهوم، بخلاف رواية محمد بن مسلم فانها تدلّ على كون الحدّ تواري البيوت، و مفهومه يقتضي عدم

وجوب القصر إذا لم تتوار البيوت و بعد كون التعارض بين النص و الظاهر- لأنّ رواية عبد اللّه بن سنان نص في وجوب القصر بخفاء الاذان، و عدم وجوبه بعدم حصول خفاء الاذان، بخلاف رواية محمد بن مسلم فانها ليست نصا في عدم وجوب القصر إذا لم تتوار البيوت، بل ليس الاظهور يستفاد من قوله «إذا توارى من البيوت»- فترفع اليد في مقام الجمع و دفع التعارض عن هذا الظهور لاجل النص، لأنّ النص مقدم على الظاهر، و يأخذ العرف بالنص في مقابل الظاهر، و نقول: معنى قوله (إذا تواري من البيوت) هو أن في هذا الحال يجب القصر، و لكن لا يدل على أن القصر وجب في هذا الحال لا قبله، فالرواية تثبت ثبوت القصر في هذا الحال، و لكن لا تدلّ على أن هذا الحال هو أول حال الّذي وجب القصر فيه، بل ربما يكون تواري البيوت كاشفا عن الحد الحقيقى، و هو خفاء الاذان باعتبار أن كشف سماع الاذان غالبا غير ميسور للمسافر لعدم كون الوقت وقت الاذان، و لكن تواري البيوت يمكن كشفه غالبا للمسافر، فجعل هذا كاشفا عن الحد الحقيقي، فاذا توارت البيوت يستكشف حصول خفاء الاذان أعني: البعد الّذي معه يجب القصر.

[الجمع الّذي ذكره المحقق الهمدانى لا بأس باختياره]

و لا بأس باختيار هذا الجمع، و يكون كلاما حسنا إذا فرض التنافي بين العلامتين في مقام الخارج و التحقق، فافهم.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 151

مسئلة: قد عرفت ممّا مضى أن القصر يجب على المسافر إذا بلغ حد الترخص و هذا الحكم في ما لو خرج الشخص عن وطنه لأنّ يسافر، و بعبارة اخرى في ذهابه عن وطنه ممّا لا إشكال فيه، لكون هذا هو المتيقن من

الروايتين المتقدمتين.

[هل يعتبر حد الترخص فى الاياب او لا؟]

و هل يعتبر حد الترخص في العود الى وطنه أيضا بمعنى أن وجوب القصر في العود من سفره كان محدودا ببلوغ المسافر الى حد الترخص، فإذا بلغ في الاياب من السفر بحد لا يخفى عليه الاذان، أولا تتوارى منه البيوت لا يجب عليه القصر، بل يجب عليه الإتمام أو لا؟

لا إشكال في اعتبار ذلك في العود أيضا بمعنى وجوب القصر على المسافر متى ما لم يصل الى حد الترخص في إيابه من السفر الى الوطن، لأنه بعد كون الملاك في وجوب الإتمام ما لم يبلغ المسافر حين الخروج من وطنه، هو كونه قبل بلوغه الى هذا الحد في حكم كونه في منزله، لأنّ من يكون في أطراف بلده و توابعه لا يعدّ مسافرا، و خصوصا إن العامة، مع اختلافهم في أن بعضهم قال: بكونه مسافرا بصرف ارادته للسفر، و بعضهم بالخروج من بيته، و بعضهم بالخروج من بنيان بلده، و بعضهم بالخروج من الجسر أو الخندق، و لكن مع ذلك يكون نظرهم الى أن المسافر قبل ذلك المقدار لا يعد مسافرا، فنظر السائلين من السؤال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام كان إلى أنّ المسافر متى يعدّ مسافرا حتى يجب عليه القصر، و في أىّ حدّ لا يعد مسافرا و ضاربا في الأرض حتى يجب عليه الإتمام، و أنّ الأمر كما يقوله العامة، أو على نحو آخر، فحدد عليه السّلام بما بيّن في الروايتين المتقدمتين الحدّ الّذي يجب على المسافر القصر فيه.

فنقول: بأنّه إذا عاد المسافر من سفره و بلغ بحدّ يسمع الاذان و يرى بيوت بلده و مسكنه، فلا يعدّ مسافرا و ضربه في الأرض ضرب السفر، فعلى هذا كما يعتبر

تبيان

الصلاة، ج 2، ص: 152

حد الترخص في الذهاب يعتبر في الاياب أيضا، و خصوصا مع تصريح رواية عبد اللّه بن سنان بذلك لقوله عليه السّلام «و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك».

و رواية محمّد بن مسلم، و إن لم يتعرض إلا للخروج عن الوطن، و الصورة التي يريد المسافر السفر، و ظاهره هو صورة إنشاء السفر و ذهاب المسافر، و لكن يدل على الاياب أيضا لما قلنا من عدم الفرق بحسب الملاك بين الذهاب و الاياب، فافهم.

[لا يعمل بالروايات الثلاثة الدالة على كون الترخص لا يكون فى الإياب]

فالروايات الّتي قد يتخيل أن ظهورها دال على أن المسافر يجب عليه القصر متى لم يدخل بيته، و لازم ذلك وجوب القصر حتى بعد وصول المسافر في العود من سفره الى حد الترخص- مثل رواية «1» اسحاق بن عمار و غيرها- لا يمكن الاخذ بها، و لا يوجب رفع اليد لاجلها عما قلنا من اعتبار حد الترخص في الذهاب و الإياب من السفر.

أمّا أولا فلاحتمال كون المراد من (أن يدخل أهله) في بعضها أو (بيته) في بعضها الآخر هو دخول الشخص الى بلده و حدوده المتقاربة منه، و هذا مساوق مع حد الترخص، لأنّه بدخول الشخص الى هذا الحدّ يقال: بأن الشخص دخل أهله أو منزله أو بيته.

و ثانيا لأنّه بعد كون رواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان المستفاد منهما حد الترخص هو مورد اعتناء الفقهاء رضوان اللّه عليهم، بل يكون ذلك من متفرداتهم، و لم نجد بين العامة قولا موافقا له، و كون رواية اسحاق بن عمار و ما

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 7 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 153

يحذو حذوها موافقة لفتاوى عطاء بن رياح من العامة

الّذي أوجب القصر بمجرد خروج المسافر عن بيته، فرواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان مخالفتان للعامة و موافقتان للمشهور، فلهما هذان المرجّحان، و رواية اسحاق بن عمار و امثالها موافقة لمذهب من مذاهب العامة و أعرض عنها الاصحاب، ففي مقام التعارض بينهما لا بدّ من الاخذ برواية محمد بن مسلم و عبد اللّه بن سنان و من طرح ما يعارضهما من رواية اسحاق بن عمار و غيرها.

[في ذكر مسئلة في الباب]

مسئلة: هل يكون حد الترخص مختصا بمن يخرج من وطنه و مسكنه، بمعنى أن من يخرج من وطنه يجب عليه الإتمام قبل بلوغه الى حد الترخص، و يجب عليه القصر بعد بلوغه الى هذا الحد، أولا يختص به، بل يعم هذا الحكم لكل من يريد السفر الّذي يجب فيه القصر و إن لم يكن إنشاء سفره من وطنه، مثل من سافر سفرا يبلغ عشرين فرسخا، و كان مقدار منه- مثلا عشرة فراسخ منه- سفر المعصية، بعد ذلك عدل الى الطاعة، أو كان في عشرة فراسخ منه كثير السفر، ثمّ خرج عن موضوع كثير السفر، أو كان الى عشرة فراسخ منه بلا قصد كالهائم اعنى:

المتحير، بعد ذلك قصد المسافة.

فهل يجب عليه القصر بعد عدوله الى الطاعة، أو خروجه عن عنوان كثير السفر، أو صيرورته مع القصد، بمعنى انّه بعد ما بقي من سفره عشرة فراسخ فصار سفره سفر الطاعة، أو صار خارجا عن موضوع كثير السفر، أو صار مع القصد، فعليه أن يقصر بمجرد ذلك، أو يجب عليه القصر بعد ما يخرج عن حد الترخص من هذا الموضع الّذي عدل الى الطاعة، أو خرج عن عنوان كثير السفر، أو صار قاصدا للمسافة.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 154

[الحق اختصاص حد الترخص بالوطن و لا يشمل الامثلة المذكورة]

اعلم أن الحق عدم اعتبار حد الترخص لمثل الأمثله المتقدّمة، فيجب القصر عليهم بمجرد صيرورة السفر سفر الطاعة، أو صار خارجا عن كثير السفر، أو صار قاصدا للمسافة و لو لم يبلغ الى حد الترخص، لأنّ الظاهر من الروايتين المتقدمتين هو من ينشأ السفر، و بعبارة اخرى ظاهرهما هو أن المسافر الّذي يريد أن يسافر و يصير مورد صدق عنوان المسافر عليه، متى يجب عليه القصر، و أمّا من صار مسافرا و كان ضاربا في الأرض، و لم ينشأ السفر فعلا و صار مصداق المسافر قبلا، لكن لم يجب عليه القصر لعدم واجديته لما هو شرط للقصر عند الشارع، فلا تشمله الروايتان، فعلى هذا لا يشترط القصر عليهم ببلوغهم الى حد الترخص، بل يجب عليهم القصر بمجرد واجديتهم لشرط القصر.

مسئلة: هل يعتبر هذا الشرط اعني: حد الترخص في الخروج عن المحل الّذي أقام المسافر فيه عشرة أيّام مع القصد، و كذلك في الدخول الى هذا المحل، كما يعتبر ذلك، على ما مضى، في الخروج عن الوطن و في الدخول الى الوطن، أولا يعتبر ذلك في محل الاقامة؟

و بعبارة اخرى من يقيم في موضع عشرة أيّام مع القصد أو ثلاثين يوما بلا قصد، فهل يجب عليه القصر بعد خروجه عن محل الاقامة إذا بلغ حد الترخص، و كذلك إذا أراد أن يذهب الى موضع و يقيم فيه عشرة أيّام يجب عليه القصر ما قبل حد الترخص في هذا الموضع، فإذا أراد الدخول الى هذا الموضوع و دخل في محل يسمع أذان هذا الموضع، أو لم تتوار عنه بيوت هذا الموضع، فعليه الإتمام في هذا الموضع و لو لم يصل بعد الى نفس هذا الموضع، أو

لا يعتبر ذلك أعنى: حدّ الترخص، لا في الخروج عن محل الاقامة، و لا في الدخول فيه.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 155

أو نقول بالتفصيل بين الخروج و بين الورود، فاعتبر في وجوب القصر هذا الشرط اعني: حد الترخص، في خصوص صورة الخروج عن محل الاقامة في ما إذا اراد السفر الموجب للقصر، و لكن لا يعتبر هذا في الورود الى محل الاقامة، فمن يسافر و اراد بعد طي مسافة ثمانية فراسخ أو ازيد مثلا بأن يقيم في بلد، فكان الواجب عليه القصر متى لم يبلغ الى نفس هذا البلد و إن دخل الى محل الترخص من هذا البلد.

[في ذكر وجوه الثلاثة للاحتمالات الثلاثة]

اشارة

وجه عدم اعتبار حد الترخص في محل الاقامة لا في الخروج و لا في الدخول إليه، هو أن الظاهر من الروايتين هو اعتبار حد الترخص لمن يخرج من وطنه و يعود إليه لا غير الوطن، و لا أقل من انصراف الروايتين الى خصوص الخروج من الوطن الاصلي و العود إليه.

و وجه اعتبار هذا الشرط في محل الاقامة خروجا و دخولا، هو أن المسافر بالاقامة ينقطع سفره، و لذا يصير سفره سفرين: سفرا قبل الاقامة و سفرا بعدها، و الروايتان تدلّان على وجوب القصر بعد البلوغ الى حد الترخص إذا انشأ السفر «و كذلك في الدخول الى محل الاقامة، لأنّ ببلوغه الى محل الترخص من محل الاقامة، فقد دخل محل الاقامة لكون ذلك من توابع المحل، فهو كأنّه بعد بلوغه الى حد الترخص من محل الاقامة، فقد دخل محل الاقامة، أو من باب أن رواية عبد اللّه بن سنان تشمل دخول كل مورد تشمل خروجه، و بعد شمولها لخروجه عن محل الاقامة فتشمل لدخولها».

و وجه التفصيل هو أن

يقال: بأنّه بعد ما قلنا من كون الإقامة مع القصد عشرة أيّام في محل، أو بلا قصد ثلاثين يوما في محل قاطعة لموضوع السفر، و لذا لا يمكن ضمّ

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 156

اللاحق الى السابق، و يصير سفره سفرين أعني: كان سفره الى محل الإقامة سفرا و سفره بعده سفرا آخر، و لهذا ان بلغ هذا السفر بنفسه حد القصر يجب القصر و إلّا فلا.

فنقول: بأن الروايتين تشملان صورة الخروج عن محل الاقامة، لأنه بعد كون الخروج إنشاء سفر مستقل و يريد السفر، فيشمله قوله في رواية محمد بن مسلم «يريد السفر».

و أمّا وجه عدم اشتراط وجوب القصر بعدم بلوغه الى حد الترخص من البلد الّذي يريد الاقامة فيه، فلانه بعد لا يقيم في هذا البلد، و يكون مسافرا الى أن يبلغ هذا البلد و يقصد اقامة عشرة أيّام في هذا البلد، فعلى هذا لا وجه لاعتبار حد الترخص في الدخول إلى محل الاقامة.

و الأوجه هو أن يقال: باشتراط حد الترخص في وجوب القصر بالنسبة الى محل الاقامة حال الخروج لما ذكرنا وجهه.

و أمّا اعتباره في الدخول في محل الاقامة فمشكل، فعلى المسافر الاحتياط بالجمع بعد البلوغ الى محل يسمع الاذان و يرى بيوت البلد الّذي يريد أن يدخل فيه و يقيم عشرة أيّام فيه، قبل الدخول الى نفس هذا المحل، أو تأخير الصّلاة الى أن يصل الى نفس هذا المحل.

«ثمّ اتمام الصّلاة فيه ثمّ ان سيدنا الأستاذ «مد ظله» في المجلس البحث في يوم البعد قال بان اعتبار حد الترخص في محل الاقامة خروجا و دخولا مشكل و لهذا احتاطه في حال الخروج أيضا».

ثمّ إن هنا بعض الفروع تعرض لها السيّد رحمه

اللّه في العروة الوثقى في ذيل الشرط

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 157

الثامن أعنى: حد الترخص.

[ذكر الفرع الاول الذي تعرض له السيد اليزدي رحمه اللّه]

(الفرع الأول: «مسئلة 68: إذا اعتقد الوصول الى الحدّ فصلى قصرا، ثمّ بان أنه لم يصل إليه وجبت الاعادة أو القضاء تماما»).

و فيه أن كلامه بإطلاقه غير صحيح، لأنّ في هذا الفرض إذا كان المسافر يعيد هذه الصّلاة قبل وصوله الى حد الترخص، فما قاله رحمه اللّه صحيح لأنّ الواجب عليه الإتمام في هذا الحال.

و أمّا إن كان يعيد بعد مضيه عن حد الترخص، الواجب عليه القصر في هذا الحال، فيجب عليه إعادتها قصرا ففي هذه الصورة لا وجه لما قاله السيّد رحمه اللّه من وجوب الاعادة تماما، فكلامه بإطلاقه غير تام.

و كذا في الفرض إذا مضى الوقت و بنى على أن يقضى هذه الصّلاة، فأيضا يصح كلامه من وجوب القضاء تاما في خصوص ما إذا مضى الوقت قبل بلوغه الى حد الترخص، فحيث أن القضاء على حسب ما فاته فيجب عليه القضاء تاما، ما فاتت عنه كانت صلاة تامة، أمّا إذا مضى الوقت بعد خروجه عن حد الترخص فيجب القضاء عليه قصرا، لأنّ القضاء تابع لما فات و آخر الوقت كان الواجب عليه القصر لخروجه عن حد الترخص، فيجب القضاء قصرا، فلا يصح كلامه في هذه الصورة، فكلامه بإطلاقه ممنوع.

ثمّ ما قال بعد ذلك «و كذا في العود إذا صلّى تماما باعتقاد الوصول الى الحد وجبت الاعادة و القضاء قصرا» فأيضا لا يصح بإطلاقه، لأنه إذا عاد من سفره و اعتقد الوصول الى حد الترخص و صلى تماما ثمّ انكشف الخلاف، فإن أعاد قبل الوصول الى حد الترخص، أو مضى الوقت قبل الوصول الى حد الترخص، فيجب

تبيان

الصلاة، ج 2، ص: 158

عليه أن يعيد أو يقضي قصرا و يصح كلامه في هذه الصورة.

و أمّا إن أعاد أو مضى الوقت بعد البلوغ الى حد الترخص، فيجب عليه الاعادة أو القضاء تماما.

أمّا الإعادة فلان في ظرف الاعادة يجب عليه الإتمام على الفرض لوصوله الى حد الترخص إيابا.

و أمّا القضاء فلان ما فات منه فات في هذا الحال فيجب قضائه تماما، فلا يصح كلامه بإطلاقه، بل لا بدّ من التفصيل الّذي ذكرنا.

و كذا ما قال بعد ذلك «و في عكس الصورتين بأن اعتقد عدم الوصول فبان الخلاف ينعكس الحكم، فتجب الاعادة قصرا في الاولى و تماما في الثانية» أيضا يصح في صورة و لا يصح كلامه في صورة اخرى.

