سرشناسه : انطاكي، داودبن عمر، - ق 1008
Antaki, Davoud ebn Omar
عنوان قراردادي : [تذكره اولي الباب و الجامع للعجب العجاب]
عنوان و نام پديدآور : ...Dawud ibn Umar al - Antai: Tadhkirat ulit - albab/ [for] Institute for the History of Arabic - Islamic Science at the Jahann Wolfgang Goethe Umirersity
مشخصات نشر : Frankfurt: Johann Wolfgang Goethe University, 1997 = 1376.
مشخصات ظاهري : ص 276
فروست : (Islamic Medicine; V. 85)
(اسلاميك مديسين؛ ج. 85(Islamic Medicine; V. 85)(
وضعيت فهرست نويسي : فهرستنويسي قبلي
يادداشت : ص. ع. به عربي: تذكره اولي الباب و الجامع للعجب العجاب [و بهشامته كتاب] النزهه المبهجه في تشحيذ الاذهان و تعديل الامزجه: لداودبن عمر الانطاكي: الجزآ الثالث.
عنوان ديگر : ...Dawud ibn Umar al - Antai: Tadhkirat ulit - albab
عنوان ديگر : تذكره اولي الباب و الجامع للعجب العجاب
عنوان ديگر : النزهه المبهجه في تشحيذ الاذهان و تعديل الامزجه
آوانويسي عنوان : )داودبن عمر الانطاكي: تذكرت اولي الباب }(...{
موضوع : پزشكي اسلامي -- متون قديمي تا قرن 14
موضوع : پزشكي سنتي -- متون قديمي تا قرن 14
رده بندي كنگره : R128/3/الف 9،85 .ج 1376
رده بندي ديويي : 610
شماره كتابشناسي ملي : م 81-15085
محرر رقمي:محمد المنصوري
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحياة الدنيا دار ابتلاء ويلية، و من الإبتلاء الذي يصيب الإنسان فيها (المرض)، و هو داء يعطل حركة العضو المصاب به عن الحركة الطبيعية التي خلق لها، مما يسبب ألما شديدا و حالة نفسية متعبة.
هذا ما لا يرضي الإنسان، بل و يعطل حركة الحياة الدنيا، فأوجد الله (سبحانه و تعالى) الدواء لذلك الداء، إلّا أنه يحتاج من الإنسان إلى البحث و التنقيب عن الدواء و طريقة المعالجة به، لذلك كان لا بد أن يكتفي الإنسان بالأطباء لأنهم أهل الإختصاص و المعرفة بالداء و الدواء.
و من هنا نعرف أن الطب هو العلم الذي يعرف الداء، فيضع له الدواء المناسب لمعالجة الجسم المصاب بذلك الداء، و الأطباء هم المشرفون على ذلك و بهم تتخلص البشرية من الألم و الداء.
و من أشهر الأطباء في تاريخ الإنسانية ابن ابن سينا، و أشهر كتب الطب كتابه القانون.
و يحق لنا أن نتعرف على حفظة الصحة الإنسانية، و خاصة الذين لهم أثر طبي لا زال الانتفاع به قائما، و من هؤلاء صاحب هذا الكتاب الذي نقدم له (الطبيب الإنطاكي).
هو العلامة الأديب، و الشاعر اللبيب، و الطبيب الشهير، و الفيلسوف الكبير، علامة زمانه الذي جمع العلوم وفاق الأقران، و هو مؤرخ و فلكي،
ص: 5
و هو المكثر- رغم أنه ضرير- و صاحب الرؤيا الثاقبة، و الحسّ المرهف، و الكرامات المتعددة، و الإفاضات الكثيرة، المظلوم في زمانه و إلى وقتنا الحالي.
و هذه المقدمة تعتبر أوسع ما كتب عنه و خير ما يعرف به، و ما ذلك إلّا للتعصب الذميم، فالإنطاكي المتوفى- على أشهر الأقوال- سنة 1008 ه، لم يحظ بالاهتمام اللازم و الرعاية المطلوبة.
اسمه:
محمد(1) داود بن عمر الإنطاكي(2)، المصري(3).
ص: 6
مولده:
ولد في إنظاكية سنة 950 ه(1) 1543 م، و قيل في فوعة(2) قرب إدلب.
مذهبه و الأدلة على تشيّعه:
1- اتهامه بما لا يليق بمثله في عصر التعصب المذهبي.
2- عدم ادعاء أي فرقة أنه من علمائها سوى الاثني عشرية الشيعية.
3- أخذه عن علماء جبل عامل.
4- جزم مدين القوصولي- و هو من تلامذته- بأنه شيعي حيث قال:
(و كان شيعيّا مخالفا لعقيدة الأشاعرة).
ص: 7
5- أقواله مثل: (دعتني همة عليه أو علوية أن أصعد منه جبل عاملة).
6- مناظراته حيث قال في الاستدلال على الإمامة: (قام الحصر دليلا على القصر) (ما ذا في التاريخ 485).
من تلامذته:
1- مدين بن عبد الرحمن القوصوني صاحب قاموس الأطباء و ناموس الألباء، عن مقدمة قاموس الأطباء ج 1.
2- شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي 977- 1069 ه صاحب ريحانة الأباء و زهرة الحياة الدنيا، عن مقدمة ريحانة الألباء ج 1.
مؤلقاته:
يظهر منها أن العلامة الشيخ الإنطاكي رجل موسوعي، فهو طبيب فيلسوف، و أديب شاعر، و فلكي و مؤرّخ، و مؤلف مكثر، تناول العديد من العلوم بالدراسة و البحث و كان له فيها الباع الطويل و الرأي الصائب المفيد.
و هذه القائمة تحتوي أسماء مؤلفاته، و لا أظن أنها الجميع، و سبب ذلك أن المصادر لم تعط الرجل حقه:
1- كتاب في استعمال التنجيم في الطب.
عن إسهام علماء العرب و المسلمين في الصيبدلة ص 429.
2- استقصاء العلل و شافي الأمراض و العلل.
عن كشف الظنون 1/ 80 و سماه استقصاء العلل في الطب 1/ 79. أعيان الشيعة 6/ 30 ص 375. سلافة العصر 428. الذريعة 13/ 10 رقم 22. نشر النور و الزهر 1/ 152. هدية العارفين 1/ 362.
3- ألفية في الطب.
هدية العارفين 1/ 362. إيضاح المكنون 1/ 121. الأعلام 3/ 9. نشر النور و الزهر 1/ 153. معجم الأطباء 191.
ص: 8
4- بغية المحتاج إلى معرفة أصول الطب و العلاج. أعيان الشيعة مجلد/ 6 جزء 30 ص/ 375. هدية العارفين 1/ 362. كشف الظنون 1/ 250. الذريعة 3/ 136 رقم 461. نشر النور و الزهر 1/ 52. سلافة العصر 428.
5- البهجة أو (الدرة المنتخبة في الأدوية المجربة).
الذريعة 26/ 111 رقم 535 و قال: نقل عنه في بعض الكتب الطبية المتأخرة.
6- بهجة الناظر و تشحيذ الأذهان.
هدية العارفين 1/ 362.
7- تذكرة أولي الألباب في الجامع للعجب العجاب.
ط 1- مصر- 1294 ه قياس كبير.
8- التذكرة الصغرى.
ريحانة الألباء 2/ 119.
سانحات دمى القصر 2/ 38.
9- تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق.
ط 1 مصر 1302 ه.
10- التحفة البكرية في أحكام الإستحمام الكلية و الجزئية.
خطية بالظاهرية رقم 1651.
11- كتاب في حجر الفلاسفة.
إسهام علماء العرب 429.
12- الدرة المنتخبة فيما صح من الأغذية المجربة.
الذريعة 8/ 108 رقم 405. كشف الظنون 1/ 744. إيضاح المكنون 1/ 461.
13- رسالة السن الثالث إلى آخر العمر.
ص: 9
خطية في مكتبة سوهاء بمصر ضمن مجموع رقم 515.
14- رسالة عظيمة في حقيقة النفس الإنسانية.
الأعلام 3/ 9.
15- رسالة في السن و المزاج البارد.
خطية في مكتبة سليم آغا بتركيا رقم 882/ 2.
16- رسالة في علم الهيئة.
هدية العارفين 1/ 362. الأعلام 3/ 9. نشر النور و الزهر 1/ 153. معجم الأطباء 191.
17- رسالة فيما يتعلق بالسفر من المسائل الطبية.
هدية العارفين 1/ 362. معجم الأطباء 191.
18- رسالة في الطائر و العقاب (كتاب في الفلسفة).
إسهام علماء العرب 429. ملامح من حضارتنا العلمية و أعلامها المسلمين 97.
19- رسالة في الفصد و الحجامة.
خطية في مكتبة المتحف العراقي رقم 326/ 6.
20- زينة الطروس في أحكام العقول و النفوس.
إيضاح المكنون 1/ 622. معجم المؤلفين 3/ 140. هدية العارفين 1/ 362. نشر النور و الزهر 1/ 153. معجم الأطباء 191.
21- شرح القانون لابن سينا.
هدية العارفين 1/ 362. معجم الأطباء 191.
22- شرح أبيات السهروردي، الشيخ شهاب الدين أبو حفص بن عمر.
هدية العارفين 1/ 362. نشر النور و الزهر 1/ 153. معجم الأطباء 191.
23- شرح نظم القانون (القانونجك) للجغميني.
ص: 10
أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30 ص/ 375. الذريعة 14/ 109 رقم 1927.
كشف الظنون 1/ 1313. نشر النور و الزهر 1/ 152. سلافة العصر 428.
معجم الأطباء 191. هدية العارفين 1/ 362.
24- طبقات الحكماء (طبقات الأطباء عن هدية العارفين).
أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون 212. هدية العارفين 1/ 362.
معجم الأطباء 191.
25- غاية المرام في إصلاح الأبدان.
أثر العلماء المسلمين في الحضارة الأوروبية 144.
26- غاية المرام في تجريد المنطق و الكلام.
إيضاح المكنون 2/ 141. معجم المؤلفين 3/ 140. نشر النور و الزهر 1/ 153. معجم الأطباء 191.
27- غاية المرام في تفاصيل السعادة بعد انحلال النظام.
هدية العارفين 1/ 362. معجم الأطباء 191.
28- قواعد المشكلات.
كشف الظنون 1/ 1360. الذريعة 17/ 191 رقم 1012. أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30 ص 375. هدية العارفين 1/ 362. فهرس الظاهرية 402.
نشر النور و الزهر 1/ 362. سلافة العصر 428. و أول تذكرته.
29- الكحل النفيس لجلاء أعنى الرئيس (شرح القصيدة العينية في النفس لابن سينا).
خطية بالظاهرية رقم 6946. و عن كشف الظنون 1/ 1342. إيضاح المكنون 2/ 352. هدية العارفين 1/ 362. أعيان الشيعة 6/ 30/ 375.
نشر النور و الزهر 1/ 152. ريحانة الألباء 2/ 119. سلافة العصر 428.
معجم الأطباء 191.
30- كشف الهموم.
ص: 11
أسماء الكتب 262.
31- كفاية المحتاج إلى علم العلاج.
الأعلام للزركلي 3/ 9. إيضاح المكنون 2/ 373. هدية العارفين 1/ 362. لطائف النور و الزهر 1/ 153. معجم الأطباء 191.
32- لطائف المنهاج في الطب (أكمله بمكة المكرمة).
هدية العارفين 1/ 362. فهرس الظاهرية 402. كشف الظنون 1/ 1555.
أعيان الشيعة 6/ 30/ 375. نشر النور و الزهر 1/ 152. سلافة العصر 428.
أول تذكرته.
33- المجربات (في الطب- مجربات داود).
خطية في مكتبة شهيد علي بتركيا رقم 2113/ 3.
34- مجمع الفوائد البدنية.
خطية في مكتبة مغنيسا بتركيا رقم 1833. ندية العارفين 1/ 362.
معجم الأطباء 191.
35- مختصر التذكرة النجومية (في مجلّد).
خطية في خزانة الحاج علي محمد في النجف الأشرف. الذريعة 22/ 384 رقم 7550. أعيان الشيعة 6/ 375.
36- مختصر القانون (قانون ابن سينا).
هدية العارفين 1/ 362. أعيان الشيعة 6/ 375. الذريعة 20/ 202 رقم 2580. كشف الظنون 1/ 1313. نشر النور و الزهر 1/ 152. سلافة العصر 428.
37- المفيد في الطب.
نسخة مصورة في المكتبة الخديوية بمصر.
فهرس الخديوية. الذريعة 21/ 374 رقم 5524. فهرس الظاهرية 402.
ص: 12
38- الملكي في طب الملوك.
الطب الإسلام 156.
39- منظومة في الطب.
خطية في الظاهرية رقم 9651 أ. أقول يمكن اتحاده بالألفية في الطب رقم 3 من مؤلفاته.
40- نزهة الأذهان في إصلاح الأبدان (في طب الأبدان).
خطية في الظاهرية رقم 19651 ب. الذريعة 24/ 111 رقم 579. أعيان الشيعة 6/ 375. كشف الظنون 2/ 1939. الأعلام 3/ 9. نشر النور و الزهر 1/ 153. معجم الأطباء 191.
41- نموذج في علم الفلك.
إسهام علماء العرب و المسلمين في الصيدلة 429. و له ديوان شعر متفرق بين الناس، كما في خلاصة الأثر للمحبي.
و أما النزهة المبهجة التي بين يديك فهي:
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة.
فإن منها الكثير من المخطوطات، ففي تركيا وحدها 17 نسخة في مختلف مكتباتها الخطية.
منها في جامع استانبول القسم العربي رقم 6155 في 157 ورقة بخط نسخ، و بمقياس 3، 21 8، 14 سم كتبه يوسف سنة 1032 ه.
و منها نسخ في العراق و تونس و مصر.
فالتي في العراق في المتحف العراقي برقم 3411 قياس 5، 22 16 سم.
و منها أخرى فيه، قسم مخطوطات الطب في مكتبة المتحف العراقي 334.
و منها في تونس بالخط المغربي قياس 5، 21 16 سم عدد الأوراق 160، و الأسطر 20.
ص: 13
و نسخة أخرى أيضا عن فهرس المخطوطات، الجمهورية التونسية وزارة الشؤون الثقافية، دار الكتب الوطنية، ج 5، ص 9 رقم 1043، و ص 16 رقم 4079.
إحداهما في دار الكتب الوطنية مجموعة 841 (1).
و غيرها من المخطوطات في العالم.
ذكرت في معجم المطبوعات 1/ 491 و الذريعة 24/ 124 رقم 625 و معجم المؤلفين لكحالة 3/ 140 و أسماء الكتب ص 325.
طبعت النزهة في هامش التذكرة في كل من القاهرة سنة 1294 ه، و في بيروت على نفس الطبعة، و علق على النزهة عبد الوهاب بن أحمد أدراق الفاسي المعروف بادراق المتوفى سنة 1159 ه 1746 م عن معجم المؤلفين لكحالة 6/ 216.
فقد كان أديبا شاعرا له ديوان شعر، لكنه مفقود، و شعره عاطفي و فلسفي و طبي، منه شذرات متناثرة في بطون الكتب، و هذه باقة منه:
عن خلاصة الأثر 1/ 148، ريحانة الألبّاء 2/ 118، ذيل نفحة الريحانة 253، معجم الأطباء 193.
من طول إبعاد و دهر جائرو مسيس حاجات و قلّة منصف
و مغيب إلف(2) لا اغتياض بغيره
شطّ الزمانّ به فليس بمسعف
أوّاه لو حلّت لي الصّهباء كيّ أنشى فأذهل عن غرام متلف
و هو كقول شيخ المعرّة (عن ريحانة الألباء 2/ 119):
تمنّيت أنّ الخمر حلّت لنشوةفتذهلني كيف اطمأنّت بي الحال
فأذهل أنّي بالعراق على شفاردى ء الأماني لا أنيس و لا مال
ص: 14
و قوله (عن سلافة العصر 429، و المختصر من كتاب نشر النور و الزهر 1/ 153، و أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30 ص 375):
أفدي فتاة فتنت مهجتي و قد أذيب القلب من صدّها
مالي و للدنيا إذا لم تزرو ليس يحلو العيش من بعدها
يقول لي الآسي و قد راعه ما بفؤادي من جوى بعدها
خذ ماء ورد و لسان معاو اشربة من شهدها
قد صدق الآمي فهذا الدّواهو الشّفا لو كان من عندها
بأن يكون الشّهد من ثغرهايجنى و ماء الورد من خدّها
و قوله في الجناس (عن سلافة العصر 429، و المختصر من كتاب نشر النور و الزهر 1/ 153، و أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30/ 375):
هواك مازج روحي قبل تكويني و أنت ظلما بنار الهجر تكويني
صبرت فيك على أشياء أيسرهاذهاب نفسي و قوم عنك تلويني
و كلما قلت صحّت لي محبّتهاأرى و دادك ممزوجا بتلوين
قد حلّ عقد اصطباري طول هجرك لي و ليس غير وصال منك يبريني
إذا شممت شذا رياك منتشقافما نسيم أتى من نحو يبرين
و قوله (عن سلافة العصر 429، و نشر النور و الزهر 1/ 152، و أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30/ 375):
أقول لها هل تسعفين بزورةمريضا كواه البين بالهجر و السّقم
فقالت إذا ما فارق الروح زرته لأن محالا جمع روحين في جسم
و قوله (كما في سانحات دمى القصر 1/ 39) و يتضح منها اعتراضه على ابن سينا في قصيدة النفس:
ص: 15
من بحر أنوار اليقين يحسنهافلوصل أو فصل يؤوب كما أعي
أو للكمال فهيكل لا يرتضى للمطلق الثاني يصحّ لأربع
هبه يصحّ ففلذة من أوج ماقدّست تكمل بالحضيص البلقع
تا للّه ما هبطت و لكن أهبطت فبقسر أو بالاختيار لمن يعي
و عليهما تتبدّل الأحيان أوتفني لتدخل في المحل المتقع(1)
و جاءت في خلاصة الأثر 1/ 143 بهذا الشكل:
أقول قد يكون الأصح ما جاء في السانحات لأنه نقله عن الأنطاكي بلفظه و ما في الخلاصة فهو نقل غير مباشر و ما تحته خط هو مواضع الخلاف في القصيدة حسب و رودها في المصدرين.
من بحر أنوار اليقين بحسنهافلوصل أو فصل تنوب كما أدعي
أو للكمال فهيكل لا ترتضى للمطلق الثاني يصح لأربع
هبه يصح فقدره من أوج ماقدست يكمل بالحضيض البلقع
تا للّه ما هبطت و لكن أهبطت فبقسر أو بالاختيار لمن يعي
و عليهما تتبدد الأحيان أوتفنى فتدخل في المحل المفقع
و من شعره قوله موجها بأشكال الرمل (عن سلافة العصر 430، و أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30/ 375):
سألتها عن بياض في وجنتيها و حمره
إذا طريق اجتماع قالت وراية قصره
قال صاحب السلافة و أحسن منه قولي:
ص: 16
و ذي هيف ما زال بالرمل مولعاإذا ما سألت الوصل منه تبلّدا
و وشى نقي الخد منه بحمرةفقلت طريق للوصال تولّدا
أخذه من قول ابن مطروح:
رأيت بخدّيه بياضا و حمرةفقلت لي البشرى اجتماع تولدا
و قوله (عن سلافة العصر 429، و أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30 ي 375):
نظرت إليها و السواك قد ارتوى بريق عليه الطرف مني باكي
تردّده من فوق درّ منظم سناه لأنوار البروق يحاكي
فقلت و قلبي قد تفطر غيرةأيا ليتني قبد كنت عود أراك
فقالت أما ترضى السواك أجبتهاو حقّك مالي حاجة بسواك
و من شعره قوله (عن سلافة العصر 429، و أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30/ 375):
بروحي آقي من خلتها حين أقبلت على أثر حزن تنشر الدمع في الخد
قضيبا من الكافور يمطر لؤلؤامن النرجس الوضاح في فرش الورد
و قوله (عن سلافة العصر 429، و أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30/ 375):
لقد فقت أربات المحاسن كلّهم و زدت عليهم بالرشاقة و العقل
فمذ أعجز المغتاب شي ء يقوله رماك بأوصاف القطيعة و البخل
فلا تثبتي بالهجر زور مقاله و لكن صليني أو عديني بالوصل
و لا تمطلي بالوعد صبّا معذباو إن قيل إن الشي ء يعذب بالطل
و له أيضا (عن أعيان الشيعة مجلد 6 جزء 30/ 375):
ص: 17
و سالبة بالحسن عقل أولي النهي لطاعتها أسنى الدراري آفل
إذا ما تجلت دك طور قلوبهم و خروا إلى الأذقان و العقل زايل
فيا كعبة العشاق هل ثم مطلب سواك إليه تستحث الرواحل
عذولي اتئد و أقصر فكل جوارحي لها عن سماع الزور و العذل شاغل
إذا ما أطلت اللوم لا بد تنتهي و عند التناهي يقصر المتطاول
و إن لم تزرني أو تمن بنظرةو ينعم دهري بالذي أنا آمل
(فيا موت زر إن الحياة ذميمةو يا نفس جدّي إن دهرك هازل)(1)
و قوله- كما في فهرس الظاهرية (الطب ص 401)-:
ما مقامي بأرض نخلة إلّاكمقام المسيح بين اليهود
أنا في أمة تذاركهااللّه غريب كصالح في ثمود
و قوله- في خاتمة الألفية في الطب التي لها نسخة في الظاهرية-:
و جعلتها نافعة لمن لهاقرأ و من يدع لنا من أجلها
خالصة عما سوى ذي الغرض مصونة من جاهل معترض
بجاه خير المرسلين أحمدي و آله و صحبه أهل الهدي
و قوله- في المنظومة المخطوطة بالظاهرية رقم/ 9651 أ و التي يظهر أنها هي الألفية-:
و بعد فاتفاق كل عاقل و رأي كل عالم و فاضل
بأن علم الطب و الشريعةكلاهما في الرتبة الرفيعة
لكن بحمد اللّه أن الثاني يحافظ عليه في الأزمان
و الطب مما غربت كواكبه و قلّ ما بين الأنام طالبه
... الخ ...
ص: 18
إن تقييم الأشخاص و أثرهم في العلوم و المجتمع لا يعرف إلّا من خلال آثارهم و آراء العلماء فيهم، و الإنطاكي أثره معروف في خلال التذكرة، و في هذا الفصل ستعرف بعض آراء العلماء فيه.
أقول: إنه أضاف و جدد في الطب و أوصله إلينا مرتبا مجربا، و هو الذي اطّلع على آراء اليونانيين من خلال معرفته للغتهم، و هو الذي قام بتجاربه بنفسه على كل نبات طبي أراد استعماله، و بهذا فقد جمع بين خبرة الماضي و تجربته العلمية.
1- قال عنه أحمد عيسى بك في كتابه (تاريخ النبات عند العرب) (لم يكن في العرب في القرن العاشر الهجري من علماء النبات من يضاهي داود الإنطاكي و لم يؤلف عالم في المفردات الطبية مثل ما ألّف داود فإنه قد زاد على من تقدّمه من المؤلفين زيادة جديرة بالذكر سواء في المفردات أو في خواصّها).
2- قال عن نفسه (في: سلافة العصر 428 و ريحانة الألباء 2/ 118): لو رآني ابن سينا لوقف يبابي، أو ابن دانيال لاكتحل يتراب أعتابي. (ابن دانيال أحد الحكماء القدماء و الأطباء الأولين في القرن السادس قبل الميلاد، نقل من فلسطين إلى بابل أثناء الأسر البابلي لبني إسرائيل في عهد بوختنصر).
و قيل: أراد بابن داينال شمس الدين محمد بن داينال بن يوسف الخزاعي الموصلي الطبيب الكمال المتوفى بالقاهرة سنة 710 ه (ترجم له فوات الوفيات 2/ 190).
أقول: و هذا المرجح لأن ابن دانيال القديم من المؤكد لا بقاء لآثاره و لا معرفة مفصّلة عنه، فكيف يذكره الإنطاكي (و لكن التعريف به في هامش كتاب التقاط الدرر و مستفاد المواعظ و العبر ص 247).
ص: 19
3- قال مختار سالم في الطب الإسلامي ص 15: (كان حافظا للقرآن الكريم، منبحرا في أصول الدين، لذلك أعطاه الله بصيرة القلب و قوّة الفهم و الحفظ و الذكاء، ليصبح واحدا من أساطين الرياضة و الفلسفة و علوم الحكمة و الأبدان، و نبغ في علم الصيدلة نبوغا خالدا، و كانت له شخصية طبية مستقلة و فلسفة خاصة).
4- قال الشيخ عباس القمي في الكنى و الألقاب 2/ 57: (داود بن عمر الإنطاكي البيب الضرير الحكيم الفيلسوف الإنطاكي القاهري).
5- جاء في سلافة العصر ص 428: (أعمى قائداه التوفيق و التسديد، و محجوب كشف عنه غطاؤه فبصر ذكائه حديد، أدرك ببصيرته ما لم تدركه أولو الأبصار، و قطن بمصر فسار صيته في الأمصار، جمع فنون العلم جمعا أصبح به علما فردا، و سرد متونه و شروحه على ظهر قلب سردا إلى أدب بهر بتبيانه و أظهر حكمة شعره و سحر بيانه. فهو عالم في شخص عالم، و علم شيدت به دوارس المعالم، و اعتنى بالطب فصار به طبّا عديما، وفاق أربابه حديثا و قديما، و له فيه مؤلفات حرّر مطوّلاتها بباع غير ذي قصر، و هذب موجزاتها فقاقت كل مبسوط و مختصر).
6- جاء في هامش ص 252 من ذيل نفحة الريحانة: (كان رأس الأطباء في زمانه، قوي البديهة، غزير المادة).
7- و جاء في ديوان الإسلام (داود الطبيب ابن عمر المحقق الحكيم الفيلسوف الإنطاكي القاهري نقلا عن معجم المطبوعات ص 490).
8- و جاء في ربحانة الألباء و زهرة الحياة الدنيا ج 2 ص 117:
(الرئيس داود الحكيم ضرير بالفضل بصير، كأنما ينظر ما خلف ستارة الغيب بعين فكر خبير.
ص: 20
لم تر العين بل لم تسمع الآذان، و لم تحدّث بأعجب منه مساءلة الرّكبان.
إذا جسّ نبضا لتشّخيص مرض عرض، أظهر من أعراض الجواهر كلّ غرض، فيفتن الأسماع و الأبصار، و يطرب بحسّ النّبض ما لا يطربه جسّ الأوتار:
يكاد من رقّة أفكاره يجول بين الدّم و اللحم
لو غضبت روح على جسمهاألّف بين الرّوح و الجسم
فسبحان من أطفا نور بصره و جعل صدره مشكاة نور: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ(1). و له في كلّ علم سهم مصيب و منطق محلّى بتهذيب التهذيب).
9- و جاء في معجم المؤلفين لكحالة 3/ 140: (طبيب حكيم مشارك في أنواع من العلوم).
10- و جاء في الكواكب السائرة 3/ 150: (داود الضرير الطبيب حكيم القاهرة، و كان يحكى عنه عجائب في تشخيص العلة و علاجاتها).
11- و جاء في الأعلام للزركلي 3/ 9: (عالم بالطب و الآداب، كان ضريرا، انتهت إليه رياسة الأطباء في زمانه).
12- و جاء في أعيان الشيعة مجلد 6 ج 30 ص 375: (كان عالما فاضلا أديبا شاعرا طبيبا ماهرا مع أنه مكفوف البصر، و تحكى عنه في الطب أمور عجيبة).
13- و جاء في تراث الإنسانية مجلد 1/ 386: (يلقبونه بالحكيم الماهر الفريد، و الطبيب الحاذق الوحيد، جالينوس أوانه، و أبقراط زمانه، العالم الكامل).
ص: 21
14- و جاء في البدر الطالع المجلد الأول ص 246 ناقلا قول العصامي:
قال العصامي: (هو المتوحد بأنواع الفضائل، و المتفرد بمعرفة علوم الأوائل. شيخ العلوم الرياضية سيما الفلسفية و علم الأبدان. القسيم لعلم الأديان، فإنه بلغ فيه الغاية التي لا تدرك، و انتهى إلى الغاية التي لا تكاد تملك، له فضل ليس لأحد وراءه فضل، و علم لم يحز أحد في عصره مثله).
15- و في اليتيمة للشيخ حبيب المهاجر قال ص 61: (هو الحكيم الطبيب الفيلسوف الشهير)، و نقل قول البستاني فيه فقال: (هو داود بن عمر الإنطاكي نزيل القاهرة، الحكيم الطبيب المشهور، رأس الأطباء في زمانه و شيخ العلوم الحكمية).
وفاته:
الاختلاف بسنة وفاته لا يعرف له سبب، و لا يستطيع الباحث بسهولة الوقوف على سنة الوفاة الحقيقية، و لكن أشهر الأقوال هو سنة 1008 ه.
و أما السنوات المذكورة لوفاته فهي 990 ه (عن الكواكب السائرة)، و سنة 989، و سنة 1005، و سنة 1008، و سنة 1009، و سنة 1011 ه هذه السنوات مذكورة في مختلف مصادر الترجمة له.
إذا أردت معرفة حياة علم من الأعلام فلا تعرفها إلّا من خلال مصادر البحث، و هي مختلفة لا تعطيك تعريفا كاملا بسهولة، و تكمن الصعوبة في جمع ترجمة أي علم من الأعلام إذا كانت مصادر ترجمته غير معروفة.
و أفضل طريق و أسهل أسلوب لجمع المادة حول ترجمة الأعلام هي معرفة المصادر. و لذلك نضع بين يديك مصادر ترجمة العلامة الإنطاكي للتعرف عليه من خلالها:
ص: 22
1- الأعلام: قاموس تراجم لأشهر الرجال و النساء من العرب و المستعربين و المستشرقين للزركلي خير الدين بيروت ج 3 ص 9.
2- أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون: عبد اللطيف بن محمد مصطفى رياضي زاده المتوفى سنة 1078 ألّفه سنة 1054، تحقيق و توضيح محمد التونجي، نشر مكتبة الخانجي.
3- إسهام علماء العرب و المسلمين في الصيدلة: علي عبد الله الدفاع، مؤسسة الرسالة بيروت، ط 1 1985 ص 420.
4- أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، دار التعارف بيروت، مجلد 6 ج 30 ص 375.
5- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، البغدادي الباباني، ج 1 ص 121 و 285 و 352 و 373، و مجلد 2 ص 141 و 352 و 373.
6- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع: للقاضي محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة 1250 ه، دار المعرفة ج 1 ص 246.
7- بروكلمان: ج 11 ص 364 و 491 و 492.
8- تاريخ آداب اللغة العربية: جرجي زيدان، بيروت، المجلد 2 ج 3 ص 356 و 338 و 339.
9- تاريخ الطب عند العرب في العصور الحديثة: شوكت الشطي مطبعة جامعة دمشق، سنة 1960 ص 2- 6.
10- تاريخ العلم و دور العلماء العرب في تقدمه: لعبد الحليم منتصر.
11- تاريخ النبات عند العرب: د. أحمد عيسى بك.
12- تراث الإنسانية: لمجموعة من الكتاب، دار الفكر بيروت، المجلد الأول ص 386.
ص: 23
13- التقاط الدرر و مستفاد المواعظ و العبر من أخبار و أعيان المائة الحادية و الثالثة عشر: لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق هاشم العلوي القاسمي.
منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط 1/ 1983. ص 247، رقم 376.
14- الحركة الفكرية و الأدبية في جبل عامل: للسيد محمد كاظم مكي، دار الأندلس ط 2 مزيدة منقحة سنة 1982، ص 70.
15- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر: محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين المحبي، المتوفى سنة 1111 ه، دار صادر، بيروت، في 4 مجلدات. ترجمة الإنطاكي ج 2 ص 140- 149.
16- ديوان الإسلام: لوحه 37.
17- الذريعة إلى معرفة تصانيف الشيعة: آغا بزرك الطهراني.
18- ذيل نفحة الريحانة: محمد أمين بن فضل الله بن محب الدين المحبي، ولد سنة 1061 و توفى 1111 ه، تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
19- الروضة النضرة في علماء المائة الحادية عشرة: (طبقات أعلام الشيعة)، للشيخ آغا بزرك الطهراني.
20- ريحانة الألبّاء و زهرة الحياة الدنيا: شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي ولد 977 و توفى سنة 1069 و هو ممن أخذ الطب عن الإنطاكي. تحقيق عبد الفتاح محمد الحلو مطبعة عيسى البابي الحلبي و شركاه ط 1 سنة 1967، ترجمة للإنطاكي ج 2 ص 117- 119 و 329.
21- سانحات دمى القصر في مطارحات بني العصر: درويش محمد بن أحمد الطالوي الأرتقي الدمشقي، ولد 950 و توفي سنة 1014 ه، تحقيق محمد موسى الخولي، عالم الكتب بيروت ط 1 سنة 1983 في جزءين ترجمة للإنطاكي ج 2 ص 32- 44.
ص: 24
22- سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر: للسيد علي صدر الدين بن أحمد نظام الدين المدني الحسيني الحسني. ط 1 سنة 1324 ه، القاهرة ص 428- 430.
23- سمط النجوم العوالي: ج 4 ص 359 و 360.
24- شذرات الذهب في أخبار من ذهب: للمؤرّخ أبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي، المتوفى سنة 1089 ه. دار إحياء التراث العربي، بيروت، طبعة جديدة. ج 8 ص 415 و 416.
25- الطب الإسلامي بين العقيدة و الإبداع: مختار سالم. تقديم و مراجعة الشيخ أحمد محي الدين العجوز، منشورات مؤسسة المعارف، بيروت، سنة 1988 م ترجم للإنطاكي ص 155- 157.
26- العلم عند العرب و أثره في تطور العلم العالمي: آله و مييلي.
27- فهرس الخديوية: ج 4 ص 217 و 218، و ج 6 ص 32 و 42 و 46 و 47 و 101.
28- فهرس دار الكتب المصرية ج 3 ص 6.
29- فهرس الأزهرية: ج 6 ص 101 و 103 و 136.
30- فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية- الطب و الصيدلة:
د. سامي خلف حمارنه، دمشق سنة 1969. ص 399- 407.
31- فهرس مخطوطات الطب الإسلامي: باللغات العربية و التركية و الفارسية في مكتبات تركيا، ص 225، رقم 196.
32- قراءات في تاريخ العلوم عند العرب: حميد موراني و الدكتور عبد الحليم منتصر، ص 155.
33- كتابخانه عاشور أفندي: ص 47.
34- الكشاف: لطلس، ص 215.
ص: 25
35- كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون: حاجي خليفة مصطفى ابن عبد الله ص 79، 80 و 250 و 386 و 744 و 1313 و 1342 و 1360 و 1555 و 1939 و 1946.
36- الكنى و الألقاب: للشيخ عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي، الوفاء، بيروت ط 2، سنة 1983، في ثلاث أجزاء. ترجم للإنطاكي ج 2 ص 57.
37- الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة: للشيخ نجم الدين أبو المكارم بن محمد بدر الدين الغزي. بيروت، ط 2، سنة 1979. حققّه و ضبط نصّه الدكتور جبرائيل سليمان جبور، دار الآفاق الجديدة، ج 3 ص 150.
38- الكيمياء عند العرب: جابر الشكري.
39- ما ذا في التاريخ: للشيخ محمد حسن القبيسي. بيروت، دار التعارف، سنة 1988. ج 26 ص 484.
40- مجلة التراث العربي.
41- المختصر من كتاب نشر النور و الزهر في تراجم علماء مكة و آفاضلها من القرن الحادي عشر للقرن الرابع عشر: للشيخ أبي الخير عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن محمد صالح بن سليمان بن محمد صالح ابن محمد مرواد. اختصار و ترتيب محمد سعيد العامودي، و أحمد علي.
مطبوعات نادي الطائف الأدبي، ط 1 سنة 1978، ترجمة ج 2 ص 152.
42- مخطوطات الطب و الصيدلة و البيطرة في مكتبة المتحف العراقي:
أسامة ناصر النقشبندي. دار الرشيد، بغداد، سنة 1981.
43- مخطوطات الموصل للجلبي: ص 58 و 107 و 238.
44- مخطوطات ولي الدين كتابخانه: ص 141- 146.
45- مخطوطات يكن جامع كتابخانه ص: 48.
ص: 26
46- المستدرك على معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة، طبع بيروت، ص 242.
47- مظاهر الثقافة الإسلامية و أثرها في الحضارة: محمد فائز القصري.
48- معجم أدباء الأطباء: للشيخ محمد الخليلي، طبع العراق، ج 1 ص 157- 163.
49- معجم الأطباء (ذيل عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي اصبيعة): للدكتور أحمد عيسى بيك. دار الرائد العربي، بيروت. ط 1 سنة 1361 ه. ط 2 سنة 1402 ه، 1982 م.
50- معجم العلماء العرب: باقر أمين الورد، راجعه كوركيس عواد.
عالم الكتب ط 1، سنة 1986، بيروت، مكتبة النهضة العربية. ترجم للإنطاكي ص 113.
51- معجم المطبوعات العربية و المعرّبة: الياس سركيس، طبع بيروت في مجلدين.
52- معجم المؤلفين (تراجم مصنفي الكتب العربية): عمر رضا كحالة. بيروت، في 15 جزءا، دار إحياء التراث العربي.
53- مقدمة كتابه تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق: بيروت جزءان في مجلد، و طبع في القاهرة سنة 1302 ه.
54- ملامح من حضارتنا العلمية و أعلامها المسلمين: ذ. كارم السيد غنيم. ترجمة ص 97.
55- موجز تاريخ الصيدلة: للأساتذة: عبد العظيم حنفي صابر، و عبد الحليم منتصر، و جورج شحاته قنواني.
56- الموسوعة الإسلامية: للسيد حسن ابن السيد محسن الأمين. دار التعارف، بيروت سنة 1980. ج 5 ص 190.
ص: 27
57- موسوعة الحضارة العربية و الإسلامية: المجلد الأول في فصل الكيمياء و الصيدلة عند العرب. للدكتور فاضل أحمد الطائي.
58- الموسوعة الطبية العربية: د. حسن بيرم، و د. علي حسن. الدار الوطنية، بيروت. ج 1 ص 24.
59- نظم الدرر: مخطوط.
60- هدية العارفين و أسماء المؤلفين و آثار المصنفين: إسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر، سنة 1981. ترجمة ج 1 ص 362.
61- الييتمة في بيان البعض من متنخبات الكتب الحديثة و القديمة للشيخ المهاجر العاملي حبيب آل إبراهيم. مطبعة العرفان، صيدا، ط 1 سنة 1934. ترجمه ص 61.
إلى هنا ينتهي ما وصلنا إليه من ترجمة العلامة و الأديب، و الشاعر اللبيب، و الطبيب الشهير الفيلسوف داود بن عمر الإنطاكي (ره). نرجو من القراء الأكارم أن يتحفونا بما لديهم من مصادر و كتب غير الذي ذكرناها مع جزيل الشكر و فائق الاحترام.
كتبه ابن أحمد عبد الله عدنان بن الشيخ جراح المنتفكي الرفاعي.
ص: 28
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الامزجة تأليف داوود بن عمر الانطاكي 1008 ه
ص: 29
ص: 30
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان من سجدت له جباه الأجرام صاغرة، و امتزجت بحكمته لإنتاج الأخلاط خاضعة متصاغرة، أنعم على الأعضاء ببث الأرواح المترشحة، و جعل الأفعال غايات القوى المثلثة، سبع قوى التربيع لحكمة الربط، و تسَّع المجموع كعدد الاصل في قواعد الضبط، فله الحمد استحقاقاً لذاته و اعترافاً بكمال صفاته حمداً يستغرق الجوارح و الالسنة و يستنفد تأبيده صفحات الأزمنة، و نستوهبه صلاةً و سلاماً يباري كل منهما حركات المحدد و البسيط و يكون معشار عشرة قطارات أمواج المحيط على نقطة مراكز الادوار في الكائنات و أسرار لطائف الموجودات.
خصوصا على أوج الشرف الاقدس و جُماع سلسلة الامكان في كل محل أنفس، و على الراقين في النجاة مدارج معراجه و السالكين في شفاء الوجود اشارات قانونه و منهاجه ما استغرقت عقول الحكماء بالمعارف الالهية و علقت بالاجسام أسباب الحالات الثلاث ارادية و قسرية.
و بعد: فلما كان تنافس النفوس الكاملة و غاية مرقى مرام العقول الفاضلة ما به الخلاص من قيود الشهوات و غايته الاسداء من جزيل السعادات وجب على كل من استحصل شرائط الانتاج و القياس صرف قُوى عقله إلى نحو بيان معاني تشييد هذا الاساس و كنت بحمد الله ممن نظمه هذا السلك الجليل و ضمه هذا الشمل النبيل، فأرشدت إلى أن أولى ما يترتب عليه ما ذكر تشييد العلوم خصوصاً ما كان منها نفعه متعلقاً بالخصوص و العموم؛ فأجلت الفكر في استخراج أشرفها نوعاً و جنساً و أعزّها خواصّاً عقلًا و حساً، فرأيت ذلك اما بحسب مسيس الحاجة أو شرف الموضوع. فما
ص: 31
ظنك بالعلم الحائز للمجموع، و ذلك هو علم الحكمة الالهية المتكفل بالقواعد الشرعية و العقلية.
و رأيت الأول، قد تم تشييده و اتقانه، و الثاني، قد آن أن تبيد عناصره و أركانه فأنفقت فيه نفيس عنفوان الزمان حتى جعلته مشيد الأركان و الأساس واضح البرهان، و نوعت أجناسه مقومة و أوضحت فصول خواصه و أعراضه مقسمة حتى أفردت منه مشكلات المسائل و ميزت القواعد بالدلائل و فرعت الاحكام و الضوابط، و رددت الشوارد إلى الروابط في كتب محررة الاحكام أجلها التذكرة التي استأصلت فيها شأفة هذه الصناعة و تتبعت كل علم له تعلق بها في أوجز بلاغة و براعة. جعلت فيها الطب مقصوداً بالذات ثم ضممت إليه كل علم يحتاج إليه الطبيب و لو بأدنى تعلق و اضافات.
فعزمت حين رأيتها جامعة لشمل ما تبدد مقيدة ما كان من أوابد الحكميات قد شرد أن أجعلها خاتمة التصانيف المنسوبة اليّ، علماً منيّ بأن ذلك غاية ما انتهت إليه قوى عقلي الفاتر و ذهني القاصر فوفق إن وقف عليها مَن إذا نسبته إلى النفوس كان العاشر في البشر، أو إلى العقول فهو الحادي عشر، انسان عين الزمان و رئيس الامراء الاعيان، الجامع بين منصبي رياسة العلم و سياسة الحلم مولانا درويش حلبي ابن المرحوم مصطفى أمير اللواء السلطاني، لا زال ضريحه مغرورقاً بشأبيب(1) الرحمة و الرضوان و محله في أرفع رياض الجنان، أيد الله تعالى سيادته و أيد على صفحات الايام سعادته. آمين، و أنشدت هذه الابيات:
أمير له العليا طريفاً و تالداً فكل افتخار للورى دون فخره بملك و علم معْ سَخاً و شجاعة لعمرك هذا العز لا غير فادره فلي منه ما قرت به العين منحة و مني له المدح المديح بنشره فلم أمتدحه قاصداً رفع قدره فذا حاصل لكن لتلذاذ ذكره فغاية مطلوبي من الله أن يرى بأوج العلى عزّاً و تطويل عمره
ص: 32
فحين أجال قرائح الفكر في معانيها و أطال تسريح النظر في مبانيها وجدها عباب(1) بحر تقصر عنه الأفكار و قاموس تيار تكل دونه ثواقب الانظار، أشار مدة أيامه و اشارته الممتثلة المأمولة و أوامره المطاعة المقبولة أن أضع رسالة تكون لمستغلق أبواب معانيها مفتاحاً و لمستصعب دقائق غوامضها هداية و ايضاحاً، فحين استحالت المخالفة و حقت الطاعة؛ لصدق المؤالفة حررت هذه الرسالة الموسومة ب «النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة».
سلكت فيها طريقاً لم تسلك قبلي لوارد، و بسطت فيها نمطاً لم ينسجه ناسج و لا نحى نحوه قاصد، حيث بينت كيف مأخذ الطب من الحكميات و الفلسفة، و ما وجه رجوع المواليد إلى مطلق البسائط و هي مؤلفة، و حشوت أصدافها بالجواهر الغالية و شحنت فلك ألفاظها بالنفائس العالية لتطابق ما في نظره الثاقب و تناسب ما اقترح عليّ بحدسه الصائب، لم أكن فيها كُلا على كتاب بل اقتصرت على ما في قوى عقلي من مسألة و جواب، و اعتمدت على ما أرشد إليه الدليل و الاجتهاد و صح عليه التعويل و الاعتماد، فان نقلت عبارة فلمناقشة، أو نظرت في كلام فللمفاتشة.
هذا، و انها إن وقعت منه في حيز القبول فذاك، و الا فالمسؤول اسبال ذيل الفضل و التجاوز عن كبوات طرف الذهن و الجنان و نبوات صارم القلم و اللسان، و من واهب العقل أستمد العصمة و التوفيق من دقائق الزلل و أن يجعلها خالصة عن الشبهات في القبول و العمل انه خير من استمطرت من فضله سحائب العطاء و أكرم من سامح المعترف بمواقع الخطأ.
و قد رتبتها على مقدمة و ثمانية أبواب و خاتمة.
ص: 33
ص: 34
في ذكر ما تمس الحاجة إلى تقديمه في هذه الصنائع الفاضلة، و يجمع جنس الارتباط الكلي و تناسب أنواع الموجودات بالطريق العقلي، و كيفية التداخل و أسرار التمازج و التقابل، و تحته أنواع و فصول لا تحصى و خواص و أعراض لا تستقصى، لكن العاقل إذا أمعن النظر اهتدى بالحدّ إلى العدّ و بالاجمال الصحيح إلى التفصيل الصريح.
إذا عقلت هذه الاشارات، فاعلم: أن وجود الواجب المطلق حيث لم نعقل له أولية يكون(1) الوجود في الحقيقة عند الاطلاق مخصوصاً به، و يقال لهذا المعنى «القدم الذاتي» فما سميّ أو اتصف بعد ذلك به مجازاً لا يعطيه الاطلاق عند عاقل فرداً من الكائنات.
إذا أحكمت هذه المقدمة، فمثبت القدم حينئذٍ لغير الواجب اما أن يريد الذاتي، أو الزماني أو المعنى المشترك بينهما، لكن لا سبيل إلى الأول؛ لما عرفت من عدم تعلقه، و لا إلى الثالث؛ لتطرق الاحتمال المبهم الموجب لسقوط الاستدلال كما هو مقرر في صناعة أخرى، و بقي أن يريد الثاني، فان كان القول به جائزاً فلا تكفير بهذه المسألة لاحد، أولًا، فلا بد من نص لا يحتمل التأويل على ذلك، و لم نرَ شيئاً، فالأليق على هذا اما الوقف على ورود شي ء رافع للشك أو القطع بالصحة؛ صوناً للنفس و احجاماً عن نفي واحد فضلًا عن كثيرين في الدين الذي هو أعز ما يجب حفظه.
إذا تقرر هذا فقد بان أن الوجود المطلق غير مخالط لشي ء من الاشياء. فما سمعت بعد من تقسيم جسم أو جوهر أو عرض لازم أو منفك
ص: 35
أو حكم بحالة، فانما ذاك من لواحق الاغيار؛ لتنزه الواجب عن خطرات الظنون و لحظات العقول مطلقا، و انما كان لها المحال في الصفات للحكمة العائد ما يترتب على غاياتها إلى المكلفين.
ثم الوجود المشار إليه انما لحقته هذه التسمية باعتبار معرفتنا له خاصة، لا أن فيه دلالة بمفهوم و لا تقابل مطلقاً فافهم. و هو منزه عن المواد و الهيولى(1) و الصور(2) اللاحقة للامكان لخروجه عن سلسلته و تساوي نسب أنواعه، فلا مخصص لبعض دون آخر، فلنذكر كيفية التأثير و الايجاد و دخول الاحكام المختلفة في الاشخاص الصادرة عنهما. و لما كانت كلها بمقتضى العلم و كان هو الاشرف على الاطلاق وجب أن نقدم القول فيه أولًا، ثم في العوارض و الاغراض المقصودة.
فصل
العلم حصول صورة المعلوم انتقاشاً في قوى العقل و النفس المعبر عنها بالذهن، فهي كالمرآة و الانتقاش فيها كانطباع المرئيات في تلك، فعليه قد يسهل النقش و زواله إن أفرطت الرطوبة أو يسهل الأول دون الثاني إذا أفرطت الحرارة و العكس، فالمراتب أربعة ضرورة.
و هذه القاعدة أصل يتفرع عليها الحفظ و النسيان و ما يغلب على الدماغ من أخلاط، و علاج ذلك كما سيأتي فاعرفه. ثم هذا العلم: اما من حيث هو مقصود لذاته، و هذا هو الفلسفة الأولى و الحكمة النظرية، و فائدتها استكمال النفس الناطقة في قواها و الوقوف على حقائق الاشياء بقدر طاقة البشر، ثم هذا العلم: اما نظري بحت، و هو اما مجرد عن المادة مطلقاً و هو الالهي، أو في الذهن و هو الرياضي. و يطلق على العدد و الهندسة و الهيئة و الموسيقى.
أو محتاج إلى المادة، و هو الطبيعي، و أفضلها الأول تدريجاً. و ليس لنا ما يتجرد عن المادة في الخارج وحده.
ص: 36
أو عمليّ، و هو اما متعلق بنفس الشخص من حيث هو، و يسمى «سياسة النفس»، أو بها و بما يحتاج، إليه من شهوات قواها الثلاثة و يسمىّ «تدبير المنزل». و المعلم(1) يسميه «تدبير المدينة الفاضلة، و اسطوغرياس» يعني المنزل و لوازمه، أو بما يعم و يسمى «السياسة الملكية و السلطانية». قال و هذه إن كان الحافظ لنظامها شخصاً ظاهراً قائماً بأحكامها الظاهرة و الباطنة قد دلت على وجوده القرانات الكبار فهي دولة النبوّة، و ذلك الشخص هو النبي المفاض عليه من قوى المجردات ما تميز به عن البشر، أو دبّر ظواهرها خاصة بدلالة القرانات المتوسطة، فهي السلطنة و صاحبها هو السلطان، و هذا قد يعم ملكه الاقطار العامرة إن اتفق استواؤه في الطوالع ذوات الازمان الممتدة و الا اختص ببقعة ما ساعده منها كما هو مقرر في موضعه كالتذكرة و غيرها من كتبنا، و عكسه الحكيم المجرد المعبر عنه عند أهل العرفان ب «الفرد الجامع» و كثير منهم يسمي ما يتعلق بالشخص وحده علم الاخلاق كما فعل الشيخ(2). و كل نوع من المذكورات قد يكون جنساً لاصناف تحته باعتبارات مختلفة كاختلاف العددي إلى حساب هوائي و قلامي و أرتماطيقي، يعني علم النسب، و الهندسة إلى ما يتعلق بالخطوط و السطوح و الاجسام و الزوايا و المنخرطات إلى غير ذلك و يشملها «الاشطر نوميا»: يعني النجوم و الاجسام، و كذا الايقاعات و النقرات و نسب المقام في علم الصوت و معرفة مقادير الحركة و تلافي الدوائر و تقاطع الجوزهرات في الهيئة إلى غير ذلك مما قررناه في التذكرة و كتاب و غاية المرام و غيرهما.
أو مقصود لغيره، اما للمعاني اصالة، و هو المنطق لانه للمعاني كالنحو للالفاظ من ثم سماه المعلم حين اخترعه ب «المسبار» يعني الميزان، و هو بسائر أبوابه التسعة مدخل و مفتاح الحكمة بأقسامها الستة، و من هنا كانت الحكماء تجعل كتبها أقساماً سبعة، أولها المنطق ثم البواقي، فلما
ص: 37
جاءت هذه الشريعة الطاهرة صلوات الله و سلامه على الصادع بها وجدت مشتملة على ما نسخ العلميات؛ و ذلك لأن مدار النظام اما على حفظ النفس و هو فيها بنحو القصاص، أو العقل و هو بتحريم ما يزيله من نحو الخمر، أو المال و قد صانته بالمعاملات من البيع و الرهن و التراضي في غيرها، أو العرض و قد ضبطته بحل الانكحة و تحريم السفاح، أو على الاعتراف بشكر المنعم و امتثال أوامر الملك و من جاء عنه بالناموس الالهي، و تميز من خرج من هذه الربقة، و ذلك معلوم منها بالعبادات؛ فلذلك اقتصُر في غالب الكتب المتأخرة على الأقسام الاربعة، ثم ضاق الوقت فأفردوا القدر المحتاج إليه من المنطق، و ذلك معرفة الكليات و القضايا و الاقيسة في كتب مخصوصة، و كثيراً ما يُحذف الرياضي أيضاً من البواقي، و هذا كله بحسب الدواعي و صلاحية الزمان. و قد استقصينا الواجب من كل ذلك في التذكرة، و استخلاص ما فيه كفاية أو يتوصل منه إلى ما يتعلق بالالفاظ و ذلك هو علوم الادب.
و لنا في تقسيم العلوم قاعدة: و هي أن سنلخص كل علم اما أن يتعلق بالاذهان كالمنطق و الحساب، أو باللسان كالنحو و الشعر، أو بالابدان كالطب و التشريح، أو بالاديان كالتفسير و الفقه، فهذه أجناس العلوم و تحتها بحسب اختلاف الموضوعات أنواع العلوم؛ و ذلك لانها إن كان موضعها المبادئ التصورية و التصديقية من حيث ايصالها إلى مطلوب كذلك، و غايتها عصمة الذهن عن الخطأ في النظر، فهو المنطق الباحث عن التصور و التصديق و تقسيم الألفاظ و الدلالات و الكليات و التعريف و القضايا و لوازمها من جهة و عكس و تناقض و الاقيسة الاقترانية و الشرطية يقينية كانت أو ظنية.
و إن كان موضوعه ذات الواجب على الاصح عندي من أقوال ثلاثة لما تقدم و كان ناظراً فيما تجرد عن العلائق و كان غايته السعادة الابدية فهو، الالهي، فأنواعه خمسة عند المتقدمين:
الأول: الامور العامة كالعلة و الوحدة
ص: 38
و التقدم و نظائرها، و الثاني: مبادئ الموجودات، و الثالث: اثبات الصانع و ما يصح له و يمتنع عليه، و الرابع: تقسيم المجردات، و الخامس: أحوال النفس بعد المفارقة. و زاد أهل الاسلام نوعاً سادساً سموه «السمعيات»، و هو مباحث النبوّة و المعاد. و أوّل من زاده الشيخ، و زادت المعتزلة مباحث العدل المعروف عند الاشاعرة بالأفعال، و زادت الامامية من الشيعة مبحث الامامة، و أول من أدخله ابن نوبخت في الياقوتة، ثم تبعهم أهل السنّة و غيرهم، و توسعوا فضموا إليه التصوّف(1) و مباحث الآجال و الارزاق، و كل ذلك قد أودعناه [في](2) كتاب غاية المرام مع زيادة الجدل و تفصيل السعادة بعد اختلال النظام.
أو كان باحثاً عما تجرد عن المادة في الذهن خاصة كما عرفت فهو الرياضي و أنواعه كما عرفت أربعة:
[علم الرياضى على اربعة اقسام]
أحدها: «جو مطريا»:
يعني الهندسة، لانها تعني الاربعة. انما اختلفت بحسب الموضوع فمتى كان هو الجسم التعليمي و أصوله، و هي النقطة المعبر عنها بنهاية الخط غير المنقسمة، ثم الخط الكائن عن امتدادها المقسوم من الطول خاصة، ثم السطح المؤلف من الخطوط المقسوم طولًا و عرضاً، ثم الجسم المركب منها القابل للقسمة في الثلاثة فهو هذا العلم.
و حقيقة البحث فيه عن الخطوط و الدوائر و الاشكال، و يجمعه أن أصل الخطوط ثلاثة مستقيمة كالعمود و الضلع و الساق، و مقوسة كالدائرة و أقل منها، و منحنيات و هي قليلة.
هذه هي الاصول التي إذا استحكمها العاقل اهتدى بها إلى النسب و الخواص و الموازين الحسابية و أحكام الاشكال و المجسمات و المخروطات و الكرات متحركة أولًا.
و عليه يتفرع بحسب اللواحق أصناف عشرة:
الأول: ما موضوعه تحصيل المطالب بالبراهين الكلية المخصوصة بالفعل،
و هو علم مركز الاثقال مثل «القرصطيون» يعني القبان.
و الثاني: أن يكون كذلك،
لكن لا يختص بالفعل بل يكفي فيه تصور الذهن، و هو علم المساحة.
ص: 39
و الثالث: أن يتعلق أيضاً بالايجاد الفعلي بلا آلة
و هو استنباط الماء.
و الرابع: أن يتعلق به مع الآلات التقديرية الزمانية كالبنكامات
، و هي المعبر عنها بالمزاول، يعني الرخامات.
و الخامس: أن يتعلق بالآلات الجزئية،
و هو جّر الاثقال و تركيب الدستور، يعني العود و الجنك و ذات الشعب.
و السادس: أن يتعلق بالآلات الذهنية
، و هو الروحانيات.
و السابع: أن لا يتعلق بايجاد فعل مبرهن،
بل يكفي فيه مجرد التصوير، و هو عقود الابنية و كيفية اتخاذها.
و الثامن: أن يتعلق بالنظر من غير التفات إلى الاشعة،
و هو علم المناظر.
و التاسع: أن يكون المطلوب فيه إلى الاشعة من حيث الانعكاس
، و هو علم المرايا المحرقة.
و العاشر: أن يتعلق النظر فيه بالفلك و المقادير،
و هو علم الكرات و آلات النجامة، و هذا في الحقيقة فرع الرابع.
و ثانيها: أي: أنواع الرياضي «أسطرنوميا»
، و يعبر عنه بالهيئة و النجوم و هو ما موضوعه الاجرام البسيطة فلكية كانت أو عنصرية، لكن من حيث الكم و الكيف و الحركة بأقسامها، و السكون و أحوال الكواكب في الأفعال و التقاطع و الشرف و التربيع و الاجتماع و المقابلة و الرجوع و الاستقامة و أحكام الأرض، و قدر المعمور منها و انقسام الاقاليم و تغير الزمان و غير ذلك، و يتفرع من هذه خمسة أصناف:
الأول: أن يتعلق بالنظر فيه بمجرد الرصد
، و هو علم العروض و الاطوال و محل الاماكن.
و الثاني: أن يتعلق بالاشعة،
و هو علم الظلال كنصب الخيط و المنحرفات و استخراج الحصص الزمانية.
ص: 40
و الثالث: أن يكون غاية النظر فيه تحرير الكواكب الخمسة و ما يخصها
، و هو علم الزيج.
و الرابع: أن ينظر فيه في مطلق الكواكب و ما يخصها
، و هو علم الاحكام مطلقاً، و قد يتفرع هذا إلى ما ينظر فيه إلى الاعمال الحسابية، و هو علم المواقيت، و إلى ما يبحث عن المكونات و الاشخاص من حيث سعادتها بالحركات، و هو الاحكام الخاصة.
و الخامس: أن يكون البحث فيه عن تحرير الكواكب
و كمية ما تقطعه زماناً و مكاناً، و هو التقويم مطلقاً، و يتفرع منه تسطيح الكرات و تحرير الاعمال و الارزاق.
و ثالثها: أي أنواع الرياضي «الارثماطيقي»:
و هو العدد، و هو ما موضوعه العدد من حيث انقسامه إلى الزوج و الفرد و التركيب و الضم و التكعيب و التناسب و غيرها، و يتفرع منه تسعة أصناف:
الأول: ما يتعلق بالذهن خاصة،
و هو المفتوح.
الثاني: ما ينظر في الرقوم،
و هو علم التخت العددي.
الثالث: ما ينظر فيها من حيث و المثلث الخالي الوسط و غيره
و المربع و ما يلزم. ذلك من الخواص ككون الالف في مثلها بسطاً تصرف الكائنات و تجلبها، و المخمسات تفعل التعاكس، و هو علم الاوفاق.
و الرابع: أن يتعلق باستخراج مجهول من معلوم بالاربعة المتناسبة،
و هو علم الخطأين.
و الخامس: أن يفعل ذلك من غير هذه الاربعة
، بل بالجذور و الاموال و الكعوب، و هو علم الجبر.
و السادس: أن يتعلق بالوصايا خاصة
و يكون بعضه متوقفاً على بعض، و هو حساب الدور
ص: 41
و السابع: أن يكون ناظراً إلى حصر الاموال خاصة
و انقسامها إلى القيراط و الدرهم و الدينار، و هو علم الخراج، و يسمى القوانين السلطانية.
و الثامن: أن ينظر فيه إلى حصر الأرض المزروعة
و ما يخص البقعة من البذر و الخراج، و هو علم المساحة الحسابية. و قد يدخل في الذي قبله.
و التاسع: ما موضوعه مجرد الاصطلاح
، و هو علم حساب اليد كوضع الابهام على الخنصر في الألوف و البنصر في المئات و هكذا. و عندي: أن الرمل عائد إلى علم التخت في الحقيقة كما أن الرياضة تعود في الحقيقة إلى استنباط المياه.
و رابعها: أي الرياضيات «الموسيقي»
: يعني علم النغم، و هو ما موضوعه الصوت من حيث تركيبه مستلذاً مناسباً، و نسب الايقاع على الآلات المخصوصة مثل الارغر: يعني ذات الشعب، و هذا العلم خمسة أصناف:
الأول: معرفة النقرات و كيفية تأليف الاصوات منها، و هي كالاسباب و الاوتاد في علم العروض.
و الثاني: علم الايقاع، و هو تنزيل الاصوات و النغمات على الآلات و طرق الضرب.
و الثالث: علم النسبة، و هو معرفة أن البم مثلًا إذا كان ستين طاقاً يكون المثنى ثمانية و أربعين، و أن السدس للثلث في الشد الاعظم على دستام الوسطى و السبابة و أن الرست مثلًا ينفع الماليخوليا(1) الكائنة عن البلغم إلى غير ذلك.
و الرابع: علم تفكيك الدائرة و بيان ما بين المقامات من النسب مثل الركبي و الرمل.
و الخامس: علم التلحين، و هو رد الموشحات و الاشعار الرقيقة إلى نغمة مخصوصة بطريق مخصوص. و القاعدة فيه راجعة إلى العروض في الحقيقة، فان ما كان من بحر البسيط يعمل من الحسيني بالرفع على مستفعل
ص: 42
و الخفض على فاعل. ورد الاوزان في بقايا الاجزاء مركباً و ما كان من الخبب يعمل من السيكاه بعكس ما تقدم.
و هذا أمر سهل مع أنه الآن مفقود و الطب في غاية الحاجة إلى هذه الصنائع؛ اذ كان موضوعه الجسم الطبيعي من حيث إنه محل التغيير في أنواع الكم و الكيف و هو العلم الطبيعي، و يسمى البحث فيه وحده «علم الطبيعة»، و اذا انضم إلى الرياضي فعلم الفلسفة الثاني؛ لأن الالهي هو الأول، و هو علم ما وراء الطبيعة، و هو أعلى الحكمة، و أوسطها الرياضي، و أدناها الطبيعي. هكذا قال المعلم؛ فلذلك رتبناها كذلك. و عندي: أن هذا الترتيب من حيث العقول القاصرة التي لا يمكنها الترقي إلّا بالنظر في المحسوسات، و الا فالذي أراه أن الرياضي أدنى و أسهل. و قد قسم المعلم الطبيعي ثمانية اصناف:
الأول: علم سماع الكيان
بفتح السين على أنه مصدر سمع و كسرها على أنه ذكر الاشياء، و هو ما يبحث فيه عن المواد و الصور و الحركة و النهاية و العلل. و المتأخرون سموه الامور العامة.
الثاني: علم السيماء[20]
و العالم، و هو يبحث فيه عن الافلاك و العناصر و ارتباطها و ما يكون عن ذلك من حيث الاعتلاق و التماس، و ما في ذلك من الحكم الالهية.
الثالث: علم الميزان بالمعجمة معناه الاثار العلوية
، و يبحث فيه عن تغيرات العناصر في نفسها و أحكام الصاعدات عندها من بخار و غيره، و كيف ارتبطت الحوادث العنصرية بالحركات السماوية، و ما علة حدوث نحو الصواعق و قوس قزح و ذوات الاذناب و الهالات، و هل هي علامات لحوادث الدهور أم لا؟ و هذه المكونات قد ألحقتها [ب](1) المواليد الثلاثة و جعلت المواليد أربعة؛ رعاية لمطابقة المزاج العنصري و سميتها بالاثار الناقصة، و لم أسبق إلى ذلك.
ص: 43
الرابع: علم الكون و الفساد
و سماه بذلك لتعلقه بالمركبات. يبحث فيه عن كيفية كيان المواليد الثلاثة و استقصاء أنواعها و أشخاصها و آجالها و تدبير موادها و صورها و بيان علل ذلك.
الخامس: علم المعادن و كيفية انقسامها
و أنها اما تامة جامدة كالياقوت أو تامة منطرقة كالذهب أو ناقصة صحيحة سيالة كالزئبق أو شعالة كالكبريت أو فاسدة يرجى صلاحها و نقلها إلى كيان آخر مثل الكحل و الرهج أو لا مثل الزاج(1) و الشب(2)، و ما وجه توالد كل ذلك.
السادس: علم النبات.
يبحث فيه عن مواده من العصارات و المياه و عن تقسيمه إلى ما ينبت و سينبت اما من بزر، أو قضيب، أو ثمر، و أن كلا اما طويل أو قصير، و الطويل اما كامل، و هو ما جمع الاصول و الفروع و الورق و الحب و الثمر و الصمغ و الليف و القشر و العصارات، كالنخل، و الناقص، ما كان عادما أحدها، و ناقص الناقص، و هو ما عدم الاكثر مثل التنمش من غالب النبات.
السابع: علم الحيوان،
استقصينا فيه مواد صوره، و أنه مقسوم إلى مستقيم كالانسان، و معوج لا إلى الغاية كالطير، و مكبوب كذوات الاربع، و مسحوب كالافاعي، و أن كلا أما بري أو بحري، و كلٌ اما من ذوات السموم أم لا، و بين كيفية اتخاذها و تأهيل الوحشي منها و العكس، و مواقيت سفادها و آجال حملها و اعمارها، و كيف تتركب أنواعها حتى يكون منها نوع عن نوعين كالبغل عن الحمار و الفرس ولاي شي ء لم تلد البغال و التفول إلى غير ذلك.
و هذه الثلاثة كثيراً ما أدخلها المتأخرون في الرابع، لكن العلم أجمل و فصل. و قد استنبطت من الخامس علم الموازين و رددته إليه بعد ما ذكروه مفرداً و استخرجت علماً سميته ب «القسطسة» ذكرت فيه معنى الطبخ و الني ء و الفجّ(3) و القلى و الشي و الاحتراق و نزلت عليه أنواع المعادن، و استخرجت من السادس علماً سميته علم «السنبرة» معناه القوانين، ذكرت فيه أن كل فرد من
ص: 44
أفراد النبات يحتاج إلى اثني عشر قانوناً معرفة لغاته و زمن غرسه أو زرعه، و ماهيته من أول ما ينبت إلى يوم قلعه، و يخدمه أي كوكب، و كم يبقى حتى تسقط قواه فلا يستعمل في دواء بعدها، و بم يعرف الصحيح و الفاسد منه، و بأي شي ء يغش، و كيف يعرف، و ما درجته و ما نفعه، و ما القدر المأخوذ منه في اختلاف البلدان و الابدان، و ما ضرره و ما اصلاحه، و بم يبدل عند العدم. و غالب هذه مأخوذة من الفلاحة. و الشيخ في الحقيقة قد فتح هذا الباب، لكنه لم يحرره. و في النفس شي ء من النظر في السابع، و نحرره ان شاء الله تعالى.
الثامن: علم النفس من حيث هي
و تحرير القوى و كيفية بثها في الجماد و النامي و الحساس و بين فيه أن النفس متعلقة بالكل و أن أشرفها الانسانية و أنها باقية بعد انحلال هذا الهيكل ثم قال: إن هذا القسم يعرف بالمجردات الذهنية و أنه عشرة فنون؛ لأن البحث فيه، اما أن يتعلق بعموم الاجسام و يدخل في كل نوع منها، و هو السحر؛ لانه بمعونة من العلويات و دخن معدنية و نباتية، و غايته التأثير في الحيوانات كما يشاهد من النيرنجيات، أو يخص البسائط فان تعلق بالفلكيات فعلم النجوم، أو بالعنصريات فعلم الطلاسم؛ لانه موضوعه. و احتياجه إلى غيرها لا ينافيه، هكذا قال. و قد أقره الشيخ و غيره. و عندي أن: علم الطلاسم كعلم السحر يعم الكل؛ لانه اما مجرد وزن كخرزة الزعفران في وضع الحمل، فانها متى تغيرت عن عشرة مثاقيل بطلت، أو بالوقت كتصوير السمكة في سادس السنبلة لجلب السمك، أو بمجرد الخواص كدفع الحائض البرد إذا تعرت و جلب المطر بالبجادي، أو بالبخور أو بالشحوم كسائر النيرنجيات. فقد بان لك صحة ما اخترته و لا دافع له فيما أعلم. أو يخص المركبات الجامدة، و هو علم الكيمياء، أو النامية غير الحساسة، و هو علم الفلاحة.
هذا النظر في ذي المزاج و الا فهو «علم السمياء». أو يخص المتحركات فحين يبحث عما
ص: 45
لا يعقل فعلم «الزردقة» يعني البيطرة و البزدرة(1)، أو يخص النفوس العاقلة بهياكلها؛ فان بحث عن أحوالها الظاهرة من حيث دلالتها على الاحوال الباطنة من عدو و سلامة و شجاعة و غيرها فعلم الفراسة، أو يبحث عن مشاهدات النفس حال انفلاق الحواس عنها بالبخارات الخلطية الصحيحة و هو النوم، فعلم تعبير الرؤيا، أو يكون غاية النظر فيه إلى حفظ الصحة الحاصلة و استرداد الزائلة و دفع العوارض الممرضة فهو علم الطب، فهذه خمسون علماً عقلية، قد حررنا بحمد الله فيها الكتب المعتبرة و الرسائل المبتكرة و استقصينا النظر فيها في التذكرة و اشرنا ههنا إليها اجمالا طلباً لتحريك الهمم الصادقة إليها، و حصر الاصول المعول عليها، فقيض اللهم لما ألهمتنا إلى تحريره نفساً دراكة ساميةً وهمةً صادقةً عاليةً لتتم المطالب و تبلغ المآرب.
أو يكون العلم مقصود لغيره، و هذا أيضاً مختلف كما مر.
فان كان موضوعه الكتب الالهية المنزلة على الانبياء لقصد التعبد بها فهو علم المصالح على الاطلاق و يسمى «السياسية السماوية و علم الناموس الاعظم».
و هذا إن كان باحثاً عن ألفاظ كتاب من حيث رقمها فعلم الرسم، أو من حيث النطق بها فعلم القراءات و اللغة و الاشتقاق، أو عن المعاني وحدها فهو علم التفسير من حيث هو، و فيه الاجمال و الابهام و الناسخ و نظائرها و العقائد و المواعظ و التصوف و الاحكام الشرعية و الفرائض و التعبير و الاستنباط و الطب إلى ما لا يحصى، أو كان باحثاً عن المعاني و الالفاظ معاً، فهو علم الفصاحة و البلاغة و المعاني و البيان و البديع و وجوه الاعجاز.
أو كان موضوعه السنة خاصة فعلم الحديث مطلقاً، و هذا أيضاً إن كان باحثاً عن مجرد الالفاظ فعلم السنة و اللغة كما مر، أو عن المعاني فكذلك من غير فرق، أو عنهما فعلم الاسماء أحوال الرواة و كيفية الاسناد و علم التاريخ و الاجازات و الجرح و التعديل و القلب و الدرج و التصحيف
ص: 46
و التدليس و الصحة و الحسن و الضعف و الوضع و الرواية و الدراية، و تفصيل كل كما هو في محله.
أو كان موضوعه الكتاب و السنة معاً فالفقه. أو هما مع القياس و الاجماع فأصوله؛ لانه عبارة عن القواعد الاجمالية المكتسب منها الاحكام التفصيلية الشرعية و هو الفقه.
او كان باحثاً عن الالفاظ العربية من حيث اعرابها و تغيير أواخرها بالعامل فعلم النحو أو من حيث صيرورة الاصل الواحد مختلفاً و تغيير الكلمة مطلقاً و كيفية القلب و الاعلال فعلم التصريف. و يقال لما تعلق بمجرد التكاليف منها علوم شرعية و لما تعلق بتصحيح الالفاظ في النطق علوم الادب و قد يخص عرف قوم علم الادب بما كان منها موزوناً مقفى عن قصد، و هو علم العروض، فهذه حقيقة تفاصيل مطلق العلوم و فيها تداخل. و رد بعضها إلى بعض لا يسعه هذا المحل فاطلبه من مواضعه.
كل عاقل إذا أمعن النظر في تحقيق شرف العلوم وجده محصوراً في ثلاثة أوجه: الموضوع، و الحاجة، و الجمع بينهما، فمتى كان موضوع العلم شريفاً كان العلم كذلك، و كذا إن مست إليه حاجة النظام معاشاً و مالًا فقد بان أن أشرف العلوم ما شرف موضوعه و مست الحاجة إليه.
و هذا هو علم العقائد و الاحكام الشرعية و الطب؛ لما عرفت سابقاً، و نحن قد اسلفنا في صدر هذا الكتاب أن العلوم الشرعية بحمد الله تعالى مشيدة على الابد غير محصية التصانيف، و أما العقائد فقد حررناها في كتب أُخر، و كذا البواقي و لله الحمد، و قد قدمنا أن الغرض الاقصى في هذه الرسالة بيان استنباط المهم من الطب و الحكمة على سبيل العجالة. فلنشرع بعد ما عرفناك قواعد العلوم فيما نحن بصدده فنقول:
لا مرية في أن نسبة مطلق العلوم إلى الطب محصورة عقلا في ثلاثة اقسام؛ لأن كل علم فرضته مع الطب، اما أن يكون كل منهما محتاجاً إلى الاخر
ص: 47
أو يكون العلم المفروض خاصة هو المحتاج إلى الطب أو العكس فالأول مثل علم العوم فانه عبارة عن الخفة على الماء بجملة البدن
من غير آلة، و هذا لا يحصل للجسم الكثيف إلّا بعد صيرورته ظرفاً لجسم لا يمكن غوصه في الماء و ذاك اما النار أو الهواء، و لا سبيل إلى الأول، فتعين الهواء، و ابتلاعه يكون اما بالتنشيق من الانف و الفم أو الهدر أو المقدور من الفم خاصة، و كلاهما محصل للغرض لكن الأول أسهل و متى دخل الهواء المذكور ملا الخلاء و برد الماء و ولد الارياح الغليظة و الفتق و فساد الهضم و نحو ذلك. فاذا كان عارفاً بالطب استفاد منه اصلاح ذلك، و قد استقصينا علم السباحة و آدابها السبعة عشر و كيفية بلع الهواء و ما يستعمل فيه من المآكل في التذكرة، و أما أن الطب محتاج إلى العوم فبيانه أن الطب يأمر الابدان قبل الاغذية بالرياضة لتحليل الفضلات و لا شي ء أصلح من العوم في رياضة الابدان الجافة و أما الثاني: فمثل علم الكتابة و النقش و التصوير، فانها محتاجة إلى الطب في تصحيح الذهن و البصر؛ ليتم المطلوب و ليس للطب حاجة إليها. و أما الثالث: فمثل التشريح فان الطب يحتاج إليه جداً في أمور كثيرة، بل لا يتم إلّا به، و التشريح من حيث هو في غنية عن الطب. هذا كله مع تحقيق المناط بالوجه الظاهر. أما إذا نظرت في مطلق الاحتياج فليس لنا علم يستغني عن الطب؛ لأن تحصيل العلوم و القيام بنظام الناموس الشرعي و الالهي و غيرهما لا يتم إلّا بالصحة، و هي لا تكون إلّا به، فافهمه.
ما استحال اتصاف غير الواجب المطلق بالوجوب الذاتي بقطع قواطع الادلة علائق الاشتراك عنه فيه، و ثبت افتقار ما سواه إليه و لو واجباً لغيره، و استحال صدور الكثرة بالتأثر من واحد جهة و اعتباراً، و رأينا وجود ذلك؛ لزمنا النظر في حقيقته. فقلنا: انه لا بد من صادر أول يكون التكثر بسببه، و رأينا
ص: 48
أنه لا يخلو من أن يكون اما مركباً أو بسيطاً.
و الأول محال؛ لافتقاره، و الثاني اما أن يكون نفساً فتفعل قبل الجسم أو عرضاً فيكون غنياً عن المحل؛ لعدمه حينئذٍ أو هيولى أو صورة فتفارقا، و الكل باطل.
فينبغي أن يكون عقلا بالضرورة له جهتان، جهة وجوب يكون بها عنه عقل آخر، و امكان يكون بها الفلك، و هكذا إلى تمام التسعة فيصدر العقل الفعال بالحركة في عالم الكون و الفساد. و برهان الحصر عندي مشكل.
و حيث ثبت بهذا مبدأ الممكنات و اتضح بيان تلازم المعلول و العلة و تأثر كل سافل بما فوقه حيث توفرت القابلية و الفاعلية و الزمان المتسع لذلك، بان أن كل حكم مربوط بسبب يوجبه. نكتة
إذا تعددت العلل فما توقف التأثير عليه فهو الاصل بالذات، و غيره عرض، و ما اشترك منهما فحكمه حكم الاتحاد. قاعدة
الافلاك تُباين ما تحتها من لوازم الكيفيات خاصة، فيتفرع على ذلك امتناع الميل و الاستقامة و الثقل و الحر و اليبس و الفساد، و نحو ذلك عليها، و أما اشتراكها في البسائط فمن حيث عدم الاطلاق المجرد خاصة. فروع
الأول: إذا أحكمت ما سبق في صدر المقدمة علمت أن التأثير المشار إليه و توسط الارتباط ليس ذاتياً بل جائز التخلف؛ لأن الفاعل المطلق مختار عندنا.
الثاني: إذا تفاوت زمن المؤثرات وجب أن تتبعه المنفعلات في الحدوث؛ و من هنا يختلف انعقاد المعادن و تخلق النبات و تصور الحيوان و تقدير آجال كل.
الثالث: أن الحكم على القمر مثلًا بالبرودة مع ما تقدم من امتناع اتصاف المجردات عن ذلك، فالحكم عليه به(1) عند زيادة الكوكب أو ارتفاعه أو اقباله أو غير ذلك، لا أنه في نفسه كذلك، و هل ما يكون في المركب عن
ص: 49
الفلك من المقتضيات من قبيل الخواص أو بضرب من المشاكلات؟
بالاخير قال بطليموس و أتباعه، و الرازي(1) من الاسلاميين بالأول. و ليس كذلك، و الا لما احتجنا إلى بيان الارتباط و لدامت الخواص في موضوعاتها عند زوال المسامتة، و هو باطل. فتعين الثاني، وفاقاً للمعلم و الشيخ.
الرابع: لا تختص التأثيرات في عالم الكون بالافلاك ، فقط كما لا يختص الفعل بالطبع، و ستعرف الطوارئ. فهذه مباحث عامة يُنتفع بها في جل ما أشرنا إليه، و ما سيأتي ان شاء الله تعالى.
ص: 50
[فصل: كلّ مركّب فهو في معرض الفساد؛ لجواز زيادة أحد أجزائه على ما ينبغي أو نقصها كذلك]
فصل كلّ مركّب فهو في معرض الفساد؛ لجواز زيادة أحد أجزائه على ما ينبغي أو نقصها كذلك، و حيث يجوز اسناد التغيير إلى النفس و التغيّر فتنقسم الطوارئ إلى ما يتعذر ضبطه لصدوره من غير الاختيار كالهواء أو إلى عكسه كالغذاء، مست الحاجة إلى وضع قانون يفيد ذلك، و هو علم الحكمة العملية و الطبيعية كما عرفت.
قاعدة مادة كل جسم أصله الذي يكون عنه أولًا، و تسمى العلة المادية و تنقسم إلى بعيدة كالعناصر للحيوان، و قريبة جداً كالغذاء بالفعل، و بينهما وسائط تقل و تكثر بحسب الموضوع. تتمة المادة المذكورة إن كانت فاعلة بنفسها لزم استقلالها بالفعل و صدور نحو الانسان عن الاركان اصالة و عدم الحاجة إلى الوسائط. و بطلان التوالي بديهي فكذا المقدمات. و بيان الملازمة ظاهر، فوجب ثبوت علة بها خروج الشي ء من العدم إلى الوجود، و تسمى الفاعلية.
ثم حال خروج الشي ء اما أن يتميز وجوده بصورة تعينه أولًا. لا سبيل إلى الثاني، و الا استوى العدم و الوجود و المجهول و المعلوم، و قد فرضناها أضداداً، هذا خلف، فتعين الأول.
و يقال في سماع الكيان علة صورية و هذا المجموع الكائن عن الثلاثة اما أن تكون لفائدة عقلها الفاعل قبل الفعل أولًا. لا سبيل إلى الثاني؛ للزوم العبث في أفعال
ص: 51
الحكيم، و هو محال فتعين الأول، و هو العلة الغائية، و هذه الاربعة داخلة لازمة في كل ممكن. و لنا فيها رسالة مستقلة حققنا فيها الحق في ايجادها و ترتيبها.
قد بينا آنفاً أن كل عمل لا لغاية و أن توجه القوى العقلية إلى غير متصور محال. و دفع تحصيل الحاصل واقع بالاكتفاء بمطلق التصور لا بالتصور المطلق فلا تقف عنده، و التصور الكافي هنا حاصل بالحد؛ لتكفل اجماله بتفصيل ما سيأتي، و قد علمت حدود العلوم سابقاً، فلنلحق الطب؛ لكونه المقصود هنا أصالة بزيادة فنقول: هو علم يعرف منه أحوال بدن الانسان من جهة ما يعرض لها من صحة و فساد «فعلم» كالجنس و «أحوال بدن الانسان» كالفصل لنحو النحو و «من جهة الخ» اخراج لنحو الطبيعيات. هكذا حدّه ابن رشد(1) و القدماء. و فيه: فرعية كل من الصحة و المرض. وحده الشيخ و الملطى في الشافي و جالينوس(2) في غالب كتبه بأنه: علم بأحوال بدن الانسان يحفظ به حاصل الصحة و يسترد زائلها. و فيه: أن المرض عارض، و هو جيد. لكنّ الظاهر الأول.
و هنا مناقشات بسطناها في الشرح و التذكرة.
و أما الموضوع فقد أوضح المعلم في الميزان أنه: ما يبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية، فيكون هنا بدن الانسان؛ لأن الصحة و المرض له، كذلك الطب باحث عنهما.
ثم لا بد حينئذٍ أن يكون الموضوع الواحد لعلوم متعددة إذا اختلفت الحيثيات كالجسم من حيث التغير الطبيعي، و افتقاره إلى الايجاد الالهي، و تركيبه عن النقطة و ما بعدها للهندسة و هكذا. ثم هو قد يكون قريباً كالبدن للطب و عكسه كالعناصر و متوسطاً كالامزجة، و تحقيق ذلك كله راجع إلى الحكيم، فانه هنا كالاصول للفقه كما يتعلم الفقيه منه أن فروض الوضوء
ص: 52
مثلًا ثمانية أو ستة أو أربعة كذلك الطبيب يتعلم من الحكيم أن العناصر أربعة، و الاسباب ستة إلى غير ذلك من غير مطالبة ببرهان. قاعدة
المبحوث فيه هنا اما أن يكون عن غير اختيارناً، و هو ما جرت العادة بتقديمه من الامور الطبيعية، و يسمى العلم النظري، أو به كتعديل الاهوية و غيرها من الاسباب، و هو العمل النظري يعني بكيفية تعسر مباشرته فهذه أصول قسمته، فلنأخذ في تفصيلها فنقول:
الامور الطبيعية عند الجلّ سبعة، و قيل أكثر من ذلك كما ستراه.
فصل في أولها: و هي العناصر الاربعة
العناصر الاربعة و تسمى الاركان و الاسطُقسّات و الامهات و الاصول و المادة و الهيولى باعتبارات مختلفة لا مترادفة على الاصح، و هي و الاخلاط(1) و ما بعدها مادية، و المزاج صورية، و الأفعال غائية، و الفاعل معلوم. و سيأتي أن المراد بالطبيعيات ما قوم الوجود و الماهيات معاً. و انما كانت أربعة؛ لحصر الحركات بين المركز و الوسط و المحيط، فما تحرك عن المركز إلى المحيط خفيف مطلقاً إن بلغ الغاية و عكسه العكس، و المتوسط مركبّ مضاف إلى الخفيف إن قرب من المحيط و الا إلى الثقيل.
فالأول: النار، و هي حارة أصالة يابسة؛ لعدم قبولها التشكل.
و الثاني: التراب، يابس أصالة بارد اما بالاكتساب، و هو رأي العامة، أو للتكثف و الاقتضاء.
و الثالث: الهواء، رطب بالذات لا لمعنى السلامة بل للانفعال.
و الرابع: الماء، بارد في الاصل حساً و احيازها إذا خليت عن القاسر رسوب التراب عن تحت الكل؛ لما يشاهد من عود الحجر المقسور إلى مركزه إذا انقطع القاسر، و فوقه الماء للمشاهدة و فوقه الهواء بدليل ارتفاع الزّق(2) المنفوخ. و النار أعلى الكل تحت فلك القمر، و ينقلب كل منها إلى
ص: 53
الاخر. قالوا؛ لأن الهواء في نحو كير(1) الحداد يصير ناراً، و النار تصير هواء حيث تصعد متراكمة. كذا نقلوه عنه و أقره الكل.
و عندي فيه نظر؛ لأن النار لو انقلبت هواء لم تصعد بخط مستقيم على زاوية قائمة إلى المحيط، و أما الهواء الذي في الكير، فأقول: انه لم ينقلب و انما يلطف و الا؛ لاحتراق الظرف، و أما انقلاب الهواء ماءً، فمشاهد من السحاب المتقاطر، كذا قالوه. و أقول: انه لم لا يمكن أن يكون ماء صعد سابقاً كما في التطير للارواح، و لم يثبت عندي إلّا انقلاب الهواء ماءً في القوارير على سطوحات باردة و في كهوف الجبال المرصودة كذلك، و أما انقلاب الماء حجراً فقد ادعوه أو عكسه، و لم يقم عندي عليه برهان؛ لجواز أن يكون المتجمد في القنوات طيناً و المتقاطر من الاحجار ماءً كامناً. و استدلال السهروردي(2) و الشيخ إلى الاحجار الحديدية الساقطة من السماء، غير ناهض بالدعوى؛ لاني اقول: انّها أدخنة و بخارات تصلبت عند الاثير. و لو كانت ماء لتحللت. و قد اعترف في الشفاء بأن: صاعقة سقطت بأصفهان فجاءت مائة و خمسين منّاً فاريد تحليلها فصعدت كلها بخارات مختلفة، و لو كانت ماءً لذابت و بقيت محسوسة؛ لأن الشي ء لا يخرج عن صورته الاصلية بالتلبس، إلّا ترى أن الماء و إن صار محرقاً يرجع إلى أصله عند زوال المانع، بل يبرد قبل البارد لتخلخله و لو خلع لم يعد. و هذا مذهبه أي السهروردي؛ لانه ينكر الصناعة و يحتج بأن القزدير الذي يكسبه الذهب كيان الفضة يعود إلى الاصل بالفارقات، و هو محق في هذا فكيف يحتج بما ذكر.
تنبيه: مقتضى العقل أن تكون طبقات هذه العناصر أربعة لكل واحدة صرفة فتحفظ الاصل، و أخرى تمد العالم و حامية للصرفة من غيرها من الجهتين، و الحال أنهم أثبتوا للاربعة سبعة و السهروردي ستة، و الشيخ لم يحقق في هذا كلاماً، و الذي ذكروه عنه تسعة، ثلاثة للتراب و واحدة للماء
ص: 54
و كذا النار، و أربعة للهواء، و في التلويحات ثلاثة.
و الذي أقوله: وفاقا للمعلم انها تسعة، و تعليلها أن التراب ليس تحته ما يحترز منه فله الصرفة و الطينية و المكشوفة للشعاع، و الماء له الصرفة خاصة؛ لأن التراب و الهواء يهربان منه للشعاع، و فوقه المادة المكونة للكون قد امتزجت بما صارت به مرة و مالحة و عذبة و غير ذلك.
و أول طبقات الهواء: ما أحاط بالماء، و هو البارد الذي يبرد نحو الماء. فلا يقال لم حكمتم بحرارته و هو يبرد!
و ثانيها: ذات الدخان و البخار و هو على ستة عشر فرسخاً من سطح الأرض إلى الجو. و ثالثها: الصرفة.
و رابعها: النارية، و النار كالماء فيما ذكر. و الاربعة بسيطة شفافة غير ملونة، و هي أجزاء أولية للمركبات. و هل يوجد منها البسيط؟
عندنا أقوال ثالثها يوجد في غير التراب كنار الفتيلة و ماء المطر إذا صفا الجو، و الهواء إذا عدمت الرياح، و رابعها: لا يوجد إلّا في الهواء.
فصل في ثانيها: و هو المزاج
المزاج. و حقيقته، كيفية متشابهة عن تفاعل صور الاركان و انفعال موادها بالتماس و التصغير، و كسر كل صورة الاخر لتكون المركبات، كذا قرروه.
و عندي فيه نظر؛ لأن الانكسار و الكسر إن وقعا على التعاقب لزم انقلاب المكسور كاسراً، و هو محال. أو معاً لزم اجتماع الضدين و هو باطل أيضاً. و هذا اشكال قوى تعكسه المشاهدة و لم يحسنوا تقويمه. و يمكن أن يقال: إن المراد بالكسر التكافؤ لا القهر.
و أما كيفية تمازج العناصر فأمر يعجز الاذهان تصوره، و قد أطلقنا تحقيق الاستحالة و حال العناصر مع الشعاع. و هل المنضح في هذا العالم هي أم الشمس؟ في غير هذا المحل فليطلب.
و حاصل البحث: أنك قد عرفت حال الطبقات و الاحياز و أن كلًا لا يجامع الاخر فكيف تمتزج، و المقرر فيه، أنه قال في كتب السماع
ص: 55
و الطبيعيات: أن الكواكب فصلت مواد العناصر حتى جمعتها كيفية قامت عنها المولدات و أقره الشيخ و غيره.
هذا، و عندي فيه نظر، لأن الكواكب يستحيل اجتماعها على نسب طبيعية بحيث تفصل ما يجب في الوقت الواحد في سائر البقاع؛ لأن الشمس مثلًا إذا كانت في الجدي فما الذي يصل نحو هذا، الرابع منها و بالعكس في الحبشة و هكذا البواقي. و دوام الحركة يمنع مناسبة المسامتة و يمتنع أن يقول: إن المزاج وقع أول الدورة. فقد قالوا: انها كانت في أول الحمل مجموعة. و فيه ما فيه؛ لانه يلزم وقوع الامتزاج أولًا في الاقليم الأول، و قال افلاطون(1) و فيثاغورس(2) و مقراطيس أن الامتزاج كان باعطاء العناصر قوة الاجتماع لما بينها من الانقلاب و التناسب. و هذا أشكل من السابق، لانه يستلزم اخراج العنصر عن موضوعه بلا قاسر، و هو محال، و الا لجاز ارتفاع التراب عن الماء و استقرار الهواء تحته، و أيضاً الانقلاب لم يقع إلّا بعد امتزاج وجه الأرض بالمختلفات، و قد علمت مذهبي فيه.(3)
أنا أقول: إن الفاعل المختار حيث اخترع البسائط من غير سبق هيولى و لا مادة، كذلك اخترع المزاج منها، و لئن لم تطب نفوسهم فلم لا يقولون إن النفس الكلية السارية في الكائنات استخلصت من العناصر هذه المادة، أو يقولون إن القوى التي أمدت العالم من هذه الكيفيات انفصلت منها قبل تحركها إلى أماكنها كما مر في الطبقات.
ثم التفاعل و الانفعال يتمان بالتداخل و مجرد التأثير اما بالمجاورة أو الملاقاة. فهذه الاصول للكون، و أول حادث عنها المعدن ضرورة و الا لصح وجود النبات و الحيوان في غير حيز. كذا قالوه.
و عندي فيه نظر؛ لأن النامي حيزه الترابي المطلق لا مطلق الأرض، بل المتجة أن اختلاف المعادن لم يقع إلّا بعد تمام الكون؛ لافتقار ذلك إلى الاملاح و الزرانيخ(4) و الزيابق و هي منه لما شاهدناه
ص: 56
في الناسول و الشعر و الدم. و يمكن الجواب عنه: بأن بساطة التراب مع أشعة الكواكب و الرطوبات المائية كافية في التوليد، ثم بعد المعادن النبات، كذا قاله المعلّم؛ لانه توت الحيوان فايجاده قبله من الحكمة؛ لعدم بقائه بدونه، و هذا حق.
لكن يمكننا مناقشته؛ لانا نقول: إن مجرد التراب البسيط لا ينبت دون أن يخالط نحو الارواث كما قرر في الفلاحة، فيجوز تقديم الحيوان و اقتيات بعضه ببعض، و يجوز أن يرد هذا بما سبق في المعادن.
ثم الحيوان على اختلافه، قد وقع الاجماع على أن الانسان آخر أنواع المواليد ايجاداً، و أنه أشرفها و هي حدوده، فلذلك أشبهها فمنه جامد في الفطرة، لكن اما صاف عديم الضرر كالياقوت(1) أو خبيث كالرصاص(2)، و منه مرّ مع نفع كالسبر و ضرر كالدفلى(3) و حلو كالعنب و حامض كالليمون، و منه غادرٌ كتوم كالجمل و مفترس كالاسد و خبيث كالقرد و حيران مع القدرة كالنمر، و مع العجز كالارنب، و متملق كالهر، و مألوف كالكلب، و نفور كالظبي. و منه ما يجذبه الكلام، و الضرب كالدب، و المقاود كالضبع، و ما تجلبه الشهوات كالحمار، فهذه أخلاق يحتاج إليها الملك في سياسة المدن الجامعة.
و منهم الانسان الخالص: و هو الكائن بين نفس بحت شأنها التهذيب بالاخلاق و النظر في النواميس و السياسات و العلوم الفاضلة طلباً للغايات التي من أجلها أدخلت هذا الهيكل، و بين جسم بحت شأنه التنعم بالشهوات الحيوانية من لبس و أكل و نكاح، فان مال إلى الأول فهو الكامل المطلق كخواص الانبياء و ذوي النفوس القدسية، أو إلى الثاني فهو الحيوان بالحقيقة، أو اخذ من كلٍ بنصيب فهو العدل المستقيم. و هذا كله بمجرد عناية المختار في الاصح.
و قال: انه بمقتضيات وقت التخلق و الخروج، و في الحقيقة لا منافاة إن جعلت الكواكب علامات على تحقيق ذلك عندنا
ص: 57
تتمة:
إذا كان الانسان آخر ما وجد، فكيف يكون اشرف؟ لأن المزج بل مطلق الاشياء أصح ما تكون في أولها
و يمكن أن يقال إذا تعجل التمزيج و تعاقبت عليه المؤثرات كان أعدل فلذلك أخر حتى أحكم المزج، و لما سبق من ارادة الحكيم تخلقه بما ذكر، بل جماع صورة العالم العلوي فيه من مخارج كالبروج و حواس كالكواكب و عروق كالدرج إلى غير ذلك
خاتمة
حيث تحقق المزاج فلا اشكال في نشو المواليد. و انما الكلام في التئامها كيف كان؟
فأقول: إن مبدأ الكون التركيبي كان مع عناية المبدع حين اشرقت الكواكب على البقاع فسخن البعض بفعل الشمس و برد البعض بنوبة القمر و يبس و حُمض باشراق زُحل، و احَمرَّ و ملُح و قبض بالمريخ، وحلا و ابيضَّ بالمشتري، و صفا بالزهرة، و امتزج بعطارد، ثم تعاقبت الطوارئ السفلية فتخلخلت الاغوار وجفت الجبال و تراكمت الابخرة، فكان عن الحر و اليبس، الكبريت و ضده الزئبق، فاجتمعا بنظر المدبر جذبا بقوة عاشق و معشوق فائتلفت، فقضى العقل بأن الاصلين إذا خلصا و خدما بالاعظم و مدا بالقوة الصابغة فان فنيت رطوبتهما كانا نحو الياقوت و الا الذهب، و إن زاد الزئبق و انسلب الصبغ و خدم القمر فمع فناء الرطوبة يكون نحو الياقوت الابيض و الا الفضة، أو صح الكبريت و الصبغ و قل الزئبق و خدمته الزهرة فنحو المرجان(1) و النحاس، أو زاد الزئبق و احترق الكبريت فنحو المغناطيس و الحديد، أو فسدا معاً و زاد الزئبق فالقلعي(2) و الكحل و الا الاسرب(3) و الزبرجد(4) فهذه حقيقة اختلافها، و منه تؤخذ الصناعة. ورد المعادن الضعيفة إلى الصحيحة بضروب الحل و العقد و التكاليس كطُب الابدان.
ص: 58
هذا كله إذا كانت الأفعال في مواقع الصعود، فان نظرت حالة الاحتراق كان الكائن نحو السبج(1) و الزاج، أو وقت الوبال فنحو الشبوب(2) و الزاجات. و في الفرق دقة يعرفها من أتقن الاحكام، هذا حال نظرها إلى المكشوف. و أما نظرها إلى الماء فمقتضاه اختلافها في ملوحته و حلاوته و توليد نحو العنبر(3) و القطر(4)
على النمط المتقدم، و اذا هيأت المزاج بمعونة القطر و التعفين على القياس السابق، كان النبات على اختلاف أنواعه.
و أما الكون الثالث: فهو المتخلق بجميع حالاتها بعد قلب العصارات نباتاً، و صيرورة النبات غذاء أصالة كالحنطة أو عرضاً مشاكلًا كاللحم أو قريباً من المُشاكل كالبيض أو دونه كاللبن، و تحول هذا المذكور نطفة يخدمها السبعة في الاطوار السبعة إلى الاجال المعلومة للحكيم المطلق.
فهذه حقيقة حقائق المواليد الثلاث كما دونه و نقله عنه الحكماء و غيرهم، و لبسطها علوم شتى كما اشرنا إليه، قال: و سبب تثليثها عن الاربعة اناطة الاحكام بالمثلثات.
تكميل و ايضاح
ليس الاسناد إلى المثلثات كما أجمعوا إليه تبعاً للمعلم قاطعاً بانحصار الموالدات في المواليد الثلاث، فاني أقول انها أربعة طبقا لاصول المواليد الثلاث المذكورة، و المولد الرابع، هو مولد الكائنات الناقصة، و أصله الدخان و البخار كالزئبق و الكبريت و العصارات و التعفين و النطف الثلاثة، و الاشتمال هذا المولد على أنواع كثيرة ليس بشي ء من الثلاثة و هي من المزاج اجماعاً. فليت شعري ما ذا يقول فيها؟ و الذي يظهر لي أن عدم تقريره لذلك شدة اشتغاله بتدوين الاصول، مع أنه فصل أنواعها في الآثار العلوية، غاية الأمر أنه لم يقل انها من أصول المزاج، و ذلك لا ينافي؛ لشهادة الحسّ به، لكن قد منع من كونها تامة ارتفاعها في الجو،
ص: 59
ألا ترى أن منها ما هو قريب من التمام مثل الخشكنبجين(1) و الشيرخشت(2) و حقيقة هذه أن الاشعة إذا سقطت و حللت الحرارة صعدت ما صادفته على البسيطة و الماء فاذا كان الصاعد رطباً فهو البخار و الا فهو الدخان، ثم الرطب إن ضعفت حركته و دام قريباً من الأرض فهو الضباب، و إن ارتفع إلى الجو فان تكاثف فهو السحاب، ثم إن صادفه الحرّ انعكس كما يتقاطر في الحمام، و إن اعتدل انحل مطراً، فان شدّ عليه البرد، قبل تقاطره انعقد كالقطن أو بعده ذهبت زواياه و استدار و نزل منعقداً، و الأول الثلج، و الثاني البرد؛ و من ثم يكون الأول في نفس الشتاء، و الثاني في الربيع. و ما بقي من هذه البخارات فان قابل الشمس، فهو قوس قزح؛ لعدم تمام الدائرة و الا الهالات(3)
و أما الدخان، فان لم يرتفع أيضاً انقلب ريحاً، و إن اختلف عليه الهواء فهو الزوابع(4)، و إن ارتفع إلى الزمهرير(5) فان انعقد تحته البخار أو سحاب فتكاثف فوقه انعقدت الصواعق، ثم مزقت السحاب فيظهر شعيلها، و هو البرق و صوت التمزيق، و هو الرعد و تسقط و هي صاعقة.