ففي كل مورد يكون المسافر معيدا لصلاته في موضع القصر، و هو بعد المضي عن حد الترخص في الذهاب و قبل الوصول الى حدّ الترخص في الاياب، يجب أن يعيد قصرا، و في كل مورد كان آخر الوقت اعني: زمان فوت الصّلاة هو الحال الذي يجب القصر فيجب القضاء قصرا، و في كل مورد كان آخر الوقت الّذي فات عنه الصّلاة في موضع يجب عليه الإتمام، فيجب القضاء تماما، فافهم.

[ذكر الفرع الثاني الذي تعرض له السيد اليزدي رحمه اللّه]

اشارة

(الفرع الثاني: قال مسئلة 69: إذا سافر من وطنه و جاز عن حد الترخص، ثمّ في اثناء الطريق وصل الى ما دونه إمّا لاعوجاج الطريق أو لامر آخر كما إذا رجع لقضاء حاجة، أو نحو ذلك فما دام هناك يجب عليه الإتمام، و إذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر إذا كان الباقي مسافة»).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 159

اعلم أن ما قاله من انّه يجب عليه القصر بعد الخروج عن حد الترخص إذا كان الباقي مسافة،

و معنى ذلك عدم احتساب المسافة السابقة على المرور على حد الترخص اصلا، بل تعتبر المسافة من بعد حد الترخص، فعلى هذا إن كانت المسافة بعد ذلك ثمانية فراسخ يجب القصر، و إن كانت أقل من ذلك، و لو فرض كون المسافة السابقة على المرور من حد الترخص من وطنه الى وصوله ثانيا بحد الترخص لقضاء حاجة أو غير ذلك، بمقدار يوجب ضمها الى المسافة اللاحقة على المرور من حد الترخص بقدر ثمانية فراسخ أو أزيد، فمع ذلك لا يجب عليه القصر، لأنه على ما قاله لا بدّ من كون الباقي بعد المرور عن حد الترخص بقدر المسافة الموجبة للقصر بنفسه، لا مع ضمّه الى المسافة السابقة.

لا وجه له بل يجب عليه القصر إذا كانت المسافة الباقية، و لو مع ضمها الى المسافة السابقة على المرور، بقدر ثمانية فراسخ أو أزيد من ذلك، لأنه بعد ما قلنا من أن مبدأ السفر هو ابتداء البلد أو القرية الّتي يخرج منها، و لهذا يحسب ثمانية فراسخ من هذا الموضع اعني: إذا كانت المسافة من أول نقطة البلد أو القرية الى مقصده ثمانية فراسخ يجب القصر، لا أن يكون مبدأ السفر موضع الترخص.

فعلى هذا يجب القصر في كل مسافة تكون من أول نقطة البلد أو القرية تكون وطن المسافر و خروجه منها الى مقصده، بريدين سواء كان من حد الترخص من هذا المحل الى المقصد ثمانية فراسخ أولا.

و في المقام أيضا كذلك فانّه و إن عبر بمحل الترخص في ضمن سفره لاعوجاج الطريق أو لقضاء حاجة أو غير ذلك، و لم تكن المسافة الباقية بريدين لكن ليس هذا مبدأ سفره، بل مبدأ سفره هو خارج بلده، فاذا فرض

كون المسافة

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 160

بين بلده و بين مقصده بريدين يجب القصر، و بمجرد مروره الى حد الترخص لا يوجب خروج المسافة السابقة عن قابلية انضمامها بالمسافة اللاحقة في الموجبية للقصر.

[بيان صحة كلام السيد اليزدي و عدمه]

ثمّ إن هنا كلاما آخر و هو أن ما قاله من وجوب الإتمام على المسافر في الفرض ما دام يكون في ما دون حد الترخص إذا مر عليه في ضمن السفر و وصل الى ما دونه لاعوجاج الطريق أو لقضاء حاجة أو غير ذلك، هل يكون كلامه في محله، و يجب الإتمام عليه ما دام هناك، أو ليس كذلك، بل يجب عليه القصر إذا مر في اثناء السفر بحد الترخص حتى ما دام كائنا في ما دون حد الترخص.

اعلم انّه إن كنّا و الروايتين الدالتين على اعتبار حد الترخص فهما لا تدلان إلا على اعتبار ذلك في ابتداء المقصد و في انتهاء المقصد، لأنّ رواية عبد اللّه بن سنان المصرح فيها بالطرفين ليست دالة إلّا على اشتراط ذلك مرة في ابتداء السفر ذهابا و مرة في انتهاء السفر إيابا، و أمّا غيرهما مثل ما إذا مرّ بحد الترخص في أثناء السفر غير الابتداء و الانتهاء، فلا دلالة لها على اشتراط وجوب القصر به، فالرواية لا تدلّ على وجوب الإتمام في ما دون حد الترخص في جانب الوطن إذا كان المرور في وسط السفر لا في الابتداء و انتهاء السفر.

و لكن يمكن أن يقال: بأن الملاك في جعل حد الترخص لا يبعد أن يكون هو أن المسافر لا يكون في هذا المقدار من البعد من الوطن مسافرا بنظر العرف، فإنّ من يسمع الأذان أو يرى البيوت لا يعد في نظرهم ان هذا

الشخص مسافر، فعلى هذا لا يكون جعل حد الترخص من الشارع تعبد صرف، بل ملاكه ما قلنا، فعلى هذا يمكن أن يقال: بأن المسافر إذا وصل الى ما دون حد الترخص يخرج عن كونه

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 161

مسافرا بنظر العرف و لا يصدق عليه انّه ضارب في الأرض، فعلى هذا يجب عليه ما دام يكون في ما دون حد الترخص الإتمام «1».

[ذكر الفرع الثالث الّذي تعرض له السيد اليزدي رحمه اللّه]

(الفرع الثالث: مسئلة 67: إذا كان في السفينة أو العربة فشرع في الصّلاة قبل حد الترخص بنية التمام، ثمّ في الاثناء وصل إليه فإن كان قبل الدخول في قيام الركعة الثالثة أتمّها قصرا و صحت»).

اعلم أن لهذه المسألة صورا تعرض السيّد رحمه اللّه لصورة واحده منها و هي:

الصورة الاول: ما إذا شرع في الصّلاة قبل حد الترخص بنية التمام، ثمّ في الاثناء وصل إليه، و كان زمان وصوله الى حد الترخص قبل دخوله في قيام الركعة الثالثة كما إذا وصل به و هو في التشهّد بعد الركعة الثانية.

______________________________

(1)- اقول: بعد ما أفاد هذا الوجه سيدنا الاستاذ (مد ظله) قلت في مجلس بحثه: بأنّه إن التزمنا بكون الملاك هذا اعني: كون الشخص في هذا الحد غير مسافر عرفا و غير ضارب في الارض، فلازمه هو جعل مبدأ السفر من حد الترخص، لأنه قبل ذلك على ما أفاده ليس الشخص مسافرا و ضاربا في الارض، و لا يطلق عليه المسافر، و الحال انّه (مد ظله) أفاد سابقا بأن مبدأ السفر هو الخروج عن نفس البلد في البلاد المتعارفة، و قال في وجهه: بأنّه قبل الخروج من بلده لا يطلق عليه انّه مسافر و ضارب في الارض.

و إن كان المسافر متى لم يخرج عن

حد الترخص لم يعد مسافرا، فلازمه عدم ورود ما استشكله على السيّد رحمه اللّه من انّه لا وجه لاعتبار المسافة البالغة ثمانية فراسخ بعد ذلك المرور في وجوب القصر.

لأنه على هذا يمكن أن يدفع الإشكال و يقال: بأنّه إذا مر بحد الترخص فخرج عن كونه مسافرا فلا يضم السابق باللاحق، فلا بدّ من كون المسافة اللاحقة بقدر البريدين.

فعلى هذا نقول: بان الاقوى وجوب الإتمام حتى في ما يكون في ما دون المسافة، فتأمل، و لكنّه (مد ظله) لم يرجح أحد طرفي المسألة، و أدام بحثه الى مسئلة اخرى).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 162

[الحق فى الصورة الاول الّتي تعرض لها السيد اليزدي رحمه اللّه هو اتمام الصلاة قصرا]

فنقول: إن الحق في هذه الصورة هو إتمامه قصرا، لا لأنّ الصّلاة على ما افتتحت، لأنّها غير مربوطة بالمقام، بل لأنه بعد كون صلاة التمام و القصر حقيقة واحدة و عدم كون القصر و الإتمام موجبا لتعدد الحقيقة، و عدم كونهما كصلاة الظهر و العصر من كونهما حقيقتين و عنوانين ممتازين كل منهما من الاخر بالقصد، فاذا قصد الظهر تقع الصّلاة ظهرا، و إذا قصد العصر تقع عصرا.

و استفدنا كونهما حقيقتين و عنوانين متميزين كل منهما عن الاخر بالقصد من بعض الروايات الواردة في العدول من العصر الى الظهر، فإن من دخل في العصر بنية العصر فيجب عليه العدول إذا التفت في أثنائها من عدم اتيان الظهر قبل العصر الى الظهر، فمن هنا نكشف عدم كونهما حقيقة واحدة و تمتاز كل منهما عن الاخرى بالقصد، و لهذا من قصد العصر يجب عليه العدول من قصده حتى تصير ظهرا، و إن كانتا حقيقة واحدة فلا يحتاج العدول من العصر الى الظهر الى القصد، بل تقع من رأس ظهرا و ان قصد العصر، لأنه

إن كانتا حقيقة واحدة فلا تنقلبا عما هما عليه من اتحاد الحقيقة.

و أمّا القصر و الإتمام فلا يوجبان تعدد الحقيقة و ليسا عنوانين، بل هما حقيقة واحدة غاية الأمر هما فردان من الصّلاة فرد منه أقصر من الآخر، و الأمر بوجوب القصر لا يوجب اختلاف حقيقة صلاة المسافر من الحاضر، بل الأمر بالقصر إشارة الى انّه يجب في السفر اتيان هذه الحقيقة ركعتان لا أربع ركعات، فعلى هذا و إن قصد القصر و الحال ان الواجب على الشخص كان الإتمام لا يوجب القصد وقوع قصرا و كذلك العكس.

فاذا عرفت كون الصّلاة المسافر و الحاضر حقيقة واحدة، و عدم تعدد

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 163

عنوانهما، و عدم كونهما من العناوين القصدية الّتي تمتاز عما عداها بالقصد.

فنقول: إن في فرضنا و ان كان المفروض ان الشخص قصد الإتمام لعدم بلوغه حين الشروع بحد الترخص، و لكن إذا بلغ بحدّ الترخص حال التشهّد الأوّل أو قبل ذلك يجب إتمام الصّلاة قصرا، لأنه بعد ما لم يكن ما قصد بحسب الحقيقة مغايرا مع ما وجب عليه واقعا فعلا، و عدم تغير حقيقتها بالقصد و صيرورتها متعينة لما قصد، بل مع القصد أيضا قابلة لأنّ تصير هذه الصّلاة صلاة الإتمام كما انّها قابلة لأنّ تصير صلاة القصر.

و من المفروض ان الواجب على المسافر هو ملاحظه ظرف اتيان التكليف في القصر و الإتمام، فان كان في ظرف التكليف غير واجد لشرائط القصر يجب عليه الإتمام، و إن كان واجدا لشرائط القصر يجب عليه اتيانها قصرا، فهو في هذا الحال لبلوغه حدّ الترخص يصير مسافرا واجدا لشرائط القصر، فيجب اتيان قصرا فيجب عليه ان يسلّم بعد التشهّد الأول، لكون تكليفه القصر

في هذا الحال لتوجه أمر (قصّر) به فعلا، و قابلية ما اتى من صلاته لأنّ يصير المأمور به لامر (قصر) فلا اشكال في الاكتفاء بهذه الصّلاة، و اتيانها قصرا و عدم وجوب إتيان صلاة اخرى قصرا.

[نقل كلام العلامة رحمه اللّه فى التذكرة]

اعلم أن سيدنا الأستاد- مد ظله- بعد ما أفاد ما بينا لك من وجوب القصر في هذه الصورة، تعرض مجددا لهذه الصورة، و قال: بأنّه لم يتعرض المسألة إلّا صاحب الجواهر رحمه اللّه و الحاج آغا رضا الهمداني رحمه اللّه، و لكن تعرض لهذه المسألة العلّامة رحمه اللّه في

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 164

التذكرة، و هذه عبارة التذكرة في طي كلامه في حد الترخص «و لو احرم «1» في السفينة قبل أن تسير و هو في الحضر، ثمّ سارت حتى خفي الأذان و الجدران لم يجز له القصر، لأنّه دخل في الصّلاة على تمام» ثمّ قال «مد ظله» بأن المستفاد من كلامه رحمه اللّه هو وجوب إتمام هذه الصّلاة، و عدم جواز قصد القصر و التسليم بعد التشهّد الأول، و أمّا ما ذكر في وجه ذلك من (أنه دخل في الصّلاة على تمام) فإن كان نظره الى حيث قصد الإتمام فلا يجوز له جعلها قصرا.

ففيه ما قلنا من ان الصّلاة قصرا لم تكن طبيعه اخرى غير طبيعة إتماما بل هما من طبيعة واحدة و ليستا من عناوين تتميزان بالقصد حتى يقال: إنه مع فرض قصد التمام ليست هذه الصّلاة قابلة لأن تصير صلاة قصرية، بل كما قلنا هما ليستا من العناوين القصدية حتى ان كلا منهما لا تتميزان بالقصد من الاخرى و لا تنقلبان عماهما عليه بالقصد، بل ان كان تميز بينهما فهو بالقصر و الإتمام، اعني: إذا

سلم المصلي بعد التشهّد الأوّل فتصير الصّلاة قصرا، و إن لم يفعل ذلك بل اتى بالركعة الثالثة و الرابعة ثمّ سلّم بعد التشهّد الثاني فتصير الصّلاة تماما، و ليس القصر و الإتمام كالظهرية و العصرية.

فبعد ذلك نقول: بأن هذه الصّلاة قابلة في حد ذاتها لأنّ تصير قصرا أو لان تصير تماما، و بعد خروجه عن حد الترخص يتوجه عليه أمر (قصّر) فيتمها قصرا و يكتفي بها.

و ما قلنا من عدم كونهما طبيعتين، و عدم كونهما من العناوين القصدية هو

______________________________

(1)- التذكرة، ص 189، التذكرة طبع الجديد ج 4، ص 382، المسألة 628.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 165

الذي يظهر اختياره من جل الفقهاء و من العلّامة رحمه اللّه أيضا.

و لكن يمكن أن يقال في وجه مختار العلّامة رحمه اللّه: بأن ظاهر أدلة وجوب القصر على المسافر مع الضم الى الدليل الدال على اعتبار حد الترخص في وجوب القصر هو وجوب القصر على المسافر إذا بلغ حد الترخص، و بعبارة اخرى بعد ما سأل عن القصر أمر به إذا خفي الأذان أو أمر بالقصر بتواري المسافر عن البيوت هو انك إذا بلغت حد الترخص و أردت اتيان الصّلاة، فيجب عليك إتيانها قصرا، فالدليل بحسب ما يستظهر منه هو وجوب القصر على من بلغ هذا الحد و يجب عليه اتيان الصلاة ركعتين في الصّلاة الظهر و العصر و العشاء، فلسانه هو ثبوت هذا الحكم لمن بلغ هذا الحد و لم يصل صلاة، و أمّا من شرع في صلاته و كان مثلا في التشهّد الأوّل فلا يدلّ الدليل على قصر هذه الصّلاة.

و بعبارة اخرى كما أن من صلّى في بيته و خرج للسفر و بلغ حد الترخص فلا يجب

عليه القصر، كذلك من دخل في صلاته و دخل حد الترخص في ضمن صلاته فلا يشمله الدليل، و لا يقتضي وجوب القصر عليه أن يتم ما بيده من قصرا.

فوجه وجوب اتيانها تماما لا قصرا هو ما استظهرناه من الادلة من عدم شمولها لهذا المورد، و بعد عدم شمول ادلة القصر لهذا المورد فيجب اتيان الصلاة تماما و يكتفى بها، لأنّ من لا يجب عليه القصر يجب عليه التمام.

و ما قلنا من كون القصر و الإتمام طبيعة واحدة، و عدم كونها من العناوين القصدية لا ينافي مع ذلك لأننا مع ذلك نقول: بأنّ ما استظهرناه من دليل القصر عدم شموله لهذه الصورة، لا من باب عدم قابلية المورد، بل لعدم شمول الدليل، فعلى هذا نقول بما اختاره العلّامة عليه السّلام من وجوب اتمام هذه الصّلاة أربع ركعات و الاكتفاء بها

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 166

فإذا قلنا في هذه الصورة بوجوب التمام، فلا يبقى مجال للتكلم في الصورة الّتي قام للركعة الثالثة، أو كان بعد دخول ركوع الركعة الثالثة و وصل الى حد الترخص، لأنّ في كليهما يجب اتيان الصّلاة تماما لعدم شمول أدلة وجوب القصر في السفر الصورة التي صار المسافر واجدا للشرط أعني: بلغ حد الترخص و هو في الصّلاة، بل ادلة القصر على وجوب القصر بعد البلوغ الى حد الترخص لمن لم يصل بعد، فمن تجب عليه الصّلاة عليه أن يأتي بها قصرا و أما من صلى صلاته بتمام قبل ذلك أو شرع في صلاته فيجب عليه اتيانها اتماما، لأنّ كل من لا يجب عليه القصر يجب عليه الإتمام، هذا حاصل ما أفاده مد ظله مجددا «1».

ثمّ إنّه «مد ظله» بعد ذلك قال

في جواب من تمسك في المورد بالاستصحاب:

______________________________

(1)- اقول: و قد اوردت عليه (مد ظله) في مجلس البحث و قلت: كما بينت في اليوم السابق لا يكون القصر و الاتمام طبيعتين مختلفتين، و لا يكونان من العناوين القصدية و حتى لا يوجب القصد المخالف تغيرهما عما هما عليه من الحقيقة، و استفدنا من بيانك الشريف بان القصر و الاتمام لا يتميزان إلا بقصر الصّلاة و اتمامها، فإن اتى المصلي بركعتين تصير الصّلاة قصرا، و إن اتى بأربع ركعات تصير إتماما.

فعلى هذا نقول: بان ظاهر قوله (و اذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع فيه الاذان فقصر) ليس الامر بقصر الصّلاة إلّا اتيانها ركعتين، و ما أتى به من هذه الصّلاة وقعت صحيحة لا يوجب قصد الاتمام جعلها اتماما، بل الاتمام و القصر يحصل بنحو تمامية الصّلاة، فإن أتمها ركعتين فقد قصّر في صلاته، و إن اتمها على اربع ركعات فقد أتم في صلاته، و لا يستفاد من الرواية إلّا جعل الصّلاة قصرا، و هو عبارة عن اتمامها على ركعتين، فيكون مدلولها هو أنك إذا لم تسمع الاذان قصر، فهو في هذا الحال موضوع لهذا الحكم، لأنه لم يسمع الأذان و ما بيده قابل لجعله قصرا، و لان يجعله اتماما، فامر (قصّر) يقتضي اتيانها قصرا، بل نقول مورد توجه الامر على كل من يصلي قصرا هو ليس الا القصر من الصّلاة، و يجعلها قصرا اعني: يتم صلاته على ركعتين، فلا مانع على هذا من شمول ادلة القصر لهذا المورد. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 167

بأنه لا مجال للاستصحاب هنا، أمّا أولا فلانه مع الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة الى الاصل العملي، و ما استظهرناه من وجوب اتيان

الصّلاة تماما هو كان من باب الدليل الاجتهادي، لأنا بعد ما قلنا بعدم شمول ادلة القصر لهذا المورد، فتشمله العمومات الأولية الدالة على أن الصّلاة الظهر و العصر و العشاء أربع ركعات.

و ثانيا انّه لا بدّ في الاستصحاب من وجود قضية متيقنة و مشكوكة و اتحادهما حتى يتعلق الشّك بما تعلق به اليقين، فلا بدّ من اليقين السابق و اللاحق، فنقول: بأنّه ما هو المتيقن في السابق، و اي شي ء هو حتى يحكم ببقائه في حال الشك، لانّ ما توهّم هو اجراء الاستصحاب الحكمي بمعنى انّه كما كان الواجب اتمام هذه الصّلاة الّتي بيده قبل بلوغه الى حد الترخص، كذلك يجب اتمامها بعد البلوغ الى حد الترخص بحكم الاستصحاب.

فنقول: إنه ليس لنا متيقن سابق حتى يستصحب، بمعنى انّه لم يكن المتيقن وجوب إتمام هذه الصّلاة لإمكان كون الواجب قصريا واقعا، لبلوغه في الاثناء الى حد الترخص. «1»

______________________________

(1)- اقول: و لكن يمكن أن يقال: و ان لم اكن جازما باجراء الاستصحاب الموضوعي إنه بعد ان الشّك في شمول ادلة القصر لهذه الصورة و فرض عدم دليل اجتهادي في البين فيقال: إن منشأ الشك ليس الا ان هذا المصلي يكون مصداقا للمسافر الّذي يجب عليه القصر و موضوعا له أم لا لأنه على تقدير وصول النوبة الى الاستصحاب فالشك في أن الدليل الدال على القصر على المسافر يعني (إذا خفي الاذان او توارى عن البيوت) هل هو ظاهر في وجوب القصر لمن يريد ان يصلي بعد صيرورته مسافرا و بالغا حد الترخص، أو يشمل مع ذلك الصورة الّتي صار المسافر بالغا الى حد الترخص و شرع في صلاة قبلا، فمع هذا الشّك لا ندري ما هو موضوع

القصر، فيقال-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 168

[تأييد السيد ره لما قاله العلامة ره في التذكرة]

ثمّ إنّه «مد ظله» عطف عنان الكلام مجددا الى ما اختار موافقا لمختار العلّامة و قال في بيان ما اوردنا عليه: و إن من يقول بشمول ادلة القصر لهذه الصورة إن كان نظره الى ان الاعتبار في القصر هو في زمان يقصر المصلّى بمعنى: انّه بعد ما كان القصر هو القصر من الصّلاة، يعني: ليس القصر إلا اتيان الصّلاة ركعتين، و ليس الإتمام الا اتيانها أربع ركعات، فليس المورد الّذي يتوجه أمر (قصّر) إلا الحال الّذي يمكن تقصير الصّلاة و لا يقصر الا بالتسليم بعد التشهّد الأول، فيكون الاعتبار بهذا الحال ففي هذا الحال إن كان مسافرا يجب القصر و إلا يجب الاتمام و القيام للركعة الثالثة، فمن كان في الصّلاة مثلا و في التشهّد الأوّل و بلغ حد الترخص يجب عليه القصر، لأنه مسافر و المسافر يجب عليه القصر، و هذا محل القصر و الموضوع اعني: ما بيده من الصّلاة قابلا لأنّ يقصر فيها.

فقال بعد بيان الإشكال: بأنّه ننظر بأن العرف مساعد مع أن الظاهر من الدليل الدال على وجوب القصر على من بلغ حدّ الترخص، هو أن كل من سافر و عليه الصّلاة يجب عليه اتيانها و احداثها قصرا، لانّ الظاهر من الدليل هو انّه إذا

______________________________

- بأنّه قبل ذلك لم يصر موضوعا لحكم القصر فكذلك الحال، و اثره عدم وجوب القصر فاذا لم يجب القصر يجب الاتمام، و لا نتمسك في وجوب الاتمام بالاستصحاب، و لم نقل بان مقتضى الاستصحاب عدم كونه موضوع القصر فهو موضوع للتمام، حتى يقال إن ذلك مثبت بل نقول بان وجوب الاتمام كما افاده (مد ظله) غير محتاج الا الى

عدم وجوب القصر، فمن لم يجب عليه القصر للشك في حصول موضوعه يجب عليه الاتمام من باب أن من لم يجب عليه القصر يجب عليه الاتمام، فليس الاتمام محتاجا الى مئونة زائدة حتى يثبت بالاصل و يقال: بان ذلك مثبت فبهذا البيان يمكن اجراء الاستصحاب، و لكن الحق ما افاده من عدم وصول النوبة الى الاصل اصلا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 169

خفى الاذان فيجب القصر يعني ائت بالصّلاة على وجه القصر، أو يدلّ على انك قصر صلاتك، و لا معنى لتوجه الأمر بالقصر الا بعد التشهّد الأول، لأنّ بالسلام بعده يتحقق القصر، فعلى هذا كان الأمر بالقصر على من كان متلبسا بالصّلاة لأنّ به يصحّ الأمر بالقصر لا من لم يشرع بعد في الصّلاة.

لا يمكن أن يقال: باختصاص توجه أمر (قصر) بخصوص من كان في لأنه يشمل من لم يكن في الصّلاة أيضا لوجوب القصر عليه أيضا إذا سار مسافرا و خرج عن حد الترخص، بل لا بد من اعتبار جامع مستفاد من الدليل، و هو أن كل من بلغ هذا الحد يجب عليه القصر، فإن كان مشتغلا بالصّلاة فيقصر هذه الصّلاة، و ان لم يكن مشتغلا بها فيشرع فيها في ظرف وجوبها و يقصر من صلاته.

فهل المستفاد بنظر العرف من دليل القصر هو وجوب القصر على من يصلّي بعد صيرورته مسافرا بالغا حدّ الترخص، أو يشمل لمن كان حتى في الصّلاة و بلغ الحدّ.

و ما يأتي بالنظر هو أن قوله (إذا لم تسمع الأذان فقصر) هو انّك بعد عدم سماعك الاذان قصر من الصلوات الّتي تريد اتيانها بعد هذا الحد، فمن كان شرع في صلاته قبل ذلك الحدّ فغير مشمول لدليل القصر. «1»

______________________________

(1)-

أقول: و لكن لا يحتاج الأمر الى الاتعاب بهذا المقدار، بل نقول: بأن ظاهر الدليل هو الأمر بالقصر ببلوغ حد الترخص، فيجب على كل مسافر القصر، فمن كان في الصّلاة و كان في التشهد الأوّل يسلّم بعد هذا التشهّد فقد قصر صلاته، و من لم يصل بعد يشرع في صلاته و يأتي بالركعتين و يسلم بعدها فهو أيضا قصر في صلاته، كما ترى إنك إذا قلت بخادمين لك حاضرين عندك: بانكما قصّرا في صلاتكما، و كان احدهما في الصّلاة، و الآخر غير مشتغل بالصّلاة-

- فالعرف يفهم من كلامك بأن من كان منهما في الصّلاة يقصر ما بيده من الصّلاة لكونه مأمورا بالقصر، و من لم يشرع في صلاته بعد يشرع و يقصر أيضا لكونه مأمورا بذلك، فالأمر يشمل لكليهما و هما مأموران بهذا الأمر.

ثمّ إنّي نقضت عليه- مد ظله- بما إذا قصد الإقامة في محلّ و شرع في الصّلاة، ثمّ بدا له في الاثناء بأن لا يقيم، فلا اشكال بصيرورته مسافرا بمجرد البداء، لأنّ المستفاد من رواية ابي ولاد المتقدم ذكرها عند الكلام في محل الاقامة، هو وجوب الإتمام ان بقي قصده على اقامة العشرة و صلى صلاة واحدة بتمام، و ان لم يصل صلاة واحدة بتمام و بدا له في الاقامة، فعليه القصر، فهل يمكن اتيان هذه قصرا إذا لم يتجاوز من التشهّد الأوّل بحيث تكون ما بيده من الصّلاة قابلة تصير قصرا لكون تكليفه القصر فعلا، أو يجب اتيان هذه الصّلاة اتماما أو الاحتياط بأن يتم هذه الصّلاة ثمّ يأتى بصلوة اخرى قصرا، فان التزم بوجوب قصر هذه الصّلاة، عليه فنقول نقضا عليكم بعدم الفرق بين المسألتين من حيث تبدل موضوع الإتمام بالقصر،

فكما أن الدليل المثبت للقصر في السفر يشمل هذا المسافر لكونه موضوعا لوجوب القصر كذلك في ما نحن فيه.

فقال- مدّ ظلّه- في جواب ذلك: بأن بين ما نحن فيه اعني: بين ما إذا شرع في الصّلاة قبل بلوغه حدّ الترخص ثم في اثنائها وصل الى الحد و بين ما قلت فيمن قصد الاقامة و شرع في الصّلاة ثمّ بدا له في الاقامة في الاثناء، فرق لأنّ في مورد قصد الاقامة تدلّ رواية ابي ولاد بان من لم يأت بصلوة واحدة بتمام يجب عليه القصر، و لا إشكال في أن هذا الشخص الّذي في الصّلاة ممّن بدا له في الاقامة و لم يصل صلاة واحدة بتمام فيجب عليه القصر، فاذا وجب عليه القصر فبعد كون هذه الصّلاة قابلة لأنّ يجعلها قصرا فيجب عليه ان يقصرها، فوجه وجوب القصر هو شمول ذيل رواية ابي ولاد لهذه الصورة، و أمّا في ما نحن فيه فلا يمكن استظهار شمول ادلة القصر بعد ضمها بما دل على اعتبار حد الترخص لمن كان في الصّلاة و وصل حد الترخص.

أقول، كما قلت في مجلس البحث: بأن رواية ابي ولاد لا تدلّ إلّا على وجوب الإتمام بعد قصد الاقامة إذا حصل البداء بعد اتيان صلاة واحدة بتمام و وجوب القصر إذا لم يأت بصلوة واحدة بتمام، فهى تدلّ على وظيفة المسافر في محل الاقامة بعد البداء، و ان البداء ان كان بعد-

اتيان صلاة واحدة بتمام فيجب الإتمام في ما بعد ذلك متى يكون في هذا المحل، و إذا كان قبل ذلك فعليه القصر متى يكون في هذا المحل (إلّا إذا أقام مترددا في شهر أو ثلاثين يوما في هذا المحل كما يستفاد من

بعض الروايات و مضى الكلام فيه) و نحن نقول بأنّه مع ان الرواية تدلّ على وجوب أن يقصر في ما بعد إذا كان البداء قبل اتيان صلاة واحدة بتمام، و لكن من شرع في الصّلاة في حال قصد الاقامة و بدا له في أثنائها هل يكون ممّن يجب عليه القصر، و بعبارة اخرى تدلّ الرواية على وجوب القصر بعد ذلك إذا كان البداء قبل اتيان صلاة واحدة و لكن هذا الدليل يدلّ على وجوب القصر حتى بالنسبة الى من كان في الصّلاة و بدا له حتى يكون الواجب عليه القصر.

إن قلت: بأن ظاهر الدليل هو وجوب القصر على كل من لم يصل صلاة فريضة واحدة بتمام مع القصد فيجب عليه القصر، و حيث يجب عليه القصر فما بيده من الصّلاة بعد قابليته لصيرورتها إتماما أو قصرا و الفرض عدم بلوغه في هذه الصّلاة من المحل الّذي تقبل لانّ يجعلها قصرا، و توجه عليه أمر القصر، فلا بدّ من أن يجعلها قصرا و يتم صلاته على ركعتين، فتشمل رواية ابي ولاد هذه الصورة على ما استظهرنا منها، و هذا بخلاف ما نحن فيه اعني: ما إذا شرع في قبل بلوغه الى حد الترخص، ثمّ بلغ في اثنائها الى حد الترخص فيجب الإتمام و لا يجب اتمام ما بيده من الصّلاة قصرا، لعدم شمول ادلة القصر له، فالفرق بينهما واضح.

قلت: بأنّه كيف يستظهر من قوله عليه السّلام في رواية أبي ولاد «و ان كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم، فأنت في تلك الحال بالخيار ان شئت فانو المقام عشرة و أتم و إن لم

تنو المقام عشر فقصّر ما بينك و بين شهر الى آخره (وسائل الشيعة: باب 18 من أبواب صلاة المسافر، حديث 1) وجوب القصر حتى بالنسبة الى الصّلاة الّتي شرع فيها حال قصد الاقامة، مع أن الظاهر من قوله عليه السّلام: «فانت في تلك بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا و أتم و إن لم تنو المقام عشرا فقصّر» هو وجوب القصر في ما بعد ذلك، و تقول بأنّه لا يستظهر من قوله: «و اذا كنت في الموضع الّذي لا تسمع فيه الاذان فقصر» وجوب القصر بمجرد عدم سماع الأذان، و كون الواجب القصر في هذا الحال، و الحال ان هذا

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 172

نذكر بعض احكام صلاة المسافر في المسألتين:

المسألة الاولى: لا إشكال في كون القصر في الصّلاة للمسافر الواجد لشرائط القصر عزيمة لا رخصة عندنا إلا في مواضع التخيير على ما يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى، بل هى من ضروريات مذهبنا الامامية و أمّا عند العامة تكون المسألة مورد الخلاف، و المشهور بينهم كون القصر في السفر عزيمة، و قال الشافعي بكون القصر في السفر رخصة، و اختلف أصحابه في انّه بعد كون القصر رخصة في السفر هل يكون القصر أفضل أولا؟ و كون القصر عزيمة كان مسلما عند الصحابة في الصدر الأوّل أيضا حتى أن عثمان بما فعل في منى من إتمام الصّلاة صار مورد الطعن، و على كل حال لا إشكال في كون القصر من الصلوات الرباعية عزيمة عندنا بمعنى:

وجوب القصر في السفر من الصلوات الرباعية مسلما عند الفرقة الحقة الامامية.

______________________________

الشخص الّذي يكون مشتغلا بالصّلاة فبلغ حد الترخص يكون ممّن لا يسمع الاذان، فيجب عليه القصر، و على الفرض

تكون هذه الصّلاة قابلة لأنّ يجعلها قصرا فيجب أن يجعلها قصرا و يتمها على ركعتين.

ثمّ انّه بعد بلوغ الكلام الى هذا المقام حيث تكون رواية على بن يقطين و هى الرواية 1 من الباب 10 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل و هي هذه عن على بن يقطين انّه سئل أبا الحسن الاول عن الرجل يخرج في السفر ثمّ يبدو له في الاقامة و هو في الصّلاة قال يتم اذا بدت له الاقامة.