و إن ارتفع الدخان إلى كرة النار، فان تمزق مستطيلًا فهو الشهب، أو مال إلى ناحية فذوات الاذناب، أو تقطع فالعلامات الحمر و السود، و قد يسقط شعلًا في مكان ما، و يسمى نيراناً، و أن تركبا معاً و صعدا، فان قلّ الدخان و عملت الحرارة بالاعتدال حدثت الحلاوة فسقط الترنجبين(6)
، و إن افرط اليبس فالخشكنجبين، أو اعتدل فالشيرخشت، و إن لطفا معاً فالمر)(7)
، و إن عدمت الحرارة فالطلول الفاسدة، هذا حكمها حال الصعود.
و إن تحيزت في الأرض و تخلخلت، فان اشتد البخار تفجرت المياه أنهاراً سيالة إن كثرت مادتها و إلّا عيوناً و آباراً.
و أما الدخان، فان شق الأرض خرجت النيران العظيمة، و إلّا ذهب في الاغوار عفونة، و أن تركبا و اشتدا فالزلزلة، و إلّا فالمعادن، كما تقدم.
فقد بأن
ص: 60
لك ما قلناه: من كون هذه من غير أصل الثلاثة كونها مولداً مستقلًا.
و أما استحجار الجبال فبشروق الاشعة على الطين و قد تكون عمراناً تهدم و تحجر. و قد تفتت السيول على طول المدى جبالًا و تأخذها إلى البحر أو العكس، فتتراكم و يرتفع عنها الماء إلى الهواء، فينعكس البر بحراً و العكس.
فهذه جملة الحوادث الكائنة من الاطلس إلى التخوم و كلّها قواعد لصناعة الطب و لها الدخل الاعظم في التداوي، فان الحاذق الفطن إذا أحكم ذلك علم أن من تغلب عليه البخار لا يجوز أن يشرب من نحو العيون؛ لأن بخارها وافر؛ لعدم الحركة، و لا يداوي من غلبته الصفراء بالخشكنجبين؛ لفرط يبسه بالدخانية، و لا يسقى الترنجبين لصاحب ريح؛ لفرط رطوبته، و لا يسكن مرطوب عندها، إلى غير ذلك.
و هذه علوم قد درست و رسوم قد طمست، و انما هي نفثة مصدور معقول خاطب بها مجرد العقول.
ارشاد و تقسيم
اعلم أن ضروب العالم على اختلافها المعجوز عن حصره كما تعود إلى الاصول المذكورة، كذلك يعود اختلافها في الخلق و الخلق، و الالوان و البسط و الحركة و الزمان و المكان، و الذكورة و السنّ و الصناعة و نظائرها، ما له ذلك منها إلى المزاج.
فلنقل في أحكامها قولًا كليّاً يفهم الغبي تفصيله فضلًا عن غيره، و نبدأ بضرب مثل يرشدك إلى الاختلاف، و هو أنك إذا أخذت من الاسفيداج(1) و البليلج(2) و الزنجفر(3) و الفحم مثلًا اجزاء فانت بالخيار بين أن لا تدع لوناً يغلب آخر و أن تغلب ما شئت من واحد فأكثر. فهذا بعينه اختلاف حال الكائنات مع أصولها الأربع، و إن اعتبرت أصول الأحكام و الاتقان في الني ء و الفجّ و الطبخ و القلي و الشيّ و التجفيف و الاحراق و الصبغ و الحلّ و العقد، تم لك المراد من ضبط الوجود، و أدق من ذلك أن تعلم أن من الاشياء ما يسهل مزجه بحيث لا يتميز، اما لتعادل
ص: 61
الجواهر كالماء و اللبن، أو للتقييد من حدهما لمشاكلة خفية كالزئبق و قشور الرمان، و منها ما يعسر اختلاطه، اما لخفة أحد الجوهرين كالدهن و الماء، أو لمنافرة طبيعية كالنحاس و القلعي، و منها ما هو أرجح في الكيفية و الطعم فيؤثر قليله في كثير الآخر كالصبر(1) و المسك(2)
، مع العسل، و تقدير مثل هذه يسمى كيفياً لا كمياً، و هو في غاية الدقة و بينهما وسائط. فهذه أحكام الأمزجة الواقعة من الأثير إلى المركز.
و حيث فصلنا ما يدل على الكل فلنجعل النوع الأشرف مثلًا في التفصيل يقاس عليه فنقول.
قد حصرت الأمزجة في ثمانية عشر قسماً، تسعة بالعقل، و هي المعتدل من العدل في القسمة: بأن تكون الاخلاط متساوية في شخص كمّاً و كيفاً. و هل لهذا وجود في الخارج أم لا؟
قال المعلم و فرفوريوس، و الصابئ و الشيخ نعم؛ لامكانه و لو بالصناعة، و يوضحه تحليل أجزائه. و منعه جالينوس و الملطى(3) و غالب أهل الصناعة؛ لتعذر الوصول إلى الكم و تعسره في الكيف و عدم ضبط الطوارئ، و هو الحق؛ لأنا نعجز عن تحرير الهواء؛ و لأن تعادل الكيف لا يتيسر مع تعادل الكم في هذه الأخلاط؛ لتأثر كثير البلغم بيسير الصفراء كما مر في الصبر و العسل سلمنا وجوده، لكن لا يتم. و الثمانية هي أن نوع الانسان تحته صنف التركي، و في ذلك الصنف أشخاص مختلفة و أعضاء الشخص الواحد كذلك، فاذا قسمت الانسان إلى ما خرج عنه كالفرس كان أعدل، و إلى ما دخل فيه كحكيم بالنسبة إلى جاهل بالتلائم كان الحكيم أعدل، و هكذا الصنف و الشخص و العضو. و تسعة بالاصطلاح عند الأطباء معتدل من التعادل، و هو التكافؤ كشخص صحيح في نفسه و إن كان زائداً في بعض الكيفيات، و أربعة مفردة، و هي أن يكون الغالب على الشخص أحد الكيفيات الأربعة. و أربعة مركبة، و هي أن تغلب كيفيتان معاً، لكن غير متضادتين؛ لعدم تصور ذلك، هكذا قرروه.
و عندي: أن المفردة لا وجود لها اصلًا؛ لأن الشخص إذا غلبته الحرارة، فان كانت مع يبس فصفراوي أو رطوبة
ص: 62
فدموي، أو غلبته البرودة فمع الرطوبة بلغمي أو اليبوسة فسوداوي.
فكيف يتصور البسيط من هذه، بل لو لا الاصطلاح لم يكن هنا معتدل، لاندراجه في الأربعة المذكورة، و هذه الأقسام موزعة على ما ذكرنا أولًا. يتفرع عليها فروع:
أحرها الروح فالصفراء فالدم فالقلب فالكبد فالرئة. و أغفل الملطى الأخلاط هنا مع أنه سماها أعضاء آخر الفصل و هو خطأ؛ لجواز تحللها قبل التمام. فطبقة الضوارب فالسواكن فاللحم أو هما سواء أو اللحم أجزاء، أقوال أصحها الثالث. و الملطى جعل الطحال بعد اللحم فالكلى فالعروق و هو أيضاً خطأ؛ لأن عكر الدم الذي في الطحال سوداوى باردة. و الكلى أبرد من الطبقات المذكورة للمائية.
و أبردها البلغم فالسوداء و هي ابرد و اغفلها الملطى أيضا، فالعظم و إن جاوز الحرارة لاغتذائه بها. فالشعر و قيل: بالعكس. فالغضروف فالرباط فالوتر فالغشاء فالعصب فالدماغ فالشحم.
و أرطبها بالذات الدم و بالعرض البلغم لعوده إليه، فالسمين فالشحم فالدماغ فالنخاع فاللحم الرخو و الغدديّ كالثدي و الانثيين فالكبد هذا على رأي الشيخ؛ لاغتذائها بالدم، فالرئة. و عكس جالينوس قال؛ لأنها أجمع للرطوبة من الكبد، و جمع الفاضل الملطي بين القولين، بأن الرئة أرطب بالرطوبة الغريبة و الكبد بالرطوبة الذاتية، و هو في غاية الجودة. فالطحال فالكلى. كذا قالوه.
و عندي: أن الكلى أرطب؛ لاغتذائها بالمائية و الدم الرطبين أصالة و عرضاً و ذلك بالسوداء.
و أيبسها السوداء فالصفراء فالعظم فالشعر، و قيل: الشعر ايبس؛ لأنه من الدخان و ذاك من الدم؛ و لأن الشعر لا يغذي و لا يقطر منه إلّا الأقل. و العظم بالعكس.
و ردّ: بأن الشعر ينعطف و يلين بخلاف العظم. و أما أن القاطر منه أقل؛ لضيق تجويفه و انفتاحه فيه فيصعد ما فيه و بروزه للحر
ص: 63
و البرد فجفت رطوباته فنقص غذاؤه و قاطره بخلاف العظم، هذا لو سلمنا ذلك، لكن لا نسلم؛ لأنه لا يغذي فان الخفاش و النعام(1) يتغذى بالنار تأكله لحرارتها. و أما ان قاطره أقل، فغير مسلم إذا اعتبرت ماءه الأبيض و الأحمر و النشادر الخارج منه. فالغضروف فالرباط فالوتر فالعضل فالغشاء فعصب الحركة فالحسّ، و أعدلها الجلد؛ لأنه إذا قيس بأحرها كان أبرد أو بايبسها كان أرطب و هكذا، و أعدل أجزائه جلد أنملة السبابة(2)، و يندرج النقص في الاعتدال من بعدها شيئاً فشيئاً.
و هذه القاعدة في مزاج الأعضاء، و يتفرع عليها أمور مهمة في العلاج فان المرض البلغمي إذا اعترى الدماغ كان شديد النكاية؛ لاتحاد الطبع و احتيج إلى مزيد التداوي فلا يكفي من الغاريقون(3) مثلًا ما يكفي المرض المذكورة لو كان في الرئة، و هكذا البواقي فتنبه لذلك.
قال المعلم و الشيخ و أتباعهما: إن أعدل الأمكنة خط الاستواء؛ لتساوي الفصول فيه و بُعد الشمس و عدم الميل و العرض في غالبه، ثم الاقليم الرابع، ثم ما يليه من طرفي الثالث و الخامس، و أحراه الأول فالثاني و هكذا، و أبردها السابع فالسادس كذلك، و قال قوم إن خط الاستواء أحر الأماكن لملازمة الشمس و الكشف. و في المسألة طول بسطناه في مواضعه.
و حاصل ما أقول: أن هذا التقسيم كله مدخول على المذهبين و أن الحكم تابع للميل و العرض، فكلما زاد الميل زاد الحر، و العرض البرد و حيث تساويا فالاعتدال، و من هنا احتاجت الأطباء إلى الهيئة. ثم البلاد تختلف بعد هذا الحكم الكلي في أنفسها فأعدلها ما ارتفع مفتوحاً إلى الجهات الاربع، و أحراه ما انفتح إلى الصبا(4) و المشرق و الجنوب، و أبردها العكس و أيبسها من انفتح إلى الشمال و المشرق و العكس و هو الصبا من نقطة المشرق إلى الجدي حار يابس يلطف و يفتح السدد و يقطع البلغم
ص: 64
و الرطوبات و ما نشأ عنها كالفالج و هو الشمال من الجدي إلى نقطة المغرب، بارد يابس يهيج السوداء و أمراضها و السعال و عسر الولادة و يقطع النزيف و أمراض الدم، و هو الجنوب من المشرق إلى مطلع سهيل بعكس أحكام الصبا، و هو الدبور(1) من سهيل إلى نقطة المغرب، كذلك الشمال.
و كل بلد جاور البحر مرطوب، لكن إلى الصحة اقرب، و ما جاور الضحاضح(2) و المناقع و الآجام(3) فعفن، و ما جاور الرمل و نحو الكبريت يابس و كذا الجبلية و هكذا.
اعلم أن هذا البحث من اعظم المهمات فيجب اتقانه. و تحقيقه: أن الفصول عند المنجمين، عبارة عن زمن مكث الشمس في كل ربع من أرباع الدائرة فمن أول نقطة الحمل إلى آخر تسعين درجة هو الربيع، و منها إلى مثلها الصيف، و منه إلى رأس الجدي الخريف، و من الجدي إلى آخر الحوت الشتاء. و أما عند الاطباء فالفصل زمن الاحساس بتغير الهواء و انتقال الزمان، فتداخل الأزمنة على المذهبين بنحو شهر يدور في الأقطار و يعتبر بالقياس على ما تقدم في المكان. و يلزم الأطباء أنه لو اتفق يوم شديد الحر في الشتاء كان صيفاً، لكنهم يقولون بأن الزمان القصير لا يغير الأمزجة، فانّ توالي الحر و اليبس أياماً يحتمل فيها انتقال المزاج في الشتاء سميناً، شتاء صيفياً.
و حاصل الأمر: أن مناط التداوي و احكام العلاج حفظ الصحة بالكل فيجب اعتباره. و الربيع حار؛ لقرب الشمس فيه، رطب لوجود الأمطار، يهيج فيه الدم و أمراضه فيصلح فيه الفصد و الجماع و هجر الحلوات و اللحوم، و يستعمل فيه كلّ بارد يابس و ما اعتدل من الاسهال و كثر من القي ء، و عكسه الخريف. و الصيف حار لمسامتة الشمس يابس؛ لعدم المطر، يهيج الصفراء و أمراضها و يستعمل فيه كل بارد رطب كالألبان و البقول و البطيخ و لبس
ص: 65
المصقول و تجاور المياه و شمّ نحو الآس(1) و البنفسج(2) و يهجر نحو المسك و العود و تسكن الدهاليز(3) نهاراً و الغرف ليلًا، و عكسه الشتاء.
إذا عرفت هذا: فاعلم أن حد مصر من أسوان إلى العريش يخالف هذا الحكم؛ لانا قد عللنا أمزجة الزمان بما سمعت من حال الشمس و المطر. و البلاد المذكورة تبدأ فيها زيادة المياه من أول السرطان تدريجاً، ثم تنتهي في رأس العقرب فتعم الأرض، فعلى هذا يكون الصيف خصوصاً آخره و أول الخريف إلى نصفه ربيعاً؛ لوجود الماء و الشمس و ما بعده شتاء إن تواصل المطر؛ لبعد الشمس و وجود الماء و الا كان خريفاً و ربيع غيرها صيفاً لها إن عدمت الأمطار و إلّا كان ربيعاً أيضاً، فعلى هذا هي عادمة الخريف غالباً، [و](4) دليل ذلك فرط رطوبات أهلها و فساد روؤسهم و أعينهم، و أكثر علمهم بالاستسقاء و الفتوق و النزلات المعروفة عندهم بالحادر. و تصيبهم في الخريف أمراض الربيع عند غيرهم كالرمد و الحكة و البثور، و ذلك يؤيد ما قلناه، فيجب على من سكنها مدة ينتقل فيها المزاج أن يراعي هذا القانون حتى يظفر بالشفاء و النجاة من الأمراض، و يتم ذلك بالتنقية عند ما يتوسط العقرب فان هواءها يومئذٍ قد امتلأ بالبخار العفن الذي أخرجه الماء من الأرض، و آن أن يحبسه البرد في الأبدان. و في تحرير أحكام الفصول و حال الأمكنة معها طول بسطناه في التذكرة و غيرها حاصلة.
لا شك أن الطفل حال ولادته حار رطب، لاغتذائه بالدم. قالوا: و يدوم ذلك إلى آخر سن النمو و الصبا. و أنا أقول: إن الحار زمن الرضاع ينقص عن وقت الولادة؛ لأن اللبن أبرد من الدم. لا يقال هذا اللبن هو ذلك الدم بعينه و الا لحاضت المراضع، لأني أقول، بأن الاستحالة أحالته، و أن الثاني باطل؛ لما شاهدناه من حيض المراضع فان حيضهنّ و حيض الحوامل منوط بقوة المزاج، فان كان مزاج المرأة صحيحاً وافراً
ص: 66
و الجنين ضعي فاً حاضت؛ لتوفر الدم و الا فلا و به يرتفع الخلاف بين أبي حنيفة و غيره.
و هذا السن هو من حين الولادة إلى القدرة إلى النهوض حداثة، و منها إلى سقوط الأسنان صبا، و منها إلى المراهقة ترعرع، و منها إلى التبقيل(1) بالشعر غلام، و بعدها إلى ثمان و عشرين نمو، و في كل هذه تكون الرطوبة وافرة على الحرارة، ثم من هنا إلى الأربعين سنّ الوقوف و الشباب و تكافؤ الحرارة و الرطوبة، ثم يدخل سن الكهولة و يبدأ النقص غير محسوس أولًا، و يظهر البرد و اليبس إلى ستين، و تظهر الشيخوخة و الانحطاط و البرد و الرطوبة الغريبة.
و أما القول في حرارة الشباب و الصبيان فجالينوس يقول كلاهما سواء. و هو ضعيف بالمشاهدة. و الرازي و ابن صوافيون و المسيحي قالوا: أن حرارة الصبيان أشد؛ لسرعة حركاتهم و كثرة أكلهم و سوء أخلاقهم و قربهم من التكّون و كلها تقتضي الحر. و قال المعلم و ابقراط(2) و الشيخ: بأن حرارة الشباب أقوى. لانها مع اليبوسة و الصفراء أحر من الدم، و لأنهم أشجع، و لأن الصبيان يكثر فيهم التهوع و سوء الهضم و الأمراض الباردة.
و في الكل نظر؛ لأن شدة الحركة و القوة من اشتداد البدن و الشجاعة في الشبان يقابلها سوء الخلق في الصبيان؛ لأن العقل هو المدبر للاخلاق و هو في الصبيان ضعيف، و أما سوء الهضم و التهوع فلفرط الرطوبة، و أما امراضهم الباردة؛ فلكون أبدانهم غضة تنتقل بسرعة. و الذي أراه أن حرارة الصبيان أكثر و حرارة الشبان أحدّ.
و أما مزاج الالوان: فلم أره نوعاً مستقلًا؛ لعدم انضباطه بالطوارئ خصوصاً في الانسان. و لكن في المواضع المعتدلة مثل الاقليم الرابع يدل البياض على البرد و الرطوبة، و السواد على البرد و اليبس، و الصفار على الحر و اليبس، و الحمرة على الحار و الرطوبة و ما تركب بحسبه، و لو دل هذا
ص: 67
في كل مكان؛ للزم أن يكون كل زنجي(1) صفراوياً و سوداوياً و كل صقلي(2) بلغمي، و هو باطل اجماعاً.
و للشعور و العين، ما لمطلق الجلد على الصحيح عندي، و ان تنازع فيه لفضلاء. و هل الحيوان كله كذلك؟ الأصح عندي لا؛ لأن أغذيته غير مضبوطة.
و أما باقي الأجسام فظاهر كلام الشيخ و المُعلمَين و القوانين، أنها كالانسان؛ لأنه حكم على الياقوت الأحمر بالحر و الرطوبة و الأصفر بالحر و اليبس و هكذا في النبات، و صرح ديسقوريدس(3) و روفس و من اعتنى من أتباعهما بطبائع النبات: أن العمدة في استخراج المزاج على التحليل و هذا صحيح في الجملة، و لكنه غير وافٍ بالمقصود مطلقاً، و الذي أعتمده: أن الأحجار كلها باردة يابسة؛ لاحتراق الكبريت و فناء رطوبة الزئبق و كون التراب هو الرحم لها.
نعم، ما كان منها ذا لون في نوعه فأحرها الأسود و أعدلها الأحمر و أبردها الأبيض.
و اما النبات، فالعمدة فيه على القياس و التحليل و التجربة، و أما الحيوان فكذلك، لكن مع ملاحظة باقي القوانين.
الخاتمة
اعلم أن الحرارة تضاد البرودة مطلقاً في الزمان و المكان، فاذا برد باطن الجو سخنت أغوار الأرض؛ لأن الهواء البارد يطردها إليه، كما تشهد به مياه الآبار في الشتاء، و عكس ذلك الحكم في الصيف.
إذا عرفت هذه القاعدة فاعلم: أن الظاهر على الألسنة من حرارة نساء الزنج و برد الروميات(4) باطل، و أن الصواب عكس ذلك، و أن الحبوش(5) أعدل؛ لتوسط الحكم. هذا كله من حيث الاطلاق.
و اذا قصدت التحقيق فحيث كان الشتاء فالنساء فيه أحر منهن في الصيف و قس على هذا ما تركب من الأحكام ترشد.
ص: 68
فصل في ثالثها: و هي الأخلاط جمع خلط،
و هو جسم رطب سيال يستحيل إليه غذاء البدن أولًا لحفظه، و المراد منه إذا أطلق الأربعة، و في الاصل هو رطوبات ثمانية عرقية مثبوتة في التجاويف للترطيب و نطفية مقارنة أصل التخلق، و فضيلة تكون معدة للحاجة و رطوبة عضوية تشابه الطلّ(1)، و فائدتها حفظ الأعضاء، و هذه تبقى بعد الموت مدة و الا لتفتت البدن حين تفارقه الروح.
و أما الأربعة المقصودة بالذات من اسم الخلط، فهي كائنة في كل غذاء أخذ فانه حين يصير إلى المعدة تطبخه بعد هضم يسير في الفم ماء ثخيناً ينجذب صافيه إلى الكبد فيصير أخلاطاً، الطافي منها هو الصفراء، و الراسب السوداء، و ما بينهما فناضجه الدم و قاصره البلغم، و تختلف كمياتها بحسب المأكول، فان كان نحو اللبن فالاكثر البلغم، أو الفراريج(2) فالدم أو العسل فالصفراء، أو الباذنجان فالسوداء، و أقله الضد المطلق و الباقي بحسبه، و قد يتحول ما أكثره البلغم إذا أكله الشبان في الصيف و الحجاز إلى الضد و بالعكس فاعرفه، و كذلك يقع الاختلاف بحسب صحة القوى، و هذا التحويل فاعله الحرارة، و ماديته الغذاء، و صورته ذات الخلطة المتصفة باوصاف الطبيعة، و غايته المنافع الآتية.
و أوردوا عليه: أن الفاعل إذا كان الحرارة و هى واحدة فكيف يصدر عنها القاصر، و هو البلغم و المعتدل و هو الدم و النضج و هو الصفراء و المحترق و هو السوداء؟!
و اجاب الامام: بأن الأصل أن يتحول الغذاء دماً، و انما تكون هذه عند انحراف المزاج. و رده الملطى: بلزوم عدمها في المعتدل و هو محال، و أجاب عن أصل الأشكال: بأن الفاعل و إن كان واحداً إلّا أن القوابل مختلفة و هي الأغذية المركبة فان منها ما لا يقبل التحليل فلا ينضج بسرعة فيقصر عن الفعل و هكذا. انتهى.
ص: 69
و أنا أقول: إن هذا الجواب أو هي من الأول؛ لأنه لا يتم إلّا فيمن تناول غذاءين مختلفين فيلزمه أن من أكل اللحم مثلًا وحده يتحول خلطاً واحداً، و ليس كذلك، أو أنه يقول إن اللحم وحده في حكم اللبن و الباذنجان معاً، فهو مركب حسّي، و لا اعتداد بفعل الطبيعة هنا. و هو فاسد؛ لأن هذه المفردات بسائط اجماعاً، و إن لم تكن كبساطة العنصر و الفلك و الا لتميز الزئبق عن الذهب فراراً و العصارة من الحنطة غضة، و القاطر من اللحم دماً غليظاً، و هو بديهي البطلان فتأمله.
و الذي أقول: إن الفاعل و إن كان هو الحرارة إلّا أنها مختلفة في نفسها فما كان من جهة القلب أشد، و الكلى أوسط و الشحم أعدل. و الظهر أبرد العظام، فيكون توليد الأخلاط في جوانب الكبد على هذا الترتيب، و انما يرتفع ما خف ... الخ كما مر بعد الطبخ بالغليان كما يشاهد في القدور، و إن اختلف الغذاء اجتمع ما قلناه، و كلام هذا الفاضل هو الحق، و لم أعلم من سبقني إليه.
و أفضل الأخلاط بالاجماع الدم؛ لأنه المغذي بالذات و الموصل غيره إلى الغاية و به الاشراق في الألوان و التسخين المعتدل القوام، و الطبيعي منه الأحمر جداً إن كان في الكبد الناصع في القلب المعتدل القوام إلّا ما في القلب فالرقيق الطيب الرائحة الحلو بالنسبة إلى باقيها، و غير الطبيعي ما تغير عما ذكر بنفسه، أو بغيره و لو في البعض، و ينتسب الدم في الأركان إلى الهواء.
و يليه البلغم في الرتبة على الأصح؛ لأن فيه الأخلاط كلها بالقوة و تقلبه الأعضاء دماً إذا احتاجته، و به الترطيب الحسي و التبريد الكاسر للحرارة المفسدة و افضله الطبيعي، و هو المعتدل في كل حالاته، و هذا هو الذي يستحيل كما ذكر.
تنبيه ليس المغذي في الحقيقة إلّا الدم، و الباقي كما قال الشيخ مثل التوابل(1). و جالينوس يقول: بتغذية الكل و إلّا كانت الأعضاء لوناً واحداً.
و ردوه: بأنها هي التي تحيل الخلط إليها.
و هذا الراد عندي مهمل؛ لأن
ص: 70
البحث في انعقاد الأعضاء في الأصل، فيلزم أن تكون فاعلة قبل تمام صورتها، و هو باطل. و عندي: إن الكلامين فيهما نظر و الصحيح: أن ليس لنا خلط يستقل بالغذاء، و انما الغاذي هيئة مجموعة نسبتها إلى الأربعة كنسبة السكنجبين(1) إلى الخل و السكر مفردين.
نعم، ما احتجّ به على تغذية الأخلاط بمشاهدتها في الدم الخارج بنحو الفصادة غير ناهض؛ لجواز أن يكون الدم قد حملها إلى الأعضاء لباقي المنافع.
و بلغم اما فاسد في نفسه و هو التفه المائي و رقيقه المخاطي و غليظه الماسخ المعروف بالخام، أو لمخالطة غيره فان كانت الصفراء فهو البلغم المالح، و هذا قد يغلظ جداً فتكون عنه المحية و قد برق بكثرة مائيته و هو المالح المطلق، و كلاهما سخن بالنسبة إلى باقي البلغم، و هذا الرقيق أن استحال في المعدة و احترق صار كراثياً؛ لمشابهته عصارة الكراث. و قيل: إن الكراثي لا يكون عن البلغم أصلًا، و هو الاوجه كما سيأتي، أو خالطته السوداء، فان كان الطبيعي منها فالبلغم الحامض و قد يكون الحامض عن حرارة غريبة كما يقع في الألبان، أو غيره فالحصا إن اشتد غلظه، و الا الزجاجي، و كلاهما أبرد أصناف الأخلاط مطلقاً لا البلغم وحده. خلافاً للأكثر؛ لأنهما قد جمعا أصناف الباردين.
و من البلغم نوع عفص(2) يكون عن مائيته السوداء أو فسد بالدم فهو الحلو، و طبع البلغم كالماء.
و تليه الصفراء؛ لأنها حارة تمد الحياة. و قيل: هي أفضل؛ لأن بها النضج و التنقية. و ليس كذلك؛ لمجاوزتها الاعتدال، و هي:
اما طبيعية خفيفة حادة ناصعة الحمرة عند مفارقة الكبد قوية الصفرة بعده، و لا تشتبه بطبيعي الدم؛ لخفة حمرتها و ميلها إلى الحدة و المرارة، و عدم جمودها؛ لعدم اللزاجة بخلافه. و تنقسم إلى ذاهب مع الدم للتلطيف و التنفيذ و تغذية ما، و هي أخف حدة في الأصح؛ لعدم الحاجة إليها هنا. و إلى هابط إلى المرارة يغذيها و يغسل
ص: 71
الأمعاء من الثفل(1) و اللزوجة و ينبّه عضل المقعدة على دفع ذلك بحدته.
أو غير طبيعية اما فاسدة بنفسها و هي المرة الصفراء عند الاطلاق، أو بالبلغم، و هي المحية كما مر. هكذا قالوا. و عندي: أن المحية ينبغي أن تكون من أقسام البلغم؛ لأن النسبة إلى مح البيض و بياضه يتخلق أولًا ثم ينصب فيه الصفار، فكذلك ينبغي هنا، أو بالسوداء فالكراثية كما وعدنا، و هذا الصنف يكون عن محترق؛ و غير محترق فلذلك يخضرّ و إن استوعبه الاحتراق فالزنجارية(2)؛ لأنها تبيضّ بالاحتراق كالفحم إذا ترمد، و كلا هذين يكون غالباً في المعدة و وقت الجوع؛ لتلاقي الصفراء و السوداء فيها و طبع الصفراء كالنار.
و آخر الكل السوداء؛ لاحتراقها و غلظها و مضادتها الحياة مطلقاً، و هي:
اما طبيعية تضرب إلى الحمرة و الحدة و الحلاوة و العفوصة؛ لأنها عَكَر الدم، و من ثَمَّ يقبلها الذباب و لا تغلي. و تنقسم إلى نافذ مع الدم للتغليظ و التعديل و التغذية، و إلى مصبوب إلى الطحال ليدفعه إلى المعدة منبهاً على الجوع، و من ثم تغلب الصفراء في الصيف زمن الصوم فتسقط الشهوة فتنبه بما يشاكله من الحوامض.
أو غير طبيعية، اما لاحتراقها في نفسها، و هي المِرَّة السوداء أو مع غيرها. اما الدم و هي التي تفسده في نحو داء الأسد و الحب المشهور، أو بالصفراء، و هي موادّ الحكة المتقادمة، أو بالبلغم، و هي مواد نحو المفاصل و الدوالي و طبعها كالتراب مطلقاً. خلافاً للملطي فقد حكم على محترقها بالحرارة؛ لشدة نكايته بالنسبة إلى محترق البلغم، و لم يدر أن النكاية من فرط اليبس؛ لأن الحرارة معه أحدّ منها مع الرطوبة. و لو حكمنا على غير الطبيعي منها لمفارقة أصل طبعه، للزمنا ذلك في كل طبيعي و الا جاء التحكم. و حاصل القول: إن الخلط ما دام بصورته فله طبعه و إن خلفها لم يبق ذلك الخلط في سم و لا غيره.
ص: 72
فروع
الأول: قد ثبت بالقسمة الأولى إن كل خلط اما طبيعي، و هو الصحيح المطلوب في الصحة أو غيره،
و هو أربعة أقسام تكون من فساد الخلط في نفسه أو أحد الثلاثة، و كلها ممرضة فاذاً الأقسام الأولية عشرون، أربعة صحية و ستة عشر مَرَضِيّة. لكن قد جعلوا لأقسام البلغم اسماً و كذا الصفراء و تركوا الباقي. و قد ذكرناها في الشرح.
الثاني: قد وقع الاجماع منهم على أن الخلط يفسد بغيره من اخوانه كما سمعت
. و عندي أن هذا مشكل جداً؛ لأن العلاج قد أجمعوا على أنه يكون بأدوية تضاد المرض كالحار بالبارد، و هذا تصريح بأن المضاد تعديل و عليه لا يجوز أن يقال: إن السوداء تفسد بمخالطة الدم، و لا البلغم بالصفراء مطلقاً، و لا الصفراء بالدم من حيث الرطوبة و اليبوسة، و لا الصفراء بالسوداء من حيث البرد و الحر.
و تلزم الصحة الكاملة على الأولين و القاصرة على الاخرين و أن تكتفي بأقل ما يردّ الكيفية الاخرى، و قد أجمعوا على خلاف ذلك مع أنه لا جواب عنه. و يمكن أن يقال: المعدل كما ذكرت هو الخلط الباقي على صحته، و بالمحكوم عليه بالفساد هو الخارج عن الصحة و لو في بعض الصفات.
الثالث: [الفاعل في البلغم و السوداء حرارةٌ قاصرة]
قال الملطي و المسيحي و أبو البركات و يوحنا و الصابئ: إن الفاعل في البلغم و السوداء حرارةٌ قاصرة، و في الدم معتدلة، و في الصفراء مجاوزة الاعتدال، و عليه يلزم أن تكون الصفراء أشد احتراقاً من السوداء، و تساوي البلغم و السوداء في الطبع، و الا استغنى بأحدهما، و تكون الأخلاط ثلاثة. و كل اللوازم باطلة.
الرابع: أجمعوا على أن البلغم كطعام ني ء
و الدم كمعتدل و الصفراء كنضيج و السوداء كمحترق، و عليه يجب أن يكون البلغم أفضل من الكل؛ لأنها فيه بالقوة، و كل مسبوق ناقص ما سبق فالدم ناقص البلغم و هكذا. و لم يقولوا
ص: 73
به. و اقول: إن المفاضلة إن أُريد بها هذه الحيثية فلا نزاع فيما قلناه، و إن ارادوا كثرة النفع و التغذية فالدم أفضل، و لعله مقصودهم.
الخامس: لا نزاع في صيرورة البلغم
أي خلط كان و الدم صفراء و سوداء، و الصفراء سوداء. و هل ينعكس الحكم فتكون السوداء أحد البواقي؟ ظاهر ما نقلوه عدم جواز ذلك؛ لأن الطعام المحترق لا يمكن رده معتدلًا و لا نيئا. و كلام الشيخ يشعر بالجواز، فقد قال في السرسام أنه: إذا أفرط في تبريده صار بلغماً، و هو مشكل.
و عندي: أن المراد من هذا، أنه يبطل ما هناك من الصفراء و يصير المتولّد من الغذاء بلغماً؛ لبرد الأعضاء حينئذ لا أن الصفراء التي كان منها المرض هي المنقلبة، فافهم ذلك فانه دقيق.
السادس: قال الفاضل الملطي: لم يذكروا كمية كل خلط في البدن، بل قالوا أكثر الغذاء يكون دماً.
و أقول: إن فترات الحميات ترشد إلى تحرير ذلك؛ و ذلك لأن الدم تكون عنه المطبقة و هي اما زائدة تنصبّ فيها المتحللات إلى مستوقد العفونات قبل انقضاء السابق، أو ناقصة عكسها، أو مصاحبة مساوية يتصل فيها زمانا الانصباب و التحلل، فلنعتبرها منسوبة إلى فترة البلغم و هي ستة، و تلك إلى الغب(1) و هي ستة و ثلاثون، و هي إلى الرَّبع(2)، و هي ثمانية و أربعون، فيكون المتولد في البدن المتعدل من الدم ستة أمثال البلغم، و من البلغم ستة أمثال الصفراء، و من الصفراء مثل السوداء مرة و ثلث، انتهى كلامه ملخصاً من الشافي.
و هو استنباط جيد. لكن فيه نظر؛ لأن الحكم على النوع المتوسط من المطبقة يجعله قياساً اقناعياً بل تحكم. ثم قياس فترات الحميات على البدن المعتدل بعيد جداً؛ لانها واقعة من ضعف القوى و اشتغالها بالمرض، و التوليد المذكور مفروض زمن الاعتدال و الصحة، و بينهما تباين. و الصحيح عندي: أن كميات الأخلاط
ص: 74
لا يمكن القطع بها؛ لانها تختلف بحسب الأغذية و السن و الزمان و المكان و الصناعة، فان الشيخ إذا اغتذى باللبن في الشتاء أو الروم و كان قاصراً، يتولد عنده من البلغم ما يزيد على الباقي قطعاً و بالعكس و هكذا في البواقي. و ما تركب بحسبه. و متى كان الأكثر البلغم كان ضده هو الأقل كما أسلفته قطعاً.
و يبقى الكلام في الآخرين فعندي: أن الدم يلي البلغم إذا كان هو الاكثر؛ لما بينهما من الاتحاد في الرطوبة. فان قيل لم لا يكون غيره؟
قلت: ليس إلّا السوداء؛ لمناسبة البرد. لكن الرطوبة تنفعل في الحرارة و لو كانت حسية بخلاف البرودة هنا؛ لمقتضاها عدم المطاوعة.
السابع: قد قرروا أن من الأخلاط طبيعياً و غير طبيعي،
و صرحوا بأن المراد بالطبيعي ما تولد في الكبد، و غيره خارجها، مع اجماعهم على أن محل توليد الأخلاط هو الكبد. و هذا اطلاق ظاهر الخطأ؛ لأنه على هذا مخصوص بعد عمومه أو يقتضي الاستغناء عن الكبد إذا أضفته إلى قولهم: إن الصفراء مفرغتها المرارة و السوداء مفرغتها الطحال.
و أما الدم فموضعه كل عضو؛ لاحتياجه إليه. و كذا البلغم؛ لأن الطبيعة تحيله عند الحاجة، فقد أثبتوا لكل عضو قوة يجعل الغذاء بها مشاكلًا بالفعل بعد القوة، فلا حاجة إلى الكبد. و سيأتي انها من ضروريات الشخص، هذا خلف.
فان قيل: الكبد ليست لمجرد التوليد حتى يستغنى عنها إذا وجد في غيرها، بل هي له و لتمييز كل خلط.
قلنا: ليس التمييز غاية مقصودة بالذات؛ لجواز التغذي بالممزوج، و لأن كل قادر على التوليد مميز و لا ينعكس؛ لسهولة التمييز بالنسبة إلى الايجاد. و أجاب بعضهم: بأن الحاجة في الاصل إلى الخلط الطبيعي؛ لأنه مادة الصحة و هو مخصوص بالكبد دون الأعضاء فثبتت الحاجة إليها. و هذا الجواب مدخول؛ لأن ظاهر عباراتهم أن الأعضاء تحيل البلغم غذاء صحيحاً، و إلّا لما استغنت
ص: 75
به وقت الحاجة، فانتفى ما قاله هذا المجيب.
و أما ما قاله الملطي: من أن الأعضاء يضعف حرها الغريزي وقت الجوع فكيف تحيل البلغم غذاء خالصاً؟ قواه جداً؛ لأن الأعضاء لا تضعف عن التوليد بمجرد الجوع، بل ببلوغه الغاية التي تحترق عندها الرطوبات، و توليد الدم من البلغم يكون أول ما يفرغ الدم الأصلي.
و حاصل ما أقول في الجواب عن أصل هذا الاشكال: انه لم يثبت أن الأعضاء تولد خلطاً إلّا من البلغم، و البلغم بنفسه قد ولدته الكبد و قربته إلى الدم حتى قدرت الأعضاء على تحويله فدل على أنه لو وصل الغذاء من إلى الأعضاء من المعدة غير الكبد لم تقدر على توليد خلط أصلي منه فتثبت الحاجة للكبد.
و أما وجود الخلط غير الطبيعي خارجها، فيؤخذ الجواب عنه من هذا.
الثامن: إن المغذي للبدن على المذهب الحق هو مجموع الأخلاط
؛ لاختلاف الأعضاء، فان اللحم أكثر ما يتغذى من الدم؛ لمشابهته به و العظام من السوداء و نحو الرئة من الصفراء و النخاع من البلغم، مع أن كل عضو محتاج إلى الكل، لكن يتفاوت على قياس ما مر في التوليد. و لهذا فوائد كثيرة في ترتيب الأدوية، و ستعرفه في التشريح بأوضح من هذا.
و قال أبقراط و الشيخ و المعلم الثاني(1) و الصابئ و الملطي: إن الغاذي هو الدم وحده؛ لأن المتحلل أجزاء حارة رطبة و الغذاء يخلفه، فيجب أن يكون مثله.
و هذا القياس فاسد. أما بطلان الصغرى؛ فلأنا لا نُسلم كون المتحلل ما ذكرته وحده بل المجموع. نعم، الحار الرطب أسرع تحللًا، و من بطلانها يلزم بطلان الكبرى.
قالوا؛ و لأن النمو يكون بالحرارة و الرطوبة و ليس كذلك إلّا الدم.
قلت: كونه بها لا يلزم أن يكون منها؛ لأنها على قولكم فاعلية لا مادية، و كلامنا في أن النمو منه لا به. قالوا: لو كان لغير الدم تغذية؛ لكان المنعقد من الأعضاء ليناً كالبلغم و الدم يابس كالصفراء
ص: 76
و السوداء، و يجتمع الضدان في عضو واحد.
قلنا: إنما يلزم ذلك لو قلنا بأن الغاذي كل خلط على انفراده، و نحن لا نقول ذلك. ثم نقول إن الدم لو غذّي وحده لتشابهت الأعضاء. و الواقع خلافه.
أجاب الملطي: بأن هذا انما يلزم لو قلنا إن الدم متشابه الأجزاء في الحس و الحقيقة، و نحن لا نقول بذلك بل هو في الحقيقة مختلف انتهى.
قلت: و هو فاسد أصلًا؛ لأنا حينئذ نقول إن كل خلط غير الدم يجوز أن يغذي وحده و ندعي أنه مختلف في نفس الأمر كما قالوه في الدم اذ لا مرجح لدعوى هذا الرجل.
فصل في رابعها: و هي الأعضاء
و الكلام فيه يشتمل على بحثين:
البحث الأول: في تقسيمها على العادة الجارية للأطباء في كتبهم.
اعلم أن نسبة الأعضاء إلى الأخلاط كالأخلاط إلى المزاج؛ لأنها كائنة عنها؛ و ذلك لأن الغذاء إذا استحال في المعدة و هي الهضم الأول على رأي من يقول إن الهضوم اربعة، و الصحيح أنها خمسة، أولها الفم، و ثانيها المعدة و أول فضلة تذهب منه الثفل من البواب(1) إلى المقعدة في المعي الستة كما ستراه، و ثالث الهضوم الكبد و فضلاتها البول، و رابعها العروق و فضلاتها الصاعدة إلى فوق إن خولطت بالدم فاللبن، أو خلصت و رقت فالريق و الدموع أو غلظت و كثفت، فان خالطها الملوحة فالمخاط(2) و ما تجلب من الدماغ، أو احترقت عند الصب و دخلتها المرارة؛ لشدة التكثف فوسخ الآذان، و الهابطة أن تمحضت دماً لضعف العروق و الحرارة كما في النساء و المثانتين فنحو دم الحيض أو لمرض كفوهات العروق، و الا فان انصرفت في غير المجرى الطبيعي فمثل القرد و الفيل،
ص: 77
و من مجموع القسمين نحو الاستسقاء و الربو، و خامس الهضوم الأعضاء و فضلاتها إن رقت فالعرق أو كثفت فالاوساخ مطلقاً و نحو الاورام من الرابع، و كذا السمن المفرط على الأصح.
و اما خالص الخلط فيجمد و يصلب الأعضاء فانّ الأعضاء، هي الأجسام الجامدة الكائنة من تصلّب الأخلاط.
و تنقسم إلى بسيط كالعظم و اللحم، و إلى مركب.
اما أولًا كالاصبع أو ثانياً كاليد أو ثالثاً كالوجه و هكذا. و المراد بالبسيط: ما ساوى بعضه كلّه في الاسم و الحدّ و الصفة. و بالقيد الأخير المزاد من عندنا يدخل نحو الشريان. و تنقسم الأعضاء عندهم من وجه آخر إلى ما له فعل فقط كالقلب في توليد الحيوانية، و إلى ما له منفعة فقط كالرئة؛ فان منفعتها الترويح، و إلى ما له فعل و منفعة كالكبد في الهضم و التفريق.
و هذا القسم عندي ساقط؛ لأني أقول المنفعة هي الفعل من غير تمييز. و كون المنفعة هي التي لا تعود على الفاعل كما قالوا إن مضغ الطعام بالأسنان منفعة للبدن لا لها غيَر مسلم؛ لأن السن من أجزاء البدن، كما سيأتي. و قسموها أيضاً إلى معطى و قابل كالدماغ، فانه يقبل الحياة من القلب و يفيضها على الأعضاء، و إلى قابل فقط كاللحم، و إلى معطي كالقلب؛ لأنه الرئيس المطلق عند المعلم و من تابعه من الفلاسفة كالشيخ، و به نقول.
و قال جالينوس و ابقراط و جماعة: إن الرئيس المطلق الدماغ؛ لأنه أول متكون و منه تنبت الأعصاب، إلّا ترى أنها تدق كلما بعدت عنه و تصلب كحال فروع الأشجار.
و هذا الكلام كما قال الشيخ في الشفاء غير ناهض؛ لأن القلب في الوسط فيكون أولًا كحال المركز مع المحيط، و أما دقة الأعصاب و صلابتها حال البعد عنه فغير لازم لدعواه، فان ذلك من فعل المصورة، و كثيراً ما شهدنا من فروع الأشجار يعظم في نهايته أكثر من أصلة، ثم قال الشيخ: و لئن سلمنا أن الأعصاب تنبت منه،
ص: 78
فلا نسلم أن الحياة منه، بل نقول انما بعث الأعصاب للقلب ليستمد منه بها.
و أقول أنا أيضا: إن هنا دليلًا آخر على أن القلب هو الأصل، و هو أن جالينوس قد صرح بأن الدماغ بارد و القلب حارّ، و أن الحرارة هي مادة الحياة فلا يكون محلها فرعاً، و الا لكان أفضل من الأصل.
و أيضاً أقول: إن من الجائز أن تكون الأعصاب ثابتة من القلب، و انما دقت عنده و غلظت حين بعدت عنه، لعناية من الحكيم المطلق بالرئيس لينفسح مكانه عليه، و كذا قالوا بالخلاف السابق في الاوردة هل هي من الكبد أو القلب. و الجواب الجواب.
و إلى غير قابل و لا معطٍ كالعظام. و هذا القسم ساقط عندي؛ لأن العظام تقبل الغذاء من غيرها و إلّا؛ لاستقلت بالتوليد و هو بديهى البطلان.
تنبيهات
الأول: كون القلب معطياً غير قابل
غير مسلم عندي، فانه يأخذ الأرواح و الغذاء من الكبد قطعاً ثم ينضجها. و لو لم يكن كذلك؛ للزم أن يتحول إليه غذاء من المعدة يتولى توليده بنفسه، و هو باطل بالاجماع. و لا يلزم من كونه قابلًا عدم رياسته المطلقة، فانها له بما ذكر من توليد الحياة الغريزية لا بعد القبول من الغير. و عليه ليس لنا عضو معط غير قابل، و يبطل التقسيم.
الثاني: اختلفوا في القوى الفاعلة
في هذا التدبير هل هي من القلب أو مخترعة من الواهب جل و علا؟ الفلاسفة على الأول. قالوا: بأن هذه أعضاء متفاوتة، فان القلب بعيد ما بينه و بين نحو اللحم في جميع الحالات، فلا بد و أن يكون مميزاً أفضل تمييز و هو ايجاد القوى. و ذهب قليل من الحكماء إلى أنها مفاضة عليه و على غيره من واهب الصور. و هو الحق عندي؛ لأنهم اما أن يعترفوا بأن القلب مسبوق بالعدم أولًا. لا سبيل إلى الثاني. و على الأول، إن كانت افاضته للقوى قبل وجوده لزم تأثير المعدوم و هو محال، أو بعده فمن أثر فيه؟
فان قيل: النطفة قلنا: الصورة الحاصلة في النطفة بالقوة
ص: 79
من افاضة المبدع أيضاً، و الا لكانت أرأس من القلب.
ثم الأعضاء تنقسم أيضاً إلى خادم كالشرايين، و مخدوم كالقلب.
و الخادم اما مهيأ كالرئة للقلب و الشبكة للدماغ و المعدة للكبد. و مجرى الماء للانثيين، أو مؤدي كالشريان للعصب و الوريد و الكلى. و إلى رئيس بحسب الشخص، و هي ثلاثة، القلب و الدماغ و الكبد. و حسب النوع، و هي الثلاثة مع آلة التناسل. و مرؤوس، و هي عندي ما سوى المذكورات. و قد عدوا قسماً ليس برئيس و لا مرؤوس، و قالوا كاللحم. و الكلام عندي فيه كما مر في القابل و غيره. و بقي في تقسيم الأعضاء وجوه أُخر تظهر في التشريح فلا نطيل بذكرها.
و قد عنيت به الاوائل و افردته بالتآليف الغريبة و لم يعدوا من جهله في سلك الحكماء، حتى قال الشيخ: كان أول ما يعتبر به الحكماء التشريح، و هو يزيد الايمان بالصانع الحكيم و يرشد إلى مواقع الحكمة. و فوائده في الطب ظاهرة جداً، فمنه يعرف النبض و جميع احكام القارورة(1)، فانك إذا عرفت أن الطحال، هو اللحم الكمد لاغتذائه بالسوداء، و رأيت القارورة كذلك، عرفت أن المرض فيه، و كذا إن رايتها كفسالة اللحم الطري فان المرض في الكلى؛ لانها كذلك. و قس على هذا باقي الأعضاء.
و منه أيضاً مقادير الادوية و ايام البرء، و مواضع المرض و كيفية التراكيب و قوانينها، و مواضع العفونة في الحميات و الاعضاء المجاورة، و كيفية ضررها بما يلاصقها إلى غير ذلك، أ لا ترى أن المرض إذا كان في المعدة كفاه من الدواء قدر لا يكفي مثله إذا كان في الرجل؛ لبعد المسلك؟
ص: 80
و إن البعيد يحتاج أن يخلط دواؤه بما له جذب من البعد، كشحم الحنظل(1)، و أن الوجع الممغص إذا بدأ من الجانب الأيسر علمنا انه قولنج؛ لأن مكانه هناك، إلى غير ذلك. فقد عرفت الحاجة إلى هذا العلم فلنفصله ملخصاً ان شاء الله تعالى.
هي كالأساس و الدعائم في البدن؛ لانها أصلب الأجزاء، و منها المفاصل المركوزة في الأوراك، و المدروزة كقحف الرأس، و السلسلة كالفك الأسفل، و الوثيقة كالأعلى. و في تركيبها عجائب الحكمة الالهية تقدس مبرزها عن أن يضاهى، فان منها ما له راس محكم و للآخر نقرة يدخل فيها ذلك الرأس، و منها كأسنان المنشار تدخل في نقر، و منها ما هو ملصوق فقط، و ما يحدث تركيبه زوايا حادة و منفرجة و اشكال مثلثة كالصدغ و الأنف، و منها الصغير و الكبير و الصامت؛ ليقوى على الآفة، و منها المجوف؛ ليخف في الحركة أو لتصعد منه الرائحة كالفك و المصفاة، و لم يكثر تجاويفها؛ لئلا تضعف، و جعل تجويفها في الوسط للتساوي، و ملئت بالمخ للترطيب، و كثرت لئلا تعمها الافة بالسريان؛ و لأن الحاجة إليها مختلفة، و صلبت لتحمل ما فوقها و تقي ما تحتها، و هي مائتان و اربعون خلا الصغار التي في الفروج، و تسمى السمسميات.
فأولها: الراس
و هي خمسة: عظم الجبهة و مقابله، و عظما الاذنين و الغطاء، و هي مركبة بدروز في الطول تُسمى «السهمي» و في العرض يسمى «الاكليل» و المقاطع لهما «اللامي» من خلف، و فوق الاذنين درزان هما القشران و الكاذبان؛ لعدم غوصهما و يقال لهما «الشووز»، و فائدتهما دخول العروق و خروج البخار، و فيه أربع نتوات ايها نقص غير شكله الطبيعي.
و تحت هذه الوتد و يسمى «القاعدة»، و تحت عظم الجبهة القحف من عظمى الجبينين بدروز يتصل بالسهمي على زاوية، و يتصل
ص: 81
بالقحف عظم اليافوخ(1)، و تحته زوجا الصدغين على مثلث يستر الأعصاب و يهيئ الرأس على هذا الشكل؛ لانه يبعد من قبول الآفة. و طال يسيراً لثبات الأعصاب، و لم يستدرك الطيور لكثرة البخار هنا فيصعد من المنافذ، بخلافها فانها هوائية و الريش يمتص فضلاتها، و تنافى ذوات الاظلاف(2) في الجانبين للقرنين المكتنفين من البخار الغليظ. و طال في ذوات الحافر لذهاب مادة القرون فيها إلى الحوافر(3)، و من ثم لم تربُ ألبانها و لم تزد، و لم يتفق حافر و قرن إلّا في الحمار الهندي المعروف ب «الكركند»، فان له قرناً بين الحاجبين لزيادة المادة.
و تحت هذا التركيب الفك الأعلى وحده طولًا من بين الحاجبين إلى الثنيتين بدروز، و في كل قطعة ثلاثة دروز تتلاقى عند المآق الاصغر، و جانباه بدرزين يتصلان باللاميّ(4) و عظامه أربعة عشر تلتقي على حادة عند الناب و متفرجة عند الانف فوقها عظمة المثلث المثقوب لدخول الهواء، و يتصل جانباه بعظمي الاذنين الحجريين لصلابتهما و قد ثقبا على غير استقامة؛ لئلا يدخل الهواء دفعة فيفسد السمع.
و تحته الفك الاسفل من عظمين هما اللحيان(5) قد ركبا بدروز بين الثنايا(6) و ربطا إلى الوتد بسلسلة للحركة. و انما جعل الاسفل هو المتحرك صوناً للرأس، و هذا في غالب الحيوان و الا فالتمساح يحرك الأعلى لقوته، و فيهما الأسنان اثنان و ثلاثون في الاكثر و حد نقصها اربعة، و هي أسنان للقطع و أنياب للكسر و أضراس للمضغ. و هل هي أعصاب صلبة أو عظام؟ الفلاسفة على الأول؛ لأنها تحس بالحرارة و البرودة و تتأكل و تذوب، و المتأخرون على الثاني. و الاحساس بالأعصاب الناشئة فيها.
و في هذا نظر؛ لانه كان يجب أن تكون مثقوبة مخلخلة حال صحتها. و الاعلى منها له ثلاث شعب و أربع لكونه معلقاً. و لم تثبت قبل الولادة؛ لانه ليس في الغذاء هناك ما يتصلب في الانسان دون غيره لكثافة الغذاء، و تنبت بعد؛ لأن في
ص: 82
اللبن ثخانة أكثر من الدم، و من ثم تسقط عند القوة و ينبت غيرها من صلابة الاغذية للبقاء. و انما تسقط آخر العمر؛ لضعف الحرارة و فرط الرطوبة الغريبة و تخلخل المنابت؛ و لذلك لم يقم ما ينبت منها قرب المئة للضعف.
و عوضت عنها الطيور المخالب؛ لكثرة تخلخل ابدانها بالهواء فاستطالت المادة و عدمت من الفك الأعلى في نحو الجمل؛ لعدم النفوذ. لكن عُوضوا عنها صلابة الفك و كونه كالشوك، فهذا تلخيص ما يتعلق بالرأس من حيث العظام.
و ثانيها: الصلب و هو من الرأس إلى سبع فقرات تسمى العنق، و منها إلى اثني عشر الظهر، و هذه الاثنا عشر منها سبعة عليا هي الصدر، و خمسة تحتها هي نفس الظهر، و منها إلى ستة هي القطن(1) و العجز(2)، و ما تحتها هو العصعص(3)، و هو أيضاً ستة، فهذه جملة الفقرات. و أصغرها العنق و يليه العصعص، و أكبرها ما بين ذلك. و قد ركب الرأس في الأولى بزائدتين في نقرتين تدخل الواحدة في النقرة عند الحركة إليها، و ترتفع الاخرى.
و أما حركته إلى قدام و خلف، فستأتي في الأعصاب. و الفقرة الثانية و الثالثة من فقرات العنق تتصلان بالكتف، و قد ركب فيهما بزائدة رقيقة عند الفقرة، ثم تتسع فتصير كمثلث زاويته سطح الكتف و تعقير الابط، و يتصل بمحدبة عظم الترقوة اللاصق طرفه بالقص(4)، و قد تعقر للاحاطة بالعنق و الحفظ من الآفة، و دخل في نقرة صغيرة من زائدة الكتف، فاستدار شكل الكتف محروساً بالزوائد المذكورة.
و أما فقرات الصدر السبعة فقد نظمت الاضلاع السبعة المتصلة بالقص و العظم المعروف بالخنجري(5)، و قد تحدبت من خارج لتتسع للقلب و ما معه من آلات النفس، و استدارت للحفظ و كانت عظاماً لتقوى، و اتصلت بغضاريف لتلين عند شدة الحاجة إلى التنفس.
ص: 83
و تحت هذه السبعة خمسة، هي اضلاع الخلف؛ لقصر بعضها عن بعض، اذ لو استدارت لمنعت البطن عن الاتساع للحمل و الغذاء فانه كثيف زائد الكمية يحتاج إلى مطاوعة؛ و من ثم يكفي زمناً طويلًا بخلاف الهواء؛ لاستحالته و لطفه.
و تحت هذه الخمسة الفقرة الوسطى، لها أربعة أجنحة تسمى «السناسن» و زائدتان بين الاضلاع لتوثيق الصلب، و ما تحتها اصلب و اصفر تدريجاً إلى العصعص.
و ثالثها: تشريح اليد
فقد عرفت التصاق الترقوة بأصل الكتف و الكتف بالفقر.
فاعلم أنه لما تسلسلت الفقرات على النظم السابق، و ركب الرأس عليها عضد بعظم مثلث محدب إلى الظاهر يماس الترقوة، و الفقرات بالزوائد المذكورة و جعل رأسه زائدتان يسميان «الاخرم». و بقراط يسميها «منقار الغراب»، و بينهما نقرة مستديرة قد دخل فيها رأس العضد بتقعير إلى الداخل، و قد أحاطت بهذا التركيب اربطة و عضل على وجه لا يمنعه الحركة إلى الجهات الاربع، و رأسه الآخر فيه زائدتان نحواً من الكتف لكنهما أظهر؛ لقلة العضل هناك، و قد دخل فيهما الساعد و يسمى هذا التركيب «السيني»؛ لانه كالسين اليوناني(1). و المرفق و الساعد عظمان الاسفل منهما أصلب؛ فلذلك خلا عن العضل و خف لئلا يثقل عن الحركة، و الاعلى مستور بها و ينتهي رأسهما متحدين بنقرة قد دخل فيها مفصل الكف و عظما الساعد يسميان «الزندين» و بينهما المشط أربعة مشاشية اتحد أعلاها حتى تركب فيها نقرتا الزندين، و بين هذه العظام من الأعلى زوائد أربع للتوثيق، و كل عظم منها ينتهي إلى الاصابع، و الاصابع كل واحدة من ثلاث سلاميات أعظمها السوافل، و أدقها الاواخر؛ لتخف و يحسن
ص: 84
ضبطها و عضدت بالظفر للحفظ و لقط الاجسام الصغار. قالوا: و لو كانت أكثر من ثلاث لوهنت أو أقل لعسرت حركتها و تقعرت من داخل لتتسع اليد و اختلفت في الطول لتنتظم و امتلأت باللحم لئلا تتأذى بقبض الاشياء الصلبة، و خلت عنه من خارج لتكون خفيفة. و الابهام دون الكل من عظمين خاصة، فلذلك عظما للقدرة و المقاومة، و ركز عظمها الاسفل المقاوم للمشط في نقرة من الزند الأعلى. و رابعها: تشريح الرجل
و هي في غالب أحوالها كاليد، إلّا في مواضع يسيرة نقتصر عليها حذراً من التكرار فنقول:
قد عرفت آخر الفقرات و العصعص، فاعلم أن هناك قد أوجد الحكيم الاقدس عظماً رقيقاً لطيفاً استدار من العصعص حتى قابل الكلى في المسامتة يسمى «عظم الخاصرة»، و خلق داخله عظماً اصلب منه قد مد إلى الخاصرتين مقعر الخارج، يسمى «عظم العانة»، قد وصل الوركين التصاقاً. و في عظم الخاصرة نقرة مهندمة قد دخل فيها عظم الفخذ ملحوقاً بزائدة. عند جالينوس أنها منه. و رده الشيخ و ادعى أن الورك أربعة اقسام. الخاصر و الحق العانة و الزائدة. و الصحيح كلام جالينوس.
و عظم الفخذ يقابل العضد اعلاه كالداخل في الكتف، و هو أعظم عظام البدن؛ لحمله ما فوقه و نقله الساق و قد تحدب إلى الظاهر مع ميل إلى الداخل للجلوس و الميل و التحرك و الانطباق، و رأسه الاخر يسمى «الركبة»، و هي في التركيب كالمرفق. لكن تخالفه في أن الداخل من الفخذ هنا في زائدتين من القصبة الواحدة فقط، فلذلك عضد بمستديرة مهندمة تسمى «عين الركبة و الرضفة و الفلكة»، لولاها لخرج عند المدّ و الصعود، و الساقان لها كالزندين. لكن القصبة الصغرى المعروفة ب «الوحشية» ليست من فوق. واصلة إلى الركبة، و كأنه ليخف الساق و يقوى على الحركة، و الحكيم أدرى. و أما من تحت فقد التقى رأس القصبتين بنقرة ارتكز فيها
ص: 85
الرسغ كما في الكف.
و اجزاء القدم العقب، فالزورقي قد دق و سدس، فالكعب في وسط الرسغ، فالمشط و هو هنا خمسة؛ لالتصاق الابهام على سمت الباقي للتمكن عليه و الصعود و نحوها، فهذه جملة العظام و هيئة بنيتها.
هي اجسام أَليَّن من العظام و أيبس من الباقي خلقت لتصل بين الاجسام الصلبة؛ كيلا تنصدع عند المحاكة، كالتي بين النقر، و لتطاوع عند الحاجة إلى نحو العصر كالتي في رؤوس الاضلاع؛ و لئلا يزول عند المضايقة كقصبة الحنجرة، فانها عند لقمة كبيرة ربما ضايقها المري ء فخرجت يسيراً، و لو كانت عظاماً لم تطاوع. و لتستر العضلات و تطاوع عند اخراجها كغضاريف الانف، و هي ثلاثة اصلها الداخل المتوسط.
و من الغضاريف ما هو لحفظ الهواء و ايصاله تدريجياً، و هو غضروف الاذن و قد اتسع خارجه ليمتلئ بالهواء و يؤديه مكيفا؛. و من ثَمَّ إذا أدار الشخص يده عليه زاد سمعه؛ لانحصار الهواء. و القص من الغضاريف اجماعاً. و ليس جفن العين منها خلافاً لكثيرين، و انما يشاكلها.
فمنها الاربطة: اجسام دون الغضاريف تمتد من اطراف العظام لربط بعضها ببعض، فتعظم بعظم العضو و كثرة فعله و حركته و ما يحتاج إليه من وقاية، و تصغر بحسب ذلك.
و تليها الأوتار: و هي النابتة من العضلات للتحريك و الربط و التوثيق، و تختلف أيضاً باختلاف العضل.
و منها الغشاء: و هو جلد رقيق منتسج من العصبانية له الحسر و الوقاية و الستر، و يوجد فوق العظام و تحتها و على كل عضو عديم الحس في نفسه،
ص: 86
و بين الحجب و الدماغ. و ما يحيط بنحو هذه الأعضاء فمثل الاستسقاء و الانثيين عبارة عن دخول الماء بين هذه الاغشية و جوهر الكبد و البيضة.
و حاصل الأمر: إن أصل وجود الاغشية ما ذكرناه، و أكبر ما فيها المحيط بالعظام، ثم كل غشاء بقدر عضوه، و أصلها ما جاور العظم و ألينها المجاور للدماغ، فهذه بسائط المنوية التي يقل عليها الكلام.
و أما العضل و العصب و الاوردة و الشرايين، فمنوية. لكن الكلام عليها يحتاج إلى تطويل و سنفصله. تنبيه
للحكماء في ضابط الأعضاء المنوية شرطان:
أحدهما: أن تكون بيضاء.
و الثاني: أن يكون العضو إذا زال لم يعد. صرح جالينوس، بأن المراد بالمنوية، ما خلقت من جوهر المني و صحت الولادة، ثم قال في محل آخر: إن الأسنان منوية و الشعر ليس من الأعضاء المنوية. و في هذا الكلام مناقضة عجيبة؛ لأن الأسنان على الشرطين منوية و الشعر كذلك على الثاني دون الأول. فان كان احد الشرطين كاف فيما ذكروه قويت المناقضة، و إلّا ضعفت. ثم على رأي جالينوس يلزم أن يكون الشعر منها دون الأسنان؛ لوجودها بعد العظام. و أما الظفر فمناقضتهم فيه ظاهرة.
و يمكن الجواب عن تصحيح هذا الكلام، بأن نقول المعتبر في المنوية البياض مطلقاً، و أما أنها لا تعود إذا زالت فالمراد الاكثر منها كذلك. ثم نقول انما تأخرت الأسنان عن الولادة؛ لعدم الحاجة إليها، و من ثمَّ لم تنبت حتى يأتي وقت الغذاء المحتاج إليها، و نقول إن فضلاتها كانت متهيأة، لكن لصلابتها و ضعف العصب لم تستطع دفعها حينئذ، و هذا التعليل لنا، و هو عقلي بخلاف الأول.
و أما الظفر فأقول: إن العلة في عوده كلما زال، قرب مادته من العظام، فتدفعها بعد التوليد كالفضلة لمشاكلة بينهما.
ص: 87
و أما الجلد فهو منوي اجماعاً. و ما يشاهد من عود ما يقطع منه ليس بعود في الحقيقة، و انما تلتقي أطرافه فتلحمها الحرارة. و لو كان خلقة جديدة لزال أثر القطع.
و أما الشعر فليس منويا. و خروجه قبل الولادة من الدم المغتذى به، و فيه الاخلاط كلها كما علمت. و لو كان منوياً لَخُلِقَ قبل نفخ الروح، و الحال أنه لا ينبت قبل الشهر الخامس كما علم من السقط و الوحام، فهذا تحرير القول فيها. تكملة
من الأعضاء البسيطة غير المنوية اللحم: و هو يتخلق من الدم المتين و تعقده الحرارة؛ و من ثْمَّ يرتَّج في الكبر حين تبرد.
و فائدته: ستر العظام و حفظ حرارتها لئلا تصلب و تجف. و عندي: أن هذه علة عدم وجدانه على قصبة الساق ليصلب و يجف، و الا لكان الاقيس ستره به.
و من فوائده: سَدُ فرج الأعضاء و خللها. و السمين منه الرخو يتولد عن المائية، و يعقده الحر المعتدل.
و منها الشحم و الدهن: و مادتهما كثيرة المائية. و قيل دم رقيق و العاقد لهما البرد، و يحللهما الحر كما يشاهد في الخارج. و فائدتهما: حقن الحرارة و الترطيب. و الجلد يجمع كل ذلك و يحفظه و يوصله الحس بما فيه من لين العصب.
و منها الشعر: و هو من بخار دخاني تدفعه الحرارة المعتدلة إلى الخارج حيث لا مانع، و هو اما للزينة كشعور النساء، أو للمنافع خاصة مثل اخراج البخار الكريه و العفونات كشعر العانة، أو لهما معاً كالهدب و الحاجب. و بطء انباته اما لشدة البرد فينحبس البخار، أو لفرط الحر فينحل قبل انعقاده.
ص: 88
الأول: العصب
و هو قسمان:
احدهما: ينبت من الدماغ بالذات ابتداء
، و هذا القسم سبعة ازواج؛ لأن العصب جميعه كما ينبت يكون ازواجاً كل زوج ينقسم فردين كل فرد ينحدر من جانب.
فالزوج الأول من السبعة المذكورة: ينبت من بين بطنَي الدماغ المقدم و الوسط حتى يحاذي زائدتي الشم فيتقاطع كالصليب، فينبت الايمن في الحدقة اليسرى و الآخر بالعكس، و يتسع طرفه مستديراً و هي ثقبة العنبة، و منها الزوج الباصر. و تقاطعا ليكون المؤدى واحداً و القوة اقوى و ليرجع البصر عند تلف احد العينين إلى الاخرى.
و انكر البعض التقاطع، و الاصح وجوده؛ لرؤية الاحول الواحد اثنين عند ارتفاع الحدقة.
و ثانيهما: زوج أدخل منه يصل إلى المقلة
، لافادة الحس و نحوه، و اصله ينزل إلى الفك الأعلى فينتهي هناك.
و ثالثهما: من مشترك البطنين يتوزع إلى ذاهب في الوجه
، و نازل يفنى في الحجاب، و متفرق في الصدغين و الماق و عظام الوجه. فمنه ما يفنى في الأسنان و منه في اللسان و منه في سطح الفم، و رابع من هذه الاجزاء يزاحم ما ذكر و يخالط الرابع و الخامس.
و رابعهما: من مؤخر الثالث يتوزع في الحنك و به معظم الذوق
و خامسهما: عصب مضاعف كل فرد منه يصير زوجاً
، و كل زوج ينقسم قسمين يتقاطع احدهما على سطح الصماخ(1) ناشئاً في الفرجة يكون السمع بقرع الهواء له، و الآخر يستبطن الثقب الحجري المعروف ب «الاعور»، ثم يخلص إلى عضل في الصدغين و يخالط الرابع؛ و من ثم إذا تعطل اللسان تعطل السمع.
فان قيل: لم قلت أعصاب البصر دون غيرها؟ قلنا: لئلا تزاحم فرجة الثقبة فيتكرر الزوج.
ص: 89
نكتة قال الشيخ خص السمع بالخامس؛ لانه اصلب لثباته مما يلي القاعدة و آلة السمع تحتاج إلى الصلابة أكثر من غيرها لمقاومة الهواء.
و أقول: إن هذه العلة غير كافية؛ لأن السادس و السابع اصلب فكانا احق بذلك، و الذي يظهر لى أن الخامس انما خُص بالسمع؛ لمسامتة الاذن و مضاعفة فرديه.
و سادسهما: يخالط الخامس أولًا، فقد يكون بسلاسة فتحرك فيه الاذن في بعض الانسان كباقي الحيوانات، ثم يقابل اللامي فينقسم إلى ناشب في الكتف و مفرق في الحنجرة و نازل إلى الحجاب، فيضرب فيه أجزاء ثم ينعطف راجعا حتى يخالط جميع اجزاء الوجه و يسمى الراجع لذلك، ثم يعود مخالطاً سائر الشرايين حتى يفنى في العجز.
و سابعهما: ينشأ من الحد المشترك بين النخاع و الدماغ يذهب أكثر في اجزاء الوجه و يسير منه في الاحشاء، كذا قال جالينوس. و الشيخ يقول: قد يذهب كله في الوجه في بعض الناس.
فهذه السبعة الخاصة بالدماغ و الحس، و هي ألين الأعصاب و ألينها الأولى؛ و لذلك حفظت بالاغشية.
الثاني: ينبت من الدماغ لكن بالعرض؛ لأن النخاع كما يفارق الدماغ ينبت في خرز الفقرات كالنهر و لم يزل يدق تدريجاً حتى يفنى في اخرها، فهو خليفة الدماغ تنبت منه أزواج هذا القسم و تسمى «أعصاب الحركة».
و ضابطها: أن كل فقرة ينبت منها زوج فرد منه يذهب في الايمن و آخر في الايسر. لكن بتفصيل حاصله: أن الثمانية منها هي العليا كما تنبت تنبعث راجعة فتخالط الرأس و الوجه يكون بالثالث و الرابع.
و الخامس منها، حركة الاذان في البهائم و بعض الناس و غالبها يستدير فيستبطن العنق و الحنجرة، و بالسادس تنكيس الرأس، و كل يعود فيتوزع في الاحشاء و الحجاب.
و أما الباقي: فما تحت هذه تخالط ما فوقها في اليدين و الكتف و الزور و غيرها. منه ما يستبطن و يقور و ما يظهر و يخالط السواكن و الضوارب،
ص: 90
غير أن أكثر أعصاب الصلب تذهب في البطن على السرة. و اكثر العجز يفني في الفخذ و الباقي إلى آخر البدن فهذه جملة الأعصاب.
الثاني: العضل
و هي الشظايا التي تتفرق من الأعصاب عند مقاربة الأعضاء المتحركة، تتحد بالاربطة النابتة من اطراف العظام، ثم يتخللهما لحم يشتدان به فيكونان جسماً واحداً عصبيا إذا امتد إلى المفصل فارقه اللحم ورق، و هاهنا يسمى «الوتر» كذا حرره الفاضل الملطي. ثم قال إن هذا العضل يختلف تارة من جهة العضو، فيعظم إذا كان في عضو عظيم و هكذا، و أخرى من جهة الشكل فمنه المثلث و المربع. و قد يختلف من حيث وضعه فمنه مستقيم، و من حيث تركيبه فمنه القليل اللحم و غيره، و من حيث كثرة الأوتار و قلتها، فان منه عضلة الساق لها أربعة أوتار انتهى كلام هذا الفاضل.
و أنا اقول: إن له اختلافات آخر، فتارة يتضاعف و الاصل واحد، و اخرى ينفرد مطلقاً و تارة ينتسج من جنس العضو كالتي في الشفة، و اخرى يباين كالتي في الجفن، و تارة تكثر رؤوسه، و اخرى تقل، و تارة تمنع نبات الشعر كالتي في الكف، و اخرى لا تمنع، و تارة يحرك للكب، و اخرى للبطح، و اخرى للادارة و البسط و القبض، و تارة يكون لمجرد تقوية العضو كالتي على العضد، و تارة لحفظ الحرارة، و تارة للعضو.
و منه ما يكون للدلالة على امور خارجة تعرض للشخص، كالتي في الكف، إن قاربت دلت على جمع المال، أو انتسجت فعلى الفقر، أو تقاطعت في الوسط فعلى قصر العمل إلى غير ذلك، فهذه وجوه حصرها من حيث الايجاد و النفع لا أظن عليها مزيداً.
إذا تقرر هذا فلنفصل احكامها بحسب الأعضاء من الرأس إلى القدم فنقول:
أول متحرك في البدن الجبهة بعضلة منبسطة تحت الجلد من غير وتر لصغر العضو، و الجفن الأعلى بثلاثة، واحدة للرفع و ثنتان للنزول،
ص: 91
و المقلة بست أربع للجهات و ثنتان للتأريب(1)، و عضلة حول العصبة قيل: مضاعفة. و قيل: ثلاثة اصلية و الانف باثنتين، و كذا كل من الشفتين و الفك بأربعة أزواج للمضغ و الادارة و الرفع و الخفض، و بالفك و الشفة حركة الوجنة، و من هذه الازواج ما يأتي من خلف الاذنين ثم يتقاطع في الشفة فيصير اليمين للشمال و بالعكس.
و الرأس ينكس بزوج و يقلب بأربع للعسر، و إلى كل جانب بواحد و يستدبر بالمجموع، و الحلقوم بثنتين من القص و ثنتين من اللامي، و اللسان بتسع، و الحنجرة بستة عشر، و الحلق باثنتين يسميان «النغانغ»، و غالب هذه من اللامي و القص و الاعالي، و الرقبة باثنتين من كل جانب و الكتف بسبع من الفقرات و المنقار لاختلاف حركاته. و العضد باثني عشر من الفقرت غالباً، و الساعد بستة عشر أربع من العضد و عشرة على الوحشي(2) و ثنتان موربة، و الكف بخمس و عشرين سبعة على الانسي(3) و الباقي صفان، و لها أوتار كالاصابع منها ما ينفرد و ما يشارك و ما يخص بعض السلاميات، و الصدر بمائة و سبع عضلات، أربع و اربعون من كل جانب بين الاضلاع، و سبعة للبسط فقط فوق هذه، و اثنا عشر تحت الكل للقبض، و المرافق بثمانية، و المثانة بواحدة، و الانثيان بأربع في الذكور؛ لاحتياج التعليق إلى وثاقه و في الاناث باثنتين، و القضيب بأربع كالمقعدة، و الفخذ بعشرة، و الساق بتسع عشرة كلها ذات أوتار، و القدم و الاصابع باربعين، سبعة من خلف و سبعة تقابلها، و ستة و عشرون مقصورة حكمها في الاصابع كما مر في اليد. فهذه جملة العضل، و هي خمسمائة و تسع عشرة عند القدماء. و زاد جالينوس عشراً، قال: انه وجدها في باطن الرجل. و قيل: إن في العضد عضلة دقيقة غائرة بها يرفع الكتف.
الثالث: العروق السواكن
و تسمى الآن بالاوردة، و هي عصبية إلى الصلابة للقدرة على الغذاء، و مع صلابتها لم تبلغ صلابة الغضاريف و لا
ص: 92
العصب؛ لأن المطلوب مطاوعتها و تمددها بحسب الاغذية، و اصلبها بالضرورة المائل إلى المعدة؛ لانه يلاقى الغذاء قوياً.
و حاصل القول في هذه العروق أنها تنشأ عن الكبد و قد علمت ما فيه و أنها عن أصلين:
الاصل الأول: يسمى الباب،
و هو ينشأ من مقعر الكبد أولًا ثم يخرج منه إلى ما يلي المعدة خمس شعب، تسمى الزوائد. و الاصابع تثبت بالمعدة و هي تسمى باليونانية «ماساريقا» يعني العروق الرقاق، و هذه تغور في الكبد، و آخرها الوريد الذاهب إلى المرارة منه تذهب الصفراء إليها.
و أما من جهة المعدة فتنقسم هذه إلى ثمانية:
أحدها: يتوزع في سطح المعدة لجلب الغذاء.
و ثانيها: في الاثني عشر و البواب، و هذان أصغر الأقسام. و في القانون انهما للمعدة و ما تحتها خاصة.
و ثالثها: يتوزع في سطح المعدة أيضاً، و يفني في الغشاء المسمى «القيراس»: يعني جامع الأعضاء، و رابعها يذهب أولًا إلى الطحال، و حين يتوسط يرتفع نصفه فينقسم نصف هذا النصف في اعلى الطحال بعضه، و يذهب الاخر حتى يصل المعدة و منه تأتى السوداء المنبهة، و يسفل النصف فينقسم أيضاً نصفين، أحدهما يتوزع في نصف الطحال السافل، و ثانيهما يذهب حتى يفنى في الشحم و الترب الموضوع على صفاق(1) البطن.
و رابعها: يميل إلى اليسار حتى يفنى في المستقيم.
و خامسها: إلى اليمين فيفنى في اللفائف.
و سادسها: في الاعور.
و سابعها: في القولون.
ص: 93
و ثامنها: في حدبة المعدة و ما حولها. و تتركب هذه كالجداول تمتص ما في هذه الاماكن من الاغذية حتى يتمحض الثفل.
الاصل الثاني: الموسم بالاجوف:
و هو معظم الاوردة و المعدة في تفريق الغذاء، اذ الأول ليس إلّا للمساعدة و الانضاج، و هذا الاجوف قبل أن يبرز يتفرع في اغوار الكبد إلى عروق شعرية تخالط فروع الباب، ثم حال بروزه يخرق الحجاب، و قد ارسل فيه عرقين يغذيانه و يستمر هو حتى يحاذي القلب فيرسل إليه جزءاً عظيماً يخرق ثلاثة أغشية، حتى يصل إلى اذن القلب اليمنى فيرسل الوريد المسمى «بالشرياني» إلى الرئة لجذب الغذاء، و هذا الوريد يصير متحركاً بالعرض؛ و لذلك يصير له طبقتان كالشرايين. و يوزع شعبة أخرى تحيط بالقلب دائرة إلى الاذن المذكورة، و يبعث جزءاً ثالثاً مما يلي الحجاب، فتميل في الناس إلى الايسر حتى تستبطن الاضلاع السافلة و تفنى في فقرات الصدر.
و في البهائم يخالط النخاع و الاعصاب حتى يفنى في الذنب، و منه يكون اللبن في نحو الخيل، و أما في الجمل فيصل إلى الكبد و يفنى في زائدة عرض المرارة. و أما في قصار الامعاء كالذباب فلا يجاوز الحجب النفسية.
ثم الاصل بعد هذه الثلاثة ينفذ في حجاب الصدر ماراً يرسل في الحجاب و الفقرات العليا و العنق و الاضلاع شعباً بعددها حتى يحاذى الكتف، فيتوزع فيه منه كثير و يمر منه جزء في الابط يصير أربعة:
أحدها: يذهب في القص.
الثاني: في اللحم و الصفاقات الابطية.
و ثالثها: في المرافق.
و رابعها: يمر في اليد و منه العروق المقصودة. ثم بعد ذلك يتفرع فوق الكتف إلى الودجين الظاهرين، و المستدير اصلهما على الترقوة و الرقبة باستدارة و من هذا أكثر القيفال(1)؛ و لذلك يختص بالرأس ثم يذهب حتى يفنى في الفم و الوجه و اعضاء الرأس و إلى الودجين الغائرين، و هذان يتوزعان في الحنجرة
ص: 94
و بطن الرأس و ما فيه، حتى تنتسج منهما شبكة الدماغ. و أما تفصيل أوردة اليدين فانها عند الكتف يكون منها القيفال في اعلى اليد، و يظهر منها عند المرفق حبل الذراع بقسمين يدوران على الزندين بأقسام أيضاً قرب المفاصل حتى يفنى في الرسغ و الاصابع. و منها ما يتعمق في الابط إلى المرفق فتستبطن منه شعبة تخالط الغائر من القيفال يكون عنها العرق المعروف قديماً ب «الاكحل»(1) والان ب «المشترك» و يستمر في الزند الأعلى، حتى يذهب بين الابهام و السبابة، و ما توسط من هذا الاصل يكون عنه الباسليق(2)، و هذا يمر حتى يفنى بين البنصر و الوسطى، و ما تسفل منه يكون عند المرفق الاسيلم(3)، و هذا يمتد على الزند الاسفل حتى يفنى بين الخنصر و البنصر؛ و لذلك يفصد في الايمن للكلى و الكبد، و في الايسر لامراض الطحال. و كثيراً ما رأيت بمصر من يفصده عند الخنصر للحكة، و هو خطأ خصوصاً في الايمن إذا احترقت الاخلاط.
و أما قبل خرق الحجاب فانه يتفرع منه جزء يسمى «نصف الاجوف النازل»، و هذا الجزء يتفرع بكثرة في الجانب الايمن و قلة في الايسر، و من أعظم شعبه ما في لفائف الكلى. و منها عرقان يسميان «الطالعين»، و هما مجرى المائية إلى المثانة، و عن الايسر منهما تكون شعبة تصل إلى البيضة اليسرى و بالعكس. و منها مجرى المني و عروق القضيب و الرحم، و قبل الكلى يوزع في الفقرات و الصلب ما وزع في الفوق حتى يجتمع آخر العجز و قد ارسل عشر شعب في المقعدة و العصعص و المثانة و ما حول ذلك، و هنا في النساء يختلط عروق الرحم و البطن حتى يشارك الثدي، فينصرف الغذاء فيها إلى الحيض قبل الحمل، و إلى غذاء الجنين فيه و إلى اللبن بعده فلذلك اختلط الطريق. ثم بعد هذا ينحدر في الفخذين اليالركبة فينقسم هنا إلى ثلاث:
احدها: يمتد على القصبة الصغرى.
و الآخر(4): في الوسط يخالط الأول عند القدم مما يلي الخنصر.
ص: 95
و ثالثها: يمتد على القصبة الكبرى البارزة حتى يخالط الباقي في القدم، و منه الصافن(1)؛ و لذلك يفصد لجلب الدم. و هذه الثلاثة قبل انقسامها هي النسا(2) على الاصح، فهذا توزيع الاوردة كلها.
الرابع: في الشرايين
و المراد بها كل عرق متحرك. و منبتها من القلب، و هي رباطية عصبيّه من طبقتين داخلهما إلى العرض تدفع البخار المحترق، و الاخرى إلى الطول تجذب النسيم البارد بحركتي البسط و القبض، و بينهما كالعنكبوت موربا؛ لزيادة الوقاية عناية من الصانع تعالى ذكره بما فيها من الارواح؛ اذ لو رقت لانحلت فتنهك الابدان بسرعة و هذه توزع في البدن توزيع الاوردة و الاعصاب لكن.
قال المعلم: إن الثلاثة تعظم في بعض الأعضاء دون بعض و لم يعلل ذلك، فقال: من اعتنى بتعليل ألفاظه كالشيخ و الفاضل ابي الفرج الملطي: إن اختلافها باختلاف امزجة الأعضاء، فالعضو البارد يخصه منه الاقل؛ لاستغنائه عن الحرارة و بالعكس.
و في هذا الكلام عندي نظر؛ لأن الحكيم اما أن تكون عنايته مصروفة إلى قوام البنية أولًا. لا سبيل إلى الثاني و الا لكان ناقضاً لغرضه تقدس اسمه عن ذلك. و لا نقض بالعوارض الطارئة؛ لاستنادها إلى موجبات يخفى على الاكثر اكثرها و لا بالانحلال الكلى للحكم بالنهاية من لدن البداية فتعين الأول. و حينئذٍ اما أن يكون بالمناسب أو بالمضاد. لا سبيل إلى الأول على الاطلاق، و الا لجاز تدبير الصفراء بنحو العسل و البلغم بنحو اللبن، و لا قائل به. و لا نقض بالخواص بأنها واردة على غير الطبائع، و سيأتي كونها معللة أولًا، فتعين الثاني. و عليه يلزم عكس ما قالوه في التعليل.
و الذي اراه أن اختلاف هذه الثلاثة مع الأعضاء راجع أولًا إلى منافعها، و قد عرفت أن الأعصاب للحس و الحركة فما استغنى عنهما كالشحم و العظام فلا حاجة به إلى الكثير منها.
و أن الاوردة لجلب الدم
ص: 96
و الاخلاط للتغذية. و جميع الأعضاء محتاجة إلى ذلك، فتكون على هذا متساوية الورود إليها.
لكن الصحيح انقسامها بحسب العظَم و التوسط و الصغر، فما كان منها عظيماً توفّرت حصته و هكذا.
و أن الشرايين لجلب الارواح و التبريد بالهواء و اخراج الفضلات الدخانية، فما كان من الأعضاء شديد الحاجة إلى ذلك توفرت حصته منها كآلات النفس و إلّا فلا. هكذا يجب تعليل من دقت صناعته و خفيت افعاله، و الا فالتسليم بالعاجز اولى و اسلم. ثم قد ينظر فيها ثانياً من حيث البعد و القرب، و فيه دقة يطول بحثها، و قد استوفيناها في التذكرة.
إذا عرفت هذا فاعلم: إن أصل الشرايين كلها عرق واحد ينبت من يسار القلب؛ لتفرغ الايمن لجذب الاغذية بما فيه من الاوردة السابق ذكرها، و هذا العرق يسمى باليونانية «اورطا» يعنى المتحرك بالحياة، و بالعربية «الابهر» ثم كما ينشأ ينقسم قسمين. قالوا: اصغرهما يرتفع في نصف البدن الأعلى، و أعظمهما في السافل، و لم يختلف في هذا القول احد؛ و عللوه بأن الأعضاء السافلة أكثر عدداً فخصت بالجزء الاعظم.
و هذا القول عندي مشكل جداً؛ لأن الاوردة إذا ذهب معظمها في السافل فتعليله متجه؛ لانها تحمل الغذاء، و هو جسم ثقيل في الجملة و اعضاء الغذاء الاصلية كلها سفلية فتحتاج إلى مزيد الاختصاص بها.
و أما الشرايين فموضوعها لحمل البخار و الارواح الشديدة الحرارة و جذب الهواء و اخراجه، و كلها افعال علوية و لا نزاع في أن الآخر موضعه الأعلى، لما مر، و قد عرفت أن آخر اجزاء البدن الارواح و لا حامل لها سوى الشرايين، و أن السافلة غالبها غنى عن غالب افعال الشريان فكيف يختص الأعلى بالاقل منها. و هذا البحث لم أر فيه مساعداً، و لم يقم عندي ترجيح ما أطبقوا عليه، و الله أعلم بذلك. و يمكن أن يحمل كلامهم على أن المراد بالاعظم الاكثر شعباً،
ص: 97
على أن ذلك فيه ما فيه.
ثم إن «أورطا». كما ينشأ كساق الشجرة يرسل الشريان الوريدي إلى الرئة لجلب الهواء إليها و تعديلها بالحركات و يسمى «الوريدي»؛ لمشابهته الاوردة في كونه بطبقة واحدة، و الحكيم أوجده كذلك عناية بهذا العضو السخيف(1) كذا قرره المعلم. و اقول أيضاً: انما كان كذلك؛ لانه في هذا اللحم الرخو دائم الترطيب فلا يخشى شقه، يخلاف غيره. ثم يرسل، «اورطا» شعبة إلى جانب القلب الايمن، و اخرى تدور حول القلب، ثم يصعد نصفه الأعلى ماراً في الحجاب و الصدر حتى يحاذي القص و الكتف، فيفرغ فيهما شعباً يمر غالبها في اليد و أكثرها يخالط الاوردة خصوصاً الباسليق و من ثمَّ يجب الاحتياط في فصده. و الاعلى منها يمر إلى الرسغ و هو النبض الذي يجس الآن، و اكثره يفنى في الكف ثم يصعد فيكون منه الودج الظاهر و الغابر كما مر. و عن الغايرين يتفرع الشريان السبابي، ثم يخالط شعبة الاوردة فتنتسج مع الشبكة السابق ذكرها و يرتفع باقيه فيفنى في بطون الدماغ. و جالينوس يقول: انها تعود فتخالط العظم اللامي و تنسج مع العروق السواكن، و هذا يشبه أن يكون غير صحيح؛ لعدم الفائدة فيه. و أما نصفه النازل فكما يجاوز القلب يتشعبَّ بين الفقرات و الخرز و يذهب في العجز بعد ما يرسل إلى الطحال و الكلى و الانثيين شعبا بقدرها لكن شُعَبه في الجهة اليسرى اعظم عكس الاوردة، و في كل موضع يكون أوثق بالاغشية عناية بالشرايين لشرفها، حتى إذا بلغ أصل الفخذ عادت منه شعب إلى الايسر من الانثيين، ثم يمتد في الرِجْل حتى يفنى في القدم و الاصابع. انتهى تشريح الأعضاء البسيطة فلنتكلم في المركبات، و المراد بها هنا كل عضو له اسم مخصوص، و هو أكثر من جزء واحد و لنرتّبها ترتيب الأعلى فالاعلى.
ص: 98
و هو مثلث ساقاه مما يلي المؤخر قد تكون من لحم متخلخل لنفوذ الابخرة. أبيض لغلبة البرد. دسم لئلا يُفسد الأعصاب، قد انتسجت فيه انواع العروق الثلاثة كما عرفت و حصن بغشائين اصلبهما يماس الرأس و القحف بحيث يخالط دروره. و طرفه الذي تحت حجاب العين يسمى «السمحاق» و الثاني تحته يعرف ب «ام الدماغ» قد لأن و لطف؛ للمناسبة، و هو لا يماس الدماغ، و لكن قد يرتفع إليه عند غيظة قوية و نحوها، كذا في الشفاء.
و قسم الدماغ طولًا ثلاثة اقسام تسمى «البطون» اوسعها و الينها المقدم؛ لكون أكثر أعصاب الحس منه. وحده من الجبهة إلى الدرز و فيه فم ينفتح؛ لانصباب الدم يقال له «المعصرة». و البطن الاوسط بعده بين الاذنين، و يسمى «الدهليز» و «الازج»، و في جانبيه تزريد وطيٌ من الاغشية تعتمده العروق؛ لأن اللحم رخو كأنه الشحم و فوق هذا الطي دورتان من مجموع العروق ينسدّان وقت القعود و ينفتحان في الاستلقاء فتجرى الارواح و يقوى الفكر.
و البطن المؤخر و هو الثالث اصلبها و اضيقها، و مصب النخاع إلى الفقرات كما عرفت.
و هذه البطون تنقسم في طولها أيضاً بقسمين يحاذي كل واحد منهما عيناً و اذناً و منخراً، و فضلات و فضلاتها تتوزع من هذه المنافذ كما سبق. لكن غالب فضلات الاوسط تسقط إلى المصفاة النافذة إلى الانف و الحلق من العظم المثلث كما مر.
و الدماغ ملازم لتمام الحواس و شكله كالرأس. و الخلاف السابق يأتي فيه. قال المعلم: و هذا الجوهر إذا نقص كان نقصه بسبب الحاسة، و ليس العلة في ايجاده عنده ثبوت الحواس فيه؛ لأن كثيراً من الحيوانات افواهها في صدورها، و منهم عادم السمع كالعقرب، و البصر كالنمل، و بروز الاذن كالطيور، فبقى أن فائدة الدماغ لوضع العين فيه؛ لأن الواجب وضع البصر في احرز الامكنة و أعلاها، كما
ص: 99
أن المريد نظر ما دقَّ يقصد الاماكن المرفوعة، كذا قالوه. و عندى أن هذا التعليل غير ناهض؛ لأن حيوانات الماء غالبها عديمة الدماغ و لها بصر في زائدتين على الكتف، و كذلك مردقون ينظر بقرنيه. و لو كان المراد الاحرز و الارفع؛ لكفى الرأس دون الدماغ كما في السرطان.
و الذي أقول: إن الصانع جل اسمه اراد اظهار ما دقَّ من الحكمة في هذا التركيب. و قد خلق القلب شديد الحرارة فأراد التعديل، فاوجد الدماغ بارداً رطباً و جعله مسامتاً لنقطتي الكرة في المقابلة ليحصل التعديل؛ و من ثم إذا فقد احدهما خرج التركيب.
الا ترى أن الحية حين خلقت بلا قلب صعدت الحرارة إلى رأسها فاحترقت و استحالت سماً في الغدد الرخوة. و بعض السمك لما عدم الدماغ اعتاض عنه بالماء؛ و لذلك يموت إذا فارقه. فقد بان لك أن الحكمة لما ذكرنا لك خاصة. و لما انتصبت قامة الانسان مست الحاجة إلى هذا التعديل بزيادة دون غيرها. و لو كان الحق ما ذكروه؛ لكان يجب أن تكون العين في ذوات الاربع في وسط الرأس؛ لانه ارفع من الجانبين. و هذا القائل لم يمارس غير تشريح الانسان؛ فلذلك لم يهتد إلى دقائق الحكمة. و من اراد تفصيل سائر الحيوانات فليراجع ما ذكرناه في التذكرة.
هي العضو الحساس الآلي المخلوق لأدراك المبصرات عند المقابلة حيث لا مانع، و هي ثلاثة اجزاء. المقلة، و هي الجزء المقصود بالذات، و اللحم المحيط بها و الاجفان.
و اما شعر الجفن فليس من العين و انما عضد به الجفن دقة و عناية، حتى قال المعلم: إن الهدب يوجب الايمان الغيبي بالمبدع الأول.
فالمقلة، اولها مما يلي الرأس طبقة تسمى «العظيمة و الصلبة» و هي طبقة مدت من طَرفي الغشاء الصلب تحت الحجاج مستديرة واسطة بين العظم و ما بعده من الاجزاء اللينة؛ ليكون التركيب تدريجاً. ثم
ص: 100
رق هذا الغشاء حتى انتسجت منه طبقة تسمى «المشيمة» دون الأولى في اللين؛ لما ذكرنا من صحة التركيب لذلك.
و قال الملطي: ليتأدى منها الغذاء و الحرارة الغريزية. و هذا تعليل لانتساجها كذلك لايجادها. و خارجها طبقة ثالثة تسمى «الشبكية» لانتساجها كالشبكة و لم تلتحم؛ لئلا تمنع الوارد. و خارج هذه الطبقة رطوبة تسمى «الجليدية» بيضاء صافية شفّافة تحيط بها الطبقة المذكورة للتحصين، و فيها ينتهي الزوج المتقاطع السابق ذكره و يستدير؛ لحفظ الروح الباصر.
و في هذه الرطوبة ادنى فرطحة(1) لولاها لم تدرك المبصرات إلّا على نقطة. و خارجها رطوبة تسمى «الزجاجية»؛ لانها كالزجاج الذائب بها حفظ الجليدية و خارجها كنسج العنكبوت تخلق من فاضل الغشاء؛ لئلا يمنع الابصار. و قدام هذه رطوبة تسمى «البيضية» هي الفضلة من غذاء الجليدية على نحو نصف دائرة؛ لئلا تمنع توسط العنكبوتية ههنا لئلا تتكدر الجليدية بهذه الفضلة و خارج البيضية طبقة سوادء كثيفة تسمى «العنبية» مثلها كالرصاص المجعول في ظهر المرآة يحجب البصر لولاها لتبدد الباصر، و ثقبت لئلا تمنع، و لها من داخلها خمل يحبس البيضة. قالوا: و لاجل أن يميل الماء النازل عند القدح. و رده الملطي، و هو الحق؛ لعدم الحاجة إلى ذلك. و هذه الطبقة ملساء من خارج كأنها حبة العنب؛ لدفع الافات. و خارجها طبقة صلبة رقيقة لها أربع قشور؛ و لذلك سميت «القرنية» و خلقت كذلك؛ لأن غالب امراض العين تتعلق بها فربما ذهب منها أجزاء فلو كانت جزءاً واحداً؛ لفسدت العين في زمن يسير.
و خارجها «الملتحمة»، و هي بياض دسم لا يتلون إلّا وقت المرض، و هذه تجمع الطبقات و تحفظها. و الرمد الساذج يخص هذه،
فهذه جملة اجزاء المقلة، و فيها خلاف بعدد الطبقات. فان من الناس من يجعل العين طبقة واحدة، و منهم من يجعلها اثنتين و هكذا.
و الصحيح: أنها سبع كما ذكرنا؛ لما تقرر من منافعها الداعية إلى الجميع فانها متراكمة بعضها
ص: 101
خارج بعض كالدائرة الناقصة يسيراً، و كثلثيها و أقل إلى أن تنتهي. و قول الشيخ: انها كقوس قزح أشارة مجردة إلى انها غير كاملة الدوائر، و الا لامتنع البصر.
و أما فائدة الرطوبات، فالأولى للانتقاش و الثانية للاصلاح، و اما الثالثة فلكونها حاجزة بين العنبية و الطبقة العنكبوتية لما سلف من التَدريج. و أما الاجفان فللوقاية و اخراج الفضلات. كذا قالوه.
و الصحيح: أن كلًا منهما للوقاية، و الاعلى خاص لدفع البخار؛ لانه المتحرك وحده.
نعم، ما تحرك فيه الجفن السافل كالتمساح يأتي الكلام عليه. و كل جفن طبقتان جلدية و غضروفية ينبت الهدب حيث يلتقيان، و بينهما العضل و الاعصاب و كل ذلك للوقاية. فرع
ادراك المبصرات: هو أن يخرج الشعاع على خط مستقيم طرفه على المبصر، و الآخر على الجلدية، أو ينطبع المرئي فيها كالمرآة. قال المعلم و أتباعه بالأول، و الا لم يبصر الجبل العظيم؛ لاستحالة انتقاشه في هذا الجرم. و انما يتهيّأ الهواء بالباصر بقدر المبصرات.
و قال جالينوس بالثاني. و دفع اللازم بما تقدم من ذكر ما تحصنت به الجليدية.
و هذا غير مقبول؛ لأن الانتقاش يجب أن يكون في نفس الجليدية؛ اذ العنبية كما علمت لمجرد منع الخرق فلا تصلح لما ذكر.
على أن عندي في قول المعلم نظر؛ لاني أقول: إذا كان النظر بخروج الشعاع على الوجه المذكور فلا بد و أن يكون خروجه اما على الخط المذكور فيلزم أن لا يرى من الواقع عليه البصر أكثر من نقطة. أو منبسط فيلزم أن يكون الشعاع الخارج من المقلة قدر المرئي. و ليس كذلك لما ذكروا. و أيضاً على التقديرين يجب أن يكون الشعاع اكثف من الهواء خصوصاً في البعد ليثبت زمناً تتأدى فيه الاشياء. و لا قائل بتساويهما فضلًا عن كونه اكثف. و اذا ثبت أن الشعاع ألطف وجب أن يمزقه الهواء قبل حصول الغرض. و بالجملة فلم يثبت عندي حقيقة هذا البحث.
ص: 102
فائدة: عين ذوات الأربع بلا شبكية و لا عنكبوتية فهي من خمس إلّا ذوات الاخفاف كالجمل، فانها من ملتحم تغلبت عليه الحمرة، و قرنية و عظمية خاصة و الا الاسد فانه كالانسان، و ذوات الاظلاف من طبقتين ملتحمة و قرنية.
و أما الطيور فطبقة واحدة رقيقة صلبة تحيط بالجليدية و لا رطوبة غيرها إلّا الخطاف(1) فلا طبقة له اصلًا، و انما عينه جليدية ينبتها السمحاق(2)، و اذا قلعت نبت غيرها بعد اسبوع.