و رواية محمد بن سهل عن أبيه و هي الرواية 2 من هذا الباب و هي هذه محمد بن سهل عن أبيه قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الرجل يخرج فى سفر تبدو له الاقامة و هو فى صلاته أيتم أم يقصر قال يتم اذا بدت له الاقامة دالة على وجوب اقصر ما بيده من الصّلاة اذا كان ناويا للاقامة عشرة أيام حال الشروع في الصّلاة ثمّ بدا له في أثناء الصّلاة أعنى قصد الخلاف و أنصرف عن الاقامة بانّه يجب قصر هذه الصّلاة فتدلّ الرواية على وجوب قصر ما شرع فى حال وجوب الاتمام فافهم. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 173

و ما ورد في الكتاب الكريم من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ «1» و إن كان بلفظ (لا جناح) الظاهر في حد ذاته في نفس الجواز، و لكن بعد ما ورد في تفسيره في الرواية من المعصوم عليه السّلام بان (لا جناح) في المقام يكون مثل (لا جناح) في قوله تعالى «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمٰا» «2» و لا إشكال بكون المراد من (لا جناح) في

هذه الآية الوجوب لوجوب ذلك في الحج، كذلك (لا جناح) في هذه الآية يدلّ على الوجوب، فلا يبقى مجال للاشكال في أن القصر واجب في السفر في الصلوات الرباعية.

[بعض الروايات التى ذكرها صاحب الوسائل غير مربوطة بالمسألة]

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تبيان الصلاة؛ ج 2، ص: 173

المسألة الثانية: بعد ما ثبت كون القصر واجبا على المسافر بشرائطه المذكورة فإن اتم في سفره مع كون القصر واجبا عليه، فهل تصح صلاته و لا يجب عليه إعادتها أو قضائها، أولا تجزى صلاته بل يجب عليه الاعادة قصرا في الوقت و قضائها قصرا في خارجه، و حيث إن للمسألة صورا مختلفة، و بينها اختلاف من حيث الحكم، فلا بدّ أولا من ذكر الأخبار الواردة في المسألة حتى يظهر حكم كل صورة من هذه الصور ممّا يستفاد من روايات الباب، فنقول:

إن ما ذكره صاحب الوسائل من الروايات في باب 17 من أبواب المسافر تبلغ الى 8 روايات، و لكن ليست رواية 3 من هذا الباب، و هي ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: إذا اتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتم الصّلاة فإن تركه رجل جاهلا فليس عليه اعادة» «3» مربوطة بما نحن فيه، و هي رواية شاذة لعدم نقل عامل بها حتى في موردها إلّا عن نادر مضافا الى وهن

______________________________

(1)- سورة النساء/ الآية 101.

(2)- سورة البقرة/ الآية 158

(3)- الرواية 3 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 174

في سندها.

و كذلك الرواية 6، و هي رواية الّتي تنتهي سندها الى محمد بن اسحاق بن عمار قال: سألت

أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة كانت معنا في السفر، و كانت تصلي المغرب ركعتين ذاهبة و جائية، قال: ليس عليها قضاء» و نقلها في الوسائل و عدّها صاحب الوسائل رواية 7 فهي غير مرتبطة بالمقام، لأنّ كلامنا يكون فيمن أتم في موضع القصر و لا يجب القصر إلّا في الظهر و العصر و العشاء لا في المغرب و لا في الصبح و ليس هناك عامل بهذه لرواية منّا، فتبقى خمسة روايات:

[ذكر الروايات المربوطة بمن أتم فى موضع القصر]

احدها: ما رواه في الخصال بإسناده عن الاعمش عن جعفر بن محمد في حديث شرايع الدين «1» قال: و التقصير في ثمانية فراسخ و هو بريدان، و إذا قصرت افطرت، و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته، لأنه قد زاد في فرض اللّه عز و جل» و يرويها الصدوق رحمه اللّه في الخصال عن الاعمش و تروى عنه العامة، و تخرج منه الرواية في كتبهم الستة، و هو ينقل عن جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام في كتاب جمع فيه شرايع الدين، و لكن ليس الاعتبار في سندها، لأنّ طريق الصّدوق إليه ليس طريقا جيّدا.

و تدلّ هذه الرواية على أن من اتم في موضع القصر لم تجز صلاته، و المستفاد منها هو وجوب الاعادة و القضاء، لأنه زاد في فرض اللّه تعالى، و يشمل اطلاقها النسيان و الجهل بأقسامه، بل يمكن أن يدعى شموله للعمد أيضا جمودا على ظاهره و ان كان مورد الإشكال، لبعد أن يتم أحد عمدا في موضع القصر مع علمه بأنّه غير مجاز، و أن هذا العمل ليس مقربا و إطاعة.

______________________________

(1)- الرواية 8 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 175

الثانية:

ما روي عبيد اللّه بن علي الحلبي (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: صليت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: أعد) «1».

و هذه الرواية تدلّ بظاهرها على وجوب الاعادة إذا اتم المسافر في السفر و اطلاقها بظاهرها يشمل العامة و الناسي و الجاهل.

و يمكن أن يقال: بأن هذه الرواية لا تشمل العامد و الجاهل بالحكم، لأنّ عبيد اللّه لا يتم في السفر عمدا و لم يكن جاهلا بالحكم و هو يسأل عما فعل بنفسه لقوله «صلّيت» فمورد الرواية قضية شخصية، و لا يبعد أن يكون فرض سؤاله هو صورة النسيان كما يناسب ذلك مع السائل، فعلى هذا لا اطلاق لها يشمل صورة العمد و الجهل.

و لكن يمكن أن يقال في جواب ذلك: بأن قول السائل «صليت الظهر الخ» ليس السؤال عما وقع لنفسه، بل تعبيره بهذه العبارة يكون من باب ما يتداول حتى عندنا بأنّه إذا أردنا أن نسأل عن حكم مسئلة، نفرض أنفسنا مورد المسألة، مثلا نقول: وقع الدم على يدى، فليس تعبيره بلفظ «صليت» من باب كون السؤال لنفسه، و الشاهد على ذلك أنّه قال: صليت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: أعد».

فان كنّا نحن و الجمود على ظاهر الكلام فيستفاد من ذلك أن عبيد اللّه صلّى أربع ركعات في السفر، فلمّا صنع كذلك كان أبو عبد اللّه عليه السّلام حاضرا معه في السفر، فسأل عن قصته «فقال عليه السّلام أعدو من البعيد كون الأمر كذلك، فهذا شاهد على أن السؤال يكون مجرد الفرض ليفهم حكم المسألة أو وقع لشخص أخر، فسأل ليفهم

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص:

176

حكمه، و لا أقل من عدم معلومية كون ذلك السؤال سؤالا عن قصة شخصية.

فعلى هذا لا يمكن دفع الاطلاق بأن يقال: إن السؤال يكون عن قضية شخصية و لا يسأل الحلبى عن صورة العمد و الجهل، فعلى هذا إطلاق سؤال السائل و عدم تعرضه بأن وجه إتيانه صلاة الظهر في السفر أربع ركعات كان من باب الجهل، أو العمد، أو النسيان خصوصا مع إطلاق جواب الامام عليه السّلام و ترك استفصاله، دليل على وجوب الاعادة في كل الصور، إذ لو كان بين العمد و النسيان و الجهل فرق من حيث الحكم، كان لازم عليه عليه السّلام الاستفصال أن ما أتى من صلاتك إتماما في موضع القصر كان من باب الجهل، أو العمد، أو النسيان، فمن جوابه بلا استفصال بوجوب الاعادة نكشف من كون الاعادة واجبة في كل الصور.

و لكن نقول مع ذلك كله: بأنّه يمكن دعوى عدم الاطلاق لكون القضية شخصية «1»، و على كل حال ان كان للرواية اطلاق فيكون مفادها مثل رواية اعمش.

[قد أفتى ابن أبى عقيل بوجوب الاعادة مطلقا]

و قد أفتى ابن أبي عقيل المعروف بالعمّاني بوجوب الاعادة إذا أتم في موضع القصر مطلقا في كل الصور في الوقت، و خارج الوقت و لعل كان افتائه بذلك لوصول هاتين الروايتين فقط بيده، و لم تصل بيده رواية عيص بن القاسم و أبي بصير و زرارة و محمد بن مسلم الّتي نتعرض لها بعد ذلك إن شاء اللّه، لأنّ رواية زرارة

______________________________

(1)- أقول: و إمكان أن يكون السؤال لنفسه، و ما قلنا من الشاهد على عدم كون السؤال لنفسه ممّا قلنا، بناء على الجمود بظاهر الرواية و بعد ذلك على ما تلونا عليك، يمكن دفعه لا يستفاد من

الحديث كون السؤال في هذا السفر عنه عليه السّلام حتى بعد ذلك، لأنه قال (و أنا في سفر) فأتى بلفظ السفر منكرا، فيدل على انّه صلّى أربع ركعات في سفر من اسفاره، فسأل بعد ذلك عن حكمه، و أجاب عليه السّلام بقوله «أعد» فعلى هذا لا يستكشف من الرواية اطلاق يشمل حال العمد و الجهل بالحكم أيضا. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 177

و محمد بن مسلم ليستا في الكافي، بل تكونان في تهذيب الشّيخ رحمه اللّه و هو متأخر عنه، و رواية عيص بن القاسم و ان كانت في الكافي، و لكن العماني حيث يكون معاصرا للكلينى بل كان اكبر منه سنا، لم يصل بيده الكافي، فما وصل كانت الأصول المتقدمة، و لم تكن هذه الجوامع الاربعة عند العماني فلم يصل بيده ما تقيد رواية أعمش و عبيد اللّه بن على الحلبى، فأفتى بالاعادة مطلقا.

فما نقول في بعض المواقع: بأنّه لا يمكن الاتكال بفتوى مثل ابن ابي عقيل في قبال امثال الشّيخ مع تبحره و وصول روايات بيده لم يصل بيد أمثال ابن ابي عقيل له وجه، و يظهر من تلك الموارد تمامية كلامنا، و على كل حال هاتان الروايتان على تقدير إطلاقهما تدلّان على الاعادة في الوقت و خارجه في كل الصور إذا أتم المسافر في موضع القصر.

الثالثة: ما رواه الشّيخ عن محمد بن الحسين عن علي بن النعمان- و ما ذكره في الوسائل عن محمد بن الحسين عن محمد بن علي النعمان غير صحيح، لأنه ليس في السند محمد بعد الحسين، بل السند كما نقلناه- عن سويد القلّاء عن أبي أيوب عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن

الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات، قال: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتى بمضي ذلك اليوم فلا إعادة عليه). «1»

و تدلّ هذه الرواية على وجوب الاعادة في الوقت على من أتم في موضع القصر نسيانا، و عدم وجوب الاعادة عليه في خارج الوقت.

و التعبير على ما في الرواية و إن كان تفصيلا في وجوب الاعادة و عدمها بين

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 178

تذكره في ذلك اليوم الّذي نسي الشخص فيه، و بين مضي ذلك اليوم، و لكن هذا لا يوجب الالتزام بأن مراده عليه السّلام هو التفصيل بين مضي ذلك اليوم و بين عدم مضيه، لا الوقت و خارجه، لأنّ الظاهر هو أن من نسي صلاة و أتم فيها هو صلاة اليوم من الظهر و العصر، فجوابه عليه السّلام بأنّه «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا إعادة عليه» كناية عن الوقت و خارجه، يعني إذا تذكر قبل مضي اليوم و كان الوقت باقيا، تجب الاعادة، و إن مضى اليوم و خرج الوقت، فلا تجب الاعادة، فتدل الرواية على التفصيل بين الوقت و خارجه في وجوب الاعادة و عدمها في خصوص الناسي، و لا تشمل غير الناسي لأنّ فرض السائل النسيان لقوله «عن الرجل ينسى».

و لا يمكن أن يقال: بدلالتها على اختصاص هذا التفصيل بالناسي حتى كان اثره انّه إن دل دليل آخر على هذا التفصيل لغير الناسي صار معارضا معها، لأنّ النسيان يكون في كلام السائل لا في كلام الامام عليه السّلام، بل هو عليه السّلام اجاب عما

سأل السائل، و لم يقيّد الحكم في كلامه بكونه ناسيا حتى يقال: بأن مفهوم كلامه يقتضي نفى هذا الحكم و التفصيل في غير الناسي.

ثمّ إن هذه الرواية باعتبار ما يستفاد من ظاهرها تقيد إطلاق الروايتين المتقدمتين الدالتين على وجوب الاعادة في الوقت و خارجه، لأنّ هذه الرواية قيدت وجوب الاعادة بخصوص الناسي في خصوص صورة تذكره في الوقت، و أمّا بعد خروج الوقت فلا تجب الاعادة، فهذه الرواية مقيدة للروايتين الاولتين.

[الرواية الرابعة مفصلة بين الوقت و خارجه]

الرابعة: ما رواه الكليني رحمه اللّه عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صلّى و هو مسافر، فاتم الصّلاة، قال: إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 179

مضى فلا). «1»

و هذه الرواية تدلّ على التفصيل بين الوقت و بين خارجه في الاعادة و عدمها، بأنّه إن أتم المسافر في موضع القصر فإن كان الوقت باقيا يجب عليه الاعادة، و ان خرج الوقت فلا يجب عليه الاعادة، و شمول هذه الرواية للناسي لا إشكال فيه، بل يمكن ادعاء كون مورد سؤال السائل هو خصوص الناسي، و إن اخذ بظاهرها تشمل للجاهل أيضا سواء كان الناسي، أو الجاهل ناسيا، أو جاهلا بالموضوع، أو بالحكم.

و أمّا شمول الرواية للعالم حتى يقال بأن من أتم عالما بالحكم و الموضوع في موضع القصر، يجب عليه الاعادة في خصوص الوقت، لا في خارجه مشكل.

قد يقال: بعدم شمولها للعالم لبعد أن يتم أحد في موضع القصر مع علمه بوجوب القصر عليه، فقوله (رجل صلّى و هو مسافر فاتم الصّلاة) لا تشمل للعالم بل منصرف عنه.

و

لكن قد يقال: بشمول الرواية للعالم أيضا جمودا على ظاهر قوله (رجل صلى و هو مسافر فاتم الصّلاة) فان رجلا أتم الصّلاة و هو مسافر في الرواية أعم من أن يكون إتمامه من باب جهله، او مع علمه، أو نسيانه، و على كل تقدير على فرض شمولها و اطلاقها تصير مقيدة لرواية أعمش و عبيد اللّه، لانّهما تدلّان بإطلاقهما على وجوب الاعادة في الوقت و خارجه، و هذه الرواية تدلّ على الاعادة في خصوص الوقت، فنتيجة الجمع بين الروايتين و بينها هو الاعادة في خصوص ما إذا كان

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 180

الوقت باقيا.

و لعل منشأ أن ابن جنيد الاسكافى أفتى بوجوب الاعادة مطلقا في خصوص ما إذا كان الوقت باقيا، هو وصول رواية اعمش و عبيد اللّه و العيص فقط بيده، و لم تصل إليه رواية زرارة و محمد بن مسلم، و لهذا افتى كذلك، لأنّ رواية زرارة و محمد بن مسلم رواها الشّيخ رحمه اللّه و لم يكن في الكافى ذكر منها، و كان زمانه مقدما على زمان الشيخ رحمه اللّه فما وصل بهذه الرواية.

[الرواية الخامسة فرقت بين العالم و الجاهل]

اشارة

الخامسة: ما رواها زرارة و محمد بن مسلم (قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السّلام رجل صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟ قال: إن كان قرأت عليه آية التقصير، و فسرت له، فصلى اربعا أعاد، و إن لم تكن قرأت عليه و لم يعلمها، فلا اعادة عليه). «1»

و هذه الرواية تدلّ على وجوب الاعادة على من قرأت عليه آية التقصير يعنى: قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ

و فسرت له، و المراد من قوله (فسّرت) هو انّه فسّر له بأن القصر في السفر واجب، و ان المراد من (لا جناح) في الآية ليس الجواز، بل يكون الوجوب، و حاصله هو ان المسافر إن كان عالما بان اللّه جعل التقصير في السفر في قوله في كتابه الكريم، و عالم بأن القصر واجب في السفر، و مع ذلك أتم في سفره فيجب عليه الاعادة، و ان لم يقرأ عليه آية التقصير و لم يعلمها يعنى: يكون جاهلا بأن المسافر شرع له القصر و كان ذلك واجبا عليه، و مع ذلك قصر في سفره فلا إعادة عليه، فهذه الرواية فصلّت و فرّقت بين العالم و بين الجاهل.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 181

فمن كان عالما بوجوب القصر في السفر و مع ذلك أتم في موضع القصر، فيجب عليه الاعادة، و إن كان جاهلا بذلك و اتم في موضع القصر، فلا إعادة عليه.

و ما ورد في صدر الرواية من قوله «قال: إن كان قرأت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلى أربعا اعاد»، هل يكون المراد انّه مع علمه بذلك أتم؟ أو يكون المراد ممّن يتم في موضع القصر مع علمه بوجوب القصر عليه، هو من نسي ذلك الحكم، فعلى الأوّل يحمل على العالم، و على الثاني يحمل على الناسي.

لا يخفى عليك انّه بعد كون إتمام الشخص في موضع القصر مع علمه بعدم صحة اتمامه و وجوب القصر عليه، بعيد لانه مع العلم كيف يتم الشخص في حال علمه بوجوب القصر عليه، و عدم صحة صلاته إن أتمها و كيف يقدم على هذا الأمر، لأنّ غرضه

ليس العناد و المخالفة، فلا بدّ من حمل الصدر يعنى من علم بوجوب القصر و مع ذلك أتم في موضع القصر على الصورة الّتي يكون الشخص ناسيا لهذا الحكم، لأنّه من الممكن أن يكون الشخص عالما بحكم، و لكن خالف هذا الحكم من باب نسيانه هذا الحكم، فيكون المراد ممّن قرأت عليه آية التقصير و فسّرت له، و مع ذلك أتم هو من كان ناسيا لهذا الحكم، فعلى هذا يستفاد من صدر الرواية وجوب الإعادة على الناسي للحكم. «1»

______________________________

(1)- أقول: يمكن أن يكون نظره عليه السّلام بمن كان جاهلا بالخصوصيات بأن يقال: إن العالم تارة يعلم أن اللّه قال «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ» و يعلم بأن القصر يكون على سبيل الوجوب، و لكن لا يعلم خصوصيات هذا الحكم، مثلا لا يعلم بأن القصر الواجب شرّع في اي سفر و ما هو شرط فيه، مثل جهله بأنّه يشترط فيه أن لا يكون السفر معصية و غير ذلك.

و تارة يعلم به و بجميع الخصوصيات.-

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 182

و على كل حال قال- مد ظله- بأن المراد ممّن قرأت عليه آية التقصير و فسرت له هو الناسي، لأنّ المناسب هو هذا كما يدلّ على ذلك ظاهر قوله قرأت عليه آية التقصير و فسرت له، الظاهر في كون القراءة و التفسير له سابقا على إتمامه و هو مناسب مع النسيان، لأنّ الناسي مع علمه سابقا ينسى و يعمل على خلاف علمه نسيانا.

[المراد من صدر الرواية هو العامة ليس فى محله]

و ما يتوهم من كون الصدر ناظرا الى العامة، لأنهم مع علمهم بالآية و مع علمهم بتفسيرها بأن أهل البيت قالوا: بوجوب القصر، مع ذلك يتمون في موضع القصر فكان المراد عن قرأت

عليه آية التقصير و فسّرت له هو العامة، ليس في محله،

______________________________

- و الظاهر من قوله «قرأت عليه آية التقصير و فسّرت» هو الصورة الاولى اعني: من علم بالآية و بتفسيرها بأن المراد من (لا جناح) الوجوب، لأنّ من قرأت عليه آية التقصير و فسّرت له يكون جاهلا بالخصوصيات، فتم في موضع القصر لجهلة بالخصوصيات، مثلا أتم بعد إقامته.

مترددا في موضع مع عدم مضي شهر، لجهله بأن الاتمام لا يجوز إلا بعد مضي الشهر و غير ذلك، فيمكن أن يكون الشخص عالما بوجوب أصل القصر أعنى: التفسير و مع ذلك أتم، و لم يكن إتمامه عنادا و على خلاف ما علمه حتى يقال: بأنّه من البعيد أن يصلي الشخص أربع ركعات مع علمه بوجوب القصر فيحمل الصدر على هذا.

و أما الذيل فالمراد بمن لم يكن قرأت عليه آية التقصير و لم يعلمها هو من يكون جاهلا بالآية و التفسير و الخصوصيات جميعا، و ما احتملنا في الصدر يكون انسب مع الذيل لأنّ الذيل يدل على عدم وجوب الاعادة على الجاهل بالآية و التفسير و الخصوصيات، و لم يعلم بهذه الأمور أصلا، فالصدر يكون مقابل ذلك، و مقابله من يكون عالما و لو ببعض هذه الأمور، و هو من قرأت عليه الآية و فسّرت، فمن يكون كذلك ليس داخلا في الذيل فيجب عليه الاعادة لجهله بالخصوصيات، فعلى هذا يمكن كون المفروض من الصدر هو العالم و يجاب عما قال مد ظله بأن العالم كيف يتم مع علمه بكون الحكم هو الإتمام، بأنّه يمكن أن يكون الشخص مع علمه بوجوب القصر في السفر جاهلا ببعض الخصوصيات. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 183

لبعد كون السائل و كذا الامام عليه

السّلام في مقام بيان وظيفة العامة.

فالمراد من رواية زرارة رحمه اللّه و محمد بن مسلم- بعد ما بينّا ما يستفاد من صدرها و ذيلها- هو الفرق بين العالم و الجاهل، و أن العالم بالآية و بوجوب القصر، يجب عليه الاعادة إذا أتم في موضع القصر، و الجاهل بذلك لا يجب عليه الاعادة، و ظاهر من قوله لا إعادة عليه في الذيل هو انّه لا يجب عليه الاعادة في الوقت و خارجه، فهذه الرواية تدلّ على كون الملاك في وجوب الاعادة و عدم وجوب الاعادة هو العلم و الجهل.

فتعارض هذه الرواية مع رواية العيص الدالة على وجوب الإعادة في الوقت و عدم وجوبها في خارج الوقت، بناء على كون إطلاق لها تشمل الجاهل بالحكم و الناسي للحكم.

بيانه أن رواية العيص على تقدير اطلاقها تدلّ على وجوب الاعادة في الوقت على من أتم في موضع القصر، سواء كان من باب الجهل بكلا قسميه، أو النسيان او العلم، و على عدم وجوب الاعادة في خارج الوقت على من أتم في موضع القصر سواء كان إتمامه من باب الجهل بكلي قسميه، او النسيان او العلم.

و تدلّ رواية زرارة و محمد بن مسلم على وجوب الاعادة على من اتم في موضع القصر عالما مطلقا حتى في خارج الوقت، و على عدم وجوب الاعادة على الجاهل، فيتعارض اطلاق صدرها مع رواية العيص، لأنها تدلّ على الاعادة في الوقت و خارجه لاطلاق قوله أعاد، و الحال أن رواية العيص تدلّ على وجوب الاعادة على العالم و الناسي في خصوص الوقت لا فى خارجه، و تعارض ذيلها أيضا مع رواية العيص لأنّ رواية محمد بن مسلم تدلّ على عدم وجوب الاعادة في الوقت

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 184

و خارجه على الجاهل و رواية العيص تدلّ بإطلاقها الشامل للجاهل بالحكم على وجوب الاعادة في الوقت فيقع التعارض بينهما- فتكون النسبة بينهما عموما من وجه لأنّ كلا منهما أعم من جهة و اخص من جهة اخرى، لأنّ رواية العيص اعم من حيث شمولها للعالم و الجاهل و الناسي، و اخص من اجل اختصاص الاعادة فيها بخصوص الوقت عليهم- و رواية زرارة محمد بن مسلم اعم من حيث عدم الفرق بين الوقت و خارجه لدلالة صدرها على الاعادة مطلقا اعنى: في الوقت و خارجه و دلالة ذيلها على عدم وجوب الاعادة أيضا في الوقت و خارجه و أخص لدلالة صدرها و تعرضها لخصوص العالم بالحكم، و ذيلها لخصوص الجاهل بالحكم.

فرواية العيص أعم موضوعا لشمولها للجاهل و العالم و الناسي، و اخص حكما لاختصاص حكم الاعادة فيها لخصوص الوقت.

و رواية زرارة و محمد بن مسلم أعم حكما لشمولها من باب إطلاقها في وجوب الاعادة للوقت و خارجه، و اخص موضوعا لتعرضها لخصوص موضوع العالم و الجاهل بالحكم.

[في ذكر احتمالات الجمع بين الرواية العيص و زرارة و محمد بن مسلم]

إذا عرفت وجه وقوع التعارض بينهما فما يحتمل في مقام الجمع وجوه، فنورد الاحتمالات أولا ثمّ نختار ما هو الانسب في مقام الجمع فنقول: «1»

الاحتمال الاول: أن يقيد صدر رواية زرارة و محمد بن مسلم و ذيلها برواية العيص، فيقال: بأن ما يستفاد من رواية زرارة و محمد بن مسلم من وجوب الاعادة في الوقت و خارجه على العالم، نقيده بما يستفاد من رواية العيص الفارقة

______________________________

(1)- اعلم ان سيدنا الأستاد- مد ظله- تعرض لهذه الوجوه بنحو الاجمال و انا أذكرها ببيان منّي.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 185

بين الوقت و خارجه فتكون نتيجة الجمع

هو وجوب الاعادة على العالم في خصوص الوقت و عدم وجوب الاعادة في خارجه، و كذلك ذيلها بأن نقيده برواية العيص فتكون نتيجة الجمع وجوب الاعادة في الوقت في الجاهل و عدم الاعادة في خصوص خارج الوقت في حق الجاهل.

فإن قيل في مقام الجمع بهذا النحو، يلزم الغاء رواية محمد بن مسلم من حيث الملاك الّذي اخذ في الحكم، فإن الظاهر منها هو كون تمام الملاك في الاعادة و عدمها هو العلم و الجهل، لا أمرا آخر فإن قيدت برواية العيص و قيل بوجوب الاعادة في خصوص الوقت للعالم بالحكم، و كذا على الجاهل بالحكم و عدم وجوب الاعادة في خارج الوقت في العالم و الجاهل، فيوجب ذلك إلغاء العلم و الجهل من الملاكية من راس، و الحال أن الرواية ظاهرة بل صريحة في أن تمام الملاك هو العلم و الجهل في الوقت و خارج الوقت، فلأجل ذلك لا يمكن الجمع بهذا النحو «مضافا الى أن الالتزام بوجوب الاعادة في الوقت في حق الجاهل مخالف لفتوى المشهور».

الاحتمال الثاني: هو أن يقال في مقام الجمع بحمل رواية العيص و تعرضها لخصوص الجاهل و عدم شمولها للعالم و الناسى أصلا، فعلى هذا لا تعارض بينها و بين صدر رواية زرارة و محمد بن مسلم المتعرّضة لخصوص الناسي على ما بينا، و يقع التعارض بينها و بين ذيل رواية زرارة و محمد بن مسلم المتعرّضة لحكم الجاهل، لأنّ ظاهر رواية زرارة و محمد بن مسلم تدلّ على عدم وجوب الاعادة في الجاهل بالحكم في الوقت و خارجه، و ظاهر رواية العيص تدلّ على وجوب الاعادة على الجاهل في الوقت و عدمها في خارجه، فيقع التعارض بينهما في الوقت،

لأنّ الاولى تدلّ على الاعادة و الثانية على عدمها، و إذا كان كذلك و لم يكن تعارض بينها و بين

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 186

صدر رواية زرارة و محمد بن مسلم بناء على هذا، لعدم شمول لرواية العيص للعالم و الناسي، فيرتفع التعارض، بأن يقيّد ذيل رواية زرارة و محمد بن مسلم رواية العيص، و يقال: بعدم وجوب الاعادة في خارج الوقت و امّا في الوقت فتجب الاعادة على الجاهل فتكون النتيجة هو وجوب الاعادة مطلقا على الناسي للحكم لدلالة صدر رواية زرارة و محمد بن مسلم عليه، و عدم تعارض رواية العيص معها في ذلك بناء على ما ذكر من عدم شمول رواية العيص للناسي و اختصاصها بالجاهل، و وجوب الاعادة في الوقت دون خارجه على الجاهل بالحكم جمعا بين رواية العيص و ذيل رواية زرارة و محمد بن مسلم، فلازم هذا الجمع وجوب الاعادة في الوقت على الجاهل بالحكم.

و المانع من الأخذ بهذا الجمع هو كون نتيجة الجمع مخالفته مع فتوى المشهور لانهم أفتوا بعدم وجوب الاعادة في الوقت و خارجه على الجاهل بالحكم، فلا اشكال في هذا الجمع إلا كون نتيجتها على خلاف فتوى المشهور.

[لا تعارض بين ذيل الرواية زرارة و محمد بن مسلم و رواية العيص]

الاحتمال الثالث: هو أن يقال في مقام الجمع: بأن رواية العيص غير شاملة للجاهل بالحكم أصلا، بل يختص الحكم فيها لغير الجاهل بالحكم إمّا لخصوص الناسي بقرينة رواية ابي بصير المتقدم ذكرها المتعرضة لخصوص الناسي، أو الاعم منه و من الجاهل بالموضوع، و على كل حال يقال: بعدم شمولها للجاهل بالحكم خصوصا مع أن تقييد ذيل رواية محمد بن مسلم زرارة و الالتزام بوجوب الاعادة في خصوص الوقت لا فى خارجه يوجب مخالفة المشهور و هو

مشكل.

فعلى هذا لا تعارض بينها و بين ذيل رواية محمد بن مسلم و زرارة الدالة على عدم وجوب الاعادة للجاهل بالحكم في الوقت و خارجه، لأنه على هذا ليست

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 187

رواية العيص متعرضة للجاهل بالحكم، و يكون التعارض بينهما من جهة صدر رواية محمد بن مسلم زرارة و على ما قلنا من كون الصدر متعرضا للناسي، لبعد كون النظر في الصدر الى العالم بالحكم، لأنّه كيف يتم الشخص مع علمه بوجوب القصر، فلا بدّ من حمل الصدر على الناسي، و بعد الحمل على الناسي فيدل صدر هذه الرواية على وجوب الاعادة على الناسي، حتى في خارج الوقت لشمول قوله فيها «أعاد» للوقت و خارجه، و الحال أن رواية العيص الشاملة للناسي بإطلاقها على وجوب الاعادة في الوقت فقط للناسى، و عدم وجوب الاعادة عليه إذا التفت بعد مضى الوقت فتعارضهما يكون بالنسبة الى الناسي في خارج الوقت.

فنقول في مقام رفع التعارض بأنّه يقيّد صدر رواية محمد بن مسلم و زرارة برواية العيص لكون رواية العيص نص في وجوب الاعادة في الوقت و عدمها في خارجه، بخلاف رواية محمد بن مسلم فانها ظاهرة في وجوب الاعادة في خارج الوقت، لكون دلالتها في ذلك بالإطلاق لأنّ اطلاق «اعاد» بحسب ظهوره يشمل الوقت و خارج الوقت، فيقدم النص على الظاهر في مقام الجمع العرفى، فبهذا النحو يمكن الجمع بين الروايتين لعدم وجود وجه أوجه منه لما عرفت من عدم امكان الجمع بنحو ما مضى في الاحتمال الأوّل و الثاني، فافهم.

[في ذكر الفروع بمناسبة صلاة المسافر]

فروع:

الفرع الاول: هو أن المتقين من رواية محمد بن مسلم و زرارة الدالة على معذورية الجاهل بالحكم و عدم وجوب الاعادة و القضاء عليه،

هو الجاهل الّذي يكون جاهلا باصل مسئلة وجوب القصر في السفر، لا في خصوصياته، فاذا علم باصل مسئلة وجوب القصر و قرأت عليه آية التقصير و فسرت له، و لكنه جاهل

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 188

بخصوصيات هذا الحكم، مثل انّه لا يدرى شرائطه، فهو لم يكن معذورا لعدم الدليل على ذلك.

الفرع الثاني: إذا قصّر الشخص في موضع الاتمام مثل ما إذا قصر قاصد الاقامة في محل الاقامة، فلا تصح صلاته مطلقا و إن وردت رواية على عدم وجوب الاعادة عليه، و هي ما رواها منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول:

إذا اتيت بلدة فازمعت المقام عشرة أيّام فأتم الصّلاة، فان تركه رجل جاهلا فليس عليه إعادة» لا يعمل بها لشذوذها فتجب الاعادة مطلقا في هذا المورد.

الفرع الثالث: لو قصّر في صلاة المغرب جهلا وجب عليه الاعادة مطلقا، و لا يعتنى بالرواية الدالة على عدم وجوب الاعادة عليه في خارج الوقت، و هي ما رواها إسحاق بن عمار (قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة كانت معنا في السفر، و كانت تصلى المغرب ركعتين ذاهبة و جائية، قال: ليس عليها قضاء) «1» لكونها شاذة.

الفرع الرابع: من صام في السفر من باب جهله بالحكم أى: بوجوب الافطار، صح صومه لدلالة روايات على هذا الحكم، فراجع باب 2 من أبواب من يصح منه الصوم من كتاب الصوم من الوسائل.

منها ما رواها عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال: إن كان لم يبلغه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن ذلك فليس

عليه القضاء، و قد أجزأ عنه الصوم). «2»

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 17 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 2 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 189

ثمّ إنّ هنا إشكالا مشهورا فنتعرض له و لدفعه بطريق الاختصار، و نذكر تفصيله في الاصول، فنقول أمّا الاشكال فهو انّه كيف يمكن الالتزام بصحة الصّلاة الّتي اتى بها الجاهل بالحكم تماما في موضع القصر، و الحال أن الصحة متوقفة على الأمر، لأنّه إذا اتى المكلف ما هو المأمور به بما هو المعتبر فيه من الأجزاء و الشرائط يحكم بصحة ما اتى به لكونه موافقا للمأمور به، فالصحة متوقفة على الأمر.

و مع ذلك يحكم باستحقاق هذا المكلف للعقاب على ترك القصر، و الحال أن استحقاق العقاب أيضا متوقف على وجود أمر، لأنه إن كان في البين أمر و خالفه المكلف يصير مستحقا للعقاب فإن أتى المكلف بالمأمور به صحيحا فلا معنى لاستحقاق العقاب، و إن لم يكن امر متعلقا على ما أتى به فلا وجه للصحة، و كذلك لو لم يكن أمر في البين على القصر في الفرض فلا وجه لاستحقاق العقاب على ترك القصر، فليس الحكم بالصحة مع استحقاق العقاب إلا الجمع بين المتنافيين.

و كذلك ليس الحكم بالصحة بالنسبة الى ما اتى به اعنى: اتمامه في صلاته مع الحكم باستحقاق العقاب المتوقف على الأمر بالقصر إلّا الجمع بين المتنافيين، لأنه كيف يمكن كونه مأمورا بالقصر و الاتمام معا، هذا بيان الإشكال بنحو الاجمال، و فى تقريره بيانات ليس هنا مقام ذكرها.