و اما المحرزات بجميع اعينها رطوبة شفافة إلّا الخلد(3)، فعينه كاملة التركيب. لكن؛ لعدم الدماغ امتد العشاء فالتحم عليها.
و أما الحية فعينها كقطعة زجاج لينة مستديرة، و من ثم لم تبصر الاشياء بها إلّا على نقطة.
و من الحيوان ما عوض عن العين كقطع المرآة في رأسه يستنشق بها من الأعلى(4) مثل مرديقون. و أما وضع الاحداق فقد يرتفع عن الوسط لنقص جزء كما في الوعل فلا يبصر منكسا.
و منها ما ذهبت رطوباته البيضية فعجزت الجليدية عن مقاومة الاضواء القوية مثل الخفاش(5) و البوم(6) فصار يبصر في الظلام خاصة لما ذكر.
و منها العكس كالحمار و الفرس. و الاعشى من قبيل الثاني. لكن ضعفاً لا عدماً و الا استحال علاجه.
و هي الانف، و قد تقدم أن الخارج منه ثلاثة غضاريف و مر ذكر العظم الداخل فينبغي أن تعلم أن الغضاريف المذكورة تماس العظم بين الحاجبين بنقطة و أن في العظم ثقباً ملوياً ينفذ إلى الدماغ و في جانبيه ثقبان ينتهيان إلى الحنجرة كترتيب المزمار، و اعلاهما يتخلص إلى العين منه يحس بطعم الكحل في الغلصمة(7) و فائدة هذا لدفع الفضلات، و فائدة الاصل تأدية الهواء عند انطباق الفم. و قوة الحس فيهما من الدماغ بزائدتين كحلمتي الثدي.
ص: 103
تنبيه و تحقيق
اختلفوا في ايصال الرائحة هل هي بتكيُف الهواء أو بتحلل اجزاء المشموم فيه؟
فقال المعلم و اثنادفلس و الشيخ و الصابي بالأول؛ لأن المشموم ذو رائحة و كل ما كان كذلك و هو حار لطيف لب الهواء؛ و لأن المشموم لو تحللت منه أجزاء لنقص و فنى.
و قال جالينوس و المعلم الثاني و ابو ريحان(1) بالثاني؛ لأن الهواء لا يتكيف بمجرد الاشياء إذا لاقت و لكن بالتحليل، و التزموا النقص و ادعوا أن وقوعه محسوس.
و عندى: أن الحق التفصيل، و هو أن المشموم إذا كان متخلخلًا كالكافور(2) و المسك و كان الهواء حاراً حلل اجزاءه؛ لوقوع النقص و قوة الرائحة في الجو. و إن كان كثيفا فان كان لدنا كالعنبر كان الوصول بمجرد التكييف. و إن كان صلباً لم يكيف و لم يتحلل. و من ثمّ احتجنا في مثل العود إلى تحليله بالحرق حتى يكيف الهواء، فتأمله فانه موضع دقة.
فوائد
الأولى: أجود آلات الشم ما طال ودق؛ و لذلك كانت السلوقية من الكلاب(3) أعظم من سائر الحيوانات ادراكاً للمشموم.
الثانية: الحيوانات تختلف في هذه الآلة كثيراً، فذوات الاربع غير الكلاب لم يخلق لها وصلة بالغضاريف بل كلها لحم. و الطيور ليس لها أنف و انما في جنبيّ المنقار خرق للهواء. و أما الظبية السندية فتشم بقرونها. و المحرزات لا شام لها إلّا النمل خاصة فان قوتها عظيمة؛ لانها فقدت السمع فعوضت عنه الشم.
الثالثة: انما تعددت مواضع القوة؛ لاجل الآفة فاذا خفيت واحدة نابت الاخرى، و كذا باقي الحواس.
و أجزاؤها البسيطة غضروف و عصب و لحم و عظم، و قد مرت. و أما صفة تركيبها فقد استدار الغضروف كالسكرجة(4) لما عرفت من تدريج الهواء؛ و لانه كالجفن للعين، و هو يستدير بتعويج حتى يماس الفرجة كحلقة،
ص: 104
و الفرجة لحم قد فرش على العظم الاغور بتقعير، و تقاطعت عليه الأعصاب، و الاغور هو العظم الحجري المثقوب بتعويج ينتهي إلى الدماغ. قيل: و إلى القلب.
و كيفية الاسماع إن الثقب المذكور مملوء بالهواء الواقف؛ لاستحالة الخلاء فاذا تكيف الهواء الخارج بصوت أو حرف دخل فقرع الواقف فحصل السمع بالانضغاط بين قارع و مقروع. كذا قُرر من غير خلاف بينهم. و لكني اقول: إن تكيف الهواء متشكلًا بالحروف اما أن لا يفارق إذا بعدت المسافة فيكون اكثف من الماء؛ لبقاء المرسوم فيه زمناً بعد انقطاع الاصوات بخلاف الماء. أو يفارق فيلزم أن لا نسمع إلّا بهواء اقرب من الغضروف جداً.
و كلا اللازمين باطل؛ للاجماع و الحس، فيشكل ما قالوه. و أيضاً إذا كان الاسماع بالتكيف المذكور، فيلزم محو أشكال الحروف من الهواء الداخل من جدار محكم الصنعة، و الحال ليس كذلك.
و اجاب في الملخص عن هذا: بأن الجدار لا يمحو رسم الهواء للطفه و تخلخل الجدار. و هذا الرد مردود بالسماع من حائل لا خلخلة فيه كالشمع و الذهب.
و حاصل الأمر: أن في هذا البحث اشكالًا لم اقف على تحقيقه لاحد. تنبيه
كل حيوان يبيض لم تبرز أذنه، و كل ما يولد بالعكس، و المحرزات غالبها مفقودة السمع كالعقرب و الحية و اشدها سمعاً الخلد.
و هي باللسان و الرطوبة:
و اللسان: لحم رخو متخلخل بين بياض و حمرة حالة الصحة و طرفه الخارج بمفصل طولي التصق بالاعصاب و العضل، و آخر عرضي به ينطوي، و تحته عروق منتسجة و غدد اسفنجية إلى البياض يستحيل فيه الدم لعاباً و يجري من عروق تسمى «السواكب» إلى جرم اللسان، فتخالط المذوقات فيحصل الاحساس. اما لتحلل الاجسام أو تكيف الرطوبة بالطعوم على الخلاف السابق في الشم و خلقت تفهة؛ لتباين الطعوم فتعرفها، و قد علمت كيفية الأعصاب الحسية.
ص: 105
فوائد الأولى: كلما رق اللسان ورق غشاؤه و حسنت استدارته و طال كان افصح. و اذا عرض كان اثقل.
الثانية: أصل اللسان متصل بالقصبة فمنه إلى آخر الفم مواضع الحروف، و قد قالوا: إن الحروف معه قسمان:
اما هوائية يستغنى في النطق بها عن اللسان نفسه، و هي الالف و الواو و الياء. أو جرمية و هي ثلاثة اقسام:
اما متعلق بأصل اللسان الداخل و الحلق، كالقاف و الكاف، أو بوسطه كالجيم و الشين، أو آخره كالبواقي غير الشفوية، أو يتعلّق بمجرّد الشفة، و هي ثلاثة الواو و الباء و الميم، و على كل حال فالحروف لا بد لها من احياز في الفم.
و الصحيح: كل حرف له مخرج فاذا تغير النطق بحرف منها نظرنا في محله من العضل و الاعصاب فأصلحناه؛ و ذلك لأن التغير قد يكون بفرط الرطوبة كمن يعسر عليه النطق بالراء و الشين فيجعل الأولى غيناً و الثانية سيناً مهملة مثلًا، و هذا لفرط الرطوبة قطعاً؛ و من ثمَّ يزول بزوال الصغر و قلة الرطوبة. و موضع الحرفين المذكورين شعب العصب الاتي من مقدم الدماغ، و قد عرفت 0 انه لين جداً فعلى هذا تقاس البواقي كلها. و لأهل علم الحروف بهذا حاجة شديدة إلى استخراج طبائعها و خواصها لا يحتمل بسطه هذا المحل.
الثالثة: كل ما قارب لسانه في الوضع لسان الانسان أمكن نطقه بالحروف كالببغاء و الغراب.
الرابعة: من الحيوان ما قلب لسانه فجعل العريض إلى الخارج كالفيل، و لو لا ذلك لنطق بالحروف.
الخامسة: إن اللسان إذا جف سقط الذوق و لو ثبت من غير تحريك لعسر الازدراد(1) أو تعذر، و عليه يمتنع الغذاء و يفسد البدن فاذا هو معظم الآلات.
السادسة: أن غالب المحرزات خصوصاً ذوات السموم أن يفرق لسانها بقسمين لفرط اليبس؛ فلذلك تعفن ابدانها لعدم ذوقها و تمييزها.
ص: 106
هو عبارة عن الاحساس من الجسم حال ملاقاته بما فيه من كيفية و كمية، و هو بافاضة الحس من الأعصاب السابقة على سائر البدن الحي، و لكنه في اليدين أكثر؛ فلذلك كان عرف العامة أن يخصه بهما. و مدركاته أكثر المدركات؛ لأن المدرك في البصر ليس إلّا اللون و الضوء و الشفق. و الشعاع فرع الثاني على الاصح. و بالشم نوعا الرائحة، و بالسمع الحرف و الصوت. و اذا اختلف باعتبار القارع و المقروع كخشب و حديد و ذهب و رصاص، قلما اتحد و اختلف من الاجرام المتصاكة، و بالذوق الطعوم التسعة.
أما اللمس فالمدرك به الكيفيات الاربع، الخشونة و النعومة و الخفة و الليونة و نظائرها. فروع
الأول: لا يتغير الادراك عن محله مطلقاً كما سيأتي في القوى، و انما تنافيه العوارض.
الثاني: لا يدرك بالحاسة غير ما خصت به. و القول بجوازه خروج عن الموضوع العقلي و غيره. و هذا باعتبار ما وقع لا صلاحية قدرة المختار.
الثالث: لم تقف الحكماء على حقيقة الفارق بين انواع المدركات باعتبار مشخصاتها و ما في النفس من التفصيل فلا سبيل إلى التعبير عنه، أ لا ترى أن الحلاوة في نفسها نوع يندرج فيه السكر و العسل و الزبيب و التمر إلى غير ذلك! و متى طلب الفرق بين هذه تعذر؛ لأن الزيادة الظاهرة في العسل بالنسبة إلى السكر ليست راجعة إلى الحلاوة بل الحرافة، فان العسل حريف(1) يحد اللسان و يقطع اللزوجات، و كذا القول في المسك و العنبر اليغير ذلك.
الرابع: هل تختلف الحاسة التي تجمع ذلك باختلافه، أو تتكيف بحسب الوارد؟
خلاف لم اقف على تحقيقه. و سيأتي انهم اجمعوا على انها واحدة، و سنشير إلى ذلك في القوى، هذا ما يتعلق بتشريح الظاهر من البدن بسيطاً و مركباً.
ص: 107
اعلم أن الحيوان لا بقاء له بدون ما يتأداه من الهواء و الغذاء و الشراب؛ ليعدل بالأول ما لولاه لاحترق به من الحرارة، و يخلف بالثاني ما تحلله الحركة و نحوها من أجزاء بدنه، و يوصل بالثالث الغذاء إلى غايته.
فان قيل: نجد من الحيوان ما يعيش العمر الطويل بغير الماء، كالظباء السندية و النعام الوحشي، فلو كان ضرورياً لما جاز ذلك.
قلنا لا شبهة في أن غاية الماء ما ذكرناه كما سيأتي فاذا جاز الايصال و التفريق بغيره لعارض جاز الاستغناء عنه، و لا شك أن الظباء المذكورة لا تغتذي بغير النبات السريع التحلل فيكفي فيه حركتها و الهواء. و اما النعام فحرارتها الغريزية شديدة الاشتعال لا تبقي ما يتكثف، و لما كانت عناية الحكيم تعالى و تقدس مصروفة إلى بقائه مدة ينقضي فيها ما خلق له، لا جرم ركب في باطنه أعضاء قائمة بها قوى إلهية بها يتصرف فيما هي له.
و أول هذه الآلات فضاء الفم:
حصنه بالشفتين المشتملتين على انطباق و انفتاح و حركة محكمة و جعله حساساً ملساً يشعر بالمنافي فيلقبه و لا يمسك الطعام في اجزائه فيتغير، و قدره في كل حيوان بحسبه كعظمه في عظيم الجثة ليقدر على أخذ ما يقوم به؛ فلذلك أماط عنه الأسنان في الطير؛ لئلا تكون عائقة له عن اختراق الهواء و عوضه المخالب الخفيفة و طول العنق الموجب لقوة الطيران و زينه في غيره بها؛ لتكون عوناً على سحق الاجسام الصلبة التي لو وصلت بدونه لاوجبت فساد الآلات، و باللسان للادارة و الازدراد، و اوصل غشاءه بغشاء المري ء مملوساً؛ لتزلق الطعام و غطى مسلك الهواء عند البلع؛ لئلا يسقط فيه من الطعام و الشراب شي ء فيهلك الحيوان، و جعل مجرى الهواء صلباً؛ لانه لطيف لا يزدحم و مجرى
ص: 108
الطعام ليناً يطاوع فيتسع للجرم الكبير و يضيق للصغير، و زاد في غريزية ما عدم الأسنان لتقوم مقامها كذوات الحوصلة. كل ذلك من دقائق الحكمة. و داخل اللهات لحم مستدير رخو يشكل الصوت و يعدل الهواء.
إذا عرفت ذلك فاعلم: آن داخل الفم كما ذكرنا منفذان:
احدهما: مجرى الهواء، و أوله رأس الحنجرة من ثلاثة غضاريف، احدها «لترسي» مستدير غير تام، و يقابله غضروف، يعرف بالذي لا سم له، و الثالث: يسمى «الطرحهالي» ينطبق عليهما عند الحاجة، و يصير هذا الشكل كدائرة ناقصة و يغشيه غشاء أملس من داخله تقعير، و يكمل الدائرة غشاء المري ء. ثم يتألف هذا المجرى من غضاريف اعظمها و اصلبها الأعلى تحت الذقن ثم تصغر و تلين تدريجا لانها تستر بالقص فاذا جاوزت الترقوة صارت كالعروق و تتجزأ هناك أربعة و تنشب في لحم رخو متخلخل كالزبد إلى البياض اسفنجي، و هذا هو الرئة خلقت للترويح على القلب بالهواء المستنشق من المجرى المذكور و فيها يمسك الهواء عند حبس النفس من نحو تأذ برائحة؛ لأن القلب لا يمكنه سكونه فتقوم عنه بذلك و هي إلى الايمن ليعتدل البدن، و تحتها القلب و هو لحم احمر صنوبري الشكل إلى الصلابة قاعدته أعلى الصدر و رأسه ينتهي في الايسر بنقطة. قالوا: يتوكأ على عضو غضروفي و له ثلاث بطون واحد في الايمن تصله الاوردة كما عرفت و فيها الغذاء من الكبد، و بطن اوسط ينضج فيه الارواح، و الثالث في الايسر تنبت منه الشرايين و الارواح إلى سائر البدن، و قد غلف باغشية للحفظ و الوقاية؛ لانه معدن الغريزية و موضع الارواح، فهذا تحرير الآلات النفس.
و اما المنفذ الثاني: ففيه أعضاء كثيرة، احدها المري ء، و هو أول عضو يفضي إليه الطعام و الشراب من الفم و هو من غشاء لحمي لما عرفت قد انخرط آخره في فم المعدة بتركيب محكم يربط الغشاء و له قوة جاذبة
ص: 109
خصوصا وقت الجوع حتى قال في الشفاء: انه يظهر في قصار العنق. و هو مما يلي الحنجرة اوسع ثم ينطبق تدريجاً و اذا فات الترقوة ارتبط بالفقرات موثوقا ثم يميل إلى آخر الصدر إلى اليمين فيوثق باول المعدة و له طبقتان للقوة، و فيه انواع اللِّيف من عريض و طويل و مورب كغالب الأعضاء.
و ثانيها المعدة:
و هي ثلاثة اجزاء، اولها عصباني إلى الصلابة؛ لانه يلاقي الغذاء صلباً. و ثانيها اغشية لحمية، و آخرها لحم. و كلها طبقتان بينهما الليف و عليها طبقة الشحم المسمى ب «الثرب»، و هي في الانسان كقرعة ضيقة الرأس واسعة البطن، و ضاقت من الأعلى لميلها هناك إلى اليسار فلو عظمت لحصرت القلب، و اتسعت من اسفل مائلة إلى اليمين ليسهل تصرف الغذاء إلى الكبد؛ و من ثمَّ يجب عند حلول الهضم الميل إلى اليمين مساعدة للاعضاء و وثقت باربطة إلى الصلب؛ لئلا تميل عن الوضع إذا ملئت بالطعام، و تحصنت بالثرب من قدام و مقابله الصلب و بالقلب من اليسار و الفوق و مقابله الكبد لتكون الحرارة فيها وافرة و الا فسد الهضم، و هي حوض البدن كما في الحديث، و منها تجتذب سائر الأعضاء حاجتها. قالوا: لأن المولدات تجتذب غذاءها مما يلي الرأس حتى صرح الصابي بأن النبات انسان مقلوب و انما في الأرض منه رأسه. و عوضت الطيور عن المعدة الحواصل و كل مسحوب فلا معدة له لاستطالة جسمه و انكبابه فيمكث الغذاء معه. و داخل المعدة خمل خشن به ينهضم الغذاء و متى سقطت الشاهية فمن تملسه بالاخلاط اللزجة.
و ثالثها الامعاء:
و هي ستة قد انتظم أوّلها في ثقب أسفل المعدة، و انتهى آخرها إلى المقعدة، و كلها من جنس المعدة، عصبانية بطبقتين معتضة بالشحم منتسج فيها أنواع العروق كما مر مربوطة بالصلب. اعلاها(1) يسمى «الاثني عشري»؛ لأن طوله اثنا عشر أصبعاً بأصبع صاحبه الوسطى، و هذا
ص: 110
داخل في ثقب أسفل المعدة إلى اليسار يسمى «البواب» يكون منضماً إلى أن ينهضم الغذاء و ينصرف خالصه إلى الكبد فينفتح هذا الثقب حينئذٍ و يهبط منه الثفل أولًا إلى هذا المعي، و يمر حتى يخرج إلى البراز. هذا و في كل موضع من ممره ما سبق لك ذكره من العروق مجدولًا يجذب ما فيه.
و ثانيها: معى يقال له «الصائم»؛ لانه في غالب الوقت خال عن الطعام.
و ثالثها: معي يسمى «اللفائف الرقيقة» قد استدارت على بعضها. و السر في ايجادها كذلك قالوا؛ ليطول مكث الغذاء و الا احتاج الشخص كل ساعة إلى الاكل و كان يخرج الطعام بلا هضم كما هو الواقع لعادمها مثل الذئب. و في هذا الكلام قصور؛ لأن المطلوب بالذات من الغذاء ذهب من غير هذا الطريق.
و رابعها: معي يسمى «قولون» مائل أولًا إلى اغلظ ثم إلى اليسار، و هو اليمين مما فوقه و فيه تتولد السدد الموجبة للرياح الغليظة، و وجعه يسمى «قولنج»؛ لأن معنى «أنج» باليونانية الوجع الناخس و قولون المعي. و أصل اللفظة «قولون انج»، حذفت الواو و النون و الهمزة في التعريب تخفيفاً.
و خامسها: المعي المعروف «بالاعور» موضوع إلى اليسار، يسمى بذلك؛ لأن له فماً واحداً به يقبل و منه يدفع؛ فلذلك تكثر فيه الفضلات فتعفن فتنشأ فيه الحيات و الديدان و هو اصلب من قولون.
و سادسها: «المتسقيم» سمي بذلك لاستقامته، و فيه سعة و استدارة و صلابة يسع ما يصل إليه من الثفل و يقدر على العصر و التمدد عند خروج البراز، و آخرهُ فم المقعدة.
و رابعها الماساريقا:
و هي عروق دقاق تتصل بثقب في جانب المعدة اليمين ينصرف منه خالص الغذاء فيها إلى الكبد، و هي في الاصل من الكبد لا مستقلة على الاصح. و اقول انها من شعب البواب.
ص: 111
و خامسها الكبد:
و هي عضو لحمي انتسج فيه الليف و العروق، و هو هلالي الشكل تقعيره إلى المعدة و تحديبه إلى الاضلاع الخلفية في الجانب الايمن، و عن يساره القلب إلى الأعلى و فوقه الثرب؛ ليقدر على الانضاج و التفصيل للاخلاط و سائر العروق فاتحة افواهها إليه.
و سادسها الطحال:
في الجانب الايسر مقابل الكبد، لكن انزل منه يسير. و وضع الطحال كالكبد لكنه مستطيل بالنسبة إليها. و قد مر ذكر المجاري و العروق بينها. و جوهر الطحال إلى السواد لما مر.
و سابعها المرارة:
و هي عضو عصباني إلى الصلابة للقدرة على حدة المرة، قد وضعت على أعلى الكبد من قدام تمتص المرار الأصفر، و لها منفذ إلى المعى للغلي كما مر و اخرى إلى المثانة. و متى عدمت في حيوان كان بوله مالحاً؛ لعدم التمييز كما في الابل و بعض الحيوان يعوّض عنها عرقاً مستطيلًا.
و ثامنها الكليتان:
و هما امام الكبد إلى تحت في جانبي السرة، ارفعهما اليمنى تجري اليهما المائية كغسالة اللحم من منافذ وريدية تقدم ذكرها، فيمتصان ما فيها من الدم و يدفعان الماء بولًا.
و تاسعها المثانة:
و هي قريبة من المرارة في الجوهر، لكنها واسعة مستديرة بعنق تحبسه العضلة، و يرد الماء إليها فتمسكه بالعضل الخارج و تطلقه ارادياً حال الصحة بالعضلة الحابسة. و خلقت صلبة؛ لئلا تفسدها حرافة البول حال حبسه مطاوعة لتسع الكثير عند الحاجة، و هي على المستقيم خلف الرحم تنتهي إلى القضيب أو الفرج.
و عاشرها القضيب:
و هو جسم مجموع من اربطة و اعصاب و عروق ساكنة و ضاربة، اغلظه عند عظم العانة، ثم يدق تدريجاً إلى القطعة اللحمية المعروفة بالكمرة، و هي تستر ثقوباً ثلاثة اسفلها يتصل بالمثانة يجري فيه البول، و اعلاها بالانثيين ينزرق منه الماء، و بينهما ثالث يخرج منه ريح في النادر، و هو اضيقها
ص: 112
و باقي الرطوبات كالمذي من مجرى المني على الاصح. و انتشار هذا العضو بحسب ما يدخل في اصوله من البخار الحار؛ و لذلك تضعف حركته في عاجز القوى و المبرود.
قالوا: و الطبيعي منه ما كان طوله ثمانية اصابع عرضاً، و عرضه اثنتان. و ما زاد أو نقص فبحسبه. و الاكثر على قبوله الزيادة بالعلاج؛ لانه من العروق القابلة للتمدد. و لكن إن صح هذا فقبل البلوغ اسرع نتاجاً للين الآلة حينئذٍ.
و حادى عشرها الرحم:
و هو عضو عصباني إلى الصلابة طوله اثنا عشر اصبعاً بأصبع صاحبته واصل إلى المعي، و هو تحت المثانة فوق المستقيم بين الحالبين، له في الإنسان قرنان ببطنين؛ لاجل التوأم. كل بطن ينتهي بمجرى في جانب السرة إلى الثدي؛ لاجل تردد الدم بين اللبن و غذاء الجنين و الحيض. و في غير الإنسان بطونه عدد حلمات ثديه لحملها الكثير غالباً كالكلاب، و هو في الصغار ضيق صغير، و إلى هذا القدر يعود بعد انقطاع الحيض. و بعد انفضاض البكارة يكون متوسطاً فاذا اشتغل بالحمل اتسع بقدر نمو ما فيه، و قد وثق إلى الصلب باربطة يقدر بها على التمدد عند خروج الجنين، و أخره ينتهي إلى الفرج، و فيه نقر هي فوهات العروق، و داخل الفرج ثقبان أعلاهما ينتهي إلى المثانة ينصبّ منه البول، و اسفلهما يفضي إلى الرحم يخرج منه الدم، و فيه مسلك القضيب. و سيأتي حال المني و أحكام التخلق.(1)
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة ؛ ص113
أما البيضتان: فهما للذكور و الاناث، و لكنهما برزا في الذكور و تواثقا بأربطة، و كلاهما جوهر رخو دسم أبيض كثير اللفائف يصل الماء إليها دماً ثم ينقصر؛ لكثرة ما يدور في اللفائف؛ و لذلك إذا أكثر الجماع خرج دماً لعجزهما. و موضعهما في الاناث في جانبي الرحم، و هما اصغرّ و اكثر استطالة؛ لقلة الحاجة. و البيضة اليمنى أحر؛ فلذلك قالوا: إذا اختلجت عند صب الماء كان التخلق ذكراً؛ و لذلك الذكر أكثر ما يختلج في الجانب الايمن. فهذا ما يتعلق بتحرير التشريح.
ص: 113
خاتمة
تشتمل على مهمات تلزم هذه الصناعة؛ لانها من ضروريات معارف الحكيم المتصدي للنظر بعقله الموهوب في دقائق صناعة واجب الوجود تعالى، و هي امور:
الأول: في البحث عن تحقيق مبدأ الخلقة و كيفية التكون و التخليق.
و ابلغ ما ارشد إلى تقرير ذلك اشرف الكتب الالهية و ادق المعاجر السماوية المنزل على خلاصة العالم؛ و عين افراد بني آدم، قال جل من قائل و لقد خلقنا الإنسان(1): يعني ايجاداً و اختراعاً؛ لعدم سبق المادة الاصلية.
من سلالة هي الخلاصة المختارة من الكيفيات الاصلية، بعد الامتزاج بالتفعل الثاني مما ركّب منها بعد امتزاج القوى و الصور. و التنويه باسمه إما للصورة و الرطوبات الحسية، أو لانه السبب الاقوى في تحجر الطين و انقلابه و كسر سورة الحرارة و أحياء النبات و الحيوانات اللذين هما أصل الغذاء الكائنة عنه النطف؛ و هذا الماء هو المرتبة الأولى و الطور الأول.
و قوله من سلالة: يشير إلى أن المواليد كلها اصول للانسان، و انه المقصود بالذات الجامع لطبائعها كما مر. ثم جعله نطفة بالانضاج و التخليص الصادر عن القوى المعّدة لذلك، ففي قوله تعالى ثم جعلناه نطفة(2) تحقيق لما صار إليه الماء من خلع الصور البعيدة. و الضمير اما للماء حقيقة أو للانسان بالمجاز الأولى.
و قوله
في قرار مكين: يعني الرحم، و هذا هو الطور الثاني. ثم قال مشيراً إلى الطور الثالث ثم خلقنا النطفة علقة(3)، أي: صيرناها دماً قابلًا للتمدد و التخلق باللزوجة و التماسك. و لما كان بين هذه المراتب من المهلة و البعد ما سنقرره، عطفها بثم المقتضية للمهلة، كما بين ادوار كواكبها، فإن زحل يلي أيام السلالة المائية لبردها، و المشتري يلي النطفة لرطوبتها، و المريخ يلي العلقة لحرارتها، و هذه الثلاثة هي اصحاب الادوار الطوال.
ص: 114
ثم شرع في المراتب القريبة التحويل و الانقلاب التي تليها الكواكب المتقاربة في الدورة و هي ثلاثة:
أحدها: ما أشار إليه بقوله
فخلقنا العلقة مضغة، أي: حولنا الدم جسماً صلباً قابلًا للتفصيل و التخطيط و التصوير و الحفظ. و جعل مرتبة المضغة في الوسط و قبلها ثلاث حالات و بعدها كذلك؛ لانها الواسطة بين الرطوبة السيّالة و الجسم الحافظ للصور. و قابلها بالشمس؛ لانها بين العلوي و السفلي كذلك. و جعل التي قبلها علوية؛ لأن الطول الانساني فيها لا حركة له و لا اختيار، فكأنه هو المتولي اصالة، و إن كان في الحالات كلها كذلك. لكن هو اظهر. فانظر إلى دقائق مطاوي هذا الكتاب! و تحويل العلقة إلى المضغة يقع في دون الاسبوع و كذلك ما بعدها.
و ثانيها: مرتبة العظام المشار إليها بقوله فخلقنا المضغة عظاماً أي: صلَّبنا تلك الأجسام بالحرارة الالهية حتى اشتدت و قبلت التوثيق و الربط و الاحكام و الضبط. و هذه مرتبة الزهرة و فيها تتخلق الأعضاء المنوية المشاكلة للعظام أيضاً، و يتحول دم الحيض غاذياً كما هو شأن الزهرة في احوال النساء.
و ثالثها(1): قوله
فكسونا العظام لحماً، أي: حال تحويل الدم غاذياً للعظام لا يكون عنه إلّا اللحم و الشحم و كل ما يزيد و ينقص، و هذا شأن عطارد تارة يتقدم و تارة يتأخر و يعتدل، و كذا اللحم في البدن. و هذه المرتبة هي التي يكون فيها الانسان كالنبات ثم يطول الأمر حتى يشتد ثم يتم انساناً يفيض الحياة و الحركة بنفخ الروح؛ فلذلك قال مُعلّماً للتعجب و التنزيه عند مشاهدة دقيق هذه الصناعة ثم انشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين و هذا هو الطور السابع الواقع في حيز القمر.
و في هذه الآية دقائق:
ص: 115
الأولى: عبر في الأول بخلقنا؛ لصدقه على الاختراع، و في الثاني بجعلنا لصدقه على تحويل المادة، ثم عبر في الثالثة و ما بعدها كالأول؛ لانه أيضاً ايجاد ما لم يسبق.
الثانية: مطابقة هذه المراتب لأيام الكواكب المذكورة و مقتضياتها؛ للمناسبة الظاهرة و حكمة الربط الواقع بين العوالم.
الثالثة: قوله فكسونا: و هي اشارة إلى أن اللحم ليس من أصل الخلقة الملازمة للصورة، بل كالثياب المتخذة للزينة و الجمال، و أن الاعتماد على الأعضاء و النفس خاصة.
الرابعة: قوله تعالى ثم انشأناه: سماّه بعد نفخ الروح إنشاء؛ لانه حينئذ قد تحقق بالصورة الجامعة.
الخامسة: قوله خلقاً آخر و لم يقل انساناً و لا آدمياً و لا بشراً؛ لأن النظر فيه حينئذ لما سيفاض عليه من خلع الاسرار الالهية. فقد آن خروجه من السجن و الباسه المواهب. فقد يتخلق بالملكيات فيكون خلقاً ملكياً قدسياً أو بالبهيمية فيكون كذلك أو بالحجرية إلى غير ذلك؛ فلذلك ابهم الأمر و أحاله على اختياره و امر بتنزيهه عن هذا الأمر الذي لا يشاركه فيه غيره.
و فيها: من العجائب ما لا يمكن بسطه هنا، و كذلك سائر آيات هذا الكتاب المقدس ينبغي أن تفهم على هذا النمط.
اذا عرفت هذا: فايضاح هذه الاصول: أنه سبحانه حين قضى بايجاد الاشخاص توليداً افاض على الأعضاء قوى تقدر بها على تفصيل جزء من الغذاء، هو اخلصه تكون فيه الصورة بالقوة، ثم اودع الشاهية بين الذكور و الاناث، فاذا التقيا و اتصلا انفصل بالفعل المخصوص ذلك الجزء، فانصب في القرار المكين من الاناث، و هو الرحم. قالوا: و ليس هو عضواً زائدا بل هو
ص: 116
بدل كيس الانثيين، و الاحليل عنقه فكأنه آلة مقلوبة للقبول، و ركب فيه قوة شوقية تجتذب المني؛ و لذلك قالوا: انه قد يحس قرب الانزال بشي ء يمص الاحليل، فاذا صار المني فيه انضم بحيث لا يدخل فيه شي ء، وجف عنقه و اشتمل على الماء، فيتخلق من المماس بسطحه غشاء تنفذ منه الشرايين، و هو المشيمة، و داخله آخر من السرة إلى المثانة للفضلة، و دونه آخر للرطوبات. ثم يلتصق الخالص من الماء بالنقر السابق ذكرها فتنعقد مجتمعة. قال أبقراط: إن امرأة رقصت فسقط منها مثل البيضة و كان لها اسبوعاً منذ علقت فرآها على ما ذكر.
الثاني: في تحقيق أول عضو يتكون:
اختلف اهل الصناعة في ذلك. فقال المعلم: أول عضو يتكون القلب؛ لانه مبدأ الحياة و معدن الغريزية و موضعه الوسط فهو مركز هذه الدائرة، و نظير الشمس في الفلك، و فيه توليد الارواح التي لا يكون بدونها البدن حياً؛ و لانها ألطف، و اللطيف يسبق الكثيف في التوليد. فلو لم يكن القلب أولًا لبقيت الارواح لا في محل، و هو محال.
و ذهب ابقراط: إلى أن أول ما يتكون الدماغ؛ لانه مبدأ الأعصاب و موضع القوى النفسية؛ و لانه شاهد الدماغ في البيضة أول متكون.
و هذا مردود؛ لأن الأعصاب لا ضرورة إلى سبق اصلها؛ لعدم الحاجة إلى الحس و الحركة حينئذ؛ و لأن القوى النفسية يستحيل وجودها قبل الحيوانية التي لا يولدها سوى القلب. و سبقه في الفرخ على تقدير صحته، غير لازم في الانسان؛ لاختلافهما. على أنه يجوز أن يكون القلب هو السابق أيضاً و لم يظهر لصغره و كثرة دم البيضة.
و قال الرازي: أول متكون الكبد؛ لانه يولد الدم، و الحاجة داعية إليه في التغذية. و هذا لا ينبغي أن يذكر عن مثل هذا لسخافته؛ و ذلك لأن الغذاء حينئذٍ غير محتاج إليه للاكتفاء بالحرارة في اصلاح المني ثم الدم.
و قد تكلّف الملطي الرَّدّ هنا بقوله: يمكن أن تكون الغاذية في القلب أو مصاحبة للمني من الاب.
ص: 117
الثالث: في تفصيل مدد التكوين في الاطوار السبعة السابقة.
قد وقع في ذلك اختلاف كثير من الحكماء، و كلام صاحب الشرع عليه افضل الصلاة و السلام، و من اعتبر الطواري ء و حرر الموجبات و الموانع، و تغير الموضوع و المحمول رأي الخلاف ساقطاً و الامر واحداً، و ذلك أن القاعدة: أن الحرارة أسرع فعلا من البرودة، و الرطوبة اطوع من اليبس. فالمني اما أن يكون بين شخصين بينهما الصبوة و النمو، و لا شك حينئذ في سرعة تخلق الصورة. ثم من القواعد: أن الذكورة من حيث هي أحر من الانوثة فإن اضفتها إلى تلك اسرعت السرعة أيضاً، ثم إن كان المني كائناً على نحو الفراريج و السكر، و اضيف هذا إلى ما مر، اشتدت السرعة أيضاً لذلك. و متى كان ذلك كله في زمن الربيع و في بلد جنوبي تضاعف الحال في قوة السرعة.
فاذا عرفت هذه الأمور و ما توجبه: عرفت أن لضدها الكلي البطء الكلي و لما ينقص بحسبه، و في الشباب و الذكورة و غذاء نحو العسل. و زمن الصيف و البلد الشرقي له غاية اليبس و بالعكس جزئياً و كلياً. و أن الصبي إن نكح مثله له حكم غير حكم المختلفين فاذا احكمت ذلك، فلنقرر حكم المدة المذكورة في معتدل في كل ما ذكر. فنقول:
إذا وقع مني معتدل في مطلق الاحكام في رحم، بدأ في التغير من أول درجة فيغلي و يخرج منه زبد يستقر في وسطه في اليوم الثالث، ثم نقطة في أعلاه في الرابع، ثم أخرى في السادس عن يمين الوسط، فالأول القلب، و الثاني الدماغ، و الثالث الكبد. و هذه الايام يسمى المني فيها «رغوة» ثم ترسم خطوط العروق يوم العاشر، و حينئذ يتغير إلى الحمرة حتى يكون علقة في الخامس عشر، و قد نفذت الدموية في جوانبه ما خلا اغشية في الخارج. قيل: إنها من مني الاناث خاصة. ثم تأخذ في التصلب حتى تكمل في السابع و العشرين مضغة صلبة بالنسبة إلى ما قبلها، ثم في الثامن و العشرين ينفصل الدماغ عن المنكبين و تتميز الأعضاء شيئاً فشيئاً حتى تتم
ص: 118
خلقة الذكر على الغرض المذكور في سبعة و ثلاثين، و الانثى في احد و اربعين.
قالوا: فلا يمكن ظهور ذكورية قبل الثلاثين و لا انوثية قبل الاربعين في سقط، فعلمت حدود السرعة و البطء، ثم تنبت من الأعضاء الرئيسية خوادمها كما عرفت، و تمتد الشرايين خارقة الاغشية حتى تتصل بشرايين الرحم و كذا البواقي، و يكون تمام تثبيت ذلك في الخامس و الستين في ذكر معتدل، و يبدأ الغذاء من الدم حينئذٍ فتكون الدمويات كاللحم.
فان قيل: على هذا يلزم تأخر القلب؛ لانه دموي.
قلنا: ليس المراد بأن كل احمر دموي، فإن القلب دموي و حمرته؛ لاستتاره و قوة الحرارة. و من حقق النظر في اجزاء جوهره رأى البياض، إلّا ترى آن رئة الجنين اشد حمرة مع انها بيضاء؛ لكنها تكون كذلك لقلة الهواء، و كذلك اوردته مما يلي اوردة الام، لامتصاصها الدم. ثم يكمل هذا الاكتساء و هو الطور السادس على الغرض المذكور بعد ثلاثة و سبعين يوماً، ثم يكون وجهه إلى ظهر امه و راحتاه على ركبتيه و رجلاه إلى جنبيه و رأسه بينهما، ثم يتسع له الرحم بقدر ما ينمو و يصير فيه من الحرارة و الروح الطبيعي ما ينمو به على رأس ثمانين يوماً، ثم تتولد الحيوانية بعد التسعين، و هو في ذلك كله قبل هذه كالمعدن لا حس و لا حركة، و بعدها كالنبات من غير ارادة، فاذا تم له مائة يوم ترقت الحيوانية إلى الدماغ فتحرك بالحرارة لا بالأرادة كالنبات مع الهواء، و يكون حكمه بعد ذلك كالضعيف إلى عشرة أيام، ثم يكون كالذي بين النوم و اليقظة إلى تمام عشرين، فحينئذ تكمل فيه القوة و يلبس الحيوانية التامة.
فاذا عرفت ذلك: عرفت أن لا نزاع بين قول صاحب الشرع عليه افضل الصلاة و السلام «و أن خلق احدكم ليجمع في بطن امه اربعين يوماً». الحديث، فانه اشار بأن نفخ الروح بعد مائة و عشرين يوماً. فانظر إلى دقة هذا النظر و قوة هذه المعرفة
ص: 119
حيث لم يسم الروح إلّا الروح النفساني؛ لانه الاصل في الشعور و الادراك و به الانسان ناطق. و هم قد صرحوا: بأن النفخ يكون بعد سبعين يوماً، فكلامهم عن الروح الطبيعي المقصود للغذاء، و كلامه عن الاصل كما عرفت فلا خلاف. غير أنه صاحب النظر الأعلى في جميع المقاصد.
فاذا تم امره أخذ في التحرك إلى أن يشتد في السابع، فيمزق الاغشية أوّلًا فأولًا حتى يقدم على تفصيل العروق، و يطلب الهرب من المكان الضيق، فيخرج في التاسع؛ لانه بيت النقلة و الحركة. فإن سقط على الهيئة المذكورة فطبيعي و الا فلا.
و ما قيل: من أن وجه الانثى إلى بطن امها، فباطل؛ لانه لا بد و أن يكون ظهر الولد إلى بطن الأم؛ لانه اقدر على ما ينزل إلى البطن من غيره لما فيه من العظام.
فروع
الأول: اختلاف القدود
يكون، اما من جهة الماء فإن غزر كان الولد عظيم الخلقة و إلّا فلا، أو من جهة الرحم، فقد يكون جافياً قليل المطاوعة فيمنع الطفل من النمو، كالفاكهة إذا جعلت في قالب؛ و من ثم ينجب البغل الذي يكون الفرس امه لسعة رحمها بخلاف العكس.
الثاني: في أحكام تعدد الاجنة،
التعدد قد يقع من مني واحد إذا كان كثيراً و صادف في الرحم هواء يقطعه، أو اختلف فيه زرقه لحركات تقع بينهما و يعرف هذا بوضع الكل في يوم واحد، و قد يكون من جماعين فأكثر و يعرف بالتراخي في الولادة، حتى قال في الكامل: إن امرأة وضعت في السابع ثم في التاسع. و هذا بعيد؛ لأن الرحم ينضم زمن الرغوة فما بعدها بحيث لا يسع المرور، كذا قاله في الشفاء. عن النص.
و الصحيح: أنه لا علوق بعد السادس من ايام العلوق الأول.
الثالث: انما كان الوضع الطبيعي في التاسع عند الاطباء؛
لاستيفاء الطبيعة حقها فتجف مواضع الغذاء كجفاف الثمرة إذا انتهت فتسقط، و انما يموت من ولد في الثامن خصوصاً الاناث؛ لتغير الاطوار. و يكون
ص: 120
المولود في السابع ضعيف الهمة لخروجه أول الكمال قبل الاشتداد، و هذه ادلة دون الاقناعية في الحقيقة.
و الصحيح: أن تعليل ذلك راجع إلى النجوم، فانه انما يولد في السابع و يعيش؛ لتعلق الحال بالقمر و هو شكل سعيد خفيف الحركة، إلّا أن صاحبه لا يدوم على حالة زماناً كثيراً، و يموت في الثامن؛ لانه نوبة زحل و مقتضاه البرد و اليبس و النحوسة، و يعيش في التاسع؛ لانه كما مر بيت النقلة و مزاج المشتري، و هو في غاية السعادة.
و هل يزيد أجل الحمل على ذلك؟
قال المعلم و اتباعه بعدم ذلك؛ لانه لو مكث إلى العاشر للزم أن يخلد؛ لانه بيت الملك و لأن المريخ في غاية الحرارة و الرّحم في غاية الضيق حينئذٍ و الجنين تام كثير النَفَسَ فيهلك بسرعة.
و قال ابقراط: يجوز أن يبقي إلى العاشر؛ لأن الشهر كله واحد في الحكم لنهايته.
و هذا ليس بدليل؛ إذ مقتضاه الولادة أول العاشر و نحن لا نمنعه.
و اما علامات الحمل و احوال المني، فاللائق ذكره في تدبير الجماع.
فصل في خامسها: و هي الارواح
الروح عند الفيلسوف: عبارة عما به يجب الاحساس للاعضاء، فهي فيض الهي محرك بلطفه و موجب للكثيف خفة و نشاطاً. و اهل الشرع قد حبسوا عن الكلام فيها أعنة الالسنة و الاقلام بزاجر قوله تعالى قل الروح من أمر ربي(1).
وهنا: هو البخار النقي الصافي المستخلص من خالص الغذاء بأفعال الأعضاء. كذا قرروه.
و عندي فيه نظر؛ لأن الفاعل في ذلك هو القوى الأولية، و قد اجمعوا على انها كائنة عن الارواح، فيلزم الدور.
و يمكن الجواب: بأن القوى الأولية موهوبة الصور و الارواح موادها.
ثم الارواح في الابدان ثلاثة الأولى: الروح الطبيعي، و توليدها في الكبد فهي أعم؛ لأن فيها الغير بالقوة، و الثانية: الحيوانية و موضعها القلب، و الثالثة: النفسية و موضعها الدماغ، و الاصل الطبيعية. و انما يتحول غيرها عنها إذا وردت معدن ذلك الغير. هذا تقريرهم.
ص: 121
و أما صاحب الفلسفة، فيرى أن القلب مبدأ سائر الارواح و القوى و انها ترد عليه قابلة لأن تكون ارواحاً و قوى، فيخرجها كذلك لانه الرئيس المطلق.
وردوا قوله بمباحث:
احدها: أن الارواح اعظم ما تكون موضع التوليد ثم تقل في غيره، و يجب أن يكون مجراها في المبدأ اعظم، و نحن نرى الاوردة عظيمة عند الكبد و الأعصاب عند الدماغ و تصغر عند القلب، فلو كانت الارواح و القوى فيه اولًا، لم تكن كذلك.
و هذا تغفل؛ لانا نجيب: بانه لا يلزم عظم المجاري عند القلب لكونه مبدأ الارواح؛ لانها انما احتاجت في الكبد إلى العظم؛ لانها قريبة من الدم و الغلظ، و هنا قد ضعفت و رقت. و الدماغ في الأعلى فيرسل بسرعة و غلظ الأعصاب عنده للحاجة إلى الحس لا لما ذكروا.
و ثانيها: انه لو كان هو المبدأ؛ لتضررت سائر الأعضاء حال تضرره. و هذا اهمل من الأول؛ لانه لا يستمر الارسال ابداً كما لا يستمر الاكل دائماً؛ لأن الأعضاء يتوفر عندها من الارواح بقدر اجرامها فتكتفي به زمناً، إلّا ترى أن الخفقان متى استمر تغير البدن كله و هكذا!
و ثالثها: أن القلب لو كان مبدأً لكان اقوى من سائر الأعضاء في الاحساس و التخيل و غيرهما، و ليس كذلك. و الجواب: أن التخيل مثلًا انما يحس في الدماغ اقوى؛ لأن ابوابها فيه و الا فالصحة ليست إلّا من القلب.
و رابعها: انه لو كان هو المبدأ لكان يجب أن يكتفي بعلاجه عن كل عضو ممروض. و الجواب: أن مورِد هذا الاشكال ما أظنه إلّا مخبولًا، و ليس العجب إلّا من ناقليه، فانه لا يرتاب العاقل في خروج خلط أو غيره، فمن محل توليده صحيحاً ثم تطرأ عليه العلّة في مكان آخر.
و بقي اعتراضات آخُر اضربنا عنها لاهمالها.
و العجب أن لبعضهم أجوبة عنها اهمل منها. و ما ذكرته هنا فجميعه لي. و اقل الاجوبة عن مطلق هذه الاسئلة: انهم
ص: 122
اعترفوا في التشريح باختلاف امزجة الأعضاء، و أن لكلٍ حكماً، فهل هذا إلّا مناقضة. تكميل
قد ثبت بتوجيه ما قلناه صحة مذهب المعلّم في كون القلب مبدأ للكل.
فاعلم انه قد جرى بين اتباعه خلاف، فذهب تلميذه اندروماخس و غالب المشائيين(1) إلى أن ما فيه هذه القوى و الارواح إذا ورد على رئيس من الأربعة، هل تبطل منه ما عدا قوة ذلك العضو، و لم يبق فيه غير قوته كالطبيعية في الكبد؟.
و هذا باطل؛ لأن الهيولى لا يمكن أن تفارق الصورة كما ثبت. و ذهب انطافورس صاحب المرتبة بعد المعلم و غالب اهل الاشراق و الشيخ و الصابئ إلى أن القوى باقية، و انما ظهور فعلها موقوف على عضو مخصوص.
و هذا هو الحق؛ لانّا نقول: إن الروح الباصر في الغذاء بالقوة فضلًا عن كونه في القلب. و انما الابصار به موقوف على وروده إلى الجليدية المعدة لانتقاش الاشباح، و هكذا غيرها فتنبه.
فثبت بما تقرر أن الحق عدم انقسام الروح إلى ما مر. بل هي واحدة في الاصل مستعدة في هذه الأعضاء حين تفاض عليها من مبدئها للاقسام المذكورة.
و لنا أن نقول: التقسيم الأول اصطلاح طبي و لا مشاحة فيه.
و مادة الارواح الدم و صورتها البخار المذكور، و فاعلها الكيفيات، و غايتها حمل القوى إلى مصادر غاياتها.
و قال المسيحي: الروح هو الهواء المستنشق. قال الملطي: و لم أر لهذا القول حجة. و يمكن أن دليله، سرعة الموت عند عدم الاستنشاق.
و أنا اقول: إن هذه الحجة غير صالحة؛ لاني اقول: ما جاء الموت إلّا من شدة الحرارة التي كان يبردها الهواء، ا لا ترى أن الكائن في نحو الحمام يموت مع مداومة الاستنشاق فهل ذاك إلّا من حر الهواء؟!
و الصحيح: أن الهواء يفعل في الروح كالماء في الغذاء يغرق و يلطف خاصة و الروح مما ذكرنا، و يرشدك إلى ذلك بطلان حس العضو عند احتباس الدم عنه.
ص: 123
فصل في سادسها: و هو القوى:
واحدها قوة و هي مبدأ تغير من آخر في آخر من حيث إنه آخر، و تكون صوادرها كأنواع الحركة؛ لانها قد تغير في الكم كالسمن، و الكيف كالحلاوة، و الاين، إلى غير ذلك، كذا حدها في الشفاء و الاشارات. وحدها في النجاة: بانها سبب الفاعل. و غيره كالصابئ: بأنها مبدأ كيفية لم تكن تحصل بدونها. و هذا رسم ناقص في الحقيقة. وحدها الفاضل أبو الفرج(1): بانها هيئة في الجسم الحيواني بها يمكن أن يفعل أفعاله و انفعالاته بالذات. و هذا بالطب أشبه، و الأول بالفلسفة.
و القوة جنس عال لاجناس ثلاثة كالارواح الحاملة لها
[اولها:] جنس القوى الطبيعية
و هي كائنة في المواليد كلها. فتخصيصه في الجسم الحيواني تحكم.
و يمكن حمله على ارادة الأكثر أو الاكمل، و إن كان فيه ما فيه. و هذه القوة في كل نوع من اجناس الكائنات بل كل شخص بحسبه فانها كاملة الانواع في الانسان، قريبة من الكمال في الحيوان، اكثرية في النبات بالنسبة إلى المعدن.
و انواعها ثمانية: أربعة مخدومة:
احدها الغاذية
: و هي قوة تحيل الغذاء من اللحم مثلًا بتطوير و تصفية إلى أن يصير كالبدن في الشبه، و قد تخل بذلك كما في السل، ثم تلصقه بالاعضاء على نسبة طبيعية فإن اخلت حدث نحو الاستسقاء، ثم تلونه بالبياض عند نحو العظم و الحمرة عند اللحم، و قد تعجز كما في البرص، كذا قالوه.
و عندي: أن الالصاق ليس إليها بل إلى النامية بمعونة الجواذب، و الا لاستغنى عنها. و الغاذية واحدة من حيث المبدأ و كونها طبيعية غاذية، و الا ففي كل عضو غاذية بحسبه. و انما يمكن تصور مقاربة بينهما كالتي في الشرايين و الاوردة.
و قالوا: بأن التي في المعدة و الكبد متحدة أو متقاربة، و لم يختلف في ذلك احد من الحكماء و لا الاطباء.
و أنا اقول: إن هذا الكلام لا عبرة به عقلًا؛ لانا نعلم قطعاً أن الغذاء الوارد إلى المعدة باق على صورته الخبزية و اللحمية و غيرهما من
ص: 124
المتناولات. فلو كان المتصرف فيه حينئذٍ كالمتصرف فيه في الكبد، و قد خلع الصورة المذكورة و صار خلطاً، لاستغنى عن احداهما و جاز أن تتكون الاخلاط كلها في المعدة. و اذا أمكن وصول الغذاء إلى الكبد كما أكل لاحالته خلطاً و لم تتأذ به! و التوالي كلها باطلة، فكذا المقدمات. و الملازمة بينه، فتنبه لهذا.
و اعلم أنا لم نرد بذلك إلّا بيان مقبولات العقول، و هذا الحال يأتي في سائر القوى فاحفظه و استغن عن الاعادة.
و ثانيها النامية:
و هي قوة تتسلم الغذاء من الأولى، و قد صار شبيهاً بالعضو فتدخله في اقطاره بدل ما تحلل، فإن كان الادخال في الجهات الثلاث بالسوية فهو النمو، و الا فالسمن الطبيعي إن اشتد التصاقه، و الا فالخارج عن الطبيعة كالورم. هذا نصهم، و هو صريح في أن الالصاق من فعل النامية كما قلته. و هذا النمو يكون بقوة التشابه و التداخل لا بتفريق اتصال، و الا لتألمنا عند حصوله.
و هاتان القوتان غذائيتان و تصرفهما لبقاء الشخص بالذات في الأولى، و العرض في الثانية كما فصله الفاضل الملطي. و هما غير متحدين خلافاً لقوم. فرع
إذا كانت النامية هي الفاعلة للزيادة في الاقطار و كانت مستمرة البقاء ببقاء الشخص، لزم أن يستمر الشخص إلى حين موته يطول و يعرض، و قد اجمعوا على عدم جواز ذلك بعد الثامنة و العشرين، و كان الواجب القول ببطلان النامية من أول سن الوقوف، أو يقال: إن النمو هو الزيادة في جميع الاقطار قبل الوقوف، و في بعضها بعده كسن الشيوخ فافهمه. و لم اعرف لهم عنه جواباً.
و ثالثها المغّيرة بالقول المطلق:
و يقال الأولى باعتبار التي بعدها، فانها تغير الماء إلى الصورة، و يقال المغيرة الثانية باعتبار الغاذية، فانها التي تغير
ص: 125
اولًا. و قد ذهل الملطي هنا في التقسيم. و هذه القوة قد سماها المعلم المولدة. و هذا هو الصحيح: فإن فعلها تخليص المني من الغذاء و تفصيله من الامشاج(1) على نسب عضوية و تمزجه عن الانزال بما جمع من عظم و عرق و عصب إلى آخر الجواهر التسعة التي هي بسائط البدن كالافلاك في القد و المناسبة.
و رابعها المصوّرة:
و هي قوة تفعل التخطيط و التشكيل و تطبع الصورة الشخصية.
و هاتان القوتان في الحقيقة دمويتان أو منويتان، و الاربعة غذائية بقول مطلق. و قيل المغيرة و المصورة واحدة تفعل بالترتيب، و الحق الأول. و هما لبقاء النوع لاستغناء الخصيان عنهما. فرعان
الأول: قد سبق حكم التصوير و التشكيل و انه واقع في الرحم بعد ايام مخصوصة، فعليه لا مصورة في الذكور. و لم يقله احد فكيف تصور وجودها. و يمكن أن يقال: انها في الذكور تطبع الصورة بالقوة [و](2) في الاناث بالفعل.
الثاني: أن هذه الأربعة انما سميت مخدومة بقول مطلق على الجملة و الا فهذه القوى تختلف في الخدمة فكل سابقة خادمة لما بعدها؛ إذ لو لم تدفع الغاذية إلى النامية غذاء لم تزد و لو لم تزد لم تفصل المولدة و لو لم تفصل منيا لم تشكله المصورة فافهم.
و خامسها الهاضمة:
و هي قوة تحرك الغذاء كوناً و فساداً و تحلل اجزاءه المختلفة حتى تتحد بالهضم و التحليل.
و سادسها الماسكة:
و هي قوة تمسك الغذاء حتى تقضي الهاضمة فيه فعلها، و لولاها لخرج قبل أن تأخذ الأعضاء منه حدّها كما في الازلاق.
و سابعها الجاذبة:
و هي قوة يجذب بها كل عضو ما يناسبه إذا كان التغذي على وجه صحي، و إلا جذب ما يجده.
ص: 126
و ثامنها الدافعة:
و هي التي تدفع إلى ما بعدها و تفصل عن العضو ما زاد عن حاجته. و عرفها قوم بأنها التي تدفع المضار. و لو صح لم يقع مرض إلّا فيها خاصة، و هو محال.
و هذه الأربعة الأخيرة تسمى عندهم الخادمة لتلك الأربعة؛ لما عرفت.
قال الملطي و الصابئ و صاحب الحاوي و الكامل: إن هذه ليست خادمة مطقاً بل من بعض الوجوه. و هذه غفلة؛ لانهم توهموا من كون الماسكة مثلًا مخدومة بالنسبة إلى الجاذبة أن ذلك مانع من اطلاق الخدمة على هذه، و ليس كذلك. ثم قال الملطي: و ليس الخادمة إلّا الدافعة فقط. و هذا الكلام سخيف.
و تحرير هذه الورطة: أن المخدوم من هذه الثمانية مطلقاً غير خادم لشي ء، هي المصورة. و أن الخادم غير المخدوم مطلقاً، هي الدافعة التي في الفم و المري ء خاصة دون غيرها، و ما بين هاتين خادم لبعض مخدوم لآخر، و جملة الأربعة الأخيرة خادم للاول، و الكل مخدوم للكيفيات. فتفطن له فانه ملتقط من تشتت كثير. فروع
الأول: اختلفوا في هذه القوى على انحاء لو تدبرها عاقل لاحال الخلاف، و هي أن اهل الطبيعة و غيرهم لم يمكنهم النزاع في المحسوس، و قد شاهد كل فريق هذه الأفعال الثمانية واقعة في الغذاء فلم يمكن انكارها. و لكن قال أهل الطبيعة: الفاعل في الغذاء الطبيعة لا غيرها.
فقلنا: إن عنيتم بالطبيعة أحد الكيفيات فغير قائمة بهذه الأفعال المختلفة؛ لعدم جواز تعدد عن واحد أو المجموع، فإن كان على حد سواء؛ لزم اعتدال ما يصدر مطلقاً، و قد مر ما فيه.
أو مع ترجيح واحد فاكثر احتجتم إلى معرفة المرجح.
فإن قلتم الطبيعة لزم تأثير الشي ء في بعضه أو نفسه و هو محال، أو غيرها فما هو؟ و قال دهرية الفلاسفة: الغذاء ثقيل و شأن الثقيل التسفل فانحداره بهذا الوجه. و هذا باطل، و الا لم يقدر مَنْ نكس رأسه على بلع شي ء
ص: 127
و لم يصعد غذاء إلى الأعلى. و الامران باطلان.
و قال محققو الفلاسفة: جميع افعال البدن صادرة عن قوى مختلفة باختلاف الأفعال، فالطبيعة فاعلة فيما يتعلق بالغذاء، و الدليل على وجود المجاذبة منها أخذ المعدة الغذاء إذا ابتلعه منكوس؛ لانتفاء الحركة الارادية و الطبيعية حينئذ، و مشاهدة المعدة في قصار المرئ كالتمساح و عند شدة الشاهية و وجود الحلو يخرج اخراً بالقي ء بعد ما أكل فوق اغذية كثيرة، و الاحساس يجذب ذكر المجامع إذا كان الرحم نقياً و تميز الاخلاط في كل عضو و على الماسكة انطباق المعدة على الغذاء عند اخذه و الرحم على المني و كراهة قبول الغذاء بعد الاعراض عنه و عدم خروجه بالسرعة، و على الدافعة الحركة إلى فوق وقت القي ء و إلى اسفل وقت البراز و على الهاضمة بغير الغذاء إلى غير ذلك.
و قال اهل الشرع: إن ذلك بقدرة الله تعالى و دقيق الطافه و صناعته. و هذا ليس في الحقيقة خلافاً؛ لاعتراف الفيلسوف بافاضته تعالى على هذه البنية من القوى ما به تمام نظامها، و انما الخلاف في امثال هذه في الايجاب، فلا يمكن سلبها و الاختيار فيمكن. و الادلة عليها متظافرة عقلًا و نقلًا، و على وجود الغاذية و باقي المخدومة ما ذكر من تشرفها في الغذاء و الدم.
الثاني: قد تقدم أن الكيفيات خادمة مطلقة لهذه القوى، و انما الكلام فيما يخص و يعم منها. و لهم في تفصيله خبط طويل ذكرناه في كُتبِنا الحكمية كالتذكرة.
و حاصله: أن شأن البرودة و التخدير و التسكين و التنكيس
، فلو خدمت الهاضمة لبطل فعلها و بقي الغذاء فجاء كما هو الواقع لمن يشرب قبل الهضم فلا حاجة بها إليها، و كذا الجاذبة؛ لأن الجنب حركة و هي شان الحرارة، فبقي أن تختص البرودة بالماسكة؛ لاحتياجها إلى السكون و الشدة و بالدافعة؛ لانها تحتاج إلى القوة. و الصحيح: انها في الماسكة أكثر.
ص: 128
و أما اليبوسة فاكثر ما يحتاج إليها الماسكة، لما عرفت، ثم الدافعة عند جالينوس و هو الصحيح؛ إذ لو رطبت لاسترخت فدفعت ما لا ينبغي. ثم الجاذبة عند الشيخ و كثير من الاسلاميين؛ لاحتياجها إلى شدة في الكيف تشتمل بها على الاجزاء و هذا شأن الماسكة.
و أما الرطوبة فأشد القوى حاجة إليها الهاضمة؛ لأن حركتها مكانية و كيفية و لا يتمان إلّا بها، فالجاذبة في الاصح. و الدافعة عند قوم هي احوج و لا حاجة بالماسكة إلى رطوبة اصلًا.
و أما الحرارة فأكثر ما يحتاج إليها الهاضمة، ثم الجاذبة؛ لاحتياجها إلى الحركة، ثم الدافعة. و هل تدخل في الماسكة؟ قال الشيخ نعم.
و هو الصحيح؛ لأن بالحرارة قوام مطلق الحياة. و منعه جالينوس و كثير من اتباعه لما مر من الحاجة إلى ضدها. و الجواب عدم التنافي.
الثالث: نقل بعض المُعَربين من ابقراط و اثنادفلس و روفس ما ترجمته بالعربية: أن هذه القوى واحدة بالذات ثم تكون جاذبة عند حاجة الجذب هاضمة عند احتياجها إليه و هكذا. و هذا فاسد لا يجوز فهمه:
أما أوّلا: فلأنه لو جاز لصدر عن الواحد افعال كثيرة، و قد عرفت بطلانه؛ ولانا نشاهد هذه الأفعال تختلف في عضو واحد فإن المستسقي تقوى فيه هاضمة الكبد و تضعف دافعته، و صاحب عسر البول تقوى فيه الماسكة و الجاذبة دون البواقي إلى غير ذلك.
و أما ثانياً: فلأن صورة كلام ابقراط: و نبطاسيا سرهافة سنفاجة في المساريق. و هذا ظاهر فيما ادعيناه؛ لأن معنى «نبطاسيا» جنس القوة و «سرهافة» يعني متعددة و «سنفاجة» أربعة و «المساريق» الأعضاء. و أظن أن المُعرب تصحفت عليه سرهافة بسنكافة؛ لأن كاف اليونانيين وراءهم واحدة، إلّا أن الكاف في راسها حلقة فكأنها سقطت من الخط و سنكافة واحدة؛
ص: 129
فلذلك فهم ما فهم.
و قال المسيحي و جماعة: بأن القوى و إن كانت في كل أربعة إلّا أنها في الكبد و المعدة و الرحم متضاعفة. و هذا هذيان؛ لاستلزامه ترجيحاً بلا موجب، و جواز التسلسل إلى غير نهاية، غاية ما في هذا الباب كونها في هذه الأعضاء اقوى منها في نحو العروق الشعرية و هذا ظاهر.
الرابع: الكيفيات المذكورة للخدمة هنا هل هي غير ما سبق من قوى العناصر خاصة، أو الغريزية في الابدان غيرها، أو هي غير ممزوجة بالقوى السماوية، أو الحرارة خاصة سماوية و استقصية، و الباقي عنصرية محضة. أقوال:
الأول لجالينوس و أصحابه، و هو فاسد لما حكم هو بأن قوى المزاج ثواني فما ظنك بما بعدها.
و الثاني لفرفوريوس و سقراط و اصحابهم قالوا: بأن غريزية البدن غير العناصر و قد تولدت من البخارات الغذائية و الهوائية. و هو اضعف من الأول؛ لانا نقول ما الفاعل في أول متناول؟ فإن قالوا العناصر وجب طرد الحكم، أو غيرها فما ذلك الغير ولاي شي ء لم يدم؛ و لأن ما ينشأ عن البخارات المذكورة يكون غريباً لا يصلح للصحة.
و الثالث: قول عظيم الفلاسفة المعلم الأول و من تابعه من المحققين كالشيخ؛ لأن تغير العناصر في الاطوار معلوم و استمداد الكون من القوى العلوية قطعي الثبوت، ولانا نجد زيادة الهضم أيام البرد ظاهرة؛ لدخول الحرارة السماوية في الاغوار، و لأن الزيادة القمرية تظهر في الدماء و المياه و الثمار و بالعكس. فثبت تركيب القوى البدنية مما ذكر. و أما القول الرابع فمنسوب للحراني و اكثر المتأخرين، و هو بالهذيان اشبه و لو لا اعتبار قوم عظماء له و اعتدادهم بنقله لما صح أن يذكر؛ لأنّهُ تحكم.
و عندي أنه نشأ لهم من سوء فهم كلام المعلم حيث قال: إن الحرارة الغريزية الخاصة بالابدان التي لها صلاحية بتعلق النفس المجردة غير النارية الاستقصية؛ لانها تفارق البدن مع مفارقة النفس و العنصرية تدوم معه
ص: 130
و الا لما أسود؛ و لأن الحرارة السماوية تبيض الثوب و تسود البدن و تنضج الثمار و فيها يبصر الاعشى للمناسبة، و الاستقصية بعكس ذلك، و هذا بيان للوجه الثالث لا لما ذكروه. هذا، مع اعترافهم بأن الحرارة العنصرية مقوية للماهية و السماوية للوجود فكيف يأتي ما ذكروه؟
[ثانيها:] جنس القوى الحيوانية
و هي الكائنة في القلب مبدأ و ظهوراً و تغاير النفسانية؛ لبقائها في نحو الفالج و الا لتعفن العضو، و الطبيعة. قالوا؛ لانها لا تفعل في الغذاء و انما توجب الحياة. و هذا غير ناهض لانه يجوز أن يُدّعى انها هي الغاذية.
و أما قول الشيخ، بأن الحيوانية تهيئ العضو للحس و الحركة فلو كانت هي الغاذية لكان النبات مهيأ للحس و الحركة؛ لأن فيه الغاذية فكلامه يثبت التغاير. و لا التفات إلى طعن الامام عليه؛ لانه يجوز تعدد الغاذية متغيرة في انواع المواليد؛ لانا نقول المطلوب هو تغير الغذاء إلى المشابه، فالفاعل له جنس واحد بالحقيقة و إن اختلف بعوارض الشخص.
و أنا اقول: في اثبات هذه القوة مغايرة للباقيتين و أن الأجسام المركبة من الطبائع المختلفة تركيباً اتصفت فيه بالوحدة، إما أن يكون بميل كل من الطبائع المذكورة إلى الآخر، أو بقاسر يقسرها على التركيب، لا جائز أن يكون الأول و الّا انتفت الضدية فتعين الثاني، فإن كان النفسية وجب فساد المخدور لمفارقتها، و الحال انه لم يفسد، فبقي أن يكون القاسر اما الغاذية، و عليه يلزم أن يكون الغذاء هو المؤلف للاضداد و قد تألفت قبله في المزاج، هذا خلف. أو الحيوانية و هو المطلوب؛ لانحصار القوى في الثلاثة، و تعين هذه بما ذكرنا.
و اقول أيضاً: إن الحيوانية قد اسندوا إليها مثل الغضب و الشهوة من مقولات الكيف، و جذب الهواء من مقولات الفعل و هذه متعددة، فلو كانت الطبيعية للزم صدور المتعددات عنها، و الحكيم
ص: 131
ينكره. و ايضاً قد ثبت في الفلسفة أن الطبيعية يتم فعلها من غير اشعار به كالنار في الصعود و هذه لها شعور بلا شبه؛ لأن الغضب مثلًا غليان دم القلب عند الاحساس بالمنافر صاعداً إلى القوى الدراكة ليبعث النفس على الانتقام.
و أما الطبيعية عند الطبيب، فهي الفاعلة لما مر و هذه ليست كذلك.
و اما النفسية، ففي الفلسفة كمال اولي كما سبق، و في الطب مبدأ الحس و الحركة، و هذه ليست شيئا من ذلك على المذهبين لما عرفت. فروع
الأول: إذا كانت هذه القوة هي الجاذبة للهواء و الموجبة للكيفيات الحيوانية، تعين صدور أكثر من واحد عنها، و قد قرروا بطلانه.
و الجواب: انها واحدة بالجنس خاصة كغيرها.
الثاني: قال المعلم إن الكيفيات نحو الكرم و الشجاعة صادرة عن هذه؛ لوجودها في غير الانسان كعفة الاسد عن باقي الفريسة و غضب الفهد عند عجزه عن الصيد. فيجب على ما قاله أن تكون ركناً لهذه الأفعال.
قال الفاضل أبو الفرج: و لم يبينوا هذا الطريق، ثم قرر هو ما حاصله: انها ليست احدى العلل الأربع. و هذا تناقض؛ لانها إن كانت داخلة فلا بد و أن تكون من الأربعة، أو خارجة فلا بد من بيان الاستناد إليها.
و قال المعلم الثاني: انها مادية لهذه الكيفيات. و هو فاسد أيضاً، و الا لكانت جزء الغضب مثلًا و هو باطل. و الشيخ لم يلتفت إلى هذا.
و أنا اقول: إن هذه القوّة خارجة عن هذه الأفعال؛ لأن المادة بها الكيفيات، و الا لم يكن المحرور أكثر غضبا و وقاحة(1)، و المبرود أكثر خوفاً و جبناً، و قد وقع الاجماع على ذلك، فتكون المادة الكيفيات.
و اما الصورية فنفس الأفعال. و الغاية تبليغ ما من شأنه ذلك كالاعراض عما لا تسمح به غالب النفوس من المحبوب طبعاً في الكرم و الضرب و الشتم و الغضب، فتعين أن تكون الفاعلية هنا هذه القوة، وليت شعري بمَ يمنع هذا.
ص: 132
الثالث: وقع التصريح منهم بأن اجناس القوى ثلاثة. و الجنس في علم الميزان هو المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق، و قد اتضح هذا المعنى في الطبيعية و سيأتي في النفسية، و لم يبينوا في هذه شيئاً فإن لم يكن تحتها شي ء امتنع اطلاق الجنس عليها، و قد اطلقوه هذا خلف. أو كان فلا بد من بيانه و لم يبينوه.
و أنا اقول: انه يجب النظر فيما تفعله و فيما يحتاج إليه من التشخصات فيثبت تحتها من الانواع بحسب ذلك. و قد عرفت أن الغذاء الذي هو معروض الطبيعة يحتاج إلى ما ذكر من مَسّك و هضم و نمو و توليد، و هذه القوة معروضها الهواء، و لا شك في احتياجنا إلى استنشاقه من الخارج الكائن من الفضاء المحيط بنا، فوجب ثبوت الجاذبة له ضرورة. ثم إذا دخل فلا بد من امساكه ليتم تدبيره على الوجه المستنشق لاجله، فوجب ثبوت الماسكة، و لما كان بعد تدبيره و تبليغه الارواح غايتها يحترق بشدة الحرارة، و كان بقاؤه على الحالة المذكورة ضرراً بالتركيب وجب دفعه، و ذلك لا يتم إلّا بدافعة فكان الواجب القطع بوجود هذه الثلاثة.
ثم ننظر فيما عداها فنقول: لا شبهة في أن الهواء لا يكون عنه مني و لا منه غذاء فانتفى أن يكون من هذه مولدة و مصورة و غاذية قطعاً، فيبقى الكلام في نامية و هاضمة. و الذي يقتضيه النظر عندي انتفاؤهما؛ لجواز أن يكون الهواء غنياً بلطفه عن الهضم و دخوله في الأقطار الضاربة من فعل الجاذبة.
و يمكن أن يقال: الأمر محتاج إلى تصفيته عن الشوائب بفعل يشابه الهضم في الغذاء و ادخاله في الاقطار بضرب من النمو. و حاصل الأمر: انا لم نسبق إلى كلام في هذا، و الذي سنح فيه ما سمعت، و الله سبحانه و تعالى بحقائق الأمور أعلم.
و ثالثها: جنس القوى النفسية و تحته نوعان:
الأول: نوع الإدراك
و له عشر قوى. الخمسة الظاهرة، و هي السمع و البصر و الشم و الذوق و اللمس، و قد مر في التشريح ما فيها.
و الباطنة، و هي أيضاً
ص: 133
خمسة:
اولها «نيطاسيا»:
يعني الحس المشترك، و موضعه مقدم البطن الأول من الدماغ يحفظ ما تدركه الظاهرة بدليل استحضارنا طعم العسل و حسن العود حال غيبتها، و ليس ذلك بالعقل لانه غير جثماني فلا يدرك الجثمانيات، و لا بالحواس الظاهرة؛ لانها لا تدرك إلّا الحاضر عندها، و لأن البهائم تدرك ذلك و ليس لها عقل، و لمشاهدتنا نزول القطرة على خط و استدارتها، و ليس ذلك من البصر لما مر؛ و لأن نحو النائم و المبرسم يشاهد اشخاصاً و يسمع اصواتا و ليس ذلك بالاحساس الظاهر و إلّا لشاهد غيرهم ذلك، و لا بالعقل و الا لصح ادراك الجثمانيات بغير الجثماني، و هو باطل.
ثانيها «ارقاسيا»:
يعني الخيال، و موضعها مؤخر البطن المذكور شأنها حفظ ما قبلته الأولى دون حكم على الحواس و لا مشاهدة للصور بخلافها.
ثالثها «منطائيا»:
و هي المتصرفة البطن الاوسط، أو مقدمه خاصة على الخلاف. و هذه قوة شأنها التحليل و التركيب للصور و المعاني، كتخيل جبل من ياقوت و رأس بلا بدن و استعارة بأقسامها في المعاني، و ليس ذلك بالعقل؛ لانه لا يدرك الجزئيات. و هذه إن استخدمت النفس فمتفكرة و الا فمتخيلة.
رابعها «الساقطة»:
يعني الواهمة، و هي قوة موضعها مؤخر الاوسط أو مقدم الاخير، شأنها ادراك نحو الصداقة و العداوة و نفور نحو الشاة من الذئب، و هي كالحس المشترك لما بعدها.
خامسها «الاسطرنية»: يعني الحافظة،
موضعها البطن المؤخر، شأنها حفظ ما أدرك بالبواقي. و النفس الناطقة عبارة عن مجموع هذه اوهم الآتها، و هذه القوى ثابتة مقررة بدليل فساد الادراك باحدها عند فساد موضعه من الدماغ و علمنا بمدركاتها و قيام الدليل على عدم استقلال العقل بذلك. و انكرها قوم تحكماً. و لا خلل على الشرع في اثباتها بل هو وارد بها فضلا عن السكوت عنها؛ لانه صرح بصحة الرؤيا و حث على التعبير، و قال انه جزء من
ص: 134
الوحى، و ذلك جائز بدونها؛ و لانه عندي ضروري إذ ليس لنا راد على منكر السؤال و البرزخ و العذاب على الميت و ادراك الروح بعد المفارقة باحسن منه، لأن النائم يقاسي الاهوال دون أن يشعر الجالس عنده فلا أقل من أن يسأل الميت و يعاقب دون أن يشعر حاضره كذلك؛ و لانه عليه الصلاة و السلام كثيراً ما صرح بنزول الملك و الوحي و لم يشاهده من عنده، فلو كان ذلك مسنداً إلى الحس وجب أن يدركه من حضر صحيحاً و لم يدرك، فبقي اما أن يكون ما قاله عن صدق أو سوء تخيل أو كذب لا جائز أن يكون شيئاً من الأخيرين، و الا انتفت فائدة البعث و هو محال، فتعين الأول و وجب ثبوت مدرك غير الظاهر، و هو المطلوب.
و النوع الثاني: القوى المحركة،
و هي اما باعثة على ما فيه صلاح النفس كالحلم و السخاء و تسمى الشهوانية المطلقة، أو على ما فيه صلاح الجسم كالاكل و النكاح و هي الشهوانية الحيوانية، أو على ما فيه الفساد عاجلًا كالاسراف الموجب للفقر و آجلا كترك التكاليف استلذاذاً بالراحة، أو مطلقاً كالانتقام و تسمى الغضبية أو فاعلة و هي فرعها، فإن الفعل اما قبض أو بسط كهيجان الحرارة الموجب لسعة العروق الباعثة على ارتخاء العضل و بسط الوتر، أو العكس، فتبارك الحكيم المتفضل بافاضة هذه على الصور. فروع
الأول: ما مر من تفصيل هذه القوى يوهم اختصاصها بالحيوان بل بالانسان و الحال انها موجودة في المواليد الثلاث بل الأربعة على ما اخترناه.
الثاني: هذه القوى و إن ثبتت في الاشخاص فليست في جميع افراد المواليد على حدٍّ سواء، بل هي متفاوتة يحتاج تمييزها إلى صحيح النظر كما قررناه في الحيوانية، و القاعدة فيه كالقاعدة في تمييز الضروب المنتجة في الاشكال، و ها أنا أدلك على طريق التحقيق، و هو أن المعادن من المعلوم انه لا حاجة بها إلى انواع النفسية و الحيوانية قطعاً، و كذا انواع المولد الرابع. و اما النبات
ص: 135
فانتفاء النفسية فيه قطعيٌّ فتعين عموم الطبيعية مطلقاً، و خصوص النفسية بالحيوان مطلقاً، و كذا الحيوانية في الاصح.
الثالث: في بيان تفصيل الطبيعية: لا شك أن انجذاب الزئبق إلى الكبريت ليس من نفسهما، و الا لائتلفا معدنين حيث اجتمعا، و هو باطل فبقي أن يكون بقاسر و هو الجاذبة، و حيث اجتمعا، فاما أن يصدر المعدن بمجرد اجتماعهما أو بعد مدة مخصوصة على وجه مخصوص لا جائز أن يكون الأول، و الا اتحد الصادر عنهما و وجد حيث اجتمعا، و الكل باطل فتعين الثاني، و به ثبت ماسكة و هاضمة و مولدة و مغيرة ثانية و نامية و غاذية، و وجود نحو الزنجفر على وجه الذهب و الفضة على الحديد و الدهنج(1) على نحو اللازورد(2) يوجب دافعة فاعرفه.
الرابع: في اثباتها للنبات: لا شك أن النبات زائد على المعادن بالنمو، و أن فيه ما يحفظ قواه الاعوام العديدة إلى أن يزرع أو يغرس فيولد نوعه، و هذا يوجب وجود المصورة لا على الوجه السابق في المعدن، بل على وجه يقرب من الحيوان؛ لأن تلك لا تولد نوعاً.
و أما صعود المياه في العروق و خروج الاوراق و الزهور و الثمار وقتاً مخصوصاً، و جفافها و سقوطها كذلك، فقطعيٌّ في اثبات جاذبة و دافعة و ماسكة، و تحول الماء عوداً و ثمراً و ورقاً أو غيرها من اجزائه يوجب هاضمة و غاذية، و زيادة اقطاره توجب نامية فتعينت قطعية.
و قال بعضهم: إن ميل النخلة إلى مثلها و طلب اللقاح ليحسن ثمرها بل صحتها، و صحة الرمان بمجاورة الآس و الياسمين(3) الخيزران(4) يوجب شهوانية، و نحوها مما خصت به الحيوانات. لكن الأكثر على أن هذا من قبيل الخواص، و في النفس منه شي ء.
و بالجملة: إن قلنا بتعديل الخواص فلا غنية بنا عن هذا النمط. هذا ما يمكن تحريره هنا، و من اراد البسط فليطلبه من التذكرة أو الشرح أو غاية المرام.
ص: 136
فصل في سابعها: و هو الأفعال
الفعل غاية القوة، و من عرف الأمور الطبيعية بانها المقومة للوجود و الماهية معاً و هو الاصح جعل الأفعال طبيعية؛ لأن الفاعلي و الغاذي بهذا المعنى من نفس الشي ء، و لا مرجح لاحدهما، فتعين التناقض في قولنا في الأفعال و مثبت الاركان لما عرفت.
قال الفاضل أبو الفرج: فعليه تكون اللوازم كالذكورة و الانوثة و الصحة و المرض من الطبيعيات؛ لانها من مقومات الوجود انتهى.
و قد عدّها قوم منها و جعلها احد عشر، و زاد اخرون السحنة و اللون. و الجواب عن هذا: أن المراد بالطبيعي ما لا يمكن خلو البدن عنه مجموعاً و لا جميعاً، و هذه يخلو البدن عن بعضها ضرورة، و الا لكان كل بدن ذكراً و صحيحاً أو عكسهما، و هو محال.
و الأفعال اما كائنة بقوة واحدة، و هي بحسب فعلها كالقي ء و تسمى المفردة أو باكثر كعكس هذه مثل الازدراد، و كل اما تام إن جرى على الصحة أو ناقص إن خالفها.
ص: 137
ص: 138
السبب لغة ما يستمسك به. و اصطلاحا ما يتوصل به إلى المطلوب، و هنا ما يكون اولًا، فتعرض عنه للبدن حالة أخرى؛ لعلاقة بينهما من صحة و غيرها فعليه اصول الاسباب كالحالات، و ستعرف انها ثلاث. لكن تنقسم الاسباب في نفسها بحسب عوارض أُخر إلى اقسام مختلفة، فلنرتّب الباب على فصول تلم شعث احكامها على الوجه المشروط سابقا.
لما كانت حالات البدن اما صحة أو مرضاً أو واسطة، و كان حدوث الحالة بلا سبب محالًا، كانت الاسباب بالضرورة اما موجبة للجميع أو مقدمة لذلك أو لبعض دون الآخر. لا سبيل إلى الأول؛ لاستحالة أن يكون البدن صحيحاً مريضاً متوسطاً معادلًا إلى الثاني؛ لأن الحالات المذكورة يستحيل ارتفاعها معاً عن الحي المركب، فتعين الثالث.
و عليه تكون الاسباب اما عامة للثلاث يلزم من صحتها الصحة و العكس، و من توسطها التوسط، و تسمى هذه «المشتركة» و «الضرورة»؛ لأن البدن لا يبقى بقاءً يعتد به بدونها، و إلى ما يخص احد الثلاثة كصحة الهواء مثلًا فانها توجب الصحة، و هكذا، و إلى ما يخص نوعاً من الحالات بحسب زمان كما يصح صيفاً فقط أو مكاناً كمن يصح في اقليم أو بلدة بعينها، أو يمرض أو يتوسط حاله فيهما، و كذا الكلام بالنسبة إلى عضو
ص: 139
و شخص و صناعة في كل هذا تحقيق التقسيم لاما ذكره أبو الفرج، فانه تحكم لا دليل عليه.
ثم هي باعتبار آخر تنقسم إلى:
مادية: و هي كل وارد على البدن من خارج يوجب وروده حالة بدنية كتسخين الشمس حيث يوجب الصداع، و مرق الفراريج حيث يوجب صحة الدم.
و إلى سابقة: و هي كل بدني يكون عنده المرض بواسطة، كالامتلاء في ايجاب التعفين المستلزم للحمى، و كدلائل النضج في البحران، فانه يدل على انحلال المرض المنتج للصحة.
و إلى واصلة: و هي بدنية توجب ما توجبه بلا واسطة، كالتعفين للحمى و انفجار العرق بالرعاف في الصحة من الصداع الدموي.
و بين هذه اتفاق و افتراق، فالسابقة و الواصلة متفقان في كونهما بدنيين، و البادية و السابقة في ايجابهما بواسطة و في زوال احدهما مع مقام ما أوجبه أو في تخلف اثره عنه، و منه يعلم الافتراق، و كل ذلك اكثري.
ثم الاسباب منها ما يخلف غيره و إن زالا كالتسخين فانه قد يفضي إلى الحمى
و منها ما ينفك إلى ايجاب شي ء كالتبرد الخفيف.
و حدّ مراتب الاسباب على ما مثلَه الفاضل العلامة ست مراتب، فإن أكْل لحم البقر مثلًا يوجب الامتلاء و عنه التعفين و منه الحمى، و هي تفضي إلى السل و هو إلى القرحة. و يشترط في كل ذلك الفاعلية و القابلية و الزمن المتسع للتأثر، فلو اختل واحد لم يلزم الحكم المترتب عندنا و لا يكون اصلًا عند قدماء الفلاسفة.
ثم السبب قد يكون مطلقاً كذلك كالاستحمام بالبارد شتاء.
و قد يكون سبباً من وجه كالتعفين للحمى مرضاً من آخر كهي للسل.
و اما الاسباب النفسية كالغضب و الفرح، فقد صرح المعلم بانها بادية و تبعه الشيخ و الفاضل أبو الفرج، ثم فهموا عن العظيم المحقق أن ذلك لكون النفس جوهراً مجرداً يدبر الجسم دون أن يتغير فيكون خارجا عنه.
و عندي في هذا نظر؛ لأن الكلام في الاسباب هنا على رأى الاطباء، وهم لا حاجة بهم إلى الكلام في النفس المذكورة؛ لانه من شأن الفلاسفة، بل اقول: إن الاسباب المذكورة انما عدت بادية؛ لانها تعلل
ص: 140
من خارج كلقاء محبوب و حضور مطلوب، و لو كانت بالمعنى الذي فهموه لم يتم لنا سبب بدني؛ لأن الامتلاء مثلًا من الغذاء، و هو غير بدني بالقياس على النفس، و قال كثير انها بدنية؛ لانها و إن كانت من قوى النفس إلّا أنها بفعل المزاج، و الا لتساوى غضب المحرور و المبرود، و هو باطل.
و تنقسم من وجه آخر إلى طبيعية كحر الصيف، و غير طبيعية اما موجبة للصحة كحر الشتاء، أو للمرض كتعفن الربيع.
و من آخر إلّا انها اما زمانية كمرض صيفي، أو مكانية ككثرة مرض مخصوص ببلد كذلك إلى غير ذلك، و سنفصل جميعه ان شاء الله تعالى.
ثم الضرورية انما انحصرت في ستة؛ لأن البدن اما أن ينظر في تصحيحه في مواده البعيدة، و هو ما يؤكل و يشرب. أو في صورته اما باعتبار ما يلحقها من الاغذية فالنوم و اليقظة، أو من عوارض خارجة فالحركة و السكون، أو داخلة، فالنفسية، أو باعتبار الارواح فالهواء، أو باعتبار المجموع فالاحتباس و الاستفراغ. فهذا وجه الحصر وعدها بعضهم خمسة؛ لأن الحركة تشمل النفسية و البدنية، فلنبدأ اولًا بتفصيل الضرورية، ثم نتبعها البواقي في اماكنها.
و قد قُدمّ؛ لانه يتعلق بتدبير الروح، و هي اشرف اجزاء البنية، و لأن البدن لا يبقى بدون الهواء زمناً كبقائه بدون غيره، و المراد به هنا المحيط بالكائنات، و المطلوب منه للصحة الخالص من الحوادث السماوية و غيرها، طبيعية كانت كالفصول أو مضادة لها كالوباء أو غيرهما كالتكيف بما لا يضر.
و قد عرفت مزاج الفصول و الجهات سابقاً على المذهبين. و المراد
ص: 141
بانقلاب الهواء إلى الحرارة مثلًا هنا، هو مخالطته لاجزاء حارة لا أنه حار بالطبع إذ ذاك لازم، و كذا الكلام في الثلاثة الآخر؛ فلذلك قالوا: إن الربيع معتدل. و أما هواء الصيف فلا نزاع في حره و يبسه؛ للمسامتة فيقو الشعاع و لانعكاسه على زوايا حادة فيكثر ضرورة؛ لأن الحادة ضيقة تجمع.
و قال الصابئ و المعلم الثاني و ينسب إلى جالينوس: إن سخونة هواء الصيف بانفصال الشعاع فيه اجساماً صغيرة. و هذا مبني على أن النور جسم و الشعاع كذلك. قالوا؛ لانه ينزل من الأعلى، و النزول حركة و كل متحرك جسم و ينعكس، و الانعكاس حركة و ينتقل بانتقال الجسم المضي ء. و هو باطل بعدم رؤيته في الوسط، و لو انحدر نازلًا لشوهد فيه؛ و لأن الظل ينتقل بانتقال الجسم المذكور و ليس هو جسماً؛ و لأن النور غير الجسم لتعقلنا الجسم المظلم، فإن كانت في المضي ء لزم التداخل أو كبره بزيادة الضوء، و الكل باطل. و لانه إن لم يكن محسوساً فليس بجسم، أو كان فينبغي أن يستر ما تحته و يزداد الظلام بكثرته، و هو محال؛ و لأن النور إذا كان جسماً فلا بد و أن يكون اما خفيفاً فلا ينحدر، أو ثقيلًا فلا يصعد، و نحن نراه ملأ الحيز، فإن الشمس تملأ الكون بمجرد طلوعها؛ و لأن المنفصل من الانوار و الاشعة لو كان اجساماً؛ لانحرقت الافلاك. فاذاً هي جواهر توجبها المقابلة دفعة.
إذا عرفت هذا: فحر هواء الصيف من انعكاس تلك الجواهر على اهل الوسط و ما يقرب منه على الزوايا المذكورة بغير الوسط، و تسخّن نفس الوسط بالانتكاص على العقب؛ و لهذا يخف الحر أو يعدم في الشتاء لكون زوايا الانعكاس فيه منفرجة، فيتفرق على حد كثرة ضوء السراج في الموضع الصغير و عكسه، و قد عرفت فرط اليبس فيما مر.
و أما الفصلان الاخران، فقد قيل باعتدال الربيع مطلقاً. و قيل في الرطوبة و اليبس و انه حار، و الخريف في الحر و البرد و أنه يابس، فالصحيح
ص: 142
ما سبق.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن غالب احكام البدن من حيث الهواء فانه يدخل في الأجسام و المتناولات، فاذا لزمت السنة طباعها المعلومة في الأربعة صح الهواء، و إلّا تغير بحسب الحوادث، و ليس اللازم من صحته انتفاء الامراض اصلًا؛ لاستنادها إلى غيره. لكن يلزم أن تكون اخف و اسرع برءاً.
ثم الكائن عند التغير من الامراض ما تقتضيه الطبيعة الحاضرة ضرورة، فشأن الربيع تهييج نحو الحكة و الخراج و الزكام و السعال و البثور و المفاصل و كل دموي، و شأن الصيف، ضعف الهضم؛ لانحلال الغريزية؛ فلذلك تقصر فيه الامراض اما بالصحة إن اشتدت القوة أو العكس. و بعض امراض الربيع مثل الجرب و الرمد لاشتراكهما، و كذا البواقي في الاشتراك الواقع في الكل، و الخريف، الاحتباس و الاحتراق و الطحال و الربع و السل و الاختلاف و أوجاع المفاصل و عسر البول و الجنون، و فيه أكثر امراض الصيف؛ لضعف التحليل بخلاف الصيف فانه يحلل الأكثر من أمراض ما قبله، و الشتاء، ادرار البول؛ لقلة العَرَق بالتكاثف الخارج و القروح نحو ذات الجنب و امراض الصدر و الصوت. و اذا كانت السنة على الطبائع الاصلية حدث كل في محله. و متى كانت فصلين فا قل أو ثلاثة فبحسبها، و كذا القول في الهواء مع الفصول، فقد قرر ابقراط: أن الشمال إذا كثر في الشتاء مع قلة المطر، و الجنوبي في الربيع مع كثرة المطر، كان الصيف كثير الحميات؛ لفرط الرطوبة و كثر اختلاف الدم إن تسفلت المادة، و نحو الرمد إن ارتفعت، و كذا لو احتبس المطر اصلًا و لو انعكس هذا الحكم، فصار الشتاء جنوبياً كثير المطر و الربيع عكسه كثير الاسقاط؛ لاحتباس الرطوبة، لتكثيف سطح البدن بالهواء الشمالي و ضعفت الاجنة و سائر المرطوبين.
و قد صرح ابقراط على الاجمال: بأن قلة المطر خير من كثرته، و هذا غير صحيح. و الحق: أن السنة متى يبست صح كل
ص: 143
مرطوب و بالعكس. و لكل فصل حكم. و العدل معلوم من الطرفين، إلّا ترى أن الصيف إذا كان شمالياً قليل المطر و كان الخريف ضده و الشتاء كالصيف اشتد الصداع و الرمد و الحميات الغائرة؛ لاحتباس الرطوبة، و اذا كانا شماليين صح المرطوبون و اشتد نحو الوسواس و الجنون و السعال اليابس، إلى غير ذلك. هذا كله مع تهيؤ المواد القابلة لما ذكر، فإن الهواء جزء علة في ذلك؛ إذ ليس له إلّا الفاعلية. خاتمة
قد حصرت طوارئ الهواء في علوية تكون من قبل اجتماع الكواكب على قطر مخصوص، فيسخن ضرورة بانفصال اشعتها، إن كانت مسخنة و يرطب إن كانت رطبة، وه كذا. و قد عرفت حكم الكواكب سابقاً.
و في سفليه فيجف بالدخان و الرمل و الحجر، و يرطب بنحو الماء و البخار، و يسخن بنحو النار بمثل الثلوج، و يعفن بنحو الجيف و المنافع و الترب الكبريتية، فإن انفق المغير في جهة تناسبه، افرط التغيير في ذلك الطبع و اضر بأهله كالماء في الغرب، و الا اعتدل مطلقا كالماء في جهة المشرق، أو من وجه كالنار من جهة الشمال، و كل ساتر جهة يوجب ضدها إلّا الجبال؛ لانها مع ايجابها ذلك تسخن البلد إذا كانت في جهة المغرب تسخيناً عرضيا؛ لانعكاس الشعاع على البلد عند طلوع الشمس، كذا قالوه.
و عندي: انه جار على الاصل فأنها و إن فعلت ذلك أول النهار فهي تعكسه اخره فيحصل الاعتدال، فعلى هذا يكون للمساكن مع ذلك احكام بسبب الطوارئ المذكورة، فأهل المساكن اليابسة كثير و الجفاف و القحولة و صيفهم شديد الحر و شتاؤهم كثير البرد، و ابدانهم صلبة قوية و لهم الشجاعة و سوء الخلق و قلة القروح، فإن كانت شمالية حسنت الوانهم و طالت اعمارهم و عرضت اعاليهم و بالعكس، و لهم ذات الجنب و الرئة و قلة السقط و الرعاف و الرمد و الصرع و ضعف الهضم، فإن عرض لهم شي ء من
ص: 144
ذلك كان عسراً جداً، و يكثر فيهم عسر الولادة؛ لضيق العروق و قلة اللبن و الحمل في الاصح خلافاً للشيخ؛ لكثرة الرطوبة من داخل لعدم التحلل، و لذلك يقل فيه الاسهال. و الشرقية صافية الهواء حسنة الاخلاق كثيرة الولادة، و الحارة ضعيفة الهضم كثيرة الكسل و التحلل و الهزال و بطء الشيب و بالعكس في أضداد ما ذكر.
و أما تغير الهواء غير طبيعي حتى يكون وبائياً مثلًا، فذلك كائن بسبب تراكم البخار الفاسد كزمن الملاحم و كثرة المنافع. غير أن التغير إن كان اكثره سماوياً، كانت المساكن الغائرة أجود زمن الوباء، و الا العكس. فهذه جملة احكام الهواء.
و اعلم: أن كل بلد له اختصاص بمزيد امراض اما بسبب ما ذكر، أو لكثرة اغتذائهم بأشياء مخصوصة توجب ذلك، كلحم البقر بمصر، فاذا احكم الطبيب الاسباب فقد اهتدى إلى العلاج، و الا كان مخطئاً. و متى كان المرض من جنس الاسباب فالعلاج سهل و الا فلا.
و هي مأكول و مشروب، فلنقسم القول فيها إلى قسمين:
القسم الأول: في جنس ما يؤكل، و تفصيل احكامه
اعلم أن الوارد على البدن من المذكور و غيره، اما فاعل بصورته مع قطع النظر عن الكيفيات، و هذا الفعل الصادر بالصورة المذكور، اما انفعال كالاسكار بالخمر، أو فعل فقط كغالب الادوية، و هذا الفعل قد يكون صلاحاً كدفع الزمرد(1) الصرع، و قد يكون فساداً كحرق الافيون(2) للدم، أو بكيفيته الفعلية كتسخين النار، أو المستندة إلى القوة كتسخين الفلفل،
ص: 145
و هكذا الكيفيات الثلاث أيضاً في العقل و القوة، و كلها قد تزيد إن ناسبت و تنقص إن ضادت، فلها مع البدن بهذا الحكم خمس حالات:
الأولى: انه إن ورد على البدن المعتدل لا يغير مطلقاً، و هذا هو المعتدل مثل الاسفاناخ(1)، أو يغير، لكن لم يظهر للحس اصلًا، و يسمى هذا في «الدرجة الأولى» من أي كيفية كان، أو غيره مخرجاً عن الحس ظاهراً له، لكن لم يضر فعلًا و هذه «الدرجة الثانية»، و غالب الاغذية من هذين، أو أضرّ، لكن لم يبلغ أن يهلك، و هذا في «الثالثة»، و غالب الادوية منه، أو أهلك ففي «الرابعة»، و غالب السموم منه.
و اعلم أن مرادهم بالمعتدل، عند الاطلاق ما تساوت فيه الكيفيات كلها، و قد يكون المعتدل اثنتين منها. و ما في الدرجة الأولى في الحرارة مثلًا، هو أن يكون من جزئين حارين و جزء بارد، فاذا قابلت البارد بمثله سقط و بقي جزء، فقيل بهذا الاعتبار انه في الأولى، و كذا الكلام في المراتب الباقية، و تنحصر في خمس عشرة غير المذكورة، هذا كله تقريرهم.
و فيه اشكالات:
الأول: أن البدن المعتدل قد تقدم امتناع وجوده، فلا سبيل إلى معرفة هذه القوى؛ لانه هو الطريق إليها. و يمكن الجواب عن هذا: بأن المراد بالمعتدل على اصطلاحهم فإن عم عم أو ليس فليس، و فيه ما فيه.
الثاني: إن المستعمل من الدواء عند الامتحان لم يبينوا مقداره، فإن كان درهماً مثلًا، كان اللازم من تضعيفه ارتقاء الدواء عن هذه الدرجة و بالعكس، فيكون الدواء الواحد في درجات متعددة باعتبار الكم، و إن لم يلزم ذلك لزم تساوي الدرهم و القنطار، و الكل محال. و قد لمح الفاضل أبو الفرج بذكر هذا البحث متنكباً عن جوابه.
و اقول: إن الجواب عنه مأخوذ من المقادير التي في المفردات، و هو غير كافٍ.
و الأولى أن يقال:
ص: 146
أن المطلوب تحريره إن كان غذاء، فيظهر الحكم بقدر ما يمسك الرمق كأوقية خبز و خمسة دراهم من لوز، و إن كان دواء، فبقدر ما يخرج الطارئ من الخلط كنصف مثقال من اللازورد، و إن كان سماً فبقدر ما يحد كنصف قيراط من الحار و ضعفه من البارد.
الثالث: قد صرحوا بأن وجود الكيفية الواحدة غير جائز في بدن، فكيف يظهر اليابس مثلًا فقط، و قد صرحوا به.
الرابع: لا فرق بين الحيوان و غيره في الكيفيات الخمس، فكيف يصرح بالبسائط في المفردات.
الخامس: لو جمعنا بين ما هو حار في الثانية و حار في الأولى، لكان الواجب أن يكون في الثالثة، و اللازم على قولهم انه في الأولى، فتساوى القليل و الكثير في الكيفيات، و عندي اضعاف هذه الاشكالات على هذا المحل بلا اجوبة. و الذي اراه أن حقيقة الوصول إلى كيفية كل مفرد لا تتم إلّا بالتحليل و التركيب، بأن تعرض الذاهب الخفيف المطلق و المتخلف الثقيل كذلك، و ما بينهما للمضافين. و قد تؤخذ بالتجربة و الوحي و القياس، و اكثر ما يصدق في الجنس الواحد، فيقال في نحو الثمر إن الأبيض منه بارد و الاسود حار و الاحمر معتدل و مجموعه حار بالقياس إلى اللبن. و الاشياء قد تنعكس إلى ضد قواها لسبب مجاور كالجبن، فانه ينتقل من البرودة و الرطوبة إلى الحر و اليبس بغلبة الملح، و كذا المركبات، أو بمادته، و هو أن يستحيل بنفسه إلى ما يشاكل البدن، و هذا هو الغذاء المطلق؛ لانه لا يطلب منه في أول النشو إلّا النمو.
ثم اختلاف ما يتحلل. فقد بان انحصار المتناولات في هذه الثلاثة، و يتركب منها ستة انواع:
غذاء دوائي كالاسفاناخ، و دواء غذائي كالماش، و قس على ذلك. و الاغلب مقدم في الاسم. و قد جرت عادة الاطباء بافراد الكلام على الاشخاص الثلاثة في كتب تسمى «المفردات». و لكن نحن لا ندع في
ص: 147
هذه الرسالة شيئا من القواعد، فلنتكلم الآن على الغذاء، ثم نذكر جميل الدواء و السم في الجزئيات ان شاء الله تعالى فنقول:
قد عرفت المطلوب من الغذاء هنا، فيجب أن يكون أجوده القابل لمشاكلة المغتذي، و ليس كذلك غير اللحوم، فتكون هي الأجود، و يليه ما سيصير إليه بأحكام الطبيعة، و ذلك هو البيض قال جالينوس: و يليهما اللبن؛ لانه من اللحم. كذا نقلوه و اقره المعلم. و عندي فيه نظر؛ لأن الغذاء قد عرفت أن الحاصل للبدن منه هو الجزء الحار الرطب؛ لأن به الحياة و إلا لتساوى العدس و الفراريج، و هو باطل. و لا شك أن الاغلب في اللبن البرد؛ لانه ثلاثة اشياء دهنية حارة رطبة، و مائية باردة رطبة، و جبنية باردة يابسة، فكان الأولى أن يقول و يليهما السمن.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن الغذاء ينقسم إلى محمود و مذموم و متوسط، و كل اما لطيف أو كثيف أو معتدل، و كل اما كثير الغذاء أو قليله أو وسط بينهما. فهذه سبعة و عشرون قسماً ينحصر فيها الغذاء عقلًا. و قد ينقسم بحسب عوارض آخر، إلى اقسام أخر كانقسامه إلى جيد الكيموس(1) و رديئه، فإن ضربت ما مر فيهما صارت اقسام الغذاء أربعة و خمسين قسماً، كذا قالوه.
و عندي: انه ينبغي أن يكون هنا معتدل بين القسمين، فتكون اقسام الغذاء أحداً و ثمانين، لكني لا أرى فرقا بين الكيموس و الغذاء القريب، و ليس الصائر بالعقل إلّا عنه. نعم، إن قالوا: بأن الكيموسات الجيدة يكون عنها غذاء ردئ و بالعكس، صح هذا التفريع و التقسيم، و لم ار من اشار إليه. و الذي يظهر جوازه، فإن بدن الابرص مثلًا يحيل الحار اليابس بلغماً. و الابدان الصحيحة تحيل مثل القديد(2) دماً صحيحاً كما هو ظاهر. و حاصل الأمر: أن الغذاء متى سهل انفعاله مع القوى كان لطيفاً و بالعكس، و متى كان سليم الغائلة فمحمود، أو كان المتحول منه إلى المشابهة أكثر، فهو الكثير الغذاء، أو كان عديم التعفن و الفساد، فهو
ص: 148
الجيد الكيموس، و عكسها العكس. و ما بينهما الاعتدال. و المراد بالكيموس قرب الغذاء من تفصيل الخلط في الكبد، و قبل تحوله إليها يسمى «كيلوساً»، و هي يوناينة. قالوا: و قد تجتمع الصفات في واحد، فقرروا أن المحمود الكثير الغذاء اللطيف الجيد الكيموس، مرق الفراريج و صفرة البيض، و أن عكس ذلك مثل الباذنجان و القديد، و ما بينهما مثل الجداء(1) و الحولي(2) من الضأن(3)، و مثل الأول من الفواكه العنب، و الثاني قيل لا وجود له فيها، و قيل التين، و الثالث الرمان و التفاح. و مثال الأول من الخبز ما قطف من الحنطة البيضاء و عجن بالايدي القوية يوماً، حتى يمتنع من شرب الماء و رقق و خبز على طين نظيف، و الثاني خبز الحصى الخشكاري(4) و الثالث مطلق الخبز غيرهما، هكذا قرروه.
و عندي لا التفات إلى هذا، فإن الاغذية تختلف فيما ذكر بحسب الاشخاص فضلًا عن غيرها، فما ظنك بالسن و المكان و الزمان، فاوفق الاغذية ما روعيَّ فيه مزاج صاحبه و عوارضه الحاضرة، فانّا لو غذّينا بمرق الفراريج دموياً في الربيع ممتلئاً لضره قطعاً، و قد قالوا: إن هذا الغذاء جامع لخصال الجودة، هذا خلف. و صفة تدبير الغذاء، أن يناسب كما ذكرنا، فياخذ الشاب في الصيف و البلد الحار و الصناعة الحارة كالحدادة أبرد مأكول و ارطبه، و يكون في البكور قبل استيلاء الخلط الصفراوي فيقطع الشهوة، فإن احس به افطر على قليل الماء البارد و ارتاض يسيراً، ثم جلس مادّاً رجليه في مكان بارد و جعل الغذاء على مرتفع تجاه فمه، و صغر اللقمة و اطال المضغ جداً بحيث لا يبقى في فمه للغذاء صورة ثم يبتلع اللقمة، فاذا لم يبق منها شي ء أخذ الأخرى حتى يكتفي.
قال جالينوس من اكل غذاءه في أقل من ثلثي ساعة، فقد اعجل نفسه و اتعب قواه. و لا يجوز بلع ما لم تقطعه السن و لا تتابع اللقم، و لا بأس بالمشي اليسير في خلال الاكل و شرب
ص: 149
قليل الماء إن كان الغذاء جافاً، و الا امتنع خصوصاً مع اللحوم و الاسماك و الفواكه، و بعده اردأ و اجلب للفساد.
و يجب تقديم ما لطف و ترتيب المختلفات كذلك، فلو اضطر إلى تناول اشياء رتبها. مثال ذلك: إذا وجد اسفاناخ و دجاج و لحم حولي و جبن عتيق بدأ بالأول، فالثاني و هكذا على النظم المذكور. و تقدم الفواكه مطلقاً، و رخص في السفرجل(1) اكله بعد تناول الطعام؛ لشده المعدة بالعصر، و في الكمثرى(2) و البطيخ بين طعامين. و لا يجوز لصفراوي اشتد حر معدته الفطور على البطيخ و التوت(3) و الرمان و المشمش؛ لسرعة استحالتها إلى ما تلاقيه من الخلط، و عكسه عكسه. و الصبي في الربيع و البلد المرطوب و الصناعة الرطبة ابرد و ايبس ما يمكن من غذاء و شراب و ملبوس و مشموم و ضده، هكذا ينبغي أن يقال.
و من تمام الصحة تجنب التخليط في الاغذية، و ما نهوا عن الجمع فيه بخصوصه كالسمك و اللبن، و الارز و الخل، و العنب و الرءوس، و الهريسة و الرمان، و البطيخ الأصفر و العسل، و العدس و الحلو. و لكل علة بسطناها في المطولات. و إن وقع عدم الضرر من ذلك في بعض المرار، فلا يغتر به؛ لأن الضار لا تقوى عليه الطبيعة كل وقت. لكن قال ابقراط: من اراد قطع العادة الضارة فليقطعها تدريجاً؛ لعسر مفارقة المألوف على الطبيعة دفعة واحدة.
القسم الثاني: المشروب:
و افضله على الاطلاق الماء؛ لانه ركن اصلي للمركبات و بها قوامه، و فيه من التلطيف و التبليغ إلى الغايات ما ليس في غيره، و عليه حفظ رطوبة تمنع الحرارة عنها و بذرقة الاغذية، هذا هو الصحيح. و قيل: انه يغذي البدن، و هذا باطل؛ لانه لا ينعقد. و افضله على الاطلاق ماء المطر في الصيف عند الشيخ؛ للطف البخار حينئذٍ؛ لأن الحرارة الأرضية ضعيفة لا تصعد الغليظ.
و قال المتأخرون تبعاً للمسيحي: إن مطر الشتاء اصح ماء؛ لخلو الجو فيه من
ص: 150
الادخنة بخلاف الصيف. و قواه الملطي، و هو ضعيف؛ لأن حرارة الشتاء في الأرض قوية تصعد البخار الغليظ، و لأن جهة الشمس يندفع منها ما فيها إلى المقابل، و هو قريب من اهل الشتاء فضرره اشد، و من ثم يشتد تلون السحاب في الشتاء.
و أما الصيف، فانه و إن اشتد فيه الدخان في الجو، فللهواء قدرة على تمزيقه لشدة حرارته، هذا ما قاد إليه الدليل، على أني لا أرى المذهبين، فإن الاصح عندي: أن المطر متى تقاطر و كان الهواء صافياً و الجو في غاية النقاء فذلك الماء هو الأجود، في أي فصل كان إذ الطوارئ غير مضبوطة. و كلام المعلم يرشد إلى ذلك، و اظن أن المعربين اغفلوه في التراجم.
و شرط هذا الماء أن يؤخذ قبل مكثه، بأن لا تغيره الاهوية و الدراري(1) و الأرض.
و يليه ماء النهر المكشوف الجاري من البعد و العلو إلى الشرق في الشمال في طين حُر محجر صلد، البارد في الصيف الحار في الشتاء النقي الاحجار المهري؛ لما يطبخ فيه بسرعة الخفيف الوزن. قالوا: و قد جمعت هذه الشروط في نيل مصر دون غيره فهو اجود مطلقاً، و يليه ما جمع اكثرها و يضاده المخالف في الكل.
و يليه ماء العين، و هو الخفيف الحركة المتزايد بالاخذ منه. و قال الملطي: ماء العين أفضل مطلقاً. و الظاهر: انه اراد بالعين النهر، و عليه تسهل المناقشة.
ثم ماء الآبار، و هي الحفائر التي تدفع الماء نزاً، هذا إن كثر استعمالها و الا فهي رديئة، و ما عدا المذكورات فاسد.
و أردأ الماء ما استتر عن الشمس، أو جرى في الرصاص أو خالط تربة كبريتية أو زاجية أو مكث في مقره أو تروح بضار و لو في ممره. و قال الملطي: إن المستور عن الشمس أفضل من البارز لها. و هذا غير صحيح على اطلاقه؛ لأن الشمس محللة ملطفة.
نعم، إن طال مكثه كان ضاراً؛
ص: 151
لتصعيد اللطيف بها، و تكثيفه بالأرض.
و اعلم: أن المخزون من الماء و الباقي على الأرض طويلًا ضار جداً يولد الاستسقاء و الورم و القوالد و الدوالي و اوجاع الصدر و الطحال و السدد. و المالح يولد الحكة، و الشبي القبض، و النشادري الاسهال و السحج، و كذا الكبريتي؛ و النحاسي يخرج الماء الأصفر و يجفف و يهزل كسائر الحريفيات، و الرصاصي يولد الامراض العسرة. و اما الحديدي و الذهبي و الفضي فيقوي القلب و يمنع الخفقان و ضعف الكبد و اسهال الدم و غيره، و السخن يسهل اولًا، ثم يقبض و يرخي المعدة. و كلما اشتد برد الماء كان حافظاً للصحة شاداً للمعدة مقويا للهضم للاكتفاء بأقله. لكن فيه ضرر بالعصب. و الثلج إن كان قريب الوقوع أو في ارض صحيحة خلية عن الأهوية و البخارات الفاسدة كان نافعاً منعشاً للغريزة و الا انتفع بتبريده للماء من خارج فقط.
و أما باقي المشروبات غير الماء:
فافضلها و اجودها على الاطلاق الخمر، و هي المعتصرة من العنب خاصة في الخريف إذا جعلت في المقيرات في الشمس حتى يقذف زبدها و يظهر حبابها، ثم تختم اوانيها بحيث لا يبقى للهواء مسلك فيها، ثم تجعل في المكامير، فإن ذلك يحفظ صحتها، هذا ما يتعلق بذاتها.
و أما فعلها في الابدان، فموقوف على معرفة امور سبعة:
الأول: اللون،
فالأبيض منها قليل البرد، و النفوذ فيه فيستعمل للشباب و في الصيف و عند ضعف الدماغ و غلبة الصداع، و عكسه الأصفر. و الاحمر المشرق الشفاف الصافي الطيب الرائحة اعدل انواع الاشربة على الاطلاق، و اوفقها لغالب الامزجة، و لكنه لاصحاب السوداء و من يحتاج إلى تكثير الدم به و تخصيب البدن، اشد نفعاً و اعظم وقعاً. و الاسود بطي ء الانحدار ردي ء شديد الحرارة عسر السكر صالح لذوي الكبد و المبرودين.
ص: 152
الثاني: الطعم
، واجوده الضارب إلى المرارة، فانه حار منفذ مفتح للسدد ملين سريع السكر، و الحلو بطي السكر ثقيل يولد السدد، و لكنه يغذي، و العفص يشد المعدة و يقوي الهضم، و لكنه ثقيل طويل السكر و المكث في البدن، و الحامض ردي ء يولد السوداء و فساد الخلط و التخم و الصداع و ضعف العصب، و الحرّيف يغسل البطن و يدر الفضلات و يفتح السدد، و فيه صداع، و المر يفتح الشهوة و يسكر جيداً و ينقي و يمنع فساد الاغذية و يقوم مقام السكنجبين مع زيادة التفريح.
الثالث: الرائحة،
و تنقسم في الاصل إلى طيبة و رديئة، فطيب الرائحة يغذي و يقوي و يفرح و يشد الأعصاب و يحسن اللون و ينقي الاخلاط. و رديئها عكسه، هكذا قالوه.
و أما أنا فأرى أن طيب الرائحة في الشراب ينقسم إلى ما تشابه رائحته التفاح المخمر، و هذا أجود الشراب و اوفقه بالاعضاء الرئيسة و الارواح و الحرارة الغريزية، و إلى ما يشبه رائحة النبق(1) و الزعرور(2)، و هذا دون الأول؛ لانه يدل على تعفن ما، و إلى ما يشبه حدّة المسك، و هو احرها و اشدها سكراً و اوفقها للمبرودين. و الردي ء ينقسم إلى متعفن معطش و هذا لا يشرب بحال.
الرابع: القوام،
فالرقيق النقي الصافي يفتح السدد و ينقي و يسكر بلطف و يصفي اللون، و الغليظ عكسه.
الخامس: الزمان،
و يختلف الشراب بحسبه، فإن الحديث منه يولد السدد و القراقر و الرياح و الدوار و انواع الصداع و اوجاع المفاصل. و العتيق موقع في الاحتراق و الحكة و الجرب و النافض و ضعف العصب و يملأ. الدماغ فضولًا و بخارات، فاذاً الأجود المعتدل فانه النافع الحافظ للصحة.
إذا تقرر هذا فاعلم: آن الخمر في العمر كالانسان إذا ولد يكون ضعيفاً، ثم يتدرج في القوة حتى يكون الشباب غاية ازدياده، ثم ينحط كذلك حتى
ص: 153
يضمحل، فكذلك هي. و غاية عتقها ثمانية و عشرون سنة، كذا قاله باليونانية، فانه قال: و غاية عمرها سن النمو، فعلى هذا تكون من اولها إلى سبع سنين كالصبا و الطفولية. و يقال لها من يوم العصر إلى سنتين «الخندريس» و «العصير»، و منها إلى أربع سنين «المسطار» و «الجمانة»، ثم إلى السابعة «الرعراع» و «الشراب»، و منها إلى أربعة عشر، سن الشباب، و يقال لها حينئذٍ إلى العاشرة «السلاف»، و بعدها «الرحيق» و «القرقف». قال: و السلاف انفع الكل و اولاها بتلطيف المزاج، ثم إلى احدى و عشرين تسمى «الخمرة»، ثم بعد ذلك «المنهكة» و «المرعشة». تنبيه في العلامات الدالة على زمنها:
إذا وضعتها في الكأس، فارفعها في الشمس فاذا رايت رسوبها غليظاً و زبدها رقيقاً أو معدوماً، فانها جديدة. و إن فنى بالتحريك و ظهر على سطح الكأس مثل اللآلي، فقد فاتت الرابعة و لم تجاوز السابعة. و هذه عندي هي الأجود مطلقاً، و الانسب بكل مزاج؛ لتوفر قواها و عدم تحلل اجزائها، و إن رايتها تغلظ بالسكون و ترق بالتحريك، فهي دون الأربعة عشر، و ما اشتد صفاؤها بالقرب من النظر و غلظت إذا بعدت، و في خلالها كدورة منقطعة، فقد قاربت العشرين، و اذا صفا نصف الكأس السافل جداً فلا خير فيها.
و بهذا يظهر أن ما توغلوا به في مدح القديمة اما غلط و جهل، أو انهم يريدون أن الاعصار كلها مشتغلة بها لم يعرض عنها اهل زمن قط.
السادس: طبخها،
و المطبوخ منها ردي ء جداً بطي ء الهضم ضعيف السكر، و الني ء بخلافه.
السابع: المزج،
و له احكام كثيرة يتغير الشراب بحسبه، فإن الصرف بطي ء النفوذ سريع الاسكار ثقيل مكدر، و الممزوج بخلافه؛ و لأن في المزج دلالة على لطف الشراب لتلونه به غالباً، فإن الوان الشراب مع المزج على ثلاثة اقسام:
قسم ينتقل إليه و عنه، و هو الأصفر، فإن الأحمر يكون بالمزج اصفر
ص: 154
و الاصفر أبيض، و قسم ينتقل إليه و لا يتحول عنه، و هو الأبيض الكائن عن الأصفر، و قسم لا يتغير اصلًا، و هو الأسود و الأبيض، و في هذا دلالة على ما يقبل التعديل و ما لا يقبل، كذا قالوه. و عليه يلزم أن يكون الشراب الأصفر الطف الكل، و ليس كذلك، فإن الأحمر اصح انواعه مع انه لا يكون إلّا اصلياً، و ليس لنا شراب يصير احمر بالمزج بل يفارق الحمرة.
نكتة: في تقسيم الشراب
قد عرفت اختلافه في الوجوه السبعة، فيجب أن تعلم انه بالضرورة من جهة اللون لا بد و أن يكون خمسة، أحمر و اصفر و ابيض و اسود و اخضر، و إن زدت المنقولات كانت سبعة، فبالضرورة كل منها له طعم. و قد ثبت بالحكمة أن الطعوم تسعة.
لكن قد تقرر: أن التفاهة و الملوحة و الاعتدال لا توجد في الشراب. قيل: و لا الحرافة. فتكون له خمسة، فاذا ضربت السبعة فيها كان الحاصل خمسة و ثلاثين قسماً، و على ما اخترناه اثنين و اربعين، و كلها اما طيبة الرائحة أو رديئها، فتلك أربع و ثمانون على ما قالوه. و على ما اخترناه من آن انواع الرائحة خمسة، تكون مائتين و عشرين و كلها اما رقيقة أو غليظة أو معتدلة، فتلك ستمائة و ستون، و هي في أقسام الزمان الفان و ستمائة و اربعون، و جميعها اما مطبوخة اولا. فتلك خمسة آلاف و مائتان و ثمانون، و الكل اما ممزوج أو صرف، فيكون حاصل اقسام الشراب عشرة آلاف و خمسمائة و ستين قسماً تختلف بحسبها. و لكل قسم مزاج و مناسبة لشخص كما تدعو إليه الصناعة، فيجب على متعاطيه وقت ارادة ذلك النظر في حاله، و ما الانسب به من هذه الاقسام، فيأخذه، و حينئذٍ يفوز بكمال اللذة و صحة المزاج وصفاء السكر و قوة الحواس و انتعاش الارواح و جودة التفريح. و ما وقع مخالفاً لما ذكرناه اعكس على صاحبه المراد و كانت غايته الفساد، فإن الممزوج إن أخذ على امتلاء احدث الفتوق و أوجاع المفاصل و التشنج؛ لنفوذه مع الماء
ص: 155
البارد إلى العروق بالطعام، أو على الجوع اورث النافض و حمى الروح و سقوط القوى، و الصرف على الجوع يورث وجع العصب و الارتعاش و الغثيان، و على الامتلاء الصداع و الفكر و الرمد و البخار، و الاسود لضعيف المعدة ردي ء، و كذا الشباب؛ و الأبيض للشيوخ، و الاصفر الاصلي للشباب، و الاحمر للصغار. فمن عرف احترز فلم يقع منه في مكروه. و اعلم: أن ما ذكرناه هو الاصل، فمن اضطر إلى مخالفته فله وجوه اصحها الاحتراز قبل الاخذ، و يليها تعديل المشروب، و دونها تدارك الضرر و اصلاحه، و سنذكر المهم منها.
تنبيهات
الأول: اوقات الشراب:
و هي اما من حيث الزمان، فأجودها يوم الغيم و المطر و سكون الهواء و قلة الحر و البرد. و بالجملة فالشتاء و الربيع للشرب خير من الصيف، و الخريف و الصيف اردأ الكل. و من حيث الشخص، فيجب أن يكون على راحة و توسط من الامتلاء و الجوع، خالي البال من سائر المشغلات؛ لئلا يتفكر في وسط السكر ما سيشوشه قبله، فإن ذلك مشكل جداً. و لا يجوز الشرب على فاكهة و لا غذاء ردي ء كالالبان و الاسماك، و لا حركة و حمام و لا جماع، فإن ذلك مفسد جداً.
الثاني: في صفة المسجد و تهيئته
و قد تقرر أن البدن مدينة سلطانها النفس و وزيرها العقل و مركزها القلب و محيطها الدماغ و جندها القوى و ابوابها الحواس، و أن الحركة و النشاط و الفرح بتحرك الغريزية، و أن الشراب له في ذلك الفعل الذي لا يشاركه فيه بسيط و إن قاربته المركبات العظيمة كمعجون العنبر و اللؤلؤ. فاذا عرفت ذلك فاعلم: أن السلطان مفتقر ضرورة إلى ما يسع جنده و ينفذ امره، فعلى من اراد الشراب نهاراً أن يكون في مجلس مرتفع مكشوف يسرح فيه النظر إلى بعد، و الجنان و الخضرة و المياه و الوجوه الحسان و الاصوات الحسنة بالاغاني المناسبة
ص: 156
كالتغزل بذكر المحاسن أول الشرب، و الكرم اوسطه و الشجاعة و الهمة و الغيرة آخره، على الآلات بالايقاعات التامة و على المجامر(1) المشتملة على العود و العنبر و فرش الزهور ورش المياه الممسكة و على الطعوم المستلذة و على الملبوسات اللطيفة. و إن كان ليلًا اضاف إلى ذلك الفرش التي تميل إلى الحمرة و الصفرة و الالوان المفرحة و جعل الشموع غليظة طويلة ليعظم نورها إذا رفعت الكاسات تجاهها، و كانت من البلور الصافي و طاف بها صبيح الوجه صافي اللون معتدل القامة حسن الملبوس، فاذا انتهى ذلك فليبدأ بأخذ الكاسات الصغار و يتلهى بعد كل واحد بما ذكرنا مدة إلى أن ينهضم الأول، و ما دام التفريح يزيد و البدن ينمو و الفكر يصفو، فإن الشراب جيد. فاذا احس بالتكاسل و الثقل وجب الترك، فمن سلك هذا المسلك حرك الشراب قوته فتراقت إلى النفس، فانبعثت في مطلوباتها مستخدمة للعقل استحثاث الحواس على تحصيل مدركاتها فتتوجه، فكل من وجدت مطلوبها رجعت على النفس بالمراد، فيكمل لها المطلوب، و من وجدته مفقوداً رجعت بالعكس، فكان الغم يقدر المفقود. و من ثم تجب المبالغة في تنظيف مجالس الشراب عن كل مكروه للنفس و العقل و أن تحف بكل محبوب. و هذا القانون يفيد المنافع البدنية، و هي تنقية الاخلاط بالتنفيذ للدم و التقطيع للبلغم و الاسهال للسوداء و الادرار للصفراء و الهضم و التصفية و المنافع النفسية، كالخفة و النشاط و الفرح و السرور و الشجاعة و الكرم و اللطف و الانس.
الثالث: في موجباته:
اعلم أن الشراب و الجنون و النوم و الطفولية تردّ النفوس إلى جبلاتها، فمن كان متصنعاً في شي ء فانه يفارقه في هذه الحالات، اللهم إلّا اقوام تمرنوا على شي ء حتى صار ملكه لهم، فاذا تم الاسكار طاش الاحمق ورزن الحليم و تكلم المهذار و سكت العاقل و زاد كرم الكريم و شح البخيل،
ص: 157
و من ثم كانت الفلاسفة تدع اطفالها و ما تلعب به من الصناعات، فيأمرونه بتعليمها فينتج فيها قطعاً؛ و لذلك قال الشيخ: إن الهذيان و الضجر في الامراض الحادة علامة رديئة لمن كان سكيتاً عاقلًا. فاعرف ذلك.
الرابع: في بيان اختلاف الناس فيه و في قدر ما يؤخذ منه.
اعلم أن الشراب كله كريه الطعم في المبادي ء و إن كان حلواً، فاذا ارتفعت ابخرته و خالط المزاج اضعف قوة الذوق، فيشرب حينئذٍ من غير كراهة.
و اما مقاديره فقال قوم يكفي الصفراوي رطل و الدموي رطل و نصف و البلغمي ضعف الأول و السوداوي الثاني. و قال بختيشوع(1): يكفي في الصيف مائة درهم و في الخريف مائة و خمسون، و ضعف الأول شتاء، و نصف الثاني ربيعاً. و قال: الرازي و المسيحي: حدّ الشرب اختلاط العقل. و قال: الشيخ و كثير من اليونانيين لا تقدير للشراب بالوزن، و انما الاصل السن أوله للطفل و وسطه للشبان ودع الشيخ و ما احتمل. و قال كسرى: انفعه المكروه و اضره المحبوب، و المعنى ما دمت تكره شربه فإن المزاج يحتمل و بالعكس.
و كل ذلك عندي غير مضبوط؛ لتفاوت الناس في المزاج و السن و البلاد و قوة الدماغ و الذوق و نحوها، و انما ميزان الشراب العقل فما دام داركاً حاضر القوى صحيح التصور حافظاً للنسبة في التصديق، فالشراب لم يفرط. و اختلاف العقول معلوم. و ايضا من كان به ضعف في الصدر و آلات النفس لم يحتمل ما يحتمله الصحيح، و لا الممتلئ ما يحتمله الخالي، إلى غير ذلك من الطوارئ.
الخامس: في تدارك الضرر و كيفية الاصلاح.
من اضطر إلى الشرب قبل هضم الاكل، فليستعمل القي ثم يتغرغر و يغسل وجهه بالماء و الخل ثم يشرب. و من فسد الشراب في معدته فيتجشأ كالدخان أو وجد غثياناً أو عاجله الصداع فانه محرور، فليقدم على
ص: 158
الشراب شرب البزور، كالرجلة(1) و الهندبا(2) و الخس، و بعده العناب(3) و الكسفرة و قليل الكراويا(4) بالخل، و يمتص الربوب الحامضة و يشم الكافور. و من احس بطعم الحمض و الثقل و التكّدر فانه مبرود، فليأخذ قبله مثل الزنجبيل(5) و القرنفل(6) و الدارصيني(7) و بعده الخبز المحمص. و لحب الآس خصوصية عظيمة بعد الشراب، و كذا الصندل(8) و البندق(9) المحمص. و من اصابه قرقرة و نفخ، فإن الشراب حديث، فليبادر إلى شرب ماء الانيسون(10) و مضغ الكندر(11) و المصطكى(12) و الكسفرة، أولذع وحدة و التهاب و عطش، فالشراب عتيق جداً، فليصلح أخذ الحوامض و الافسنتين(13). و لشراب الفواكه و الاصول و العود في اصلاح الشراب ما لا يمكن وصفه؛ و من ثَمّ قال ابقراط: اختر من الشراب ما لا تحكم عليه عينك بلون و لا فمك بطعم، فذاك لا يحوجك إلى اصلاح و الا فهيي ء شراب العود و الافسنتين.
السادس: في وصايا نافعة: من ولع بالشراب:
و ذلك من غفل عن نفسه حتى امتلأ بالشراب، فليقذف بالماء و العسل، ثم يستعمل الحمام و دهن البنفسج(14) صيفاً و الآس خريفاً و البابونج(15) شتاءً و الورد ربيعاً على الرأس و المعدة ثم ينام، و يحذر ضعيف الرأس شرب الصرف، و ضعيف المعدة الممزوج و المبرود الأبيض، و المحرور الأسود. و إياك و السكر المتواتر.
قال ابقراط: من زاد في الشهر على ثلاث مرات فقد حمل نفسه الجهد.
و من الفوائد الغريبة المبلغة غرض النفس الشراب، أن لا تشرب و نجمك في الاحتراق، فإن جهلته فلا تشرب في احتراق القمر. و من شرب في ساعة الشمس و يومها غير الأحمر الممزوج و القمر غير الأبيض و المريخ غير الأحمر الصرف، و عطارد غير المعتدل و المشتري غير الأبيض الممزوج بالاخضر، و الزهرة غير الأبيض الممزوج بالاصفر و زحل غير الأسود، لم يكمل سروره و لم تنبسط نفسه؛ و لهذا كثيراً ما يعرض الكدر و لم يدر الجاهل سببه.
ص: 159
السابع: فيما يوجب الاسكار و الصحو بسرعة لمن اراد ذلك:
اما الأول: فيحتاج إليه من لا يقدر على احتمال الخمر؛ لسوء مزاج أو ضعف عضو، فيكفيه القليل من أخذ قيراطاً من العنبر و قيراطين من الصمغ(1) و ثلاثة من البنفسج و حله في عشرين درهماً من الشراب، كفى من ثلاثة ارطال و نصف درهم من ماء الياسمين إذا جعل في ثلاثين درهماً من الخمر كفى عن خمسة ارطال صرف. و من أخذ مثقالًا من العود الهندي و قيراطين من المسك و ثلاثة من الزعفران و نصف رطل من العسل و ستة ارطال من الشراب، و اثني عشر رطلًا من الماء العذب، و طبخ الكل حتى يذهب النصف كفى قليله سكراً و تفريحاً و نفعاً، و لم يحتج إلى اصلاح.
و أما الصحو بسرعة: فقد تدعو الحاجة إليه؛ لنزول أمر مهم. فمن اراده فليشرب الماء بالخل و يتقايأ ثلاث دفعات، ثم يشم الصندل و الآس و الكسفرة مخلوطة بالخل و يدهن راسه. و من اراد الابطاء بالسكر، فليأخذ اللوز المر و بزر الكرنب(2) و الانيسون.
الثامن: في قطع رائحة الخمر من الفم
من اراد ذلك فليمضغ الكسفرة الخضراء بيسير الزيت، و كذلك الغض من سعف النخل. و من ملأ فمه ماءً وبخه شيئاً فشيئاً على حجر محمي فاتحاً فاه للبخار اذهب رائحة الخمر و غيرها، و من تغرغر بالحلبة(3)، اذهبت كذلك، و من مزج ماء الورد بالزيت و امسكه في فمه، ثم تفله اذهب الرائحة، و كذا قشر الفول و الحمص و الخبز المحروق. و أما القرنفل و الزرنباد(4) و الثوم و البصل فساترة لا مذهبة، و اما السذاب(5) فمضغه مذهب لكنه يغثي.
خاتمة في بقية المسكرات
الاسكار اختلال العقل بمتناول جامد أو مائع، و له مبادئ، و هي الشروع في الاختلال قولًا و فعلًا، و توسطات و هي بقايا الشعور و التفريق بين
ص: 160
الحسن و القبيح، و نهايات و هي الاستغراق و الغيبة عن تعقل ما به النظام، و كل ذلك حاصل بأشياء تفعل في القوى افعالًا غريبة، و تلك ثلاثة اقسام، مفرحات و مخدرات و مسكرات. و قد إختلطت عبارات الاطباء عن ذلك، و أنا اوضح معنى الكل، و كيفية الأفعال الصادرة عنها، فاقول:
كل وارد على البدن مما له العمل بالصورة إما لطيف كالخمر أو كثيف كالحشيشة، و الأول يحصل فعله بسرعة قبل أن تسقط قواه، فلا جرم تكون افعاله محسوسة بقوة و الآخر بالعكس.
ثم الفعل هنا إما احساس بانحلال المفاصل و طلب السكون إلى الراحة مع بقاء العقل و القوى على الصحة، و هذا هو التخدير؛ لأن الخدر نقص الاحساس و حبس الرطوبات، و يكون هذا عن نحو الجوزة و البنج الأبيض(1).
و اما اشتداد في البدن و قوة في الاحساس و النشاط مع بقاء حالات البدن كلها مع الوجه الصحيح، و هذا هو التفريح المراد في عبارات المحققين، و يكون عن نحو الياقوت المحلول و حبوب اللؤلؤ و السوطيرا(2) أو معجون العنبر.
و أما بطلان الحس و ذهول عن الصواب قولًا و فعلًا، و هذا هو الاسكار مطلقاً، و يكون عن التوغل في الخمر و الانبذة، و عن أخذ ما كثف بخاره و كثرت دخانيته بسيطاً كان كالتربس(3) و الحشيشة و البنج الأسود، أو مركباً كالافلونيا(4) و السجريدات الممزوجة. فقد بان لك ما به التفاوت في هذه الأشياء و أن الخمرة هي الجامعة لهذه المطالب بتفاوت التدبير، و قد ذكر من امرها ما فيه كفاية، فلنلخص من غيرها كذلك فنقول:
الاشربة المعدّة لهذا النمط كثيرة، و افضلها بعد الخمرة شراب يسمى «الاورمالي» باليونانية، و هو شراب ينقي الاخلاط و كدورات الالوان و السدد و اليرقان و عسر البول و يفتت الحصى و يفتح الشهوة و يشفي الربو و عسر النفس، و فيه تفريح جيد و قوة شديدة. وصفته: أن يعجن الدقيق النقي الخالص بماء النعناع و الورد و القمر في احد البروج
ص: 161
الهوائية و يترك إسبوعاً، ثم يلقى على الرطل منه من الماء العذب خمسة عشر رطلًا و اجعل معه من سحيق الصندل عشرة دراهم، و من بقول الحنطة خمسة عشر و من كل من العناب و السفرجل و التفاح و الاشنة(1) ثلاثين درهماً، و من العود الطيب ما شئت، و من العسل الخالص خمسة ارطال، و يطبخ الكل حتى يذهب الكل، فيصفى و يجعل في الجرار(2) و يطيبه من شاء بما شاء من المسك و العنبر و يسد و يجعل في موضع محفوظ من الهواء ثلاثة اسابيع.
و حدّ الاستعمال منه خمسون درهماً، و هو مما كتمه اليونان و لم يترجم إلى العربية إلى الآن.
و يليه شراب «الخاليديون» يعني الحنطة، وصفته: أن تبقل الحنطة، ثم يؤخذ من بقلها جزء و من دقيقها ثلاثة اجزاء و من النشأ(3) نصف جزء و يعجن الكل و يخبز، ثم يلقى في عشرين جزءاً ماء ليلة، ثم يصفى و يخلط بربعه سكر أو عسل و يغلي حتى يذهب النصف و يرفع كالأول.
و اما النضوجات: فافضلها نضوج التفاح، و هو من مجرباتنا استخرجناه فكان غاية، و صنعته: أن يقشر التفاح و يؤخذ منه خمسة ارطال، و من ورق النعناع و الورد من كل رطل، ورق مرسين ثلاثة اوراق عود هندي(4) دارصيني قرنفل من كل اوقية، زعفران نصف اوقية يرض الجميع و يحشى في القرعة و يكب عليه ثلاثة ارطال ماء ورد، و يقطر بنار هادئة حتى ينقطع قاطره فيرفع. و هذا الماء يفعل العجائب المجربة فانه يفرح و يزيل امراض الصدر و الدماغ و الربو و القولنج و فساد الهضم و الاستسقاء و الترهل و الطحال و داء الاسد و اليرقان و ضعف المفاصل، و يدر اللبن و الحيض و البول و ينفع من السموم، و المتخلف منه في القرعة طيب يذهب الصداع و الورم و الخفقان، و كل ريح كريه في البدن و العرق و الاسترخاء، و يمشي الاطفال بسرعة.
ص: 162
و لك في هذا الماء طرق:
احدها: أن يستعمل صرفاً.
و ثانيها: أن يطبخ جزءً منه باربعة اجزاء من السكر حتى ينعقد شراباً، ينفع من غالب الامراض، مجرب. و ثالثها: أن تطبخ من كل من الاشنة و الجوزبوا(1) ثلاث اوراق شعير مقشور مرضوض اوقيتين بعشرين رطلًا ماء حتى يبقى النصف، فيصفى و يضاف رطل عسل نحل و ثلاث اواق من الماء المذكور، و يرفع اسبوعين في جرة مزفتة يكون غاية.
و اما نضوج الرمان: فقد شاع ذكره، و ليس بذاك فانه سريع الاستحالة مولد للصداع، و لكن فيه تفريح و تنقية.
و أجود صنائعه: أن يعتصر و ينثر فيه طاقات الآس و النعناع و قليل الزعفران و القرنفل و الهيل و مثل ربعه سكر، و يجعل في القزاز المشمع في التبن ثلاثة اسابيع، و قد يجعل معه لكل عشرة رطلان ماء، و قد يزاد ماء الورد.
و أما الانبذة: فأفضلها نبيذ الزبيب على ما فيه. و نبيذ التمر ردي ء جداً، و أردأ منه ما اتخذ من الارز و الذرة و غيرهما. و قد عرفت اصول هذه القواعد فقس ما لم يذكر بسيطاً أو مركباً، فإِنا لو حصرنا ذلك مستوفىً لضاق النطاق.
و أما المفرحات المركبة: فتختلف باختلاف الامزجة، و هي على الإطلاق تقوي القلب و تمنع الخفقان و سوء الهضم و النسيان و ضعف الدماغ و الكبد.
صفة مفرح و سمته «بقلسطيون»: يعني المخلص من السموم و المنجي من سوى الموت، و هو تركيب لم اسبق إليه قد امتحناه فلم يخطئ. ينفع من الماليخوليا و الوسواس و الجنون و الجذام و البرص و الفالج و اللقوة و الربو و المفاصل و النقرس و القولنج و السموم، و يقطع البواسير و يفتت الحصى.
و صنعته: زرنب(2) زرنباد ورد كسفرة لسان ثور(3) من كل اوقية نوردى بهمتان حب غار(4) مصطكى دارصيني قرنفل كبابة(5) عود هندي
ص: 163
مر جنطيانا(1) حماما(2) حرير خام من كل نصف اوقية ينعم سحقها و تنقع في ثلاثة ارطال لبن حليب، و رطل من كلٍ من ماء الورد و الحصرم(3) و التفاح و الريباس(4)، ثم تجعل في القرعة و تقطر و القمر في الميزان متصل بالمشتري أو الزهرة، فاذا قطر تأخذ هذا الماء فاخلط به ثلاثة ارطال من العسل على نار لطيفة حتى يقارب الانعقاد، ثم ارفعه و قد سحقت صندلًا و عوداً و قرنفلًا من كل نصف اوقية، اشنة مغسولة قاقلى كبار(5) زهر بنفسج صمغ نقي دارصيني لؤلؤ محلول مرجان كهربا(6) ياقوت من كل ثلاثة دراهم، ذهب و فضة من كل ثلاثة مثاقيل، عنبر و مسك من كل مثقال فتخلطها فيه، و احذر أن يكون عملك في نقصان القمر أو وبال الزهرة أو هبوط المشتري. ثم ارفعه في الصيني أو الفضة، و يستعمل بعد ستة اشهر، الشربة منه درهم.
صفة مفرح بارد:
من تراكيب الشيخ، يطفئ العطش و الالتهاب و الحميات و يقوي الأعضاء الرئيسية جداً.
و صنعته: صندل أبيض و احمر كسفرة ورق لسان ثور ورد منزوع من كل نصف اوقية، قشر اترج(7) عود هندي لكّ مصطكى درونج(8) من كل أربعة دراهم، لؤلؤ كهربا طباشير(9) يسد من كل ثلاثة، عنبر نصف درهم يعجن بمثلها عسلًا منزوعاً. الشربة منه درهمان و في الصيف مثقالان.
صفة مفرح حار:
ينفع من اللوقة الارتعاش و الخدر و ضعف المعدة و الكبد، و هو من تراكيب النجاشعة للعباسيين، و قد اشتهر بالجودة.
و صنعته: قشر اترج جزء و نصف كراويا مجففة قد نقعت في الخل اسبوعاً، جزء عود قرنفل زرنب ملكي درونج دارصيني عود هندي من كل نصف جزء، قاقلي كبار جوزبوا من كل ربع جزء، مرجان لؤلؤ ذهب زعفران من كل ثمن جزء، مسك نصف جزء، تعجن بثلاثة امثالها سكر بعد طبخه باللبن و يرفع و يستعمل بعد شهرين. الشربة منه مثقال ينفع للمبرود جداً، انتهى.
ص: 164
و هما من الاسباب الضرورية، لفساد البدن باختلافهما أو بطلان احدهما، و اليقظة استخدام النفس القوى الظاهرة فيما هي له لعدم المانع، و النوم بطلانها بتراقي بخارات ترفعها الحرارة عند غورها، و هما يعدلان البدن بتنقية الفضلات و النضج و تحسين الالوان و تقوية الفكر و الحس، إن وقعا طبيعيين و الا فلا.
و الطبيعي من النوم ما وقع على توسط في المأكل و المشرب و كان ليلًا، فالواقع على الجوع مجفف محلل للقوى جالب للبخار، و في النهار يكون سبباً لنحو الرعشة و الاستسقاء و الفالج و تغير الالوان.
لكن قال ابقراط: لا يجوز لمعتاد قطعه إلّا تدريجاً، هذا قولهم. و ظاهر التعليل لا يساعدهم على المطلوب، فقد قالوا: إن النوم تغور فيه الحرارة عن ظاهر البدن؛ و لذلك يحتاج النائم إلى دثار ازيد من اليقظان، فعليه يجب أن يكون نوم النهار معدلًا للامزجة؛ لأن حرارته تقوم مقام التي فارقت بخلاف الليل.
فإن قيل: يلزم منه فرط التحلل و سرعة الشيب و الهرم؛ لتوالي الحرارتين معاً.
قلنا: يجب أن تكون اليقظة كذلك، و أن يكون نوم الغدوات جيداً، و قد منعوا ذلك.
و يمكن الجواب عن هذا: بأن اليقظة يكون الباطن فيها بارداً و اطراف النهار غير خلية عن الحرارة في الجملة، و اكثر ما يكون سبع ساعات و أقله ثلاثة.
و اليقظة تنشط و تجفف ما رطب فاعتدالهما موجب للعدل. و طول النوم مبلد مكسل مرخ مبخر، و اليقظة جالبة للوسواس و الجنون و الهزال.
ثم الضرر الحادث عن النوم و كذا النفع يختلفان باختلاف الخلط و الغذاء،
فإن كان جيداً اصلح به و الا فسد، فإن النوم بعد نحو الثوم و الخردل(1) يورث من ظلمة البصر امراً مشاهداً، و من صحة البدن بعد نحو السكر ما هو ظاهر؛ و لذلك منع علماء التعبير من تأويل منام المبرود و فاسد الدماغ، و اعتبروا صفاء الخلط
ص: 165
و جودة الغذاء.
ثم يجب في النوم اثر الغذاء كونه على الايمن حتى يميل الغذاء على الوجه؛ لتحفظ الحرارة و ينهضم إلّا لمن به مرض يمنع من ذلك كالرمد، و أكثر النوم جودة ما كان على الايسر، و النوم على الظهر يضعف القلب و يجلب الاحلام الرديئة و الاحتلام، و يعطل القوى ما لم تدع الضرورة إليه كصاحب الحصى. و المراد بالممدوح في السنة الاستلقاء من غير استغراق لما مر في التشريح، من انه يجود الفكر. و يجب كونه على مهد وطئ أعلاه مما يلي الرأس أخذ في التسفل تدريجاً؛ ليسهل تفرق المواد، و أن يقدم على الرياضة، و أن لا يترك عنده مزعج و لا ينبه ما لم يطل، و اذا نبه فليكن بلطف؛ لأن الازعاج من النوم كثيراً ما يوقع في الصرع و الخفقان و السل، و أن يغسل الوجه و الاطراف بعده ببارد في الصيف و سخن في الشتاء معتدل في الغير، و يدهن بالمناسب كما مر.
و اعلم: أن النوم دواء للتخم مريح بتحليل الفضلات. و من يعرق في نومه فإن قواه الغاذية عاجزة عما تحملت. و السهر المفرط مخرج عن الصحة. و كذا النوم بلا دور مضبوط، و التململ بين نوم و يقظة.
لا شك أن البدن غير باق بدون الاغذية، و لا بد لكل غذاءٍ من توفر فضلة، و تراكم الفضلات مفسد، فلا بد من التحليل، فإن كان بالادوية دائماً، ضعف البدن و انحلت القوى؛ لما فيها من القوة السمّية، فمست الحاجة إلى فاعل طبيعي، فقضت عناية الحكيم أن تكون الحركة، و هي انتقال بدني ينشر الحرارة في الاجزاء، ثم هي بالضرورة مضعفة إذا دامت؛ لأن البدن تميل به القوى
ص: 166
ضرورة إلى الراحة لتتوفر الرطوبات و تستريح القوى، فكانت هي السكون فاذا هما كالنوم و اليقظة في الزيادة و النقص و الاعتدال و ما يلزم من المنافع و المضار، فإن طالت الحركة جففت و انهكت أو السكون رَطُب و بَلُدَ.
و تنقسم الحركة المعبر عنها بالرياضة إلى كلية، و هي ما تحرك فيها البدن كله كالصداع، و جزئية، و هي ما حرك فيها عضو واحد كالغناء لآلات النفس و الكتابة لليد. و كل اما بذات البدن كالعدوِّ أو بغيره كالاراجيح، و لا شك أن حركة البدن بغيره أجود. قال الشيخ: و اجودها الاراجيح؛ لانها تحلل الفضلات و تنعش الحرارة و تلطف. و قال جالينوس: ركوب الخيل اجود؛ لاختراق الهواء و كثرة الانتقال. و قال قوم: المشي اجود. و الصحيح: أن الاراجيح أجود مطلقاً، و نحو جذب القسِى و الشِّباك خيرِ لليدين و الكتفين و حلج القطن للرجلين و ركوب البقر للرأس و العينين، هذا هو الاصح عندي.
ثم اقول أيضاً: إن لاختلاف الصنائع دخلًا في ذلك، فالحدادة شتاء للبلغمي و القصارة صيفاً للصفراوي و الصباغة خريفاً للسوداوي و العمارة ربيعاً للدموي، موجب للصحة قطعاً.
و اما طول الحركة و قصرها و اعتدالها و كون كلٍ اما قوياً أو ضعيفاً أو معتدلًا فلا يخفى تفصيله.
و اعلم: أن الرياضة قبل الاكل واجبة قطعاً؛ لاثارتها الحرارة و تحليلها الفضلات السابقة، و ما دام البدن ينمو و القوة تزيد فاستعمالها حسن و إلّا وجب قطعهاً، ثم التغميز و الدلك ثم الاكل. و لا يرتاض ناقه(1)؛ لضعف مزاجه و لا صفراوي، فيقع في الغشي و لا حامل لتحلل الفضلات في غذاء الجنين فيضعف.
تنبيه
ينقسم الدلك و التكبيس كانقسام الرياضة إلى كثير و قوي و عكسهما، و معتدل كذلك. و الدلك بالخشن يشد البدن و يجذب الدم إلى
ص: 167
الظاهر و الناعم عكسه، و ما بينهما بحسبه. و ايدي الجواري في كل ذلك خير من غيرها.
و اعلم: أن التكبيس يجب أن يكون على وزان سريان الفضلات، و قد عرفت: أن المطلوب نزولها إلى الأسفل، فتجب البداءة فيه من الأعلى دون العكس فانه ضار. و من المعلوم أن لكل عضو هنا أربع جهات فاذا غمزته فخذ كل جهة مع مقابلها، و اياك و مخالفة هذه الهيئة فيميل الخلط من الجهة المغموزة إلى غيرها و يتردد في العضو، فيوقع في الاعياء و الفساد. و لا تدلك آخر العضو فتردد المادة، و نظف يدك قبله؛ لئلا يتحلل منها ما يسد المسام فيوقع في البرص. و هذا البحث ينتفي في الحمام. و متى وجدت خشونة فزد في غمزها، و ادهن الاطراف بما فيه تعديل كالبابونج للمبرود و البانفسج للمحرور.
انما عدت من الضرورية؛ لعدم انفكاك البدن عن مجموعها، و انما كان لها التأثير؛ لانها تفعل في الحرارة و الروح افعالًا قوية من إثارة و جمع و بسط و عكسها، و لا شك أن الحرارة ملطفاً مفتحة محللة فمتى انبعثت منتشرة حللت ما تصادفه، فإن كان تحليلًا بالغاً بما انفصل عن البدن من مسالك الفضلات و الا يهيج و يحرك امراضاً بحسبه كالحكة في خروج الصفراء مثلًا و النار الفارسية في دخولها و كذا البواقي، و على الأول إن كان مرضاً كان خفيفاً.
ثم المحرك قد يكون من خارج سارّاً كبشارة بملائم تتشوق النفس إلى حصوله أو عكسه، و قد يكون من داخل كذلك كظفر بحيلة أو اهتمام لمخوف، فعلى هذا تنحصر هذه الاسباب في ستة؛ إذ الباعث للروح
ص: 168
و الحرارة اما عن المركز إلى المحيط أو العكس أو اليهما معاً، و كل اما دفعة أو تدريجاً.
مثال المتحرك إلى الخارج دفعة، ما يحصل عند الغضب من تغيير ظاهر البدن؛ لانه عبارة عن غليان دم القلب فتنتشر به الحرارة طلباً للانتقام و تدريجاً للفرح؛ لانه مجموع من تلذذ و ميل، و عكس الأول الخوف؛ لأن الحرارة فيه تعتصم بالقلب، و الثاني الغم، كذا قرروه. و فيه نظر؛ لأن الغم عبارة عن تغير بمنافر تقدم سببه، و لو مثل هنا بمجرد الغليظ لكان اصرح.
و مثال المتحرك إلى داخل و خارج دفعة، ما يحصل عند الهم، و قيل الخجل، و هو مثله، و تدريجاً العشق. و صرح الملطي: بأن الهم محرك اليهما تدريجاً؛ لاختلاف موارده. و هذا واضح إن اختلفت حالاته بيأس و رجاء كما صرح الشيخ: بأن ركوب السفينة يبرئ من الجذام؛ لانه تارة يجلب الخوف من الغرق و تارة البشارة بالنجاة، و في ذلك تحليل الاخلاط الغليظة.
و هما ضروريان للحياة. و الاحتباس توفر المواد مع استغناء الطبيعة عنها، و ذلك موجب للفتور و الكسل و الكلال(1) و التبلد و الامتلاء و غمز الحرارة و سقوط الشهوة، و يزيد ذلك بزيادته.
و أسبابه: ضعف الدافعة و قوة الماسكة و السدد و غلظ المواد و ضيق المجاري و قلة الرياضة و الغفلة عن الدواء، إلى غير ذلك.
و الاستفراغ يحل أكثر مما ينبغي أن يكون.
و اسبابه: عكس الحابسه.
و موجباته: سقوط القوى و الشهوة و كثرة الخفقان و الهزال و الحميات الدقية، فاذاً يجب تعديل البدن بوقوع كل منهما عند حاجته على الوجه الآتي. و في تدبير الصحة علاج الامراض.
ص: 169
و تنقسم انقسام الامراض، فإن لكل مرض اسباباً تخصه، على انه قد يكون من الاسباب ما يعم، كفساد احد الستة الماضية و كقطع السيف و حرق النار فانهما و إن اوجبا تفرق الاتصال، فقد يسري الحكم إلى غير ذلك.
ويلي العامة اسباب سوء المزاج الساذج، و يكون بالضرورة كأقسامه، لانها اما مسخنة أو مبردة إلى اخره و المسخن مثلًا اما من داخل كالتعفن، أو من خارج، إما مخالطاً للبدن كتناول مسخن بالقوة كالفلفل، أو فاعل من خارج دون مخالطة كملاقاة حار بالفعل مثل الشمس و النار، و هكذا حكم باقي الاقسام.
و قد يكون السبب الواحد موجباً لما يقتضيه مع ايجابه الضد لافراطه مثلًا، أو غيره كالحمام فانه يسخن أولًا فاذا افرط برد بشدة التحليل؛ و لهذا نعت بعض الاطباء البسفايج(1) بالتفريح ملا لانه مفرح بالذات كاللؤلؤ و الذهب، بل لكونه مسهلًا للاخلاط السوداوية الموجبة للوحشة، فيحصل التفريح بسبب نقاء البدن وصفاء الخلط.
و أما المادى فسبب فساد قوة الدافعة مع ضعف القابل وسعة ما بينهما و ضيق الباقي و ترك ما اعتيد من الاستفراغ و تعطيل عضو، فترجع مواده على غيره، فهذه جملة الاسباب الجارية مجرى الكليات. و اما الجزئيات فستأتي مع الامراض.
ص: 170
قد ثبت عن الحكيم تعالى و تقدس بطريقي العقل و النقل، أن هذا الوجود ليس مقصوداً بالذات، و ليس فيه لفرد من الافراد بقاء كلي، بل إلى غاية مخصوصة و مدة مخصوصة قضى عليها فيها قبل وجود ما يصدر عنه من الأفعال و ما له من الاطوار و الحالات، قضاء حتماً و قولًا فصلًا، حقاً من صانع مختار قصرت العقول عن كنه افعاله فضلًا عن تصور ذاته. و تلك الغايات و المدد بالضرورة مفتقرة في كمال نظامها إلى ما أبدع من هذا الاجتماع المحتاج فيه إلى التركيب غير المأمون اختلاله؛ لاختلاف اجزائه و موجبات تغيره، فأكمل مراده بوضع قانون مفيد لاصلاح ما يختل من هذا التركيب إلى انقضاء زمن الفناء و المصير إلى البقاء الابدي، و هذا القانون شامل لما يتعلق بالسياسات و تدبير كل فرد من افراد المواليد بطريق مخصوص، و قد مر سابقاً في تقاسيم العلوم.
ثم عرفت هناك، أن العالم بهذه الأشياء و المقصود في وجودها بالذات هو الانسان، و أنا جعلناه قانوناً يقاس عليه فلنستمر على ما شرطنا فنقول:
لا شك في نفي العبث عن افعال القادر المختار، و قد أوجدنا بالضرورة فلا بد و أن يكون لمصلحة عائدة إلينا؛ لاستغنائه على الاطلاق، و قد ثبت تأجيلها فتوقف الوصول إليها على مقدمات بديهية قطعاً، و تلك المقدمات هي تحصيل المعايش بالصنائع و الحرف و العلوم، و ذلك متوقف على صحة اجزاء البدن و العقل لاكتساب ذلك بها.
فاذاً لكل جزء فعل و قوة بها يتم فعله، فاما أن تجري تلك القوى و الأفعال كلها على المجرى الصحيح و الوجه
ص: 171
الذي أبدعت لاجله اولا، و الأول: هو الصحة الكاملة، و الثاني: اما أن يختل البعض مع صحة الآخر أو يختل الكل، و الأول: هو الحالة المتوسطة، و الثاني: المرض. فقد بان انحصار احوال ابداننا في الثلاثة المذكورة، فلنستوف احكام كل منها ملخصة في فصل مفرد، و نبدأ بأشرفها ثم نأتي على البواقي ان شاء الله تعالى.
الصحة حالة تستلزم كون البدن جارياً على المجرى الطبيعي سوياً في كل افعاله، و يتوقف ذلك على صحة المواد و الطوارئ و تدبيرها، و قد تكفل الطب بها حاصلة أو زائلة؛ لاشتماله على حفظ الأول و رد الثاني.
و اختلف الاطباء فيها، فذهب جالينوس و اتباعه: إلى أن كلًا من الصحة و المرض أصل مستقل؛ لانفراده باسباب مخصوصة. و هذا غير ناهض بما طلبوه، و انما يثبت الضدية المعلومة بغير نزاع. و قال الرازي و المسيحي: المرض أصل. لعدم انضباط الطوارئ، و الصحة فرع. و هذا باطل اصلًا و الا لما امكن وجودها. و قال ابقراط و الشيخ و جل اهل الصناعة: الاصل الصحة، و انما يطرأ المرض لكثرة التغيرات. و هذا هو الصحيح و الا انتقض مراد الحكيم تعالى عن ذلك.
فإن قيل: إذا كان الطب حافظاً للصحة دافعاً للمرض، فالواجب البقاء و عدم اختلال البنية خصوصاً من نفس الطبيب، و نحن نرى الحكماء فضلًا عن غيرهم يضعفون و يموتون فلا فائدة للطب.
ص: 172
قلنا: ليس على الطبيب منع الموت و لا الهرم و لا تبليغ الاجل الاطول و لا حفظ الشباب؛ لعدم قدرته على ضبط ما ليس إليه امره كتغير الهواء و وروده على الاغذية من حيوان و غيره و مشقة الاحتراز في تعديل المآكل و المشارب و غيرهما، و عدم امكان جلب الفصول على طبائعها الاصلية فقد ينقلب كل منهما إلى الآخر، و انما عليه اصلاح ما أمكن من دفع ضارٍ منافٍ و حفظ صحة إلى الاجل المعلوم.
فإن قيل: موجبات الموت و الحياة و لوازمهما، اما أن تكون بتقدير الصانع ايجاباً و سلباً كما هو الحق، أو باقتضاء طوالع الوقت، و كلا التقديرين ليس للطبيب قدرة عليه، فانتفت الحاجة اليه.
قلنا: لو كان الأمر كذلك لكان الاكل و الشرب و سائر ما به القوام من هذا القبيل، فكان يجب تركه؛ لأن المقدر من بقاء البدن إن كان بدونها فلا فائدة في تعاطيها، أو بها لزم. و الكل باطل. بل هي تقادير علق الأمر عليها كما في محله فكذا الطب، و به جاءت السنة عن ارباب النواميس، فقد قال عليه الصلاة و السلام (تداووا فإن الذي انزل الداء انزل الدواء و ما من داء إلّا و له دواء)، إلى غير ذلك، (فقيل له أ يدفع الدواء القدر؟ فقال عليه الصلاة و السلام: الدواء من القدر).
إذا عرفت هذا: فمن الواجب علينا أن نبدأ في تدبير الصحة من أول الوجود فنقول: لا خلاف في أن وجود النوع اولًا كان بحكم الاختراع، و قد عرفت الكلام فيه، فاذاً الصحة اما أن تحفظ بحسب بقاء نفس الشخص، أو بالنظر إلى ايجاد النوع، و لا زيادة في الثاني على الأول سوى الكلام على توليد الماء و صفة القائه في الارحام، و ما ذا يجب له إلى أن يخرج، ثم بعد الخروج يتحد الامران إلى انحلال الوجود، فلنرتب ذلك اولًا فأولًا على النظم الطبيعي.
ص: 173
و هو المني و كيفية صحته إلى أن يكون صالحاً للانعقاد، و قد وقع الاجماع على انه يكون من خالص الغذاء و اصح ما فيه، سواء كان الغذاء جيداً أم لا، و انه ينفصل 0 من هضم العروق بعد اثنتين و سبعين ساعة من تناول الغذاء المعتدل المزاج، فعليه تكون صحته بحسب صحة الغذاء، و استدل على كونه مما ذكر انحلال قوى البدن بخروجه و إن قل فوق انحلالها بغيره من انواع الاستفراغ و إن كثر. و إن احتباسه موجب للقوة ما لم يفسد فيوجب امراضاً رديئة في الغاية لتعلقه براس الأعضاء.
و قد اختلفوا في شأنه، فقالت طائفة: بأنه مختلف الاجزاء مشتبه المزاج؛ لخروجه من كل عضو فيكون فيه اللحم و الغشاء و غيرهما و الا اتحدت اجزاء البدن و التذ و استراح بعض الأعضاء دون بعض، و هو باطل؛ و لأن التشابه في الأولاد واقع فلو لم يكن المني كما ذكر لم يقع، خصوصاً و نحن نشاهد الامراض وراثة و ولد الضعيف ضعيفاً و القوي قوياً و كل لما ذكر.
و عكس قوم فقالوا: هو مختلف المزاج مشتبه الاجزاء؛ لأنّا نجد الشبه في المولود واقعاً في الشعر و الظفر مع انه لم ينفصل منها شي ء. و هذا مردود بعدم حصر الشبه في ذلك، فانه قد يحدث من الوهم كما صرح به الشيخ فانه قال: و كلما تخيلته الواهمة حال الانزال اتصف به الولد، بل ما تخيلته المرأة زمن التخلق؛ و لانه يجوز أن ينفصل من الجزء الذي سيكون شعراً أو ظفراً شي ء في المني، قالوا؛ و لأن الماء لو اختلفت اجزاؤه لم يقع شبه في الأعضاء المركبة كالعين، مع انه واقع؛ لأن المركبات لا ترسل شيئاً.
و يمكن رده: بأن ما ترسله بسائطها كاف. قالوا: و متى صح اختلاف الاجزاء وجب أن لا ينعقد واحد اصلًا، بل لا بد من اثنين واحد من مني المرأة و آخر من مني الرجل.
و يمكن رده: بأنهما إذا امتزجا تأَلفّ كل جزء
ص: 174
بمثله من الاجزاء كتأليف المركبات بحكم الطبيعة. و بهذا يبطل ما قالوه أيضاً: من انه كان يجب أن تلد المرأة بلا ذكر لكون الأعضاء كاملة في منيها؛ لانا نقول بأن مني الذكر فاعل و ذلك قابل و المجموع شرط في الظهور.
قالوا: و لو كان التشابه مكفياً بما في الاجزاء؛ لما كان الشخص الواحد يلد ذكوراً مدة ثم اناثا مدة و هكذا، و لما كان المني الواحد يتولد منه مختلفات متعددة. و هذا مردود؛ بجواز تغير الحرارة و البرودة زمناً و سناً و غيرهما، و بان كل زرقة من زرقات المني يجوز أن تكون مستقلة.(1)
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة ؛ ص175
ا حاصل كلام الفريقين، و ليس تحته طائل لنقض الثاني بما علمت، و الأول بعدم الانتاج للمطلوب. و الذي يظهر لي: أن الحق مع الطريق الثاني، و لكنهم قصروا في استنباط الادلة. و ايضاحها أن نقول:
لو كان مختلف الاجزاء لم يولد مقطوع اليد إلّا ناقصها، لعدم اجزائها؛ و لأن الشخص قد يلد ما لا يشبه احداً من اهله، و من يشبه الخامس من الاجداد كما صرح به في الشفاء في قصة الحبشية. و أما المشاكلة في الضعف و الأمراض فللمزاج.
و بالجملة، فالامر مستند إلى القوة المصورة كما مر؛ و لأن المني لو لم يكن مختلف المزاج ما فسد بالطوارئ و صح بالعلاج. و لو كان مختلف الأجزاء لأحبل صحيح الأعضاء حال فساد مزاجه، و لم يختلف الماء باختلاف الغذاء حيث الأعضاء موجودة، و الكل باطل.
إذا عرفت هذا فاعلم: أن المعلم حين دوّن العلوم اجتهد في إخفائها ما أمكن، فربما استغنى بصغرى القياس تارة و كبراه أخرى، و النتيجة مرة و المجموع أخرى، فاستنبط جالينوس من كلامه لقصوره في المنطق انه ينكر مني النساء فشنع و أطال. و قد أفحش الشيخ في الرد عليه حتى قال: إن غلطه كان بسبب التباس القياس الحملي بالوضعي عليه. ثم تصدى الرازي لإحالة الخلاف فقال هذا البحث،
ص: 175
و حاصله: إن المعلم يقول إنه لا استقلال لمني النساء بالتوليد و التولد لعدم انعقاده. و هذا لا يدل على انكاره. ثم إن جالينوس حاول مساواة المنيين عناداً، فقال: نجد الولد يشبه المرأة فلو لم يكن في منيها قوة الانعقاد لم يقع الشبه. و قد علمت بطلان هذا بما قدمناه من اسناد الشبه إلى القوى و الخيال. قال: و لأن نحو الأعصاب من المني، فلو لم يكن فيه الانعقاد و الفعل لما تخلقت. و هذا بالهذيان أشبه؛ لجواز أن تكون كلها من مني الذكر، كذا قاله الشيخ.
و أقول: إن هذا غير كاف؛ لجواز أن يدعي العكس فيتعارض الدليلان، و لكني اقول: لو كان ذلك من مني المرأة لوجب أن لا يشبه ولد غير امه، و هذا باطل. و أن الشبه لو كان واقعاً في الرحم لوجب أن يكون كله للمرأة خاصة لكثرة الغذاء بدمها، هو باطل.
قال أيضاً: قد وقع في كلام المعلم ما يناقض بعضه بعضاً، فقد انكر مَني المرأة ثم صرح بوجود البيضتين فيها و أنهما يولدان المني لاستدارتهما، و المولود من جنس المولد ضرورة، و هذا تصريح بوجود العاقدة في مني المرأة. و رده الشيخ بعدم اللزوم؛ لعدم الانتاج و اشترط عدم اتحاد المولد و الولد، فإن الكبد تولد الصفراء و السوداء و البلغم و لا تشاكل احدها.
ثم إن جالينوس فهم أيضاً عن المعلم انه يقول: إن مني الذكر ليس جزءاً من الجنين فأخذ في التشنيع أيضاً محتجاً على انه جزء؛ بأن الرحم يشتاقه بالطبع و يعسر انزلاقه منه إذا اريد ذلك؛ و لانه خلق خشناً ليمسكه و الا لكان تخشينه عبثاً. هذا حاصل ما قاله، و هو يدل على غاية الجهل بصناعة القياس؛ بشهادة كل عاقل بعد تألف هذه المقدمات لانتاج المطلوب؛ لأن الرحم يجوز أن يكون تشوقه إلى المني لا لينعقد فيه بل ليسخنه مثلًا أو يعيد دم الطمث مزاجاً صالحاً ثم يدفعه كما تصنع الأعضاء بالغذاء، أو انه يفسد بعد فيدفعه. و اما خشونته لامساكه، فمن الجائز أن يكون ذلك
ص: 176
الامساك لما ذكرنا لا للانعقاد. هذا كله بناء على أن يكون المعلم قال ذلك، و هو باطل انشأه سوء الفهم و العجب بهم كيف نقلوا ذلك، هذا و لو كنت اولا لحذفته.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المعلم يقول: ليس في مني المرأة قوة عاقدة استقلالًا و لا تدفقاً و هاتان ملازمتان مني الرجل، و اما البياض و اللزوجة و اللذة، فقد توجد في مائها و قد لا توجد. فإن اعتبرنا اصول هذه الصفات كلها دائماً فلا مني إلّا للرجل؛ لانها تلازمه دائما. و أما المرأة فالاغلب في منيها الرقة و الصفرة. و قول جالينوس: إن وجود البيضتين فيها يستلزم غلظ المني و بياضه غير صحيح؛ لصغرهما فيها و دقة العروق و ضعف الهضم و خفة الحرارة الموجبة لما ذكر، و كأنه فهم أن البياض و اللزوجة يستندان إلى مجرد وجود البيضتين دون الصفات المذكورة، و هذا سوء تأمل. و مثله استدلاله باستفراغ صاحبة الاختناق. و ما علم أن الاحتباس الطويل يغلظ الرقيق و يبيضه لطول الحرارة، فقد اوضحنا في الاسباب أن الحرارة الضعيفة تفعل في الزمن الطويل ما لا تفعله القوية في القصير، و هو بحث لم اسبق إليه.
و اما احتلامهن و سيلان الماء فيه فلا يوجب مساواة الذكور؛ لاستناده إلى ما ستقف عليه من اسباب الاحتلام، فلو كان الاحتلام شرطاً في وجود المني؛ للزمه القول بعدمه في ذكر لم يحتلم اصلًا، و هو محال. و هذا أيضاً من مبتكراتنا.
نعم، ما طعنوا عليه من أن المرأة لو كان في منيها قوة عائدة؛ للزم أن تحبل من احتلامها بلا ذكر تسعف؛ لانه من الجائز أن يكون فيه قوة ناقصة متوقفة على القوة التي في الذكور كالانفحة في انعقاد اللبن، أو لأن له الجواب بالمعارضة، بأن يقول: ها قد اجمعتم على القوة العاقدة في الذكور فما باله لم يخلق لو وضعناه في محل كالرحم في الحرارة و غيرها.
إذا عرفت هذا: فتدبير الماء على وجه الصحة، تحسين
ص: 177
الاغذية و تلطيفها و تنقية البدن من الاخلاط الحادة؛ ليكون المني دسماً حلواً لزجاً غير متخلخل و لا متقطع و لا يابس؛ ليكون الناتج عنه معقوداً على الصحة الاصلية سليماً من الامراض الجبّلية، فاذا طرا عليه شي ء بعد ذلك سهل دفعه.
و تحقيق القول فيه و كيف و متى يكون و كم القدر الكافي منه، و ذكر اختلاف الناس فيه إلى غير ذلك.
قد مر أن الاحتباس و الاستفراغ من الضروريات، فيجب أن نعلم أن اجزاء البدن تختلف فيهما، فمنهما ما استفراغه بالدواء كالذي في المجاري و بالفصد كالذي في العروق من الدم و بالحمام كبقايا الحكة التي تحت الجلد، فإن الدواء لا يبلغها، و بالجماع كالمني المحترق المتردد بين المتقاطعات كما مر في التشريح، و كالامتلاء في الابدان الصحيحة مما لو سلطت عليه الادوية لنهك البدن و سقطت القوى و لم يفرغ، و هذا النوع من الجماع هو المتعلق بتدبير الشخص في تنقية بدنه و لذته و ليس مقصوداً بالذات في توليد النوع، فلا بد من مائز، و ليس بينهما فرق سوى الكمية، و تدبير الصحة فيهما واحد.
إذا عرفت هذا فاعلم: أن كيفية الجماع عند القدماء لم تختلف بل وقع اتفاقهم على أن تستلقي المرأة و يعلوها الرجل خاصة، و انما احدث المتنوعون في اللعب ما أحدثوه، و به فساد الابدان فليجتنب. و اما متى يكون؟ فقد: اختلفوا فيه، فقال ابقراط: يكفي مرة في السنة. و جالينوس في ستة اشهر. و قال اندروماخس و اصحاب الرياضة: في كل فصل مرة، غير الخريف فلا يجوز فيه بحال، و قال الشيخ: ما دامت القوة تحتمله فليس بردي ء، هذا ما قرر عنهم.
و الذي اقول فيه: إن التحديد
ص: 178
ليس له وجه بل المراد منه إن كان حفظ الصحة، فمتى مالت إليه القوى من غير تقدم مباشرة لما يوجب تحريك الشهوة من عناق و تقبيل وجب؛ لأن الطبيعة اصدق عارف بما يناسبها. و لا عبرة بامتلاء العروق و احمرار اللون و ثقل الحواس و وجود البخارات الوسواسية، و إن كان الجماع نافعاً منها؛ لجواز استنادها إلى اسباب أُخر.
و اما جماع التوليد فلا وقت له إذ ذاك بحسب ما يطلب من ايجاد، و بهذا علمت الكمية.
و اما من حيث ما يجب أن يكون البدن عند ارادته، فيجب أن يكون معتدلا في الامتلاء و الخلو فإن الجماع على الشبع يولد وجع المفاصل و النقرس و الدوالي و الفتوق و الاورام الخبيثة، و على الجوع يضعف البصر و ينهك البدن و يجلب الخفقان و اليرقان و السل و حمى الدق، و عقب أكل اللبن أو السمك يورث الفالج، و بعد الحوامض يضعف العصب و يورث الرعشة، و اجود اوقاته النصف الاخير من الليل، و قد انهضم الطعام و سخن باطن الرحم و قد كان الغذاء جيداً لمن اراد التوليد، و أن يقع دون تطلب و اجتهاد في تحصيله فانه على هذا الوجه يزيل الكسل و الوسواس و البخارات الرديئة و كدورة الحواس و الامتلاء، و يفتح السدد و يحلل باقي الاخلاط الغليظة و يصفي الذهن و يعين على الحركة.
و هنا فروع
الأول: في صفة المجامعة
قال ابقراط: إن في الرحم قوة جاذبة تستفرغ المني من الذكر بقوة مغناطيسية تُحس في بعض الفروج كأنها تمسك و تجذب؛ فعلى هذا لا يجوز جماع صغيرة لم تنتبه شهوتها لضعف الدفق حينئذٍ، فيبقى من الماء ما يعود بالضرر؛ و من ثم قال يجب على من احتلم أن يستوفي الاستفراغ بالجماع؛ لأن الاحتلام لا يفي بذلك، و لا جماع من
ص: 179
يئست من الحيض، فانها قد بردت و انحلت منها الجاذبة. و هل هي كالصغيرة في ذلك؟ قال بعضهم نعم. و ليس بشي ء؛ لأن غاية ضرر الصغيرة ما ذكر من قلة الجذب، و اما هذه فقد انطفأت حرارتها و غلظت فضلاتها فهي شر محض.
قال جالينوس: من اراد الصحة فليجتنب من جاوزت الخمسين فانها سم. و قال المعلم: من جامع اصغر منه ازداد نشاطه. و من ساوته ازداد خسرانه، و من فاتته فقد جلب الموت إلى نفسه.
و لا جماع لحائض؛ لبرد الرحم حينئذ بالدم الفاسد، قال: و إن قضى فيه بحمل كان فاسد اللون ضعيف التركيب، و لأن الرحم في الحيض محلول الشهوة و متى دخل الاحليل شي ء من الدم ولد نحو النار الفارسية، و لا النفساء؛ لانها شر من الحائض، و لا المهجورة فوق سنة؛ لادبار شهوتها و برد مزاجها فتعالج قبل ذلك بالبخورات و الحمولات الحارة. قال جالينوس: و جماع البكر يوجب انحلال القوة؛ لاحتياجه إلى حركات عنيفة فوق ما ينبغي. قال الشيخ: و يستنبط مما ذكر فساد الجماع في الادبار؛ فانها لم تخلق لشهوة بل تحتاج إلى عنف الحركة و لم تستفرغ الماء؛ فتسقط بالوجه الأول القوة، و توجب بالثاني فساد البدن بما يبقى من الماء؛ و لهذا يسقط ما قيل من انها موفرة للقوى لقلة استفراغها المني.
الثاني: في الوقت الصالح للجماع من حيث الطوالع
إن كان الجماع للنفع الشخصي، فاجوده في سعادة القمر و اتصاله بالزهرة، فان كان في البروج الهوائية اشتدت اللذة و عظم النفع خصوصاً في الميزان و يليه النارية. قالوا: و لا يجوز الجماع و القمر في الترابية و لا في الاحتراق و لا قرب مفارقة الشمس، و لا إذا كان متصلًا بزحل و المريخ.
و أنا اقول: إن اوقاته من هذه الحيثية تتعلق بالاشخاص، فاحسن وقته لكل شخص سعادة طالعه، و هذا المذكور انما هو لجماع التوليد فافهمه.
ص: 180
الثالث: في صورة استعماله
متى طلب الشروع فيه وجب تقديم ما يبعث على تمام اللذة من محادثة و استئناس و لعب، و ينظر مع ذلك في وجه المرأة، فاذا تمت الحمرة و انتفخت العروق و ذبلت العين و اختلجت الشفة فهو وقت الايلاج، فليفعل و ليزن الحركة بحيث يوقعها على وجه لا يوجب انحلال القوى، و لينظر الجاذبة في الرحم. و اكثر ما تكون على ما قرره المعلم في الجانب الايمن بتسفل يسير، و في قصدها اتفاق الماءين الموجب لتمام اللذة و دوام العشرة و تحصيل الحمل لمن اراده، و قضاء الوطر المندوب إليه حتى في الشرع، فاذا انصب الماء فلينزع بسرعة فإن المكث يسقط القوى و يضعف الآلة ثم يغتسل أو يغسل المحل، فإن ذلك يذهب الفتور و يعيد النشاط و يشد العصب. و تجتنب المرأة الماء في ذلك الوقت فانه ضار جداً، فإن ارادت الحمل بقيت على حالها و الا استعملت الحركة.
الرابع: في تدارك ضرره
لا شك أن أكثر الناس انتفاعاً به الدمويون فيكفيهم بعده يسير من النوم و الراحة، و يليهم البلغمية فانه يجفف رطوباتهم، و لكنه يبرد و يضعف الهضم و الأعصاب، و تداركه بشراب العسل أو معجون اللبوب. و اما ذوو الامزجة اليابسة فنكايته بهم شديدة خصوصا السوداوية مع مزيد شبقهم، و ينبغي لهم بعده الاكثار من شم الطيب واخذ مرق الفراريج و السكر و التمرخ بالادهان الرطبة و الراحة. و مما يعيد ما ذهب في الجماع إلى الابدان مطلقاً شراب العود و معجون العنبر و حبوب اللؤلؤ، فانها مجربة لذلك، و ستأتي في الخاتمة.
الخامس: في تفاوت النساء فيه بحسب عوارض لازمة و مفارقة
و هذا البحث ملتقط من الفراسة. قال في العلل و الأعراض: السمر بالجملة أميل إلى النكاح و أشهى الناس إليه، و اقلهم صبراً عنه. و المشرب بياضها بصفرة ما، و لون عينيها بالشهولة الصغيرة الفم و الانف المتوسطة الشفة الواسعة
ص: 181
الصدر اللحيمة الكفين المستديرة القدم، و هذه إن كانت الجاذبة منها مما يلي عنق الرحم فكثيراً ما تغيب عن الحس حال الانزال و الا كانت دون ذلك. و من نتأ فيها الفرج و غزر شعره و اشتد لحمه، فانها جيدة العاقبة كثيرة اللذة، و إن استطال و خف لحمه و رقت جوانبه فلا خير فيه.
و اما اختلاف النساء بحسب الاقاليم فالى الفراسة، و بحسب الالوان فلا ضبط له؛ لأن لكل شخص ميلًا مخصوصاً إلى لون و سحنة.
السادس: في ذكر شروط اللذة
قال جالينوس: اركان اللذة ثلاثة حرارة المحل، و ضيقه، و جفافه، فما نقص منها نقص من اللذة، فإن كان المحل كذلك فهو المطلوب و الا عولج قبل الفعل، فإن المرطوبة تحل العصب، و الباردة توهي القوى و تجمد الماء، و السعة تسقط اللذة. و في الكتاب المعرب: يجب على من أولج فصادف برداً أوسعة النزع فوراً، و الا فقد جلب البلاء إلى نفسه، و اما الرطوبة فقد تحتمل في الاماكن الحارة. و قال في كتاب البلدان: جماع من جاوزت الاربعين إذا كانت باردة مرطوبة يعدل اكل السم في الفعل، و سياتي في العلاج تحرير هذا البحث.
قد سبق منا آخر التشريح الكلام على صفة التخلق و احكام الاطوار السبعة مع الكواكب و مدد التغيير؛ و كلامنا الآن فيما تحفظ به الصحة إذا احست بالحمل و بدت اماراته، و هو انضمام فم الرحم و احتباس الطمث و سقوط الشهوة و تغير اللون و تواتر النبض، فقد ثبت الحمل. و متى شك فيه سقيت ماء العسل عند النوم، فإن احدث المغص فهي حامل و الا فلا.
و اما كونه ذكراً أو انثى فمتى لم يشتد فساد اللون و لم تثقل عن الحركة و كان الجانب الايمن هو الاثقل، و بدت فيه الحركة و در ثدييها اوّلًّا و كان اللبن أبيض ثخيناً، و اذا حلب على قملة تحركت، أو حملت مثقالًا من
ص: 182
الزراوند معجوناً بالعسل في صوفة خضراء على الريق إلى نصف النهار وحلا فمها، فالحمل ذكر في ذلك كله و انثى في عكسه.
و اما كون الحمل أكثر من واحد فيمكن حذاق الاطباء علمه بمشقه من شخوص النبض و تواتره، و العلامة القاطعة بالتعداد أن المولود إذا سقط فإن كانت سرته عقداً و تعجيرات، فالاجنة بعددهاً و إن كانت متناسبة فلا شي ء غيره، فإذا تحقق الحمل، فتدبيرها بالراحة و ترك الرياضة و كل ما ازعج من وثبة و صرخة و حمل ثقيل و نزول من عال أو صعود، و التقليل من المرطبات حتى تشتد الأعصاب، و أن تأخذ ما دعت إليه شهوة الوحام بلطف، فإن الاكثار من الحرّيف(1) و الحامض يضعف الجنين، و من الطين يبرد.
و ينبغي أن تكثر من السكنجبين ليحل الاحتراق، فإن الوحام عبارة عن احتراق بقايا دم الحيض حريفة فتدغدغ، و بعد الخامس أو فيه يكون من نبات الشعر في رأس الجنين، ثم تكثر من أخذ ما يولد الدم ما لم تظهر علامات الاستغناء عنه كوجوده ايام الحيض، و تدوم كذلك إلى قرب الولادة، و لتقتصر في امراضها الحارة على الاشربة الباردة، و البارد الجلنجبين العسلي(2)، فإن اشتدت الحاجة إلى تليين فبخيار الشنبر(3) أو الترنجبين، فإن الادوية المسهلة اما مسقطة أو مضعفة لتحليلها الفضلات في غذاء الجنين، فاذا آن وقت الولادة فلتكثر من تناول المزلقات و دهن المراق بنحو دهن اللوز(4) و البنفسج(5) و تنطل بطبيخ الاشنان و الحلبة، و تكثر من الاستحمام فإن ذلك يسهل الولادة، فاذا احست بالطلق، و هو المغص و الوجع و نزول الماء و الدم، فلتجلس على مرتفع مادة رجليها موسعة بينهما و تعتمد قابلة حتى يخلص الولد، فإن سهل ذاك فالمطلوب، و الا غمزت ظهرها و اعلى البطن و سعطتها قشور البكتر بالزعفران، و حملتها بالزبد في خرق الحرير على الفخذ الايسر تربطه طاهرة من الحيض، فإن بدأ رأس المولود فالولادة
ص: 183
طبيعية و الا فعسرة. و ينبغي أن تستلقي بناعم من قطن أو حرير و تجتنب البرد إن كان شتاءً، ثم تدثر هي و تسقى ما يحل الخوالف من طبيخ الانيسون و الشبت و الحلبة و الزبيب بالعسل، و في الشتاء تمرخ بالزيت و قد طبخ فيه الثوم و اللاذن(1).
اما أولًا، فيبدأ بقطع الفضلة التي في سرته على حد أربع اصابع و تربط بصوف خفيف الفتل و تضمد بخرقة بلت بزيت طبخ فيه كمون(2) و صعتر و يسير ملح و مر، و يملح بدنه بملح و شادنة(3) و آس و مر و قسط(4) مجموعة، أو مفردة؛ ليشتد و تمتنع منه العفونة و القمل. و اذا سقطت السرة بعد ثلاثة ضمدت بالشراب و الزيت أو رماد الصدف(5) أو الرصاص المحروق و دم الاخوين(6) و الكركم(7) و الاشنة للتجفيف، و يملح لدفع الاوساخ و القمل إلّا الانف؛ لضعفه عن الملح، و يقطر الزيت في عينيه للغسل و يمسح بناعم و تغمز الأعضاء وفق الشكل المراد و المثانة؛ لاطلاق البول، و يفتح الدبر بالخنصر و بها يتعاهد الانف بعد تقليم الظفر؛ لئلا يجرح، و يلبس رقيق الثياب المناسبة للزمان، و يفرش بها و يقمط حفظاً للشكل مع توسط بالشد، و يرخى على بطن الانثى؛ لئلا يكون سبباً لعدم الحمل و تطلى مراقه و غضونه بسحيق الآس و الزيت حذراً من التسميط. و يغسل بفاتر الماء كل ثلاثة فيما عدا الشتاء، و المائل إلى السخونة كل سبع فيه برفق في صبه، و غمز المفاصل و القلع و التلبيس و التنشيف و الدهن، و قد مر تدبير النوم.
و اما الارضاع: فالام اولى به؛ لمناسبة لبنها ما كان يغتذي به حتى لو لم ترضعه وجب أن تتعاهده بالقام ثديها، ففيه نفع عظيم، فإن تعذرت اختير من تقاربها، و تكون
ص: 184
صحيحة المزاج و التركيب معتدلة البدن و اللون و السحنة لحمية صلبة المحبس مكتنزة الثديين شابة واسعة الصدر حسنة الخلق خلية عن الحيض و المكدرات و الجماع، مرضعة لذكر، مقاربة ولادتها ولادة من تريد ارضاعه؛ لمناسبة اللبن في الزمان أيضاً، فإن لبن آخر الرضاع ليس كأوله؛ لفساده بالحرارة و عجز الثدي عن قصره.
ثم يجب أن لا يغتر بكون المرضعة كما وصفت، بل ينظر في اللبن لجواز فساده، و إن كانت هي كما ذكر، فإن لم يكن أبيض طيب الرائحة معتدل القوام عدل، فتُعطى ما يخرج الصفراء إن كان اصفر أو مالحاً أو كثير الرغوة و البلغم إن كان حامضاً أو غليظاً، و السوداء إن كان إلى السمرة و الكمودة و العفوصة(1)، و تفصد إن كان احمر، و يراق ما في الثدي وقت العلاج، بل قالوا: الواجب في كل ارضاعة اراقة شي ء من الحاصل، و هذه مبالغة، و الا فالصحيح فعل ذلك إذا طرأ ما يغير المزاج خاصة. و اذا التقم الثدي غمز له؛ ليدر بسهولة و لا يُمكّن من الشبع و يراض بالتحريك و الترقيص خصوصاً إذا تخم. قال الشيخ: و يجب عنده تقليل الاضواء؛ لئلا يتفرق بصره و تكثير الالحان الرقيقة الموسيقية. قالوا: و اقل ما يرتضع الطفل في اليوم و الليلة مائة و خمسين درهماً، و الاكثر فيما قالوا خمسمائة، و هو بعيد. و لا يجوز في مدة الرضاع أخذ غير اللبن، لعجز الطبيعة حينئذٍ عن تأليف غذاء متشابه من جواهر مختلفة. و تعالج المرضعة إذا احتاجت كما مر في الحوامل، فلو لم يكن بد من دواء قوي فلا ترضع يومه، و كذلك يجب الرفق بعلاج الاطفال عند عروض ما يخصهم من الامراض كورم اللثة(2)، خصوصاً يوم نبات السن، و الاستطلاق كذلك؛ لكثرة ما يرتضعون و كون حركاتهم غير طبيعية؛ و لاشتغال الطبيعة عن الهضم بتكوين السن و كالرياح و القراقر، فإن امكن ازالة ما حدث بدهن و غمز فلا يُعدل إلى دواء، أو بتبريد الحرارة و القلاع بنحو العناب و بزر
ص: 185
الرجلة، فلا يعدل إلى نحو اللينوفر(1) و البنفسج، او بهما، فلا يقدم ماء الشعير، أو تحليل الرياح بنطول الحلبة و البابونج أو دهنهما، فلا يعدل إلى الكمون و الصعتر، او بهما، فلا حاجة إلى نحو الحلتيت(2) و الاشق(3). و ما يصنع الآن بمصر من المحكوكات خطر، و اخطر منه قطع الاسهال بسقي المرتك(4) فانه سم.
تتمة
قد اغفل الاطباء كافة علاج ما يحدث من الرائحة الحادة بالاطفال في مصر، و هو مهم يموت بسببه كثير و ينشأ عنه امراض تكون كالجبلّية.
و حاصل الأمر في تعليل هذا: أن هواء مصر كما علمت شديد اللطافة و الرطوبة و التخلخل، و ما شأنه ذلك تنطبع فيه الروائح بالسهولة خصوصاً الحادة الثقيلة، و مزاج الاطفال كذلك، فيتأثر لشدة التشابه و العلاقة، ا لا ترى إلى الورد كيف يحدث الزكام لتفتيحه و الفربيون(5) لحدته في سائر الاماكن، و الياسمين الصداع للمحرور. و لا يبعد أن يقع هذا التأثير في غير مصر، لكن لم يشعر به لقلته.
و الذي اقول في تحرير هذا الأمر بالمشاهدة و التجربة: انه إذا كان المشموم حاراً طيب الرائحة كالمسك اشتدت الحمرة في الوجه ودعك الانف و الحمى في الرأس، و إن كانت خبيثة خصوصاً الكائنة عند فتح الاخلية اصفر اللون و غارت العين و كثر التهوع و الاسهال و ارتخى الجلد. و اشد المؤثرات بيوت الخلاء ثم الحلتيت ثم المسك ثم الخمر.
و متى قل الاسهال و القي ء و كثر تحرك الرأس فالمشموم خمر ما لم يكثر سيلان الانف، فإن كثر فمسك.
إذا عرفت هذه العلامات فاعلم: أن العلاج من الرائحة الخبيثة مرخ الرأس بدهن السفرجل و البخور بالصندل، و الطلى به و بالمرسين مع الخل و سقى شراب البنفسج و ماء التفاح و الورد و من الطيبة أن يوضع العود في التفاح و يشوى بالعجين حتى يتهرى فيستحلب بماء الورد و يحلى بشراب
ص: 186
الصندل و يسقى فإن كان هناك في بدل ماء الورد بماء النعناع، أو اسهال بدل من التفاح بالسفرجل.
و مما يجب في العلاج من الزيادة خاصة الدهن بحب البان(1) و سقي شراب البنفسج و من الحلتيت شم الخزاما(2) و دهن اللوز و سقي شراب الصندل و الخشخاش، و من المسك الطلاء بدهن البنفسج بالخل و سقي ماء النعناع بشراب الحصرم و جعل سحيق الورد و الصندل على الرأس. و ما تصنعه نساء مصر من اعطاء الاطفال ما كان الضرر منه خطر جدا لكنه إن سلم منه انتج عدم التضرر بالمشموم مرة أخرى لمخالطته الطبع، فهذا ما حضرنا الآن في هذه العلة و هو كافٍ ان شاء الله تعالى.
تدبير الانتقال الثاني و هو الفطام:
سمي بذلك بالنسبة إلى الانتقال من الولادة إلى الرضاع. يجب عند تمام الحولين فطم المولود عن اللبن لا لأنه يضر بعدهما كما هو مشهور بل لعدم الاستقلال به لطلب الأعضاء غذاء يقوم بها فلو اضيف الرضاع إلى غيره جاز لكن لا يجاوز الثالثة بفساد اللبن كما مر، و ينبغي ايقاع الفطام عند انتقال الشمس أو القمر إلى البروج الرطبة و في غير الاوقات الصيفية؛ لئلا تجف الأعضاء بمفارقة اللبن فتصلب و يمتنع النمو، و يعطي حال الفطام ما قارب اللبن في الطبع كمستحلب الفستق و الجوز بالسكر مدة ثم تغلظ تدريجا بنحو النشا و الكثيرا(3) و يغسل كلما اشتد الحر، و لا يمكن من كثير حركة و لا لعب حذرا من الجفاف و تطرق الآفة لسرعة قبوله للانفعال حينئذ.
و اعلم أن اشد ما يبكي الاطفال الحركات النفسية؛ لنقص التصور و التعقل فيجب المبالغة في منعها بفعل ما يميلون إليه بداراً و ترك
ص: 187
ما ينفرون منه و يستمر ذلك إلى الدخول في السابعة و يلزمون الادب و التمرين على مبادئ النواميس الالهية الشرعية شيئا فشيئا إلى العاشرة فيراضون بالحساب و نحوه من تعلقات الفكر ثم ما يراد منهم من الصناعات المعاشية إلى التمييز الحقيقي فيؤمرون بالنظر في العلوم و الفضائل و يعرفون احكام السياسة و الاخلاق على الوجه الاكمل، و قد مر ما تدبر به الصحة في الشراب و النوم و الغذاء و الجماع. و ملاك الأمر في التدبير العام اجراء كل على وجهه، فيقلل الشراب في هذا السن و كذا المجففات لاجل النمو. و اذا زادت الحرارة خففت بلطف؛ لانها هنا مع الرطوبة فهي مأمونة، فيحترز عن الفصد في هذا السن فلا يفعل إلّا لضرورة تعينه، فاذا ناهزوا العشرين و لم يكثر نبات الشعر فهناك جفاف، فليرطب و يطلى الوجه بنحو دهن الاملج(1) و الآس.
و أما الشباب، فمتى دعت الحاجة فيه إلى إخراج الدم فعل، و يتعاهد فيه التبريد و الترطيب و إخراج الصفراء ما أمكن و الرياضة و تفتيح السدد و قلة الشراب و كثرة الحمّام و الجماع.
و أما الكهول، فلهم الإكثار من كل حار رطب و قلة الفصد و الجماع و كثرة الإستحمام.
و أما المشايخ، فلهم الإكثار من كل حار يابس و الراحة و الشراب و النوم و الدلك و الدهن و الاستحمام و عدم الفصد و الجماع، فهذا جماع التدبير.
قد مر بك في سائر الاسنان ذكر الحاجة إلى الإستحمام؛ لأنه ينقي الأوساخ و الدرن و يحلل الفضول و يفتح السدد و يزيل الكسل. و أجود إيقاعه في الأبنية التي أُعدت له و عرفت بالحمّامات، و أول من سنها
ص: 188
سليمان عليه الصلاة و السلام. و قد أفردنا في الحمّام رسالة و نحن نلخص مقاصدها هنا فنقول: وقع الإجماع على إن أحسن الحمّامات ما قدم بناؤه و عذب ماؤه و اتسع فضاؤه، و الحمام يجمع العناصر الأربعة فيرطب بالماء و يسخن بالهواء و يجفف بالحر و يبرد بطول المكث أو بماء بارد في بيته الخارج، و يجب أن يشتمل على مسلخ فضي توضع فيه الثياب و قد صورت فيه انواع التصاوير، أو يشرف منه على منتزهات البساتين و المياه و يكون فيه ما يحرك الطبيعة للرؤية نحو الفواكه، و الحيوانية بنحو الاشجار و الحيوان، و النفسية بنحو المدن و القلاع و السلاح و اشكال الهندسة؛ لأن الشخص يخرج منه و قد تحللت قواه فاذا اشتغل زمن الراحة بالنظر إلى ما ذكر عادت قواه، و أن يدخل من هذا إلى بيت اول معتدل الحرارة كثير الرطوبة، ثم إلى ثان كثير الرطوبة ثم إلى ثالث كثير الحرارة ثم إلى رابع كثير التجفيف.
هذا هو الوضع الاصلي، و يدخل تدريجاً على اعتدال من الغذاء فانه على الجوع يورث الرعشة و الخفقان و سقوط القوى و الهرم، و على الشبع يعجل الشيب و يورث السدد و المفاصل و ثقل الحواس، و على الاعتدال ينشط و ينعش القوى و يزيل الإعياء و العفونات.
و يبدأ حال دخوله بالتنوير و الحلق ثم حك الرجلين ثم التغميز و الدهن، ثم الانتفاع في الابازين ثم إعادة التغميز بلطف و الخضب بالسدر و الخطمى(1) و الحناء(2) و بزرقطونا(3) خصوصاً مواضع النورة و من أراد التبريد أكثر من دهن البنفسج و الورد أو التسخين فالقسط و البابونج، و من كان به تحلل أو إعياء أو استرخاء أو عرق، فليستعمل في الحمام التدلك بهذا الدلوك.
و صنعته: آس و ورد يابس من كل جزء عدس صندل من كل نصف جزء. عدس صندل من كل نصف جزء عفص(4)، ربع جزء يسحق و يندى بالخل و يطلي به في الحمام فيمنع النزلات و سقوط القوى و الورم و الدهن و الرائحة الكريهة. و ما دامت القوى
ص: 189
زائدة و البدن ينمو فالمكث جيد، و متى أحس بنقص تعين الخروج تدريجاً كالدخول، و تغسل الاطراف بالماء البارد و يجتنب الشرب فيه و بعده و يدثر و يمكث في الصيف في البيت الخارج طويلًا، و يلزم الراحة و شم الطيوب بحسب الفصول و شرب الأمراق الدهنية مطلقاً و ماء العسل شتاءً و السكنجبين صيفاً.
و مما يلحق بهذا الاستحمام بالماء البارد، و وقته من أول السرطان إلى نصف السنبلة في مثل مصر و الاسد في نحو الروم، و يجوز فيما عدا الشتاء في نحو صنعاء، و هو على وجهه ينعش الحرارة و يشد البدن و يعدل الهضم. و يجتنبه صاحب الدماغ الضعيف و المهزول الممتلي ء بالطعام. و ما دام البدن يلتذ به فجيد، و إلّا بودر بالترك. و متى كان بالماء العذب فهو أولى و لا بأس بكبريتي و مالح للسمين وذي الحكة.
فهذه أحكام الاستحمامات ملخصة.
لا شك أن المزاج في معرض التغيير، و أن التزام قوانين الصحة عسر جداً، فلم يبق إلّا النظر في تدارك ما به الخروج عن الصحة، فإن كان قد أوجب مرضاً فسيأتي الكلام عليه في الامراض، أو عرضاً يسيراً فأما ان يريد صاحبه نقل المزاج الفاسد إلى مزاج صالح في الغاية، و هذا يتم بطول في التدبير و ملازمة و وقوف عند رأي الفاضل الحاذق، أو يريد مجرد الرجوع إلى ما به يعد صحيحاً في الجملة، و هذا يكون بالتزام ما ذكرنا من الاسباب كلها على الوجه المذكور. و من الناس من يصح صيفاً مثلًا دون غيره فيستعمل المسخنات، فإن به صلاحه قطعاً، و كذا الكلام في السن و الصناعة و باقي الطوارئ.
و يجب تعاهد الاستفراغ و تفتيح السدد و تنقية
ص: 190
التخم واخذ المعاجين الكبار و السوطيرا واخذ التين و القرطم(1) غالباً و الكموني عند حدوث الرياح، و دواء المسك عند الخفقان و معجون العنبر عند تغير الرأس، و القي ء عند الامتلاء و فرط السكر، و الرياضة عند حدوث الكسل. و على السمين هجر الحلو و اللحم و تكثير الحوامض و المشي و الشرب على الريق، و على المهزول عكس ذلك. و من أسرع إليه المرض فجأة ثم صح بأدنى سبب، فليحذر على مزاجه و لا يدعه هملًا فانه لطيف، و أقل ما يجب تدارك البدن في رؤوس الفصول فإن الصحة فيها سريعة التغير؛ لشدة تاثير الزمان في السكون.
زمن الصحة بامراض تأتي
ذكرناها هنا لأنها بتدبير الصحة اشبه من باب العلامات كما فعل الشيخ في القانون:
إذا حدث الخفقان بلا موجب، قال الشيخ: يجب تدبيره لئلا يفضي ء إلى الموت، كذا اطلقه، و عندي: انّ الخفقان إن أحس به من النبض وزاناً بوزان ففرط حرارة فقط. علاجها التدبير بالتبريد و إلّا جاءت امراضها كالغشي ء، و إن اشتد تحرك القلب مع سكون باقي الانباض أنذر بالموت لا محالة و لا فائدة للعلاج.
و الكابوس مقدمة الصرع و امتلاء البدن بالسوداء و الدوار، و كثرة الاختلاج العام دليل البلغم و أمراضه كالتشنج و السكتة و كالاختلاج تقدم الكدورة و الكسل بلا حرارة، هذا أن عم، فإن خص الوجه فدليل اللقوة و فساد الدماغ خاصة و مع الحرارة في الحالين دليل فرط الدم و الحاجة إلى الفصد، و تقدم الخدر دليل الفالج، و اختلاج الوجه دليل امتلاء الدماغ و اللقوة و الدموي، و الصداع دليل البرسام، و الغم و الخوف دليل الماليخوليا، و كمودة الوجه دليل الجذام و كذا حمرة العين و استدارتها، و التهيج دليل ضعف الكبد، و الاستسقاء و قلة البراز تنذر
ص: 191
بالحمى و العفونة و كذا البول و وجود الاعياء و الكسل و سقوط الشهوة و تغير العادات كعرق لم يكن يعتاده ينذر بورود مرض مطلقاً.
و النظر في ذلك إلى الحاذق فإن كان المتغير النوم فإن المرض سيكون في الدماغ أو الاكل ففي المعدة أو الجماع ففي الأعضاء الرئيسة و هكذا.
و دوام الصداع و الشقيقة ينذر بالكلى و رؤية كالذباب أمام العين تنذر بالماء و كذا ضعف البصر و ثقل الظهر، و الخاصرة ينذر بالكلى و عدم صبغ البراز باليرقان و حرقان البول بالقروح و الحصى و الاسهال المحرق بالسحج و سقوط الشهوة مع القئ بالقولنج و كذا وجع الاطراف و حكة المقعدة بالديدان و إلّا البواسير، و السلع و الدماميل بالدبيلة و القوابي بالبرص، فهذه علامات يجب التفطن لها و العمل بها حين تقع فإن ذلك موجب دوام الصحة.