و أمّا الدفع فانّه يقال: أمّا ما ادعى من أن المشهور هو كون الجاهل بالحكم في ما نحن فيه مستحقا

للعقاب على ترك الصّلاة القصرية ممنوع.

أما أولا فلعدم تسلم الشهرة على ذلك، و امّا ثانيا فلعدم كون الشهرة مفيدة في أمثال المقام، فعلى هذا يقال: بأنّه أما الاستحقاق للعقاب فلا وجه له، لأنه بعد اتيان المكلف بما هو مطلوب المولى، فلا وجه بعد ذلك لكونه مستحقا للعقاب.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 190

[الامر فى المورد موجود لان الأمر متعلق بطبيعة الصلاة]

و امّا ما توهّم من عدم كون أمر متعلق بالاتمام حتى لو أتم يكون مجال للحكم بالصحة لأنّ الصحة فرع وجود الأمر، فنقول: إن الامر في المقام موجود لأنّ المأمور به و ما تعلق به الأمر ليس إلا طبيعة الصّلاة، فهنا ليس إلا أمر واحد متعلق بالطبيعة اعنى طبيعة الصّلاة، و هذه الطبيعة ذات أفراد و بعد كون المأمور به هو طبيعة الصّلاة فالقصر و الاتمام ينتزع من نحوة اتيان المكلف، كما قدمنا سابقا في طى كلماتنا، فاذا سلم المكلف على ركعتين ينتزع القصر، و يقال: قصر في صلاته، و إذا سلم على أربع ركعات ينتزع منه الاتمام و يقال: أتم في صلاته، ففي الفرض هذا الشخص الجاهل بالقصر و الاتمام إذا أتى بأربع ركعات فهو اتي بركعتين أيضا غاية الأمر لم يسلم بعد الركعتين.

فإن قلنا بعدم وجوب السّلام اصلا، أو عدم كونه جزء على تقدير كونه واجبا، لا إشكال في انتزاع القصر أيضا من هذه الصّلاة و لو لم يعلم به المكلف، لعدم اعتبار القصد في الأمور الانتزاعية.

و إن قلنا بكون السّلام جزء للصّلاة فأيضا مع اتيانه بركعتين ينتزع القصر من صلاته، غاية الأمر حيث لم يسلّم على رأس ركعتين تكون صلاته مثل التي نسي المصلّى سلامها، فلا إشكال في انتزاع القصر، فعلى كل حال يكون المكلف آتيا بالمأمور به و هي

الطبيعة، و بعد اتيانه بما أمر به المولى فلا وجه لاستحقاق العقاب.

إن قلت: لو تم ما قلت و صحت صلاته في صورة الجهل فلم لا تقول في صورة العمد أيضا لكون الملاك واحد، و الحال انّه لا يمكن الالتزام به.

نقول: يمكن ترتب عنوان آخر ثبوتا على عنوان العمد صار ترتب هذا العنوان مانعا من عدم امكان الحكم بالصحة في صورة العمد، و لو لا ذلك لا مانع من

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 191

الحكم في صورة العمد بالصحة بمقتضى ما قلنا.

و هذا العنوان الآخر يمكن أن يكون الآتى عمدا بأربع ركعات في السفر رادّا لصدقة المولى، كما يظهر من بعض الروايات بأن اللّه تصدق على المسافر بذلك و لم يحب أن ترد صدقته، فافهم.

[في ذكر احتمالات المسألة]

اشارة

الفرع الخامس: إذا دخل الوقت و يكون المكلف مسافرا و لم يصل صلاته حتى دخل أهله، أو دخل عليه الوقت و هو حاضر و لم يصل حتى سافر في آخر الوقت.

فالكلام تارة يقع في ما هو مفاد الادلة الدالة على وجوب القصر على المسافر و الاتمام على غيره، و تارة في أن المناط في وجوب القصر و الاتمام، هو زمان الوجوب أو حال الأداء، و أخرى في ما يستفاد من الروايات الخاصّة الواردة في المسألتين.

فنقول بعونه تعالى:

أمّا الكلام في الجهة الاولى: فيقع الكلام في انّه هل المستفاد من قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ الآية هو أن وجوب القصر مشروط بكون المكلف مسافرا في تمام الوقت، أو يكفى في ذلك كونه مسافرا بقدر اداء الصّلاة، أو تكون الآية من هذا الحيث مجملة لا يستفاد منها شي ء، فلا بدّ على هذا من الرجوع الى

استصحاب الحكم السابق، أو لا بدّ من الرجوع الى الادلة الاولية الدالة على وجوب الاتمام على كل أحد إلّا من يكون خروجه متيقنا، و هو صورة كون المسافر مسافرا في تمام الوقت، وجوه:

إن قلنا بأن مفاد الآية وجوب القصر على كل من كان مسافرا في تمام الوقت،

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 192

فيجب في المسألتين الاتمام، لأنه على الفرض لم يكن مسافرا في تمام الوقت.

و إن قلنا بكون مفاد الآية هو كفاية كون الشخص مسافرا بمقدار أداء في وجوب القصر عليه، فيجب القصر في المسألتين، لأنه على الفرض صار مسافرا بقدر اتيان الصّلاة، لأنه في بعض الوقت في كلتا المسألتين كان مسافرا.

و إن قلنا بكون الآية مجملة من هذا الحيث، فبناء على الرجوع الى استصحاب الحكم السابق، فلا بدّ من الحكم بالقصر في ما كان في أول الوقت مسافرا ثمّ صار حاضرا اعنى: دخله أهله، لأنه إذا دخل عليه الوقت كان الواجب عليه القصر لكونه مسافرا، ففي هذا الحال يشكّ في انّه هل يجب عليه القصر في هذا الحال أو يجب عليه الاتمام لدخوله في وطنه، و على الفرض لم يكن دليل اجتهادى يثبت أحد الطرفين، فالاستصحاب يقتضي وجوب القصر، لأنه كان سابقا قبل طروّ هذا الحال فيمن يجب عليه القصر، فيجرّ الوجوب السابق الى الآن اللاحق.

و يجب عليه الإتمام في المسألة الثانية اعني: إذا كان في أول الوقت حاضرا صار مسافرا، لأنه كان الواجب عليه الاتمام في أول الوقت، ففي هذا الحال يشك في بقاء هذا الوجوب فببركة الاستصحاب يحكم بوجوب الصّلاة التمام عليه.

و أمّا لو قلنا بأنّه بعد عدم دلالة الآية على المسألتين و كونها مجملة من هذا الحيث، لا بدّ من الرجوع الى

الادلة الاولية الدالة على الإتمام على كل أحد إلّا من كان خروجه متيقّنا، ففي المسألتين يجب الاتمام، لأنه كما عرفت القدر المتيقن من الدليل الدال على القصر على المسافر، هو من كان مسافرا في تمام الوقت، فالباقى باق تحت العموم الدال على وجوب الاتمام على كل أحد.

و يحتمل هنا احتمال رابع، و هو تعارض الدليلين- الدليل الدال على وجوب

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 193

القصر على المسافر مع الدليل الدال على وجوب الإتمام على كل أحد- و الرجوع الى التخيير. «1»

أمّا الكلام في الجهة الثانية، اعنى: التكلم في ما هو مناط وجوب القصر و الاتمام، و أنه هل المناط فيه هو كون المكلف مسافرا حين الوجوب أو حين الاداء، فيظهر من الجهة الاولى لأنه إما يستفاد من الآية الشريفة بأن المناط هو زمان الوجوب أو الأداء، أو لا يستفاد منها شي ء، فإن استفيد منها فياخذ بها و إلّا فالمرجع كما قلنا هو استصحاب الحكم الثابت سابقا، و أمّا الرجوع الى الادلة الاولية في غير مورد ما تيقن خروجه منها بالأدلّة الدالة على وجوب القصر في السفر على المسافر فيستفاد من الجهة الاولى حال الجهة الثانية «بل هي عبارة اخرى عن الجهة الاولى لأنّ ما هو مفاد الآية هو عبارة اخرى عن المناط المستفاد من الآية».

أما الكلام في الجهة الثالثة، اعني: ما يستفاد من الأدلة الخاصّة في المسألتين فنقول بعونه تعالى: إنه لا بدّ لنا من ذكر الروايات الواردة في المسألة الاولى من المسألتين، لأنّ لها دخلا في كشف حكم المسألة الثانية.

اعلم انّه لا إشكال في وجوب القصر على المسافر في ما لو صلى في السفر، و لا إشكال في عدم وجوب تأخير الصّلاة على المسافر

حتى يصل الى وطنه، و هذا مسلم و لا يحتمل أحد غير ذلك، و إنما الكلام في ما إذا بلغ المسافر الى وطنه مع بقاء الوقت و أراد أن يصلى في الوقت فنقول:

______________________________

(1)- أقول: و لكن ذكر هذا الوجه يكون على سبيل الاحتمال، و إلّا فلا تصل النوبة الى هذا المقام، لأنه ان كان لدليل القصر لسان يشمل المسألتين حيث انّه خاص، يخصص به الادلة الدالة على وجوب الاتمام على كل احد. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 194

[في ذكر الاقوال فى المسألة من الخاصة و العامة]

إن المشهور بين القدماء و المتأخرين هو وجوب الاتمام.

و قيل بوجوب القصر عليه كما هو المحكى من الذكرى و روض الجنان و عن العلّامة رحمه اللّه في المنتهى و النّهاية.

و قيل بالتخيير بين القصر و الاتمام كما حكى عن ابن الجنيد.

و قيل بالتفصيل بين ضيق الوقت و سعته، فيجب القصر مع ضيق الوقت و الإتمام مع سعته كما حكي ذلك عن الشّيخ رحمه اللّه في مسائل الخلاف.

و قال في السرائر ما حاصله: انّه لم يقل بهذا التفصيل أحد منا و لا من مخالفينا سوى شيخنا أبي جعفر، و هو منه لم يكن اعتقادا بل أو رده ايرادا، هذا ما وصل إلينا من اقوال الخاصّة.

و أمّا العامة فالظاهر إجماعهم على وجوب الاتمام، و الاظهر هو ما ذهب إليه المشهور من وجوب الاتمام بحسب الادلة، فنتعرض للأخبار الواردة في الباب فنقول بعونه تعالى:

الاولى: ما رواها اسماعيل بن جابر «بسند صحيح» (قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يدخل عليّ وقت الصّلاة و أنا في السفر فلا اصلى حتى أدخل أهلى، فقال: صلّ و اتم الصّلاة. قلت: فدخل عليّ وقت الصّلاة و أنا في أهلى أريد السفر فلا اصلى حتى

اخرج، فقال: فصل و قصر، فان لم تفعل فقد خالفت و اللّه رسول اللّه» و رواه الصّدوق باسناده عن اسماعيل بن جابر مثله. «1»

و حلف الامام عليه السّلام في قوله «فان لم تفعل فقد خالفت و اللّه رسول اللّه» يحتمل

______________________________

(1)- الرواية 2 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 195

أن يكون من باب كون القصر عزيمة في السفر، فالمخالفة الّتي تكون مرادا و حلف عليها، هي المخالفة في وجوب القصر على المسافر، لا أن يكون الحلف في انّه لو خالفت ما بينت من الحكم- فيمن كان مسافرا و لم يصل حتى دخل اهله، أو كان حاضرا و لم يصل حتى سافر- في وجوب الاتمام في الأوّل و القصر في الثاني، لبعد ذلك لعدم كون هذا الحكم مشهورا من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حتى تكون مخالفته مخالفة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الثانية: ما رواها بسند صحيح العيص بن القاسم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصّلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصليها، قال:

يصليها أربعا، و قال: لا يزال يقصر حتى يدخل بيته). «1»

الثالثة: رواية محمد بن مسلم (قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصّلاة و هو في الطريق فقال: يصلى ركعتين، و ان خرج الى سفره و قد دخل وقت الصّلاة فليصل أربعا). «2»

فيحمل على أن من اراد أن يدخل اهله لا يجب عليه الصبر الى أن يدخل اهله ثمّ يصلى صلاته اربعا، بل يجوز أن يصلى في الطريق ركعتين و لو كان عالما

يدخل اهله قبل مضى الوقت.

كما ما رواها اسحاق بن عمار (قال سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصّلاة فقال: ان كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، و إن كان يخاف

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 5 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 196

خروج الوقت فليقصر) «1» تحمل على المورد الّذي يريد المسافر أن يقدم من سفره و يدخل اهله، فاجاب عليه السّلام بأنّه ان كان لا يخاف فوت الوقت يعني: يصلي بمنزله قبل فوت الوقت، فعليه الصبر و الاتمام بعد الدخول و إلّا فعليه القصر.

و إن كان الشّيخ رحمه اللّه استند في ذهابه الى التفصيل بين سعة الوقت و ضيقه بالاتمام في الأوّل و القصر في الثاني في بعض كتبه بهذه الرواية، و لكنها محمولة على ما ذكرنا.

و يؤيد ما قلنا بل يدلّ ما رواها محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام) في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصّلاة، فقال: إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل و ليتم، و إن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل و ليقصر) «2» و قوله (فليدخل) دال على عدم وصوله بعد الى موضع يجب عليه الاتمام.

و عليه أيضا يحمل ما روى عن الشّيخ رحمه اللّه بسند صحيح، و هي ما رواها منصور بن حازم (قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصّلاة قبل أن يدخل اهله، فسار حتى يدخل أهله، فإن شاء قصر و إن شاء

أتم و الاتمام أحب الي) «3» يعني: إن شاء لا يدخل اهله و يقصر وجوبا و إن شاء يدخل اهله و يتم وجوبا «4».

______________________________

(1)- الرواية 6 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 8 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 9 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- أقول: و لكن قوله عليه السّلام (فسار حتى يدخل اهله) ثمّ بعد ذلك قال (إن شاء قصر و إن شاء

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 197

فلا يستفاد منها التخيير في السفر كما ذهب إليه أبو علي محمد بن الجنيد الاسكافى البغدادى رحمه اللّه.

و بالجملة فلا منافاة بين صحيحة اسماعيل بن جابر و صحيحة عيص بن قاسم الدالتين على انّه يجب الاتمام بعد دخول المسافر على أهله و بين صحيحة محمد بن مسلم القابلة للحمل على ما ذكرنا مع ما ذكرنا من تأييد بعض الروايات على هذا الحمل، مضافا الى انّه بعد كون روايات محمد بن مسلم رواية واحدة و إن نقلت بطرق مختلفة و إن كان الاختلاف في متنها بحسب اختلاف نقل الناقلين، و لكن بعد كون متن بعض طرق النقل عنه غير معارض مع رواية اسماعيل بن جابر و رواية عيص بن قاسم، فلا وجه لمعاملة التعارض بين رواية محمد بن مسلم و رواية اسماعيل بن جابر و رواية عيص بن قاسم، فلا إشكال في هذه الصورة اعنى: ما اذا بلغ المسافر الى وطنه مع بقاء الوقت و أراد أن يصلي في الوقت في انّه يجب الاتمام عليه.

و أمّا الكلام في ما إذا دخل عليه الوقت و لم يصل ثمّ سافر في الوقت، في انّه هل يجب عليه

القصر بعد ما صار مسافرا في الوقت، أو يجب عليه الاتمام و فيها أيضا اقوال:

[في ذكر بعض الاخبار الدالة على كون المدار بحال تعلّق الوجوب]

المشهور هو ان الاعتبار بحال تعلق الوجوب، و ذهب جماعة من الفقهاء منهم العلّامة رحمه اللّه في أكثر كتبه، الى أن الاعتبار بحال تعلق الوجوب مع ذهابه في المسألة السابقة الى كون الاعتبار بحال الأداء، و عمدة مستندهم الروايات:

______________________________

اتم) ظاهر في أن التخيير يكون بعد الوصول الى منزله و دخوله الى أهله، فالرواية في حد ذاتها تدلّ على التخيير في هذه الصورة، فتامل. (المقرّر).

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 198

الأولى: ما رواها فضالة بن أيوب عن العلاء بن رزين عن محمّد بن مسلم:

(و إن خرج الى سفره و قد دخل وقت الصّلاة فليصل أربعا). «1»

الثانية: ما رواها الحسن بن علي الوشاء (قال: سمعت الرضا عليه السّلام يقول: إذا زالت الشّمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتم، فاذا خرجت بعد الزوال قصّر العصر). «2»

الثالثة: ما رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب جميل بن دراج عن زرارة عن أحدهما عليهما السّلام (أنه قال في رجل مسافر نسي الظهر و العصر في السفر حتى دخل اهله، قال: يصلي أربع ركعات). «3»

الرابعة: ما روى عنه عن احدهما عليهما السّلام إنه قال لمن نسي الظهر و العصر و هو مقيم حتى يخرج (قال: يصلي أربع ركعات في سفره، و قال: إذا دخل على الرجل وقت الصّلاة و هو مقيم ثمّ سافر صلّى تلك الصّلاة الّتي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره). «4»

و يمكن أن يخدش في كلها.

أما الرواية الاولى: فلكونها معارضة مع صحيحة اخرى عن محمد بن مسلم و هي رواية 1 من هذا الباب،

و هي هذه عن محمد بن مسلم في حديث (قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، فقال: إذا خرجت

______________________________

(1)- الرواية 5 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 12 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 13 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 14 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 199

فصلّ ركعتين). «1»

لكونها ظاهرة في انّه يجب القصر مع كون خروجه الى السفر بعد زوال الشمس، مع امكان حمل الرواية الأولى على ما لا ينافى صحيحة اسماعيل بن جابر المتقدمة، «2»- بعد كونها صريحة في كون الميزان و المعيار هو حال الاداء- بأن يحمل على أن المراد من الرواية الأولى، هو انّه إذا أراد الشخص أن يدخل أهله، فيصلى ركعتين قبل دخوله و يصلي اربعا قبل خروجه الى السفر إن اراد الخروج الى السفر.