لا شك أن السفر غير طبيعي فصاحبه معرض للافآت لتغير الماء و الهواء و مفارقة كثير من مألوفاته فاحتجنا إلى العناية بافراد الكلام عليه فنقول:
يجب عليه تقليل الغذاء و الماء؛ لئلا يفسد بالحركة و أن يكون تعاطيه وقت النزول، فإن تعذر جعل الاكل تنقلًا شيئاً فشيئاً و أن ينقي بدنه عند السفر من كل ما كان غالباً من الفاسد أي خلط كان و يقلل من البقول و الفواكه ما أمكن لسرعة التعفن.
فإن كان سفره براً أكثر من المرطبات الملينة خصوصاً في الصيف، و إن خاف كثرة الاكل و كان شديد الشهوة و خشي فراغ الزاد صحب معه ما يغني عن الاكل زماناً طويلًا مثل الكبود المجففة إن سحقت مع مثل بزر الخشخاش و اللوز و عجنت بالشحوم فإن قليلها يغني عن كثير غيره، و أن يصحب ما يمنع فساد الهواء كالبصل و الثوم و النعناع و التفاح المرضوض مع الزبيب و السماق(1) و قد عجنت
ص: 192
بشي ء من الخل تجعل في المياه فتطيبها و تزيل تغيرها مطلقاً.
و إن كان في البحر شرب من مائه أولًا تقيئه ثم يطلي وجهه بالخل و يأخذ ما أمكن من الربوب الحامضة، و إن كان الهواء وبائياً صحب معه العنبر أو اللاذن أو دهن البنفسج، و إن كان في الشتاء صحب ما يمنع دهنه شقوق الاطراف مثل الزيت المغلي فيه الثوم و دهن الصوابي. و في القانون: أن شرب أربع أواق من دهن البنفسج ممزوجاً بالشمع تكفي عن الاكل عشرة أيام.
و مما يعرض للمسافر قلة الماء فينبغي أن يصحب ما يمنع العطش كبزر الرجلة المسحوق في الاقط(1) و مزج الماء بالخل و هجر الموالح و الكوامخ(2) واخذ سويق الشعير و الدوغ(3) و من اشتد به الحر و العطش فلا يبادر إلى الماء الصرف بل يشرب القليل ممزوجا بدهن الورد أو الخل حتى يسكن العطش، ثم يشرب و يحفظ اطرافه من الحر بالطلي بعصارة الرجلة و الاسفيداج و بياض البيض و دهن الورد و ماء الكسفرة قيروطياً. و قد ذكرنا ما يمنع البرد أيضاً لكن قال الشيخ: إن من تدبير منع البرد في السفر أو الحضر شرب درهم من الحلتيت في رطل من الشراب يمنع البرد مطلقاً و كذلك دهن السوسن(4) كيف استعمل، قال: و يحذر من انكاء البرد القرب من النار بل يتدثر و لا شي ء للاطراف كالقطران(5) و الثوم و القنا(6) و اللاذن، و اذا بلغ البرد اعدام الحس فالنطول بطبيخ السلجم(7) و الشبت و البابونح و الفوتنج(8) و النمام(9) فإن اسَّود العضو شرط و هو في الماء الحار و دثر، فإن تعفن عولج و لطخ المتعفن بما يأكله لئلا يفسد غيره.
و من التدابير العامة تصعيد الماء أو تقطيره أو جره بالعلقة و وضع بزر الكرفس(10) فيه أو حب الآس أو الشب أو الطين الخالص، و إن كان من طين بلده فهو الغاية، و قد يصلح الماء بعض الاصلاح مزج ماء كل محل بالذي يليه؛ لدوام المناسبة.
ص: 193
الفصل الأول: في الصحة و فيه مباحث:
و هي تطلق على انحاء كثيرة، حاصلها اجتماع الصحة و المرض في جسم واحد.
اما لكون كل ليس في الغاية كالطفل و الناقه، فإن كلًا منهما ليس بقادر على الافعال الشاقة كالصحيح، و لا عاجز عن غذاء بوجع و نحوه كالمريض، أو يجتمع كل منهما في وقت واحد لكن تكون الصحة مثلًا في المزاج و المرض في العضو و العكس، أو كل في عضو، أو يكونا في المقدار و الوضع، أو احدهما في الرطوبة و الآخر في اليبوسة و العكس، و كذا الحرارة و البرودة أو يكون بالنسبة إلى الوقت، فصحيح في الصيف مريض في غيره.
فهذه اقسام هذه الحالة كلية و إن كان في الامكان أن تجزأ إلى غير ذلك كتجزئة الفصول و السن و غيرهما. و قد أنكرها قوم محتجين بأن البدن اما صحيح أو مريض. و في الحقيقة لا منافاة بين ايجاب هذه الحالة و سلبها؛ لانا إن عنينا بالصحة و المرض جملة البدن و كون كل في الغاية فلا واسطة و الا ثبتت.
و يشتمل على مباحث:
و هي اما بحسب المحل كذات الجنب، أو الاعراض كالصرع، أو الوقت كبنات الليل، أو الشبه كداء الفيل، أو بحس ب من عرضت له من اسم و بلد كالقروح البطلانية و البلخية، أو بحسب الاسباب كالسوداوية، أو بحسب
ص: 194
الذات كالحمى.
ثم هي كيف كانت اما بسيطة باردة تسمى طويلة الزمان أو مُسلَّمة لا مانع من علاجها كالحمى، أو غير خالصة كالكائنة بين عضوين مشتركين كالارنبة و الساق و الابط و القلب، أو خفية تدرك بالحقيقة اما بسهولة كالمعدة أو تدرك بالتخمين لغورها كأمراض المثانة، أو منتقلة إلى اصعب منها كذات الجنب إلى ذات الرئة، أو معدية كالجذام و الرمد، أو موروثة كالبرص و اضدادها. هكذا قسم الفاضل الملطي، و فاته أن منها ظاهراً كالقوباء و عاماً كالحمى و خاصاً اما بعضو بحيث لا يتصور في غيره كالصمم في الاذن أو يتصور كالنقرس، و إلى ما يكون سبباً لغيره كحمى الدق، و ما يحدث عنه فساد في غير محله كالاستسقاء، و ما يوجب قطع النسل أو نقص الشهوة كفساد الصلب و نزول الماء، و إلى مفرده من نوع واحد مزاجاً أو تركيباً، و الاول: يسمى «سوء المزاج»، و الثاني: التركيب و يكون عنهما ثالث يسمى «تفرق الاتصال».
فهذه اصول الاجناس، و يندرج تحتها انواع بالنسبة إليها اجناس لامراض آخر تحتها. و سنفصل كلًّا مع سببه ان شاء الله تعالى.
إذا عرفت هذا، فسوء المزاج هنا كما مر في القسمة صدر الرسالة اما ساذج أو مادي، و كل مؤلم بذاته على الاصح لا بتفرق اتصال خلافاً لجالينوس، و على التقديرين اما مستوٍ تبطل معه المقاومة كالدق و اوجاع الصدر أولا، كالصداع المحرق، هكذا قال الشيخ. و ذهب جالينوس و كثير من المتأخرين: إلى أن المرض المستوي، هو الظاهر مثل البرص و غير المستوي، هو الخفي كضعف الكبد، و صوبه الملطي.
و اقول: إن المستوي، هو الكائن عن خلط واحد في عضو واحد كالبلغم في العصب للمناسبة؛ لأن المقاومة و عدمها بحسب القوة و الضعف، و الظهور و الخفاء بحسب قوة الخلط و قوة الغريزية؛ لانا لم نشاهد ابرص محرور المزاج و لا ذا حكة مبروداً ما لم يكن
ص: 195
لعارض آخر. و قيل المستوي العام كالحمى و عكسه العكس كداء الفيل. و نسب هذا إلى المسيحي و جماعة و هو غير بعيد مما ذكرنا.
ثم امراض سوء المزاج غير مؤلمة بالذات عند جالينوس و قال الشيخ: بل بذاتها. و هو الاوجه و إلّا لما آلف المنافي كالاستحمام بالبارد ثم بالسخن منه.
و ينقسم سوء المزاج إلى خاص بعضو و إلى عام. فالاول من الحار: الصداع، و الثاني: الدق، و كذا البارد كبرد الاصابع و الجمود المطلق، و الرطب كتر هل الوجه و مطلق البدن، و اليابس كتشنج عضو و الذبول، و كذا المادي؛ لانه عبارة عن كون المرض عن الخلط تام من احد الأربعة. و هذا مبني على ما تقدم من كون الامزجة تسعة، و قد علمت مذهبي فيه.
و اسبابها: اما من داخل كالعفونة للحار و استفراغ ضده، أو من خارج كحركة بدن أو نفس أو مجاورة حار كالشمس أو اخذ فلفل، و كذا الحكم في باقي الكيفيات.
و مما يوجب التبريد الشبع المفرط لغمره الحرارة و الجوع لقوة التحلل و مثله الحركة العنيفة و السكون المفرط، و قد تصدر الاضداد عن واحد كالتكثف لكن لاعتبارين مثلًا فاكثر و إن اتحد الاصل. فلا يرد جواز صدور التكثر عن واحد فاعرفه.
و اما المادي فتزيد اسبابه على ما ذكر: قوة الدافع و ضعف القابل وسعة المجرى، فيكثر المنصب و العكس و تسفل عضو فيسهل الانصباب و ضعف الهاضمة و قطع عضو فتتوفر مواده و ترك عادة استفراغ.
و يسمى المركب، و اجناسه أربعة:
الأول: مرض الخلقة، و يكون اما في الشكل كتغير العضو عن شكله الطبيعي كتسقط الدماغ أو في التجويف كأن يتسع المجرى أو يضيق أو ينسد اصلًا أو يخلو كذلك أو في المجاري كذلك. و الفرق بين التجاويف و المجرى أن الأول لا بد أن يكون حاوياً لشي ء كمخ العظم مثلًا
ص: 196
بخلاف المجرى أو في السطح كخشونة ما شأنه الملاسة كالمري و العكس كالمعدة.
و سبب الأول اما قبل الولادة كضعف القوة المصورة و فساد المادة في الكم أو الكيف، كاستعصاء اليابس عن التمدد و زيادة الكم فيكبر الصغير، أو وقت الولادة كخروجه غير طبيعي ليبس مثلًا، و قد عرفت ذلك، أو بعدها مثل اختلال التقميط و مشى قبل اشتداد العضو أو ضربة أو لفساد الحضانة أو خطأ في الجبر من قبل الطبيب أو المريض كأن يحركه قبل اشتداده.
و سبب الثاني و الثالث: انضغاط يضيق أو يسد و قوة الماسكة و ضعف الدافعة أو غلبة البرد و اليبس أو أخذ قابض أو مفتح أو وقوع شي ء غريب أو اندمال قرح أو اخذ مخشن كالحامض أو مملس كالصموغ و الالعبة، و هذا سبب الرابع أيضاً. و ما اوجب الضيق اوجب عكسه العكس فافهمه.
و قد تكون امراض السطح من سبب داخل كانصباب حرّيف يخشن و العكس.
الثاني: أمراض الغدد، فتكون اما بالزيادة الطبيعية كأصبع زائدة على النظم الاصلي، أو غير طبيعية كأصبع في ظهر الكف، و سببه توفر المادة و قوة المصورة فإن كانت طبيعية كانت الزيادة كذلك و إلّا فلا، أو في النقص كذلك، و سببه عكس الأول.
الثالث: مرض المقدار، و هو اما عظم طبيعي كالسمن المناسب و نتوء الأعضاء، و هذا إن كان جبلِّيا فسببه كزائدة الغدد و الا فتوفر الاغذية.
أو غير طبيعي، و سببه قبل الولادة اسباب الزيادة الغددية غير الطبيعية، أو ناقص كصغر العين أو عدمها مثلًا، و اسباب هذا أولًا كأسباب النقص في الغدد، و قد يكون لنقص في الجنسين من خارج كقطع و حرق.
الرابع: أمراض الوضع، و تكون اما فساداً في عضو كاعوجاج اصبع، مثلًا، أو في اثنين مشتركين، و حينئذ إما أن يمنع احدها عن الحركة إلى
ص: 197
الجار أو عنه، و السبب تحجر المادة في المفصل أو كونها اكالة فرقت الاتصال أو التحام قرح سبق الخطأ في علاجه، و قد تكون هذه أيضاً جبلِّيةِّ فتكون اسبابها اليبس إن كان قد سكن المتحرك و الا الرطوبة كخروج الفخذ من محله لسلامة الاربطة، و قد يكون ذلك عن سبب خارج كخطأ في جبر أو حركة عنيفة.
و يسمى «المشترك»؛ لوقوعه في البسائط و المركبات، و هو مؤلم بنفسه على الاصح لا بواسطة المزاج الفاسد. و ما قيل: من انه لو كان مؤلما لكان الغذاء كذلك؛ لانه يفرق عند النمو مردودٌ بكون تفريق الغذاء طبيعياً مألوفاً، و من انه لو كان مؤلماً لاشعرنا حال الجراحة بالوجع مردودٌ أيضاً بأن الالم مشروط بالعلم قبل الوقوع، و لو وقعت الجراحة عن علم سابق حصل الالم قطعاً كما في الشرط و البط. ثم لهذا المرض بحسب وقوعه اسماء فانه إن وقع في الجلد فهو الشدخ و السحج أو في اللحم حديث العهد فجرح و غيره قرح، أو في العظم فكثير الاجزاء، تفتتٌ و في الطول صدعٌ و في العرض كسرٌ. و الغضروف كالعظم أو في العصب عرضاً فبتر أو طولًا فشق، و إن كثر العدد فشدخ، أو في العضل ففي الطول هتك و العرض جزء، و الغائر في كثير العضل فدح. و كل ما كثر فهو الرض و الفسخ، أو في الاوردة ففي الطول فجر و العرض قطع. و فصل و قد يقال لطولها صدع أيضاً، أو في الشرايين فأم الدم، أو في الاغشية، أو في المركبات فإن أزالت العضو فخلع أو نقّصت أفعاله فوهن أو صدعته فوثي.
و اسباب هذه اما من داخل كانصباب مادة و احتباس خلط أو ريح، أو من خارج و هي كثيرة كالقطع و الحرق.
ص: 198
قد علمت وجوه تقسيم الامراض، و من ذلك كونها حادة أو مزمنة، فاعلم: آن بهذين الاعتبارين للامراض مراتب و اوقات ينتفع بها في الحكم و العلاج، و هي أن المرض إن اسرعت حركته و كان الغالب فيه التلف فحاد و الا فمزمن. و قد توهم قوم: أن الحاد ما كان عن حر. و ليس كذلك، فقد وقع الاجماع على كون التشنج و السكتة حادين مع أن الغالب أن يكونا على خلط بارد. و قول: الملطي أن الحصر في النوعين غير ظاهر؛ لأن حمى الروح حادة و هي سليمة مدفوع: بأن الشرط اغلبيٌ و هو العطب في الحاد.
ثم الامراض الحادة اما اصلية و هي ثلاثة حاد في الغاية، و هو ما انقضى بجريانه في الرابع و متوسط في السابع و حاد مطلق في الرابع عشر إلى العشرين، أو متنقلة و هي ما انقضت بما بعد العشرين إلى الاربعين فإن جاوزت فهي المزمنة، و مراتبها غير محصورة لتعلقها بالادوار الكبار فقد تستوعب العمر، و انما كانت الحادة شديدة الخطر؛ لعدم زمن يتمكن فيه من التداوي و استحكام الادلة و لحدة المادة فتفسد، و سرعة جريانها فقد تسقط دفعة على عضو شريف بخلاف المزمنة.
و اما الاوقات التي تخص كل مرض، فقد أجمعوا على انها أربعة؛ لأن القوة اما أن تكون مغلوبة مع المرض، لكن غلبة غير ظاهرة و هذا هو زمن الابتداء، أو اختناق الحرارة الغريزية المعبر عنها بالطبيعية مع الغريبة الموسومة بالمرض، أو تكون غلبة المرض على الطبيعية ظاهرة لا في الغاية و هو التزيد أو يتساويا و هي الانتهاء، أو تظهر القوة على المرض و هو الانحطاط، كذا قالوه. و هو غير جيد؛ لجواز أن يكون ظهور القوة ناقصاً فلا يكمل الانحطاط أو تاما و هو الصحة، و أيضاً يقال في المرض انكم قلتم اما أن لا يظهر كما في الابتداء أو يظهر لا في
ص: 199
الغاية كما في التزيد فلأي شي ء لم يكن ظهوره في الغاية وقتاً اخر، ثم زمن الابتداء الذي عنيتم ظهور المرض فيه إن كان قد بدأ للحس فهو ظهور و الضابط بخلافه، و هذا الظهور لا يمكن حين يبدو للحس لا يخلو اما أن يكون ذلك الوقت هو ابتداؤه، فيلزم حدوث مرضٍ بلا سبب، أو يكون قد تقدم الفساد فيصير وقت آخر للمرض، و هو الصحيح.
و الذي أختاره: أن الاوقات سبعة، و هذه غير لازمة في كل علة؛ لجواز علة المرض قبل بعضها؛ لأن الابدان منها لطيف في الغاية لا يحتمل مقاومة العلل خصوصاً إذا اشتدت كما في الوباء. و كلما كان المرض ألطف مادة كان ابتداؤه اطول كما في الغب فإن غلظت المادة لا في الغاية كان التزيد اطول كما في المواظبة، أو فيها فالانتهاء كما في المطبقة.
و اما طول الانحطاط في المحرقة فلأمرين، احدهما ما ذكر، و الثاني؛ لشدة لذع المادة فتخلف النكاية بعد الاقلاع، و قد اشار الفاضل الملطي إلى أن هذه الاوقات تكون كلية بالنسبة إلى مطلق المرض، و قد تكون جزئية في النوب. لاشتمال كل نوبة عليها، و هو بحث في غاية الجودة، و اسبابها معلومة من المادة، و حالاتها كما هو في طي العبارة. فهذه احكام الحالات الثلاث.
تتمة: تشتمل على باقي اللوازم
و هي امور عدها قوم من الطبيعيات توهماً منهم في وجه الحصر، و قد مر تحقيق الحق و تزييف غيره.
فمنها: الاسنان، و قد مر تفصيلها في المزاج، غير انه يجب أن تعلم أن كل سن منها يختص بمزيد حدوث امراض لمناسبة هناك، و فائدة ذكر هذه الوثوق بالصحة و عدمها لأن المرض الرطب مثلًا إذا حدث لمرطوب في زمن وسن و بلد كذلك كان احتياجه إلى المجففة أكثر و بالعكس، و يكون غير مستنكر. فما يكثر في الاطفال القلاع. لما في اللبن من الجلاء و القي ء و الربو و السعال؛ لامتلائهم باللبن و ضعف
ص: 200
معدتهم عن الاحالات و الاسهال للتخم و السهر لفساد القمط، و ربما كثر الاسهال وقت نبات الاسنان؛ لامتصاص القيح و رطوبة الآذان لرطوبة الرأس و الحميات المحترقة، و اختلاف الدم للتخم، و الصرع البلغمي لفساد المعدة خصوصاً بمصر، و ربما طال زمنه و قل أن يبرأ. و الشبان الصرع الحاد و الصفراوي و الحميات المحرقة. و اختلاف الدم لحدة المواد و بطلان النمو، و الكهول لاختلاف أول السن لقربهم من مزاج الشباب و الحميات السوداوية و الجفاف، و المشايخ ضعف الهضم و سيلان الرطوبات؛ لفرطها و لين الطبيعة، و تقطير البول و الرعشة؛ لاستيلاء البلغم، و ضعف البصر؛ لقلة الروح.
و منها: السحنة، فكثيراً ما يطلقها جهلة هذه الصناعة على اللون، و هو غلط و الصحيح أن السحنة، هي ما يظهر من هيئة الأعضاء فإن كانت بارزة كبيرة الحجم دلت على الحرارة و القوة. ثم هذه إن كانت جبِلِّية فلغزارة المادة أو مكتسبة فلقوة الغاذية و النامية و بالعكس.
و منها: الذكورة و الانوثة، و قد وقع الاجماع على أن الذكورية من حيث هي احر من الانوثة من تقابل المجموع بمثله لا الجميع، و سبب الحرارة فيهم قوة القوة و غزارة المواد، قالوا و قد يكون السبب في توليد الذكورية حرارة الغذاء و وقوع النطفة في الجانب الايمن من الرحم و بالعكس و منها، الالوان، و هي تابعة للاخلاط حيث لا مانع، و قد تقدم في الامزجة تقدير ذلك.
و منها: السمن و الهزال، و يكونان بالنظر إلى اللحم وحده أو الشحم اولهما، و كلّ اما خلقيٌ، و سببه في جانب السمن حسن تصرف القوى و مشاكلة الغذاء و اعتدال النمو بالعكس، و أما المكتسب فبالتداوي فإن السمن يتحصل بملازمة اللحم و الحلاوات واخذ ما له دهن من النقل كالفستق و الصنوبر و الخشخاش و النارجيل، و الراحة من الحركات النفسانية المؤلمة اصلًا و البدنية غالباً، و الدلك الناعم و رقيق الثياب،
ص: 201
و الهزال بالعكس. واخذ ما يعمل فيه بالخاصية كالنعناع و السندروس(1) و الخل و القديد و الكوامخ، و بين كل واسطة هي الاعتدال، و يستدل على السمن اللحمي بالتلزج و صلابة الملمس و ميله إلى الخشونة و الحرارة، و الشحمي بالعكس، فهذا تمام القول في لوازم الابدان.
ص: 202
و تسمى ( (الادلة و الانذارات))، و بقراط يسميها ( (تقدم المعرفة)) لانها تعرف الطبيب ما سيكون، و هي قسمان:
جزئية، مثل الدلالة على مرض مخصوص أو خلط.
و كلية، و هي الدالة على مطلق الاحوال، و كلها اما منذرة بما سبق أو حضر أو يأتي، و كل اما مخبر عن صحة كاملة أو ناقصة أو مرض كذلك أو عدم كلى، فهذا نهاية ما يقال في تقسيمها و نحن نستقصّي القول فيها ان شاء الله تعالى و نفرض الكلام فيها على قسمين:
قد مر أن الافعال غايات القوى فهي إذا ثلاثة مثلها، و الاعراض انما تلحق الفعل لينشأ عنه المرض، و العلامات و الاعراض محصورة في ضرر الفعل و ما يتبعه، و التابع محصور في حال البدن و ما يبرز منه. و كيف كانت فهي اما بطلان أو نقص، و كلاهما عن البرد غالباً، أو تشويش و يكون عن الحر كذلك، فالواقع في الطبيعي منها.
اما في القوة الهاضمة، كبطلان الهضم أو نقصه أو تشويشه، و مثلوا التشويش بحدوث الرياح و القراقر، و هذه تكون عن برد فكيف تسمى تشويشاً؟.
ص: 203
و يمكن الجواب: بأن يكون المراد الحرارة الغربية، أو في الجاذبة، و يقال لبطلانها الاسترخاء و تشويشها التشنج و الارتعاش، أو في الماسكة، فبطلانها الازلاق و نقصها القراقر و تشويشها الفواق، كذا قاله الفاضل الملطي؛ و فيه نظر: من أن الفواق اجتماع ارياح في فم المعدة و متقضى الحر تفريغها، و من كون الحرارة يجوز أن تكون بعيدة عن موضع الاجتماع.
أو الدافعة، فبطلانها القولنج و نقصها بطء نزول الغذاء و تشويشها خروجه، كذا قال أيضاً او يشكل موضع الازلاق. و الفرق بينهما خروج الغذاء بصورته في الازلاق بخلافه هنا.
أو فيما بعد ذلك من باقي الهضوم فيكون الضرر في نفس الاخلاط، ففي هاضمة الكبد يكون بطلانها نحو الاستسقاء و تشويشها مثل بول الدم، و بطلان دافعته كذلك و ماسكته الدوسنطاريا و في هاضمة ما بعده يكون بطلانها مثل سقوط الشهوة و السل و نقصها الهزال و تشويشها نحو البرص، و في الحيواني يلزم من بطلانه بطلان النبض و نقصه النقص و تشويشه الاختلاف، و سيأتي ما فيه.
أو في الفعل النفساني، و ينقسم كأقسامه السابقة.
فبطلان الباصرة العمى و نقصها العشا و الظلمة، كذا قاله الفاضل الملطي. و ليس كذلك؛ لأن النقص هنا إن استمر فضعف البصر و الا فالآفات القرنية و إن خص الليل فالعشا أو وقت الجوع فضعف الدماغ فعكسه البخار، و الا مطلق الظلمة، و تشويشها تخيل ما ليس في الخارج، و هذا الضرر إن كان خاصاً بالجليدية عن سوء مزاج رطب او بارد فالكدورة أو حار أو يابس فعدم الرؤية من البعد خاصة، أو عن مرض آلي فإن ازالها إلى خلف فالكحولة أو قدام فالزرقة حيث لا حرارة و الا الشهولة، أو إلى غيرهما فالحول و رؤية الشي ء اثنين إن ازال إلى الفوق و التحت معاً، أو عن تفرق اتصال فبطلان الرؤية و اصناف القروح، أو بمجرد الروح الباصرة فاما أن يغلظ و يكثر و يلزم رؤية البعيد
ص: 204
خاصة على القول بخروج الشعاع فإن الهواء يلطفه، و على القول بالانطباع تكون العلة عدم المطاوعة، أو يكثر و يلطف، و هذا يلزمه رؤية البعيد بالاول و القريب بالثاني، و لعكسهما حكم العكس.
إذا عرفت هذا، فذكرهم القسم الثاني في مباحث الاعراض غير جيد؛ لانه ليس بمرض و لا مضرور بالاعراض. او باقي الآلات، فإن تعلق بالعنبية فأوسع ثقبها فرديٌ و إن كان جِبلِّيَّاً للزوم تبدد الروح الباصرة أو ضيقه كذلك فجيد لاجتماعه، لكن لا يخلو الضيق الحادث من ضرر إن انخرقت القرنية للزوم استفراغ الرطوبة البيضية في تماس الجيليدية القرنية و هي صلبة عليها فتؤذيها حينئذ، و لتبدد البصر بذلك الانحراق أيضاً أو بالبيضية من حيث الكم فإن كثرت منعت الابصار أو قلت تلاقي الضوء مع الجليدية فيتفرق و يلزمه مثل ما يرى الرائي في المرآة التي لا رصاص فيها. أو الكيف، فإن كان في اللون لزم أن يَرى من جنس الغالب كالاشياء الصفراء إذا غلبت الصفراء و هكذا، أو القوام فإن لطفت صح الابصار في القرب خاصة أو غلظت كلها فهذا هو الماء عند فولس و غالب اهل الصناعة؛ لما سبق من انها غذاء الروح.
و الصحيح أن الماء غير هذا كما سيآتي في الجزئيات. أو غلظ بعضهم اجزاءها فإن كانت متفرقة لم تضر خصوصاً إن رقت، أو متصلة فإن كانت حول الثقب منعت رؤية الأشياء المتعددة دفعة واحدة أو في وسطه خيلت نحو الكوتات و الطبقات أو بالقرنية ضر مطلقا غلظ أو جف أو فرق أو بالاجفان فكذلك لانه إما أن يقلص فتفسد بالبرد أو الحر أو يرخى فيمنع البصر أو يغلظ فكذلك و ستأتي مباحث هذه الامراض.
و السامعة، فبطلانها الصمم و نقصها الطرش و تشويشها فساد السمع، و تكون الآفة في ذلك اما من قبل منبت العصب و هو البطن الأول، و إن كان من جهة الرطوبة فسيلان الاذن، أو البرودة فالوجع القليل و الثفل
ص: 205
أو الحرارة و اليبس فالنخس و التشنج أو العصب نفسه فالسدة و الطنين أو الثقبة فالدوى، و الثقل فإن كان عن رطوبة فالقروح و الديدان و الا فمجرد الثقل أو الصدفة فنحو القروح و الحكة أن استحال مزاجها إلى خلط لذّاع، و لا فالتقلص و الضيق إن جف و الا العكس. و الشامة، فبطلانها الخشم و نقصانها ضعف الادراك و تشويشها اختلافه، و كل اما من قبل الرأس عن برد و رطوبة أو حر فالزكام أو يبس فعدم تمييز الرائحة؛ لعدم تكيف الهواء، أو عن عفونة فعدم ادراك الطيوب خاصة، أو عظم المصفاة فعدم استلذاذ الهواء، أو مجرى الانف فنحو البواسير و الشقوق.
و الذائقة، فبطلانها و ما بعده كذلك، و يكون اما عن فساد الدماغ و هو ضعف الاعصاب و انصباب الخلط و نقص الذوق حال الوقوف و القعود و رجوعه حالة الاستلقاء، أو عن العصب المبثوث في آلاته و هي انواع النوازل كالمباشرة و البادشان، و عن جرم اللسان نفسه و هو أمراضه الخاصة فإن كان عن الرطوبة فالثفل و الدلاعة أو اليبس فالتشنج و عسر البلع. و اللامسة بطلانها الاسترخاء و نقصها الخدر و تشويشها التألم عند الملاقاة. و كيف كانت فالآفة الموجبة لما ذكر ان صدرت من قبل الدماغ اللازم له تغير حس جميع البدن لما عرفت من أنه أصل جميع الاعصاب و الا فلكل حكمه، فإن الآفة إن كانت حيث ينقسم النخاع كان المتغير حس ما يلي العنق خاصة و هكذا. و الكلام في اعصاب الحركة كالكلام في الحس، و لا خلاف في أن الآفة الموجبة للضرر المذكور تكون اما من داخل كفساد الاخلاط أو من خارج كملاقاة المضاد.
فرع :قال الفاضل الملطي: اقوى الحواس ادراكاً اللمس؛ لكثافة الاعصاب فيبقى الادراك زمناً، قال و اضعفها البصر ثم الشم ثم السمع ثم الذوق، و في هذا الكلام نظر؛ لأن تعليله بالكثافة يوجب الضعف قطعاً
ص: 206
فينعكس ما قاله. و الذي يتجه عندي: أن اقوى الحواس ادراكاً الذوق؛ لأن الرطوبة تنشره و ما يؤدي منه متعلق بالظاهر و الباطن، و اسرعها ادراكاً البصر، و كأنه اشتبهت عليه السرعة بالضعف، ويلي الذوق في الزمن السمع، لتردد الهواء في التفاريج خصوصاً إِنْ اتسع الغضروف فانّا نشاهد أن الشخص كلما حَلَّق بيده على اذنهِ اشتد سمعه؛ لكثر ما ينحصر من الهواء، ويلي البصر في السرعة الشم، هذا هو التحقيق فيها، و قد مضى القول في التكيف في التشريح. فهذا ما يتعلق بالظاهرة.
و اما الباطنة، فبطلانها اصلًا هو السكتة و نقصها الصرع و تشويشها الاختلاط و إن اعتبرت كلا على حدة فبطلان الخيال عدم التخيل و تشويشه اختلاطه، و هكذا البواقي و يسمى تشويش الفكر حُمقاً و الذكر نسياناً، و اسبابها الموجبة في آفاتها بخارات الاخلاط من داخل، و ما له كيفية كالخمر و البنج و نحو الضربة و حجامة النقرة من خارج، و قد مثلت الحكماء قوة العقل في صفائها و تكدرها لقبول انطباع صورة هذه المعقولات بالمرآة في انطباع المحوسات ليس بينهما الا عموم القوة المذكورة، و قد تكون الآية من حيث هي من قبل قوة واحدة كما يكون تشويش الذهن بتصور مناف كما في الماليخوليا، و ربما كان بمعونة واحدة من الظاهر فأكثر كالعشق فانه و إن كان من قبل النفس ربما ولده نظر أو سماع، و قد يكون من قبل اثنين كما قيل في السعال انه من قبل الطبيعة أوّلا يقذف الخلط فتكمل النفسية اخراجه، و قد تكون البادية هي النفسية كما في العطاس، فالعوارض لا تبرح مترددة بين الثلاثة افراداً و تركيباً بداية و اتماماً، و هذا البحث إذا اتقن كان هو السبب الاعظم في عدم الخطأ في العلاج و في رد كل إلى اصله الا أن ملاك الأمر فيه جودة الحدس و صحة الفكر و حسن النظر و طول التأمل.
و أما التابع لضرر الفعل
ص: 207
فقد عرفت انه اما سوء حال البدن في مخالفته المجرى الطبيعي فيما يدركه البصر كاسوداد البدن و تغير شكله في الجذام أو بالسمع كأصوات الريح و القراقر أو بالشم كرائحة نفث السل و عرق العفونة أو باللمس كفرط الحرارة مثلا. و اختلفوا هل منها ما يدرك بالطعم؟ فنفاه قوم، و هو الصحيح. و أثبته اخرون و عجزوا عن تمثيله. و اما حال ما يبرز منه فتارة يكون طبيعياً كالرعاف عن الامتلاء الدموي، و أخرى غير طبيعي كفصد الخطأ، و كل إما من جنس البدن كالبول أو غريب كالحصا، و كل اما زائد الكم كبول الزربان أو ناقص كبول الاستسقاء أو معتدل، و كل إما جيد الكيفية ككون البول نارنجياً أو فاسدها كسواد البراز ورقته، و كل إما مؤجل كعلمنا بأن من ظهر في اجفانه ثلاث بثرات احدها سوداء و الأخرى شقراء و الأخرى كمدة فانه يموت في الرابع، هذا في القصار، و اما في الطوال فعلمنا بأن من اجتمع في وسط رأسه أو اسفل صدره ورم كالجوز أسود غير مؤلم فانه يموت في الثاني و الخمسين قبل طلوع الشمس، فهذا حال مطلق الاعراض. و بسببها انقسمت العلامات إلى ما يدل على الخلق و يسمى هذا القسم بالفراسة، و على الحالات الثلاثة و يسمى العلامات مطلقاً عند الطبيب و الا فبعضها عرض يكون عنه المرض، و بهذا الاعتبار و عمومة العلامة تفترق العلامات و الاعراض، ثم هي باعتبار الزمان يخص الانتفاع بالماضي منها الطبيب خاصة لحصول الوثوق به فلا يختلفون عليه كما إذا اخبر عن عرض النبض و البلل بعرق سبق، و الآتي يخص المريض في عدم الوهم كاخباره من اختلاج الشفة السفلى بقئ يأتي و الحاضر ينفعهما معاً كالاخبار من سرعة النبض بالحرارة، كذا قالوه. و عندي: أن الوثوق بالآتي اشد حصولًا من الماضي، لعدم الريبة فيه.
ثم العلامات مطلقاً قد تدل على الأعضاء البسيطة و قد
ص: 208
تكون دلالتها على التركيب. فالاول: مثل دسومة البول على ذوبان الشحم، و الثاني: مثل صدق حمرة الدم على ( (دوسنطاريا)) الكبد، و على كل اما أن تدل على ما خفى كما قلناه أو ظهر و هذه هي الفراسة، و قد افردناها بالتأليف و لسنا بصدد استيفائها هنا، لكن نشير منها إلى ما له دخل في الصناعة.
الفراسة، علم بأمور بدنية ظاهرة تدل على ما خفي من السجايا و الاخلاق. و أول من استخرجه فليمون الرومي الطرسوسي في عهد المعلم فقبله و اجازه، ثم توسع الناس فيه حتى استأنس المسلمون له بقوله عز و جل (ان في ذلك لآيات للمتوسمين)(1) أي: المتأملين في تراكيب البنية و تناسب اجزائها و ارتباطها بالاصول.
و علامات هذه الصناعة، اما فعلية كسرعة الحركة على الحرارة، أو بدنية كامتلاء الأعضاء عليها و كبر الدماغ على العقل و كلها اما دالة على حسن الخلق كاتساع الجبهة، أو عكسه كغلظ الانف و الشفة، أو الخلق كتناسب الأعضاء على اعتدال المزاج، أو على الافعال النفسية كسعة دائرة الكف على السخاء، أو الحيوانية كغلظ الشفة العليا على الغضب، أو الطبيعية كرقة الشعر على الشره.
فهذه اصول هذا الفن، و هي مأخوذة من أصلين:
الاصل الأول: التجربة على طول الزمان، فانهم حين تأملوا غالب الاشخاص و ما يصدر عنهم عدّوا ما استمر مطابقاً أصلًا يرجع إليه.
واصلها الثاني: القياس على الحيوانات العُجم، فإن صاحب الصناعة صرح بأنه: انما حكم على واسع الصدر غليظ المنكبين بالشجاعة قياساً على الأسد فانه كذلك، و لم يجعل هذه العلامات دليلًا على الكرم مع أن
ص: 209
الأسد كريم لاتصاف النمر بها و هو شحيح شجيع، و هكذا باقي الاحكام، فلا بد من النظر في تركيب العلامات و لزومها و مشاكلتها، فلذلك قال الطرسوسي: و على هذا حرام على الاغبياء؛ لاحتياجة إلى صحة الفكر و الحذاقة.
ثم الكلام في ذلك بحسب أجزاء البدن المدركة فلنتكلم فيها كذلك فنقول: أبرز ما في البدن فلنبدأ به فنقول:
الشعر، خشونته شجاعة و يبس و العكس، و كثرته على العنق و الكتفين حمق و الصدر بلادة و البطن شبق و نكاح، و الصلب قوة و شجاعة و كذا انسباله، و في الحاجبين غم و حزن فإن امتد على الصدغ فنباهة و فضل و في اللحية نقص في العقل و خفة، و في الرأس حرارة و سوء خلق، و في العانة ذكاء و فطنة وصفاء، و على الساقين عقل و شجاعة و خفته عكس ما ذكر.
و أما السجية فكبر الرأس تدبير و عقل؛ و نتوء الجبهة فهم و علم، و تقطبها غضب، و غلظ جلدها وقاحة أو بلادة و صغرها و استدارتها جهل، و تساويها شر و خصومة، و كذا دقة الانف، و طوله طيش و خفة، و فطسه شبق، و غلظه بلاده كالشفة وسعة الفم شجاعة، و تفريق الأسنان ضعف و طولها فهم، و قلة صبغ اللون مرض و بروز الجبهة و العين كسل، و غور العين خبث و اسودادها جبن و ميلها إلى أعين الحمير جهل و بلادة، و تأنيثها شبق و افراط جمودها جبن و مكر و حركتها خداع و غدر و صلف و عظمها مع الحركة كسل و محبة للنساء، و صغرها مع الزرقة و الحركة شبق و وقاحة و مكر و غدر و شدة حمرتها و كثرة النقط حولها شر و غدر و امتزاجها بالزرقة و الصفرة خبث طبع و فساد رأي.
فإن غلبت الصفرة فصيانة و دليل شر و حرص و غدر، أو كانت الصفرة مع سواد أكثر منها فغضب و حمق و سفك دماء، و البارزة الصغيرة شهوة و غدر و التي كعيون البقر حمق و جهل و الصغيرة الكثيرة الحركة مكر و حيلة، فإن غارت مع ذلك فالحذر الحذر من صاحبها، و كسر الجفن سرقة و مكر و احتيال
ص: 210
و كذب و حمق، و كثرة لحم الوجه كسل و خفته شجاعة و حمرته حياء و قلة لحم الخد حسن تدبير و علم بالعواقب، و بروز عظم الوجه كسل و اعتداله قوة رأي، و انخناق الصدغين فهم و عقل و امتلاؤهما غضب، و استدارة الوجه جهل فإن صغر فمكر و حيلة و حمق و رداءة، و طوله وقاحة و غلظ الصوت شجاعة، و سرعة الكلام طيش و حمق و سوء فهم، و علوه حمق و سوء خلق و عدم الحياء و طول النفس ضعف همة و غنة الصوت خبث ضمير و حسد، و قصر العنق مكر و خبث و غلظه غضب و بطش و طوله ورقته حمق وطيش و جبن، ورقة الكتفين ضعف عقل و ارتفاعهما غضب، و طول الذراعين كبر و رياسة و شجاعة، و لين الكف فهم و علم و قصره حمق ورقته وقاحة و رعونة، و انحناء الظهر سوء خلق و استواؤه حسن في كل حال، و عظم البطن محبة نكاح، و لطافة الكفين و القدمين مزح و خفة و حسن عقل و فجور و دقة العقب جبن و غلظه بلادة و شدة، و غلظ الساقين بَلَه و غلظ الوركين ضعف قوة و قصر الخطى و سرعتها همة و تدبير، و كثرة الضحك قلة اعتناء بالامر و اخفاؤه عقل و تدبير، و انتصاب القامة وصفاء اللون فهم و علم و شجاعة و اعتدال ما ذكر عدل و عكسها العكس. و متى كان الرجل منتصب القامة أبيض اللون مشرباً بالحمرة لين اللحم مفرج الأصابع عظيم الجبهة أشهل العين كثير التبسم، فهو فيلسوف حكيم عاقل حسن الرأي، و متى كان الرجل إلى السمرة و السمن و الكمودة و نحولة الجلد و تهيج الوجه فلا يقرب بحال. تتمة
كثيرا ما يمتحن بالنظر في أمر المماليك عند الشراء و هو من هذا الباب، فلنلحقه به.
إذا كان اللون مائلا فالبدن فاسد و الأعضاء الرئيسة فاسدة، و بياض الشفة السفلى دليل فوهات العروق و اصفرارها بواسير، و تشقيقها شقاق و تمرط شعر الرأس و سقوطه فساد و احتراق و كدورة بياض
ص: 211
العين تنذر بالجذام و كذا تهيبج الوجه مع البحوحة و جمود العين ينذر بالسكتة و الفالج، و قوة حركتها بالصداع و السل، و صغر الاذنين دليل سوء الاصل. و متى كان على خده الايسر شامة مستطيلة إلى الكمودة فإنه يسرق و يهرب، و إن رأيت صدره منخسفاً فإنه يقع في الدق و السل، و إن رأيت جلد كفيه رخوا فانه ضعيف الكبد.
و اما معرفة الابخرة و محاسن الخلقة فظاهرة لا تحتاج إلى تبين. و متى كان كثير الشامات فدعه. و مما ينبغي أن يحل البورق و الملح في الخل و يمسح به أكثر أبدانهم خوفاً من برص قد صبغ، و اعرض عليهم ما سبق من العلامات فإن البشر فيها سواء.
قد ذكرنا منها طرفاً في أواخر تدبير الصحة؛ لانها تشاكله بل هي من جملته فلنذكر هنا ما وقع عليه الاعتماد. قد علمت أن العلامات كالازمنة في المضي و الحضور و الاستقبال غير أن الذي اعتمده و اقول به: إن انفع العلامات ما دل على ما سيأتي؛ لأن فائدته التهيؤ بالتدبير اما بدفع المرض اصلا أو بتخفيفه، و اما غيرها فأما ما سبق أو حضر. و كل قد وقع فلا فائدة في معرفة يعتد بها، فمن ذلك من احس بارتجاف رأسه فإنه يقع في السكتة، و من كثرت نوازله و هو نحيف الصدر آل إلى الربو و الانتصاب، و من إبيضَّ بوله و برازه و هو بحالة السلامة فغاتيه اليرقان، و من فاجأه الخفقان مات فجأة، و حمرة العين مع الدمعة و الطرف الكثير و الصداع و بياض القارورة انذار بالسرسام، و مغص حول السرة إذا لم يسكنه المسهل استسقاء، و كذا ثقل الجنب الايمن و نفث
ص: 212
المِدِّة في ذات الجنب ما لم يفق على رأس الاربعين سل، و دوام تهيج الوجه لا لنوم نهار استسقاء، و الغثيان مع سقوط الشهوة قولنج، و وجع الخاصرتين أو ثقلهما ضعف الكلى، و الحرقة في البول قروح، و الرمل فيه تولد الحصى إن زاد معه الوجع، وصفاء البول و كان يقل مقداره و يكبر حجمه، فإن انعكست هذه الشروط كان الانذار بانحلال الحصى و ملازمة الاسهال و الزحير، و ضمور(1) الثدي ينذر بالاسقاط و كذا سمن المهزولة بعد الحمل، و جريان الدم و اللبن دليل ضعف الجنين، إلا إن كانت وافرة الفضلة، و انعقاد الدم في الثدي جنون، و حمرة الوجنة قرحة الرئة، و نتن الفضلات عفونة و حمى.
فهذه كلها انذارات للعلم منها بوقوع المرض في الآتي من الزمان فيجب استحكامها و لو لا التطويل لذكرنا أدلتها، و لكن كل ذي فطنة يعلمها مما ذكر؛ لأن القاعدة في كل مرض إذا مالت مواده إلى جهة اشتغلت الأخرى بضده،
فإن اليرقان لما كان عبارة عن اندفاع الصفراء إلى ظاهر البدن وجب تقدم اصفرار العين لعلوها و طلب حرارة الصفراء ذلك و ابيضاض اللسان لكونه من الباطن، و من ثم يسود في المحرقة، و متى عرف التشريح كان أيضاً هو الجزء الاعظم في هذا الباب فإن ذات الرئة مثلًا لما كانت عبارة عن فساد الوريد الشرياني و ضده؛ لاختلاطهما بها و كانا متعلقين بما يقى الاصابع كان انجذاب الاظفار علامة عليها. إذا تقرر هذا فقد حصرت اهل هذه الصناعة الاستدلال على جملة أحوال البدن في وجوه ستة:
الأول: المأخوذ من جهة ضرر الفعل، فانه من علم فعل الأعضاء سهل عليه الاستدلال على أحوالها. أمثاله: إن خروج الطعام من غير هضم دليل قطعي على ضعف المعدة، لانها الطابخة أولًا بالذات، و كذا قلة الدم في البدن على ضعف الكبد؛ لانها كذلك.
و ثانيها: المأخوذ من جوهر
ص: 213
الأعضاء، فإن القطع الخارجة أو الرمل إذا كانت شديدة الحمرة وجب الجزم بأنها من الكبد أو البياض في المثانة أو بينهما فالكلى، لأن هذه الأعضاء كذلك، هذا من جهة اللون. و قد يستدل بالحجم أيضاً فإن القشور الخارجة في البراز مثلا إذا كانت غليظة فمن المستقيم؛ لانه كذلك و إلا فمن الدقاق.
و ثالثها: المأخوذ من جنس ما يحويه العضو و اكثرهم لم يعده مستقلًا، و الصحيح استقلاله؛ و طريق الاستدلال به أن ينظر في كمية الدم الخارج بالنفث مثلا فانه إن كان قليلًا إلى البياض فمن القصبة أو رقيقاً كثير الحمرة فمن الرئة، و هكذا غيره.
و رابعها: المأخوذ من نفس الوجع، و قد ثبت أن الاوجاع محصورة في خمسة عشر: الحكاك و اللذاع و الخشن، و سبب الثلاثة مواد حريفية تفرق الاتصال و كلها تكون في الجلد و ما تحته من المسام، الا أن الخشن اغلظها مادة و ايبسها. و المدَّة، تختص بما بين الطبقات و يلزمه الورم؛ لاشتماله على خلط غليظ فرق بين العضل و غيرها. و الناخس، و يختص بالغشاء و يكون عن مادة حارة إن كان نخسه بحرقة و إلّا باردة و مثله الثاقب، لكنه اغلظ مادة و أقوى حركة، و موضعه العضو الغليظ الجرم. و المكسر، و هو مادة غليظة قوية تحتبس بين العضو و الغشاء الساتر له، و قد يكون عن ريح. و المسلك كالثاقب الا انه لا يحرك، كذا قالوه. و هو غير مقتضى النظر بل قياس المسلك أن يكون محله طبقات الشحم و اللحم و أن يكون جلداً، و الرخو، و يكون في اللحم و أطراف العضل عن مادة باردة رطبة، و المخدر، و هو سدّة في الاعصاب تمنع الروح الحساس من غايته، و الضرباني، و هو مادة حارة تنحصر في الطبقات فإن اشتد الالم فالعضو ذو حس و الا قريب منه، و قد يسكن بلا برء؛ لأن شدة الالم تبطل الحس، و الثقيل، و هو مثله لكن لا ينتشر غالباً و يكثر اختصاصه بالكلى، و الاعياء و يحل بالمفاصل و الاغشية غير أنه إن حدث عنه كسل و انحطاط عقب
ص: 214
الحركة فهو التعبي، و إن كان عن خلط فإن اوجب التمطيَّ و التثاؤب فهو التمددي فإن افاد احتراقاً و نخساً فهو القروحي، و عن الثلاثة يكون الاعياء الورمي.
و خامسها: المأخوذ من طريق الوضع، و العمدة فيه التشريح فإن الوجع متى كان في الايمن تحت الاضلاع فهو في الكبد أو عند القطن ففي الكلية، أو في الايسر كذلك ففي الطحال أو الكلية، و هكذا. و مثله الاعصاب و الأعضاء فإن الوجع الحادث في اللسان معلوم بانه من قبل الزوج السادس و هكذا.
و سادسها: ما يكتسب من السؤال و الفحص، فقد يهتدي الطبيب الجاهل إلى العلة بالسؤال من العليل. و من عقلاء الاطباء من يكون جاهلًا بالصناعة، و لكن يهديه عقله إلى معرفة العلة بالدواء، كأن يعطي دواءً حاراً فإن افاد علم أن المادة الموجبة للمرض باردة. و هذا يتم بامتحانات أربعة، و لكن حيث لا مانع فإن المرض قد يكون عن برد و ينفعه البارد نفع تسكين لا ازالة كما في البنج و الافيون، فيغتر به الجاهل فيفضى إلى التلف.
لا شك أن الحرارة متى زادت في البدن كان الملمس حاراً و يلزمها اسوداد الشعر و غزارته و كدورة اللون، فإن كثرت في الرأس كان ذلك فيه أكثر و لزمها حمرة العين و حرقانها و الصداع و امتلاء العروق و التهيج، أو في البدن فإن خصت الكبد لزمها الهزال و العطش و الصفرة و حبس البراز و ثقل الموضع أو المعدة فسوء الهضم و الغثيان و البخار الدخاني و قوة الهضم للاشياء الغليظة مع نقص الشهوة أو الرئة فسرعة النفس
ص: 215
و الاستلذاذ بالبارد و جهارة الصوت، أو الانثيين فغزارة شعرهما مع المني و بياضه، و أما سرعة النبض و تشويش الافعال و اختلاط الذهن و سرعة الحركات و الكلام فمن لوازم مطلق الحرارة.
و أن الرطوبة يلزمها لين البدن و الثقل و الكسل و سبوطة الشعر و كثرته و قلة العطش و كثرة البول و العرق و لين الطبيعة و النوم و التمطي و السمن، فإن خصت الرأس لزمها كثرة الدمعة و اللعاب و المخاط و ثقل الحواس، أو الصدر و الرئة فكدورة الصوت و غلظة و كثرة لحم العنق و الصدر و شعره، أو المعدة ففساد الهضم و الازلاق و الجشاء، أو القلب فالجبن و قلة الاعتناء بالامور و لين النبض و انتفاخ الشريان، أو الكبد فادرار البول، و لين البدن خصوصاً الجانب الايمن، أو الانثيين فرقة المني أو الشعر مع كثرتهما و الاعراض عن الشاهية في وسط الجماع. و ضد الحار علامات البارد و الرطب اليابس.
و أما الاخلاق فالشجاعة و الغضب و الحمق و سوء الظن و البطش و قلة الحياء من لوازم الحرارة و اليبس، و بالعكس في الآخرين.
و أما ما يظهر من الفم بعد النوم فالمرارة من لوازم الحار و اليبس و الحلاوة للحار و الرطوبة، و التفاهة للبرد و الرطوبة و الحموضة له و لليبس. و قد يستدل من رؤية المنامات على تعين الخلط، فإن من احتلم برؤية الأشياء الصفر أو النيران و آلات السلاح فقد استولت عليه الصفراء، و بالحمر و الحلاوات و الرعاف فقد استولى عليه الدم، أو بالبيض و المياه فالبلغم أو بالموتى و السواد و الاغوار و الاودية و المواضع الموحشة فالسوداء.
و أما تفرق الاتصال، فإن كان ظاهراً فعلاماته محسوسة و الا استدل عليه بما سبق.
و مما يتعين معرفته كون المرض حادا ليلطف له الغذاء، و يستعد فيه للبحران؛ لعدم انقضائه بدونه بخلاف المزمن؛ فانه يحتاج فيه إلى تغليظ الغذاء و يذهب بالتحليل. و يتميز الحاد بكونه صفراوياً غالباً فلا يغتر بنحو شطر الغب
ص: 216
و بقصر النوبة و تخلخل السحنة و كونه في سن الحرارة و زمنها و مكانها و صناعتها، و المزمن بعكس ذلك غالباً في الطرفين. و من ذلك ما يخص الاوقات فإن العلامات قد تكون على بعض الاوقات الأربعة لا كلها، لكن قد وقع الاتفاق على أن زمن الابتداء لا علاقة له بها، لانه في الصحيح عبارة عن ظهور الاحساس و هو معلوم. و ما قيل: إن المبدأ بعد ثلاث من التشكي مردود بحمى اليوم، أو أن المبدأ هو الآن الذي لا آخر له مردود ببطلان الباقي من الاوقات.
أقول: إن المبدأ له علامات و هي تغير النبض، و المزاج، و سبق الغرض، و السبب، و نحوها، و أما الثلاثة فتؤخذ اما من النوب فانها تطول في التزيد و تقصر في الانحطاط و تعتدل بالنسبة اليهما في الانتهاء، أو من الاعراض كالحمى و الناخس و ضيق النفس و السعال و منشارية النبض في ذات الجنب، و موجبته في ذات الرئة و النفس في الحمى فإن هذه تزيد زمن الزيادة و تنقص في الانحطاط و هكذا. و العرض يدل على هذه الاوقات؛ لأن ما كان كالمذكورات أو مفارقاً مناسباً كان كالعطش و الصداع في الحار أو غيره كالغشى و الفواق في الحمى فإنهما فيها غريبان لم يصدرا إلا عن انصباب مادة إلى القلب، كذا قاله الملطي. و هو مردود في الغشى فانه مناسب لها قطعاً.
و الاعراض اللازمة تسمى عند أبقراط ( (مقدمات المرض))، و بقاؤها في فترات النوب علامة صحيحة على تزيد المرض و كذا تقدم النوبة و بالعكس. و الفترات في الطول و القصر عكس النوب في الدلالة على الازمنة و كالاعراض النضج فإن نفصه زيادة دليل على التزيد و بالعكس ثم النضج و الاعراض في باب العلامات انفع من غيرهما لدلالتهما على نحو الحمى الدائمة بخلاف البواقي.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن العلامات المذكورة تختلف بحسب الذكورة و الانوثة؛ لما عرفت من أن الذكور أحر، فإذا رأيت مرضاً واحداً حاراً
ص: 217
مثلا في الثالثة اعترى ذكراً و انثى لم يكن علاجهما واحداً؛ لاحتياج الذكر إلى مزيد تبريد و خطارية فيه بخلافها، و كذلك ينبغي في حفظ الصحة أن يلاحظ المناسب. و قد استدلوا على مزيد حرارة الذكور بانعقادها في الاكثر من مني الشباب و من يستعمل الحرارات و في الجانب الايمن و انها اسرع تكوناً و أحسن الواناً حتى الحامل به اصفى و انشط، و أن لحم الذكر اصلب و احر و فضلاته احدّ رائحة، و دم النفاس فيه أقل؛ لقوة هضمه و الاناث بالعكس في كل ذلك. و ايضاً بحسب السحنة فانها كثيرة الفائدة في هذا الباب؛ لأن الدال على الحرارة منها كالنحافة وسعة العروق و كثرة العرق من ادنى موجب يسمى متخلخلًا، و سببه في الصحة تغليظ الغذاء و قلة الرياضة، و في المرض جعل الدواء ضعيفاً و الاقتصار على القليل منه، و الدال على البرد بالعكس و يعرف بالتلذذ، و يتبعها القول بالسمن فانه إن كان شحمياً وجب ازدياد صاحبه من التسخين و قلة الفصد أو لحمياً فبالضد سواء في ذلك الطبيعي و غيره.
و اما الالوان، فقد علمت الحق فيها، لكن قد انتخب الاطباء من اللون و السحنة علامات ضمنها ابقراط تقدمة المعرفة، و هي أن الوجه و اللون متى بقيا خصوصاً بعد طول بحالهما الطبيعي فالمآل إلى السلامة و متى احتدب الانف و غارت العين و لطء الصدر و برزت الاذن و امتدت جلدة الجبهة و صلبت و كمد اللون أو اخضر، و لم يتقدم موجب لذلك غير المرض من سهر و اسهال و جوع، فالموت لامحالة؛ لقهر الغريزية و جفاف الرطوبة و كذا الدمعة و كراهة الضوء و الرمض و حمرة بياض العين و صغر احداهما أو كان فيهما عروق سود أو كثر اضطرابهما و تقلص الجفن و التواؤه، و كذا الشفة و الانف؛ لدلالة الالتواء في هذا على سقوط القوة و قرب الموت، و كذا الاضطراب على الوساد و كثرة الاستلقاء مسترخياً و برد
ص: 218
القدمين و فتح الفم حالة النوم و اشتباك الرجلين و تثنيهما فيهما و الوثوب للجلوس من غير ارادة خصوصاً في ذات الرئة.
و أما النوم على الوجه و صرير السن بلا عادة سابقة فدليل اختلاط ان صحبته علامات الموت فردئ و الا فلا.
و مما صحت دلالته على الموت جفاف القروح النزافة و ميلها إلى كمودة او صفرة لانطفاء الحرارة و جفاف المواد، و كذا حركة اليدين في الحادة و امراض الرأس و العرق البارد في الحادة إذا خص الرأس و لم تسكن الحمى به و لم يك يوم بحران ردئ جداً، و في المزمنة دليل طول. و سكون الحمى بلا انفراج موت لا محالة.
و أما الاورام الحاسية إن كانت مؤلمة و في الجانب الايمن فالموت أيضاً، لكن إن تقدمها رعاف أو عشا فالسلامة اقرب خصوصاً في سن الشباب، و بالعكس مالان و لم يؤلم لكن مع الحمى يفضى إلى القرحة. و اجود الاورام ما ظهر إلى خارج صغيراً محدود الرأس و لم يغير اللون، و ما انفتح منها فأجوده ما كان الخارج منه إلى البياض و الملاسة و طيب الرائحة.
و اما الاستسقاء، فإن حدث بعد حمى حادة و ابتدأ من الخاصرتين و تجعد الورم في القدمين و الذرب فأمره يطول خصوصاً مع وجع القطن، و متى كان ابتداء الاستسقاء من الكبد صحبه القبض و السعال بلا نفث و الورم احياناً ثم يختفي و يعود، و وجع في الجنبين كذلك و برد الاطراف مع حرارة البطن ردئ. و خضرة الاظفار و القدمين اقرب إلى الموت من غير هذا اللون خصوصاً إذا كانت العلامات الردئية أكثر، و كذا تقلص الانثيين و القضيب ما لم يكن هناك ريح.
و أما السهر فردئٌ و كذا نوم وسط النهار و آخره لكنها ليست علامات مستقلة بخير و لا شر.
و أما القئ فأردؤه الكراثي و الاسود و الزنجاري و الخلط الصرف من ايها كان الا أن الدم أخطر، و اشد منه خروج الالوان المذكورة جميعاً في يوم، و اقرب إلى
ص: 219
الموت خروج الاخضر الكريه الريح.
و أما ما يستدل به من البصاق فليس الّا على الصدر و الرئة. قيل: و الاضلاع، فإن كان أحمر أو أصفر و سبقه الوجع و السعال و لم يمازج الريق فردئ و كذا الأبيض اللزج الغليظ؛ لدلالته على البلغم الفاسد الحصى، و أردأ من ذلك الاخضر و منه الاسود فإن اشبه الزبد فهلاك مسرع.
اما في ورم الرئة، فقد يدل البصاق على سلامة إن كان الريق ممزوجاً بيسير الدم خالص الحمرة، و لكن لا يمس بشي ء قبل السابع فإن جاوزه و الحال ما ذكر انتقل إلى السل و وجود الزكام في أمراض الاضلاع و الصدر بل و كل مخوف فإن قارنه العلاس فأخوف و ما قيل: من الانتفاع بالعطاس في القتالة محمول على صحة العلامات و القوة.
و متى لزمت الحمى الدقية و اشتدت في الليل و زاد العرق و حصل بالسعال راحة و قل النفث و غارت العين و احمرت الوجنة و التوت الاظفار و ورم القدم حينا و ذهب آخر و انتفخت اليد، فقد حصل التفتيح و خصوصاً إن سبق الوجع ثم زال و احس بالثفل و الحرارة، و اذا كان في جانب واحد اشعر من نام على الصحيح بثقل متعلق.
و غاية الانفجار ستون يوماً فإن كانت الاعراض المذكورة في غاية الشدة وقع الانفجار قبل عشرين أو توسطت فبعدها و الا فالمدة المذكورة، ثم إن اقلعت الحمى بلوازمها كالعطش يوم الانفجار و انتبهت الشهوة و خرجت المِدَّة بيضاء خالصة من الاخلاط بسهولة فالاغلب السلامة و الا فلا. و الخراج في الرئة خلف الاذنين و الاسافل جيد خصوصاً مع سكون الحمى، كذا قاله ابقراط.
و اقول: إن الواجب النظر فيما ذكر فإن الوجع إن كان فوق الشراسيف(1) فخراج الاذنين جيد أو تحتها فالرجلين كذلك، اما العكس فعطب لا محالة.
و كثرة الثقل في البول من اجود علامات السلامة هنا و غيبة الخراج بعد ظهوره اختلال عقل، و متى كثر وجع القطن مع الحمى و لم
ص: 220
تخف الاعراض بعلاج أو صلبت المثانة مع الوجع فلا طمع في البرء خصوصاً مع حبس البول، فهذا غاية استقصاء النظر في استيفاء العلامات الدالة على تحصيل العلة صحة و مرضاً خصوصاً لمن أمعن النظر.
إذا تقرر هذا فاعلم: أن العلامات اما جزئية مطلقة، و هي الخاصة بمرض و ستأتي في العلاج، أو جزئية باعتبار غيرها كلية باعتبار الخاصية، و هذه هي التي ضمناها هذا الفصل.
أو كلية مطلقة؛ لدلالتها على مطلق احوال البدن، و هذه اما دالة باعتبار نفس البدن و هي النبض أو ما يخرج منه و هي القارورة، و ها نحن نأخذ في تفصيلها. و أما البحران، ففي الحقيقة هو طريق مركب من المذكورات، و قد عده الملطي مستقلًا و ابقراط تابعاً و قوم ختموا به الكتب، و الصحيح الأول و سأذكره بعد العلامتين المذكورتين ان شاء الله تعالى.
ص: 221
و هو حركة مكانية من أوعية الروح مؤلفة من انقباض و انبساط للتدبير بالنسيم و هي ذاتية فيهما على الاصح على حد مد المياه و جزرها الحاصلين من قبل الاشعة، بدليل انقباض الشريان حيث ينبسط القلب و العكس، و لا يرد اختلاف النبض في المفلوج؛ لأن لزوم التساوي حيث الأمر كذلك مشروط بعدم المانع لا مطلقاً و انما كان هذا التدبير للنسيم؛ لأن اخراج الفضلات بالقبض عظيم الفائدة؛ و من ثَمَّ قيل: إن ما في بعض نسخ القانون من قوله ( (للتدبير)) محمول على السهر أو القصور كذا قالوه.
و اقول: انه لا سهو و لا قصور إلا في أفهامهم لا في العبارة؛ لجواز حمل التدبير على الذاتي و العرضي فيرادف التدبير جزماً و ليس للهواء المستنشق غير هذا، و قد سبق بطلان صيرورته أرواحاً. و نقل أهل التجربة أن الحركة المؤلفة من البسط و القبض للقلب خاصة و ليس للعروق الا ارتفاع و انخفاض، و هذا لو صح للزم أن لا سبيل إلى تحرير نحو العشق و الخفقان من النبض، و هو باطل.
و هل الحركة ذاتية في جميع اوعية الروح أو في القلب اصالة و الغير عرضاً أو العكس؟.
لا قائل بالثالث، و قال بالأول جالينوس و اتباعه و الشيخ، محتجين بالتخالف السابق و اتحاد القوانين في القلب و الشريان لتساوي القوتين، و قال بالثاني اركيفانس و فيثاغورس، و هو الحق؛ لأن المحرك هو الغريزية و ليس لها معدن سواه و لأنّا لو فرضنا
ص: 222
القوتين ذاتيتين فاما ان يتحدا جنساً أو نوعاً أو شخصاً أو يختلفا كذلك، و على التقادير الست تنتفى الفائدة أو يلزم التغاير. و ما احتجوا به من اختلاف النبض في الشخص الواحد و انه لو لم يكن بقوتين متغايرتين ذاتيتين لم يقع ذلك مردود؛ لأن الاختلاف اما في مريض كالمفلوج، فوجهه ظاهر و هو حصول الشدة أو في الصحيح كسرعة نبض الجانب الايسر بالنسبة إلى الايمن و علته قرب القلب و بعده، و هذا مما ينبغي أن لا يشك فيه.
و مما يدل على أن الشريان تابع للقلب ظهور انحطاط القوة منه كما بين النملى و الدودى عند الموت. و دلالة النفس على حال البدن فإن سرعته و اختلافه و سائر احواله كالنبض.
و قد اختلفوا في حركته فقال جالينوس من اليونانيين و جميع حكماء الهند إن حركة النفس إرادية، بدليل أنّا نقدر على طول النفس و قصره و بينوا على ذلك علم الجزيرة المتضمن؛ لأن العمر محصىً بالانفاس و بالساعات لا أن من ارتاض و لم يأكل الارواح طال عمره، و هو بحث طويل مفرد بالتأليف.
قال المعلم و غالب المشائيين: الحركة طبيعية بدليل وقوعها في النوم حيث الارادة منفية. و كل من الفريقين معارض بالمثل غير مناقض و لا نافي.
أقول: إن الحركة مركبة من الامرين؛ لانها منوطة بالنسيم و الروح، و لكن هذا التركيب ملازم للزمان، أو حركة اليقظة ارادية و الاخرى طبيعية، لم ار فيه نقلًا، و الذي يتجه الأول لما مر.
و كيف كان فدلالته على احوال البدن كالنبض و الكلام فيهما واحد. و قوة القلب بالهواء من باب الاصلاح؛ لانه غذاء للروح و إلا للزم أن تبقى الارواح بحالها بعد الاستفراغ بالادوية و عدم تناول المأكولات؛ لأن الاستنشاق موجود، و هو محال.
إذا تقرر هذا، فالكلام في هذا الفصل يستدعي مباحث:
ص: 223
النبض: لغة الحركة مطلقاً، و اصطلاحاً ما قدمناه، لكن اجمعوا على أن النبضة الواحدة ما كانت من سكونين احدهما عن حركة الانبساط و يسمى ( (الخارج))؛ لأن الكون فيه من المركز إلى الميحط و الآخر عكسه. و انما وجد للراحة الطبيعية و للفصل بين الحركتين الممنوع اتصالهما عقلًا كما قاله في الفلسفة، حيث حكم بأن اتصال نهاية حركة مستقيمة بمثلها محال و إلا لجهلت آناءات(1) الازمنة، لكن يتعسر ادراك الثاني و قيل يتعذر؛ لانه مركب من آخر الانبساط و أول الانقباض و هما غير محسوسين.
و الحق ما قلناه. و حركتين منهما أيضاً بدائية، لكن قد ثبت أن الحركتين متى تساوتا سرعة و غيرها كان السكون الداخل أطول لأن السكون بعد رفع النفس أطول من الحاصل بعد الانبساط، كذا قالوه، و فيه نظر: من أنه يستلزم أن يكون النفس كالنبض مطلقاً حتى يصلح القياس، و هذا غير صحيح؛ لما بينهما من الخلاف، و لان هذا السكون كائن وقت تمام الفعل و قصد الراحة و ذلك لمجرد الفصل بين الحركتين. و في هذا أيضاً نظر؛ لانه ينبغي أن يكون على هذا هو المحسوس، و الواقع خلافه.
نعم يجوز أن يُدعى أن طول هذا السكون لكونه زمن الانقباض، و هو رجوع الارواح إلى المركز الطبيعي فهي فيه تثبت من الانبساط، على أنه لا يسلم من الخدش السابق، لكن العقل يجوّز ما قالوه و الحس ينكره. و اما الكلام في الحركات، فزمن الاعتدال اسرعها حركة الانبساط في شديد الحاجة كالصبي و صاحب حمى يوم و الاخرى بالعكس، و هذه النبضة إذا تكررت دلت على حال البدن و اقل ما يمكن التشخيص من تكرارها أربع مرات؛ لاكتفاء الحاذق بالحالات الحاصلة حينئذٍ، و قال قوم: لا بد من ستة عشر؛ لجواز وقوع الخلل
ص: 224
في فعل الطبيعة خصوصاً حال الاختلاف. و هذا ليس حجة؛ لأن الاجزاء قد عملت مما ذكر و ليس في الزيادة إلا تكرارها فإن كان لقصور الادراك فلذلك و الا كان عبثاً، بل ربما ادى إلى ضرر بيِّن مع النساء. و قيل: لا بد من سنين. و هو باطل بالاولوية.
و ينبغي أن تعلم أن ادراك المبادئ مثل أول الانبساط و آخر الانقباض مشكل عند الادراك؛ لقرب المركز فلا تعطي العروق ما يقوم بالمطلوب فليتفطن له، و قد ادعى جالينوس: أنه تمرن على النبض نحو ثلاثين سنة على باب رومية يجس كل داخل و خارج حتى قال: انه ادراك السكون الداخل.
الشرايين اما باطنة و هذه لا يمكن جسها أو ظاهرة، اما مستورة يمكن جسها لكن بعسر كالذي في الفخذ أو يمكن دون عسر، لكن يشكل فيه الحال لعارض كشريان الصدغ فإنه زائد البخار فقد يحكم بغير موجود و كالبعيدة عن الاصل جداً، فلذلك قالوا: إن اصح شريان يدل على العلة شريان الرجل اليسرى، لاعتدالها بما تمر عليه من الطحال و القلب، و لكن وقع الاختيار على شريان اليد؛ لانه أظهر و أسرع ادراكاً، و النساء لا تتحاشى عنه فهو أعم فائدة.
و الايمن أولى؛ لبعده عن مركز الحرارة، و أولى ما يمسك عند القيام من النوم و زمن الخلو المعتدل بالنسبة إلى الشبع و الجوع من الطعام و الشراب، و لا يجوز بعد حركة نفسية كغضب و فرح ما لم تسكن و لا نحو حمام و جماع، و بدنية عنيفة كعَدْو فإن اضطر إلى ذلك فعلى الحاذق فرض قسط الطارئ، و أن تكون اليد مستقيمة؛ لأن الكب يوجب العرض و الاشراف الزائدين و الطول الناقص، و الاستلقاء ينقص العرض
ص: 225
و يزيد الباقي، و أن لا تكون حاملة شيئاً و أن يصافح الضعيف و يغمز القوي و أن تنظف الاصابع الجاسة كل يوم بالغسل و الدهن؛ لترق بشرتها فيعظم ادراكها، و تُجس اليد اليمنى بالمينى و هكذا؛ لما سبق أن السبابة اقوى الاصابع ادراكاً.
و لا شك أن المبدأ أبعد ظهوراً؛ لاستتاره فيقع التطابق، كذا قالوه. و عندي: أن هذا للمبتدئين الذين لم يرتاضوا على ذلك و إلا فاليسار أحسن إدراكاً مطلقاً حتى أن الخنصر منها تقارب السبابة من اليمنى؛ لمزيد الحرارة الموجبة لرقة البشرة.
و يجب على الطبيب أن لا يمسك نبض المريض حال دخوله عليه حتى يستقر بالمؤانسة؛ لتحرك النفس و الفكر حال رؤيته. و من الواجب زمن الجس استحضار الاجناس واحداً واحداً و حكم التركيب عنها و تأمل المقايسة و ما تدل عليه، فإن الاخبار بدون التروي غير موثوق به. و كل نبض عرفه الطبيب زمن الصحة سهل ادراكه زمن المرض؛ و لهذا كان الطبيب الملازم خيراً من المتبدل. و كثرة الانباض توجب الخطأ في التشخيص، و من ثَمَّ لم تمكن الملوك أطباءها من جس شخص. و المقاس عليه النبض لا الاصابع في ألاصح.
و هي على ما اتفقوا عليه عشرة:
أحدها: المقدار، يعني الطول و العرض و العمق.
و ثانيها: زمن الحركة يعني، السريع و البطي ء.
و ثالثها: القوة و الضعف.
و رابعها: قوام الشريان.
و خامسها: المأخوذ من اللمس.
و سادسها: ما يحويه العرق.
و سابعها: زمن السكون.
و ثامنها: الوزن.
و تاسعها: الاستواء و الاختلاف.
و عاشرها: المنتظم في النبضات.
قالوا لأن الأمر اما راجع إلى الفاعل و عنه القوة و الضعف أو الفعل و عنه الحركات و السكون و المقدار و الاستواء و الاختلاف و الانتظام و منه التواتر و التفاوت و الوزن، أو إلى الآلة و عنها اللمس و قوة الجذب و حال
ص: 226
ما فيه، و كل عاقل إذا تأمل هذا عَلِمَ انه غير دال على ما أرادوه؛ لعدم الحاصر العقلي، بل الصحيح أن الحاصر لذلك أن العرق اما أن يعرض له المقدار؛ لانه جسم و هذا محصور في الاقطار، ثم هو أما متحرك أو ساكن؛ لعدم انفكاك الموجودات الممكنة عنهما، و لما كان كل ذي ضد دالًا على ضده كان لهذا العرق؛ لكونه جسماً زماني الحركة و السكون ثم كل من الحركة و السكون اما أن يرد على نظم محفوظ أولًا، فثبت بالضرورة للعرف نظر في وزانه، فهذه في الحقيقة هي الاصول لا غيرها، لكن لا بد و أن نذكر ما قرروه من الاجناس المذكورة، و نقرر بطلان ما اخترنا بطلانه لتداخل أو غيره، و ترتب ذلك على نمطهم لشهرته و بذلك يتبين للعاقل ما يميل اليه.
فأولها: المقدار، و بسائطه الاصلية اصول الاقطار و اضدادها و ما بينهما، و تفريعها ينحصر في سبعة و عشرين؛ إذ الاصل الطول و العرض و الاشراف و ضد كل و معتدله، فالطول على الاصح ما زاد ظهوراً على ثمانية عشر شعيرة اولها مفصل الزند، و القصير ما نقص عنها، و المعتدل ما ساواها، هذا هو الحق من كلام كثير، و يدل على فرط الحرارة ان توفرت الشروط، و مع سقوط القوة و التواتر على الاسهال المفرط، و بدون الثاني على المرض الطويل، و بدون الأول على الحمل إن اشرف و إلا العشق، و عكسه القصير و المعتدل على العدل فيما ذكر، و هكذا ضد ما يذكر و معتدلهما مطلقاً.
و العرض ما اتسع معه العرق ما بين العصب و غيره كعظم الزند فيه، و يدل في الاصل على فرط الرطوبة، فإن كان موجباً فعلى ذات الرئة أو مرتعشاً فعلى الفالج و هكذا و ضده الضيق و الشهوق و يسمى ( (المشرف)) و ( (الشاخص)) و هو ما ارتفع رافعاً للاصابع، و يدل على الامتلاء مطلقاً، و الحرارة مع السرعة و الرطوبة مع العرض، و ضده المنخفض و خارج الاصابع في الكل لما علا تدريجاً فما تساوى في كل أو بعض فبحسبه من عال إلى سافل، و هذا في كل الاجناس و هو مما اتفقوا على
ص: 227
عدم وضعه في الكتب فاعرفه. و متى زاد المقدار في اصوله الثلاثة معاً فهو العظيم أو نقص كذلك فالصغير، و هذا الجنس أصل باتفاقنا.
ثانيها: جنس الحركة، و هو اما سريع يقطع المسافة الطويلة في الزمن القصير، و ضابطه: أن يعسر عده، و هذا إن كان مع صلابة و ضيق و شهوق دل على الصفراء و ما يكون عنها و عكسه على البلغم، و مع لين و عرض فعلى الدم و عكسه السوداء كذلك، و ضده البطء بالعكس.
ثالثها: جنس القوى، و هو مأخوذ من القوة و يراد به مدافعة العرق و عكسه الضعيف، كذا قالوه. و لا شك عند كل عاقل في اخذ هذا من المقدار.
رابعها: المأخوذ من جرم العرق صلابة و ليناً، و يؤخذ أيضاً منه.
خامسها: المأخوذ مما يحويه العرق فإن قاوم الغمز فخلط أو ذهب و عاد فريح أو كان تحت الأولى فبخار، و هذا قد تدل عليه الحركة و المقدار و قد يمكن جعله مستقلًا.
سادسها: المستدل عليه بمجرد اللمس، و لا فائدة في ذكره اصلا؛ لأن الحرارة و غيرها من الكيفيات لا تخص موضع العرق دون باقي البدن.
سابعها: المأخوذ من زمن السكون و يقال لقصيره ( (المتواتر)) و طويله المتفاوت و قد يشتبهان بجنسى الحركة، و الفرق بينهما اختلاف الأزمنة و عدم ادراك التواتر بحركة واحدة بخلاف السريع، و يدل المتواتر على العشق إن كان تحت الأولى و الثانية؛ لتعلقه بالقلب و الدماغ، و على الحمل تحت المتوسطتين، و على ضعف القلب و عجز القوة، و المتفاوت بالعكس. و لا شبهة في امكان اخذه من جنس الحركة،
ثامنها: جنس الوزن، قالوا: و هو مقايسة حركة بمثلها و سكون كذلك أو ضد بضد، و هذا على ما قالوه و قرروه لا يجوز أن يكون جنساً؛ لرجوع مقايسة الحركات إلى الثاني و السكونات إلى السابع و الترتيب إلى مجموعهما؛ و لانه يستدعى قياس
ص: 228
الوجود يعني الحركة بالعدم و هو السكون. و اجاب الملطي عن هذا: بأن المراد مقايسة الأزمنة و هي متشابهة. و هذا ليس بشي ء. لعدم دخول الزمان المجرد فيما نحن فيه.
و الذي ينبغي أن يراد من الوزن هنا الجودة و الرداءة بالنسبة إلى السن و البلد و الزمان و الصناعة، فيقال: متى كان نبض الصبي سريعاً عريضاً و الشاب سريعاً ضيقاً و الكهل بطيئاً صلباً و الشيخ بطيئاً لينا فهو حسن الوزن، و إلا فإن كان للصبي نبض شاب و بالعكس فالامر سهل و الحال متوسط، و إلا فسئ إن كان للصبي مثلًا نبض كهل، و كذا الفصول و الامكنة و الصناعة، و متى لم يحفظ النبض حاله من هذه فهو خارج الوزن مطلقاً، فاذاً حالات الوزن أربعة، و على هذا فلا فائدة لجعله جنساً مستقلًا؛ لرجوع ذلك إلى الحركات.
تاسعها: جنس الاستواء و الاختلاف، و المراد بالمستوى ما تساوت اجزاؤه و المختلف عكسه، و كل اما في جزء نبضة أو نبضة كاملة أو نبضات متعددة، و كل اما تحت جزء اصبع أو اصبع كاملة أو أكثر.
عاشرها: المنتظم، و أراد به كون الاختلاف المذكور واقعاً على نظم مخصوص، كأن يختلف تحت الأولى مثلا ثم الثانية إلى النهاية، ثم يعود كما كان دوراً أو ادواراً، و هذا هو المنتظم المطلق أو لا يحفظ وصفاً اصلًا و هو مختلف النظام.
هذا ما ذكره و في الحقيقة الاصح عندى: إن الاجناس هي المقدار و الحركة و الاستواء و الاختلاف خاصة، و الباقي متداخل كما عرفت.
نعم ينقدح في النفس استقلال الخامس و إن ردّه بعضهم لما مر من تفاصيله. إذا عرفت ذلك فأعلم: أن في النبض طبيعة موسيقية لا يمكن استقصاء الاحكام منه بدونها و هي في الأكثر تخف الجنس التاسع؛ لأن المركبات كلها عنه بالنسب الكائنة في الايقاع، فلنقرر من احكامها ما يليق بهذا المحل و نكل تفاريعها إلى مواضعها من كتبنا و غيرها.
ص: 229
كل صناعة تتعلق باليد فموضوعها الجسم الطبيعي الا الموسقيري فموضوعه الصوت المشتمل على الالحان المخصوصة، و قد وقع الاجماع على أن المخترع لهذا الفن المعلم الثاني بوه سميى معلماً، و هذا الكلام يشبه أنه ليس كذلك؛ لما رأيناه في تراجم فرفوريوس من انه قال للمعلم حين فرغ من المنطق: هل أبقيت شيئاً قال: نعم ما دونته نصف مادية الالفاظ و بقيَ في النفس نصف لا يدخل الالفاظ بل هو مجرد الهواء.
و هذا الكلام مادته نصف مادة الالفاظ و زيادة لمن تأمل ما وقع في الهندسة و النحو و غيرهما من العلوم، فيكون ما ألفه الفارابي إبداعاً؛ إذ من البعيد أن نقف على نحو لفظ يوناني و لم يقف هو عليه مع اجتهاده في ذلك و كيف كان فهو الذي الف و ابدع و قسم و نوع و رتب الالحان و وفق الامراض و الابدان و حرر النسب الفلكية في النغم و الاصوات، و قد كان غناء الناس قبله اختيارياً يأخذونه قياساً على نطق الحيوانات فالطفه ما يحاكي به الطير البري عند الصباح في الرياض المتشابكة ذوات المياه الجارية خصوصاً العندليب و الهَزار و المطوق. و منهم من يقيس على حركة المياه في المصابِّ المختلفة و النواعير(1) و الدوالي. و منهم من يحاكي الهواء عند دخوله في منافذ يصنعونها، و منه اخذت ذوات الشعب المثمنة على ما رأيته في الاستدراك و الاسرار اليونانية، و اكثر الحان الصين عليه إلى الآن.
و اما الهند، فقد لحنوا على طريق الاواني المجوفة و عايروها بالماء على انماط مختلفة. و الروم بالنحاس و الخشب و على ذلك لحنت الاناجيل في الكنائس و استمر الأمر حتى جاء هذا الرجل فاستنبط من هذه المواد و نحوها نسباً قارن بها الطبائع و الحركات الفلكية و اخترع العود المعروف بالسيج و جعل اوتاره على وزان تفريع اورطا من القلب إلى الاصابع
ص: 230
و اختصر ذات الشعب حتى ضرب بها وحده، ثم غير الناس بعده انماطاً مختلفة ليس هذا موضع بسطها، و قد فصلناها في التذكرة و غيرها.
و الذي يخصنا هنا احكام الاصول التي عليها المدار و كيف دل النبض على احوال البدن بواسطتها.
اعلم أن الملاذ التي عليها مدار الوجود أربعة افضلها المأكل؛ لعدم قيام البدن بدونه، و يليه السماع لتعلقه بالنفس و هي اشرف جزء للبنية، و يليه النكاح لتعلقه بايجاد النوع ثم الملبس لحفظ البدن، قال و ليس التبسط فيه من مقاصد العقلاء. لانه من حيث هو مقصود به الوقاية و الستر.
و اما النكاح و المأكل فكلاهما من تعلقات البهيمية اصالة، فما زاد عن توليد النوع و اقامة الجسم منهما بطر.
و أما السماع فليستكثر منه من شاء ما شاء؛ لانه أقل الأربعة حاجة إلى مزايلة جارحة بل كل ما وافق الدعة و السكون كان ادخل في المزاج، ثم لا يختلف بالنسبة إلى النفس من حيث الآلات اختلافاً يعتد به، و انما الاختلاف من حيث اللحون و الاغاني، فإن كانت في ذكر الشجاعة و الحروب ناسبت اهل طالع المريخ و الغضب و كانت أكثر حظاً منها الحيوانية، أو في العشق و محاسن الاغزال و لطف الشمائل و مدح اهل العلوم و الآداب ناسبت اهل الزهرة و عطارد، أو في الديانات و الزهد فالمشتري أو في الكتابة و الحساب و تدبير الممالك فالقمر و عطارد أو في السلطنة و علو الهمة فالشمس. و اكثر النفوس حظاً من هذه الاقسام النفس الناطقة و قوتاها العاقلة و العاملة. أو تعلقت بالمآكل و المناكح و التطفل و نحو ذلك فأهل حضيض السفليات، و اولى النفوس بها الطبيعية، أو بذكر الرياض و الغراس و السياحة و استنباط العلوم الدقيقة و طول الفكر فأهل زحل، و على هذا يجب على صاحب هذه الصناعة إذا اراد بها بسط قوم أو معرفة مرض أو رفع تشاجر أو دفع هم أن يتحرى
ص: 231
المناسب في مجلسه، فإن اعجزه كثرة الجمع الف من ذلك نسباً صالحة، فإن عجز قصد مناسبة الرئيس الحاضر و طالع الوقت فانه يبلغ الغرض، و متى وقع السماع و لم يصب صاحبه غرض الطالب فآفاته التي منعت اما من حيث الآلة و اللحن أو الضارب أو الطالع أو شغل قلب السامع بمهم فليعدل ذلك أولًا.
ثم الصوت، هو الهواء الممتزج بين قارع و مقروع فإن تجوفاً كثر أو صلباً يبس أو اختلاف الطرق فسد و الا صح. و الالحان تنزيل ذلك الصوت على النسب المخصوصة. و السماع الاصغاء لذلك.
إذا عرفت هذا فاعلم: أن فواصل الالحان تكون بالحركة و الانتقال، و يقابل هذه جنس الحركة في النبض، و قد عرفت انها اما سريعة او بطيئة. لا شك أن الايقاع و الالحان إذا دخلًا في السمع اوجب سريان الهواء عنهما حركة القلب و هي توجب تغير النبض لذلك تغيراً يفصح عما أخبأته الطبيعة خصوصاً في نحو الجنون و العشق، ثم الصوت الكائن حينئذ اما عظيم أو جَهوَّرٌ او مادّ و اضدادها، و هذا كجنس المقدار و اقسامه عليه تتفرع الانباض. و زاد بعضهم السرعة في الصوت.
و الصحيح: انها من الحركة و الحدة. و الغلظ كالصلابة و اللين فيما مر و يظهر كل بالاضافة، و لما كان بالضرورة بين كل حركتين سكون؛ لاستحالة اتصال الحركة كما مر وجب انقسام الاصوات كمّاً إلى منفصلة يقع السكون بين نقراتها كالاوتار، و هي اما حادة و عليها سرعة الضرب الواقع في الحميات الحادة و عكسها العكس، و من الكم متصل كالمزامير، و المقابل لهذه النبض السريع و الموجى. و حاصل الحدة راجع إلى حذق الوتر كما أن سرعة النبض و صلابته تكون عن فرط الحرارة و الحميات و بالعكس، فاذا تألف على نسب طبيعية حدث الاعتدال، و هذه الصناعة التي هي في الغناء مؤلفة من سبب و وتد و فاصلة كالعَروض، فالسبب هنا نقرة يليها سكون و هكذا اجزاء
ص: 232
النبضة، و الوتد سكون بعد اثنتين و الفاصلة بعد ثلاث و هذه كالنبضة الواحدة؛ لأن بهذا القدر تتوطن النفس على نسبة الايقاع و الطبيب على حال البدن، فاذا تركبت ثنائية كان الحاصل تسعة أو ثلاثية فعشرة، و لا يخفى التفريع و لذلك كان النبض بالقسمة الاولية و المزاج و النسب و الاوتار تسعة عشر و إن تأصلت أربعة كمثلثات الفلك و تسعة كالنقلة فيه و في الرمل و اثنى عشر كالبروج و ستة و ثلاثين كالوجوه و تسعين كدرج الربع و مائة و عشرين كالقطر إلى غير ذلك، و كل اوتار آلة الا ترى أن القانون مائة و عشرون كل أربعة نسبة و التسعة للعود و الاربعة للتدريج و الثلاثمائة و الستون لذات الشعب و هكذا، و من ثم يختلف الايقاع و الآلات كالأزمنة و البلدان فقد صرح الموصلي و غيره بوجوب حذق الاوتار شتاءً و ضرب نحو القانون فيه؛ لكثرته و كون اوتاره الشريط النحاس فإن ذلك يوجب الحدة و هي تحرك الحر و اليبس و ذلك يوجب الاعتدال حينئذٍ، و في الصيف بالعكس و قس باقي الطوارئ تُرشَدّ، و إذ قد عرفت انه لا بد بين كل نقرتين من سكون فإن ساوى زمنه زمن النقرة الواقعة قبله و بعده فهذا النمط هو العمود الأول، و يسمى ( (الخفيف المطلق))، و إن طال زمن السكون على زمنها فهذا هو العمود الثاني و ( (الخفيف الثاني))، و على الأول متواتر النبض و الثاني متفاوته، هذا إن كان ما زاده السكون عليها قدر نقرة، فإن كان بقدر ثنتين فهو الثقيل الأول أو بقدر ثلاثة فالثقيل الثاني، و ما زاد على ذلك فغير مستلذ، و على كل من الأربعة يتخرج وزن النبض و قد سبق،
ثم الجنس التاسع الذي هو الاصل يتبع هذه النسب في الثقل و الحركة و السكون استواءً و اختلافاً على نظم طبيعي و غير طبيعي أو بلا نظم كما ستراه من أنواعه المركبة، فهذا غاية ما يمكن تطبيق النبض عليه من هذا العلم.
ص: 233
تنبيه
و لما كان الالتذاذ بهذا العلم موقوفاً كماله على الآلات و كانت كثيرة مختلفة بحسب الازمنة و الامكنة و الامم و كان أَلذُها الآن هذه الآلة المصطلح عليها الآن و الموسومة بالعود المركب من أربعة في الأكثر المضاعف عند بعض الناس إلى ثمانية؛ لشهرته و الاتفاق عليه دون غيره احببنا أن نضرب لك مثلًا لمناسبة به ليكون اصلًا لكل ما أرشدك إليه عقلك من الالآت فتجعل التصرف بحسبه فنقول:
الواجب في هذه الآلة أن يكون طولها مثل عرضها مرة و نصفاً و عمقها كنصف عرضها و عنقها كربع طولها، و الواحد في ثخن الورقة من خشب خفيف و وجهه اصلب و تمد عليه أربعة اوتار و اغلظها البم بحيث يكون غلظه مثل المثلث الذي يليه مرة و ثلثاً و المثلث إلى المثنى مثله كذلك مرة و ثلثاً و المثنى مثل الزبر كذلك، و قد ضبطوها بطاقات الحرير، فقالوا يجب أن يكون البم اربعاً و ستين طاقة و المثلث ثمانية و اربعين و المثنى ستة و ثلاثين و الزبر سبعة و عشرين، و تجعل رؤوسها من جهة العنق في ملاوي و الاخرى في مشط فتتساوى اطوالها، ثم يقسم الوتر أربعة اقسام طولًا و يشد على ثلاثة ارباعه مما يلي العنق و هذا دستان الخنصر، ثم يقسم الآخر تسعة و يشد على تسعة مما يلي العنق أيضاً و هذا دستان السبابة، ثم يقسم ما تحت دستان السبابة إلى المشط اتساعاً متساوية و يشد على التسع مما يلي المشط و يسمى هذا دستان البنصر فيقع فوق دستان الخنصر مما يلي دستان السبابة، ثم يقسم الوتر من دستان الخنصر مما يلي المشط ثمانية اقسام و اضف إليها جزءاً مثل احدها مما بقي من الوتر و تشده فهو دستان الوسطى و يكون وقوعه بين السبابة و البنصر، فهذا الاصلاح هو المصحح للنسب فإذا حزق وتر منها إلى غاية معلومة سمَّي الزبر، فيحزق المثنى على نسبة تليه في الانحطاط و هكذا مع الجس بالخنصر و الضرب حتى يقع التساوي، فالزبر
ص: 234
كعنصر النار في الطبع و التأثير و المثنى كالهواء و المثلث كالماء و البم كالتراب فانطبق على الاخلاط و الامزجة افراداً و تركيباً، و يقوي ما تكون من الاخلاط من سجايا و امراض و امكنة و ازمنة حتى قيل: إن لطف النار مثل لطف الهواء مرة و ثلثاً و هكذا الهواء بالنسبة إلى الماء و الماء الى التراب كما مر في الاوتار.
و أما تضعيفهم هذه الاوتار حتى جعلوها ثمانية فلما مر من انها أول مكعب محدود، و لان الارض كذلك فشاكلوا بذلك مزاجها و قد قيل إن هذه النسبة مستمرة إلى الفلك فإن قطر الارض ثمانية و الهواء تسعة و القمر اثنا عشر و عطارد ثلاثة عشر و الزهرة ستة عشر و الشمس ثمانية عشر و المريخ احد و عشرون و نصف و المشتري أربعة و عشرون و زحل سبعة و عشرون و اربعة اسباع و الثوابت ثلاثون، و لان التثمين داخل في اشياء كثيرة منها تضاعف المزاج و الطباع.
و بالجملة: فقد اختلف ميل طوائف العالم إلى مراتب الاعداد كما عشقت الصوفية الواحد فطوت الأشياء فيه و المجوس الأثنين و النصارى الثلاثة و اهل الطبائع الأربعة و اهل الاوفاق الخمسة و الهندسة الستة و الحكماء الفلكيون السبعة. و الذهن من حيث هو يستحسن النِسَب حتى إذا برزت إلى الخارج زادت النفس بسطاً فإن الكتابة تحسن بمناسبة حروفها استقامة و تدويراً و غلظاً ورقة و استدارة و لو بمجرد الانحناء، فقد قيل: إن الحروف كلها و إن اختلفت بحسب الامم لا تخرج عن خط مستقيم و مقوس و مركب منهما.
ثم قوانين الغناء لا تخرج عن ثمانية، ثقيل أول من تسع نقرات ثلاثة متوالية و واحدة كالسكون فخمسة مطوية الأول، و ثقيل ثان من احدى عشرة ثلاثة متوالية فواحدة ساكنة فثقيلة فستة مطوية الأول و خفيف ثقيل الأول من سبعة ثنتان فثقيلة فاربع مطوية الأول، و خفيف الثقيل الثاني من ستة ثلاثة متوالية فسكون ثم ثلاثة و رمل من سبعة ثقيلة أولى فمتواليتان فسكون، هكذا إلى اخره، و خفيفة من ثلاث نقرات متوالية متحركة و خفيف الخفيفة
ص: 235
من نقرتين بينهما سكون قدر واحدة و هجز من نقرة كالسكون ثم سكون قدر نقرة ثم بين كل اثنين سكون، فهذه اصول التركيب، و انما تكرر بحسب استيفاء الادوار.
و هي كثيرة لكن تعود إلى اصول منها إلى التاسع ثمانية(1): احدها: المُسلّى، بالتشديد بالنسبة إلى المسلة من آلات الخياطة، سمى بذلك؛ لرقة طرفيه و غلظ وسطه، و يدل على اجتماع الاخلاط في الصدر و الشراسيف و القلب و كمال الربو و الدُّبيلات و امتلاء المعدة، و يعرف تحرير الخلط من باقي البسائط و هو سهل.
ثانيها: المائل، و هو عكسه هيئةً و دلالةً.
ثالثها: الموجي، و هو المختلف في الاجزاء تدريجاً بحيث يكون الاعظم الخنصر و يظهر اختلافه عرضاً فأشبه الامواج، و يدل على فرط الرطوبة و الاستسقاء الزقي و الحمى و ذات الرئة و غلبة الامراض البلغمية.
رابعها: الدَوري، و هو موجى ضعفت حركته باسهال إن طال و الا فالمجفف من داخل كأخذ نحو الافيون و ما يكيف المزاج إلى فساد الرطوبات و قد يقع في البحارين؛ لنقص الرطوبات، و يكون ابتداؤه عن الموجي فيرد إليه كما في الهيضة.
خامسها: النملي، سمى بذلك؛ لدقته و ضعف حركته و يقع في رابع الحادة فيدل على الموت في الخامس عشر، و بعد الوضع مع وجود الحمى فيدل على الموت في الحادي عشر، و يكون عن الدوري أيضاً فيرد إليه إذا انتعشت القوى بشرب ما يقوى القوة كدواء المسك و البادزهر.(2) و انكر قوم انقلابه، و الصحيح ما قلناه. و كل ما دل عليه الدوري دل عليه النمليّ لكنه اشد رداءة و ضعفاً في القوى.
ص: 236
سادسها: المنشارى، و هو ما اختلفت اجزاؤه تواترا و سرعة و صلابة و عكسها، و كان قرعه للاصابع متفاوت التساوي كأسنان المنشار، و يدل على فرط اليبس و يختص بذات الجنب و الدبيلات و الاورام.
و سابعها: المرتعد، و يدل على الرعشة و نحوها من امراض العصب بحسب مواقع اجزائه كما مر.
ثامنها: المتشنج، و دلالته كالمنشاري مطلقاً في غير ما اختص به ذلك قالوا: و هذه الاجناس تخص النبضة مع عمومها مواقع الاصابع، و يكون عن الجنس المذكور اجناس آخر لا تعُد. و إن خص موقع اصبع واحد فأجناس:
احدها: الغزالي، و هو المتحرك بحركة يسكن بعدها ثم يتحرك اسرع من الأولى فإن طال السكون الواقع في الوسط سمَّي منقطعاً. و انما سموه بالغزالي؛ لأن الغزال يطفو عن الروض و يسكن في الجو و ينزل مسرعاً. و يدل هذا على ضعف القلب و اختلال حركاته و الغشاء و استيلاء الخلط الحار.
و ثانيها: ذو الفترة، و هو الساكن حيث تطلب الحركة، و يدل كالاول على استفراغ خلط بارد إلى نواحي القلب.
و ثالثها: الواقع، في الوسط و هو عكسه.
و رابعها: المطرقي، و هو نبضة كنبضات و العكس، سمي بذلك؛ لسرعة ارتفاعه و هبوطه كالمطرقة. و اطلقوا تفريعه كالسابقة.
و الحق ما نبه عليه الفاضل الملطي من أن هذا النوع لا يتركب عن سوى المقدار و الحركة، و يدل على قوة القوة و مزاج القلب و فرط اليبس و يكون عن خفقان، و في الحمل يدل على الاسقاط، فهذه الاجناس الخاصة.
اما الكائنة في النبضات الكثيرة فهي أيضاً انواع، المشهور منها ( (ذنب الفأر))، و هو نبض يدق تدريجاً إلى حد ثم يعود كذلك فيغلظ من حيث دق و يتدرج رجوعاً أو كالاول، و على الحالتين اما أن يستوفي الدور، و هو ( (الكامل)) أو ينقطع دونه، و هو ( (الناقص)) و يقال الراجع و العائد و لعسكه المتصل. و هذا
ص: 237
النوع ينقسم فيما حرروه إلى ستين الفاً، بل قال الامام الرازي في حواشي القانون: لا ينحصر. و انما المشهور منه ما استوفى الادوار، و هو المقتضي و العائد و الراجع و الواقف و المنقطع هذا كله في النبضات: و قد يكون كذلك بالنسبة إلى المقدار فيعظم أو يطول أو يعرض أو يشرق أو ينعكس أو يعتدل بين ذلك و كلها اما في نبضة أو أكثر و كل اما باستواء أو اختلاف و كل اما مع نظم أو بلا نظم، فهذه مائتان و ستة عشر، فاذا ضربتها في اقسام الحركة بلغت ستمائة و ثمانية و اربعين، و هكذا المجموع في باقي الاجناس، و به يتضح ما قلناه مثال المنتظم أن يضرب النبضات على نمط دوراً ثم آخر مثله، و المختلف بالعكس، و قد ينتظم نبضتين عظيمتين ثم صغيرتين ثم عظيمة ثم صغيرة ثم يعود إلى الأول، و يقال لهذا منتظم الادوار مختلف العدد، و كلما كثر الاختلاف دل على اختلاف احوال البدن و القوى و عجز الطبيعة عن التصرف.
اعلم انه لا خلاف بين العقلاء في توقف التأثير و التأثر على القابلية و الفاعلية و الزمن الموفّي لتمام ذلك، و لا شك أن النبض فيه فاعل هو الحرارة و قابل هو العرق و يسمى ( (الآلة)) وداع إلى ذلك و هو الحاجة إلى الترويح فاذا اشتدت الثلاثة عظم النبض ضرورة، لكن مع لين الآلة لتقبل الانبساط فإن عدم اللين كانت السرعة و الصلابة سببها البرد و لو من خارج، و النبض القوي سببه اعتدال الآلة مع قوة القوة؛ و من ثم كان الموجي دليل العرق في البحارين، و ما سوى العرق فيها فنبضه صلب، كذا قرره الفاضل الملطي جامعاً به بين التناقض الحاصل بين الشيخ و جالينوس، فقد
ص: 238
قرر الشيخ: انه يصلب في البحارين. و جالينوس: أن الموجي ينذر بالعرق و من عد هذا تناقضاً فقد أخطأ؛ لأن الحكم على المجموع لا ينافي خروج بعض افراده كالجميع.
و حاصل الأمر: انه إذا دل على شي ء فلا بد و أن يتقدم ما يوجبه، و كل نوع مما ذكر فسببه معلوم مما تقدم ضرورة كعلمنا بأن سبب ذي الفترة عجز القوة و المائل انتباهها في آخره و النملي سقوطها و هكذا.
قد قدمنا أن النبض يتغير بسبب يخرجه عن حاله نفسياً كان كالغضب أو خارجياً اما ممازجاً كالسكر أو لا كالحمام، و من ثم أَلزموا اخذه عند القيام من النوم و اعتدال البدن إلى غير ما ذكر، فراى جالينوس انه لا غنية للطبيب عن النظر في غير الوقت الصالح لضرورة طارئة فاحتاج إلى قانون يكون به ضبط الطوارئ، فقرر: إن الواجب على الطبيب أن يعرف نبض الشخص حال الصحة حتى يعرف حال الانحراف بالنسبة إليها؛ و من ثم منعت الملوك اطباءها من نظر الانباض المختلفة حذراً من التزلزل، فرأى ذلك عسراً فأعمل الفكر في ايضاح طريق يضبط ذلك فصحح بعد الاحكام أن الاختلاف عائد اما إلى المزاج و مقتضاه العظم و القوة إن كان حارا و إلّا الضد، و عليه تتفرع البواقي من صناعة و مكان و سن و غيرها فإن الحدادة و الحجاز و الشباب يلزمها ما يلزم الحار المزاج قطعاً فلا حاجة إلى ما فرعوه، و لكن اذكره كما ذكروه. أو إلى الذكورة و الانوثة و لا شك انه في الذكورة يكون اقوى و اعظم و في الانوثة اشد سرعة و تواتراً أو إلى السحنة و مقتضى القيافة قوته و ظهوره في الارتفاع لقلة
ص: 239
اللحم المانع له من ذلك، و العبولة عكسها إلا انها إن كانت شحمية لزم أن يكون رطباً أو إلى اليبس، و مقتضاها عظمته في الصبوة و الشباب و زيادة التواتر في الأولى و السرعة و العظمة في الثانية، و الكهول عكس الأولى و الشيوخ الثانية.
أو إلى الفصول، و لازم الربيع الاعتدال و الخريف الاختلاف و الصيف و الشتاء الصغر و البطء و الضعف؛ لتحلل الحرارة في الأول و اختفائها في الثاني و عكسه، و عليه لا بد من التواتر فيه بالنسبة إلى الصيف، كذا قالوه و عندى: أن الفصول كالاسنان الربيع كالصبيان و هكذا، و الهواء كالفصول قالوا: و كذا الاماكن و الواجب يبسه في الجبالية و الحجرية و بطؤه و تواتره في الباردة و عِظَمُه و امتلاؤه في الجنوبية و العكس.
أو إلى النوم، و مقتضى اوله كمقتضى الصيف من البطء و التفاوت و الضعف لدخول الحرارة و وسطه كذلك عند الشيخ قال: لأن احتقان الحرارة لا يوجب عظمته و نازعه الرازي، و الصحيح: انه إن كان بعد الغذاء فالواجب أن يصير عظيماً للهضم و النمو، سريعاً قوياً لزيادة القوة و الا استمر متزايداً في الصفات السالفة، و آخره كأوله مطلقاً اما في الجوع فظاهر و اما في غيره فلكثرة ما يندفع إلى تحت الجلد مما لا تحله إلا اليقظة، و كلما طال زادت الصفات، هذا هو الاصح من خبط كثير بينهم.
و اما الحمل فأوله يستلزم العظم و السرعة و القوة إلى الرابع فينقص القوة إلى آخر السادس فينقص العظم لعجز القوى و تستمر السرعة اجماعاً، لكن على ما كانت عليه في الاصح.
و قال الرازي و ابو الفرج تزيد و ليس كذلك لعدم موجبها و انما يزيد التواتر لضعف القوة، فهذه موجباته الطبيعية.
و اما ما يغيره ما سوى الطبيعي.
فمنها الرياضة، و نبض أولها قوي عظيم سريع مع تواتر قليل فإن طالت تناقصت الصفات إلا التواتر للاعياء و التحليل.
و منها الموجبات النفسية؛ فالغضب كأول الرياضة لتحرك الحرارة فيه إلى الخارج دفعة و دونه الفرح
ص: 240
للتدريج و عكسه الخوف، لكن السرعة فيه توجد بعد البطء و الضعف أولًا و يعقبها التواتر و دونه في ذلك الغم لما سبق من انه عكس الفرح، و أما الهم فحكمه الاختلاف لعدم ضبط النفس فيه.
و منها الاستحمام فإن كان بالماء الحار كان النبض في اوله عظيماً قوياً سريعاً متواتراً و تنقص الأربعة بطول الاستحمام حتى يعود إلى الضد أو بالبارد كان بطيئاً ضعيفاً متفاوتاً صغيراً، الا في السمين فيكون سريعاً ما لم يبلغ التطويل في الماء نكاية للبدن.
و منها المتناولات، و نبضها مختلف مطلقاً في الدواء سريع عظيم أول السكر و في آخره مختلف و في الاغذية يكون في قلة الكم قوياً لنفوذه، و في الباقي مختلفاً بحسب الاغذية كمّاً و كيفاً.
و أما ما يرد على البدن من الأمور المغيرة غير الطبيعية، فقد تكون عرضية و هي الافراط من الطبيعيات حتى تكون خارجة عن الطبع بهذا السبب، و قد تكون أصلية مثل الامراض و لوازمها، و النبض في هذه الحالات جزئي يؤخذ بالاقيسة و يأتي في الأمراض الجزئية.
و تسمى ( (التفسرة))؛ لانها تكشف عن حال المرض و اسبابه. و الكلام فيها يستدعى أموراً.
الأول: في شروطها
و اول من عينها و قرر الكلام فيها ابقراط ثم توسع الناس فأفردوها بالتأليف و رغب فيها أكثر حكماء النصارى استسهالًا لها عن النبض. و الواجب في العمل بها تصفية الذهن و امعان النظر و استحضار القواعد و استصفار الغذاء و كون الاناء المأخوذ فيه البول من بلور أو زجاج صافٍ نقياً من سائر الكدورات، و أن يؤخذ البول بعد نوم؛
ص: 241
لاجتماع الحرارة فيه في الاغوار فتتحلل الفضلات الممرضة فيه، معتدل لما في القصير من قلة التحليل و الطويل من زيادته و كلاهما مانع، و أن يكون في الليل؛ لأن نوم النهار غير طبيعي فلا دلالة في تحليله، و أن يكون على اعتدال من الامتلاء و الخلاء لما في الأول من الغلظ و الفساد و الثاني من الرقة و الفضلات الصابغة، و كونه أول بول بعد النوم المذكور و إلا اختلت الشروط. و لا دلالة فيما دوفع و احتقن طويلًا؛ لكثرة ما ينحل فيه من الفضلات الزائدة، و لا المأخوذ عن قرب من تناول الغذاء؛ لانصراف الحرارة عنه إلى الهضم فيقل صبغه، و لا أثر الشرب أيضاً؛ لكثرة الكمية و التحليل بذلك، و لا بعد حركة صابغ من داخل كالبكتر و لا خارج كالحناء و لا مدر كبزر الكرفس، و لا بعد حركة بدنية و لا نفسية؛ لأن الجماع يدسم و الغضب يعدم اللون و الخوف يصبغه. و أن يكون البول كله فلا دلالة في بعضه؛ لعدم استكمال ما ينحل من رسوب و زبد، و أن ينظر فيه قبل مضي ساعة على الأصح. و جوز قوم إلى ست ساعات، و هو بعيد؛ لانحلال الرسوب فيها. و لا يجوز نظره حين يُبال، لعدم تمييز أجزائه. و متى رأته الشمس أو الرياح أو حرك كثيراً بطلت دلالته لامتزاجه، و كذا إن كانت القارورة غير مستديرة لميل الكدورات إلى الزوايا. و لا يجوز ابعاده عن النظر لرقة الغليظ حينئذٍ و لا العكس للعكس، بل يكون معتدلًا، فهذه شروط الظرف و المظروف. فرع
و شك في دلالة البول على أعضاء الغذاء كلها؛ لانه فضلة مائية تميزها العروق عن الكبد فما بعدها بلا شهوة، و عليه الشيخ و اتباعه.
و قال جالينوس و غالب القدماء: تدل على سائر الأعضاء، لأن الحرارة تصعد الماء و القوى تجذبه مع الدم الى الاعماق ثم يعود إلى مسالكه، و قد مر على جميع الأعضاء. و فيه نظر: لأن الواصل إلى نحو الدماغ ليس جوهر
ص: 242
الماء و إلا لاحس بذلك و انما الواصل أثر الكيفية.
قالوا: لو لم يكن الأمر كما ذكرنا لم يتأثر البول بالخضاب. قلت: ليس التأثر بالخضاب من وصول الماء إلى نحو الاصابع و إلا لتأثر من خضب مثل الظهر؛ لانه اقرب، و ليس كذلك، بل لأن الاطراف متصل بها فوهات العروق فيتكيف به الدم ثم يعود إلى الكبد.
قالوا: و لو لم يصعد إلى الاعماق لما أشبه العرق البول رائحة و غيرها و لما قل عند كثرة الادرار و العكس. قلت: لا دلالة في ذلك؛ لأن تروح العرق بما احتبس تحت الجلد لا بما تعفن في مسالك الغذاء و الا لنابت الادوية عن الدهن و الحمام مطلقاً، و التالي باطل فكذا المقدم، و أما كثرة العرق عند حبس البول، فلانصراف الفاعل إلى جهة مخصوصة، على انا لا نسلم أن ذلك متحد، بل يجوز أن يكون حبس البول السدد في المجرى، و كذا قلة العرق حال الادرار، و الذي يجب هنا أن يقال: هو دال على أعضاء الغذاء بالمطابقة و على غيرها بالالتزام و التخمين.
الثاني: في ذكر فروق ترفع منزلة الطبيب
قد جرت العادة بامتحان العامة الفضلاء، فقد قيل: إن الاستاذ أبقراط حين دعاه بعض ملوك اليونان ليطبه أخرج إليه قارورة و كانت بول ثور فقال له ممَ يشتكى هذه المريض؟ فقال: بقلة التبن و الحب فرفع مكانه، و الامتحان قد يكون ببول و بغيره من السيالات المائعة اما بحتة أو ممزوجة بعضها ببعض أو ببول انسان، و كيف كانت فلا دلالة فيها لما مر، فاذا عرفت احترز عنها، فما كان فيه كالقطن المنفوش و كان عادم الزبد فبول جمل أو إلى البياض و الصفرة فغنم أو كالسمن الذائب مع الكدورة فحمار، أو صفا اعلاه على حد النصف ففرس أو وجد فيه لطخات فعسل(1) و نحوه أو سحابة لا تنتقل بالتحريك فنحو سكنجبين، أو مال زبده إلى الصفرة ففيل، كذا قالوه. و ليس على اطلاقه لما في بعض البول من ذلك، أو كان رسوبه إلى مكان واحد فماءتين.
ص: 243
و حاصل الأمر: إن غير بول الانسان لا يستدير رسوبه و لا يفنى زبده و لا توجد فيه العروق الشعرية، و اللبن لا يغش به؛ لانه لا ينفك حين يمكث عن زبد يعم الاناء و تتساوى اجزاؤه بخلاف غيره، و ما كان على رأسه صبابات منقطعة خصوصاً بالتحريك فدهن، فإن كان الرسوب مثل الدهن و كان إلى الصفرة فبول الضأن، و ما ضرب إلى الحمرة و الثخن و كثرت رغوته و ثقله فبول ثور، و إن كان في الربيع كان إلى الخضرة جداً، و ما ذيب فيه نيلج مال بالقارورة إلى الزرقة و السواد أو بزعفران أحمر وسطه و مال رسوبه إلى الصفرة و لم يثبت زبده.
الثالث: في اجناس البول المستدل بها
و هي تسعة عند القدماء و سبعة عند المتأخرين و يحصرها الكم و الكيف.
احدها: اللون، و هو اما أبيض بمعنى الشفافية، و يدل على البرد ما لم يكن خروجه بسبب آخر كالضغط في ديانيطس الآتي ذكرها في الحميات، أو أبيض بالحقيقة فإن كان مخاطياً دل على استيلاء البلغم أو دسما فعلى انحلال الشحم أو رقيقاً تصحبه مادة فعلى انفجار قروح في طريقه و بدونها على الخام و اللزج أو أشبه المني فعلى بحران البلغمية إن وقع في ايامه و إلا أنذر بنحو سكتة أو فالج، و مطلق الرقيق الأبيض إن وقع في الصحة دل على سوء الهضم برد نحو المعدة أو في المرض ففي البارد و الزمن على عدم النضج، و في الحار على انصراف الصابغ إلى الأعلى، فإن كان هناك سرسام فالموت و إلا انتظر السرسام منذ يخرج الأبيض، فإن كان الدماغ سليماً توقع السحج. فرع
قد ثبت أن الأبيض لا يخرج إلا في الأمراض الباردة و غيره في الحارة؛ لأن الانصباغ يكون بالحرارة لمزيد التحلل أو لاخذ الصابغ و الخصب به، لكن قد استثنوا من هذا الضابط مسائل انعكس الأمر فيها.
ص: 244
الاولى: قد يخرج البول أبيض و في الحمى الحارة؛ لاختفاء الحرارة فتعصر العروق كما سيأتي.
الثانية: انه قد يخرج احمر في البارد كما في القولنج، و هذا اما لشدة الوجع الموجب للتحليل بالانزعاج، أو لسدد في مجرى المرارة و الكبد.
الثالثة: قد يخرج مصبوغاً و لا حرارة هناك، و هذا اما لعجز الكبد عن التمييز كما في الاستسقاء أو لانفجار خلط عفن. و علم ذلك كله لغير الحاذق من علامات آخر حسية و لو من نفس الخارج؛ لأن حسن التأمل يوضحه.
أو احمر: و أنواعه: نازي هو اشدها و أعظمها دلالة على الالتهاب و العطش و غلبة الصفراء على الدم، و يليه الاترنجى؛ لانه يدل على قلة الصفراء و هو إلى الصحة اقرب، و مثله الزعفراني المعروف بالاحمر الناصع كذا قاله الأكثر.
و الصحيح: انه ارفع من الاترنجي و دون الناري، و يدل مثله لكن هو منذر بطول المرض و اختلاط المائية بالدم و ميل الخلط إلى الكبد، و يليه القاني، و هو الشديد الحمرة و يدل على استيلاء الدم و قد يكون معه كغسالة اللحم فإن كان مع البول دل على ضعف الكلى أو محدب الكبد أو انفجار عروق المثانة، و إلا فعلى محدبه و ما يليه، و قد تشتد حمرة البول بلا دم لامتلاء هناك، و متى غلظ الاحمر و كثر و قوى صبغه في اليرقان دل على انحلال العلة و عكسه ردئ خصوصاً في الاستسقاء، و رقيق الاحمر بعد غليظه خير من العكس خصوصاً إذا كثر فانه ينقي الحمى. نص عليه في الفصول. و من كان رسوب بوله أول المرض كثيراً فانه يؤول إلى هذا أو اسود، فإن كان بصابغ من خارج فلا كلام عليه، و الأول إن ضرب إلى الصفرة و الحمرة و تمزق ثفله و قويت رائحته دل على فرط الاحتراق و بعكس هذه الشروط على شدة البرد، و متى وقع بعد تعب انذر بالتشنج، و هو في الحميات ردئ مطلقاً، لكن الأول قتال خصوصاً القليل
ص: 245
الغيلظ، و في آخرها إن اعقب خروجه الرائحة آل إلى الصحة و إلا العكس، و لا رجاء في الاسود لغير الشبان، و قد يدل على صلاح الطحال و خفة الامراض السوداوية إذا وقع في البحارين و ساعدته العلامات الصحيحة.
أو اصفر: و أعلى أنواعه: الكراثي، و يدل على الاحتراق و حمى العفن و الالتهاب في الزنجاري و هو اشد احتراقاً و إن دل على فرط الحرارة، لكنه قد انحل بالاحتراق إلى جهة البرد فالتبني، و يدل على ضعف الكلى و انحلال الحر، فالاصهب، و يدل على مخالطة البرد و المائية، و ما فيه دخان أو كالسحاب يدل على الصداع و طول المرض.
أو اخضر: و يدل على احتراق الباردين و استيلاء العفونة على الكبد و العروق و ذهاب الرطوبات.
ثانيها: القوام، و جملة القول عليه أن رقيقه يدل على عدم النضج و غليظه بالعكس و المعتدل على التوسط في ذلك، لأن الماء إذ ورد على الغذاء فإن مازجه اكتسب غلظاً و إلا خرج بحاله، و على هذا فالرقيق يدل اما على التخمة؛ لأن الغذاء لم ينضج و يعرف هذا باختلاف اجزاء الماء، أو على السدة لحبس الغليظ بها و يعرف بالثقل و قلة الثفل أو على انصراف الصابغ، و ما يوجب التغليظ إلى غير مسالك البول، و هذا منذر بالخراج و طول المرض، و قد يرق لكثرة شرب الماء. قاعدة
البول الرقيق إن خرج و دام على رقته فالطبيعة عاجزة، فإن ثخن بعد خروجه فقد انتبهت للفعل و الغليظ بالعكس. فروع
الاول: قد يدل الغليظ على انفجار المواد و تفتح السدد و اندفاع الاخلاط فإن أعقب الراحة و انتعاش القوى و جودة الذهن فجيد و إلّا فلا.
الثاني: إذا كان المتحلل في البول هو الخلط الممرض دل على قوة الطبيعة و غلبة السلامة و إلا العكس، و متى جمد بعد خروجه لكثرة دسومته دل على ذوبان الشحوم و قوة البرد.
ص: 246
الثالث: قد يكون الغليظ لحسن النضج و تمامه، و ذلك إذا تناسبت اجزاؤه، و اما إذا اختلفت فلا يسمى غليظاً بل خاثراً، و يدل هذا على ارتفاع الابخرة و فساد الرأس و الصداع.
الرابع: الاصل في بول الاطفال مشابهة اللبن و الصبيان الغلظ و الشبان النارية و الاعتدال و الكهول الرقة و البياض اليسير و الشيوخ الكثير، فما خالف هذه فله حكمه من رداءة الوزن و جودته في النبض.
الخامس: إن بول النساء بالنسبة للذكور أبيض و اغلظ لسعة المجرى و ضعف الهضم، و اذا حرك لم يتكدر.
السادس: إن بول الحبالى لا بد و أن يكون صافياً لانضمام الرحم، و أن يعلوه كالضباب و ما يشبه ماء الحمص، و أن يكون في وسطه كالقطن المنفوش و حب كالخمير الممروس يطفو و يرسب.
قالوا: و متى خرج البول غليظاً ثم رق دل على انتباه الطبيعة، و إن دام على غلظه فهي عاجزة، و هذا يناقض ما مر. و الصحيح: ما مر من تناسب الاجزاء و عدمه مطلقاً فافهمه. و ما تركب من اللون و القوام بحسبه بسيطاً.
ثالثها: جنس القلة و الكثرة، فالقليل يكون لقلة شرب الماء و يعرف بالغلظ و الدخانية أو لفرط الحرارة و يظهر بالاحتراق و النارية، أو لاستحكام السدد و تعلم بافراط الرقة.
رابعها: جنس الرسوب، و هو في الحقيقة ما نزل أسفل الاناء. و قد يطلق هنا على جزء متميز بصفة ما من كدورة و ارتفاع و مخالفة في لون أو جوهر طبيعي كجزء من الغذاء أو مخالف كرمل، و كل منها قد يكون مجتمع الاجزاء كثيراً أبيض طافياً مستوعباً لمدة المرض سريع الانفصال بنحو تحريك متشكلًا بما هو فيه، و من ثم قال ابقراط: احب أن تكون القارورة على شكل المثانة ليظهر فيها التشكل، أو يكون عكس ذلك في البعض أو
ص: 247
مطلقاً.
و قد وقع الاجماع على أن أجود الرسوب ما نزل لخلوه عن الريح لدلالة المتعلق على احتباس الرياح خصوصاً الطافي، أبيض متناسب الاجزاء لدلالة ذلك على تمام النضج، مستديرا أملس لاحكام الطبيعة له، طيب الرائحة لعدم العفونة، و أن يوجد في الزمن الرابع؛ لانه يدل على انتباه الطبيعة و أن يكون مناسباً لما اغتذى به؛ لتعلم به سلامة الأعضاء الأصلية، و ما عداه ردئ في الغاية إن خالف كل ما ذكر و إلا فبحسبه. فروع
الاول: قد علمت أن الرسوب الطافي غير جيد، مع أن ابقراط يقول: إذا طفا الاسود دل على الصحة و دونه ان تعلق و لا خير في السافل. فإن كان هذا تخصيصاً من تعميم فلا بد من النص عليه كما نبه عليه الفاضل أبو الفرج و إلّا لزم المناقضة و النظر في الاصوب.
الثاني: وقع الاجماع منهم على أن الشفاف خير كله؛ لدلالته على اللطافة. و عندي فيه نظر؛ لانهم اجمعوا على أن الشفافية من اللطف فالكدورة من ضده و كل كثيف حابس للريح، فيكون المتعلق كثيفاً، مع انه يجب أن يكون الطف خصوصاً الطافي، و ايضا اللطيف لا يكون الا لمخالطة الارواح فيكون أخف فيجب أن لا يرسب، و أن يكون دالًا على عجز الطبيعة حتى حلت الارواح و كلامهم يخالفه، و هي شكوك فلسفية ليس لهم عنها جواب.
الثالث: اطلقوا القول في الرسوب زمناً و غيره، مع أن لنا زماناً و سناً و مرضاً و غذاء قد لا يتأتى فيها رسوب أصلًا كالصيف و الشباب و حمى الغب و كثير الصوم و تناول نحو السكر؛ لفرط الحرارة المحللة في ذلك فكيف ينتظر، و عكس المذكورات لا ينفك عن الرسوب أصلًا، فكيف يحكم بانه إن عم زمن المرض أو اوّله كان رديئاً و إلّا فجيد. و الحق الذي يظهر أنه لا بد من مراعاة ذلك.
ص: 248
الرابع: إن الرسوب المحمود قد وصف بالبياض و الاستدارة و الشفافية و ذلك مما يشترك فيه البلغم الخام و المدة، و الفرق أن الراسب متى اشتدت لزوجته فلم يتحرك بحركة الماء سريعاً و كان كمداً مختلف الاجزاء فهو خام، و متى احرق عند نزوله و كان نتناً و سبقه دم أو ورم و انفصل بالتحريك سريعاً و أبطأ في عوده فهو مدة، و كيف كان فلا بد و أن يكون الماء مع الرسوب المحمود إلى النارنجية بخلافه معهما. فائدة
إذا وجد الرسوب مرة و عُدم أخرى، فإن دلت باقي العلامات على تنبه الطبيعة ففي العروق اخلاط نضجة و فجة، و لا بد من طول المرض، و الا فالطبيعة تنتبه مرة و تعجز أخرى.
و اعلم: انهم كثيراً ما يطيلون الكلام على لون الرسوب و لا طائل فيه؛ لانه كالسابق في دلالة الاصفر على الحر و الكمد على البرد
نعم، الاحمر من الرسوب يدل على طول المرض و غلبة السلامة، هذا كله حيث الرسوب من جواهر الاخلاط، اما متى كان من جواهر الأعضاء فالامر فيه مشكل، و الاصل فيه الرداءة، لعدم قدرة الطبيعة على توليد الغذاء و حماية الأعضاء. ثم هذا المتحلل مختلف فإن تحلل الشحم اسهل من تحلل القشر مثلًا يسمى تحلل الشحم عندهم ( (ذوباناً))، و يكون زيتي اللون في المبدأ و القوام في الوسط و الكلى في النهاية، و يعرف الأول بالاشراق و الصفرة و مخالفة الرقيق الغليظ في اختصاص الصبغ في الأول بالرقيق، و متى صبغ في القوام فمصبوغ في اللون دون العكس، هذا حاصل كلام كثير اطال فيه الملطي و غيره. ثم إن انفصل عن البول و كثر مقداره و خرج متسلسلًا مع حرقة فمن الكلى للقرب و كثرة الشحم هناك و إلّا فمن باقي الأعضاء، كذا قالوه. و عندى: انه ليس بشي ء لجواز ما ذكر في الكلى. و الحق: أن الذوبان إن كان إلى بياض و حمرة فمن الكلى أو إلى خضرة فمن
ص: 249
قرب المثانة و كلا المحلين تلزمه الحرقة، فإن خلص إلى البياض فما يلي المعدة أو إلى السواد فمن الطحال أو كانت له رائحة فمن جداول الامعاء، و هذا التفصيل آتٍ في باقي الانواع و اعلم أن من القواعد في هذا التحلل أن الحمى لا تفارق تحلل الأعضاء العليا بخلاف الكلى فما دونها، و وجع القطن لا يفارق الكلى و حكة العانة و المثانة و الحرقة فيهما، قال الفاضل الملطي: و أن يكون المتحلل من فوق الكلى أدكن اللون، و هذا ليس بظاهر؛ لانه إن كان من لحمية فلا بد من حمرته أو منوية فلا بد من بياضه و إن صبغه البول فلم يحرقه. و سموا ما يتحلل من سوى الشحم كرسنياً إن استدار و تفتت، و يدل على فرط الحرارة و ( (صفائحيا)) إن خرج قِطَعاً رقاقاً، و هو أردأ من الأول و ( (نخالياً)) تحلله الغريبة من سطوح متباعدة فلذلك هو أشد رداءة و ( (خراطياً)) تحلله الغريزية و يسمى ( (قشريا)) و ( (دشيشئ)) أصلب أجزاء من النخالي و يوقع في الدق، و متى كان في خضاب الابدان فلا بد من الموت؛ للدلالة على قهر الطبيعة حتى بلغ التحليل أصل الأعضاء و ( (رملياً)) يدل على انعقاد الحصى في نواحي الكلى إن كان أحمر و الا دونها، و ( (خمرياً)) يدل على نحو القولنج و الرياح المحتبسة.
خامسها: جنس الزبد، و أكثر أحكامه تعلم من الرسوب، و حاصل الدلالة فيه راجعة اما إلى اللون، و يدل غير الأبيض منه على اليرقان و هو على نحو البرص، أو إلى الكثرة و القلة و يدل كثيره العسر الافتراق على الرياح و اللزوجة، و المتشتت على البلغم و الاحتراق.
سادسها: جنس الصفاء و الكدورة، و يدل الصفاء على اللطف و قصر المدة و بالعكس.
ص: 250
سابعها: جنس الرائحة، و يدل عدمها على استيلاء البرد و حمضها على الغريبة و العفونة و حلاوتها على فرط الدموية و الحدة. و اسقط المتاخرون جنسي الذوق و اللمس؛ للاستقذار و الاكتفاء بغيرهما.
تتمه: في أحكام البراز
و هو الفضلة الغليظة الكائنة عن الهضم الأول؛ و القول في دلالته ذاتاً و عرضاً ما مر في البول، و احمده ما اعتدل كماً و كيفاً و تناسبت اجزاؤه؛ لدلالة ذلك على استحكام النضج و صحة الآلات. زاد ابقراط: و كان مناسباً لما ورد على البدن. قال الفاضل أبو الفرج: و كان خروجه في زمن المرض كزمن الصحة، و كان مرتين في النهار و مرة في السحر. و هذا كلام غير ناهض و لا صالح في التعريف.
اما كلام ابقراط، فمنقوض بما يلزم من خلو البدن عن الانتفاع بالغذاء فإن الخارج إذا كان كالداخل فمن أين قوام البدن، و انما يعتبر الغذاء بحسب ما يكون منه، فيصح كلامه في نحو الباقلاء تقديراً و يبطل في نحو الفراريج قطعاً.
و اما كلام هذا الفاضل فمنقوض إلى الغاية باختلاف الامزجة و الاغذية. و قياس المريض على الصحيح فاسد؛ لقلة تناوله.
و اما عدد القيام فأعدل الناس فيه ما قام مرة في الدورة و لزمت وقتاً معيناً. ثم البراز إن زاد على ما ينبغي انذر بتحليل و ضعف في الماسكة و اندفاع فضول، و عكسه ينذر بالقولنج و ضعف الدافعة و استيلاء احتراق و احتباس فضول. ثم دلالته من حيث اللون و القيام ما سبق في البول بعينه من أن أصلحه النارنجي المعتدل القوام، و أن الاحمر يدل على الامتلاء و طول المرض و الاسود أوّل المرض على الهلاك لما علم من أن شأن المُرة السوداء أن تتخلف آخراً فسبقها دليل عجز مفرط، و أن المعتدل خير من الرقيق و الغليظ.
ص: 251
تنبيه
قد عرفت أن دلالة البول و البراز على حال البدن انما هي بتوسط مرورهما على اجزائه فكل ما كان كذلك دالًا، و لا شك أن لنا فضلات أُخر و هي:
العَرَق: فانه من بقايا المائية النافذة إلى الاقاصى للتغذية فلا تبلغ الرجوع فتتحلل من المسام تحللا محسوساً، فإن كان بلا سبب و وقع في مدة النوم فلعجز عن الغذاء لضعف في الآلات و لكثرة ما أخذ منه، و متى عم فالفاضلات عامة و إلّا ففي العضو الذي يعرق. واجوده المعتدل لوناً و طعماً و ريحاً و كالواقع بسبب حركة أو يوم بحران، و غيره ردئ يدل أصفره على استيلاء الصفرة كمرّة و مالحة، و غليظه على تكاثف الفضلات و باردة على البرد و حارة على العفونة و حامضة على السوداء و البلغم العفن كذلك.
بخار(1): و هو كالعَرَق إلا أنه أخف تحليلًا و أرق فضلة. و المصعد له فوق مصعد العرق من الحرارة، و دلالتهما واحدة، لكن البخار في صحيح المزاج لا يكاد يحس و في غيره إن زادت الحرارة خرج من الرأس أو قصرت و تشبثت بالعفن و الغريبة مال إلى جهة الفم و الآباط في الدمويين، و نحو العانة في البلغميين و الرجلين في السوداويين، و حيث خبثت رائحته أو صار له جرم في منابت الشعر دل على غلظ الخلط و احتراقه و عفونته و نفث ما دفعته الطبيعة إلى جهة الفم، و يدل رقيقه على شدة الحرارة، و الأصفر منه على استيلاء الصفراء، و الاسود على الاحتراق، و النتن على القروح. و وقوعه مع سلامة الصدر غلبة في الاخلاط و مع الدم فساد في الصدر و ما يليه، و مع الحمى سل إلى غير ذلك، و ليّن و تدل قلته على قلة الغذاء حيث لا حرارة و إلّا فعلى الاحتراق، و غلظه مع البياض على البلغم و الكمودة على السوداء و العكس. و دم الحيض كذلك لاتحاد المادة و الفاعل.
ص: 252
و فيه مباحث:
البحران: لفظة يونانية معناها الفصل و القطع في لغة المدنية و الحكم في غيرها، و الامر فيه قريب، و هو عبارة عن الانتقال من حالة إلى أخرى في وقت مضبوط بحركة علوية.
قال الشيخ: و اكثر ارتباطه بحركة القمر؛ لانه شكل خفيف الحركة يقطع دوره بسرعة و لا يمكن اتقانه بغير يد طائلة في التنجيم. ثم الانتقال المذكور اما إلى الصحة أو المرض و الأول البحران الجيد و الثاني الردئ، و الانتقال في الحالتين يكون اما دفعة أو تدريجاً، و قد وقع اصطلاحهم على تسمية المتدرج في الصحة ( (تحليلًا)) و المرض ( (ذوباناً)). ثم هذه بعد التدريج اما أن تدوم كذلك إلى الغاية في الجهتين أو تبلغها دفعة كذلك. فهذه اقسامه التي استقرت عليها آراؤهم، و زادها الفاضل أبو الفرج قسمين أيضاً باعتبار التدريج. و عندي: أن البحران ليس إلا لاربعة:
الأول: انه عبارة عن التغير المحسوس فلا يتأتي التدريج أصلًا؛ لانه إن احس به فبحران أصلي و إلا فليس ببحران إن لزم أدواراً أم لا. ثم البحران الجيد يسمى ( (الصحيح)) و ( (السليم)) و ( (المحمود))، و الردئ يسمى ( (العطب)) و ( (الهلاك))، و قد مثل الفاضل ابقراط يوم البحران بيوم القتال و الطبيعة بصاحب المدينة و المرض بالعدو الطارئ و البدن بموضع الحصار، و سمّى استيلاء الطبيعة ( (بقوة السلطان)) و المرض ( (بغلبة العدو و استيلائه)) و الفضلات الخارجة كالرعاف مثل الدم المسفوك في القتال، و لا شك
ص: 253
أن غلبة كل من السلطان و العدو أما تامة بحيث لا رجعة بعدها أو ناقصة يرتجى معها نصرة المغلوب؛ فلذلك انحصر في أربعة: تام و ناقص في الصحة و المرض. ثم لا شبهة في سكون الضوضاء عند تمام الغلبة فكذلك الاعراض هنا.
لا شك أن المطلوب من الدواء بل مطلق العلاج مساعدة الطبيعة على قهر المرض، فيجب على الطبيب تحري الارشاد إلى قانون الشفاء، و ذلك بالامر بواجب الاغذية في أوقات تفرغ الطبيعة لها و اختيارها مولدة لما يضاد العلة، و أن يجعل الدواء طبق ما مالت إليه الطبيعة فيجعله مسهلًا أو مدراً إن رأى ميلها إلى الداخل و الأسفل، و معرقاً إن رآه إلى الخارج و هكذا، و أن يكون آخذ الدواء وقت النضج فإن اعطى مسهلًا و كان البحران مما سيقع برعاف أو عرق أفضى إلى الموت قطعاً؛ للتعاكس الحاصل عند ضعف القوى و عجزها بالمرض، و كذا إن أعطى المسهل قبل النضج أو فصد لخروج الرقيق فيستحجر الغليظ في البدن، فهذه اصول مواقع الخطأ فقس عليها ما شئت.
كل مرض بالضرورة اما عام كالحمى أو خاص كالرمد و سيأتي ايضاحه، فيجب أن يكون البحران كذلك كالعرق في الأول و نحو الرمض في الثاني، و له شروط إن كان تاماً، أن يكون المندفع من المادة الممروضة و العضو المريض في يوم باحورى بلا انتقال بعد نضج و ينتج الخفة، كذا قالوه. و ينبغي انه ينتج الصحة إذ الخفة من شروط البحران الناقص. و قولهم ( (بلا انتقال)) ليس على اطلاقه؛ لجواز أن يكون الانتقال
ص: 254
جيداً كما إذا علمنا أن جذب المادة من العضو الأشرف و لم تمر على رئيس فإن ذلك متعين في الاستفراغ، خصوصاً إذا كان خروجها من حيزها متعسراً كما ستراه في القوانين. و انما اختلف البحران بين العرق و غيره من حيث قوام المادة وحدتها و بردها و عكس ذلك.
قال الفاضل أبو الفرج: فمتى كانت حال رقة القوام حادة كانت رعافاً و إلّا عرقاً، هذا مع حرارتها و إلّا فمع الغلظ اسهال و الرقة ادرار.
و هذا منقول من كلام الفاضل ابقراط و أقره الأكثر. و فيه نظر؛ لانهم إن أرادوا بالرقة و الحدة الاصل فالصفتان ملازمتان للحرارة؛ لعدم تصور الحدة الباردة اجماعاً و الرقة في الأصح.
ثم المادة من حيث هي أن تصاعدت عامة إلى اقاصى الشعريات من منتهى العروق فلا تكون إلا عرقاً و إن انتهت إلى الرأس خاصة فإن رقت فلا تكون إلّا رعافاً و إلا فنفثاً أو مخاطاً. و إن غلظت في الغاية كانت خراجاً.
و ما تسفل إِن إندفع من محدب الكبد كان ادراراً رَقَّ أو غلظ و إلا كان إسهالًا كذلك، هذا هو الظاهر و به يشهد الوجدان، و إن كان ناقصاً فشروطه الخفة على ما اخترناه و التقدم على يوم البحران الحار و العكس، و أن يكون قريب النضج و العضو الممروض، و حاصله قصور في شروط التام.
ثم الناقص قد يقع لخفة نفس المرض تدريجاً إلى الصحة و قد يكون بالانتقال من علة إلى أخف منها، كاليرقان بعد حمى الصفراء أو البواسير بعد الاستسقاء، و من عضو أشرف إلى أخس كالمنتقل من الرئة إلى الطحال و غالب الناقص إن غلظت مادته فالخراج و كثيراً ما تندفع إلى المفاصل.
فقد تلخص من مجموع ما ذكر: أن العلة الفاعلية في التام قوة القوة ورقة المادة و في الناقص بالعكس، و اما البحران الردئ فشروط التام منه انعكاس شروط التام في الجيد و الناقص، فقس ترشد.
ص: 255
قد اسلفنا في صدر هذا الكتاب من المباحث الرياضية ما يرشدك إلى ارتباط العالى بالسافل، و اشرنا أن في الاحكام ما إذا امعنت تدبره وجدت النير الاعظم كالسلطان و الأصغر كوزيره، و أن واهب الصور قد أفاض على المركبات عند تغير المذكورين و لو جزئياً ما يوجب تغيرها كذلك، و أن الكواكب قد تكون سعيدة و قد تكون نحسة فكذا ما قضى الحكيم في عالم التركيب عند كونها كذلك، فيجب أن تعلم أن العلامة بامور البحران من قبل هذا الأمر.
غير انهم قد وزعوا مباحثه على احوال القمر غالباً كما مر ذكره، فقد صح بالاستقراء زيادة الرطوبات في سائر المولدات عند زيادته و العكس كما في حيض النساء و نضج الثمار و ماء البحار و الآبار؛ فلذلك كانت أدواره في الأمراض كأدواره في الفلك، فمن انضبط ابتداء مرضه اهتدى إلى تفصيل بحرانه.
ثم البحران ان تعلق بالقمر و هو الأكثر كما عرفت فاول أدواره ثلاثة أيام و ربع و ثمن و يسمى ( (الرابوع الاول))، و ثانيها ضعفه و يسمى ( (السابوع)) و هكذا، و العلة في ذلك أن القمر يقطع فلك البروج في تسعة و عشرين يوماً و ثلث يوم تقريباً، منها وقت الاجتماع و هو يومان و نصف تقريباً، فيبقى الحكم في تقسيم الباقي فسموا ثمنه رابوعاً و ربعه سابوعاً و هكذا، و أولها الابتداء بظهور العلة على الأصح كما سبق، و غاية ما اختلفوا فيه ما يظهر من الامراض بعد الولادة، فالشيخ يرى أن حساب هذه الامراض من ظهورها، و بقراط من يوم الولادة. و الأول هو الأصح و الا كانت الولادة مرضاً مطلقاً و ليس كذلك. و فصل الملطي فقال: إن ابتدأ المرض مع الولادة فهي أوله و إلا فالعبرة بظهوره. و هذا مما لا فائدة فيه.
ص: 256
ثم اعلم أن ما قررناه من الارابيع و الاسابيع جارٍ على ما حسبه الشيخ، و نازعه قوم فجعلوا الرابوع ثلاثة ايام و ثلثاً و نصف ساعة و ربعها و الاسبوع ضعفه، و هكذا، بناء على نقص أيام الاجتماع و كون الدورة في نحو ثلاثين، و الامر في ذلك سهل.
ثم كل من الارابيع و الاسابيع اما متصل أو منفصل، و القاعدة في ذلك أن تنظر في اليوم الذي يتم به الرابوع فإن بقي منه أكثر من نصفه جعلته اولًا للرابوع الثاني و إلا ألغيته و بدات باليوم الذي عليه الرابوع الثاني، و كذا الاسابيع على أي الطريقين شئت فعلته ترى الرابوع الأول متصلًا بالثاني و الثاني منفصلًا عن الثالث و هكذا فقس و صحح الحساب ترشد.
إذا كان لا بد منه تكون نسبة المنذر بالمتوقع ظهوره كنسبة الشاهد إلى المدعي به، و قد جعلوا الانذار عبارة عن ظهور علامات في يوم على ما يتم في يوم آخر مطلقاً فعدّوا الرابع منذر بالسابع، فإن ظهر فيه صلاح كان البحران في السابع كذلك كما إن اندى البدن فانه سيكون العرق أو صلح الذهن و انتبهت القوى و هكذا. و متى ظهرت رداءة في الرابع وقع البحران في السادس و كان شرّاً لامحالة و قس ناقص القسمين بما مر. و التاسع و الحادي عشر انذار الرابع عشر، و الرابع عشر بالسابع عشر و السابع عشر بالحادي و العشرين، و هكذا إلى الاربعين في الحادة؛ لانها نهايتها كما عرفت.
و لا بد بين الانذار و بحرانه من نسبة فإن السابع عشر مثلًا سابع الحادي عشر و رابع الرابع عشر كما قرره الفاضل ابقراط. و أفضل ايام الانذار السابع و الرابع عشر ثم التاسع ثم السابع عشر و العشرون ثم الخامس ثم الثامن عشر ثم الثالث عشر، كذا قالوه تقليداً لما قرره
ص: 257
الفضول. و لا عبرة عندي بذلك؛ لما سبق من تعليقهم ذلك بالحركات الفلكية و ليست في ايديهم؛ و لأن المرض يختلف حدهُ و زمانه و كذا الامزجة و باقي الطوارئ، و الواجب الرجوع إلى اعتبار المرض و المزاج و السن و الوقت و الطبيب الحاضر.
نعم، لا يخرج البحران عن الكثرة و الجودة و القوة و اضدادها حيث كان مطلقاً و لكلٍ أيام، فأيام الكثرة التي إن وقع البحران فيها بالعرق مثلًا هي السابع فضعفه فالحادي عشر فالسابع عشر فالعشرون، فالحادي و العشرون.
قال الملطي: فالثالث، و أيام القلة الثاني فالسادس عشر فضعفه فالسادس فالسابع عشر فالتاسع عشر، و يليها الثالث عشر فالخامس عشر و الرابع و العشرون فالسابع و العشرون.
و اما أيام جودته فالسابع فضعفه، قال الملطي: فالرابع. و هو مشكل لما مر. فالعشرون فالحادي عشر فالحادي و العشرون فالثالث.
و أيام الرداءة السادس فضعفه فالثامن فالعاشر. و أما أيام القوة فهي الادوار المعلومة اما في الأربع كالرابع أو الاسابيع كالرابع عشر أو ما جمعهما كالسابع، و الضعيفة ما عداها.
تنبيهات الأول: قد ثبت أن من الأمراض ما لا يلزم بحراناً؛ لعدم ضبط حالاته اما لنكاية القوى بسرعة كما في السموم لعدم ضبط الطوارئ و قد استولى عليها الفساد كزمن الوباء، و حينئذ فالقانون راجع إلى النبض و القارورة و قضاء البثرات التي استخرجها ابقراط.
الثاني: قد عملت الأمراض الحادة و انها لا تجاوز تسع الدورة الكلية، فينبغي أن تحدث أنّ الارابيع لا بد و أن تضعف بعد العشرين بخلاف الاسابيع لغلظ المادة حينئذ.
الثالث: يجب الحذر كل الحذر من اعطاء الادوية يوم البحران و ما يقاربه من وقت لا يقطع فيه بانقضاء الدواء قبل طروق البحران فإن ذلك
ص: 258
من اسباب التلف. و هل يختص ذلك بالاصلية ذوات الادوار أو يكون حكم البحارين الضعيفة الواقعة بين الارابيع و الاسابيع كذلك؟ لم أرَ من أشار إليه، و الاحوط اعتبارها مطلقاً.
الرابع: قد تقرر أنّ الارابيع أحدّ و اقوى من الاسابيع، و عللوا ذلك بأن المادة تغلظ فيما بعد فلم تبق قوتها و غلظها اما لكثرة التبريد أو لأن الحد أرق فينقضي اسرع و هكذا قدروا و يلزم عليه المناقضة؛ لانه لا بد من التحلل في كل يوم إلى أن يكون آخر قوة الحدة العشرين و عليه ينبغي أن تتساوى بعدها الادوار، و قد اجمعوا أن الاسابيع لا تتغير أو يساوى الرابوع السابوع قبلها، و قد أجمعوا على الفرق بينهما. فرع
إذا ابتدأ البحران في يوم قوى فهو له و إن انتهى في غيره، و كذا إن ابتدأ في ضعيف و انتهى في قوى فانه للقوى كذا قرره الشيخ و نقله الفاضل أبو الفرج مرتضياً له فقال: إذا ابتدأ العرق في ليلة السابع و انتهى و اقلعت الحمى في الثامن فالبحران للسابع و لو ابتدأ في ثالث عشر و انتهى الأمر في الرابع عشر فهو له؛ لضعف الثامن و الثالث عشر بالنسبة إلى اليومين المذكورين.
و عندى في هذا نظر؛ لأن العبرة بالغايات و لا غاية للبحران سوى تغير البدن فلا ينبغي النظر إلى قوة اليوم و ضعفه خصوصاً، و لنا امراض تتقدم فيها البحارين و تتأخر، و بأنهم صرحوا بأن الانذار لمرض قد يكون بحراناً لآخر و بالعكس.
الخامس: أن البحران كما يتعلق بأدوار القمر في الامراض الحارة كذلك يتعلق بما فوقه في غيرها، فافرض أنّ دور الكواكب الذي تناط به الاحكام موزّع على الوجه المذكور، كأن تجعل سنى زحل كأيام القمر يعدل السنة منها يوماً من دوره تحقيقاً إن جعلت التوزيع أو تقريباً فإن لزحل ثلاثين سنة كشهر القمر، و اجعل السفليات على النمط المذكور،
ص: 259
و منها النيَّر الاعظم هنا فخمسة و اربعون يوماً تقريبية كثلاثة و نصف و ثمن قمرية في الثلاثة، و قس العلويات كذلك.
و اعلم أن الزمانة تتعلق بعد أربعين بما فوق القمر و بعد السنة بالمريخ و بعد السنتين بالمشتري و في الثلاثة بزحل كما عرفت، و يقال لأيام القمر الادوار الصغار و لما فوق الشمس الكبار و بينهما الوسطى. قال ابقراط: و من الادوار الكبار نبات عانة الاطفال و سقوط الاسنان و بدء الحيض. و حد البحارين على ما قرروه دور زحل، و قيل: احد و عشرون سنة. فهذا تلخيص احكام البحارين.
قد عرفت أن مجيئه تارة بالعرق و بالرعاف أخرى إلى غير ذلك بحسب اختلاف المادة كما سبق، فينبغي أن تعلم أن وقوع الاندفاع له علامات كالانذار بالبحران، فإن اشتد شهوق النبض و حمرة الوجه و العين و سالت الدموع و اختلط الذهن و زاد الصداع فالبحران بالرعاف لا محالة خصوصاً إن ساعد الوقت و السن، و إن اصفر اللون و كثر الدوار و الكرب و الغثيان و اختلجت الشفة السفلى فبالقئ، و إن صار النبض موجباً و انتفخت العروق و احتبس الطبع و ندى البدن فبالعرق، و إن كثرت القراقر و اوجاع البطن و الظهر و حرقة المقعدة فبالاسهال و إلّا فبالادرار.
و قد يقوم الحيض و فوهات العروق و البواسير النازفة أحياناً مقام البحران و تتعجل إذا جاء عن ايامها. و اشد ما تكون اعراض البحران ليلًا؛ لاجتماع الحرارة في الداخل فتشتد المقاومة كذا قالوه. و ليس على اطلاقه؛ لأن اجتماع الحرارة في الداخل ليلًا يكون اما للنوم أو لشدة برد الجو فيكثف ظاهر البدن فاذا انتفيا كما في المريض غالباً و الليالي الصائفة تساوي الليل
ص: 260
و النهار قطعاً فتنبه له فانه مهم و لم أُسبق إليه.
و متى كان البحران بالانتقال كانت الاعراض المذكورة أخف.
و اعلم أن العلامات المذكورة في ( (تقدمة المعرفة)) من لوازم البحارين، فوجود القمل مثلًا و خروج الدود حياً من علامات السلامة، و اجتماع الكزاز مع الصداع و قي ء المرار و وجع الرقبة موت، و كذا وجع الاذن و قرحة الحلق في المطبقة و عسر التنفس حال الاستلقاء و خفاء الخراج و الحمرة بعد الظهور و سقوط الشعر في السل و كثرة العرق فيه و احتباس اسهال كان ملوناً و الفواق بعد الاسهال و القي ء و كثرة الغشي بلا سبب ظاهر أ انتهى.(1)
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة ؛ ص263
ص: 261
ص: 262
و فيه فصول:
اصناف العلاج اما بما يرد على البدن من داخل أو خارج، و الأول إن كان غايته حفظ الصحة و نمو البدن فهو الغذاء، و إن كانت غايته رجوع الصحة و تعديل مزاج و برء العلل فهو الدواء.
و الثاني و هو الوارد عليه من خارج إن كان مقصوداً به التحليل و الردع و تسكين المواد، فهو الشامل لنحو الأطلية و الأضمدة و الأدهان، و إن كان بآلة غريبة دون توسط النار فمثل البط و الفصد، أو بها فمثل الكي.
و يقال للثاني عمل اليد و قد يقال هذا الأسم للأخير خاصة، و يدخل فيه عمل المركبات و الكحل و الجير و لكل رعاية العمل و إيقاع المخصوص و نظر إلى السن و الزمان و المكان و العادات و الصنائع إلى غير ذلك. و الواجب الأول مراعاة القوى و ما تحتمله من أصناف العلاج و تقديم ما يجب تقديمه لو احتجنا إلى متعدد، هذا من حيث الأجمال، و قد مر في الأغذية و الأشربة ذكر ما يجب عمله فليراجع. و لا شك أن من المهم إختيار كيفية مضادة في الدواء مناسبة في الغذاء و الكمية بالمعيار و الوزن في الدواء و ما جرت العادة
ص: 263
باحتمال أخذه من الغذاء مع مراعاة ترتيبه و ما يقدم منه، و أن لا يجتمع أكثر من غذاء في معدةٍ حذراً من التخليط و تحير الطبيعة في اختلاف جواهر الغذاء، و يزيد الدواء على ذلك وجوب تحرى الوزن و كونه بالبسيط أولًا، ثم بما كان من جزءين و يدرج بحيث لا يعطى القوى و الكثير الأجزاء حتى يتعين و يراجع التشريح؛ لما فيه من مزاج العضو فإن الدماغ مثلًا إذا أصابه مرض حار احتيج فيه إلى تبريد كثير؛ لخروجه إلى الضد، أو بارد لم يحتج إلى ذلك، كذا قالوه.
و عندى نظر في تصويب الضد و وضعه فيعطى في نحو المعدة قليل الدواء و ما إعتدل لقربها، بخلاف الدماغ مثلًا، و يحقن في السافل و يسقى في العالي، و خلقته فإن كان متخلخلًا كفاه يسير الدواء و إلّا العكس، و شرفه و قوته و كثرة منفعته فلم يخل ما كان كذلك من عطر كثير المنفعة حافظ منعش كالعنبر و اللؤلؤ خصوصاً في القلب، و متى تعلق المرض برئيس أو مقارب أو مشارك له نزه التركيب عما فيه أدنى سميّة كاليتوعات(1)، أو نكاية كزنجار و نحاس.
و قد تعلم الكميات من الأمراض فإن التبريد المحتاج إليه في المحرقة مثلا ليس كهو في حمّى يوم و كذا الفصل و السن. و متى إجتمع خطر و غيره قُدِم الأخطر و لا تدريج في علاجه بل يعطى ما يجب من الأول، أو مرض و ضربان سُكّنَ اولًا بالمخدرات. و يجب تبديل الأدوية؛ لئلا يألفها البدن، و إذا إلتبس الأمر فخل بين الطبيعة و العلة فإنها أدرى حتى تظهر أمارة القهر من أحدهما، و لا يبدأ بالتخدير بذي النكاية كالسوكران(2)، بل بالمألوف كالخشخاش و الخس.
تنبيه
من القوانين الجيدة في العلاج ما ندبت إليه القدماء و سمته العلاج الروحاني، و هو مجالسة المحبوب و إحضار المتنزهات خصوصاً الأغاني و الآلات و ما كان يألفه المريض، و الأطراف بالأخبار المستظرفة و النقل من بلد إلى بلد أو مكان إلى آخر و احضار ما فيه تفريح.
ص: 264
إذا أفرط الإمتلاء فقد وجب حذراً من الإنفجار و السدد و لا يجوز مع الخلاء، و متى كانت القوة قوية فلا حذر في الاستفراغ، و كذا إذا إعتدلت السحنة فلا يجوز لمفرط في القضافة(1) و السمن؛ لتحلل القوى في الأول و ضغط الفضول في الثاني، و اعتدال الزمان؛ لفرط التحلل أيضاً في الحر و معاصاته في البرد، و مثله الهواء و السن فإن هواء الشمال كيوم البرد و الجنوب الحر، و سن الطفولية و الشيخوخة لطالب النمو في الأُولى و استيلاء الذبول في الثانية، و مثلها الصناعات المحللة فلا إستفراع لنحو حدّاد و حمامي لعدم الفضول فيهما، و لا لمن لم يعتد لقضاء العادة إذا غيرت بالفساد، كذا قالوه. و هو مشكل بكلام الفاضل أبقراط: أن العادة الرديئة لا يجوز التمادي عليها لكن تَقطع تدريجاً.
و يمكن الجمع و الجواب: بأن عدم الإستفراغ ليس رديئاً دائماً لجواز الصحة بذلك، و كالزمان المزاج. و من شرط الإستفراغ جودة الأعراض الحاضرة فلو كان هناك إسهال لم يجز إستعمال مسهل، لعدم جواز الجمع بين مستفرغين، فهذه عشرة ضبطها الشيخ في القانون و أغفل اوقات البحران و هي متعينة و قرب النوب كذلك، و نحو الجماع و الحمّام، و يمكن دخولها في الأعراض.
و أما ما يجب على الطبيب ففصد الخلط الممرض بالذات، و من علاماته وجود الخفة و الراحة بعد الإستفراغ، لكن قد لا يحصل فوراً؛ لإحتمال ثوران خلط أو حمى، فغاية ما ينتظر إلى ثلاثة. و متى حدثت قرقرة أو مغص بعد اسهال أو غثيان بعد قئ فليعد الدواء، و أن ينظر في إخراج الخلط من مخرج طبيعي و عضو أحس و جانب المجاري إذ كثيراً ما تفسد أبدان بفصد
ص: 265
فيقال في كبد أو باسليق في دماغ أو يمين في طحال، و لو كان العضو الممتلئ مخرجاً و لكن لا يحمل مرور الخلط عليه جاز الصرف عنه، كذا قرره في القانون.
و الواجب النظر في الأشرف فيراعى مطلقاً و أن لا يستفرغ قبل منضج برفق و يفتح في المزمنة إجماعاً، و الحادة في الأصح، ما لم تتحرك المادة و لم تكن في التجاويف و لم تتعدد و خيف سقوط القوى قبل الدواء، أو كانت عن غير تخمة، فإن هذه تسوغ المستفرغ من بادى الرأي. و المراد بالنضج إعتدال الخلط مطلقاً هنا لا رقته وفاقاً للشيخ؛ لجواز أن ينتشر الرقيق فلا يخرج، و لمدعيه الرد بأن الرقيق لا ينضج إلّا إذا كان لزجا و لا لزوجة مع النضج فإذاً كلما رق الخلط كان أجود. و للشيخ ردّه؛ لجواز أن يدخل الرقيق في أقاصى الشعرية فلا يبلغه الدواء. و لهذا القائل الرد: بان الدواء لا بد و أن يكون قوى الجذب من الأعماق فلا يفوته ما ينتشر و للشيخ ردّه: بأن الدواء لو إستقل بالجذب لم يجب بعده الحمّام و التغميز لحل ما تحت الجلد.
و من القوانين النظر في جذب المادة و المحذور جذبها إلى الأبعد المخالف فيبقى الجائز، أما جذبها إلى القريب كجذب الرعاف من اليمين إلى الشمال و نزف البواسير إلى الرحم، أو إلى البعيد الموافق كتحويل الرعاف إلى النزف، و الارجح منهما ما إنتفى الضرر فيه عن باقي الأعضاء على الأصح من كلام كثير.
و يجب تقليل الغذاء و ترقيقه قبل يوم الدواء، و تقديم الفصد إن احتيج إليه و لم يكن هناك قبض؛ لانه كلي، و استقصاء المادة ما دامت القوة محتملة و إلّا ففي دفعات خصوصاً في فاسد الكبد، و اكثر الناس حاجة إلى الاستفراغ أهل الدعة و الباردة و الغذاء الغليظ، و من إعتاد الإستفراغ؛ لئلا يوقعه قطعه في مرضه.
و منها التخليط قبل المستفرغ بأيام؛ لتختلف المعدة فتدفع ما فيها بلطف و إزالة السدد و تقديم الاسهال على غيره للقلع و الجذب، و إن كان القئ بتنقية المعدة
ص: 266
أولى، و قيل القى أولى بالقضيف، و أن يمزج الدواء بمصلح لا يخالف كمزج السقمونيا(1) في إسهال الصفراء بالإهليلج.(2) و إسهال المحموم خير من القئ و عكسه الصفراوي، و الصيف لسهولة القئ فيه و استقصاء السوداء عليه، قالوا: و البلغمي بالخيار.
قلت: الصواب تقديمه القئ في الصيف خاصة. و متى كان المشروب ما يسهّل البلغم فخرجت الصفراء أو أعقب المستفرع نوماً و عطشاً فقد نَقَّي البدن، و كلما قويَّ المغص و الكرب دل على إستغناء البدن عن ذلك الدواء، و ما أعقب خروج أسود أو خرائطي منتن ردئ جداً.
و الأصح أن خروج الفضول بالأدوية زمن الصحة لقوى بدنية و المرض المساعد مع ذلك كالحركة لا بالرطوبات و إلّا فعلت في نفسها و كان لها شعور و استغناء عن الأدوية، و الكل باطل. و جالينوس يراه؛ لمشاكلة بين الدواء و البدن، و هذه نكت فلسفية و الأوفق بالإيمان أن ذلك بتقدير من المختار غير ممكن الادراك لكنه عندنا.
البداءة بتحليل السدد و تلطيف الغذاء و الحمّام قيل: و الرياضة و هجر الأكل و الشرب يومه إلّا مساعداً كيسير زبيب و الحمّام الا في يومٍ شاتٍ فيسخن دون إستحمام، و الاستعداد لدفع الغثيان بشم نحو البصل و النعناع، وسد الأنف و مضغ ورق العناب و الطرخون(3) و الحذر من إشغال النفس بشي ء مطلقاً، بل الراحة و السرور و المنشى اليسير إذا سكنت النفس، فإن كان اليوم معتدلًا فذاك و إلا برّد الهواء بنحو الماء و سخّنه بالنار
ص: 267
و البخورات، فإن أبطأ فلا بأس بجرعات من ماءٍ فاتر لا تبلغ حل الدواء قبل فعله خصوصاً إن كان حباً، أو بماء العسل و الثوم بقطع الضعيف و يجيد القوى و يحبس الاسهال إذا أفرط، و ممرور المعدة يقدم على المسهل نحو ماء الشعير و الرمان و لا شي ء لغسل المعدة من اثر الدواء كسويق الشعير و الزيت الطيب، و متى دعت الحاجة إلى شرب الحبوب بمطبوخ فليكن من جنسها كحبوب السوداء بطبيخ الافتيمون(1)، و لا يستنجي بماء بارد حتى يبلغ الدواء عمله، و من ابطأ به الاسهال أو لم يعمل رأساً فليترك و لا يتبعه بآخر فإن لم يجد بُداً فماء العسل و النطرون(2)، و يتقدم من خاف كرب المسهل بالقئ بماء الفجل و تقليل الملح في طعامه و ما فيه حدّة كالمازريون(3) و الخربق(4) و يصلح بنحو ماء الشعير و الماشت و الصموغ، و يقطع المبرود إسهاله بشرب الحرف في الزيت، و المحرور بزر القطونا، و صاحب السحج بالكتان، و المعتدل بالطين الأرمني فإن اعقبا وجعاً شرب الماء الحار و لو بلا عسل.
و أجود أزمنته الخريف ثم الربيع و سواهما للضرورة فقط، و يجب الحمّام بعده لتحليل ما بقي، و كذا الدهن و التغميز و يتدارك تخلفه بالفصد إن أعقب أعراضا فاسدة و إلّا تَرْك، هذا هو الأصوب.
و حدّ إفراطه إفراط النوم و العطش و خروج الدم فيتدارك بالعطريات و القوابض كحب الرشاد المطبوخ في الدوغ و الترياق(5) و دواء المسك و الجلوس في الماء البارد.
و اعلم أن المسهل يكون أما بالقبض و العصر كالإهليلج، أو بالحدة و القوة كالسقمونيا، أو بالتليين كالشير خشك، و بالإزلاق كالألعبة فلا تمزج المتضادات؛ لتخلف فعلها، بل اقصد المناسبة في التركيب ما أمكن و تحر الصواب و استحضر اختلاف الأمزجة و البلدان و السن، فإن الرومي يحتمل من نحو السقمونيا ما لا يمكن اعطاؤه لنحو الحجازي. و أعط الحبوب معتدلة بين الجفاف و الطراوة و المطابيخ فاترة.
ص: 268
أما زمانه لغير ضرورة، فالصيف أصالة و ما قبله و بعده عرضاً، لا ضده مطلقاً على الأصح، و قيل: إلّا لإشتدادها و انحصارها فيه.
و أما من يستعمله، فواسع الصدر و العنق سليم المجاري من المعدة إلى الحلق غير سمين و لا حبلى.
و أما ما يستعمل له من الأمراض، فسائر أمراض العصب كالفالج و الخدر و ما إحترق كالجذام و الماليخوليا و الصرع. و وقته إنتصاف النهار بعد أطعمة مختلفة غير محكمة المضغ، لتدفعها المعدة، و لا شرط على من إعتاد فيه؛ لقضائها بالمطلوب هنا، و على الريق خطر ما لم يغلب الإمتلاء، و في الحمام ما لم يكن يوم شاتٍ و يجب عنده الحركات و الرياضة و شد البطن برفق و الرأس بعد وضع قطن بخل على العين و دهن الأسنان بنحو دهن الورد. واجوده للصفراوي بالسكنجبين و السوداوي بالشيرج(1) و البلغمي بالفجل و الشبت و البورق، وذي الريح بالزيت و الحمى بالطبيخ و الكلى بالسمك المملوح، كل ذلك مع الماء و الحلو و أولاه العسل، و من عسر عليه مزجه بما يسهل كحب البان و قثاء(2) الحمار و أصول البطيخ و الزيت، و العسل أجود ما يسقى عند شدة المغص و عسر الخروج فانه يحل ما يجده إن لم يكن بالقئ فبالاسهال خصوصاً في التخم واخذ ما بقى بقوة و خطر كالخريف، و قد كثُر إستعمال أصل السوسن في ذلك حتى عم الأقطار و لا بأس فيه لجمعه الغثيان و الحلاوة و تحليله البلغم، لكن لا يجوز لصفراوي لعدم سلاطته عليها. و قدر استعماله يومان متواليان في كل شهر بلا نظم دور، و لا تحري وقت ليخرج الثاني ما بقيَّ من الأول، فقد ضمن أبقراط في هذه الكيفية كمال الصحة و الخصب و جودة البدن و قوة الشهوة و النجاة من الصرع و الجذام و ضيق النفس، و ما زاد ردئ. و متى نشَّط و نبّه الشهوة و عدّل النبض و خففّ فصحيح و إلّا ففاسد.
و يجب بعده غسل
ص: 269
الوجه و الأطراف بالماء و الخل و الحمام و على عجلة و التغميز بالأدهان الرطبة و أخذ التفاح و المصطكى و الامساك عن الأكل نحو ثلاث ساعات فإن أعقب لذعاً فالأمراق الدهنة أو تمدداً فماء الأنيسون و العسل و التضمد بالسذاب، أو فواقاً فالماء الحار، أو غثياناً فاللبن بالخمر أو إفراطاً حتى قاء الدم فعصارة البقلة بالطين الأرمني و ربط الأطراف و التنويم و الدلك بالقوابض العطرة.
هي علاج فاضل أخذه الأوحد من طائر رآه يشرب ماء البحر في منقاره فيجعله في دبره، و هي للأعضاء السفلى كالقئ للمعدة تخرج ما إحتبس و عفن و تصلح كل مرض تحت السرة أصالة مطلقاً، و عرضاً ما لم يتعلق برئيس و لم يشتد الريح فإنها محذورة حينئذ.
و أفضل أوقاتها طرفا النهار و الآخر أولى، و يجب سبقها بمليّن و غذاء لطيف الجوهر و تكميد القطن و السرة بمحلل كالجاورش(1) و الملح، و استلقاء العليل وقت وضعها ثم نومه على محل الوجع بعد ذلك، و كونها فاترة في غير الشتاء و إلى الحرارة فيه أقرب، و يجب التغميز بعد تفريغها و إمساكها بقدر الطاقة، و الفصد إن لم تندفع و أورثت كرباً لا تكرارها، و ربما تدارك ضررها الفتائل و تكون بالعسل و الزيت في نحو القولنج و الباردة و الشيرج و السكر في غير ذلك، و مزج ماء الهندباء عند الإلتهاب و العطش و مرق الكوارع(2) و الرءوس في نحو السحج و الاحتراق، و لا بأس بالحمّام بعدها، و استعمال الماء الحار في الأستنجاء واجب إلى يومين بعدها فإن خلّفت مغصاً و ريحاً أخذ ماء العسل في البرد و إلّا السكر المسحوق، فإن كان هناك لذعٌ مرخ بالألعبة و الأدهان.
ص: 270
ما وضع على البدن إن لم يكن جرم الدواء بل ما خرج منه بالطبخ و العصر، فهو النطول، و إلّا فإن كان سيّالًا فالطلي أو متماسكاً فالضماد أو يابساً فالتكميد، أو لم يحتج إلى نار فالقيروطي إن داخلته الأدهان و الشموع و إلّا فاللخالخ، و كلها توصل قوة إلى الأمراض فتحلل اللطيف و تقبض بالكثيف و تردع بالقابض و تسكن بالمخدر إلى غير ذلك، فيجب إيقاع البارد منها عند إشتداد الكرب و الجاذب كقصب الذريرة(1) عند طلب التعريق و المسكن عند التهيّج، هذا كله مع مراعاة الأزمنة الأربعة كما سلف، و يراعى في اللّصوقات قوة العضو و عدم حبس الأبخرة فقد يُفضي ذلك إلى فساد العضو كما يقع الآن بمصر من وضع الأشياف في شدِّة الرمد و منع العين من الطرف فيفضي حبس البخار إلى القرحة و البياض، و كما يقع ذلك لمن عاجل وضع الكزبرة(2) و السويق على الخنازير زمن التبرد فتصلب؛ لقوة الرادع قبل وقته.
و أجود ما استعملت النطولات الاطلية في الأوقات الصيفية، و الكمودات بالعكس.
انتهت قوانين الأدوية. فلنشرع في تفصيل قوانين عمل اليد.
هو استفراع كلى بالمعنيين؛ لأنه يستفرغ الأخلاط كلها و إن شئت من البدن كله، و يكون أما لحفظ الصحة كزيادة الخلط في الكم أو زيادته في الكيف أولهما، أو لدفع المرض كتلبس البدن بما يكون عما ذكر، و قد يكون لمجرد الخوف من الوقوع فيما يفسد كالفصد عند الضربة و السقطة و الإزعاج، و لا شك أنه إن كان عن غلبة الدم و ساعد الفصل و السن و القوة وجب من بادئ الرأي و إلّا أُخر إلى إستحكام النضج؛ لئلا يختلط الصحيح بالفاسد فيعم الفساد.
و وقته الذاتي الربيع مطلقاً فالصيف بشرط تضييق
ص: 271
الشق فيه، لرقة الأخلاط حينئذٍ و تحلل القوة بالتخلخل، و يجتنب في الخريف ما أمكن الاستغناء عنه و كذا الشتاء، فإن تعيّن سبق بالرياضة و الحمّام بلا ماء و الكد. ثم وسع الشق و إن كان أبطأ اندمالًا و أشد إسقاطاً للقوى ليخرج الكثيف و إيقاعه في اعتدال الأوقات لا يوم البحران و إفراط حر و عكسه و مرض و حبل و طمث فإن غشي أولًا. فلحدة الخلط و يتدارك بالقى ء و تقديمه يمنعه أو آخر فقد انتهى، و يجوز إيقاعه دفعات إن خيف من استقصائه في الواحدة العجز.
و أجود هيئات الفاصد الإستلقاء فإنه أحفظ للقوى و خروج غير الواجب. و أما أحكامه في الحميات، فيجب فيه تأمل ما سبق من نبض و قارورة و غيرهما، فإن ثبت غلبة الدم وجب و إلّا ترك، و ليكن وقت الراحة و فترات النوب و خلو المعدة، و احذره يوم النافض و اشتداد الحمى ورقة البول و انخراط السحن و أن يخرج غير اسود فإنه خطأ بحت و ربما أهلك، و كذا حال تهييج الوجع و البرد و الامتلاء بالمواد أو السدد أو الطعام، بل يتقدم بالتنقية، و لا بعد حمام و جماع و سقوط قوة و فرط إصفرار، و لا قبل الرابعة عشر و لا بعد الستين.
نعم، يجوز في الشيخوخة إذا غلبت علامات الدم. و لا يوم تخمة إذ قل من ينجو حينئذٍ و يعالج بالفصد ما لم تغلب الموانع فيؤخر. و لا عبرة بقولهم لا فصد بعد الرابع؛ لجوازه حيث دعت إليه الحاجة ما لم ينهك المرض القوي و لم يعد بحران مزمنه، و لا بأس قبله بأخذ الربوب الحامضة و السكنجبين و كذا بعده كسراً للحدة و حفظاً للقوى، و ما دام الدم رديئاً يخرج ما لم تضعف القوى فيحبس حتى ينتعش ثم يُعاد؛ لأن الشيخ يقول: أن تكثير أعداد الفصد خير من تكثير مقداره خصوصاً إذا كان المقصود به قطع دم نزف أو رعاف.
و يجب على من أراد تثنية الفصد في اليوم توريب القطع في الأولى و في الأيام المتعددة قطعه طولًا، لأنه أسهل للفتح
ص: 272
و الالتحام، و وضع خروق بزيت عليه؛ لئلا يلحم و مسحه به إن خيف انسداده قبل الغرض، و كذا الملح و دهن المبضع يذهب الألم، و الاستحمام قبله عسر و بعده إن طال، و كذا النوم بل يستلقى للراحة و يتلافى ورم العضو بفصد مقابله و الأدهان الملينة كالبنفسج. قاعدة
العروق المقصودة بالذات، هي الأوردة و إنما يفصد الشريان في مخصوص لمخصوص كشريان جاور عضواً ضعيفاً بسبب دم رقيق أو فرط حرّه و هي زهاء من ثلاثين عرقاً، ستة في اليدين أعلاها القيفال، و يفصد لما يخص الرأس و الرقبة، و تحته الأكحل المعروف الآن بالمشترك لما يعم البدن، و تحته الباسليق لسوى الرأس، و دونه شعبة تسمى الإبطي و الباسليق الثاني و حكمها واحد.
و الواجب في فصد هذه الأربعة فوق المأبض؛ لئلا يحتبس الدم بحركة المفصل أو تتعدى الآفة إلى العصب، و الناس الآن على خلاف ذلك؛ و من ثَّم تقل فائدة الفصد، و يترفع في القيفال عن العضلة و يعلق الأكحل حذراً من الشريان تحته و يحتاط في الباسليق، فقد صرّح الشيخ: بأنه قد يكتنفه شريانات على ما تحته حتى قال: و الأصوب الإكتفاء بالإبطي عنه، و متى تنفخ في الربط كالحل و لم يزل بالحل و المسح فشريان، و كذا إن خرج دم أشقر فيحبس فوراً، و تحته الأسيلم، و يفصد طولًا و يترك في نحو الحكة حتى ينحبس بنفسه.
و السادس، حبل الذراع يفصد مثله لجميع البدن، و الشمال من هذه أوفق بالطحال و القلب، و اليمين بالكبد، و نحو الحكة و تأريب حبل الذراع افضل و إصابة العصب و العقل يوجب الخدر و الشريان الموت.
و في الرِّجل أربعة:
احدها النسا، يسد من الورك بعد إستحمام، و يفصد فوق الكعب فيه و في الدوالي و المفاصل و النقرس طولًا.
و ثانيها: الصافن، عن يسار الكعب، يفصد توريباً لأدرار الطمث و ضعف الكبد و الطحال و ما تحتهما.
و ثالثها: المأبض، عند الركبة يفصد كالصافن،
ص: 273
و هو اشد في إدرار الدم و البواسير و أمراض المقعدة.
و رابعها: عرق خلف العرقوب ينوب عن المأبض، و عروق الرجل أولى عند غلظ المواد و كثرة السوداء.
و في الرأس نحو سبعة عشر تفصد ورباً ما خلا الوداج فطولًا
أحدها: عرق الجبهة، و هو المنتصب في الوسط يفصد للصداع و ضعف الدماغ.
و ثانيها: عرق الهامة لنحو القراع و السعفة و الشقيقة.
و ثالثها: الصدغ، عرق يلتوي على مفصل الفك و اليافوخ فالماق فوقه و اصغر منه، و كلاهما لجميع أمراض العين كل جانب لما يليه، ثم ثلاثة عروق صغار تحت قصاص الشعر يلحقها ما على الأذن إذا التصق تفصد لغالب أمراض الرأس و العين، و اثنان خلف الأذن تفصد لأوجاع مؤخر الرأس و الخودة و الدوار، قالوا: و فصدهما يقطع النسل. ثم الوداج للجذام و البجة و الاحتراق و الأبخرة الرديئة و عرق الأرنبة و يفصد حيث يتفرق بالغمس لأمراض الأنف و الكلى لكن توجب حمرة لا تزول، و إذا الوداج اولًا في تصفية اللون؛ لأنه يزيل البهق و النمش و الباسور و الطحال و الكبد و الربو و عروق النقرة للصداع و السدد المزمن، و أربعة تسمى ( (الجهارك)) لسائر علل الفم و الّلثة، و عرق تحت اللسان في باطن الذقن لثقله و أوجاعه و أوجاع اللوزتين و الحلق، و مثلها عرق يعرف بالضفدع تحت اللسان يفصد لأمراضه، و عروق عند العنفقة للبخر و تغير الفم، و عرق اللّثة لفساد فم المعدة.
و في البدن عرقان عن يمين السرة لعلل الكبد و يسارها للطحال، فهذه جملة ما يفصد من الاوردة.
و أما الشرايين فالمقصود منها واحد في الصدغ، يفصد لنزول الماء و القروح و البثور و الغشاء كالعروق الثلاثة السابقة، و آخر خلف الأذن للدوار و الصداع، و ربما سلت هذه على خطر، و واحد بين الأبهام و السبابة على ظهر الكف رآه جالينوس في النوم لا شي ء أنفع من فصده في علل الكبد و المعدة و الكلى و جميع أمراض المقعدة كل في جانبه.
ص: 274
تنبيه: يشتمل على وصايا نافعة في الباب
إياك و الفصد بمبضع صدئ أو ذي كلال أو غليظ الشعرة، بل يكون ليناً حذراً من الكسر، نظيفاً رفيع الشعرة، و يمسك بلطف و لا تنخس عرضاً و لا يزال الجلد عن محاذاة العرق، و عليك بالإجتهاد في تحصيله بالغمز و الربط الرقيق و الحل و الشدة حتى يمتلئ و ينتفخ، و إن إحتجت إلى تكرير الضربة فاجعل الثانية فوق الأولى فإن سد لغلظ الدم فاغمزه في الماء الحار، و من أراد الفصد ففاجأه إسهال طبيعي ترك، و متى إختنق العضو فحل الرفادة و اربط العنق في عروق الرأس، و أكثر من حركة الأصابع حال خروج الدم و مل إلى جانب الفصد في آفةٍ تعم البدن كالجذام و الحكة و إلّا إستلقى.
و يجب على الفاصد إستصحاب الآلات المختلفة و المسح بالحرير و صون الآلات عن الغبار، و أن لا يفصل بآلة ذي مرض معدٍ كالمجذوم و غيره و لا يدهن بالأدهان لمن لا يريد إعادة الفصد، و ينبغي لمن يفصد في حفظ الصحة تحري إعتدال الوقت و الهواء و الخلو عن الطعام الغليظ و كون القمر في الهوائية و قد مال إلى فراغ النور، و أن يشاكل المريخ حتى قال أبقراط: إن إتفق سابع عشر يوم ثلاثاء و كان القمر في الجوزاء أو الميزان ناظر إلى المريخ كفى الفصد حينئذٍ عن عام كامل.
و أما صاحب المرض فلا ينتظر بالفصد شرطاً، بل يفصد حيث دعت الحاجة، و من أراد توفر خروج الدم فليجلس في فصد عروق الرأس و يستلقي في اليد و يقف في فصد الرجل و إلّا عكس، و من فصد في الأستسقاء عرق البطن مال إليه، و كذا يميل إلى اليسار في اليرقان الأسود و الطحال.
و هي إستفراغ ما تحت سطح الجلد و تكون بشرط هو الأصل و بدونه لأمر طارٍ كتحريك خلط و صرف مادة، و كل إما بلا نار و هو الأكثر، أو بها لطارئ يوجب ذلك. و القول الكلي فيها: أنها تصلح للسمان و ما تحيز في
ص: 275
الجلد و ما نشب فيه من الدقاق، و أكثر ما يخرج بها الخلط الرقيق، و يجب ايقاعها وسط الشهر لتزيد الخلط في ثانية النهار أو ثالثته، و باقي شروط الفصد آتية هنا.
ثم الأماكن التي تحجم إما القمحدوة و تنفع أمراض العين و نحو السعفة، لكن تشوش الذهن و تعجّل الشيب و من عكس هذا فقد أخطأ، أو مقدم الرأس، و يليها في ذلك، أو الأخدعين و تنوب عن القيفال، بل هي أبلغ في صحة الأسنان و العين و الجرب و الدمعة و الرعشة، أو النقرة، و تنوب عن الأكحل مع مزيد نفع لأعضاء الوجه و الرأس، لكنها تضعف الحفظ، و في ذلك خبر عن الصادق ( (عليه الصلاة و السلام)) حسن، أو الكاهل عوضاً عن الباسليق، لكنه أشد نفعاً في الربو و ضيق النفس و أمراض الصدر خصوصاً إن تسفلت، أو بين الكتفين، لكن تضعف المعدة جداً و قد توقع في الرعشة، و تحت الذقن لأمراض الحلق و الأسنان و اللسان و بثور الفم و قروح الرئة، أو على القطن للبواسير و وجع الظهر و الكلى و المثانة و أمراضهما كالسلس و الحرقة، أو على الركبة لأمراضها، أو الساقين لقروحهما و نحو المفاصل و النقرس و صحة الدماغ بل البدن كله، و هي أجود موضع يحجم و أسلم غائلة أو على الكعبين بدل الصافن في نحو إدرار الطمث.
و من الناس من يفضلها على الفصد؛ لأنها لا تخرج أرواحاً و لا تضر برئيس و لا تستفرغ غير الواجب، كذا قالوه. و هو غير جيد مطلقاً بل، الأمر عائد إلى القوة، و كثيراً ما توقع الحجامة في البرص و لو موضع الشرط، و لأنها لو لم تخرج أرواحاً لما منعوها بعد الستين سنة منعاً كلياً
فإن قالوا: جوزناها للأطفال. قلت: لا يدل لها ذلك على شرف؛ لأنه ما جاز إلّا لأخراجها الدم الرقيق، و هو غير مؤثر في النمو بخلاف الخارج بالفصد. و الكلام فيما يستعمل بعدها كما مر.
ص: 276
و اعلم أن الحجامة بلا شرط قد تكون لصرف مادة كفعلها فوق الثديين لقطع النزف و لتبيين الغائر من الأورام و تسكين الأوجاع، كما تفعل فوق السرة في القولنج و بين الوركين للنسا، و لرد عضو خلع و تسمين قصيف و تصريف ريح و جذب مادة عن شريف إلى خسيس، فلا تخص محلًا كالمشروطة.
نعم، وضع المحاجم على المقعدة بلا شرط من أبلغ التدبير في إزالة الأعياء و البواسير و الكسل و اوجاع البدن كلها.
و مما يجري مجرى الحجامة إرسال العلق(1). قيل أول من استنبطه الهند لقلة موادهم، و رأيت ما يدل على أن ذلك من أعمال الروم.
و القانون فيه: أن تختار من ماء جار أو كثير الطحلب(2) و تكون صغيرة الرأس إلى إستدارةٍ أو طول أو دقة، حمراء الباطن يعلو ظهرها خطان أخضران، و ما عدا هذه ردئ مسموم فليحذر منه، و ينبغي أن تُكب ليخرج ما في بطنها و تغذى بالدم اليسير ثم يغسل الموضع و يدلك حتى يحمر و ترسل، فاذا امتلأت ذر عليها بعض الأرمدة أو الملح فاذا سقطت فإن أعقبت حرقة دل على بقاء مادة فليبادر إلى إخراجها بالحجامة.
يجب من بادئ الرأي إجتناب الأستدارة في البط؛ لأنها تورث القرح و غور الجرح و بطء البرء، بل يجعل ذا زوايا و يفصد فيه مذاهب الأسارير و الليف و الشريانات فأنه إن خالف الاولين شل العضو و فقد احساسه. قال الشيخ: و إن كان في الجبهة ربما سقط الحاجب، و بالثالث يموت بنزف الدم، و يجعل القطع هلالياً في العين، طولًا في الرجل مورباً في نحو الفخذ، و يتحرى أقرب محل إلى الخارج بحيث لا تمرّ المادة على جزء كبير لأنها تؤذي بسمِّيتها فإن رأى القوة عاجزة عن تنظيف دفعه حُبس ثم أعاد إذا ثابت، و يحذر من مس المحل أو المبضع بدهن لما مر، و يجعل اللصاق رقيقاً، لئلا يقرح و الفتائل رقيقة و يتفقد الخارج حتى إذا احمر العضو
ص: 277
و تطرس و طابت رائحته فقد برئ، و متى دعت الحاجة إلى إزالة لحم تعفن تحرى حدّ السليم، ثم أزال فإن فسد العظم قطع من حدّ الأحساس بنشر أو ثقب جوانبه و يكوى بدهن مغلى و يرقد ليكسى. قانون الكي
هو إما على وجع غائر أو لقطع مادة ككي الماء، أو اذهاب لحم فاسد، أو حبس فتق، و في كلٍ يجب تحري الآلة و المحل، و يجوز في الفتق في سائر الأوضاع البدنية و ممتلئاً و خلياً، حتى إذا حقق وضعت المكاوي، و تبليغها جائز في غير ما يتعلق بالرأس، و يخفف المواد شيئاً فشئاً و يلصق بالعدس و العسل و يعاهد بدهن الورد حتى تسقط الخشكريشة(1)، فإذا نزف عولج كالقروح، و متى أمكن التوصل بغير الحديد في هذه لم يعدل إليه.
و أولى الكي ما كان بالذهب و إن كان في نحو داخل الأنف رفد المحل بحاجز و ادخل المكوي. انتهى تلخيص الكلام على الجزء العلمي، فلنشرع في تقرير الجزء العملي، و هو تفصيل الأمراض، و نذكر أنها اما ظاهرة أو باطنة، و إن كلًا إما خاص بعضوٍ مخصوص، أو عام يخالفه، غير أنا نجمع عام النوعين في باب واحد؛ لعدم التمييز بين نوعيه حقيقة.
ص: 278
و فيه فصول:
و قد و سمتها بمقدمات العمل، و في ذكرها إستغناء عن كتب جمة و تكرار لا طائل تحته فعليك باستحضارها فانها نافعة مطلقاً.
اعلم أن الأمراض كلها من الأخلاط الأربعة، و انما يقع تزيدها بالأسباب و قد عرفتها و كذا العلامات، فاذاً أسباب كل مرض و علاماته، إما أن تكون مستندة إلى المادة و هي علامات الأخلاط، أو إلى الزمان و هي البحران، و قد يختص مرض ما بعلامات و سبب و علاج خاص، و هذا لا بد من ذكره في موضعه، و أما غيره فلا حاجة إلى إعادته.
فاذا ذكرت مرضاً و قلتُ علاجه كذا كان مرادي بعد التنقية للخلط الغالب بما أُعدّ له بعد معرفته بالعلامات و الأسباب السابقة فلا حاجة إلى إعادتها و متى قلت و اصلاح الأغذية فمرادي ترك ما يولد الخلط الممّرض و استعمال ضده.
أو قلت الأدهان المناسبة و النطولات مثلًا فمرادي بها المبرد في الحار و العكس. و إذا قلت الفصد فمرادي في الحار، فاذا أطلقت فقصدي المشترك و إلّا قيّدتُ، و ربما، ستغنيت بقرينة المقام كأن أذكر الفصد في إدرار الحيض فمقصودي الصافن
ص: 279
أو المابض إحالة على القوانين.
و إذا قلت و يسهل أو يسقى أو يستعمل الدواء فمرادي ما يخص ذلك الخلط.
و متى ذكرتُ أجزاء من غير وزن، فمرادي التساوي، و اذا عينتُ عدداً كأن قلت من كلٍ خمسة فمرادي الدراهم، ما لم يعطف على مذكور و إلّا عينت.
و اعلم أن العقاقير مع الأخلاط على قسمين:
القسم الأول: يخص خلطاً بعينه و هو أربعة انواع:
الأول: ما يخص الدم
اما باسهاله مثل الفُوَّه(1) و الألومالى(2) و المازريون.
أو بتبريده كالعناب و الخس و العرفج(3)
الثاني: ما يخص الصفراء
، إما بأسهاله كالبنفسج و السقمونيا و الأصفر و اللآلي و الأطراطيغوس، أو بتبريدها كماء الشعير و الهندباء و الخس و القطف(4)، أو تليينها كالتمر هندي(5) و الأجاص(6) و اللينوفر.
الثالث: ما يخص البلغم
إما بأسهاله كشحم الحنظل و الغاريقون و التربد(7).
و تلبينه كحب النيل(8) و الأشقيل و ماء العسل، أو تسخينه أو تقطيعه كالقسط و القاقلى و العود.
الرابع: ما يخص السوداء
كال أهليلج و اللازورد و الاسطوخودس(9) و الافتيمون للأسهال، و مثل الأملج و الاسارون(10) و حب البلسان(11) و السبستان(12) و التين للتليين، و كالدارصيني و السكر و ماء القراح؛ للتقطيع و التفتيح، و أقل الأنواع مفردات الأول؛ لما في نحو الفصد من الغنية عنه.
القسم الثاني: ما كان فيه اسهال
أكثر من واحد
مثل السنا(13) و اللؤلؤ و ماء الذهب و الغاريقون على إن كلًا لا يخلو عن ذلك، و إنما التمييز بالنظر إلى الأغل ب، و فعل كل في كل إما بالطبع إن تضاد الداء و الدواء و إلّا فبالخاصية. و الكلام في المركبات تابع لهذه الأصول و كذا الأغذية، فاعرف قدر هذا النمط فانه ما بسط قط، و قد اوسعنا تقريره في قواعد التذكرة
ص: 280
الصداع
ألم في اعضاء الرأس منافٍ للطبيعي، و يختلف الأحساس به من حيث المادة و يكون عن خلط فاكثر ساذجاً أو مادياً و عن بخار كذلك ودود و غيرها، و يستدل عليه بما مر.
فعلامة الحار مطلقاً في كل مرض سخونة الملمس و حمرة اللّون و امتلاء النبض و تلون القارورة و الكسل و التهيج و حلاوة الفم في الدم، و مرارته و زيادة العطش و الجفاف في الصفراء، و كذا القلق و الضربان و الدوي، و البارد بالعكس. و الاستلذاذ بالمضاد شائع في الكل.
السبب: يكون في الحار أما من خارج كالمشي في الشمس و المكث في الحمّام، أو من داخل كإفراط غضب و أخذ مسخن كزنجبل، و كذا البارد بعكس ما ذكر، و هكذا يطّرد القول في كل مرض فاستغن عن الاعادة.
العلاج: لا شك أن حقيقة الصداع فساد المادة في الكم، أو الكيف ثم تترقى فإن لزمت جميع اجزاء الرأس سمى الصداع و الخودة أو وسط الرأس فالبيضاء، أو أحد الجانبين فالشقيقة إلى غير ذلك من الانواع، و على كل الأحوال إن دلت العلامات على أن المادة دموية فصدت القيفال بالشروط المذكورة و إن كان الصداع متعدياً إلى الدماغ عن عضو غيره فصد المشترك، و قد يفصد في الصفراء؛ لحدة الدم ثم ينقى الخلط الغالب بالمناسب.
و من المجربات الخاصة بالصداع الحار مما استخرجناه و لم نسبق إليه هذا الدواء.
و صنعته: معجون ورد، ثلاث أواق، معجون بنفسج اوقية، عناب سبستان أجاص ماء ورد دهن ورد من كلٍ نصف إوقية يطبخ الكل بأربعمائة درهم
ص: 281
ماء عذباً حتى يبقى ربعه يصفى و يستعمل، و يغذى بالقرع أو الأسفاناخ أو مزورة الأجاص و يطلى بماء الورد و دهنه و الخل و ماء الآس و القرع و الصندل محلول فيها كافور أو أفيون مجموعة، أو مفردة بحسب المادة.
و هذا الدهن من مجرباتنا لسائر أنواع الصداع، و هو خشخاش، أصول خس اقماع خشخاش، تمر حناء سواء. ورد يابس سدرآس من كل نصف جزء، تطبخ بعشرة أمثالها ماء و اربعة امثالها شيرج مسدودة الرأس حتى يفنى الماء فيصفى الدهن و يرفع للحاجة.
و من المنقولات الطلى بخميرة العجين و الزعفران، و كذا عصارة الصفصاف(1)
علاج البارد: يبدأ بأخذ ما ينقى البلغم إن كان عنه كالأيارج(2) بماء العسل و إلّا السوداء كمطبوخ الأهليلج أو الأفتيمون و يكثر من السكنجبين العسلى.
و هذا المعجون من مجرباتنا لأنواع الصداع البارد و تنقية الدماغ و تقوية الحواس و النشاط و إصلاح المعدة.
و صنعته: انيسون ورد يابس زهر بنفسج من كلٍ سبعة، عود هندى خمسة صبرغاريقون كبابة من كلٍ أربعة مر زعفران حلتيت من كل ثلاثة تحل الصموغ في الخل و تسحق الأدوية و يعجن الكل بثلاثة امثاله عسلًا منزوعاً و يرفع، الشربة منه مثقال إلى أربعة دراهم، و تبقى قوته أربع سنين، و هو من الأسرار المكتومة، و هو يصلح الرأس شرباً و طلاءً و بخوراً، و يعمل أيضاً في الأمراض الحارة إذا اتبع باللبن أو ماء الورد.
و من الأدهان النافعة من الصداع البارد دهن البابونج و الغالية(3) و اللّوز المر مجموعة أو مفردة، و السعوط بالمر محلولًا في ماء القراح أو الشراب، و كذا الجندبادستر(4) و الزعفران، و إذا سحقت الكبابة و القرنفل و ورق الخروع(5) و ورق الجوز الشامي(6) و عجنت بالحناء و طلي بها الرأس ليلة
ص: 282
منعت النوازل اصلًا و اذهبت الصداع راساً خصوصاً إن مزجت بعصارة قثاء الحمار، و لصق بياض البيض بالكندر نافع مسكن، و يمسك المعالج مع هذا كله مدة العلاج عن اخذ ما يفسد الدماغ بالخاصية و غيرها كالتمر و الحلبة و العدس، و منه يكثر بخاره كالكراث و الثوم و الخردل.
الشقيقة
مرض يأخذ نصف الرأس من أحد الجانبين، كذا قرروه، و لم يتكلم احد فيما ياخذ المقدم و المؤخر، و عندي انه كذلك. علاماتها: الخاصة امتلاء الشرايين و إفراط حركتها.
العلاج: ينقى الخلط الغالب، و قد يزاد هنا على الفصد بشد الشريان و كيّه إن تقادمت المادة، و يكثر في الباردة من اللطخ بالثوم و الصبر و الكندر و السعوط بالكبابة و ماء المرزنجوش(1)، و أخذ أحد الايارجات. و هذا المعجون من مجرباتنا المخبورة للشقيقة و غالب أنواع الصداع البارد.
و صنعته: سناقرنفل بسباسة(2) انيسون من كلٍ جزء، مر ورد يابس من كلٍ نصف جزء، زعفران ربع مسك ثم يعجن بالعسل، الشربة ثلاثة دراهم، و يخلط شحم الحنظل بالحناء و الكبابة و يعجن بالخل محلولًا فيه الأشق و الصبر فهو طلاء عجيب، و كذلك السعوط بماء السلق ممزوجاً بدهن نوى المشمش.
و إن كانت حارة فعلاجها بعد التنقية لزوم شرب شراب الورد بماء الأجاص و التمر هندي، أو معجون البنفسج بهما و يطلى بماء الكزبرة و الخل و دهن الورد و الأفيون و يسعط منه.
و من الخواص: تعليق السذاب، و شرط موضع الوجع و الطلاء بدمه. البيضة و الخودة
يطلق الأول على ما خص وسط الدماغ و الثاني دائره، و قد يطلق كل على الصداع العام و عليه يترادفان، و الأصح ما قلناه.
و يكونان عن شدة البخار و احتباس المادة و فسادها. و قد أطلقوا القول في أنهما كسائر أنواع الصداع يكونان بالشركة و غيرها. و عندي: أنه لا يجوز
ص: 283
كونها عن الشركة؛ لما تقرر من عمومها على طريق اللزوم و ما بالشركة لا بد أن يخص و يتغير بحسب ما يصعد من البخار عنه.
فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن تصعد المادة إلى الموضع المحاذي ثم تنتقل فتعم.
قلنا: الكلام مفروض في صداع يعم بداية و نهاية و كلامكم لا يمكن فيه ذلك، و أيضاً البخار أو المادة المؤلمة لا يتعلقان إلّا بالأضعف فإن كان مخصوصاً فليس من النوعين و إلّا فلا فرق.
العلامات: كثرة الضربان في الحار، و الدموع و التهييج و الثقل في البارد، و البهتة و عسر الكلام و تغير الذهن و نقص الحواس في الكل.
العلاج: بعد ما يجب لزوم الجلنجبين العسلي و الكابلي و الاسطوخودس في البارد، و السكري و الأصفر و البنفسج في الحار و يأخذ عسل الخيار بدهن الخروع فانه مخصوص بهذا المرض، فإن كان السبب بارداً طُلي بالصبر و الزعفران و المر بماء الملح و إلّا فبالأفيون و الخل و ماء الورد. السدر و الدوار
حقيقة الأول، انسداد منافذ الروح الصاعد إلى الدماغ بأخلاط غليظة لا في الغاية و إلّا جاءت السكتة، و هو في الدماغ كالخدر في باقي الأعضاء. و الثاني، عبارة عن تلاقي الأبخرة بحركات مختلطة يشعر منها بالدوران و عدم التماسك.
العلامات: كثرة الدوي و الطنين و اختلاط العقل و عدم القدرة على الوقوف و الجلوس و كثرة الغشى و السبات.
العلاج: بعد التنقية بالمناسب تبريد الحار بماء الشعير و التمر هندي و الخشخاش و خيار الشنبر و شراب الورد أو البنفسج أو السكنجبين. و لليموني هنا خاصيَّة عجيبة، و البارد بالايارج الكبار أو معجون المسك أو قرص الملك(1) بماء العسل أو حب الصبر بماء الزبيب. و من المجرب للنوعين أن يؤخذ حب بلسان كزبرة شاهترج(2) من كل خمسة، ورد منزوع تربد شحم
ص: 284
حنظل أصفر مصطكي من كل ثلاث. تعجن بعسل الكابلي الشربة منه ثلاث مثاقيل و يطلى بعد ذلك بعصارة قثاء الحمار و الزعفران محلولين في ماء القراح و يسعط منه و يطلى.
السبات
عبارة عن سيلان خلط أو صعود بخار يضرب على الحواس فتنقص أو تبطل بحسب المادة، و هو نوعان:
أحدهما: يلزمه مع الكسل و البلادة و فتور النوم و هو السبات مطلقاً. و الآخر: السهر، و يقال له السبات السهري و السهر السباتي و السابق بحسب الأكثر.
و سببه: غالباً البرد مطلقاً، و قد يكون عن دم و ندر عن الصفراء، و السهر عكسه؛ لأنه عن اليبوسة المحضة بل لا يمكن عن غيرها.
العلامات: هنا معلومة لكن العليل إن كان يتنبه لو نبه و يعقل لو كلم فهو مرج و الزوال و إلّا فمتعسر أو متعذر.
العلاج: لمطلق السبات تنطيل الرأس بطبيخ الشبت و النمام و البابونج و التضميد بأجرامها و تقطير الخل و عصارة النمام في الأنف و المسك بماء الورد مجرب، و يستعمل حال الافاقة الغاريقون بدهن اللوز الحلو و السكر، و يسقى عليه طبيخ الأفتيمون أو الخيار، و يطلى بالصبر و ماء الآس.
و علاج السهري: ملازمة ماء الشعير بحليب الضأن و الدهن بالزبد.
و مما جربناه للنوم أن تأخذ ما شئت من أجزاء الخس و الخشخاش و البنج زهراً و ورقاً و اصولًا و قشوراً و بزراً سواء، زهر حناء آس باقلاء من كل نصف جزء، صبر زعفران ما تيسر يطبخ الكل حتى يضمحل فيصفّى و يطبخ ماؤه من أحد الأدهان حتى يبقى الدهن، فإنه من الأسرار العجيبة المجربة في دفع الصداع و جلب النوم كيف أستعمل، و إن فتق بالعنبر كان غاية و التضمد بالسلاقة المذكورة يفعل ذلك، و كذا النطول بالماء، و من لم ينومه ذلك فلا طمع في برئه.
قالوا: و من الخواص: طرح الزعفران أو الصبر أو خمس ورقات من الخس تحت الوسادة رؤوسها إلى رأس العليل من غير علمه، و كذا أكل الأرز وحده و الحلبة كيف كان و بزر الخشخاش و الخس بالسكر و شم العنبر.
و علاج السبات الأصلي بعينه علاج الجمود و الشخوص.
ص: 285
السرسام بفتح السين لفظة فارسية معناها ورم الرأس، لأن ( (سام)) الورم و ( (سر)) الرأس هكذا وضعت هذه اللفظة في الأصل لمطلق ما يوجب ورماً في أجزاء الدماغ و الراس، و الذي حررته من اليونانية أن هذه اللفظة تطلق عندهم على الحار خاصة و أن الفرس حرفت اللّفظ، و أصله ( (سبرسيموس)): يعني ورم الدماغ الحار.
و تفصيل القول فيه أن ما احتبس في بطون الدماغ أو حجبه فيها، إن كان حاراً، فإن كان عن الدم فالسرسام، أو عن الصفراء فقرانيطس و قد تطلق كل من اللفظتين على كل من المادتين، أو بارداً، فإن كان عن البلغم سمي ( (ليثغرس)): يعني الورم البارد و الرطب، أو عن السوداء فهو ( (سقاقليوس)) إن استحكم و إلّا فغاغرغاناء، و الإطلاق المار آتٍ هنا. فإن تعلقت المادة في كل من الخمسة بالحجاب الفاصل بين الصدر و المعدة سمّى المرض حينئذٍ ( (سرساماً))، و إن تظاهرت في أجزاء الرأس مع عموم الداخل و اختلاط العقل و شدّة الحمرة و اطلاق الحمى فهو ( (الماشرا)) إن كان عن الدم، و الجمرة بالمعجمة، إن كان عن الصفراء، أو عن الحارين و إلّا بأن سلم العقل و خفت الحمى فالحمرة بالمهملة هذا تفصيله فاعرفه.
العلامات: علامات الأخلاط، غير أن ( (إسقاقليوس)) تموت معه الأعضاء و يبطل الحس، و قد صح عن أبقراط أنه إن جاوز الثلاث برئ و كان علاجه علاج السرسام الحار، و قد يسمى إذا غلب عليه الحر ( (صبارا)) و قيل ( (سيارا)) سرياني معناه الجنون، و سيأتي في الأورام أن الفلغموني ورم دموي فلا تلتفت إلى اطلاق بعضها هنا.