و أمّا الرواية الثانية: فلاشتمالها على ما لا يمكن الالتزام به، و هو أن الظاهر منها عدم دخول وقت العصر بالزوال حيث قال عليه السّلام فيها: «قصّر العصر»، و الأمر بتقصير خصوص العصر ليس إلّا من باب كون خروجه من منزله قبل دخول وقت العصر، و هذا مع فرض زوال الشّمس لا يساعد الا مع عدم دخول وقت العصر بمجرد الزوال، و هذا مخالف مع مذهب الامامية، و هذا يوجب الوهن في الرواية.

و أمّا الرواية الثالثة: فبعد كون الرواية مروية عن ابن إدريس، و هو ينقل عن كتاب جميل بن دراج نقول: بأنّه لم يثبت عندنا كون هذا الكتاب لجميل بن دراج و هكذا نقول

في الرواية

الرابعة الّتي نقلها المجلسي رحمه اللّه عن كتاب محمد بن الحسن المثنى الحضرمي الّتي تدلّ على ما ذهب إليه العلّامة رحمه اللّه في غير التبصرة.

فعلى هذا نقول: بعد عدم وجود دليل يعارض صحيحة اسماعيل بن جابر

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 200

المتقدمة، و هي الرواية 2 من الباب 21 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل، و على تقدير وجود معارض لها فنقول: لا بدّ من تقديم رواية اسماعيل بن جابر لكونها موافقة للكتاب، و هو قوله تعالى وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلٰاةِ الخ؛ لكون المستفاد من إطلاقها هو وجوب القصر على من يكون متلبسا بالسفر فعلا و كذلك الرواية موافقة مع ما سبق مساق الآية، و هو قوله عليه السّلام: الصّلاة في السفر ركعتان و نحوها، فالاظهر هو كون الاعتبار بحال الأداء بحسب الادلة، فيجب الاتمام في المسألة الاولى و القصر في المسألة الثانية، فافهم.

[لو كان المكلف حاضرا في بعض الوقت و غائبا فى بعض الوقت و لم يصل حتى خرج الوقت فما تكليفه]

الفرع السادس: لو كان المكلف حاضرا في بعض الوقت و مسافرا في بعضه الآخر و لم يصل صلاته حتى خرج الوقت، فيقع الكلام في انّه هل يجب عليه اتيان قضائها اتماما أو قصرا، أو هو مخير بين القصر و الاتمام؟ و بعبارة اخرى هل يجب عليه مراعات حال الوجوب أو حال الاداء، أو هو مخير بينهما؟ فنقول بعونه تعالى:

إنه تارة يقال في الفرع الخامس: بأن الاعتبار يكون على وقت تعلق الوجوب ففي ما نحن فيه أيضا يعتبر مراعات وقت تعلق الوجوب، فان كان في وقت تعلق الوجوب حاضرا يجب عليه قضائها

إتماما، و إن كان في ذلك الوقت مسافرا فيجب قضائها قصرا.

و تارة يقال في الفرع السابق: إن الميزان هو وقت الاداء و لزوم رعاية هذا الحال، فنقول: إنه بعد كون مختارنا في الفرع السابق هو كون الاعتبار بحال الاداء فينبغى أن يتكلم مرة في ما هو مقتضى القاعدة، و اخرى في ما يقتضي الدليل الخاص.

أمّا مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الدليل الخاص، فهو كون الاعتبار بحال

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 201

الفوت، لأنّه بعد كون المكلف مخيرا بالتخيير العقلى بين القصر و الاتمام في الوقت بمعنى: أن له أن يجعل نفسه موضوعا للاتمام اعنى: يتوقف في وطنه و لا يسافر، و له أن يجعل نفسه موضوعا للقصر بأن يسافر في الوقت، ففي آخر الوقت ان لم يصل يتعيّن عليه ما يجب عليه في آخر الوقت، فإن كان حاضرا في هذا الحال كان الواجب عليه الاتمام، و إن كان مسافرا كان الواجب عليه القصر، فعلى هذا يجب عليه في مقام القضاء ما وجب عليه في آخر الوقت لوجوب قضاء ما فات منه، و قبل مضي الوقت ما فات منه صلاة، و قد فات منه ما هو تعين عليه في آخر الوقت، فإن كان في هذا الحال تكليفه الاتمام يجب القضاء اتماما، و إن كان تكليفه القصر يجب عليه قضائها قصرا.

[رد توهم كون المكلف مخيرا بين القصر و الاتمام]

و قد يتوهم أن مقتضى القاعدة هو التخيير بين القصر و الاتمام، لأنّ المأمور به هو طبيعة الصّلاة في هذا الوقت الموسع المحدود بين الحدين، ففي كل جزء من هذا الزمان إذا اتى بهذه الطبيعة فقد امتثل الأمر باعتبار كونه آتيا بالطبيعة لا باعتبار كونه آتيا بالفرد، فكما أن المأمور به إذا كان عملا في

مكان موسع يكون المكلف مخيرا في اتيان هذا العمل في أي جزء من أجزاء هذا المكان، و اذا اتي بالعمل في نقطة من نقاط هذا المكان فقد امتثل الأمر المتعلّق بالعمل في هذا المكان باعتبار امتثاله للأمر المتعلّق بطبيعة هذا المكان، لا باعتبار اتيانه العمل في هذه النقطة من هذا المكان، كذلك في ما نحن فيه، فبعد كونه مخيرا في تمام الوقت في اتيان الطبيعة و لم يأت بها حتى انقضى الوقت، و على المفروض كان المكلف في بعض الوقت مكلف بالاتمام و في بعضه بالقصر لكونه حاضرا في بعضه، و مسافرا في بعضه فكذلك هو مخير في مقام قضاء الطبيعة بين القصر و الاتمام.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 202

و لكن هذا توهّم فاسد:

أما أولا: فلأن كون المكلف مأمورا في الوقت باتيان الطبيعة، و كونه مخيرا في القصر و الاتمام من باب تخييره في جعل نفسه موضوع الاتمام أو موضوع القصر، لا يوجب كونه في مقام القضاء أيضا مخيرا بين القصر و الاتمام، لأنّ تخييره في الوقت كان باعتبار اختلاف حالاته، لأنه في حالة كان حاضرا و في حالة كان مسافرا، فهو قهرا كان في جزء من الوقت مأمورا بالاتمام، و في جزء منه مأمورا بالقصر، و امّا في خارج الوقت فليس له اختلاف حالات حتى يكون باعتباره مخيرا بين الاتمام و القصر.

بل يمكن أن يقال: إن ما قلت من كون وجه التخيير في القضاء هو التخيير في الأداء لكون القضاء تابعا للاداء، يقتضي كون الواجب عليه الاتمام، لأنه بعد كون القضاء تابعا للاداء، و لاجل هذا قلت: بأن التخيير في الاداء يوجب التخيير في مقام القضاء، نقول: إن المكلف يجب عليه الإتمام في الوقت

بمقتضى الادلة الاولية إلا إذا كان في البين خصوصية موجبة للقصر، و المفروض عدم حصول هذه الخصوصية. «1»

و ثانيا: أن المستفاد من الادلة الدالة على أن ما فات من المكلف من الصلوات في الحضر يجب قضائها إتماما و لو في السفر، و ما فات منه في السفر يجب

______________________________

(1)- أقول: ما أفاده مد ظله أخيرا في ضمن الجواب، و ذكرناه في طى قولنا (بل الخ) لا يأتي بالنظر تماميته، لأنه بعد كون المكلف حاضرا في بعض الوقت و مسافرا في بعضه الآخر، و يكون القضاء تابعا للاداء فلم يكون المكلف مكلفا في مقام القضاء بخصوص الصّلاة الاتمامية، فالحق في الجواب هو ما قاله قبل ذلك من أن كون التكليف بالطبيعة في الوقت لا يوجب تخيير المكلف بين القصر و الاتمام في مقام القضاء، فتأمل. (المقرّر)

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 203

قضائه قصرا و لو أن يؤتى بها في الحضر، هو أن المأمور به في القضاء تخصص بخصوصية الاتمامية و القصرية، فلو فرض كون المأمور به حال الأداء هو نفس الطبيعة، كما هو الحق كما قلنا، و لكن هذا غير مناف مع كون التكليف في القضاء مع تعلقه بالطبيعة، تعلق بها و بالخصوصية الاتمامية و القصرية لدلالة أدلة القضاء على ذلك، فعلى هذا لا بد من ملاحظة حال الفوت، و ان التكليف حال الفوت هو خصوص الصّلاة الاتمامية أو القصرية.

و ربّما يقال: بلزوم رعاية أول الوقت، فإن كان في اوّل الوقت حاضرا يجب قضاء الصّلاة إتماما، و ان كان مسافرا يجب قضائها قصرا، بدعوى اجماع الاصحاب من الصدوق رحمه اللّه في رسالته، و المفيد رحمه اللّه و السيد المرتضى رحمه اللّه و الشيخ رحمه اللّه في بعض

كتبه، مستدلا على ذلك بأن اوّل الوقت هو اوّل زمان توجه التكليف على المكلف و وجب عليه، فيستقر عليه ذلك ان لم يأت بعد ذلك ببدله، قياسا ما نحن فيه بالمرأة الحائض، فإن المرأة إذا دخل عليها الوقت و مضى عليها مقدار زمان يسع لأداء الصّلاة مع شرائطها بحسب حالها فحاضت، فيتعين عليها التكليف و يجب عليها القضاء، فبمجرد كونها في اوّل الوقت واجدة للشرائط تعين عليها الصّلاة و إن حاضت بعد ذلك الوقت الّذي كان موسعا بمقدار اداء الصّلاة، فكما أن الاعتبار في توجه التكليف بوجوب القضاء على الحائض يكون باول الوقت كذلك في ما نحن فيه.

و فيه أما أولا: فلعدم تحقق الاجماع بمجرد فتوى جماعة من الفقهاء رضوان اللّه عليهم.

و امّا ثانيا: فنقول: إنه بعد كون الوقت موسعا لم يتعين التكليف عليه بمجرد دخول الوقت، بل هو مخير في كل جزء من أجزاء الوقت بأن يجعل نفسه موضوع

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 204

الاتمام فيتم، أو موضوع القصر فيقصر.

[لا يقاس ما نحن فيه بالحائض]

و قياسه بالمرأة الحائض قياس مع الفارق، لأنّ الحائض تعين عليها التكليف في اوّل الوقت بحسب الواقع في الفرض الّذي تصير حائضا بعد مضي زمان من الوقت يسع لأداء الصّلاة مع كل ما يعتبر فيها بحسب حالها، غاية الأمر هي تتخيل جواز تأخير الصّلاة لكونها محكومة بالحكم الظاهري بجواز تأخير الصّلاة بمقتضى الاستصحاب، فاذا حاضت يكشف عن تعيين الوجوب عليها هكذا، بخلاف ما نحن فيه.

و ربّما يؤيد هذا القول ما رواها موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام (أنه سأل عن رجل دخل وقت الصّلاة و هو في السفر فأخر الصّلاة حتى قدم و هو يريد يصليها إذا قدم إلى اهله،

فنسي حين قدم الى اهله أن يصليها حتى ذهب وقتها، قال: «يصليها ركعتين صلاة المسافر، لأنّ الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغى له أن يصلي عند ذلك»). «1»

و لكن نسبة الوقف الى موسى بن بكر الواسطي الراوي عن زرارة- على ما حكي عن الشّيخ رحمه اللّه في الفهرست و الرجال، و كذا عن العلّامة رحمه اللّه في الخلاصة- تجعل الرواية موهنة، و مجرد عدم تعرض النجاشي و الكشي لمذهبه لا يصير دليلا على كونه إماميا كما قيل «القائل المامقاني في رجاله».

و على فرض كون المستفاد من عدم تعرضها كونه اماميا في نظر هما فنقول:

إنّه بعد كون كلام الشّيخ رحمه اللّه و العلّامة رحمه اللّه صريحا في كونه واقفيا لا بد من تقديم كلامهما

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 21 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 205

على كلام النجاشى و الكشى، لكون كلام الشّيخ و العلّامة صريحا، فيقدم على ما هو المفهوم من كلامهما، مضافا الى عدم معروفية العمل بهذه الرواية من الاصحاب رضوان اللّه عليهم.

و احتمال كون منشأ فتوى من أفتى على ما يطابق مضمونها، هو كون مضمونها موافقا للقاعدة بنظره كما هو صريح كلام ابن إدريس رحمه اللّه في السرائر، فافهم.

ثمّ إنّه قد يستعان بهذه الرواية للقول بالتخيير و يقال: إن قوله عليه السّلام في ضمن الرواية «كان ينبغى له أن يصلي عند ذلك» دليل على التخيير، لأنه لم يقل كان يجب أن يصلي عند ذلك.

و فيه انّه يمكن أن يكون وجه أولوية أداء الفريضة في أول وقتها، و لو لم يكن على سبيل الوجوب، موجبا لتعين رعاية اوّل الوقت في مقام القضاء، كما ان هذا ظاهر استدلال الامام

عليه السّلام، لأنه عليه السّلام بعد ما بين ان الواجب هو قضاء الصّلاة قصرا عليه علل ذلك بقوله «لان الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغى له أن يصلي عند ذلك».

إذا عرفت كل ذلك فهمت انّه لا وجه للالتزام بتعين رعاية اوّل الوقت، و كذا لا وجه للتخيير إلا بمقتضى توهّم كونه موافقا للقاعدة، و قد بينا ما هو الحق بمقتضى القاعدة، فلا شبهة للزوم مراعات وقت الفوت في مقام القضاء، فإن كان حال الفوت حاضرا يجب قضائها إتماما، و إن كان مسافرا حال الفوت يجب قضائها عليه قصرا، و إن كان لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القصر و الاتمام.

و أمّا ما يتراءى من بعض الكلمات بأن الاحتياط يقتضي مراعات آخر

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 206

الوقت كما عن بعض، أو مراعات اوّل الوقت كما عن بعض آخر، فلا نعلم له وجها، فافهم.

خاتمة: قد مرّ مما بينا في مباحثنا السالفة في صلاة المسافر أن مذهب الامامية رضوان اللّه عليهم تبعا لأئمتهم عليهم السّلام، استقر على تعيين القصر على المسافر إلّا ما خرج و بيناه في طى مباحثنا السابقة.

[المشهور من زمان الشيخ هو تخيير المسافر فى الاماكن الاربعة]

و لكن المشهور من زمان الشّيخ رحمه اللّه هو تخيير المسافر في الأماكن الاربعة إلّا من صاحب المدارك رحمه اللّه، فخص التخيير بخصوص الحرمين، و عن السيّد المرتضى رحمه اللّه وجوب الاتمام فيها، و عن الصّدوق رحمه اللّه انّه لا فرق بين الاماكن، و حمل الروايات الدالة على جواز الاتمام بل استحبابه على استحباب نية الاتمام «بان ينوي المسافر في هذه المواضع الاربعة مقام عشرة ايام»، و تبعه من متأخرى المتأخرين الوحيد البهبهاني رحمه اللّه و السيد البحر العلوم رحمه اللّه.

و يمكن أن يكون مستند الصدوق

رحمه اللّه و من تبعه شهرة اتيان الصّلاة قصرا في زمان أصحاب الأئمة عليهم السّلام، كما نقل عن الشّيخ أبي جعفر محمد بن قولويه رحمه اللّه عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه المتوفي سنة 300 عن أيوب بن نوح وكيل الهادى عليه السّلام انّه قال:

أنا اقصر، و هو نقل عن صفوان بن يحيى المتوفى سنة 208 الّذي هو من أصحاب الاجماع انّه كان ممّن يقصر، و يشهد بذلك روايتان:

الأولى: ما رواها علي بن مهزيار (قال: كتبت الى أبي جعفر الثاني عليه السّلام أن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الاتمام و التقصير للصّلاة في الحرمين، فمنها ان يأمر بتتميم الصّلاة، و منها أن يأمر بقصر الصّلاة بأن يتم الصّلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصر ما لم ينو عشرة أيام، و لم ازل في الاتمام فيها الى أن صدرنا في حجنا في

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 207

عامنا هذا، فإن فقهاء أصحابنا اشاروا إليّ بالتقصير إذا كنت لا انوى مقام عشرة أيام، فصرت الى التقصير و قد ضقت بذلك حتى اعرف رأيك، فكتب إليّ عليه السّلام بخطه:

قد علمت يرحمك اللّه فضل الصّلاة في الحرمين على غيرهما، فانا احبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصر و تكثر فيهما من الصّلاة، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: انّى كتبت أليك بكذا و اجبتنى بكذا، فقال: نعم، فقلت: اى شي ء تعنى بالحرمين؟ فقال:

مكة و المدينة الحديث). «1»

وجه الدلالة قول الراوى «فإن فقهاء أصحابنا أشاروا إليّ بالتقصير» فإن كلامه ظاهر في أن المشهور عند فقهاء الأصحاب هو القصر فيهما ما لم ينوي مقام عشرة أيام.

الثانية: ما رواها احمد بن محمد بن عيسى عن على بن حديد

(قال: سألت الرضا عليه السّلام فقلت: إن اصحابنا اختلفوا في الحرمين فبعضهم يقصر، و بعضهم يتم، و أنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام، و ذكرت عبد اللّه بن جندب انّه كان يتم، فقال: رحم اللّه بن جندب، ثمّ قال لى: لا يكون الاتمام إلا أن تجمع الى اقامة عشرة أيام، وصل النوافل ما شئت، قال: ابن حديد و كانت محبتى أن تأمرنى بالاتمام). «2»

وجه الدلالة انّه يظهر من صدر الرواية كون القصر معروفا عند الاصحاب، و لا مجال لأنّ يقال: إن الشهرة قائمة على جواز الاتمام، لأنّ هذه الشهرة تكون بين المتأخرين، و الشهرة عند القدماء مقدمة عليها.

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 33 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 208

و لكن الاقوى مع ذلك كله و ما هو الاظهر، ثبوت أصل الحكم في الجملة لأنّ فقه الامامية من زمان أبي جعفر الباقر عليه السّلام، و هو اوّل زمان وجد فيه الفقهاء، و صنف الكتب الفقهية كان باقيا الى زمان مصنفى الكتب الاربعة و الاصحاب رضوان اللّه عليهم في كل زمان أخذوا طبقا بعد طبق و خلف بعد خلف، و هذه الروايات أخذ كل لاحق من سابقة الى زمان الامام عليه السّلام، تدلّ على أن الحكم كان ثابتا في الجملة.

[منشأ اختلاف الاقوال اختلاف الاخبار]

و منشأ اختلاف الاصحاب كان اختلاف بيانات الأئمة عليهم السّلام، و لعل سر اختلاف بياناتهم عليهم السّلام كان من باب بنائهم على عدم إفشاء هذا الحكم الّذي لا يعلمه إلا الراسخون في العلم، كما يشير إليه، بل تدلّ عليه بعض الروايات:

منها ما رواها حماد بن عيسى عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام (انه قال: من مخزون علم اللّه الاتمام في أربعة مواطن: حرم اللّه، و حرم رسوله، و حرم امير المؤمنين عليه السّلام، و حرم الحسين بن علي عليه السّلام). «1»

و منها ما رواها مسمع عن أبي ابراهيم عليه السّلام (قال: كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما و يقول: إن الاتمام فيهما من الأمر المذخور). «2»

و منها ما رواها معاوية بن عمار (عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن من الأمر المذخور الاتمام في الحرمين). «3»

و منها مرسلة حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (قال: من الأمر المذخور اتمام الصّلاة في أربعة مواطن: بمكة، و المدينة، و مسجد الكوفة،

______________________________

(1)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 25 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 209

و الحائر). «1»

و غيرها من الروايات، فالاخبار على ذلك مستفيضة، بل متواترة، فلا مجال للاشكال في أصل الحكم. «2»

فاصل الحكم في الجملة مسلم و انما الكلام في جهة اخرى و هو تعيين حد المواضع الأربعة ففيها مسائل:

المسألة الأولى: في ما هو راجع الى الحرمين، فنقول: إن لسان الروايات مختلفة.

فمنها ما عبر فيها بالحرمين، أو الحرم و هو اكثرها مثل «3» ما رواها مسمع «4»، ما رواها علي بن مهزيار «5»، و ما رواها عبد الرحمن «6»، و ما رواها زياد القندي «7»، و ما رواها محمد بن ابراهيم الخضيني «8»، و ما رواها عثمان بن عيسى «9»، و ما رواها

______________________________

(1)- الرواية 29 من الباب 25 من

ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- أقول: و الدليل على تخيير المسافر في هذه الامكنة بين القصر و الاتمام هو بعض الروايات مثل الرواية 9 و 10 من هذا الباب، و على كون الاتمام افضل أيضا بعض الروايات مثل الرواية 10 من هذا الباب و غيرها. (المقرّر).

(3)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 2 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(5)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(6)- الرواية 6 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(7)- الرواية 13 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(8)- الرواية 15 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(9)- الرواية 17 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 210

عمر و بن مرزوق «1»، و ما رواها قائد الحناط «2»، و ما رواها علي بن حديد «3»، و ما رواها معاوية بن وهب «4»، و غيره من هذا الباب. «5»

و منها ما عبر فيها بلفظ مكّة و المدينة، مثل الرواية 3 من هذا الباب، و 5 و 7 و 8 و 9 و 15 و 29 و 27 من هذا الباب.

و منها ما عبر فيها بلفظ المسجد، مثل الرواية 11 و 14 و 22 و 23 و 24 و 25 من هذا الباب.

[فى مقام الجمع بين الروايات الواردة]

إذا عرفت حال الروايات الواردة في الباب نقول: إنه يمكن أن يقال على سبيل الاحتمال: بأن يجمع بين هذه الطوائف الثلاثة من الروايات بجواز العمل و الاخذ بكل منها، بأن يجعل ظهور كل من الطوائف قرينة على رفع اليد عن ظهور كل من الطائفتين

الآخرتين، مثلا يقال بمقتضى ظهور الروايات المصرّحة فيها بلفظ المسجد برفع اليد عن ظهور ما يدلّ على كون الحد الحرم أو مكّة و المدينة، و ان المراد منها هو المسجد، و هكذا يقال في كل من الطائفتين الآخرتين.

و ما ينبغى أن يقال في مقام الجمع بين الروايات الّتي فيها ذكر الحرمين و بين ما فيها ذكر مكّة و المدينة: بأن المراد أيضا ممّا فيه ذكر الحرم أو الحرمين هو مكّة و المدينة كما يشهد بذلك الرواية 4 من الباب المذكور، فإن في ضمنها بعد ما قال علي بن

______________________________

(1)- الرواية 30 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 31 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 33 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 27 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(5)- الرواية 17 و 20 و 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 211

مهزيار «اى شي ء تعنى بالحرمين» قال أبو جعفر عليه السّلام «مكة و المدينة»، فإن هذه الرواية صريحة في أن المراد من الحرمين هو مكة و المدينة، فبقرينة هذه الرواية يرتفع التعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات.

و بعد كون المراد من الطائفتين بعد الجمع هو مكّة و المدينة، يقع الكلام في كيف يمكن التوفيق بين هذه الروايات الّتي يكون مفادها أن الحكم ثابت لمكة و المدينة و بين ما يدل على ثبوت الحكم في خصوص المسجدين.

فنقول: لما لم يكن في البين ما يدلّ على تعدد الحكم هو اتحاد الحكم في المقام غاية الأمر متعلق هذا الحكم الواحد إما يكون مكّة و المدينة و إما

يكون المسجدين.

و حيث لا يمكن الجمع بينهما بحمل الروايات الدالة على أن الحكم ثابت في المسجد على الاستحباب المؤكد و حمل الروايات المعبر فيها مكّة و المدينة على مرتبة من الاستحباب، يمكن أن يقال: بأن الاحوط هو الاقتصار في هذا الحكم بخصوص المسجدين.

لانّ الروايات الدالة على كون الحكم في مكّة و المدينة و إن تكن ظاهرة في كون متعلق الحكم هو مكّة و المدينة، لكن من المحتمل كون المراد منهما و التعبير بهما خصوص المسجد، و بعد هذا الاحتمال حيث يكون الحكم بالتخيير في المواضع الاربعة خلاف القاعدة، لأنّ القاعدة الاولية وجوب القصر على المسافر، فالاحوط الاقتصار على خصوص المسجدين، بل يمكن أن يكون هذا اقوى من باب كون الدوران في المقام بين التعيين و التخيير.

إلا أن يقال: بأن الروايات المصرحة فيها لفظ مكّة و المدينة، مع عدم اجمالها

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 212

و كثرتها خصوصا الرواية الّتي ما رواها علي بن مهزيار «1» تكون كالنص في الاطلاق، و سريان الحكم الى تمام مكّة و المدينة سواء كان المسجد أو غير المسجد من مكّة و المدينة و مفسرة لباقى الروايات.

و لكن يمكن أن يقال في ردّ ذلك: بأنّه بعد ما احرز وحدة الحكم كما ذكرنا تكون الروايات المصرحة فيها لفظ مسجد الحرام و مسجد الرسول أقوى ظهورا من الروايات المصرحة فيها الحرمين، لأنّ منشأ ظهور الروايات المصرحة فيها بالمسجد هو الخصوصية الّتي صارت دخيلة فيها، و هي خصوصية المسجدية، و هذه الخصوصية أمر وجودى، و امّا منشأ ظهور الروايات المصرحة فيها مكّة و المدينة في كون تمام الموضوع في الحكم هو مكّة و المدينة بدون خصوصية، لخصوص المسجد هو أمر عدمى، لأنّ هذا الظهور

لم يحصل إلا عن عدم ذكر المسجد، فعلى هذا يكون ظهور الأوّل اولى من الثاني، لأنّ الظهور الناشئ من الأمر الوجودى أقوى من الظهور الناشئ من الأمر العدمى، فافهم.

[الكلام فى المراد من الكوفة]

المسألة الثانية: في ما هو راجع الى الكوفة، فنقول بعونه تعالى: إن الروايات على ثلاثة أنحاء منها المعبر فيها بلفظ الكوفة مثل ما رواها زياد القندى. «2»

و منها المعبر فيها بالحرم مثل ما رواها حماد بن عيسى. «3»

______________________________

(1)- الرواية 4 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 13 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 213

و منها المعبر فيها مسجد الكوفة مثل ما رواها عبد الحميد خادم اسماعيل «1»، و ما رواها حذيفة بن منصور «2»، و ما رواها ابو بصير «3»، و مرسلة حمّاد. «4»

و الظاهر ان المراد من حرم امير المؤمنين عليه السّلام أيضا هو الكوفة، أو خصوص مسجد الكوفة سمي حرما لاحترامه بخلافة امير المؤمنين عليه السّلام.

و امّا الكلام في الكوفة كالكلام في الحرمين، و القول بالاقتصار في الحكم بخصوص مسجد الكوفة أقوى لكثرة الروايات، و كون الحكم على خلاف القاعدة كما قلنا:

المسألة الثالثة: في ما هو راجع الى حائر الحسين عليه السّلام

روحي له الفداء، فالامر اشكل لاختلاف التعبيرات.

ففي بعضها التعبير بحرم الحسين عليه السّلام، مثل ما رواها «صحيحة» حماد بن عيسى. «5»

و ما رواها حذيفة بن منصور «6»، و ما رواها أبو بصير «7».

و في بعضها التعبير بقوله «عنده» مثل ما رواها ابو شبل. «8»

______________________________

(1)- الرواية 14 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 23 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 25 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(4)- الرواية 29 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(5)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(6)-

الرواية 23 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(7)- الرواية 25 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(8)- الرواية 12 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 214

و في بعضها بقوله «عند قبر الحسين» عليه السّلام مثل ما رواها الزياد القندى «1»، و مرسلة ابراهيم بن ابي البلاد. «2»

و في بعضها التعبير بلفظ (الحائر) مثل مرسلة حماد بن عيسى. «3»

و لم يقع في الفتاوى إلا الاخير أعنى (الحائر) و سمي مزاره المقدس حرما لاحترام التربة الشريفة بوقوع شهادته عليه السّلام فيها، و الظاهر أن لفظة (عند) في قوله عند قبر الحسين عليه السّلام، أو (عنده) من الالفاظ الّتي تكون مقولة بالتشكيك.

و يطلق الحائر على الأرض المنخفضة المطمئنة، و على ما دار عليه سور المشهد و المسجد، و على ما تحير فيه الماء و لم يخرج.

و هل يكون المراد من الحائر هو المعنى الأوّل باعتبار أن محل شهادته كان منخفضا و أطرافه مرتفعا في غير جهة القبلة.

أو يكون المراد ما دار عليه سور المشهد و المسجد من باب أن البناء الّذي بنى عليه في زمان الصادق عليه السّلام كان مسجدا، و هو اوّل بناء بني عليه، ثمّ خربه هارون الرشيد، ثمّ بناه ابنه الامين، ثمّ خربه المتوكل أربع مرات، ثمّ بناه المعتصم، و هكذا يخربونه و يبنونه مرة بعد اخرى.

أو يكون المراد من الحائر موضع تحير الماء عند قبره الشريف، و عدم تجاوزه كما قيل، وجوه لا سبيل لنا الى تعيين أحدها، و طريق الاحتياط هو الاقتصار على

______________________________

(1)- الرواية 13 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(2)- الرواية 22 من الباب 25 من

ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- الرواية 29 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 215

القدر المتيقن.

ثمّ انّه قد يطلق عليه الحير أيضا كما ينادى بذلك ما رواه الكلينى رحمه اللّه «1» في الكافى عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أبي هاشم الجعفري قال: بعث إليّ ابو الحسن عليه السّلام في مرضه و إلى محمد بن حمزة فسبقني إليه محمد بن حمزة و أخبرني محمد ما زال يقول: ابعثوا الى الحير، ابعثوا الى الحير، فقلت لمحمد: ألا قلت له: أنا اذهب الى الحير، ثمّ دخلت عليه و قلت له: جعلت فداك أنا أذهب الى الحير؟ فقال:

انظروا في ذلك (الى أن قال) فذكرت ذلك لعلي بن بلال فقال: ما كان يصنع بالحير و هو الحير فقدمت العسكر فدخلت عليه فقال لي: اجلس حين اردت القيام فلمّا رأيته انس بي ذكرت له قول علي بن بلال فقال لى: ألا قلت له: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يطوف بالبيت و يقبل الحجر و حرمة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و المؤمن اعظم من حرمة البيت و أمره اللّه عز و جل أن يقف بعرفة، و انما هي مواطن يحب اللّه أن يعبد فيها، فأنا أحب أن يدعى لي حيث يحب اللّه أن يدعى فيها الخ الحديث» و في آخر الحديث كما فى الكافى (هذه الفاظ ابى هاشم ليست الفاظه).

[في ذكر الروايات الدالة على تعيين الحرم]

و امّا الحرم و ان وقع التعبير به في صحيحة حماد بن عيسى «2»، إلا أن الروايات في تعيين مقدار الحرم عن الأئمة عليهم السّلام مختلفة، ففي مرفوعة منصور بن العباس رواها

الشيخ رحمه اللّه «3» الى أبي عبد اللّه قال: حرم الحسين فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر».

______________________________

(1)- الرواية 3 من الباب 76 من ابواب المزار من الوسائل.

(2)- الرواية 1 من الباب 25 من ابواب صلاة المسافر من الوسائل.

(3)- التهذيب، ج 6، ص 72، ح 4؛ الرواية 2 من الباب 67 من ابواب المزار من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 216

و في رواية اسحاق بن عمار «1» قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إن لموضع قبر الحسين عليه السّلام حرمة معلومة من عرفها و استجار بها اجير، قلت: فصف لي موضعها قال: امسح من موضع قبره اليوم خمسة و عشرين ذراعا من قدامه، و خمسة و عشرين ذراعا عند راسه، و خمسة و عشرين ذراعا من ناحية رجليه، و خمسة و عشرين ذراعا من خلفه، و موضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنة الحديث».

و رواه ابن قولويه في المزار، و روى الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد و احمد بن محمد جميعا عن الحسن بن محبوب مثله.

و روى الصّدوق في ثواب الاعمال مثله، إلا انّه زاد و خمسة و عشرين ذراعا مما يلى وجهه، هكذا في الوسائل.

و في الصحيح عن عبد اللّه بن سنان «2» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: سمعته يقول:

قبر الحسين عليه السّلام عشرون ذراعا مكسرا روضة من رياض الجنة».

و مع وجود اختلاف هذه التعبيرات لا يعلم أن المراد أي مقدار من هذه المقادير و إن كان نفس كل من هذه الروايات غير معارضة مع الاخرى لإمكان حملها على اختلاف المراتب، فالقدر المتقين هو كون حد حرمه الشريف عشرون ذراعا مكررا كما هو مفاد

الرواية الاخيرة.

و هل يكون هذا المقدار محاط بالحرم الشريف فعلا، أو بقى منه شي ء كل محتمل

______________________________

(1)- الكافي، ج 4، ص 588، ح 6؛ الرواية 3 من الباب 67 من ابواب المزار من الوسائل.

(2)- التهذيب، ج 6، ص 71، ح 2؛ الرواية 6 من الباب 67 من ابواب المزار من الوسائل.

تبيان الصلاة، ج 2، ص: 217

و حيث إن الحكم استحبابى فالاحتياط في كل مورد شك فيه متعين للزوم تحصيل اليقين بالبراءة.

هذا تمام الكلام في امهات المسائل الراجعة الى صلاة المسافر، و عليك باستخراج الفروع الغير المذكورة.

و هو من جملة ما استفدت من بحث سيدنا الاعظم و أستاذنا المعظم الّذي انتهت إليه الرئاسة في هذا العصر آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائى البروجردي متع اللّه المسلمين بطول بقائه مع بعض ما خطر ببالى القاصر و انا العبد الذليل علي الصافي الكلبايكاني و الحمد للّه أولا و آخرا على حسن التوفيق و صلى اللّه على رسوله و على آله و نسأله التوفيق و البلوغ الى المراتب العالية العلمية و العملية.

تمّ بحمد اللّه و منّه الجزء الثاني من كتاب تبيان الصّلاة المشتمل على مباحث قواطع السفر

________________________________________

بروجردى، آقا حسين طباطبايى، تبيان الصلاة، 8 جلد، گنج عرفان للطباعة و النشر، قم - ايران، اول، 1426 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.