العلاج: يبادر إلى الفصد في السرسام و يبرد بإخراج المادة بما أعد لها من مسهل و غيره في البارد بالتليين حتى يظهر إنتعاش القوى ثم يقوى المسهل، و عليك بالسعوطات فإنها جيدة، كذا اطلقوه. و ينبغي أن تكون غير
ص: 286
جائزة في البرسام؛ لوجود العطاس و هو ضارٌ به، و يكثر صاحب الحار من أكل سويق الشعير و شرب مائه و ماء القرع المشوي بعد طليه بدقيق الشعير معجوناً بالخل و أكل العدس بدهن اللوز، و طلى الرأس بجرادة القرع و دهن الورد و لبن النساء و الزعفران مجرب، و غسل الرجلين بطبيخ النخالة(1) و الملح مجرب، و متى تمادى ( (قرانيطس)) و كان في القوة احتمال فافصد عرقَيّ الجبهة و احجم الساق و أكثر من سقي البنفسج و ما يكون منه، و البارد على شرب ماء العسل و الايارج الكبار مثل هو فقراطيس. و في علاج ليثغرس، يكثر من اللوغاذيا(2) و معجون هرمس مجرب، و في سقاقليوس، طبيخ الأفتيمون، كذا قالوه. و هو يعارض ما مر، و عسى الأمر راجعاً إلى الحالة الحاضرة، و فيه إشكال لم أعرفه.
و بالجملة فالطوارئ مختلفة و أنا لم ارَ هذه العلة إلى الآن. النسيان
مرض يعترى الذهن عند تغير الدماغ يخلط أو بخار تصير حالة القوى العقلية معه كالمرآة الصدية لا تقبل ارتسام الصورة.
و أسبابه كثيرة، أعظمها شغل النفس بعشق أو فقر أو هم حاجة يشتد طلبها و يتعذر الوصول إليها، فإن انتفت هذه الأسباب فالنسيان من جهة فساد المزاج، فإن حفظ و نسي بسرعة فالطارئ الصفراء و عكسه السوداء، أو أسرع حفظه و ابطأ نسيانه فالطارئ الدم و عكسه البلغم، ثم إن تعلق ذلك بلوازم الخيال فالفاسد مقدم الدماغ، أو الحافظة فمؤخره و إلّا الوسط، أو عم فالكل.
و علامات كل معلومة، و من علامات فساد التخيل نسيان المنام، و فساد الوسط عدم القدرة على الفكر، و المؤخر عدم الحفظ.
العلاج: لا شك أن النكاية في هذا المرض تكون غالباً من البرد، فيجب الأعتناء بتنقية الخلط البارد بالأيارجات و يرطب إن غلبت السوداء بما فيه حرارة نطولًا و استنشاقاً و أكلًا و دهناً بطبيخ البنفسج و البابونج، و شم الفلفل و المسك و النسرين(3)، و أكل معاجينها و البلادري(4) و الدهن بالزبد و دهن
ص: 287
الخلوف.
و هذا المعجون من تراكيبنا مجرب في منع النسيان و الصرع و الفالج و اللّقوة و الرعشة.
و صنعته: اصطوخودس نسرين كابلي من كل سبعة، شونيز(1) مصطكى فلفل أبيض و أسود دارصيني من كلٍ أربعة، صبر راوند(2) غاريقون كندر فستق سكنبيج(3) من كلٍ ثلاثة، مسك عنبر من كل عشرة قراريط تعجن بعسل، الشربة منه مثقال. و إن غلبت الرطوبة زدها سعداً مثل الصبر عاج(4) زنجبيل من كلٍ كالأسطوخودس، و إن أردت بها بطء الشيب فضف باقي الأهليلجات و برادة الحديد، و تبقى قوة هذا الدواء سبع سنين.
و من علاج النسيان شم الجندبادستر و ترك حجامة النقرة و الجماع، و أن يكثر من بلع قلب الهدهد و حمل عينه و شم الزعفران، و تكميد الموضع المتحقق فساده بما يناسب مثل القرنفل و البسباسة و الساذج و الكندر، فيجعلها في المؤخر إذا كان الفاسد الحفظ و هكذا.
و من العلاج هجر ما يفسد أما ببخاره كالثوم و البصل أو ببرده كالعدس و اللبن أو بخاصيته كالتفاح. قالوا ك و من أعظم ما يولده الكزبرة و الفول سيما الرطب منها.
الماليخوليا
إسم جنس تحته أنواع كثيرة تختلف يسيراً بحسب علامات عارضة، و يجمع الكل فساد الدماغ و العقل بسبب فرط اليابسين غالباً.
و تفصيل ذلك: أنه إنْ تشوش الفكر و ساء الخلق و فسدت الظنون و كثرت التخيلات، فهو الماليخوليا مطلقاً، و تكون عن إمتلاء البدن كله بالمرار، فإن كان الزائد الدم مال اللّون إلى الحمرة و تخيلت ألوانها و هكذا البواقي، و إن كان البدن صحيحاً عبلًا و لم تزد العلة بجوع و لا شبع و غارت العين و اختلط العقل فالعلة من الدماغ أصالة، و إن إشتد وقت الجوع و الأخذ في الهضم و أكل المبخرات فمن شركة المعدة، و يعرف هذا النوع بالمراقي.
و علامة استيلائها مطلقاً، حب الخلوة و قلة الكلام و تخيل
ص: 288
الشخص أنه زجاجة تنكسر و ثبوت ما لم يكن في الفكر كتخيل من يريد قتله، و إن كثر اختلاف مشيه ليلًا و تقطب وجهه و نفوره من الناس و الأمكنة فهو ( (القطرب)) و غالبه من السوداء البحت، أو اختلط غضبه باللعب و ضحكه بالبكاء و طال سكوته فهو ( (المانويا))، و يقال مانيا معناه باليونانية ( (داء الكلب)) و يقال ( (الداء السبعي))؛ لشبه أفعاله بأفعال الكلاب و السباع.
و هذا المرض إن كان السكوت فيه أكثر و النحافة و الكمودة فعن احتراق السوداء عن نفسها و إلّا فعن الصفراء. قال جالينوس: و لا بد في مادة ( (المانو)) من العشق. و إن تغير العقل و اختلت الأفعال مع وجود السرسام، فهذا النوع هو ( (الصبارى)) كذا قالوه. و قد مر ما فيه.
و منه الرعونة و الحمق، و علاماتها التكدر و الصفاء بلا موجب و اختلاف الإفعال المتضادة، و من الرعونة الخوف و الصبوة، و هو أن يميل إلى أوصاف الشيوخ و الصبيان، و صدورهما من الشبان أدل على استحكام العلة.
و أما الهذيان و الجنون فغاية المذكورات، و أسباب كلٍ فساد الخلط من داخل أو خارج و بُعْد العهد بالأستفراغ.
و منه عدم الجماع و الفكر و معاشرة الصبيان و النساء، و علامة كل معلومة.
العلاج: يبادر إلى الفصد أولًا في الصافن، و ثانياً في الأكحل، و يقتصر في الغذاء على الدجاج و اللبن الحليب و البيض و الخس و القرع بدهن اللوز، و يسعط كل صباح بقيراط من البندق الهندي و يسير المسك محولين في السمن الطرى، و يشرب كل أسبوع مثقالًا من كل من اللازورد و الأفتيمون بماء الجبن و السكنجبين، و في كل يوم خمس دراهم بزرقطونا مع خمسة عشرة درهماً سكراً أبيض و ثلاثين ماء ورد فهو علاج مجرب. و يلازم هذا المعجون و هو من اختياراتنا الجيدة لأنواع الجنون المذكورة.
ص: 289
و صنعته: سنامنقى عشرون، ورق حنظل أسارون صبر أفتيمون بسفايج من كل سبعة، ورد منزوع ستة، لؤلؤ أربعة، لازورد ثلاثة، عنبر مسك من كل نصف، مثقال سكر خمسة امثال الكل، يحل بلبن الضأن و يقوم و تعجن به الحوائج، الشربة ثلاثة كل ثلاث و يلازم الحمام و النوم على نحو الورد و البنفسج و الآس، و قرب المياه إن كان صيفاً و إلّا احترز من الهواء، و عدله حسب الفصول. و مما ينفع من الجنون مطلقاً تعليق الفاواينا(1) و حمل الزمرد و أكله.
و مما جربته مراراً فصح و ابرأ من الماليخوليا و الصرع و الجذام و الاستسقاء و اليرقان و حصر البول و البواسير: أن تسحق من اللؤلؤ ما شئت و اسقه في الصلابة حماض الأترج عشرة أمثاله و اجعله في قارورة و شمعه ودعه في الماء الحار ثلاثة أسابيع، ثم خذ صبراً سبعة، سقمونيا خمسة، افتيمون دارصيني قصب ذريرة من كل أربعة دراهم، لازورد قرنفل عود هندي صندل أحمر صمغ كثيراء من كل ثلاثة، يسحق الجميع و يعجن بالماء المحلول و يحبب كالحمص، الشربة منه مثقال. و متى طلب منه التفريح العظيم و تقوية الباه زيد ذهب يدار و ينقط عليه من ماء اللؤلؤ و يسحق و يخلط و قد يمزج بالبادزهر فيخلص من السموم القتّالة لوقته، و قد و سمنا هذا المركب ( (بترياق الذهب)) و فيه أنك إذا حللت منه قيراطين في ماء زهر الأترج و سعط به صاحب اليرقان حسن اللّون من يومه، و في الخل يفيق المصروع و في دهن البنفسج يحفظ من الطاعون و الوباء إذا دهن به الأنف كل يوم و أكل منه قيراط، و إن حل في لبن فرس و حمل صوفة بعد الحيض حملت سريعاً، أو في الزبد و شربه المجذوم برئ ما لم تنتثر أطرافه، و يشرب لتفتيت الحصاة بماء الكرفس، و للخفقان بماء لسان الثور و الشمر الاخضر(2)، و للبواسير بماء العناب، و قد يزاد البهمن(3) بنوعيه. و جالينوس يرى الأحمر و يرى أيضاً الكسفرة رطبة و يابسة، و تطلى رؤوسهم بما مرّ في السرسام، انتهى.
ص: 290
العشق
هذه العلة أدخلها الأطباء في أمراض الدماغ مع أنها علة عامة. قال أبقراط: العشق نصف الأمراض؛ لأنه على النفس و باقي الامراض على البدن. و قال المعلم الثاني: بل هو ثلثاها؛ لأنه يلحق البدن، فيرميه بالهزال و تغير اللون و الخفقان. و إنمّا ذكروه هنا؛ لانه يفضي إلى الجنون أخراً و للحكماء فيه كلام كثير حررناه مستوفىً في مختصر المصارع.
و حاصل القول فيه: أنه شغل القلب و الحواس بتأمل العين أو الأذن ثم يزيد بحسب صحة الفكر و لطف المزاج، و مادته إستحسان بعض الصور و الأصوات و صورة الأستغراق فيما استحسن، و آلته التفكر، و غايته الأخذ عما سوى المعشوق. قيل: و عنه إذا أفرط. و يحصل غالباً للمتفرغين عن الشواغل و الشبان و أهل الثروة، و له مراتب و مبادئ، و علاماته معلومة من النبض بالأختلاف و الصحة عند ذكر المحبوب و ما قاربه في الصفات، و من القارورة بالصفاء، و من اللون بالصفرة مع كثرة التلون، و في أوله بالزينة في اللبس و الاشتغال بغزل الشعر. قال المعلم: و هو يشجع الجبان و يسخّي البخيل و يرفع الوضيع. قال أبقراط: العشق لا يحصل لغليظ الطبع و لا فاسد المزاج و لا وضيع الهمة، و قال فولس: من لم يطرب بسماع الأوتار و لا يهش لتأمل الأزهار و لا يلهيه الماء و الأطيار فبينه و بين العشق سد. و هذا مأخوذ من قولهم: من لم يطربه العود و أوتاره و الربيع و أزهاره فهو فاسد المزاج محتاج إلى العلاج، و موضع استقصائه كتب مفردة.
العلاج: إن أمكن وصال المعشوق فلا شي ء أجود منه و إلّا حيل بينه و بين سماع الأغزال و الأغاني و الآلات المطربة و الطيور المصوتة، و أمر بالجماع و النظر في الحساب و الدخول في المخاصمات و ما يشغل الفكر كالتصوير و المساحة.
و من الخواص المجربة: غسل مادار على العنق من ثوب المعشوق و شرب مائه. قالوا: و كذا شرب النيل الهندي(1) إلى أربع شعيرات، و كذا الحرمل و ربط قراد الجمل على كم العاشق دون علمه
ص: 291
و التمرغ في موضع البغال، الذكر في موضع الذكر و الأنثى في(1) الأنثى و كذا الجلوس في المقابر و شرب تراب قبر المقتول، انتهى.
الصرع
اجتماع خلط أو بخار في منافذ الروح في وقت مضبوط و لو غير محفوظ، و هو إما خاص بالدماغ إن صح البدن و إلّا فبمشاركة عضو معروف، أو منه خاصة إن صح الدماغ، و يكون عن البلغم غالباً فالسوداء فالدم و ندر عن الصفراء فإن حدث عنها فهو ( (أم الصبيان))، و العسر من مطلق الصرع يسمى ( (ايلنيسا))، و يعلم بعلامات الخلط الكائن عنه و ضعف العضو ككبر الطحال، و بكمية الزبد و كيفيته ككون الكثير الأبيض عن البلغم، و القليل الحامض عن السوداء، و المتوسط الأحمر عن الدم، و قصير الزمان حار، و الزبد فيه من غلظ الرطوبة و الريح و حركة القلب و ضيق النفس و غيبة الحس من الحبس و السدة، و قد يشتبه بالأختناق و الفرق بينهما عدم الزبد في الأختناق و تقدم المغص و طول العهد بالجماع فيه.
ثم الصرع قد يكون أدواراً محفوظة و أوقاتاً مضبوطة، و قد تختل الأدوار دون أوقات وجوده و العكس أو هما، و هذا الأخير أعسر و أبعد عن البرء، و كله سهل العلاج قبل بات الشعر في العانة عَسِر بعده إلى خمسة و عشرين سنة، متعذر بعدها في الأصح.
و اسبابه: إدمان ما غلظ كلحم البقر و التيوس و الباذنجان و الألبان على الريق و عند النوم، و الجماع و البُطء في الحمام على الجوع و التنبه من النوم بأزعاج و قلة الأستفراغ.
العلاج: إحجم الساق في الدموي مطلقاً ثم إفصد الصافن، و إن كانت العلة عن عضو فابدأ بعلاجه ثم نَقِّ البدن أو الدماغ إن كان هو الأصل و المعدة مطلقاً و أمنع من كل مبخر مغلظ و اعط ما يمنع البخار مثل الكسفرة و الكمثرى، و مره بملازمة ترياق الذهب و تعليق، الزمرد و شربه و لبس خاتم في خنصر اليسار من حافر الحمار اليمين بشرط تجديده كل سنة.
ص: 292
و هذا المعجون من إختياراتنا المجربة.
و صنعته: اسطوخودوس كزبرة من كل عشرة، سذاب سبعة، غاريقون خمسة، رماد حافر حمار أربعة، دم ديك و مرارته و مرارة الضأن و حجر البقر(1) من كل اثنان، زمرد عنبر مسك من كل نصف، واحد تعجن بالسكر المحلول بماء الورد، و الشربة مثقال بطبيخ الأفتيمون أو ماء الزبيب.
و في الخواص: إن الفاوانيا و السذاب و دماغ الهدهد و ذنب الفأر(2) و البندق الهندي إذا علقت، أو بعضها منعت الصرع.
و في الخوص المكتومة: أنه إذا اجتمع القمر و الشمس في السرطان أو الأسد و كان الطائع الزهرة فاسبك مثقالًا من الذهب مع مثله من الفضة خالصين محرري الوزن و انقش في الوقت المذكور عليهما صورة أسد في عنقه حية و فوق رأسه شخصٌ في يده رمانة من حمله لم يصرع ابداً.
و الصرع يعتري الخيل أيضاً، و علاجه التسعيط بالجندبادستر محولًا في الخمر، و يلطخ باطن أنفها بالمر و تسقى طبيخ السذاب بالحلتيب، انتهى.
السكتة
سدة كامنة في بطون الدماغ مانعة نفوذ الروح، و هي في كل ما مر في الصرع من سبب و غيره أزيد، غير أن البارد منها ينحل إلى الفالج غالباً، و أعسرها ما كان معه الزبد و الغطيط، و من علامات الحار العرق و البارد خمود الحركة حتى الضوارب.
العلاج: تجب البداءة بكل ما يحلل و يفتح من تكميد و تنطيل و دهن بالحارات حتى الخبز و الخرق ثم المعطسات فالحقن الحادة للجذب، و يطلى البدن على الدوام بالكبريت(3) الخل أو الميعة(4) و دهن الزنبق(5)، و الراس بالجندبادستر و الشونيز و يحرك بمثل الأرجوحة. و يسعط بهذا السعوط كل يوم محلولًا في السمن.
و صنعته: فلفل كندس(6) جاوشير(7) من كلٍ ثلاثة، شونيز خردل مر قرنفل من كل إثنان، أشق مسك من كل نصف، تعجن بماء الكرفس و تحبب كالحمص، فإذا أفاق مُزج و غُذيَ
ص: 293
بالاستفيدباجات و اعطي الترياق أو المثرود يطوس(1) و ترياق الذهب، مجرب بماء الرازيانج و الأنيسون و الكمون، فإن لم تتيسر المذكورات فالجلنجبين، و بعد اسبوعين يسقى ماء الاصول بدهن الخروع و السكر و يعطى ايارج جالينوس(2) أو لوغاذيا. و هذا الدهن مجرب في علاج هذه الأمراض كلها و يعرف بالدهن المبارك.
و صنعته: ثوم شامي اوقية، حلبة شوينز من كل نصف أو قيد جندبادستر ميعة فلفل أبيض و أسود من كلٍ ثلاثة دراهم، يسحق الكل بثلاثة امثاله زيت و يقطر بالآلة و يحتفظ عليه فإنه مجرب كيف إستعمل، و كذا دهن البان بالحلتيت. و هذا المعجون من مختاراتنا المجربة.
و صنعته: فلفل أبيض و أسود دارفلفل(3) دارصيني أملج من كلٍ عشرة، مر بزر كرفس غاريقون مصطكي صنوبر من كلٍ خمسة، جندبادستر شحم حنظل من كلٍ ثلاثة، يعجن بثلاثة امثاله عسلًا الشربة منه مثقال، انتهى.
الفالج
نزول السدة الموجبة للسكتة من الدماغ حيث يتفرق النخاع فإن عم جانباً واحداً من اعضاء الوجه فاللّقوة أو البدن فالفالج أو أحد الجانبين، فبعضهم يسميه فالجاً و الأكثر استرخاء، و كلها عسرة إن أبطلت الأفعال و الحس و إلا فسهلة، و ما ازال الفقرات حدبة و المادة واحدة.
و الاسباب: إفراط البرد و الرطوبة من خارج كالاستنقاع بالماء البارد أو داخل كالاكثار من لبنٍ أو سمكٍ أو شربٍ على الريق أو حركة عنيفة و لو جماعاً.
و العلامات معلومة و العلاج ما مر في السكتة، لكن ينبغي أن لا نعالج هذه قبل أسبوع فإن وقع فربما كان سبباً للموت، و أن يمتنعوا عن أكل الأرواح و ما يخرج منها و يكثروا من الثوم و العسل و عود القرح(4) و السذاب كيف استعملوا.
و مما يختص به اللقوة أن تطبخ السذاب و الخبازي(5) و النخالة و الخطمي و البابونج مسدودة الرأس بالعجين طبخاً
ص: 294
محكماً و يتلقى بخاره في موضع مضبوط عن الهواء، و ليسكن حتى يبرد عرقه فيسعط بالدهن المبارك، فإن هذا العمل يحل المزمن منها بعد ثلاث.
و في الخواص: أن خشب الطرفاء ينفع من اللقوة و الفالج بخوراً و اكلًا و شرباً في انائه.
و من المجرب أن تسطر الحروف النارية مبسوطة في إناء طرفاً و القمر في أحد البروج الحارة، و يكرر النظر فيها صاحب اللقوة فانه يبرأ باذن الله تعالى.
التشنج
هو تعطيل الأعصاب عن الحركة الكائنة لها مطلقاً، فإن كان مع انتفاخ و امتلاء و حدث فجأة و صاحبه بعيد العهد بالأستفراغ فهو الرطب و الامتلاء و إلّا فاليابس، و قد يحدث الثاني لا عن انصباب شي ء بل بمجرد اليبس، اما لكثرة الأستفراغ أو برد أو جرح ساء معالجه أو جماع على خُوى، و يلزمه الرعشة أو إفراط قئ أو لسعة مسموم صادفت عصباً ذا أصل، و قد يكون التشنج عن ورم أو فصد غب امتلاء من غليظ كهريسة.
و علاماته معلومة. و في الاسباب: أنه قد يحدث عن دودٍ و ليس بمتجه.
العلاج: إن كان رطباً فكالفالج و أخواته في كل ما سبق و إلّا فمن المجرب أن يفتر الشيرج و يداوم على وضع العضو فيه، و كذا الزبد الطري خلياً عن الملح و يُنّوم على نحو البنفسج و اللينوفر و يحسى بمرق الفراريج باللوز و الفستق، و ماء الحمص بالعسل شتاءً و السكر في غيره و كذا شراب الزعفران، و متى حدث التشنج مع الحمى المطبقة أو قاربه أختلاط الذهن أو الفواق فهو ردئ. الكزاز
امتناع الأعصاب أو العضل أو هما عن حركتى القبض و البسط معاً، أو على الأفراد لدخول المادة بين أنواع الليف، و كأنه غاية التشنج و حكمهما واحد لكن لشرب الراوند(1) و المقل(2) و الصعتر في الكزاز مزيد نفع، و كذا المرخ بدهن الخروع. و جالينوس يعبر عنه بالتمدد.
ص: 295
الرعشة:
إختلاط الحركة الإرادية بغيرها؛ لسدة غليظة إن ظهرت علامات الأمتلاء و كأنها حينئذٍ مبادئ الفالج و إلّا فهي كالتشنج و الكزاز اليابسين، و سببهما ما مر في الفالج، و قد يكون عن إفراط غضب أو سكر إن كثرت في الأعالي، أو جماع إن تساوت فيها الأعصاب، و قد يكون للكبر أو مرض منهك. و علاماتها ظاهرة.
العلاج: يؤمر بترك الجماع و الشراب الصرف خصوصاً على الجوع، و أن يأكل العسل و الجوز بإكثار و يغتذي بالسلق و الخردل و مرق الديك الهرم منضجاً بالقرطم و الملح منجماً ليلًا، و يدهن بنحو دهن الخردل و البابونج و يلازم على الأستفراغ بالأيارجات الكبار. و هذا المعجون مجرب يؤكل قدر مثقالين بماء العسل الحار.
و صنعته: اسطوخودوس قنطريون(1) قرنفل من كلٍ عشرة كابلي صعتر دارصيني من كلٍ سبعة، تربد غاريقون حلتيت جندبادستر من كلٍ أربعة، زعفران عاقرقرحا من كلٍ ثلاثة، تعجن بالعسل و ترفع، و ما في الفالج آتٍ هنا.
الخدر
نقصان حس الأعصاب أو بعضها، لسدة تحبس الروح غير تام و كأنها مبادئ السكتة، و قد يكون لالتواء عضوٍ أو انضغاط عصب، أو خطأ في نحو فصد و قطع يصيب العصب.
و أسبابه أسباب السكتة، لكن إذا كانت ضعيفة. و علامات كلٍ معلومة.
العلاج: ما كان منه عن ايذاء عصب فلا علاج له و إلّا لازم على أكل الزنجبيل و الشبت و استعمال الفلفل الأسود بالزيت مطلقاً، و ما ذُكر في الرعشة، و ترياق الذهب، مجرب، و كذا شرب مرارة البقر مع وزنها شيرج.
الاختلاج
إحتباس خار في محل من البدن لغلظه، فتطلب الطبيعة دفعه فيتحرك العضو و إن لم يكن كذلك كالزلزلة و ما دون له من الدلالات لا أصل له ما لم يستند إلى توزيع الأعضاء على الكواكب و يطابق زمن
ص: 296
الحركة سعد الكواكب المناسب و عكسه فيمكن حينئذٍ القول به، و سبب الأختلاج غلظ المادة و قلة الرياضة و استعمال الأشياء الغليظة.
و علاماته الحركة القسرية.
العلاج: إن اختلج البدن كله فلا علاج؛ لأن غايته الموت، و ما كان عن فرح أو غضب فعلاجه سكون السبب و غيره بعلاج الرعشة، و يختص الوجه بالسعوط فأنه اسرع لتنقية اعضاء الرأس. قالوا: و لا يتفق اختلاج في متضادين كدماغ و عظم.
الاسترخاء
عبارة عن سيلان الخلط الرطب إلى أعصاب عضوٍ فتنقص أو تبطل أفعاله، و يعبر عنه بالاعياء، و قد يعم بحسب توفر المادة، و سببه لزوم المآكل الرطبة و قلة الرياضة و الأستفراغ و الحمام و الجلوس في الأماكن الرطبة، و الأسترخاء أصل لسائر أمراض العصب من الفالج و غيره كما مر، و كان علاجه صون البدن عنها، كما قال جالينوس.
العلاج: الخاص به، يجب النظر في مبدأ عصب العضو المسترخي فيقصد بالتداوي كالقطن، و أجود أدويته إستعمال القسط مطلقاً و استعمال نصف درهم من عسل البلادر بلب الجوز و الطلاء بالقرنفل و الخردل و دهن الغار(1) و قثاء الحمار و السذاب بالزيت و شحم الحنظل و الميعة و النطرون مجموعة أو مفردة، و يختص الذكر بشرب الشب اليماني بماء الحديد و شرب درهم من كباش القرنفل و حبة مسك، و خمسة عشر درهماً سكراً في مائة درهم لبن نعاج مجرب فيه، انتهى.
النزلات
هي المعروفة في مصر بالحادر، و هي رطوبات تجتمع في الدماغ فيضعف عن تصريفها على الوجه الطبيعي فتسيل إلى بعض الأعضاء فتسمى بحسب المحال اسماء مخصوصة كشقيقة و خدر و زكام و رمد إلى غير ذلك، و إذا أُطلقت النزلة و الحادر فالمراد بها ما لم يختص بأسم كورم الوجه و الحك
ص: 297
و أوجاع الأسنان و الأذن و الصدر، و قد تنصب في الأنثيين و إحدى الرجلين و هي من الأمراض التابعة لمزيد الرطوبة سناً و بلداً و غيرهما، و أسبابها كثيرة ككثرة التخم و الاستحمام و البرد و تغير لبس الرأس و النوم قبل الهضم.
العلاج: إن كانت عن دم قُدِّم الفصد في القيفال إذا لم تجاوز الصدر و إلّا فعلى القوانين السابقة، ثم يلازم شرب ماء الشعير مع ربعه بزر خشخاش مسحوقاً حتى ينضج، و يزيد في الصفراء تمر هندي و الطلاء بدهن الآس و النطول به و بالعفص و الورد و الجلنار و الاقاقيا(1) مجرب، و كذلك التدلك بها و قد رطبت بالخل في الحمام، و إن كانت باردة نضجت بالايارج و أكل البندق مقلوا مع الفلفل ينضجها، و كذا البخور بالسكر و الكبريت و أكلهما، و من ضمد بدقيق الباقلاء بعد نقعه في الخل و تجفيفه في الظل مع مثله حناء و نصفه كبريت و ربعه من كل من القرنفل و العاقرقرحا و ورق الجوز الشامي حل الاورام و منع النزلات كلها، و كذا النطول بقشر الخشخاش و البابونج و الشبت و الأكليل(2)، و من طلى على الحارة سحيق الصندل و الآس و قشر الخشخاش معجونة بالخل و دقيق الشعير حلت من وقتها، و كذا ماء الكسفرة بدهن اللوز و البان النساء انتهى.
الكابوس
تحيز بخارات في مجرى النفس تتراقى أو تنصب منه دفعة حين الدخول في النوم.
و سببها: إفراط ما عدا الصفراء و الإكثار من اغذية توجبه، و إنما يقع في النوم، لأنحصار الحرارة. و ينقضي بالتحلل أو الأضطراب و حقيقته تأذي الأعضاء بما ذكروا، المدرك منه شي ء ثقيل يبطل الحركة و الكلام، و هو مقدمة الصرع فيجب ازالته
و علاماته: الثقل و لوازم الرطوبة إن كان عنها و إلّا السوداء.
العلاج: فصد القيفال أولًا في النازل من الدماغ في الدم و المشترك في المتراقي، و الفرق بينهما بدؤه من الأعلى في الأول. ثم تلطيف الخلط
ص: 298
و القي ء في البلغم بالفجل و السكنجبين ثم الأستفراغ بالأيارج و في السوداء بطبيخ الأفتيمون و ما في الصرع و السكتة آتٍ هنا.
ام الصبيان
انصباب مواد على الصدر تعسر النفس و تغير العين و تمسك اعصاب اليد و الرجل ثم تتحلل و يأتى غيرها، و قل من يخلص منها من الاطفال.
و سببها: كثرة الرطوبة و سوء هضم المراضع و تناولهن ما غلظ كلحم البقر، و قد تكون عن سقطة و نحوها و هي أشبه شي ء بالصرع، و ينسبها كثير من العامة إلى القرنا.
العلاج: لا شي ء أجود من شرب ماء الأنيسون و بزر الكرفس و الجوز بالسكر و طبيخ ورق السمسم و القرع في لبن الأتن(1) فالنساء فالماعز و مزجه بدهن البنفسج و الطلاء به، و إن كان شتاء فاطبخ زيت البزر بورق السذاب و ماء الورد و اطلِ به الرأس و العنق، فإنه مجرب و كذا الفوانيا.
خاتمة
قد عرفت أن ما مر من الأمراض موضوعة إما الدماغ أو العصب النابت منه، فملاك الأمر في ذلك تقوية الدماغ و أعضاء الرأس و تنقيتها من الخلط أو البخار و إخراج الرياح المحبوسة منها، فإن ذلك أصل للحفظ مما سبق فإنّ الاعتناء بالدماغ و الرأس أما أن يمنعها أصلًا أو تكون سهلة المشقة إذا حدثت.
و القانون في ذلك: أن تنظر في الغالب إن كان حاراً بردت من غير مبالغة؛ لأن الأوفق بهذا المحل غلبة الحرارة أو بارداً عكست مبالغاً، و أجود ما برد به الطلاء بالخطميّ و نشارة العاج و البقس(2) و دقيق الشعير و الحناء و عصارة الكسفرة و عنب الذئب و الثعلب(3) و حي العالم(4) و أجود ما شرب لذلك المرزنجوش مع الكسفرة و الكمثرى و شراب الخشخاش بماء الشعير، و أجود ما سخن به و نقى و فتح السدد و قوّى لطخ الميعة و الزعفران و القرنفل و السنبل و القسط، و شم ذلك و استعاط المر و الجندبادستر و الكندس و الفلفل و الخردل.
ص: 299
صفة معجون جامع الاسرار
: بفتح السدد و يقوي الدماغ و يزيد فيه و في العقل و الحفظ و ينقي الرياح و البرد مجرب.
و صنعته: كابلي جزء، غاريقون زنجبيل كسفرة خردل اشنة بزر حنا و بزر كرفس صبر من كلٍ نصف، ورد مسحوق مصطكى سنبل عود هندي من كل ربع، زعفران قسط مسك عنبر لاذن من كلٍ ثُمن، تحل ما يحل في ماء الورد و تسحق العقاقير و تعجن بمثليها من العسل المنزوع، الشربة مثقالان، و قد تعجن هذه بماء الرازيانج و الكرفس و تحببه. و قد يضاف إليها بزر الحناء مثل الصبر، فانه غاية، و قد تحل و تطلى و يسعط منها.
و بالجملة فهو دواء نافع مع سائر أمراض الدماغ إذا أُتقن تركيبه فاحتفظ به، فقد و سمته لكثرة منافعه بمعجون جامع الأسرار.
و هي تنقسم إلى ما يخص الأجفان، و هذا القسم ثلاثة انواع: نوع يخص الأعلى كالشرناق، و نوع الاسفل كالغربة، و نوع يتعلق بهما كالجرب أو بالمآق، و هو أيضاً ثلاثة:
عام كالسلاق و خاص، و اما بما يلي الأنف كالغرب أو الاذن كالشاحذة أو بالمقلة، و هو أيضاً ثلاثة: أما خاص بالطبقات كلها أو بعضها أو بالرطوبات كذلك أو بهما، فهذه أصول أمراض هذا العضو، و قد حصرها الدمياطي في خمسة الآف مرض في كتاب خاص، غير أنها راجعة على ما حرره في المهذب و التجريد إلى مائة و اثنتين كل واحد منها أصل لأنواع كثيرة و الذي اشتهر أن المخصوص منها الأجفان أربعة و أربعون و الباقي بالباقي، و قد أشرنا في التذكرة إلى
ص: 300
تفصيلها، فلنلخصه هنا فنقول:
لا شك أن تغير العين عن أصل الصحة أما خلقي و لا علاج له أو عارض و الكلام فيه، فإن كان عن سبب خارج كبرد الهواء و البخارات المتغيرة و نظر في بياض و مقابلة صقيل كالمرايا و النظر في البرق مع صحة الدماغ و المعدة، اكتفى في هذا بالوضعيّات، و إلّا فلا بد من التنقية و إصلاح العضو الأصلي.
و اعلم أن وضع الاكحال و نحوها في البخارات خطأ محض ينقل إلى الأمراض الرديئة، و قبل تنقية المادة بوقع في القرحة و نحوها، و ربط العين يسرع لحصول الماء و ردع المادة بالمبردات في زمن التزيد يهيئ العين للبياض و التقرح و النزلات، و يجب عند الأحساس بالنخس و الدمعة فتح العين، لكن في المكان المظلم لتندفع المادة و لا يتأذى بالشعاع، فهذه القواعد التي يجب استحضارها عند علاج هذا العضو، فلنأخذ في تفصيل أصول الأمراض مشيرين إلى كل واحد في موضعه.
الرمد
من أمراض الطبقة الملتحمة، و هو تغيرها عن أصل الصحة، و الرمد من أكثر امراض العين وقوعاً و اعظمها فروعاً و يكون عن أحد الأخلاط، فإن صحبه وجع و نخس فحار دموي إن كثرت معه الرطوبات و إلّا فصفراوي، و بارد إن عدما، أو قلّا، فإن كثرت معه الرطوبات و الالتصاق فبلغمي و إلّا فسوداوي، و كلٍ إن اقترن بأذى الرأس فمنه، و إلّا فرمد بحت خاص بالعين، و قيل: الصداع يلازم السوداوي مطلقاً و اياك و التعويل على لون العين و سيماء الأجفان، لأحمرارهما في السوداوي. و ما التصق في النوم بلغمي قطعاً.
و أسبابه: أما من خارج كشمس و هواء و نوم تحت السماء و تغير ما على الرأس و نظر إلى ارمد و استنشاق حاد كالفلفل و شم ما يحرك المادة، أو من داخل و يحصره فساد أحد الأخلاط و علامته معلومة مما ذكر.
ص: 301
العلاج: يجب البدار إلى تليين الطبيعة مطلقاً ثم الفصد في الحار و الإكثار بعده من ماء الشعير و بزر الخشخاش و التمر هندي و العنّاب و الأجاص بالخيار و التربد، وضعاً بماء الكسفرة و عنب الثعلب و الورد و الألعبة و الأشياف الأبيض(1) محلولًا ببياض البيض إلّا الماء لضرره في المبادئ ثم بالأحمر اللين ثم الزعفران آخراً، و في البلغمي ينقى اولًا بشرب الغاريقون بماء الزبيب و التربد جلنجبين، ثم بالأحمر الحاد وضعاً و ماء الحلبة و الماميثا، و في السوداوي التنقية أولًا بشرب السنا و الزبيب ثم الأفتيمون ثم أشياف الماميثا(2) و الألعبة.
و من المجرب في جميع الرمد:
أن تأخذ جلنجبين ثلاثين درهماً سكري في الحار و إلّا عسلي في البارد على تمر هندي بنفسج من كلٍ عشرون، عناب اسطوخودوس من كلٍ عشرة، تغلى بعشرة أمثالها ماء حتى يبقى الربع فيصفو على خمسة عشر درهماً خيار و يستعمل و يكرر بحسب الحاجة، و إن إشتدت نكاية الدماغ فاسحق عشرين درهماً هندي و بيّته في ضعفه ماء ورد وصفه من الغد وحل فيه ثلاثين من العقيد الممسك و امزجه بالسابق إن شئت أو اتبعه به، فهذا من أنجب العلاج خصوصاً عند غلبة الرطوبة، كل ذلك مع إصلاح الأغذية و منع الذفر و ما يخرج من الأرواح.
و من المجرب في الحار خصوصاً مع الصداع: أن تطليَّ القرع بدقيق الشعير معجوناً بالخل و يشوى حتى يكون كالخبز فيقشر و يمرس و يسقى بالسكر مطلقاً، و شراب الورد أو البنفسج إذا إشتد العارض و تضمد بحب الآس و السوكران و يكتحل بعصارة حي العالم أو الكسفرة مع لبن الأتن أو النساء و يأخذ من اللوز إلى مثقالين.
و من مجربات السويدي(3):
أن يعجن الأنزروت(4) ببياض البيض و يشوى في عود طرفاً، ثم يسحق بمثله سكراً و نصفه من كلٍ من الزعفران و الششم فإنه كحل مجرب لسائر الرمد و كذا إن طبخ النمام
ص: 302
و الششم و الأنزروت في ماء الورد بالغاً و رمي ورق النمام و سحق الباقي مع نصفه سكراً و ربعه زعفران، و إن كب الرمد على بخار الورد المطبوخ و ضمد به برئ.
و في الخواص: إن إدامة النظر إلى الخمر و هي تغلي تذهب الرمد مجرب، و كذا إبتلاع سبع من الرمان قبل طلوع الشمس دون إمساس باليد في السبت أو الأربعاء، و قيل: مطلقاً و السبعة لسبع سنين أو عشر أو ثلاثين سنة أو واحدة، و كذا تعليق ذبابة حية على العضد في خرقة، و متى كثر الرمد مع الورم فلا شي ء لتحليل الحار منه كدقيق الحلبة و الخشخاش و الباقلا ببياض البيض ضماداً و عصارة زهر القرع و حي العالم بلبن النساء طلاءً و كحلًا، و البارد بصفار البيض و دهن الورد و الزعفران و الصبر طلاء و به دم الاخوين و الزعفران و الماميثا و الأقاقيا و الصبر متساوية، و الأفيون نصف أحدهما إذا شيفت و استعمل كحلًا و طلاءً و متى طال الرمد فليهجر الحمام و الجماع و كل حامض و مالح و تُحجم الساقان و تُستعمل الحقن بحسب الأمزجة و تلزم الدعة و يجتنب الدخان و الغبار و كل مشموم محرك للمواد، و من غيرها كريح و بخار، و تتبع أصولها فيما ذكر. و من أنواع الرمد نوع يلازمه الصداع و الجفاف و ضعف البصر و وجع الجبهة من غير ظهور اثر في العين؛ و ذلك؛ لفرط اليبس خاصة فعلاجه الترطيب مطلقاً.
و منه ما يحس معه بثقل العين و كأنها محشوة بنحو الحصا، و يكثر ذلك حال القيام من النوم و ينحل بالحركة.
و سببه: بخارات غليظة تدفها الحرارة.
و علاجه: تنظيف شعر الرأس و شرب ما يحلل مما سبق و غسل العين باللبن و السعوط بالشونيز و بدهن اللوز، و قثاء الحمار يحل بقايا الرمد مطلقاً و كذا غسل الرأس بطبيخ الآس و الأكليل و الخطمي و حجامة،
ص: 303
الأخدعين و النقرة تمنع الرمد و النوازل مطلقاً، و كذا لزوم تضميد الجبهة بالصبر و سحيق قشر الخشخاش و ورق الخس و الجوز معجونة بالشراب يمنع الأسترخاء و النزلات، و كذا الأشياف السابق آنفا.
و مما يحفظ صحة العين و يقويها و يمنع قبولها النوازل الأكتحال برماد رؤوس الحمام و الأنزروت و الشب و الزعفران و المسك. و من اكتحل بالعقيق بمرود ذهب مرتين في الشهر أمن من أوجاع العين و أمراضها، و سيأتي ذكر الوردينج
السبل:
من أمراض الملتحمة و القرنية يكون بينهما كالغبار المنتسج و غير المستحكم منه لا يمنع البصر و إن أضعفه، و الغليظ يدرك منتسجا على الحدقة، قد امتلأت عروقه دما كدرا، و غايته أن يبيض العين و يحجب البصر، و هو إما رطب إن صحبته الدمعة و الثقل، و إلّا فيابس.
و سببه: إما من خارج كضربة أو سقطة، أو داخل كضعف الدماغ و تراكم البخار و فساد الخلط.
العلاج: يبدأ في الدموي بالفصد، و يلازم التليين مطلقا، ثم يلقط الغليظ بشرط أن ينظف و إلّا عاد، و يكتفي في الرقيق و ما بقي من الكشوط بالأكحال الحادة مثل الباسليقون و برود القاشين و الروشنايا، فإن أعقبت حدة الأكحال تغيّرا في الدماغ يخاف منه انصباب المادة قوي بما مرّ، و لطفت الأكحال فيقتصر على الذرور الأبيض و أشياف الآبار و الأخضر، و من المجرب الناجب فيه ن تركيبنا هذا الكحل:
و صنعته: عصارة رجلة و قثاء الحمار جافتين من كل جزء، أنيسون قرنفل زفت من كل نصف، تنخل بالحرير و تغمر بخل قد طبخ فيه قشر بيض يومه بالغا، و ترك عشرة أيام بلا تصفية، ثم صفي و استعمل، فإن شئت شيفت به الحوائج، و إن شئت غمرته كلما جف خمس مرات ثم نخلته و رفعته، و هو
ص: 304
من الأسرار المخزونة. و ينبغي لصاحب هذا المرض دخول الحمام على الريق دون اطالة فيه و فصد عرق الجبهة و تقليل الشم و السعوط و الحركة و قرب الشمس و النار، و قد صرح الرازي بأنه موروث.
الظفرة
زيادة من طرف الملتحم كالدق، و هي أنواع أربعة: ما يبتدئ من طرف الموق و لا يجاوز السواد أصلًا و هو أخفها، و نوع من أي جانبٍ كان و يمتد شفافاً رقيقاً، و نوع يغطي السواد و يغلظ و هو أضرها، و آخر مضاعف أحد طبقتيه من الملتحم و الأخرى من الصلبة لاعلاج له، لما في قطعه من حدوث الكزاز و الخطر، و الظفرة سبل في الحقيقة إلّا أنها لا تكون من كلِ الجوانب في وقت واحد و ليس فيها عروق.
و علاجها: كعلاجه، و كذا باقي أحكامها أو خصت بماء الآس محلولًا فيه الصبر فانه مجرب فيها و كذا دخان الكندر و المر و الميعة و القطران إذا جمعت متساوية، و قد يضاف إليها مثل نصف أحدها من كل من الشب و زنجار الحديد و الروسختج(1) و زبل الفأر و الملح المحرق فإن هذا مجرب وحياً.
الطرفة
نقطة تظهر في العين تكون إلى الحمرة أولًا ثم تتلون فيسود القديم منها أو يكمد لموت الدم، و تعقب ورماً.
و اسبابها: من داخل إمتلاء و سوء حركة و صيحة تفجر العرق، و من خارج نحو لطمة.
و علاماتها: وجودها و حمرة الحدقة منها.
العلاج: لا شي ء في أولها كدم ريش جناح الحمام و لبن النساء و دهن الورد قطوراً فريق الصائم فالكمون و الملح و البندق ممضوغة معصورة من خرقة خصوصاً إن عظمت، و يبخر القديم منها بأخثاء البقر(2) و الكندر متساويين و يضمد بالفجل و الأكليل مطبوخين.
الدمعة
عدها أهل الصناعة من أمراض الملتحم. و اقول أنه ليس بصحيح بل هي من امراض العين كلها، و حقيقتها زيادة رطوبة فوق الطبيعة.
و سببها:
ص: 305
إمتلاء و فرط أحد الكيفيات غير اليبس و قلة الأسهال و ضعف الهضم و المسك، و تغير الدماغ تكون عن مرض آخر كتقادم السبل و قوة الجرب و خطأ في كشط نحو الظفرة، فينقص لحم الجفن أو المآق.
العلامات: ما كان عن الصفراء كان دقيقاً حاداً، أو عن الدم فغليظ سخن، أو عن البلغم فغليظ بارد قليل السيلان كثير الرمص يجف وقت الحرارة و بعد الحمام، و الصحيح: أنها لا تكون عن سوداء خالصة.
العلاج: يفصد عرق الجبهة ثم ما فوق الأذن في الدم و تسهل البواقي ثم الأكحال المجففة و يكاثر فيما أصله نقص اللحم من وضع المنبتات له مثل السماق و العفص و الماميثا و ماء الآس، و ما نشأ عن مرض فعلاجه علاجه، و يدثر الرأس في البارد بالجوخ الأحمر و يوضع فيه المسك و القرنفل و ورق الجوز الشامي فإنه مجرب، و المحرور يبرد بورق الآس و التفاح، و كب الماء البارد في الحمام مجرب لصحة العين إذا كان الأصل عن حرارة، و تقطير الخل بالماء و الزعفران بالشراب مجرب، و كحل الرمانين و ما في الظفرة كذلك. و من المجرب أن يطبخ العفص و الآس و الجلنار و قشر البيض و الأهليلج الأصفر متساوية بعشرة أمثالها خلًا حتى يبقى الربع فيصفى و يؤخذ راسخت أثمد سواء، زعفران ملح مكلس سبج(1) محرق بسد(2) من كلٍ ربع، مسك عشر الكل يسحق و يسقى بالخل المذكور سبع مرات ثم يجفف و ينخل فإنه يقطع الرطوبات و يحد البصر و ينبت اللحم مجرب.
الشعرة:
من أمراض الجفن و يخص الأعلى على الصحيح، و هو أما زائد أو منقلب من الهدب، و هو من الأمراض الخطرة العسرة الموروثة.
و سببه: رطوبات متعفنة في الدماغ و الحجاب، و قد يكون عن تقادم نحو السبل و الدمعة و خطأ في علاجهما، و علاماته وجود و الاحساس بنخسه في العين و الحمرة و ضعف البصر.
ص: 306
العلاج: قد يقطع الجفن فيرتفع عن العين و فيه ضرر بالبصر و فساد لشكل العين غالباً. و قد يلصق المنقلب مع الصحيح بنحو الدبق(1) و المصطكى، و الذي جربنا فصح أن تطلع الشعرة و يكوى موضعها بأبرة من ذهب، و أما الأدوية فقلما تنجب لكن إن لم يقدم المرض تنجب إذا كوثرت الوضعيات مع التنقية، و مما صح منها رماد الأصداف و الزاج و العليق(2) إذا أحكم حرقها و اخذت بالسوية ثمر الصبارة(3) اقليميا(4) الذهب اسفيداج الرصاص من كلٍ كنصفها، دقيق باقلاء كربعها، كلس(5) قشر البيض لؤلؤ محلول من كلٍ كعشرها، يحكم سحق الكل و يشيف بدم الضفادع و القطران و عصار الصبارة و يجفف و يستعمل عند النتف مراراً قالوا و دم قراد الكلب الأبيض يمنعه و عصارة البنج أيضاً دلكاً و إن خلطت مع الأدوية المذكورة فغاية.
الشعيرة:
ورم مستطيل في الجفن صلب و منه رخوٍ يسمى ( (العروس))، و مادتها غير الصفراء.
و اسبابها: نحو الظفرة، و علاماتها: علامات الخلط الكائنة عنه.
العلاج: الفصد في الذراع ثم عقر الماق ثم تدلك بالذباب أو بالصبر و الحضض(6) و معجوني بالألعبة أو بالميعة و كذا الصمغ و الخل و عصارة القنطريون الرقيق و الزعفران و دقيق الخشخاش و الحلبة.
البردة:
رطوبة تجتمع بباطن الجفن تصلبها الحرارة فيميل بها إلى المادة اللذاعة حتى يستلذ بحكها، و سميت بذلك؛ لأستدارتها و بياضها، و باقي أحكامها كالشعيرة إلّا أنها قد لا تنحل بالمنضجات فتستخرج بالشق ثم تعالج علاج الجرب.
الجرب:
خشونة الأجفان و لذعها و هو ثلاثة:
ما يشبه حب التين ملتصقاً مستديراً محدوداً، و مادته فساد الدم و غليانه فينصب مبثراً، و نوع يسمى
ص: 307
الحصفي أبيض الرؤوس ينقشر عنه كالنخالة، و نوع منبسط لا يدرك منه إلّا الخشونة، و مادتهما خلط حريفي ينصب من الدماغ. و سبب الجرب بعد الإستفراغ كثرة الامتلاء و سوء مزاج الدماغ، و الأخيران قد يكونان عن خطأ في علاج الرمد و طوله، بل قيل أن الثالث لا يكون إلّا كذلك.
و علاماته: استلذاذ حكة الجفن و غلظه و ضعف حركته و حرارة العين و الخشونة و نتوء الحصف.
العلاج: يبدأ بالفصد في اليد أولًا ثم تلين الطبيعية بمطبوخ الفواكه و البكتر و النقوعات و شراب الورد و البنفسج و يحك ما عدا الثاني فلا يقرب بذلك، و الأكحال الناجبة فيه الأشيافات اللينة و المرائر و الرازيانج و الآبار، ثم يعاود فصد الجبهة و عرق الماق، هذا كله مع تلطيف الغذاء إلى الغاية و استعمال الحمام ما أمكن، ثم يكبس بهذا الذرور فإنه من مجرباتنا الناجبة الصحيحة.
و صنعته: رماد شعر انسان صبر عفص من كلٍ جزء، زنجفر زاج محرق من كلٍ نصف، قرنفل سنجاج أحمر من كلٍ ربع جزء، تسحق الجميع و تكبس مراراً و ربما برئ بالصبر وحده، و كذا العفص و عصارة القنطريون. الغشا و ضعف البصر
هو من الأمراض العارضة لجملة العين، لكن أسبابه كثيرة؛ لأنه قد يكون عن مرض آخر يطول أو يسوء علاجه، و هذا يكون كأصله في سائر الأحكام، و قد يكون عن فساد المزاج بأنواعه. و علاماته ما عرفت. و الكائن عن البرد تعظم معه العين و تتسع بالنسبة إلى مقدارها زمن الصحة و عن الحر بالعكس و أن يخف الكائن عن الحر عند الشبع و النوم و غيره بالعكس، و علامات الكائن عن فساد المعدة بطلانه وقت الجوع و قد يكون عن فساد بعض أجزاء العين، و علامات الكائن عن
ص: 308
البيضة رؤية السواد قدامها و صفاؤه حال النظر إلى فوق، و علامات الكائن عن الجليدية الظلمة وقتاً و الصفاء اخرَ و عن فساد الأجفان و نحو السبل و هو معلوم، و منه ما يكون جِبَلّياً و عند الكبر و كلاهما لاعلاج له.
العلاج: إذا علم الخلط يستفرغ حتى إذا نقى المادة رطب اليابس بنحو دهن اللوز و برد الحار بنحو عصارة الكسفرة و الخولان قطوراً و العكس نحو برود الحصرم و الصبر و الكندر، ثم استعمال الأكحال المقوية المحدة للبصر كالبنفسجي و الباسليقون و الروشنايا، و كذا النطرون و دماغ الكركي(1) و ماء الرمانين و دم الحمام الأبيض قطوراً حال ذبحه، و أجوده المأخوذ من ريش الجناح، و الاكتحال برطوبة الخنافس يذهب الجرب و ضعف البصر و الغشاء. و من تراكيب السويدي: فلفل جزء، دارصيني نصف، عروق الصباغين ربع، نانخواه ثمن، ينخل و يكتحل به، قال: و يشرب منه إنتهى. و هذا الدواء جيد إن كان ضعف البصر عن برد و رطوبة و إلّا لم يجزو أكل الخردل بالسلق أنفع منه.
الجسا:
بالمهملة آخراً و المعجمة أولًا: صلابة الجفن و ضعف حركته مطلقاً لا الانطباق خاصة، لخلط في العضل فإن كان اكّالًا لزمته حكة و كأنه تشنج في الحقيقة، و قد يكون عن فرط يبس إن اشتد عسر الحركة، و يكون في الجفن أصالة إن لزم حالة واحدة و إلّا فمن الدماغ.
العلاج: يبدأ بالتنقية، ثم وضع الألعبة و الشحوم إن كان يابساً و إلّا الزنجار و العسل، و كذا المر، و أجود الشحوم هنا الأوز و مخ ساق البقر و الألعبة الجلية و الكتان، و لدهن البنفسج هنا خاصية عجيبة.
الغرب:
خراج يخص الماق الأكبر في الغالب تجتمع فيه المادة ثم ينفجر و يعود و هكذا، و يعظم و يطول حتى يخرق الصفاق، و حاله في العين حال الناصور في المقعدة.
و سببه: اندفاع رطوبات بورقية من الدماغ، و الإكثار
ص: 309
من الحمل على الدماغ و النوم بعد الأكل و قلة الأستقراغ.
و علاماته: صلابة الكائن عن الأخلاط اليابسة، و بالعكس و كمودة السوداوي و غلظ ما يخرج منه في غير الصفراوي و حمرة الدموي.
العلاج: ما مر في الشعيرة و الجسا و إدخال عود الخربق الأسود فيها، و البابونج ضماداً مع الجوز العتيق وريق الصائم و المر و الآس و الشب و النطرون و الكندر و الزنجار تعمل أشيافا بالخل أو ماء لسان الحمل(1) و تحشى أو تطلى، و إن عظم أو أبطأ انفجاره ضمدت بطبيخ العدس و الماش أو بالزعفران و الزبيب أو بدقيق الشعير و قشر الخشخاش و الحلبة، ثم عالجه بالأشياف المذكورة فإنه من مجرباتنا.
البياض:
نتوء يمنع البصر إذا حاذاه و هو من أمراض القرنية يخص ظاهرها إن رق و إلّا عمقها و يحدث غالباً عن سوء علاج الطرفة و الرمد و بعد الجدري، و قد يكون عن قرحة إذا اندملت، و من أكثر ربط عينه و تغميضها فقد أعدها للبياض.
العلاج: ما كان عن القرحة كفى فيه زوال ما فحش؛ لأن موضع الأندمال لا يذهب أثره، و يكفي في الرقيق الأكحال الجالية، و غيره يحتاج إليها و إلى التنقية كلما أحس بالخلط، و مع الوثوق بصحة الدماغ يعطى الأكحال القوية، و مع ضعفه تلطف مع الراحة و الاستحمام و الانكباب على بخار الماء، و من أجود الأكحال هنا الباسليقون و الروشنايا الكبيران و برود النقاشين و الجوهري، و من المجربات في جلاء البياض: أن يسحق البزرقطونا مع سكر متساويين و يكتحل بهما، و كذا لب حبي السفرجل و القطن مع السكر متساوية و خمسة أميال في الصباح و مثلها في المساء و مسحوق العقيق علاج جيد، و كذا السندروس بندي القصب. و هذا الكحل من تراكيبنا مجرب لازالة البياض من عيون الحيوانات مطلقاً.
ص: 310
و صنعته: زبد بحر ملح زاج مرجان بورق يحرق كل على حدته، و يؤخذ منه جزء بعرضب سندروس لؤلؤ أصل القصب العتيق قشر بيض يومه شنج(1) محرق من كل نصفٍ، تسقى عصارة الفجل ثلاثاً ثم ندى القصب ثم عصارة العوسج(2) كذلك، ثم تنخل و تستعمل كحلًا أو تشيف بالقطران و تحك عند الاستعمال بندي القصب، و من المجرب أيضاً: الرطوبة التي في شهد(3) الزنابير، و من اعتصر من ماء البصل الأبيض ما شاء و من الفجل كذلك و جعل العسل على نار لطيفة فإذا نزعه سقاه من ماء البصل مثله ثلاثاً ثم من ماء الفجل كذلك، ثم من ماء الصعتر و رفعه في الزجاج كان كحلًا مجرباً، في قلع البياض إذا قطر في عين المحرور بماء الورد أو لبن النساء أو الأتن و في المبرود بنفسه أو بعصارة القصب و هو يزيل الظلمة و القرحة و السبل و الجرب و الدمعة فأكتمه فانه من الأسرار.
و من أخذ بول الصبي و دم الديك و الهدهد و طبخها حتى تغلظ و كحل بها ازالت البياض، مجرب من الذخائر.
الماء:
رطوبة تتحيز بين البيضة و صفاق القرنية فتسد ثقب العنبية فيمنع البصر.
و اسبابه: من خارج نحو ضربة و حمل ثقيل، و من داخل امتلاء و بعد تنقية و نوم بعد اكل و أخذ مبخر عند النوم و الحركة العنيفة و الجماع قبل الهضم وصب الماء الشديد الحرارة على الرأس.
و علامته: رؤية مثل الذباب أمام البصر في الواحدة أولًا من غير أن تذهب تارة و تجي ء أخرى، و التكدر وصفاء البصر إذا قلب الرأس إلى خلف و اتساع الحدقة إذا غمضت الأخرى، فإن خولفت هذه الشروط فليس بماء. و من لازمه الصداع في مقدم رأسه فليعتد للماء.
ثم هو سبعة أقسام رقيق أبيض برّاق شديد الصفاء يعرف باللؤلؤي، و قسم أبيض غير شفّاف، لكنه يذهب بالغمز و يعود و يرى صاحبه عند العطش شعاعات
ص: 311
و يحس بالخيالات و الأضواء، و قسم يعرف بالرصاصي تحد معه حركة العين و يكمد لونها، و قسم يسمى بالجصي تكون العين معه كلون الجص إلى الغبرة، و قسم بين حمرة و صفرة يقال له إسما نجوني، و آخر يسمى الغمام يرى صاحبه دائماً مثل السحاب و الدخان و لا يصفو فيه لون العين، و قسم أزرق تجحظ معه العين و يحمر الملتحم، هذا ما ذكروه و رأيت باليونانية لفولس ما معناه: أن من الماء ماء أصفر شفافاً تتواتر فيه حركة العين و ماء رقيق ينتشر بين الطبقات، فعلى هذا تكون انواعه تسعة.
العلاج: ما عدا الأولين لا مطمع في برئه و أما هما، فالكلام في علاجهما على حالات ثلاث.
الاولى: أن يرد دفعها قبل النزول كأن يحس بانقباض البصر تارة و انبساطه أخرى، و غلظ البخار فلا يرى من القرب رؤيته من البعد، فليبادر إلى الأيارجات الكبار و الغاريقون و دواء المسك و معجون هرمس و الاكتحال بالصبر و دماغ الديك الهرم بلبن النساء و دماغ الخطاف بالعسل و الكحل السابق في البياض بالبصل و الفجل.
الثانية: أن يكون قد نزل و لم يكمل.
و علاج: هذا بما يجففه أو يمنعه و لا شي ء كالزيت العتيق أو المعالج بالطبخ أو التقطير و القطران بالعسل و السكر و اللؤلؤ محلول و كحل فولس(1).
الثالثة: أن يكون قد تم فيقدح مما يلي المآق ثم يمشي الميل إلى خمل الطبقة و يستنزل و يترك على ظهره حتى يندمل مانعاً الذفر، و كل ذي بخار و رطوبة و حركة نفسية كغضب و صيحة، و صاحب الماء يقلل مطلقاً من الحمام و الشبع و الجماع، و إياك و القدح في يوم شديد البرد أو الحرّ و قبل استكمال النزول و عند كون السدّة في أول تجاويف العصبية فإن العين تفسد، و متى تغيرت الخيالات و الألوان فالمانع بخارات الماء.
الكمنة:
بخار يابس تحت الطبقات يلزمه انتفاخ في العروق.
و علاماته: أن يحس عند الإنتباه في العين بمثل الرمل و كأنها في الحقيقة رمد يابس.
ص: 312
العلاج: قطور دهن اللوز و البنفسج و لبن النساء و الأتن و الاكتحال بنشارة الأبنوس و الصبر.
الحرقة و الغلظ و الخشونة و الصلابة:
من أمراض الأجفان تحدث غالباً عن السلاق و الرمد، و قد تكون من خارج كدخان و صنان(1).
العلاج: إن طالت فلا بد من الأستفراغ و إلّا كفى حكها بالمر و السنبل و الصمغ و عكر الزيت و لبن النساء و الشب و العسل مجموعة، أو ما تيسر منها.
السلاق و الحكة:
رطوبة بورقية تبدأ في المآق غالباً ثم تنتشر فتئول إلى فساد العين.
و سببها: فساد مزاج العين عن نحو رمد.
و علاماتها: حمرة و غلظ و انتثار هدب(2).
العلاج: ينقع السماق و الأهليلج الاصفر في ماء الورد و يقطر، و كذا ماء الحصرم و تضمد العين بشحم الرمان الحامض و عصارة الرجلة و العدس المطبوخ، و من حل الفسفس المعروف في مصر بالبق في لبن النساء و أكتحل به أذهب السلاق، و ما مر في الحرقة و الدمعة آتٍ هنا.
النتو:
هو انصباب مادة زائدة لموجب داخل كامتلاء أو خارج كضربة تملأ ما بين الطبقات و الرطوبات فتبرز العين عن الحد الطبيعي بجملتها أو بعضها بحسب تحيز المنصب.
و اسبابه: تعود مع كثرتها إلى اندفاع الخلط.
و علاماتها: الألم و البروز و الثقل و الدمعة و لا يلزمه ذهاب البصر لجواز أن يبقى.
العلاج: يجب الفصد مطلقاً عندي، و قالوا على القاعدة، و الذي أراه ما عرفت؛ لأن المطلوب هنا نقص المادة كيف كانت و الفصد نقص كليٌ و وقتيٌ لا ينوب عنه غيره، ثم وضع المحاجم على الصدغين كذا قالوا، و لم أره؛ لجواز أن يكون متقضى النتوء بل الإستفراغ إن غلبت المادة، ثم الروادع القوية كالباقلاء و بياض البيض و العجين، و إن كان قد ذهب البصر و إلّا اللطيفة كالطين المختوم و الزعفران و البصل المشوي و صفار البيض و ماء الكسفرة.
ص: 313
الانتثار:
بالثاء المثلثة، و هو سقوط شعر الهدب.
و سببه: ورم أو سلاق و احتراق و يبس وحدة و رطوبات بورقية تفسد المنبت و المادة، و قد تفحش حتى تكون ناصوراً و يخرق.
و علاماتها: الغلظ و الحدة و سقوط الشعر.
العلاج: تستفرغ المادة و يلين اليبس إن كان بدهن البنفسج و الألعبة، ثم يكتحل إذا أيقن بالنقاء بما ينبت الأشفار مثل السنبل الهندي(1) و رماد خرء الديك و نوى التمر و الأهليلج و اللازورد و الحجر الأرمني و رماد زبل الفأر و القصب و كحل الأدخنة السابق ذكره.
القمل في الاجفان و غيرها:
و يعبر عنه هنا بالقمقام و في اللحية بالطبوع، و يقال للكل مطلقاً هوام الجسد.
و سببه: عفونة و قلة استحمام و حرارة غريبة تشكل المادة المذكورة.
و علامته: حكة و دغدغة و ضعف في الشعر و وجود حيوانات كثيرة الأرجل شديدة الألتصاق بأصول الشعر.
العلاج: تستفرغ المادة بالقوقايا(2) و الايارج ثم يغسل المحل بالماء المالح كثيراً، و في العين يطلى ما خف و أعد لقلته و تنقيته كالشب بماء السلق و الزيت و الكبريت، و في غيرها النطول بطبيخ البابونج و اللبوب و النشادر يطلى بالزراوند و الميويزج(3) و الزرنيخ مراراً، و يكثر في زمنه من أكل الدارصيني و المصطكى متساوية مع نصف أحدهما صبراً و ملازمة الحمام.
الحكة:
مادتها و أسبابها كالسلاق و الدمعة و علاماتها معلومة.
العلاج: بعد التنقية ما مر في هذه، و للخل هنا خصوصية سيما إذا مزج بالماء، و كذا الفلفل في الرطبة.
القروح:
اسم جامع لغالب أمراض العين و لا تختص بمحل منها غير أن الذي يظهر منها ما يخص الملتحمة، و علاماته نقطة حمراء في البياض، و العنبية و علامته كذلك، لكن النقطة هنا محفوفة بعروق القرنية، و علامته نقطة بيضاء في السواد، و ربما أخذت بعض البياض،
ص: 314
و أنواع القروح سبعة:
احدها، ما يشبه الدخان في اللون و يعرف بالقتام و دائرته كبيرة، و دونه المعروف بالسحاب اصفر و أميل إلى الصفاء، و دونه الأكليلي محيط بالسواد و ما يحاذيه من البياض و الرابع، قطعة تشبه الصوف أو القطن ذات عروق شعرية تسمى الصوفي، و هذه ظاهرة. و ثلاثة في باطن الطبقات:
أحدها، مستدير ضيق إلى الحمرة يسمى التفاحي، و ثانيها أقل غوراً يسمى الحافر، و قيل: المسماري، و ثالثها الغائر و هذا أخبثها لتولد الأوساخ و الخشكريشات. و من القروح ثامن لا يختص بموضع من العين، و هو نقطة تحيط بها عروق كثيرة و شعب تبعد معها سلامة العين.
و بالجملة فاسباب قروح العين سوء العلاج في نحو الرمد و الجدري و وضع الروادع قبل التنقية و الأكحال الحادة في الأمراض اليابسة، و علامة السليمة قلة الالم و الدمعة و سهولة حركة الجفن طبقاً و فتحاً و بالعكس.
العلاج: الكلام في الفصد ما مر في النتوء، ثم التنقية و لطف الغذاء و ترك الزفر و الحركة البدنية و النفسية، فإن ظهرت الصحة و إلّا حجم الساقين و فصد الصدغين و بثر شريان الأُذنين، ثم الوضعيات، و أجودها للغسل البان النساء و الأتن و لعاب الحلبة و اكتحال بمحروق المرجان و نوى التمر مع الصبر و الكثيراء متساوية و الطباشير نصف أحدهما فهو تركيب لنا مجرب. و يلطخ على الجبهة مدة العلاج بما يمنع انصباب المادة كدقيق الباقلاء و الكندر و العدس و الآس و بياض البيض و القطران و يكتحل بالأدخنة السابقة مع الزعفران و لبن النساء، فإن اعقبت القروح اثراً جلي بماء نقع فيه اللؤلؤ و الزنجار و السكر و اللبن و حكاكة السندروس على المسن بماء الورد مجرب.
الحول:
زوال موضع البصر الطبيعي عن موضعه و يقع للاطفال غالباً.
و اسبابه: سوء العلاج و التربية كخفض الرأس و الأرضاع من جانب دائماً أو
ص: 315
غالباً و شد ربط الرأس و تنكيسه و أخذ ما غلظ من الأطعمة، و قد يكون لصوت مهول ينظر إليه فازعاً، و في الكبر نزول ريح أو خلط أو صعودهما بين الطبقات.
و علاماته: تغير الشكل و النظر عن الجري الطبيعي.
العلاج: ما كان قبل الولادة لا دواء له، و غيره يجعل على العين ستارة مثقوبة الوسط بحيث يكون النظر مستوياً و يربأ له بما يميل النظر إليه من الجانب المخالف، و من الناجب في ذلك ضرب الأوتار بغتة في الجانب المخالف للنظر و وضع الألواح السبجية و قد رسمت فيها الصور المذهبه و الاجراس المصوتة فإنه مجرب. و متى كان إلى الأسفل فمن إسترخاء العصب، و يكون العلاج حينئذٍ بما يشده كتضميد الجبهة بالآس و العفص و البلوط(1) و الطين الأرمني. و ما كان إلى فوق، فعلاجه علاج التشنج اليابس و أسفله ما كان إلى أحد الجانبين، و مما ينجب في ردّه الكحل بالأثمد ممزوجاً بالبندق الهندي و السعوط بعصارة ورق الزيتون و الكحل بالسبج و البسد، و في اليابس تقطير الألبان.
الجحوظ:
بروز العين إلى خارج مع عظم أو غيره.
و سببه: ما أزعج الرأس من صيحة و خلط غليظ يندفع إلى المقلة، و قد يكون عن نحو طلق و زحير و كثرة نوم على الوجه، و علاماته وجوده.
العلاج: ما قيل في النتو بعينه.
الزرقة:
سوء مزاج الجليدية، و في المشايخ يبسها، و في الأطفال لفساد اللبن و كثرة التخم، و الحادث منها عن قرب سهل المزايلة.
العلاج: قال جالينوس: و من لطخ رماد البندق على اليافوخ من ساعة الولادة و لازمه اسبوعاً اسودت العين.
قلت: و من المجرب أن يسحق الأثمد و الحناء و يطلى بالعسل على الصدغ فإنه يزيل الزرقة متى فعل في مدة الرضاع، و كذا عصارة البنج كحلًا قيل: و الحنظل و الآس.
ص: 316
الانتشار:
بالشين المعجمة، اتساع المقلة على وجه لا يخرج معه الضوء على خط مستقيم لتفرقه، فإن كان مع ذلك اتساع ثقبة التجويف قيل له الاتساع مع الانتشار؛ و لجواز انفراد احدهما عدّهما الأكثر اثنين.
و سببه: إسترخاء العضل لسوء المزاج و فساد الدماغ.
و علامته: تفرق البصر و ضعفه من غير أ لم يحس.(1)
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة ؛ ص317
علاج: كل ما قيل في نزول الماء مع الفصد في الماقين و الصدغ و حجامة الكاهل و التنقية بنحو الأيارجات و استعمال الحلتيت أكلًا و شرباً و البيض بدهن الورد قطوراً و الزعفران بالنشا لطوخاً.
الضيق:
هو أن تصغر العين فيرى الشبح أكبر، لاجتماع البصر. عكس الاتساع.
و اسبابه: نقص البيضية و فرط اليبس و اجتماع الخلط في الثقب، و علاماته ما عرفت.
العلاج: من المجرب في التذكرة أن يسحق عاقرقرحا جزء و زنجار و جاوشير من كلٍ ربع يشيف به و يكتحل به بعد التنقية.
الالتصاق:
التحام الجفنين بحيث يمتنع البصر أو يقل.
و سببه: رطوبة غروية و يبس و سوء علاج من نحو حك الجرب، و علاماته وجوده.
العلاج: إكثار الأدهان و الألعبة و ماء الورد و الألبان، فإن لم تنجح شق بالحديد و جعل بينهما خرق مغموسة بالأدهان، هذا كله بعد التنقية مع اصلاح الأغذية.
الشترة:
تقلص الجفن بحيث لا ينطبق مستقيماً.
و اسبابه: سوء علاج نحو السلاق و السبل و الشعر الزائد.
و علاماته: تغير الأجفان في الوضع، فإن كان إلى فوق و لا سبب ظاهر كقطع فتشنج، أو إلى تحت فاسترخاء.
العلاج: ما كان عن الإسترخاء يقطر فيه عصارة العليق و العوسج أو عن اليبس و التشنج فما مر فيه مثل الترطيب بالأدهان و غيرها لا علاج له.
ص: 317
الدبيلة:
و هي الدمل، قرحة تبدو محمرة الرأس في الملتحم و ربما خرقت القرنية، و الأمر فيها خطر إذ قلما يسلم معها البصر، و مادتها رطبة في الغالب و إذا أغفلت جمعت المادة فلا تنفجر إلّا برطوبات العين.
و اسبابها: الامتلاء و الصداع في مقدم الرأس و تنذر بها الحمرة.
و علاماتها: النخس و الدمعة و الاحساس بتجذب عروق العين.
العلاج: يبادر إلى الفصد ثم الحجامة ثم الأستفراغ بالغاريقون و ماء الشاهترج و الأيارج الكبار، و يكثر من تقطير بياض البيض و اللبن ثم لعاب الحلبة فاترة ثم ممزوجاً بالأسفيداج، فإن لم تذهب إلّا بالإنفجار عولجت علاج القروح.
التوتة:
من أمراض الجفن السافل غالباً و هي لحم رخو أحمر إلى ذات عروق ترشح بالدم المتعفن.
و اسبابها: كثرة الدم و ترك تنظيف العين.
و علاماتها: اكمداد لون العين و الحكة بلذع و ثقل.
العلاج: يفصد القيفال ثم عرق الجبهة ثم حجم الساق، كذا قالوه.
و عندي: أنها إن كانت في الأعلى فحجامة الرأس أولًا ثم إن كانت مزمنة قُطعت عولجت بمرهم الزنجار أو التوتيا(1) و السكر و إلّا حكت به و كفاها الأشياف الأحمر أو الرازيانج.
السعفة:
قروح في أصول شعر الهدب تجعله محرقاً كأصول سعف النخل.
و اسبابها: أحد الباردين أو هما.
و علاماتها: الغلظ و سقوط الشعر و وجود الفروح بيضاً إن كانت عن البلغم و إلّا سوداً.
العلاج: يستفرغ الخلط و يلازم الحمام و يغسل المحل بطبيخ السلق و النخالة فدهن الورد فالأشياف الأحمر.
النملة:
مثلها محلًا و عكسها مادة.
و علاماتها: الأحساس بمثل دبيب النمل و تشقق الشعر.
ص: 318
العلاج: مثل التوتة في إخراج الدم ثم الإستفراغ بما يخرج الصفراء ثم الطلي بالطين المختوم بماء الكسفرة مجرب، أو الأسفيداج بدهن الورد و كذا الخولان و الماميثا و الزعفران، ثم الأشياف الأحمر أو برود الحصرم.
السرطان:
ورم غلب في كثير العروق.
و أسبابه: زيادة المواد السوداوية في العين و الدماغ و كثرة برد و مبرد و سوء علاج مرض سابق.
و علاماته: نخس شديد و ألم و نزول مادة حادة.
العلاج: يحتاج في سكون الألم بالمخدرات ثم يوضع في العين السادنج و النشا و الطين المختوم و الماميثا و اللؤلؤ لا غيرها، فإن كانت المادة غير مستحكمة فقد تبرأ و الّا كفى وقوفها.
الشرناق:
يخص الجفن الأعلى، و هو جسم شحمي تعسر معه الحركة.
و اسبابه: الرطوبة و الحرارة الغريبتان.
و علاماته: الثقل و الغلظ و ظهوره بين الأصابع.
العلاج: يستفرغ بقرص البنفسج ثم الايارج و يطلي بالماميثا و الصبر و الحضض و الزعفران ثم يكتحل بالذرور الأصفر(1) فالأغبر(2) فالباسليقون فإن لم ينجح فالحديد.
التخيلات:
قد أكثر قوم من تقسيمها و لا طائل تحته؛ لأن الضبط محال فرأينا أن نشير إلى أصول تضبطها، و هي أن الشخص إذا إختل بصره الطبيعي و شاهد ما لا وجود له، كما يسمع مسدود الأذن ما لا وجود له فلا يخلو أما أن يرى ما يرى متصاعداً إلى الأعلى أو العكس أو ثابتاً أمامه، و الأول تكون المادة فيه من المعدة، و الثاني من الدماغ، و الثالث منهما مع إمتلاء ما حول العين من الأوعية.
ثم على كل التقديرات إن كان الغالب على لون المشاهد مثل الدخان و الظلمة فالمادة سوداوية أو كالنار
ص: 319
و البروق فالصفراء، أو كان إلى البياض و مثل السُحب الصافية و كان يزول عند نحو العطاس، فمن البلغم و إلّا فمن الدم، و بذلك عرفت الأسباب و العلامات.
العلاج: يستفرغ المادة حيث عُلمت و يزيد في علاج الثابت بتر شريانات الأصداغ و فصد عروق الرأس المتصلة بالعين كالصدغ و المآق، و هذه ضوابط لا تظفر بها في غير كتبنا لهذه العلة. ثم ملاك الأمر فيه لزوم الراحة و حسن الأغذية و ترك كل مبخر كالفول و الكراث و تقليل الأستفراغات خصوصاً في اليابس.
و من المجرب في الصاعد من المعدة لنا هذا التركيب.
و صنعته: شبرم(1) تربد سنا من كلٍ جزء، بزر كرفس و هندباء و خشخاش و شاهترج من كلٍ نصف مصطكي ربع، تغلى بعشرة أمثالها ماء حتى يبقى الربع فيشرب بالسكر في السوداء و العسل في البلغم، و شراب البنفسج في الصفراء. و في النازل من الرأس
و هذه صنعته: سنا زبيب بزر كرفس من كلٍ عشرة، مرزنجوش ورد من كلٍ خمسة، أصفر منزوع ثلاثة تغلى كالسابق.
و من المجرب: الذي ابتكرته لحبس البخارات و النوازل و منع الماء و الخيالات و تقوية الدماغ وحدة البصر هذا التركيب، و هو من العجائب و الذخائر.
و صنعته: كمثرى يابس ثلاثون، عناب بنفسج زبيب ورق نعناع تمر هندي سنا من كلٍ عشرون، سبستان شبرم تربد أصل سوس من كلٍ خمسة عشر، أفتيمون اسطوخودوس كسفرة يابسة من كلٍ عشرة إن غلبت السوداء، و إلّا جعل مكان الأولين في الصفراء ورد و خطمي، و في البلغم تزيد مرزنجوش و نصف وزن الكسفرة مصطكى بزر كرفس و خشخاش و شاهترج و شعير مقشور من كلٍ سبعة، ورق آس ثلاثة ترض و تطبخ كما مر، و عند
ص: 320
التصفية يمرس فيها للمحرورين من لب الخيار عشره، و للبلغم من الغاريقون إثنان و للسوداء من الحجر الأرمني أو اللازورد واحد، و الشربة خمسون درهماً، و من حل في هذا الماء مثليه عسلًا للمبرودين و سكراً لغيرهم و عقده شراباً بلغ الغاية، و قد و سمته ( (بشراب الخيالات)).
الاسترخاء:
من أمراض الجفن.
و اسبابه: رطوبة تنحل في الاعصاب.
و علاماته: انطباق الجفن.
العلاج: التنقية بالأيارج ثم الأطريفال ثم يطلى عليه بالصبر و الخولان(1) و المرو و الزعفران معجونة بماء الآس ثم يدمل الأكتحال بالشب و الماميثا و العفص و السماق.
الجهر:
بالتحريك، قلة الأبصار أو عدمه نهاراً فقط، و هو أما جِبلّى لاعلاج له أو طارئ، فإن كان في الصيف أكثر دل على أن أسبابه حدة المواد ورقة الرطوبات و الروح الباصر، فتفرقه و الأضواء و الأشعة قبل انتقاش الصور.
و علاماته: اليبس و قلة الدموع و خفة شعر الهدب، و يعتري زرق العيون غالباً و ان تساوى حكمه في فصول السنة لم يكد يبرأ، و كذا إن زاد في الشتاء.
العلاج: تجب ملازمة الحمام غير الحار و شرب اللبن و الخشخاش الأبيض و الفراريج و دهن الرأس بالزبد و الشيرج و دهن اللوز، و النطول بمطبوخ البابونج و الأكليل و الخشخاش الرطب، و استنشاق السمن و قد مزج بدهن اللينوفر و يطلى على الأصداغ لعاب بزر السفرجل، و يكتحل بالوردي و الأشياف اللين، و يقطر دم الحمام الابيض.
العشا:
بالمهملة، و يسمى ( (الشبكرة)) و ( (الخفش)) تشبيها لصاحبه بالخفاش في ضعيف البصر. كذا ترجموه، و الأولى اللائق بالتعليل أن يسمى ( (الجهر بالخفش)) فإن الخفاش لا يبصر نهاراً و يبصر ليلًا و الأعشى هو الذي لا يبصر من غروب الشمس، فتأمله.
و العشا عبارة عن الضعف بسبب غلظ
ص: 321
الرطوبة و افراطها عكس الجهر كذا قروره و الظاهر أنه يكون عن رقة الرطوبة و كثرتها فيتفرق البصر زمن التسخين حتى إذا توارت الشمس غلظ برد الهواء تلك الرقة فامتنع البصر من الانتعاش.
العلاج: تستفرغ المواد بالقوقايا و الأيارج و يلطف الغذاء و يمنع الزفر و يلازم الروشنايا طرفي النهار وتراً و من المجرب: أن تذبح عنز سوداء على إسم صاحب العلة قبل طلوع الشمس من يوم الأربعاء أو السبت في الزيادة، و يؤخذ كبدها فتطرح على النار و يكتحل بما يخرج منها.
و في الخواص: إذا غرز في كبد عنز دارفلفل و زنجبيل و شويت و أُخرجا منها و سحقا كحلًا كان جيداً لصاحب هذه العلة خاصة و هو غاية.
الورم و الالتواء:
هاتان من عال الطبقة الصلبة و تكونان أما عن رطوبة و تعرف بالثقل و الأسترخاء و التجذب إلى تحت، أو عن يبوسة.
و علامتها: العكس و الالتواء و الأحساس بميل العين إلى جانب و الورم إلى معلوم، و قد يشارك هذه الطبقة غيرها فيهما كما لو تأذت الجليدية أو البيضية فتشترك باقي الطبقات في الأطباق.
و علامة ذلك: الضيق و الصغر و يسميه بعضهم ضمور الحدقة.
العلاج: يرطب اليابس و يستفرغ الرطب و يكتحل في اليابس بالأشياف الأبيض مع اللبن، و في الرطب بماء يدخله المسك، و إن كان هناك وجع بدأ بتسكينه بأن يُضمد بالورد و الآس مطبوخين بالشراب أو بصفار البيض ممزوجاً بدهن الورد و الزعفران.
و اعلم أن الحمرة إن كانت في مؤخر العين فالعلة خاصة بالمشيمة؛ لأنها كثيرة الاوردة و الدم فبادر إلى الفصد و أكثر من التبريد. اليرقان الخاص
هذا المرض قد يعم البدن و سيأتي في علل الكبد و يخص العين، فمع اليبس يكون من الملتحمة و مع الدموع يكون من علل
ص: 322
الشبكية.
و سببه: انصباب الصفراء إليها فتصبغ بها أجزاء العين فإن كان معه غور تجذب إلى داخل فسدت و إلّا فخلط دقيق.
العلاج: تستفرغ الصفراء و تضمد العين ببزر القطونا و الهندباء و تصب فيها الأشياف الأبيض و يقطر فيها الشراب ثم برود الحصرم ثم كحل الزعفران. و من العلاج المفيد كثرة الإنكباب على مطبوخ البابونج و البنفسج و الخطمى.
الوردنيج:
(قد وعدنا به في الرمد) و هو عبارة عن امتلاء الشبكية بالدم غالباً فيرتفع حتى يغطى البياض الحدقة و تنقلب الأجفان.
و علامته: علامة الخلط المنصب حينئذٍ فإن صلب و سال بالرطوبة فعسر جداً، و ربما زال في الأطفال من يومه، و أبقراط يسميه في البالغين نبغاً بالمعجمة.
العلاج: أخراج الدم فيه و إسهال البواقي ثم تبريد بنحو الاشيان الأبيض في البارد و التسخين بالأحمر في الحار، و ما مر في الرمد على اختلافه آتٍ هنا.
الشقيقة:
شقيقة العين من أمراض الشبكية و هي ناخس شديد من غير ظهور شي ء، و غائلتها عظيمة تفضي إلى الماء و غيره.
و علاجها: ما مر في الشقيقة و يختص بها ههنا صب الماميثا و لصق الحضض.
الودقة:
قطعة بيضاء تشبه الشحمة تظهر في الملتحمة.
سببها: احتباس خلط و امتلاء، و قد تشتبه ببعض قروح القرنية، يعني الموسرج و الفرق اللون الأبيض هنا و المحل، و لا فرق في العلاج؛ لزوال كلٍ بالنوم على الظهر و الترفيد.
العلاج: الفصد إن عظمت و الاستفراغ و إلّا كفى الأحمر اللين فإن فاحت فالأبيض ثم الآبار. تتمة
قد يعرض للعين ما يعجزها عن مقاومة الأشعة و تبغض الضوء، و أسباب ذلك أما طول مقام في نحو المطامير(1) فتغلظ الرطوبات.
ص: 323
و علاجها: التلطيف و الخروج إلى النور دفعة فتتسع و يتبدد الضوء، و علاج هذا ما مر في الانتشار، و أن تبرقع العين بما يشبه لون السماء.
و مما يعرض لها ضعف يكون عن كثرة النظر في نحو الخطوط الدقيقة و النقش بنحو أقلام الشعر و عمل التصاوير و يسمى الكلال.
و علاجه: تقوية الدماغ و الاكتحال بنحو الباسليقون و الروشنايا و برود النقاشين.
و مما يجب في حفظ صحة العين شم المسك في الشتاء و العنبر في الصيف، و النظر إلى السبج و إمرار الذهب فيها كل وقت و الاكتحال بالتوتيا و الأثمد و قد سقيا ماء المرزنجوش سبعاً، و تقطير لبن الأتن و النساء كل قليل و كذلك الأنزروت، و أن تفتح في الماء البارد و تعاهد بالتنظيف من القذى، و لا ينام تحت السماء و هي مكشوفة و لا ينظر إلى البروق و الصواعق و لا يحد النظر في السيوف المجلوة.
لا شك أن الأذن عضو حسّاس شريف تمتد بما يصلحها من الدماغ بواسطة الأعصاب كما مر في التشريح. فإذا عرض لها مرض فأما أن يخصها بأن يتولد فيها أصالة أو يأتي من قبل الدماغ أو المعدة.
و علامات الخاص بها: صحة ما عداها، و الخاص بالمعدة يحس صاعداً و يكون معه تشويش المعدة و يزيد إن كان حاراً بزيادة تناول الحار مأكولًا كان أو غيره و بالعكس.
و علامة الوارد من الدماغ: تقدم الصداع و التغير.
و من الاسباب: زيادة الحركة و ملاقاة الحر و البرد كصب الماء، و على كل تقدير فالأوجاع العارضة في الأذن أما حارة. و علامات الحارة: الإلتهاب
ص: 324
و النخس و سيلان الأنف و العين و العطش، إن كان من المعدة و انتفاخ الوجه إن كان من الدماغ و الكرب و امتلاء العروق في الرطب.
أو باردة و علاماتها: عكس ما ذكر كثقل بلا وجع، و على كل حال أما أن يظهر هناك ورم رخو إن كان السبب بارداً و الا صلب أو لا يظهر، و علامات الورم وجدانه.
العلاج: إذا علم السبب و المادة فالواجب تنقيتها فيبدأ في الدم بفصد القيفال إن كان المرض نازلًا و إلّا المشترك، ثم التبريد بمغلي الشعير و البنفسج و الأجاص و التمر هندي، و يستفرغ الصفراء بطبيخ الأهليلج و نقوع الصبر، و البلغم بالايارجات، و السوداء بالأفتيمون و طبيخه، ثم الوضعيات، و أجودها في البارد قثاء الحمار تغرغراً و قطوراً و دهن الورد و الخروع و اللوز المر و الفجل و السذاب مع اللاذن قطوراً و دهناً و غرغرة، و كذا الشونيز بالزيت و دهن الفأر و شحم الثعلب و الأوز و الدجاج مجموعة أو مفردة، و الزباد(1) مع القنة(2) و المصطكى و النطرون مع الخل أو العسل و دهن البان بالشب و الزعفران و الخولان، أو كان حاراً فبالأفيون و دهن الخشخاش و البنفسج و القرع و الخس و مرارة الكبش و بول الثور مجموعةً أو مفردة.
و متى اشتد فأعط ترياق الذهب و لف الفتائل و انفخ الزيت إلى داخلها بلطف، و إياك و مصها في الأطفال، و عليك بألبان النساء مضافة مثل الزبد فانها غاية. و إذا كثرت الأورام فالمروخات و الأطلية أولى و إلّا قطورات.
السدد:
تكون أما من خارج كوقوع جسم غريب أو من داخل لغلظ الرطوبات و تحجرها في العصب.
و علاماتها: ظاهرة.
العلاج: يحتال على خروج الواقع كالماء بالمشي على رجل واحدة و الزئبق بأميال الرصاص و الثاني بعد التنقية بما يحلل مثل المر
ص: 325
و عصارة الحنظل و دهن الخردل و نوى المشمش و السذاب و ماء السلق بمرارة الثور و النطرون.
الطرش و الصمم:
قيل مترادفان، و الصحيح أن الصمم خلقي و الطرش عارض.
و كيف كان، فهو أما عن سدد أو سوء مزاج فإن كان معه وجع أو سدد فقد عرفتهما أو كان خلقياً أو لطعن في السن فلا علاج أو لضربة و نحوها، فالواجب إصلاح العصب و تنقية ما تحلل.
العلاج الخاص: كل ما ذكر في تحليل الأوجاع آتٍ هنا، و يختص برش الخل على الرحى المحماة و تلقي البخار الصاعد و تقطير ماء البصل و العسل مطبوخين، و كذا السمن العتيق و الزيت و قد طبخ فيهما أصل السوسن و السذاب و حب الغار مقشوراً. و من المجرب أن يحل الزباد و الحلتيت في دهن الخروع و يقطر فاتراً.
و من المجرب أن يطبخ العنصل(1) و شحم الرمان الحامض و قشره، و الحنظل الرطب بالخل حتى يتهرى فيصفى و يمزج مع أي دهن كان، و الزيت أولى، و قد يحدث أثر الحميات الحادة صمم.
و سببه: كثرة ما صعدته الحمى من البخار إلى الدماغ، و هذا قد يتحلل بنفسه إذا كان رقيقاً و إلّا فمن مجرباتنا فيه معجون البنفسج و ترياق الذهب و طبيخ الكمثرى و الكسفرة و المرزنجوش أيها حصل، و اذا عصر النعناع أو النمام و قطر أزال الطرش خصوصاً مع الزباد.
الدوى و الطنين:
قيل هما مترادفان، و الصحيح أن الأول صوت غليظ مثل نحو الرعد مستمر و الطنين رقيق ينقطع.
و اسبابهما: رياح إن كان هناك غدد، و أخلاط إن كان ثقل و إلّا فبخارات تحيزت في الوجه.
العلاج: بعد التنقية ما تقدم ذكره و لعصارة النسرين و القطران قطوراً و الريحان شرباً هنا خاصية.
ص: 326
القروح و سيلان الرطوبات:
سببهما في الأطفال رطوبة اللبن و تحريكهم فيسيل ما في الرأس، و في غيرهم حرافة المادة و نحو ضربة و مزعج.
العلاج: تنقية المادة بما يخرجها من الأدهان و الجواذب كالعنزروت(1) و الزفت الرطب، ثم تجفف بالزرنيخ الأحمر أو ورق القنب(2) و العسل و المرارات و الخولان و عصارة الصفصاف و الصبر و المر و حب الآس ايها وجد، و الزيت المطبوخ فيه الخنافس و نسج العنكبوت و القنطريون مجرب.
الصدمة و الضربة:
علاجهما الضماد بالزفت و قطور الكندر محلولًا في لبن النساء أو أنيسون غلي بدهن الورد، و كذا عصارة الكرنب مع الخل تحلل ما جمد من الدم و بالعسل تجبر الشدخ، و إذا طال إنبعاث الدم منها فقطر الخل المطبوخ فيه العفص و يسير الشب فإنه مجرب، و كذا لسان الحمل و الآس.
الديدان و الهوام:
قد تتولد من داخل لرطوبة مجتمعة و قد تقع من خارج.
و علامتها: الإحساس بالحركة و ربما خرج بعضها.
العلاج: ما ذكر من القطورات و لعصارة الترمس(3) و ورق الخوخ و القطران و الزرنيخ و القنطريون مزيد خاصية هنا.
الماء:
يخرجه ماء آخر و كذا الزيت.
الحصاة:
قيل من المجرب أن يوضع دف على الأذن و ينقر عليه تسقط الحصاة عن تجربة في التذكرة. تتمة
يبنغي تعهد الأذن بالتنقية و تقطير دهن الجوز و اللوز المر و الغالية و الزباد و العسل المطبوخ يُدخل كالفتيلة، كل ذلك يحفظ صحتها زماناً طويلًا.
ص: 327
الرعاف:
إنبعاث الدم من نفسه.
و أسبابه: فرط الأمتلاء فيفجر العروق بكثرته، أو فساد الكيفية فيبثرها بحدته، أو لضربة و نحوها، و علامة الفاسد من حيث الكمية غلظه و كثرته، و الكيفية رقته و انقطاعه أحياناً، و ما بنحو الضربة معلوم، و قد يكون بحرانياً إن وقع في يومه. و كيف كان الرعاف إذا خالف الدم الطبيعي و لم يسقط قوة لم يجز قطعه و إلّا وجب.
العلاج: يفصد قيفال الأيمن و الأيسر إذا كان من الجانبين و إلّا المخالف في الصحيح و يعطى المنعشات و يبرد الرأس بنحو الكسفرة و القرع طلاءً و الشب و الكافور انتشاقاً و رماد كل شعر و روث، و كذا الأنافح(1) حابس بقوة نفخاً و طلاءً، و كذا الكمون بالخل و عصارة الكراث، و من المجرب القاطع: أن تأخذ من عصارة البلح(2) الأخضر و ماء الآس من كلٍ جزء، و ماء كسفرة نصف يخلط، و تأخذ أثمد جزء شب عفص طين أرمني من كلٍ نصف، كهربا ربع، تسحق و تسقى من المذكورات مثلاها فتشيف و تحك عند الحاجة و تستنشق و تلطخ أو تسحق و تنفخ كلٌ مجرب. و من المشهور شرب برادة قرن الثور، و إذا اعيا قطع الرعاف فصير المحاجم على الطحال أو الكبد و القفا و أربط الأطراف و أطل البدن بالطين، فإن لم ينقطع بهذا مات لا محالة، و من ارعف بعد لسع الأفاعي مات قطعاً خصوصاً إن كان دمه لم يجمد.
و ينبغي اغتذاء المرعوف بالحوامض و أن يعطش و يلزم الراحة و لا ينام على ظهره حذراً من نزول الدم إلى المعدة، و قد يحتاج إلى جلب الرعاف إذا كثر الدم و منع من الفصد مانع و عند ثقل الرأس، و الجالب له كل مفتح مثل الكندس و الشقائق(3) و النعناع و النمام و صمغ السذاب.
ص: 328
الحكة و الورم:
احتقان اخلاط رديئة الكيفية في الحكة، كثيرة الكمية في الورم، و تكون الحكة عن الحارين غالباً و الورم بالعكس، و علامات كل معلومة.
العلاج: الخاص هنا الفصد ثم الطلاء بالصبر في البارد و حي العالم و الكسفرة في الحر، و سيأتي في الحكة و الورم ما فيه كفاية. و اذا احدثت الحكة تقريحاً فلا شي ء كمرهم الاسفيداج.
الخشم:
جنس علة، هنا تشتمل على كل ما منع الشم و الكلام الطبيعي أو أحدهما منعاً تاماً أو ناقصاً فهذه اقسامه على الحقيقة.
و اسبابه: أما سدة في الزائدتين فما تحتهما أو لحم زائد و يسمى البواسير أو خلط منعقد.
و علامة السدة:
عدم دخول الهواء و ثقل الرأس، و البواسير إدراكها بالحس، و الأخلاط علاماتها السابقة.
العلاج: يبدأ بالاستفراغ فصداً و اسهالًا ثم إستعمال الوضعيات استنشاقاً، و أجودها الفلفل و الكندس و القرنفل و الجندبادستر.
و من المجرب: أن يطبخ الشونيز بالغاً في بول الأبل و يملأ الفم ماء و يسعط بالمطبوخ المدقوق مرة و عصارة السلق بالعسل أخرى، و اذا سحق النسرين و القرنفل و طبخا في السمن فتح السدد سعوطاً و شمّاً و حلل الأخلاط المنعقدة.
و علاج اللحم الزائد المعروف بباسور الانف:
القطع بورق الفولاذ إن كان قوياً و إلّا إكتفى فيه بنحو مرهم الزنجار و الخل، و من المجرب لنا هذا الدواء.
و صنعته: شب قلقند زنجار سواء حلتيت مثلها تسحق و تعجن بيسير الخل و العسل و تعمل فتايل أو تنفخ فكل صحيح، و من المجرب المشهور دهن البيض سعوطاً.
العطاس:
حركة قسرية خاصة بالدماغ أولها إرادى.
و سببها: من داخل غلبة الحر و الرطوبة في نحل الهواء إلى الفضاء طالباً للخروج فيصادف عائقاً ما فيحتبس فتدفعه الطبيعة، و من خارج في إستنشاق ما غلظ كدخان
ص: 329
و غبار خصوصاً عن نحو فلفل، و هذا العطاس في الأمراض محمول على ما إذا أفرط، اما قليله فمطلوب لما فيه من التنقية و يكفي في علاجه الأدهان المبردة كالآس و البنفسجي و الخولنجان بالخاصية، و يجلبه كل حار مفتح كالكندس و الخردل و الدار فلفل.
النتن و البخر
ما كان عن بواسير و قروح فقد مر، و غيره يكون لبخار أو خلط و رطوبات غليظة تغيرت بالإحتباس في المجاري.
و علاماتها: الإحساس بكراهة الريح و إن تنشق المسك و وجدان العفونة.
العلاج: إن كانت الأخلاط حارة بدأ بالفصد و إلّا كفت التنقية و لزوم الحمام و استنشاق المر و السنبل و لطخهما قبل.
و من الخواص: أن يكون السنبل درهمين و ثلثين و المر درهماً و ثلثاً و إذا طبخ الرمان الحلو و المر و السنبل في نحاس أحمر حتى يتهرى و استنشق ماؤها مع دهن النرجس(1) أو البنفسج حللته مجرب، و الياسمين مجرب كيف استعمل، و العنبر و الزعفران بماء النعناع كذلك.
القروح
بثور صغار تتفرق و تتصل و تكون أما رطبة أو يابسة بحسب المادة و وضعها الداخل و المعفن، و ربما خزقت إذا إشتدت حدتها.
و علاماتها: كالأصل، و تلهب ما كان عن الصفراء.
العلاج: يفصد في الدموية و تنقى البواقي ثم ينجع فيها وضعاً إن كانت رطبة خبث المعادن كالأقليميا، و ما حرف منها كالمرادسنج و أخذ بالحيلة كالمرتك أو يابسة كالقيروطي من الشمع و الأدهان، و كذا الشحم و الزرنيخ و عصارة الرمان الحامض و السلق و الخل و العسل أيها كان. تنبيه
قد تختلف أسماء الأمراض و تقسيمها بالنسبة إلى الأصطلاحات فردها إلى الأصول مثل البواسير و نقص الشم و فساده، فإنها في الخشم و الحكة و الورم و البثور في أصولها، و نحو الرض في جبر الكسر، و هكذا.
ص: 330
شقاق الشفة:
يكون عن استيلاء اليبس و فساد المادة و تعرف باللون فإنها إن تشققت مع بياض فالفاسد هناك البلغم، و هكذا هذا ما قالوه.
و يشكل: بأن ورود اليبس على أحد الرطبين أما موجب للتعديل إن لم يفرط و إلّا لتحويل الخلط الأصلي فلا يكون المرض عنه، و يتجه عندي أن هذا المرض لا يكون عند أحد الرطبين عند تحقيق غايته.
العلاج: تفصد الشفة و يستخرج منها شي ء كبزر التين فإنه الخلط المنعقد، و تعالج علاج القروح و لشرب القنطريون هنا خاصية، و إن لم يعظم التشقيق كفت الألعبة و الشحوم طلاءً و كذا المصطكى و الكثيراء.
قروح الفم و اللثة و الشفة و بثورها:
تكون عن فساد المادة.
و علامتها: الألوان و كثرة الرطوبات في الرطب و التلهب في الحار و العكس.
العلاج: يفصد الدم ثم تنقى الأخلاط حسبما يجب ثم تستعمل الكبوسات، و أصحها و أعظمها السندروس و الورد مطلقاً و الأسفيداج و عصارة الرجلة و الخل في الحار، و الزنجار بالعسل و الخل و السعد في البارد، و رماد الاصداف و الملح المحروق في الرطب، و العفص و الآس و العدس و العقيق في الملتهب الكثير الرطوبة.
الاسترخاء و تحرك الاسنان:
ما كان منه في الصغر لسقوط اللبنيات و ظهور غيرها، أو في الكبر لضمور السن و نقص المادة فلا علاج له، و غيره يكون عن أسباب كفرط الرطوبة و احتراق الخلط و تعفن اللثة و نحو ضربة و ورم.
و علاماتها: معلومة، و قد يكون عن جوع مفرط.
ص: 331
العلاج: زوال الأسباب و التنقية و لو بالفصد و إصلاح الأغذية ما أمكن، ثم تكبسها بما ذكر في القروح آنفا خصوصاً العفص المطفى في الخل، و لورق العليق و أقماع الرمان الحامض و اللاذن و السماق و الشب و ماء الحصرم هنا فائدة كبيرة كبوساً و مضمضة بالخل و طلاءً مع العسل بحسب ما تدعو الحاجة إليه، و يعالج التعفين و الآكلة كذلك: لأنها قروح غير أن لرجيع الأنسان مع مثله من ورد مزيد خاصية في الآكلة.
اوجاع الاسنان:
ما استند منه إلى سبب ظاهر كفساد لثة و تآكل و كسر، فعلاجه علاج أصله. و أما الوجع الخالي عما ذكر فسوء المزاج و انصباب بعض الاخلاط فإن كانت حارة فعلاماتها شدة الضربان و التلهب و الضرر بملاقاة الحار، أو باردة و علاماته العكس.
العلاج: الجري على القواعد في تنقية المادة ثم استعمال الوضعيات، و أجودها في الحار الخل و الأفيون و بزر البنج و أطراف الصفصاف مضمضة و كبوساً، و في البارد الزنجبيل و الثوم و العاقرقرحاً و الصعتر و الخردل بالعسل مجموعة أو مفردة.
تأكل الاسنان:
إن كان عن فرط رطوبة تعفنت و اندفعت في أصولها، فعلامته بقاء السن على حاله و إلّا العكس، و قد يكون عن دود و سياتي.
العلاج: ينقى البدن من الرطوبة و اليبس بما أُعّد لذلك، ثم جوهر السن بالتنظيف، ثم تحشى مواضع التأكل بما أُعدّ لذلك، و أجوده الحلتيت و الزباد و الورد و السندروس و الميعة و العنبر و المسك و الرامك مجموعة أو مفردة بحسب الحاجة. و من جمع بين الأفيون و البنج متساويين فعل ما فيه الكفاية بالتخدير و التسكين مضمضة و غيرها.
الجراحة:
تكون أما من آلة أو اكل أشياء صلبة، و ربما جرح الفم من داخل بغير ما ذكر، كطول نوم و جوع تحرق فيه المادة.
ص: 332
العلاج: ما ستعرفه في الجروح و ما سبق في القروح، و للشب هنا مزيد خاصية، و في التذكرة إذا سحق قشر الرمان و عجن بماء الآس و خبز و سحق و ذر قطع نزف الدم و ألحم جرح الفم انتهى.
و أعظم منه أن يسحق الآس و العفص و الجلنار و الاقاقيا و شعر الإنسان و الملح الأندراني(1) و تعجن بمثلها دقيق شعير مع العسل و تحرق و تسحق، فهو ذرور مجرب لسائر اوجاع الفم و جلّاء قاطع لم يتركب مثله في بابه.
تسهيل قلع الاسنان و تفتيتها:
ينبغي لمن ايس من اصلاح السن لاستيعاب الفساد ازالتها لئلا تضر ما حولها، و لا شك في صعوبة الأزالة بالحديد لإختلاف متعاطيه، و قد ذَكَرت الأطباء أدوية تقوم مقامها مثل قثاء الحمار و الحنظل و العاقرقرحا و ورق الزيتون و صمغه و صمغ السماق، تطبخ هذه أو أمكن منها بالخل أو بعكر الزيت و ماء الحصرم حتى تسير(2) كالعجين و تحشى في أصول السن، أو في المتآكل بعد أن يحاط على ما حولها بنحو الشمع فانها تزول بالسهولة.
الحفر:
بالتحريك، علة اختلف في تعريفها، فقال أبقراط: جسم بخاري يستحجر على أصول السن بعد تصاعده و انعقاده في نحو النوم و ترك الأكل.
و قال جالينوس: هو تغير لون جوهر السن بشرط النفوذ. و يظهر أنه لا خلاف بينهما؛ لأن البخار إذا اندفع من نجاويف العصب لم يظهر منه في السن إلّا التغير و إلّا انعقد على ظاهرها، و عليه ما كان الدماغ فتغير و إلّا فجرم زائد، و تظهر فائدة الخلاف في العلاج، فإن الظاهر منه منعقداً يكفي فيه الوضعيات و الإزالة بالآلات، و غيره لا بد فيه من شرب الأدوية المخرجة للصفراء إن كان لون السن إلى الصفرة، و هكذا.
العلاج: قد عرفت شروط التنقية من داخل فتقدم أن تعينت، ثم تستعمل الوضعيات و أجودها ما تقدم في القروح، و كذا رماد المرجان و سائر
ص: 333
الأصداف و العقيق. و في التذكرة: إذا سحق القلي و الزرنيخ الأصفر مع مثله من العدس و عجنا بالخل و جعلا في قصبة فارسية و قد غلفت في مشاق مبلول في نار خفيفة حتى تقارب القصبة الأحتراق، فيسحق و يذر فإنه مجرب، قال: و يوضع بعد المضمضة بالخل و يتبع بالزبد و دهن الورد.
و مما جربناه: أن يؤخذ من صدف اللؤلؤ جزء، عقيق أحمر ورد آس من كل نصف، ملح أندراني شب نشادر روسختج من كلٍ ربع، تسحق و تغمر بحامض الليمون ليلة، ثم تعجن بمثلها دقيق شعير بالعسل و تحرق في كوز جديد فانها تشدّ اللثة و تنقى الحفر و غيره و تقطع الدم و تنبت اللحم كبوساً.
سيلان اللعاب
هذه العلة تكثر في الصغار لرطوبة المزاج و عجز الطبيعة، و تكون في غيرهم أما في النوم خاصة و تكون من الديدان أو مطلقاً، فأن غلظت فالبلغم و إلّا فمن الحرارة،
و غالب ما يسيل وقت الأمتلاء عن برد و بالعكس.
العلاج: يكفي في الصغار الغرغرة بطبيخ الآس أو عصارته أو الأقاقيا، و في غيرهم تجب تنقية الخلط خصوصاً بالقئ ثم يلازم المبرود مضغ الكندر و المصطكى و شرب ماء السماق أو الحصرم. و هذه الأقراص من مجرباتنا في هذه العلة مطلقاً.
و صنعتها: مصطكي قرظ أقاقيا من كلٍ جزء قشر خشخاش نصف جزء، سنبل ربع جزء، مقل عشر، تسحق و تعجن بماء الآس، و قد حل فيه طين أرمني و تقرص، و عند الأستعمال تحك بالخل و يكتفي المحرور بلا زمة الطين المختوم أو الارمني أكلًا و شرباً، و كذا النعناع و السفرجل.
تسهل نبات الأسنان:
قد تعجز اللثّة عن مواد تندفع إليها عند الأنبات فيشتد الوجع و الورم، و ربما قاحت و ابتلعه الطفل فيتغير بسبب ذلك مزاجه.
ص: 334
و علامات ذلك: أن يكون ورم اللثّة غير متناسب الأجزاء؛ لزيادة موضع السن.
العلاج: تدلك اللثة بكل دهن و لعاب و مخ و الزبد و العسل أكلًا، و لا شي ء كعصارة عنب الثعلب بدهن الورد.
الدود المتولد في الاسنان:
يكون عن رطوبة غضة في أصولها و هو و التآكل غالباً من بقايا المتخلف من الغذاء فيتغير و يكون دوداً أو مادة اكالة.
العلاج: يتغرغر بالخل المطبوخ فيه الصعتر و الخردل و الحاشا(1)، و مضغ الجوز العتيق يقتل الدود، و كذا الريحان القرنفلي و السعد و البخور ببزر الكراث مسحوقاً مع الشمع أو الزيت أو القطران مجرب، قيل و بزر البصل.
الورم الخارج من اللثة:
سببه امتلاء.
و علامته: طيب طعمه و حسن لونه. أو عفونة و علامته الملوحة و السواد.
العلاج: إن زاد بُدأ بالفصد و إلّا كفى الإستياك بنحو العفص و الآس و الشب، و مع الورم يزيد ماء الكسفرة، و من مجرباتنا هذا السفوف.
و صنعته: عدس يحمي و يطفأ في الخل ثلاثا، جزء خولان صبر شب من كلٍ نصف جزء، تسحق و تستعمل عند الحاجة.
تغير الاسنان و الصدأ:
مادته ما مر في الحفر و كذا علاجه، و للملح و السكر و القلي هنا مزيد اختصاص.
اوجاع الحلق و اللهات:
و هو جوهر لحمي فوق الحنك يعرض لها ما يعرض لجملة الحلق و تزيد السقوط و الاسترخاء و ربما سدّت المجرى، و هذه الأوجاع تكون عن ورم إن زادت المادة و إلّا ساذجة.
و اسبابها: غلبة أحد الأخلاط فتندفع من الدماغ، و تكثر في الأطفال فتشال بالأصابع، و ربما
ص: 335
قاحت و يسمى نزول الحلق، و علامة الحار زيادة الورم و الحرارة و الكائن عن السوداء صلابة الورم.
العلاج: إن أمكن خروج الدم في الحار فعل و إلّا كفى ماء الشعير و عصارة الهندباء و السكر و شراب الورد و البنفسج، و مع القبض لب الخيار أو الترنجبين إن غلبت الصفراء، و في البارد ماء العسل و لب القرطم أو العصفر و بزر الكشوت و تدهن بدهن الآس أو القسط، و عند زيادة الإسترخاء تكبس بالعفص المحرق أو سحيق الآس أو الشب، و قد تدعو الحاجة إلى علاجها بالقطع و هو على خطر فيه كثير بالبلاد الباردة و تكبس بعده بقواطع الدم، و متى اشتد الورم في سائر أجزاء الحلق فمن مجرباتنا؛ أن تأخذ شيرج غصارة كسفرة لعاب حلبة من كلٍ جزء، خل نصف جزء، خولان ربع، يخلط الكل و يطبخ حتى يبقى الدهن، فيطلى به فاتراً في المرض البارد، و بارداً في غيره.
و من مجرباتهم لعاب سفرجل طين أرمني سماق تنقع في ماء الورد و تستعمل.
و قد تنصب المادة إلى جانبي الحلق فتنتأ منها الغدد المحشو بها عصب الفك الأسفل و تسمى اللوزتين، و قد يشتد الورم فيضيق المجرى و تسمى الخوانيق.
و العلاج: واحد، غير أن الخوانيق قد تدعو الحاجة فيها إلى فصد القيفال فإن لم ينجب فعرق اللسان أو المآق، و ربما كفت الحجامة تحت الذقن، و من المجرب في تسهيل الخوانيق طبيخ الكشوت و البابونج و الخطمي و البرشاوشان(1) و الفجل و التين و الكرفس مجموعة أو مفردة بحسب المادة، و مما جربناه: أن يؤخذ سبستان جزء، حلبة بزر كشوت من كلٍ نصف، قشر أصل الكبر ربع، تطبخ بعشرة أمثالها ماء حتى يبقى الربع فيمزج بدهن البنفسج و يكب في الحلق، و الطلاء بالمراير مطلقاً يحل الخوانيق، و لمرارة الكبش و الثور مزيد خاصية و فائدة.
ص: 336
و من مجرباتنا هذا الطلاء:
و صنعته: دقيق باقلاء و جلبة و شعير من كلٍ جزء، بزر خطمي نوى تمر من كلٍ نصف، شحم حنظل في البارد، طين أرمني في الحار من الواحد ربع، تسحق و تعجن ببياض البيض في الحار، و شحم الأوز أو الدجاج في البارد و تطلى مراراً.
و قد وقع في التجارب أن إخثاء البقر و خرء الحمام إذا طبخا بالخل و دهن الورد كان طلاء بالغ النفع في حل الأورام و الخوانيق.
العلق الناشب في الحلق و نحوه من الشوك و الحديد:
ما مُس منه أُخرج بالآلة، و إنما العلاج لما توغل فمن أدويته الخل و أجزاء شجرة الصفصاف غرغرة، قيل: و القطران طلاءً على الرأس و زبل النمس(1)
) طلاءً من خارج و عصارة قثاء الحمار طلاءً و غرغرة، و كذا ورق الطرفاء و الشب مطبوخاً في الخل، و في التذكرة، إذا اتكئ بالجبهة على خشبة طولها ذراع و ضرب عليها ست ضربات فاتحاً حلقه سقطت العلقة عن تجربة، و كذا قال: في الغرغرة بقطر السماق، و أما الخردل و الزاج و البورق و النوشادر، فمن المجرب: أن اللبن إذا غلى و طرحت فيه و انكب عليه صاحب العلق فإنها تخرج، و كذا إن جُعلت في الخل و تغرغر بها.
و من مجرباتنا أن يؤخذ ثوم وزيوان من كلٍ جزء، تسحق و تعجن بدهن الغطاس و تطلى، فإنها تدفع كل ما نشب في الحلق من حديد و غيره.
و منها: أيضاً يسحق المغناطيس مع عشره نوشادر و يشرب منه درهم بماء السذاب فانه يخرجها، و إذا سقطت إلى المعدة فلتتبع بشرب كل مر كالشيح و الترمس بالخل، لئلا تعيش فيها.
و من الحيل أن يربط قطع الأسنفج في الحرير و تبلع ثم تجذب ليعلق بها ما في الحلق.
و وقع في الخواص: أن الحرير الأحمر إذا فتلت منه الحائض سبع طاقات قبل طلوع الشمس و ربط في العنق بيد بكر أخرج ما في الحلق.
ص: 337
الخنازير:
صلابات كالسلع تتحجر بين الأغشية من الاخلاط الغليظة.
و علاماتها: الإلتهاب إن كانت حارة و الكمودة إن كانت عن السوداء.
العلاج: تفصد الدموية ثم ينقى الخلط و يضمد بعد ذلك بكل محلل كالأشق و إخثاء البقر و البزر و خرء الحمام، و متى لم تخالط الجلد جاز قطعها.
و علاجها: بعلاج الجراح.
و ما خرج قرب الأذن منها فهو الذبحة، و حكمها كالخوانيق.
ثقل اللسان:
أما جِبلّي فلا علاج له أو طارئ.
و اسبابه: انحلال البلغم في أعصابه أو أخذ الأخلاط اللزجة، و قد يكون لطول مرض منهك، و تناول الحوامض في الحارة فيضعف العصب.
و علاماته: تلونه بلون الخلط، و تَقَدم السبب.
العلاج: إن كان عن البلغم الاكثار من الأيارج أو عن السوداء من مطبوخ الأفتيمون باللازورد، و قد يفصد ما تحته من العروق لتحلل ما جمد، ثم يدلك بالمحللات مثل العسل و الفستق خصوصاً قشره الأعلى و الفلفل و الخردل خصوصاً دهنه و القسط و الشليشا: تركيب مجرب في أمراض اللسان كلها، و كذا ترياق الذهب.
اورام اللسان:
سببها إندفاع أحد الأخلاط، و علاماتها معلومة، و ربما انتفخ اللسان بفرط الرطوبة و يسمى الدلع.
العلاج: يفصد في الحار و يكثر من امساك ماء الخس و عنب الثعلب و لبن النساء و ماء الكسفرة، و ينقى البارد بالقوقايا و الأيارج و يمسك ماء الحلبة و العسل و يدلك بالزنجار و البورق و البصل و حمّاض الأترج. و في الكرنب خواص كثيرة عجيبة في اللسان مطلقاً.
القلاع:
بثور في الفم و اللسان سببها مادة آكلة و رطوبة بورقية و فساد أي خلط كان و تنتشر كالساعية، و أسلمها الأبيض فالأحمر، و أردؤها
ص: 338
الأزرق فالأخضر، و لا سلامة معهما قطعاً. و أما الأسود فمع التلهب و الحرقة قتّال، و يكثر القلاع في الأطفال لفرط الرطوبة.
و علاماته: علامات الأخلاط.
العلاج: إخراج الدم فيه و لو بالتشريط إن تعذر الفصد و التنقية ثم الوضعيات، و أجودها للحار عصارة حي العالم و الكسفرة و ماء الحصرم بالعسل و الطين الارمني أو المختوم، الكثيراء بماء الورد، و في البارد الاصفر، و العاقرقرحا و الزنجار و الخردل و العفص تطبخ بالخل، و من المجرب ورق الزيتون مضغاً، أو رماد الرازيانج و أصل الكرنب كبوساً، و لنا طباشير طين ارمني هندي كافور، و تسخن و تذر في البارد، و تعجن ببياض البيض في الحار، و أيضاً طبيخ الخل بالشبت، و العذبة(1) في الأبيض، علاج مختار.
الضفدع:
خلط تحت اللسان كالخراج، و علاماته كالخلط.
العلاج: إن كان غير مخالط شق و إلّا فصد ثم التنقية بما مر في الأوجاع و الأورام.
البطء و التلجلج و اللثغة:
ما كان عن استرخاء أو تشنج فكالفالج و إلّا فكالثفل، و اللثغة يتحرى فيها مواقع الحروف من الأعصاب فتحلل بما ذكر ثم يلازم الخل و الملح و العسل دلكاً و غرغرة، و بأخذ مثل الشلشيا و السوطيرا.
بطلان الذوق و الحس:
يكون عن انصباب خلط في أعصابه فإن لم يحس بحرارة و لا غيرها فهو الخدر و قد مر، و إن وجد مرارة فالغالب الصفراء أو عفوصة فالسوداء أو حلاوة فالدم أو حموضة فالبلغم مع سوداء أو ملوحة فهو مع الصفراء.
ص: 339
و العلاج: التنقية مما غلب.
التشقيق و الخشونة و الحرقة و الحكة:
متقاربة السبب و هو حرافة الخلط وحدته و قوة الحرارة.
العلاج: الاستفراغ ثم إمساك الألعبة و الأصفر و الشحوم و ما ذكر في القلاع.
الضرس:
هو عجز السن عن المضغ لخلط أو تناول ما يضعف كالحوامض و الموالح، و يكفى في علاجه الغسل بالعسل و مضغ الرجلة و الكسفرة و مسك دهن الورد، فقد يتمادى فيحتاج إلى التنقية بالايارج اكلًا و طلاء. تكميل
لما كان الفم مجمع ما يصعد أو ينزل كان سريع التغير، و كذلك بما يأخذ من الأجزاء الكريهة كالثوم و الشراب، مست الحاجة إلى ما يقطعها، و قد استنبط من إعتنى بذلك أشياء مجربة أفردت أو ركبت، فمن عيونها القرطاس الجديد و سعف النخل و الكزبرة مع الزيت و السعد و القاقلى و البسباسة و القرنفل و العود و العنبر و السنبل و الخولنجان، و من مجرباتنا هذا التركيب بصنع حباً و يوضع في الفم فإنه مفرح يقطع الأخلاط و البخر و البخارات، و يطيب النكهة و ليس في هذا الباب مثله و فيه شفاء من جميع أمراض المعدة و الراس و الفم.
و صنعته: طين أرمني كثيراء قرنفل سعد أنيسون عود جوزبوا كسفرة سواء، تعجن بدهن البنفسج المحلول فيه العنبر أو حماض الاترج المحلول فيه اللؤلؤ و تحبب كالحمص، و قد و سمته ( (بالحب الجامع المجرب)).
ص: 340
البحوحة:
هي كلال في الصوت لحرافة خلط يُخشن المجرى فلا يسلس إنعقاد الهواء و الصوت، فإن اشتدت فهي انقطاع و إلّا فهو البحوحة، و قد تكون عن رطوبات في نفس الحنجرة أو من الرأس أو المعدة تقذفها إلى المرئ، فيتزاحم غشاء القصبة و يمنع الهواء أو اليبس في المجرى.
العلامات: كثرة الريق و البلغم و الأحساس بالمنصب و الجفاف في اليابس.
العلاج: تنقية الرطوبات بالقئ إن كان من المعدة و إلّا فيما يمنع من النوازل كشراب الخشخاش و التوت و السفرجل و تجفف مطلقاً بالكرنب كيف أُستعمل، و كذا الميعة و هجر الحوامض و الغبار و الدخان، و من المجرب ماء العسل و لعوق الكرنب خصوصاً مع الحلتيت و الميعة و أكل الحلاوات و نحو اللوز و الفستق و النيمرشت(1) بالعسل، و إن كان عن فرط يبس فالشحوم و الألعبة و قد يكون عن استعمال كثير كقراءة و عن نحو ضربة، و علاجه الراحة، و من المجرب هنا معجون النجاح(2)، و إذا عصر الفجل و شرب بماء التين و كذا الكرنب و الكرفس صفى الصوت جداً، و إذا سحق بزر الكرفس و شرب بحليب الضأن فهو عجيب.
الربو:
اشتغال قصبة الرئة بمواد تعاوق المجرى الطبيعي فإن ضر بالتنفيس فهو ضيق النفس أو حلل المفاصل و القوى فهو البهر أو لم يكن معه السكون إلّا قائماً ماداً عنقه فهو الإنتصاب.
و اسبابه: أما رطوبة أو يبوسة، و على كلا الأمرين إما أن تملا المجاري مطلقاً أو تضيق تضييقاً غير تام.
و علامة البلغم: خروجه و الخرخرة و قلة العطش، و قد تكون عن بخارات في القلب.
ص: 341
و علاماتها: عظم النبض و العطش و امتلاء العروق، و علامات الكائن عن اليبس جفاف و عطش و انتفاع الصوت بالمرطبات ورقة الصوت، و قد تكون عن ورم في الرئة و علاماته الوجع.
و متى لزم الربو ضيق نفس و سعال و خرخرة فهو أبعد من الإستنقاء و إلّا انحل إليه، و هذا المرض غير مرجو الزوال بمصر و الحبشة و من شاكلهم؛ لفرط الرطوبة و لطف المزاج و كثيراً ما يبرا بالروم و نحوها؛ لعكس ذلك، و يقع الموت به إن كان رطباً حين تمتلئ الخلجان بمصر و الامطار بغيرها، و قرب الموت تلزمه حمّى خفيفة و نبض نملي و إسهال ثم دم يعقب البراز و يكون الموت في الثالث، و متى أخضرت الأظفار و غارت العين و الصدغ ورق الصوت فلا برء و كثيراً ما ينتقل بمصر إلى السل و الذبول.
و ينبغي لمن أصابه عسر النفس إن أحس بوجع الكتفين و خرزات العنق أن يبذل الجهد في العلاج فانه قارب الوقوع في خبث العلة.
العلاج: تجب المبادرة إلى القئ و منع النوازل و الفصد خصوصاً فيما سببه البخار و تلطيف الغذاء ما أمكن، و ما دامت القوة قوية يجب هجر الزفر إن كان للحمى وجود و إلّا فبحسب الضرورة فإن كان و لا بد فليكن من الفراخ النواهض فقط، و يترك الحوامض مطلقاً و البطيخ الهندي و الخيار خصوصاً إن غلب البلغم، و يقتصر على نحو البيض و اللبن الحليب خصوصاً الضأن بالسكر و ماء الشعير في الحار و السكنجبين العنصلي في البلغم، و كذا شراب الأصول و مطبوخ الأفتيمون في اليابس. و اللؤلؤ المحلول من مجرباتنا المخبورة و كذا مطبوخ الفواكه مسبوقاً بدرهم من كلٍ من الأنيسون و الغاريقون. و من سحق من البزر ما شاء مع نصفه من الأشقيل و عجنا بالعسل و أكل منها دواماً قطع العلة، و كذا السندروس شرباً و بخوراً. و من أخذ من الحلتيت نصف درهم و اتبعه بسكرجة من طبيخ
ص: 342
التين و الكراويا و الأنيسون و الكمون المنقوع في الخل خلص من ضيق النفس و البهر مجرب صحيح، و مثله طبيخ فراخ الحدا بالشبت و البورق و الكمون، و أكل السرطانات المشوية أو طبخها مع الشعير، و من المجربات أيضا شرب ماء العسل بالزعفران، و من طبخ أوقية من معجون البنفسج، و أوقية و نصفا من معجون الورد، و نصف أوقية من الكراويا طبخا محكما وصفى و شرب خلص من الانتصاب من وقته مجرب، و كذا القنطريون، و لبول الصبيان في هذه العلة خاصية عظيمة، و كذا شراب الزوفا و السكنجبين العنصلي، و حليب الضأن صحيح مجرب خصوصا في اليابس، و بالترنجين في الرطب.
نفث الدم: هو خروجه من الفم قصدا و ارادة، و هذه العلة لا تختص بآلات النفس بل هي أغلبية فلذلك ذكرت معها، و أسباب نفث الدم: امتلاء و انفجار بفرطه أو بنحو ضربة و قرحة في نحو الرئة، و خراج انفجر و جرح غائر و نحوها، و قد يكون من الرأس و المعدة و علاماته تقدم ما ذكر و وجود جرج فيما يحس، و أن تخرجه الطبيعية بلا كلفة إن كان من الرأس، و السعال بها إن كان من الرئة، و سواد الأول و نضوج الثاني ورقته ما كان من المري ء و المعدة.
العلاج: الفصد إن احتملته القوة ثم شرب الأطيان مع يسير شب محلولة بماء الورد و دم الأخوين و السندروس في النيمرشت مجرب، و كذا عصارة العليق و الصفصاف و لسان الحمل و الكسفرة شرباً و ضماداً و الزفت و الخولان و الكمون، كذلك طبيخ الحلبة و الخطمي شرباً و من القواعد أنه ما خرج بالقئ فمن أعضاء الغذاء أو بالسعال فمن أعضاء الهواء أو بمجرد التنحنح فمن الأعلى. و يجب بعد الدم التغذية بنحو البيض و العدس و السماق ثم المفرحات.
ص: 343
السل:
هو قرحة الرئة.
و اسبابه: سعال مزمن و أخذ أكّال كالزرنيخ ودق و ذات رئة و أكل لحم نحو البقر.
و علاماته: دقة الصوت و غور العين و خضرة الأظفار و إفراط الهزال و حمى خفيفة تشتد قرب الهضم و تغير النفس و خروج المِدَّة نتنة و رسوبها، و بهما تمتاز عن الخلط.
العلاج: الصحيح عند توفر العلامات المذكورة ترك العلاج للقطع بالموت حينئذ، و إن كان الموجود أقلها كمجرد الحمى و السعال، فليبادر الى الفصد ثم يشرب لبن الأتن و النساء و الماعز و طبيخ الزوفا و اللبوب مع الطين المختوم، و كذا اللؤلؤ و المرجان المحرق و السرطانات مشوية و مطبوخة بالشعير. و اذا ظهر على الركبتين مثل الباقلا فنفع العلاج، انتهى.
ذات الرئة:
هو ورم جرمها خاصة.
و اسبابه: أحد الأخلاط و البخارات من الأعلى إن تقدم صرع و ذبحة و إلّا فمن غيره.
و علاماته: الوجع و ضيق النفس و العطش و الحمى و النفث الكثير إن كانت المادة رطبة و خفة الحمى و الناخس إن كانت باردة و إلّا العكس. و أما حمرة الوجه و الوجنة و السعال و الانتصاب فلازم في الكل.
العلاج: فعل ما مر في الربو و النفث و السل و للمر و شحم الماعز مزيد اختصاص هنا.
السعال:
حركة يحاول بها حماية الرئة عن واصل أو متولد فيها، و هل هي قسرية أو ارادية اقوال؟ اصحها ثالثها، و هو التركيب.
و اسبابه: أحد الأمراض المذكورة أو سوء مزاج أحد الأخلاط أو بخار رقيق حاد يدغدغ القصبة أو دخان و غبار يخشنها.
و علاماته: تقدم ما ذكر، و كثرة النفث و البصاق في الرطب و قلة العطش في البارد و بالعكس في العكس، أما تهييج الوجه و الخرخرة و تغير الصوت فلازم للكلٍ خلافاً لمن خص الأول بالحار و الثاني بالرطب و الثالث بالبلغم.
ص: 344
العلاج: ما كان عن نحو ضيق النفس من الأمراض المذكورة فعلاجه علاج السابق، أو عن سوء المزاج فاستعمال ضده بعد التنقية، و ما يهيج من السعال ليلًا فقط مادة رقيقة.
علاجها: التغليظ و التلزيج بالألعبة و الأدهان. و يجب في الكل تلطيف الغذاء و ترك كل حامض و مالح. و يعالج الحار مع ذلك بشرب حسو الباقلاء بالسكر و دهن اللوز و يطلى على الصدر دقيق الباقلاء و بياض البيض و دهن البنفسج و الشمع، و يشرب ماء الشعير بالخولان و شراب الخشخاش و الرمان و التوت، و يعالج البارد بشرب الميعة و القطران و ما كان منهما، و كذا المر و لعوق البزر و ماء العسل، و اليابس بالبرسيم(1) و اللوز و السمسم المقشور مع الكسر و ماء الشعير و الحلبة و التين فاترة و الزبد و رب السوس و الصمغ و الكثيراء و البندق المقلو، و الرطب بصمغ الصنوبر و الكندر و البزر المحمص مخلوطة بالعسل.
ذات الجنب و الشوصة:
مرضان إتحدا مادة و علاجاً، و هما عبارة عن تحيز ما فسد من الأخلاط بين الأغشية، فإن كان في أحد الجانبين فذات الجنب، و علامته الحمى و منشارية النبض و السعال مطلقاً و النفس غالباً، و أسلمه البلغمي و أردؤه السوداوي، و قد ينفجر و لو من خارج في النادر و إلّا بأن استبطن الخلط غير ما ذكر فهي الشوصة، و يقال لما بين الكتفين منها ذات العرض و مقابلها ذات الصدر، و منها البرسام، و قد تكون في العضل و في المنتصف و أيّ جهة حلتها منعت الميل إليها و النوم عليها و قد تعم فتمنع من الكون على سائر الأشكال.
و علاماتها: يبس العصب و العضل و عدم الحركة و علامات الخلط الغالب.
العلاج: لا بد من الفصد مطلقاً لكن بالخلاف في ذات الجنب أولًا و بعد ثلاث من جانب الوجع، و الإكثار من التضمد بالبنفسج و الشعير و الأكليل
ص: 345
وكل مافيه تحليل كالجنبد با دستر ومن شرب البنفسج، وقد تمنع الشوصة التناول فمن الحيل المختارة أن يدق القرنفل والكندر والفلفل وتحشى به تفاحة يشمها العليل طويلاً فإنها تنحل، وقد يزاد الفريبون للتعطيس. قالوا ومتى قارن السعال أو النفس غشي وقلق من الوجع فلا مطمع في الحياة والله أعلم.
الجمود: شدة برد الصدر فيسكن النفس والحركة، وسببه الإكثار من المبردات من داخل أو خارج كالإكثار من أكل اللبن والثلج والأفيون والرصاص والبنج وربما قتلت فجأة.
العلاج: شرب ماء العسل بالهيل والقرنفل والبسباسة والتدهن بنحو النفط والبابونج والتكميد بالخبز والخرق والجاورس حارة.
الغشى بخارات تجتمع في القلب وما حوله فيغيب بتكاثفها الحس، وأسبابه: نهوك مرض وإفراط جوع وغلبة الصفراء إن كان معه ح-رارة وإلا غيرها ، فإن وقع لا عن سبب وتواتر وروده دل على الموت.
العلاج: ما كان عن سبب فعلاجه زواله أو خلط فكذلك، و الكائن بعد الأمراض علاجه كل ما أنعش الروح شماً و اكلًا كالعنبر و التفاح و الكعك في الشراب و الريحان و سائر الفواكة نافعة من الغشي. و من شرب ماء التفاح و الخوخ و الورد و الخلاف محلولًا فيها العنبر و المسك و يسير الباردزهر بعد أخذ درهم من العود و لم يبرأ من الغشي، فلا علاج له، انتهى.
الخفقان:
دوام حركة القلب فوق ما يجب؛ لانحصاره بما وصل به.
و اسبابه: طول مرض سقطت معه القوى أو سوء تدبير فيما يؤكل و يشرب أو كثرة خروج دم و هذه معلومة. و قد يكون لخلط فاسد فإن كان مع سوء فكر و تخيل فسوداء أو طيش و حركة فصفراء أو ثقل و امتلاء فرطوبة من دم إن كان علاماته و الا فبلغم و قد يكون الخفقان لامتلاء المعدة. و علاماته معروفة.
ص: 346
العلاج: يفصد الباسليق من الأيسر في الحار ثم يعطى المنعشات مثل ماء الفواكه و القثاء و الخيار. و هذا الدواء مجرب في الخفقان الحار.
و صنعته: كسفرة صندل ورد منزوع بزهر هندباء من كلٍ جزء، و طين مختوم طباشير بهمن أبيض مرجان من كل نصف، لؤلؤ كهربا مصطكي من كل ربع، تنخل و تحل بالسكر بماء الورد، و يأخذ قوامه و يعجن به و يرفع الشربة درهم، و يعالج البارد بشرب الأفتيمون باللبن أياماً ثم اخذ الترياق الكبير.
و من المجرب فيه إن كان بلغمياً الزنجبيل المربى بماء التفاح و اللؤلؤ المحلول إن كان سوداوياً.
و من مجرباتنا لمطلق الخفقان حيث كان ترياق الذهب و اللؤلؤ المحلول مع سحالة العود و الذهب، و من المفرحات الجارية مجرى الخواص المجربة: أن تحل اللؤلؤ و تفرغ فيه ذائب الذهب و الفضة و أسحق الكل مع ثلاثة أمثالها عودا و عشرها عنبراً، وحل البادزهر في ماء لسان الثور و الورد و الخلاف و اسقه شراب الفواكه و اعجن به الأدوية ثلاثة قراريط منها تقوم مقام الخمر و تمنع الخفقان و الغشى و الجنون و الأسقاط مجربة.
و متى أفرط الخفقان و الغشى أورثا القلب انضغاطاً و ضيقاً و احساساً بغم و انجذاب و عصر، و كل ذلك من انصباب ما ساء مزاجه فينقى أولًا ثم تؤخذ المفرحات. و ما كان عن امتلاء المعدة فلا بد من تنظيفها، و الحادث بعد النزف و المرض فعلاجه بالتقوية بنحو ماء اللحم و السكر. و من أراد حفظ القلب و الصحة فيلزم استعمال الطين المختوم و حب الآس و الطباشير و الورد و التفاح و الرمان المر و حمّاض الأترج و اللؤلؤ و الكهربا في الأوقات الصيفية، و غلي العود و القرنفل و الهال و الزرنب و الياقوت و المرجان و الزعفران و الحرير(1) في الشتوية مفردة أو مركبة بحسب الحاجة، و دواء المسك من الذخائر، و كذلك الُكّ(2) و السوطيرا.
ص: 347
قد عرفت في التشريح أن أولها المرئ و امراضه: الإنطباق و هو إسترخاء عضلته، لغلبة البرودة فيمنع من بلع ما ليس له جرم صلب كالمرق دون غيره، و قد قالوا. أن هذه العلة إذا طرقته بعد النمو فلا علاج لها و الصحيح خلافه.
العلاج: أخذ الأيارج بماء العسل و التضمد بالعفص و حب الآس و الرامك.
حكة المرئ:
سببها خلط لذّاع يستلذ معه بلع الأشياء اليابسة و التنحنح.
العلاج: يغرغر بالسكنجبين العنصلي و الخل ثم اللبن و العسل ثم الكندر و الصمغ.
عسر الابتلاع:
سببه انصباب غير الصفراء. على الأصح لوقتها، و تعرف بالعلامات.
و علاجه: تنقية الغالب، و قد يكون لورم و علاجه علاج الأورام أو القروح فعلاجها ما ستراه مطلقاً.
امراض الثديين:
كثيراً ما تذكرها الأطباء بعد أمراض القلب و ليست من تلك الأعضاء؛ لأنها غذائية، و كأنهم يعتمدون المجاورة. و يعرض للثدي أمراض منها:
الاورام: اما لخلط من الرأس.
و علامته: تقدم الصداع و الرعدة و نحو القشعريرة عند نزول الخلط، و علامة الحار الحرارة و شدة الحمرة في الدم و صلابة اليابس على القواعد، و قد يرم الثدي لتعقد اللبن أو لرضة في عضله.
العلاج: يفصد في الحار إن كان عن نزلةٍ ثم يعطى المبردات كماء الشعير، و في غيره إن قويت المادة فأسقِ الغاريقون و الأيارج و إلّا اكتف بالسكنجبين البذورى و ضمد المحروق بدقيق الباقلا و الشعير و الحلبة
ص: 348
معجونة ببعض الشحوم و الخل، و أطل بماء الكسفرة و حي العالم، و المبرود بأخثاء البقر و الأشق و صفرة البيض و الزعفران، و كذا الخروع و بزر الكتان و السماق إذا فعل زمن الحمل حفظ الثدي بعد الولادة، و الورد إذا سحق و عجن بخل و ضمد به قوى، و هذه بعينها تحل الصلابات و الأوجاع من الثدي.
و أما تعقيد اللبن فينفع منه مع هذه الضمادات إبتلاع قطع الشمع صغاراً و كذا طليه قيروطياً.
و في الخواص: أن أصل الخبيزة إذا قطع و نظم و شد في وسط إمرأة و هي لا تعلم ما هو أمنت من وجع الثدي.
قلة اللبن:
لا شك أنه عن الدم فقلته تابع له، و أسباب قلة الدم جوع و حرارة و هزال و توالي أغذية مجففة كمالح و حامض، و كثرة خروج الدم، فعلاجه ترك هذه الأسباب و إصلاح الأغذية، و درور اللبن و كثرته بالعكس، غير أن الأطباء أستنبطت للنوعين أدوية خاصة فمنها: لتكثير اللبن، البرسيم و الحمص و السمسم و بزر الخشخاش و الرازيانج و الانيسون و اللوبيا. و مما جربناه تراب الأرضة التي تخرجه من الخشب إذا سف و أتبع السكنجبين.
و منها لقطع اللبن. أكل السذاب و الثوم و السماق و النعناع. و اذا طلي على الثدي مرتك و كمون و حلبة و دردي الخل مجموعة أو مفردة قطعته عن تجربة، و كذا الطين الخراساني مع الشب.
أمراض المعدة:
منها الوجع، و يكون عن سوء مزاج مفرداً و مركباً ساذجاً أو مادياً على ما فيه.
و علاماته: ما مر، و يزيد الحار الجشاء الكريهه و البخار الدخاني و العطش، و الرطب الغثيان و اللعاب، و البارد الفساد و الحمض، و توفر علامات الخلط الغالب في المادى منه و قلتها في الساذج. و قد يكون الوجع عن ورم.
و علامته: الثقل من غير أكل و ظهوره للمس رخواً إن كان رطباً و مع الحمى إن كان حاراً و إلّا العكس، و ظهور المادة الممرضة مع الخارج خصوصاً القئ أو القروح.
و علامته: النخس و خروج المادة.
ص: 349
(العلاج): لا شي ء أولى من القئ بالشروط السابقة مع مضادة الخلط على القواعد فيسقى في حال ماء الشعير و التمر هندي و الأجاص و يزاد مع غلبة الرطوبة السماق و الطباشير و الطين المختوم و مزاور الحصرم أو الخل أو الليمون، و في اليابس تبدل بالقرطم و الخس و البنفسج و تضمد بالورد و الصندل و الكسفرة و البقلة و العدس، و يؤخذ من هذا الدواء فإنه مجرب في سائر أمراضها الحارة.
و صنعته: كسفرة برز هندباء من كل أوقية، ورد منزوع أصفر مصطكي من كلٍ أربع دراهم، فوفل صندل زهر بنفسج رب سوس من كلٍ ثلاثة تسحق و تغمر بماء النعناع و الليمون ثلاث مرات ثم تعجن بالسكر، الشربة منها من درهمين إلى ثلاثة.
و يعالج البارد السبب بشرب الغاريقون و المصطكي و الأيارج بماء العسل كل ذلك بعد القئ.
و من المجرب فيها جورش العود(1) أو الكمون أو الفلفل، و من المجرب لسائر أمراضها الباردة و تحريك شهوة الباه بعد اليأس منها و دفع التخم و الغثيان و سوء الهضم و ضعف الكبد و سوء القنية و البواسير، هذا المعجون المعروف ( (بالبنجنوش)) من تركيب الفرس أولًا، ثم ولعت به الأفاضل حتى استقر على ما أذكره لك. و هو من العجائب المكتومة فاعرف قدره.
و صنعته: أولًا الأهليلجات الأربع(2) و خبث الحديد، و لذلك سمى بما عرفت؛ لأن معنى اللفظة المذكورة خمسة أدوية.
و اما ما قر عليه رأي الشيخ و من بعده من المهرة و به صار هذا الدواء في غاية الجودة، هو أن تأخذ من خبث الحديد النقي ما شئت فتغمره بالخل الجيد وقتاً كاملًا و يراق و يبدل كذلك سبعاً ثم يسحق، و يؤخذ منها جزء كابلي أسود أصفر هندي أملج بليلج من كلٍ نصف شونيز مصطكي جزء، عود هندي من كلٍ ربع، جوز شامي و هندي و قرنفل و زنجبيل و دارصيني من كلٍ ثمن، تسحق و تعجن
ص: 350
بثلاثة أمثالها عسلًا منزوع الرغوة و ترفع، و من أراده متطيباً فليدع العقاقير في ماء ورد حل فيه من المسك و العنبر ما طابت به النفس ثلاثاً ثم يعجن، و الشربة منه مثقال.
الفواق:
حركة المعدة لدفع ما يجتمع من الرياح الغليظة.
و سببه: إفراط أحد الكيفيات. و الكائن عن اليبس.
علامته: أن يقع بعد استفراغ، و كثيراً ما يحصل معه التشنج و قلما ينجو منه، و الامتلاء و الرياح الغليظة و البرد.
العلاج: إن كان عن الإمتلاء وجب القئ أولًا ثم أخذ كل محلل كطبيخ الصعتر و الكمون و الانيسون. و من المجرب في اليابس لعق ستة و ثلاثين درهماً من الزبد الطري و كذا السكر، و في البلغمي عصارة النعناع و النمام و كذا الجندبادستر بماء و خل و سكر و طبيخ الشبت بالعسل و تضميد المعدة بالحلبة و الشونيز و مضغ العود و الأنيسون و الزنجبيل المربى، فإن اعياك الفواق فعطس فإن لم يحله العطاس فهو ميت لا محالة.
الغثيان:
هو ضعف أعالي المعدة و الإحساس بالقئ دون خروج شي ء، و يطلق الغثيان على ما ذكر إن كان بارداً لسبب و إلّا سُمّي وجع الفؤاد عند أبقراط. و العامل لقربه من القلب و سماه بعضهم القلق و الكرب. و هذه العلة تكون عن كثرة المرار و فساد بعض الأخلاط و ربما أوجبها السكر على امتلاء أو جوع مفرطين.
و علامة الكائن عن الاخلاط الحارة: فتور البدن و العجز و العطش و الالتهاب، و الكائن عن الاخلاط الباردة بالعكس، و عن فرط الرطوبة كثرة الريق، و عن البلغم دلاعة الفم، و الصفراء مرارته.
و علامة المنحل من الرأس: تقدم الصداع و الغثيان، كله يسقط الشهوة لفساد المعدة.
العلاج: إن لم يكن أصله من رأس وجب القئ حتى تنظف المعدة ثم يأخذ قواطعه، و أجودها مطلقاً عصارة النمام و النعناع شرباً و الليمون المملوح بالصعتر المسحوق مجرب و كذا السماق مطبوخاً مع الكراويا،
ص: 351
و في البلغمي العود و القرنفل و الأنيسون، و في الصفراوي التمر هندي مع الكسفرة و الصندل شرباً و المسك شماً و الدارصيني و القاقلي مضغاً، و في النازل من الرأس الأملج المربى و شراب الخشخاش و شم البصل و الإكثار من مضغ المصطكى و السعد و الكندر و ما قلي من الحمص و الكزبرة و البن و الفول، و شم المسك و الفاغية، و هذه بعينها قواطع القئ. و يجب التنزه زمن الغثيان عما يحركه كالأدهان و السمسم و حب البان و الأدمغة و بصل النرجس.
العطش:
يكون عن سوء المزاج بأقسامه المذكورة في وجع المعدة و عن أخذ يابس مكثف أو لطيف يهيج الحرارة كالسمك أو عن ثلج لجمعه البخارات و عن الشراب العتيق ليبسه.
و علامات هذه معلومة. و قد يكون عن فساد الصدر و الرئة إن سكن بالهواء البارد و عن فرط الاسهال لجفاف البدن و عن ضعف الكبد كما في الاستسقاء و الكلى. و قد يكون عن خلط مالح يلزمه.
و علامته أن لا يسكن بالشرب لتكثف الماء بالخلط.
العلاج: ما كان تابعاً لعضو فعلاجهما واحد، و ما كان من قبيل المعدة، فعلاجه غسل الأطراف بالماء البارد و مصابرة العطش فإن لم يسكن مزج الماء بالخل و شرب اللبن الحليب و ماء القرع و الشعير و الرجلة و التمر هندي. و متى كان عن خلط غليظ وجب اكل الثوم و الزنجبيل، فإنها تقطع بتحليل و تلطيف و تحل الخلط بارداً إلى الأعضاء فربما كفى عن الماء.
النفخ و الرياح و الجشاء:
علل متحدة المواد تكون عن برد المعدة أما بالخلط الغليظ البارد أو إفراط الرطوبة أو تناول ما شأنه ذلك كاللبن أو زيادة الإمتلاء. و علامات الكل: معلومة.
العلاج: التنظيف بالقئ ثم بالمحللات مثل طبيخ الحلبة و القنطريون و الأنيسون و تعاهد الأيارج، فإذا حصل التنظيف سخنت بما يلطف ويفش مع الحرارة كالعود و العنبر
ص: 352
و دواء المسك و اللك و الكمون و الخردل و الكراويا و البقدونس و الثوم و الليمون و النعناع و السكنجبين البزورى، ثم إن تواتر الجشاء فأعط ما يمنع طفو الطعام كالمصطكي و الخردل فإن إرتفعت البخارات فأما أن تدخل في سائر العضل، و علامة ذلك: النمطى أو في عضلات الفك، و علاماتها: التثاؤب فاطل بالأدهان الحارة و أكثر من الاستحمام و التغميز.
قذف الدم:
بقئ و غيره.
سببه: إنفجار أو صدع إن كان صافياً و تجلب من عضو آخر إن كان جامداً إلى السواد، و قد يكون عن قروح إن كان معه مادة.
العلاج: يفصد في الأسافل إن كان عن إنفجار و ينقى ما جمد فيها بالقئ و شرب ما يحلل مثل القرطم و الحبة و البسفائج، فإن دام و نقص في القوى أُعطي القواطع كالأقاقيا و دم الأخوين و الطين و الصمغ المقلوين و السماق و الكسفرة، و كذا نوى التمر هندي و عصارة النعناع و الرجلة و الموميا(1) مجربة.
و في الخواص: أن تعليق العقيق الشببه بماء اللحم غير خالص الحمرة مجرب في قطع الدم.
الوحام و فساد الشهوة:
و الميل إلى أكل نحو الطين و الفحم أما بسبب الوحام فاحتراق دم الحيض خلطاً حريفاً يدغدغ المعدة، هذا إذا كان واقعاً قبل الخامس و فيه يكون من نبات الشعر على رأس الجنين فيشك البطن، و أما البواقي فأسبابها أخلاط رديئة في الكيفية تجتمع مخالفة للمزاج العادي فيطلب ما يضادها، و لا شك في كون المضاد للمعتاد غير معتاد كما ثبت في القواعد من كون المنافاة هي الأطراف، و قد يكون الميل إلى الأطعمة الرديئة و الحوامض و الكوامخ من نفس الطبيعة لا على سبيل التداوي، و هذا الأخير لا تفارقه الصحة بخلاف الأول.
ص: 353
العلاج: يجب التنظيف بالقئ و الإسهال و تقتصر الحامل على الأول، و أخذ ما يكسر حدة الكيفية الرديئة كشراب البنفسج و اللينوفر و شرب الشيرج. و مما يقطع الوحام ماء الكرم و الحصرم و النعناع و الكمون و السكفرة إذا نقعت في الخل ثلاثاً ثم جففا و حمصا و أُكلا فعلا ذلك بالتجربة. و مما خص به سطح الطين و نحوه أخذ الطباشير و الصمغ و كذا كل ما قلي كالفول و اللبن، و أجمع الأطباء على عظام الدجاج المشوية إذا امتصت و كذلك الفستق المملوح و الجوز، و قيل شرطه الخلط مع الطباشير.
الحرقة:
هي الأحساس باللذع و الحدة و فساد الطعام.
و سببها: التخليط و أكل ما له رطوبة سريعة التعفن كالفواكه، و تحدث هذه بعد الطعام و زمن الأمتلاء و قد تكون الحرقة لكثرة ما يدفعه الطحال من السوداء إلى المعدة، و هذا النوع يكون وقت الجوع خاصة.
العلاج: للأول بالقئ و أخذ ما يجفف البلة مثل الزنجبيل و الأغذية الجافة و الأملج المربى فإن أحس بحرارة فنحو البزرقطونا و المر و ملعبة بماء الورد و السكر شرباً و كذا الرجلة، و إن كان هناك جشاء فبعض ما تقدم فيه، و علاج الثاني فصد أسيلم اليسار السكنجبين و البزورى أو العنصلي.
الدبيلة:
إجتماع ورم في المعدة يلزمه سقوط شهوة و حمى و تأذٍ بنزول الأطعمة و الماء، فإذا أنفجرت لزمها قشعريرة وهد و حمّى و القروح.
علاماتها: التأذي بنحو الحامض و الحرِّيف، و في الكل لا بد من ظهور المادة في القئ أو الأسهال و جفاف اللسان.
العلاج: ينظف بما في قذف الدم ثم يعطى العليل تارة دهن البنفسج ممزوجاً بالشمع، و تارة رماد القرطاس و البردي فإن كانت القوى قوية و القروح كثيرة المادة جاز يسير الزرنيخ مع ما ذُكر أو الكبريت و هو أسلم، و من الغذاء الجيد: أن يدق الخرنوب الشامي و يُغلى في اللبن و يستعمل.
ص: 354
سوء الهضم و التخم:
إن لم ينهضم الطعام أصلًا فهي التخمة أو إنضهم مع بقاء الثفل و التمدد و الجشاء و القراقر فإن كان أصل الطعام رديئاً فمنه و إلّا فمن المعدة نفسها، فإن كان ما يخرج من جشاء و براز نتناً كثير الدخانية و الحدة فالفساد من فرط الحرارة و إلّا من البرد، و قد يكون المزاج صحيحاً و نفس جرم المعدة ضعيفاً، و علامة هذا، أن لا يتأذى بيسير الطعام.
العلاج: ما كان عن سوء المزاج فقد مر. و علاج غيره بالتقوية بنحو الأطريفلات(1) و دواء المسك و جوارش السفرجل.
الهيضة:
هي فساد المعدة بعنف فتتحرك لدفع ما في أعلاها بالقئ و أسفلها بالإسهال معاً أو مختلفة، و هذه إن سكنت ليومها فجيدة، و كذا إن كان الخارج طعاماً غير متلون و لا متواتر و البدن خلياً عن الحمى و النبض قوي و الشهوة صحيحة، فإذا إختلت هذه الشروط أقطع بالموت أو بعضها فاحكم للغالب، و ليس هذا الأكثر بل الأقوى فإن تواتر الخارج مع سقوط الشهوة و كثرة المرار الأصفر أو الأسود دليل الموت.
و اسبابها: الحركة العنيفة و تخليط الأطعمة بلا ترتيب و الشراب الكثير.
العلاج: تنظيف المعدة بالقئ و الإسهال بالأدوية من غير أن توكل إلى دفع ذلك من نفسه لما فيه من البطء.
ثم إن كان السبب حاراً و علامة الحرارة ظاهرة فأسق عصارة الرجلة و ضمد بها مع الصندل و الخل و أعط سويق الشعير و قشر الفستق الأعلى.
و إن كان بارداً فالأملج مع الطباشير و الجوز بالعسل و معجون الكمون و قشر الأترج و الجمار و السكر و معجون المسك مجرب، و إياك و قطع المواد و في البدن فضلة فإنها تعود على الكبد و يهلك العليل.
الشهوة الكلبية:
سميت بذلك؛ لمكالبة صاحبها و احتراسه على الأكل كالكلاب.
و اسبابها: فرط الحرارة.
و علامته: قلة البراز و سخونة البدن و العطش و اجتماع بلغم فاسد الكيفية، و علامته: حموضة الطعام و الجشاء و الثقل، أو سوداء يدفعها
ص: 355
الطحال، و علامته: كثرة البراز و الهزال و سرعة الهضم، أو دود يأكل الطعام، و علامته: الصفرة و الأحساس بحركة الديدان، و قد يكون عن أثر مرض لأستفراغ باقي الأعضاء و اشتياقها إلى الغذاء، و علامته: التأذي بالأكل و إن قل.
العلاج: تنقى الأخلاط و يخرج الدود بما سيأتي و يعطى الأغذية الرطبة اللزجة الدسمة و الحلاوات و ما ابطأ نفوذه و يسقى الأطيان المروقة و البزورات الكاسره للحرارة. و من المجرب: أن يقلى الفستق و اللوز مسحوقين في الشيرج جيداً و يسقى بالسكر و تمرخ المعدة بالقيروطي، و هذه العلة قد تطفأ فيها الحرارة بأبلغ ما يكون حتى تحرق ما يرد عليها من الاغذية و تحيله، و قلما يظهر اثره و حينئذ يأكل صاحبها فوق ما يطاق للبشر، و حيث تبلغ هذه الرتبة وجب المكث في الماء البارد و شرب الألبان و ماء البقل و الرجلة و نحوها.
بوليموس:
هو الجوع البقري سمي بذلك؛ لأنه يعتري البقر، و هو عبارة عن جوع الأعضاء كلها إلّا المعدة فلا تهضم و لا توصل غذاء فتهزل الأعضاء و تنحل قواها، و يفسد ما في المعدة من الغذاء لإعراضها عنه.
و اسباب ذلك: برد المعدة و امتلاؤها بالأخلاط البلغمية أو الكثيفة المبطلة للشهوة.
العلاج: تنظيفها بالقى ء و الإسهال و شرب ماء العسل و ما مر في سوء المزاج و نحوه، و قد يقع في هاتين العلتين غشي فيرش الماء البارد حينئذٍ و يعطى المنعشات من الأدوية القلبية.
انقلاب المعدة:
كثيراً ما تذكر هذه العلة هنا، و عندي أنها من علل الامعاء، و هي أن يتقايأ الانسان ما أكله بعد الهضم و ذلك، لضعف ما تحتها من الامعاء عن الدفع إلى ما تحت فترده إلى المعدة فتقذفه، لكن غير متغير، و به يفرق بينه و بين ايلاوس(1).
العلاج: يجرع العليل مطبوخ الفواكه شيئاً فشيئاً و يعطى نحو الحصرم و الكمثرى و النعناع و ما في علاج القئ.
ص: 356
اختلاج المعدة:
يكون عن ريحٍ أو أخلاط مبخرة و يلزمها الخفقان لإتصال الحركة بينهما.
و علامة الاختلاج: حكة المعدة، و علاجه علاج الاختلاج.
حكة المعدة:
تكون أما عن خلط لذاع.
و علامته: اشتداده وقت الجوع، أو بثور في سطح المعدة.
و علامته: الحرقة وقت الأكل.
و علاج الاول: سقي طبيخ الأهليلج و نقوع الصبر، ثم التبريد بشراب البنفسج أو العناب.
و علاج الثاني: شرب الأطيان مع يسير الكبريت و دهن اللوز و لعاب السفرجل أو حب العشرة، فإنه مجرب.
الاسترخاء:
يكون في نفس المعدة إن إرتفع الصدر و انخفض الظهر و إلّا ففي الرباطات.
و اسبابه: كثرة الأخلاط الرطبة.
و علاجه: إخراجها، و قد يعرض من كثرة التداوي و القي ء بحيث يتهلهل شحمها و نسجها فيعجز عن إخراج ما فيها إلّا بالدواء، و هذا النوع لاعلاج له على ما قالوه، و عندي أنه ممكن العلاج بمزج الأدوية بالأغذية و أن تكون الأدوية غذائية و أن يكون المركب مشتملًا على ما يولد الشحم و يشد الأربطة و يقبض و يعصر، و هذا الدواء مجرب جامع لما ذكر من تراكيبنا فقس عليه ترشد.
و صنعته: سويق شعير جزء فستق صنوبر من كلٍ نصف لوز ربع تسحق و تطبخ تارة بالسماق، و أخرى بالتمر هندي، و اخرى بالسفرجل و ضمد بجوز السرو و العفص و الطفل(1) و الترمس، فإنه غاية.
الذرب و الحلفة:
هو فساد الغذاء و خروجه بصورته أو لتغير أما ممزوجاً بالمرار و الأخلاط قيئاً أو اسهالًا.
و اسبابه: أما ملاسة المعدة إن خرج كما أكل بصورته من غير الم؛ لرطوبة لزجة فيها.
و علاجه: أخذ القوابض و ما يجلو الرطوبات كالبنجنوش و حب الآس و القوقايا، أو ضعفها بخلط اكال إن كثرت المرار و الحرقة بعد الأكل.
و علاجها: التنقية
ص: 357
و ما في الحرقة، أو نزلات من الدماغ.
و علامتها: نحو الزكام و اللعاب، أو ضعف الطحال.
و علامته: خروج السوداء، أو ضعف الكبد.
و علامته: تلون الخارج خصوصاً إلى البياض و الخضرة و الهزال و العطش، أو سدد في الدّقاق.
و علامته: صحة الهضم ورقة الخارج و الثقل.
و علاج هذه الأنواع: علاج الأعضاء المذكورة. أو لفساد أحد الأخلاط.
و علامته: مع ما مر علامات الحميات فيأتي الإختلاف هنا. و الذرب غباً عن الصفراء و ربعاً عن السوداء أو نائباً عن البلغم و بلا دور عن الدم.
و علاجه: تنقية الخلط الغالب. و من المجرب لهذه العلة البنجنوش مطلقاً و ترياق الأربع في البارد و الخبث في البثور و ماء الحديد في الملاسة و معجون هرمس في النزلات. تتمة
المعدة حوض البطن و كل عرق يدلي إليها و الصحة مبنية عليها؛ لأن صحة الأعضاء منوطة بصحة المزاج و هو بالأخلاط و هي بالغذاء و هو بالترتيب و الجودة و هما بالمعرفة و صحة المعدة، لأنها الأصل رفد عدها قوم ذوو إعتبار من الرئيسة، و النفس إليه أميل، فيجب الأعتناء بها و مزيد الأهتمام بشأنها، و صلاحها يكون بما يدبغها إذا إسترخت و ذلك كل عفص قابض كالأملج، و يزيل ملاستها و يغسل خملها، و ذلك كل مقطع محلل كالقرنفل و ينبه شاهيتها إذا إنغمزت و ذلك كل حامض و مالح و حريَّف كالليمون و الكوامخ و الخردل، و ما يحلل رياحها و رطوباتها البالّة كالزنجبيل، و ما يفتح سددها كالصبر، و ينعش قواها كالزعفران، و يحفظ حرارتها الغريزية كالمصطكي، فهذه الأمور السبعة شرط المركب الفاعل لما ذكرنا، و من أدمنه مراعياً فيه الزمان و المكان و السن فغير ما يستعمله كذلك حذراً من العادة لم يمرض بفساد خلطٍ ان شاء الله تعالى.
و قد اطبقت آراء الأجلاء على أن ماء الحديد إذا طبخ بعشر عشره مصطكي حتى يزول ثلثه في إناء جديد حفظ الصحة و ناب مناب الأدوية الكبار.
ص: 358
و مما يقوي المعدة و يحفظ صحتها و يفتح الشاهية و يزيل الرطوبات و سوء الهضم و التخم و الرياح و يدر و يهيج الشهوتين عن تجربة، هذا المعجون من تركيبنا و سميناه بالمغني.
و صنعته: زنجبيل كراويا أنيسون لوز صنوبر مقلوة قرنفل، من كلٍ جزء، قشر أترج مصطكي عود هندي من كلٍ نصف، زعفران ورق سذاب أملج خبث حديد مدبر كما مر سعد من كلٍ ربع، تسحق و يؤخذ أربعة أمثالها عسلًا فيحل في مثل نصفه ماء نعناعٍ و ربعه من كلٍ من ماء التفاح و الليمون و الآس، و يرفع على نار هادئة فإذا قارب الأنعقاد طيب بماء ورد حل فيه ما طابت به النفس من المسك و العنبر و عجنت به الحوائج و رفع، و هو تركيب لا يوجد مثله، و شربته إلى مثقالين و قوته تبقى إلى عشرين سنة.
امراض الكبد:
هي أما سوء مزاج أو وجع، و القول فيه كذلك كالمعدة أسباباً و علامات و علاجاً غير أن العلامات هنا أشد فإن الهزال و قي ء المرار و تغير اللون مثلًا عن ضعف الكبد أشد منها على المعدة، و تظهر الأوجاع و الحرارة و نحو الصلابة في الأيمن عند الخلف من الأضلاع، و إذا ضعفت الجاذبة فعلامتها كثرة البراز أو الماسكة فالبول أو الدافعة فقلتها أو الهاضمة فخروج الأكل مرارياً قريباً من صورته الأصلية. و اللسكنجبين و العود و الراوند هنا مزيد إختصاص، و كذا البزورات. أو أورام سببها إنصباب أحد الأخلاط، كما و تزيد علامة الأورام ظهوره للحس حاراً في الحار رخواً في البارد الرطب و بالعكس. و يلزم سائر أعلال الكبد سعال و ضيق نفس فإن خصت المقعر كثر خروج المرار قيثاً و اسهالًا، أو المحدب تغير البول إلى مزيد حمرة و غسالة من لوازمها الترهل خصوصاً في الأطراف و بردها و القشعريرة، و قد يشكل أورام الكبد بأورام العضل التي عليها فإن إشتد ظهوره و لم يكن هلالياً فهو في العضل،
ص: 359
و العلاج ما مر في المعدة، و للفوه و الأشق و السويق و الطباشير هنا كثير فائدة.
أو سدد تمنع النفوذ منها و إليها و سببها غلظ الخلط أو لزوجته و الامتلاء و بعد العهد بالدواء.
و علاماتها: رقة البول أو في المقعر فالبراز و الثقل مطلقاً بلا شرط وجع و قال السمر قندي بشرط وجع. و ليس بصحيح.
العلاج: شرب ماء البقل و السكنجبين في الحار، و كذا الراوند و عنب الثعلب و البطيخ، و في البارد السلق بالخردل و الخل و كذا ماء الحمص و العسل و الزعفران و ماء الرازيانج بالسكر و عود البخور و البقدونس و الصعتر و الفوة، فإن هذه تنقي و تفتح أكلًا و شرباً و ضماداً. و يجتنب مع ذلك ما يولد السدد كالحنطة و اللبن و النشا و اللوز الحلو و العدس خصوصاً إذا اتبعه بالحلو و ثمرة النخل مطلقاً و الماء الكدر.
سوء القنية و الاستسقاء:
الأول عبارة عن أول التهييج و تغير اللون و هو مقدمة. الثاني و هو استحكام ما ذكر بسبب ضعف الكبد بنفسها أو بواسطة ما يحاورها، و أعظم أسباب الأستسقاء ضعف المعدة، فيصل الغذاء الى الكبد غير منهضم فتعجز عنه و أما لحمى.
و علامته: الإنتفاخ و بياض البول و الاستطلاق و بقاء الموضع غائراً بعد الغمز و كبر البطن بواسطة ما يتحيز من الرطوبات في فرج الاعضاء، و هو أسلم الأنواع.
العلاج: تفتيح السدد و تقوية المعدة و القي ء بالفجل و العسل و الشبت و البورق، و يكثر من أكل التين و ماء الحمص و ثلاثة مثاقيل كراويا بزيت كل يوم تنقع من مطلق الإستسقاء، و هذا النوع يخلص منه أكل القنفذ و شرب بول الإبل، و ثلاثين درهماً من بول الماعز بدرهم سنبل كل يوم إلى أُسبوع يخلص منه عن تجربة، و كذا القرنفل و الأنيسون و الكمون أكلًا و ضماداً و رماد اخثاء البقر.
أو زقي و هو شر الكل.
و سببه: اجتماع صديد إن غلبت الحرارة و إلّا فمائي بين الصفاق و التراب أو مجرى السرة و تقعير الكبد،
ص: 360
و يزيد حتى تربو الأحشاء و تنحل القوى و يظهر الترهل.
و علامته: قلة البول و لزوم الحمى في الحار و ارتخاء اللحم في البارد و سماع صوت البطن و خضخضة الماء كالزق عند القرع عليه و الانتقال من جنب إلى آخر.
العلاج: اخذ الأغذية اليابسة و المشي في الحر و لبس الصوف و النوم في الرمل و الرماد الحارين و شرب الماء المدبر في أخر علاج المعدة، و معجوننا المغني، و ترياق الذهب و البنجنوش مجربة في ذلك، و كذا كلكلانج(1) و قد يشق مع حرص على الفضلات و العروق و دخول الهواء أو يستنزل بأنابيب الرصاص دفعة أو أكثر بحسب القوة و خطره عظيم.
و مما ينفع منه رماد إخثاء البقر مع الدارصيني و بزر الكرفس و الحنظل شرباً بلبن اللقاح و بولها، و طلي البطن بالترمس و الحنظل و الأشق و الخل و زبل الحمام. و من المجرب شرب حب الماء الأصفر.
أو طبلي و أسبابه و علاماته ما مر، إلّا أن المجتمع هنا بدل اللحم و الرطوبات ريح.
العلاج: تلطيف الإسهال و أخذ ما يخرج الريح خصوصاً الحلتيت و الجندبادستر و الأذخر و الكمون و الخولان و الدارصيني و تضميد البطن بالقطران و البورق و الكبريت و العسل و ما مر من المركبات.
و اعلم أن ملاك الأمر في علاج هذه العلة تصحيح المعدة و الكبد و تعاهد القئ و بول الابل و ألبانها و رماد اخثاء البقر، و ربما إنحلت هذه العلة و صح البدن و بقيت صلابات و نتوء في السرة فلتضمد حينئذ بالعفص و حب القطن و بزر القطونا و المصطكي مجموعة أو مفردة بالخل، و يقال لهذا الباقي الحبن و قيل: الاستسقاء كله و أكثر من يبرأ من الإستسقاء يموت فجأة بالنزلة أو الاستطلاق.
و سببه: شره في الأغذية و الأعضاء إلّا أنها لم تقو على تفريق الغذاء فيفسد و يقتل.
و بقي مما يعتريها أمراض، فمنها:
ص: 361
الدبيلة:
و علاماتها: الحمى و عدم القدرة على الإستلقاء و غيره، و باقي أحكامها ما مر. و البثور
و علامتها: شدة الحرقة، و ربما ظهرت من خارجٍ و حكمها كذلك.
و من النادر الخفقان فيها؛ لكثرة السدد، و علاجه تفتيحها و الحصار: و علامته النخس و القذف عند الهضم و وجود الرمل في دم الفصد، و سيأتي علاجه في الكلى.
القيام:
تطلق هذه العلة على ما يتواتر خروجه بواسطة ضعف الكبد من قيح و صديد و دم، و يخص الدم ( (بالدوسنطاريا)).
و علامته: خروج الخارج ممزوجاً تارة و صرفاً أخرى، و سقوط القوى و الشهوة، و إفراط الحرارة، و قد مر في الهيضة علاج الإسهال.
و أما الدم فعلاجه هنا قليل الصحة، و على تقديرها وضع المحاجم في الأعلى، إعطاء المفرحات و ما يقطع الدم مثل الطين المختوم و قرص الطباشير و معجون النجاح و الاختلاف، و ينبغي أن لا يدع إستعمال الزعفران و اللاذن و العصفر و الزبيب الأحمر و بزر الكشوت، فإنها تقويها مطلقاً.
امراض ما بقي من هذه الاعضاء:
و هي: الطحال و قد عرفت حقيقتها و مكانها.(1)
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة ؛ ص362
أمراضه سدد تكون عن غلظ الخلط مر في الكبد و العلاج واحد، و للكبر مع الكشوت و الصعتر و القنطريون مزيد دخل هنا و كذا الترمس و الغاريقون و الأنيسون. الوجع يكون أما عن سوء مزاج و قد عرفته أو ورم كذلك. غير أن الألم هنا نخس في الأيسر.
العلاج: فصد الأسيلم في الدم و تنقية غيره ثم إعطاء ما يزيد ذلك كعصارة اللبلاب و القنطريون و الزعفران و الاسقولوقندريون(2)، و ما مر في الكبد على إختلافه يضمد في الصلابة و الأورام بالتين و الأشق و الترمس و الحنظل و الجوز بالخل أو الشراب، و كذا بعر الماعز و الحلبة و شرب لبن الأيّان و الفوة و الراوند و طبيخ الترمس بالفلفل كل ذلك مذهب للأوجاع و الورم و الصلابات.
ص: 362
و اعلم أن الطحال يصلب و إن كان عن سبب رطب؛ لأنه وعاء السوداء و متى إشتد ظهوره للحس و هزل البدن فالمرض من السوداء قطعاً، و جميع ما يعرض منه، و إن كان عن البغلم من صفرة و بياض في العين و اللسان و غيرهما، و ما يخرج بقئ و غيره لا بد فيه من السوداء، كما أنه لا بد من الحمرة في امراض الكبد.
و في الخواص من أكل في اناء الطرفا و شرب اربعين يوماً، و من أخرج ذكره من وراء وبال و شربه برئ من أمراض الطحال.
اليرقان:
الأسود سببه: ضعف جاذبة الطحال فيدفع ما فيه إلى البدن فيسّود الجلد بذلك الخلط، و قد يكون الدفع إلى فم المعدة (و علامته) الجوع و كثرة البراز.
العلاج: يبقى الطحال و يفتح سدده و يفصد و لو في السوداء الأسيلم و الباسليق لا القيفال خلافاً لمن ذكره، و يسقى الكشوت و الخولان و أقراص الراوند و المعجون المغنى و اللؤلؤ و المرجان المحرق مجربة.
امراض المرارة:
هي اليرقان الاصفر و ذلك لما مر من أنها وعاء الصفرة و بينها و بين الكبد ممرها فإذا عرضت السدد قبل وصول الماء الأصفرة إليها تفرق في البدن من الكبد فيتغير به ما عدا الوجه تدريجاً مع الهزال، و قد تضعف المرارة عن تفريق ما فيها من الماء الأصفر فيحدث اليرقان دفعة حتى العين، فإن كان باحورياً فغير عسر و إلّا صعب أمره و ربما قتل.
العلاج: تقوية الكبد إن كان عنها و إلّا المرارة بالمدرّات المفتحة، و أجودها ماء النعناع و عنب الثعلب و البقل بالسكنجبين و كذا الرواند و الغاريقون و عصارة الرازيانج و قثاء الحمار و أكل الفستق بالخل مجرب، و كذا الكهربا و اللؤلؤ بحمّاض الأترج و السعوط بالشونيز و لبن النساء و شرب مخيض اللبن و طبيخ العذبة.
و من اليرقان نوع أخضر قليل الوقوع بغير الهند.
و سببه: إجتماع سبب النوعين، و علاجه مركب منهما.
ص: 363
امراض الأمعاء:
المغص
وجع يعمها.
و اسبابه: اما ريح.
و علامته: النفخ و التمدد و القراقر.
و علاجه: كل محلل كالكموني و الفلافلة.
أو إحتباس مادة حارة، و علامته: النخس و اللذع و الحدة.
و علاجه: سقي كل محلل ذي لعاب كبرز المر و بنحو شراب الورد.
أو خلط غليظ لخج بمحل واحد، و علامته: لزوم ذلك المحل.
و علاجه: الحقن و القي ء و شرب ماء العسل. أو سوء مزاج و قد مر أو دود و سيأتي.
و من المجرب للمغص دقيق الشعير مع الكمون و حب الخروع و ضماداً أو كذا الزنجبيل و شحم الحنظل بالعسل، و هذا المعجون مجرب للمغص البارد و القولنج و سائر أوجاع البطن.
و صنعته: بزر شبت كاراويا أنيسون خولنجان من كلٍ عشرة، سذاب يابس نمام من كلٍ ستة عود هندي قشر أترج جندبادستر أطريلال(1) حب رشاد شيح أرمني من كلٍ ثلاثة تعجن بالعسل، الشربة مثقال بماءٍ حار. و هذا الشراب أيضاً مجرب لنا يحل المغص الحار.
و صنعته: سنا أنيسون تربل(2) من كلٍ عشرة، ورد زهر بنفسج سبستان شعير مقشور من كلٍ سبعة يطبخ باربعمائة درهم ماء حتى يبقى ماؤه تُصفى و يلعب فيها بزر مر و حلبة بزرقطونا من كلٍ خمسة، ثم يصفى و يمرس فيه عشرة خيارشنبر و يشرب بالسكر.
الاسهال المعائي و السحج:
قد تقدم ذكر الإسهال الكبدي و ما يتعلق بالمعدة، و الكلام الآن فيما كان من المعي و يسمى إسهال الدم منها ( (دوسنطاريا معائي))، و جرحها و انفتاح عروقها سحج فأن كان خروج الدم لإنفجار عرق، خرج الدم لانفجار عرق، خرج الغائط أولًا ممتزجاً بالدم ثم وحده، هذا إن كان الإنفجار في الغلاظ منها، و قد عرفتها في التشريح، و إن كان في الدقاق خرج الغائط وحده ثم الدم، و الشرط في كل ذلك إنتفاء علامات الكبد كالعطش و الوجع فيها و الحمى حتى
ص: 364
يتمحض كون العلة فيها.
و علاج هذا: الفصد مع إحتمال القوى ثم قواطع الدم. و اما السحج فسببه أنحراف أحد الأخلاط أكالًا بقرحة.
و علامته: خروجه بعلامته كحموضة السوداء و غليها على الارض و لزوجة البلغم و حدّة الصفراء يلزم كلًا خروج الخراطة و الالم فإن كان في الغلاظ كان الوجع تحت السرة و السابق في الخروج المواد و الدم و إلّا العكس، و الغلاظ أسلم لبعدها عن الرتبة.
العلاج: ينقى الخلط أولًا بالحقن إن كان متسفلًا و إلّا بالشرب ثم تعطى القوابض و المغريات كذلك، و كثيراً ما يكون المغص و الإسهال و السحج عن إحتباس سدّة فيعطى الجاهل القابض قبل التنقي فيكون سبب الموت فتأمله.
و من المجرب لمنع السحج و الإسهال لؤلؤ محلول و حمّاض الأترج كهربا بزر حماض قشر رمان و خشخاش عفص صمغ مقلو سواء تسحق و تعجن بالعسل أو تذر على صفار البيض و تستعمل.
و إن كان عن صفراء فسويق الشعير بالكهربا مجرب، أو عن السوداء فالطين المختوم و اللؤلؤ، أو عن البلغم فالمر و المقل و حب الغار، أو عن الإسهال الكثير بالأدوية فاللعابات.
الزحير:
حركة اضطرارية تدعو إلى البراز و يكون الخارج يسير رطوبة لعابية.
و أسبابه و علاماته و سائر أحكامه ما في السحج، و لورق الجُميَز(1) المجفف في الظل و الكندر و المقل مزيد إختصاص هنا. و من المجرب فتائل الحلتيت و الزباد، و كذا الأفيون و قشر الليمون بالزيت أكلًا و كذا الآس مطلقاً، و الجلوس على الآخر المسخن و الجاورس و الملح إن كان ذلك عن برد.
القولنج
يوناني معناه وجع الأمعاء، و هو في الحقيقة مغص مشتد قوي النخس يقال لنوع منه ( (ايلاوس)) يقئ البراز و يخيل إنه يثقب الجنب، و يفارق
ص: 365
المغص بالثقل و عموم الظهر و الجنب و وجع الكلى بذلك أيضاً مع إبتدائه من الأيسر، و ذلك بالعكس.
و بالجملة فكل مرض يشتبه به كوجع الكبد و الرحم يخص موضعه بخلاف القولنج.
و أسبابه: اما لزوجة الخلط فتتماسك به الأقفال و تجف فتسدد و يحبس.
و علامته: إحتباس ما يخرج حتى البول لمزاحمة الأغشية و تقدم الأغذية الغليظة و الثقل.
و علاج: هذا بالفتائل و الحقن أولًا و الإسهال ثانياً بعد إنحلال الطبع و الجوع و مزج الأدوية بالأفاوية و هجر الأطعمة الغليظة.
أو ريح يحتبس في الطبقات عن أغذية كثيرة الريح كالباقلاء و حصر خروج الأرياح.
و علامته: النتوء و النفخ و القراقر و الوجع الثاقب و الجشاء حامضاً إن غلبت السوداء، و في هذا النوع قد لا يكثر القبض و ربما سكن الوجع عند الغمز و التكميد بالمسخنات.
و علاجه: ما سبق مع الإكثار من الأدهان الحارة كدهن الشونيز.
أو ورم أو التواء.
و علامة الأول: الحمى، و الثاني تقدم ضربة و نحوها، و الوجع فيهما لازم.
و علاج: الورم معلوم و الآخر بالغمز حتى ترجع الأعضاء إلى موضعها، و قالوا: يسقى نحو عشرين درهماً من الزئبق و يغمز حتى يخرج، فإن إستعصى نكس ليخرج من الفم ثم توثق البطن ربطاً و ترقيداً فإن حدث فتق فالكيّ أو قر فكذلك يكن رشحاً، و يعطى المسخنات مطلقاً، و ربما تولد عن مجرد لبس الثفل(1) أما ليبس الغذاء أو قلته إن تقدم ذلك و إلّا فلزيادة الحرارة.
و علاج كل منعه، لكن لا يبرد الحرارة وقت الجوع بل يسقى ما يكسرها ممزوجاً بما يحل الوجع كالسقمونيا مع البورق و يمزج الدواء في ذلك بنحو دهن اللوز للتليين و التحليل و منع الأسحاج. و المشاهير من الفضلاء عنوا بإفراد القولنج بالتصنيف مثل الشيخ و الرازي.
و حاصل ما أشتملت عليه صرف النظر إلى تنظيف المعي و تلطيف الغذاء و تعديل الدواء و إنعاش القوى و البداءة بالحقن و عدم الغفلة زمن الصحة عن تنقية البدن، فإن له رجفاتٍ و في كل زمن الفته و ربما هلك بغتة.
ص: 366
و من المجرب فيه بعد التنقية الترياق الكبير و المثروديطوس و معجون المسك و دواء المر. و من مجرباتنا هذا الدواء.
و صنعته: لوز مر زنجبيل خولنجان عاقرقرحا فلفل أسود من كلٍ نصف، زعفران عود هندي بورق مصطكي مر من كلٍ ربع، تعجن بالعسل، و الشربة مثقالان. و هذه الحقنة أيضاً.
و صنعتها: شبت و بزره من كلٍ أوقيتان كراويا أوقية، قرطم نصف أوقية، بورق شحم حنظل تربل من كلٍ ربع أوقية تسحق و تغلى في ثلاثة أرطال مرق ديك حتى يبقى رطل، تصفى على ثلاثين درهماً زيتاً في الشتاء و شيرجاً في غيرها، و عشرين درهماً سكراً في الصيف و عسلًا في غيره و تحقن بها و تمسك قدر الطاقة، و مع شدّة العارض يزاد بزر السلق مثل القرطم. و من المجرب: شرب روث الحمار و الذباب بماء القراح فإنه من الخواص.
و من المجرب: أن سرة المولود الذكر إذا جعلت تحت فص في طالع المريخ أمن لابسه من القولنج.
الديدان:
حيوانات تتولد في البطن طوال كالحيات إن تولدت في الدّقاق، و عراض كحب القرع إن نشأت في الغلاظ، و صغار كدود الجبن في المستقيم.
و سبب الكل: رطوبات لزجة تشبثت بالمعي فتهيئها فيها الحرارة، و سبب الرطوبة المذكورة غالباً الشرب على اللحوم قبل الهضم و تناولها نيئة، و الجمع بين اللبن و اللحم، و الإكثار من نحو الهريسة أو الحمصّ.
و علامتها: سرعة الجوع بعد الأكل و وجع الفؤاد و بريق بياض العين و تغير اللون بلا سبب و خروج الرطوبات و صر الاسنان في النوم، و ربما حدث عن الحيات مثل الصرع و ربما خرجت الصغار.
العلاج: يبدأ بالجوع ثم سقي ما يقتلها و يخرجها مثل التنبيل(1) و السرخس(2) و الوخشجك(3) و التربل(4) و حب النيل و الكشوت و شحم الحنظل و القسط
ص: 367
و الترمس و ورق الخوخ ضماداً و شرباً و كذا ورق المشمش و الصفصاف و الشونيز تعجن بعصارة النعناع و القطران و تضمد على السرة.
و من المجرب الصحيح أكل الحمص بالخل و يشرب عليه طبيخ أصل شجر الرمان و قشره الحامض ممزوجاً بالسمن و الخل و دهن النارجيل العتيق أيها حصل، و مثل ذلك بزر حنظل درهمان مر شيح من كلٍ درهم، زعفران نصف درهم، تسف بماء النعناع.
زلق الامعاء:
هو عدم لبث الطعام و خروجه كما هو مهضوماً بعض الهضم.
و سببه: ضعف الأمعاء و ارتخاؤها.
و علامته: حدوث نحو الفالج من برد و خدر، و علاجهما واحد.
أو سوء مزاج حار إن كان هناك لذع و حدّة و خروج مواد و إلّا فبارد رطب إن لم يخرج الرطوبات مع الخارج.
و علاج ذلك: ما مر في المعدة.
و قد يكون عن رطوبات تملس معها السطح.
و علامته: خروجها و حسن حال البدن.
و علاجها: التنقية بالقئ و الإسهال.
أو قروح في بواطنها إن اشتد اللهيب و الوجع و خروج البخار إلى الرأس و الوجه و الصديد مع البراز و لم ينتقل الوجع عند الهضم و إلّا ففي سطوحها.
و علاج: كل ما سبق في قروح المعدة و أخذ الأسوقة و الألعبة و كل مغر كالملوخيا(1).
و مما يختم به هذا الباب أن يتنبه المعالج لدقيقة، و هي أن يعطي بعد العلاج من نحو الإسهال و الذرب و السحج كل معقل إلى نحو أسبوع مثل العدس و الرجلة و الزرخشك(2) و السماق و حب الرمان الحامض و الكبود المشوية بالأفاويه و بالعكس بعد القوابض، فإن كانت القوة لا تفي بالمقصود عدل إلى ما لا يسقط القوى منها مثل ماء الحلبة و ورق الأترج و التمرهندي و ما يعمل بالخضب مثل الترمس و شحم الحنظل بالحناء، و أن يعطي ما يصلح الدواء ما معه كالاسطوخودس و الصمغ و المقل و الكثيراء و المصطكي أو بعده كبزر القطونا و سويق الشعير و الزيت و ماء العناب.
ص: 368
امراض الكلى:
سوء المزاج أو وجع يكون لفساد الخلط.
و علامة الحار منه: قوة الحرارة و العطش و الهزال و صبغ القارورة و شدّة الشبق،
و علامة البارد منه: عكس ذلك.
و علاج الأول: الفصد و شرب ماء الشعير بالبزور و اللبوب و البنفسج و الرجلة و الطين الأرمني و الهندباء.
و الثاني: بالراوند و القسط و الدارصيني و حب الصنوبر و نحوها كالجوز و السعد و الخولنجان.
السدد:
تكون عن خلط لزج أو غليظ أو ورم.
و علامتها: رقة الماء و الألم في الورم و الحمى.
العلاج: اخذ ما فتح من طبيخ الرازيانج و الحمص و الانيسون و اللوز المر و ماء البطيخ و القرع المشوي.
القروح:
تكون عن إنفجار عرق إن كثر خروج الدم أودبيلة إن كثرت المادة أو خلط أكّال إن كثرت القشور.
و علامتها: وجع القطن و موضع الكلى و كون الخارج أحمر و البول غير متعسر عكس المثانة.
العلاج: ينقى الخلط ثم يعطى المدملات مثل الفوة و أظفار الطيب(1) و البطيخ و اللبوب و أنواع الخبازي و بزرها كالخطمي و ملوخيا بدهن اللوز، و من المجرب لتنظيف الكلى شرب لبن الضأن بدهن الورد و البنفسج و بزر الكتان كذلك.
الحصاء و الرمل:
أجساد تصلبت عن حرارة غريبة في مادة غليظة لزجة و تكون في أي فضاء لحجب به و تتابع عليها الخلط المشاكل مثل الكبد و الطحال و جنبين و إنما عُدّت في أمراض الكلى و المثانة، لكثرة توليدها فيها.
و أسبابها: أخذ ماء لزج و سدد كالهريسة و البيض النضيج و الماء الكدر و قلة الحركة.
و علامتها: الثقل و التلهب و التمدد و الكرب حالة النوم على الوجه و أوجاع القطن و الكلى فيها و العانة و القضيب و عسر البول في
ص: 369
المثانة و رسوب مثل الرمل في البول ضارباً إلى الحمرة في الكلى و الغبرة في المثانة، و غالبٍ حصى الكلى في الكهول و السمان، و المثانة في الصبيان و الذكور و المهازيل، و ربما أتصل الوجع بالبيضة و الرِّجل المحاذيين لجانبها.
العلاج: تنقى المادة بالفصد و غيره و يبالغ في النطولات بنحو طبيخ الحسك و البابونج، و المذيبات للحصى كالشجرنيا و الكاكنج و معجون اللبوب و البزورات و المدرات و الحمام و الانتقاع في الأبازين و زرق الأدهان و الألعبة بكثرة، و المرخ بها، و الاحتقان بالملينات خصوصاً عند السدد، و أجودها البنفسجي و دهن العقارب شرباً و طلاءً و زرقاً و طبيخ أجزاء شجرة الغار و الفجل و العليق بدهن اللوز الحلو مجرب، و كذا الشونيز بدهن الغار و العسل و الغاريقون أكلًا، و الزجاج المكلس و رماد النانخواه كذلك، و إذا حشى الفجل بزر السلجم و شوي في العجين حتى ينضج و أُكل بالعسل فتت الحصى مجرب، و الزباد بالحلتيت أُكلًا و قطوراً كذلك.
و من المجربات المجمع على صحتها من عهد جالينوس: أن يؤخذ تيس قد ولد عند إستواء العنب فيذبح حين يستكمل أربع سنين و يجمع دمه في قدر نظيف و يغطى بخرقة في الشمس و يثقب كل وقت بالأبر و يراق ما يخرج منه من المائية فاذا جف سحق و رفع درهم منه بملعقة من ماء الكرفس يسقط الحصاة من وقته، و جالينوس يسمي هذا الدواء ( (يد الله)) و قالوا: أن أفراخ الحمام إذا طبخت بالشيرج وحده دون غيره و لوزم أكلها فتت الحصاة. و حجر اليهود(1) و الاسنفج(2) نافع شرباً.
الهزال:
قلة شحم الكلى و تخلخلها لفرط حرارة أو نكاح أو أخذ مفتح.
و علامته: بياض البول و كثرته و ضعف الصلب و سقوط شهوة النكاح.
العلاج: أخذ كل ذي لب دهن كاللوز و الفستق و عجن الخبز بالشحوم خصوصاً الأوز و الدجاج، و كذا السكر و الخشخاش و السمسم و الهريسة
ص: 370
و الحمص و الفول و كلى الضأن و لبنها. و عن الهزال و سوء المزاج يكون ضعف الكلى فجميع احكامه مؤلفة منها. و يُعلم بقلة البول أيضاً.
ريح الكلية:
هو إحتقان ريح بسدد أو كثرة شرب أو غذاء بارد. و علامته: التمدد و النفخ مع قلة الوجع.
و علاجه: أكل الثوم و الزنجبيل و التضميد بنحو الشونيز و الجاورس و الخبز حارة.
ورم الكلية:
أما حار و علامته: الحمى المختلطة و الصداع و العطش و وجع القطن و الكلى و عدم القدرة على غير الاستلقاء. أو بارد.
و علامته: قلة الوجع و كثرة الثقل و التمدد.
العلاج: الفصد و شرب ماء الشعير و التمر هندي و الأسوقة و شراب البنفسج و الورد في الحار و الجلنجبين و بزر الكتان و البكتر في البارد. و كثرة الضمادات حتى ينفجر، و يعرف بسكون المرض و خروج المواد فيعالج حينئذٍ بما فيه إدمال.
ديابيطس:
يونانية معناه خروج الماء كما شرب كخروج الطعام في الإزلاق أما لسوء مزاج أو للهزال، و قد ذكر الكل، و يقال لهذا المرض ( (الدولابي)) لأن الماء كما يشرب يخرج و يزيد العطش فيحتاج إلى الشرب، و هكذا،
و علاجه: ما مر في النوعين.
أمراض المثانة:
منها سوء المزاج و الوجع و القروح و الحصى. و الكلام فيها كما سبق في الكلى في كل شي ء، لكن إذا خرق ما في بواطن الدجاج و خلط بقشر الكبر و رماد العقرب و شرب خصوصاً بلبن النساء فعل في المثانة أعظم من غيرها، و كذا الأورام غير أن علاجها هنا بالنطولات و الأطلية على العانة ناجب، و جميع أمراض المثانة المشترك بينها و بين الكلى علاماتها هنا وجع العانة و عسر خروج الفضلات.
حرقة البول و نذعه:
تكون أما عن ورم أو قروح و نحوها و قد مر، أو لحدّة البول بسبب حرارة المزاج و حرافه الخلط.
و علامته: خروجه مع الإحتراق
ص: 371
غير مصاحب لشي ء.
و علاج: هذا صلاح الأغذية و التبريد و شرب الأدهان و الألعبة. و من المجرب البطيخ الهندي و الموز و طبيخ السبستان و الزبد مخلوطاً بالنيمرشت و مرق الدجاج بالكسفرة الخضراء.
سلس البول:
يكون خروج البول فيه من غير إرادة فإن وقع أثر سقطة أو ضربة على الصلب فهو لزوال الفقرات أو إرتخاء الأربطة و إلّا فلأرتخاء العضلة و العصب و المثانة بافراط الرطوبات و البرودات إن كان البول أبيض و لا عطش و لا تلهب، و إلّا فلأفراط الحرارة.
العلاج: شد الفقرات وردها و التضميد بنحو المرسين و الكرسنة(1) و الطين القبرصي(2)، و في الثاني بالجوارشات الحارة و الفلافلي و الكموني و الثالث نحو الطباشير و الهندباء و حب الآس و الطين المختوم و البلوط و السنبل شرباً و ضماداً، و كذا السعد و السذاب في البارد و الإطريفلات مطلقاً، و تمزج في البارد بالحلتيت.
البول في الفراش:
كالسلس فيما مر و كثيراً ما يعترى الأطفال و الشيوخ، لضعف مزاجهم، و من يستغرق في النوم لفرط الرطوبة.
العلاج: ما مر في السلس لكن لإخثاء الغنم و الماعز و الديوك و قوانص الطيور مزيد فائدة هنا إذا شربت محروقة، و كذا التضميد بالآس و العفص و البخور بالحلتيت و قشر العدس و شرب عرف الديك مجرب.
إحتباس البول و تقطيره:
و أسباب هذا المرض كثيرة فإنه قد يكون عن جميع ما مر من أمراض الكلى و المثانة كورم و غيره.
و علاماته، و علاجه: ما سبق فإن خلا عن ذلك كله فسببه لحم ينبت أثر قروح في أعلى المثانة إن كان الثقل في الأعلى و إلّا العكس، و علاج هذا متعذر في الأصح و قيل: بالضمادات و الاحتقان في القبل. أو لإرتخاء العضلة إن سهل خروجه بالغمز. و علاجه: كسلس البول. أو لخلط حار إن كانت الحرقة في رأس
ص: 372
الإحليل، و الصبر على الوجع يسهل معه الخروج. و علاجه: ما مر في السلس عن حرارة. أو خلط لزج إن خرج الخام أو قروح إن خرجت القشور و المِدّة أو ريح إن ثقل أو تمدد أو ضربة إن تقدمت. و علاجها: الفصد. أو التشنج و يبس إن كان كثيراً لا يعسر خروجه بخلاف القليل.
و علاجه: الترطيب. و قد يكون عن ضعف الرحم و المقعدة و سيأتي. و ينجح في البارد الثوم و النعناع و السذاب و الكراث و الكراويا أكلًا و ضماداً و بالزيت، و في الحار القرع و البطيخ كذلك و سويق الشعير و الزعفران أيضاً. و في الخواص: دخول البق في الاحليل يحله، و كذا الزباد و الحلتيت و ألبان النساء زَرْقاً و أخذ كل مفتح مدر كالجوز و السلجم و الفجل و الكرنب و الأدهان و المروخات و الحمام. و في الخواص: أن البول على الرماد و الرمل يحبس البول و في الماء يجلب السلس. بول الدم و جموده يكون الأول عن إنفجار إن كان خالصاً، و ضعف الكلى إن كان كغسالة اللحم.
و علاج الأول: قواطعه كالشب و بزل السلق و الميعة و السنبل شرباً، و الأطيان مطلقاً.
و الثاني: ما مر.
و أما الجمود فقد يكون عن ضربة أو حمل ثقيل.
و علامته: برد الأطراف و النافض و صغر النبض و سبق الدم البول إلى الكمودة و التغير.
و علاجه: شرب الأنفاح و البسفائج و القرطم و كثرة الجلوس في الماء الحار.
امراض المقعدة:
الكلام في سوء المزاج و الأوجاع و الأورام ما مر غير مرة، لكن لدهن صفار البيض و مخ الجمل و اللاذن و الزعفران فائدة عظيمة هنا، و لورق البنج سحوقاً و الخشخاش بسائر أجزائه و الورد مطبوخاً بالشراب في الحار منها أجّلُ النفع، و في البارد رماد قشر الحنظل ذروراً و الصبر و العسل و شحم الدجاج طلاءً و البصل و الكراث مشوية بالسمن كذلك و الحلبة و البابونج نطولًا، و كذا أنواع الخبازي خصوصاً الخطمية.
ص: 373
و من المجرب: أن يطبخ البنج و قشر الخشخاش و الحلبة حتى تذهب صورتها و ينطل بمائها و يضمد بجرمها مع العسل في البارد و وحدها في غيره.
القروح:
تكون أما عن سوء مزاج أو جرح تقادم أو سحج، و قد عرفت الكل، و مما خص بها مطلقاً المرهم الأسود و دهن الورد أو الزيت إذا حك فيه الرصاص.
ثم القروح إن كانت نزافة رطبة.
فعلاجها: بكل يابس و قابض احترق كعفص و بلوط و آس و سمّاق و مرداسنج ذروراً و الصبر أكلًا و معجون الخبث و المقل. و إن كانت يابسة فبكل مليِّن كالمرهم الأبيض و اللعابات و الشحوم ثم إن تعفن القرح فنظفهُ بالماء الحار و ذر على السواد منه كل أكّال كالسمن و السكر و الزنجار حتى إذا أرضاك نقاؤه فأعطه المدمل كالصبر و المرتك و السندروس، و هذا قانون كليّ في علاج القروح.
خروج المقعد:
قد يكون أثر مرض أفرط حتى هزل البدن و ضعفت الأربطة، و هذا معلوم.
و علاجه: التسخين و أكل القلايا اليابسة.
و قد يكون لفرط الرطوبة و البرد.
و علامته: قلة الوجع و سهولة رجوعها.
و علاجه: الجلوس في المطبوخات الحارة و القابضة كالبابونج و الحلبة و الإكليل و السماق و العفص و ذر نحو الكحل و العدس المحرق و الشب.
و قد يكون عن ورم، و قد مر، و دهن القرع جيد و ماء الحديد شرباً و غسلًا و رماد البن ذروراً، و كذا العليق و شعر الإنسان.
الشقاق:
هو تغرز المقعدة.
و سببه: خلط حاد أكّال.
و علامته: سيلان الدم أو يبس البراز لادمان أكل الجافة أو الجلوس الطويل على السروج و الأخشاب أو يبس المزاج إن لم تسل المادة.
العلاج: التنقية و تليين المزاج و الترطيب بما مر في وجع المقعد كالمرهم الأبيض في اليابس
ص: 374
و الأسود في الرطب، و هذا المرض قد يبلغ في البلاد الباردة أن يقتل و لم نرَ له أصح من شحم الخنزير، فانه مجرب.
وصفته: أن يذاب و تبل به الفتائل و تدخل في المخرج حارة و يحتفظ من البرد و يكرر إن لم يبرأ.
و مما جربناه: أن يحرق رأس الكلب بجملته ثم يسحق مع مثله صبراً و يذر، فانه عجيب، و كذا شحم الدجاج و دهن البنفسج و الشمع و الأفيون و المر مرهماً، و رماد الصعتر مع الصبر كبوساً أو بصفرة البيض و كل دهن حك فيه الرصاص.
فوهات العروق:
و هو إنتفاخها نازفة بالدم أما لفرط امتلاء، أو لرداءة الكيفية و انقلابها حادة اكالة، أو لمخالطة ما احترق من باقي الاخلاط و تعلم بألوانها و الامتلاء بتقدمه. و قد تكون الافواه من ادمان الاغذية الحريفة كالجبن العتيق و الثوم و الخردل.
ثم الفوهات قد تكون ادواراً محفوظة كحيض النساء و ذلك مشكل جداً. و قد تكون مختلفة و هي اسهل، و ربما كان قطعها سبب الموت اذا بادر الطبيب الجاهل إلى سقى ما يقطع الدم أولًا.
العلاج: يجب العمل في صرف ما ينزف إلى مجارية الطبيعية بجذب المحاجم و فصد الاعالي و تقوية العروق مع هجر ما يولد الدم ثم قطعه بما اعد له، و من افضل ذلك قرص الكهربا، و ترياق الذهب جامع للكل و كذا البنجنوش.
و من المجرب شرب محلول اللؤلؤ، و من النافع جداً حجر اليهود و دم الاخوين و شمع مغلي سواء، مقل رماد الاسفنج من كل نصف، سندروس، ربع كندر، ثم تسف أو تلقى في النيمرشت، و كذا الطين المختوم مع ربعه شب و فتائل الافيون.
و صنعتها: أن تعجن الافيون بثلاثة امثاله شمعاً و يحل منه اليسير فانها مجربة، و كذا الكافور.
البواسير:
زيادة تكون على جوانب المخرج عن الحرارة الغريبة في المادة السوداوية، فإن قلت و صلبت كان الكائن اجساماً صغاراً صلبة تسمى ( (الثالولية))؛ لشبهها بها أو كثرت مع الصلابة استعرضت تلك الأجسام
ص: 375
و استدارت كالعنب، و قيل: لهذه العنبية كذلك، أو مع الرخاوة و اللين لغلبة الرطوبة تخلخلت تلك الأجسام الكائنة محمرة، و يقال لهذه ( (التوتية))؛ لشبهها به. و كل من الثلاثة اما داخل أو خارج و كل من الحاصل اما نازف الدم أولًا، و يقال له الصمم و العمى.
و علامة تولد البواسير: بياض الشفة و تقشفها و صفرة اللون و الخفقان و سواد اللسان و ضعف القوى و ثقل المقعدة و خروج البراز قليلًا.
العلاج: يفصد في الاخيرين و في النزافة مطلقاً، و تلطف الاغذية و يهجر كل حريف و مالح و حامض و ما يولد السوداء، أو البواسير بخصوصها كلحم البقر و التمر و الباذنجان و العدس، و ينقى البدن بشراب الفاكهة و طبيخ الافتيمون و سفوف اللؤلؤ(1) و حب اللازورد أو الحجر الارمني ثم معجون الخبث أو حب المقل. و في قطعها بالحديد خطر، و قد يعتاض عنه بربطها بالشعر حتى تسقط أو بالدواء الحار كالديك برديك(2)، و ربما سقطت بالبخور بالرازيانج و الكباريت و المر و قشر أصل الكبر و الآس و العفص، و سلخ الحية مجرب، و كذا الطرفاء و بزر الكراث بشرط أن يكون البخور بنار بعر الجمال و أن يدهن المحل قبله بما تيسر من المرارات و الزباد. و الطلي برماد الكرم جيد مع الصبر و عصارة الكراث. و اذا طبخ الخنافس و الوردانات و بزر قثاء الحمار حتى تتهرى و دهن بها ثم أصبح قاطراً على سمن البقر و غسل المحل بطبيخ الكراث و السعد عشرة ايام كذلك بري عن تجربة. و الضماد ببزر الفجل و رماد نوى التمر و الاهليلج مدقوقة مع ورق النعناع الاخضر و النطرون معجونة بالعسل نافع شرباً و حمولًا و طلاءً.
و في الخواص: من جاء إلى شجرة كبر كل يوم قبل طلوع الشمس و عند الغروب يقول لها انت باسور فلان بن فلانة فانها تذبل و يسقط معها الباسور.
ص: 376
النواصير:
قروح غائرة تمتلئ و تنفجر كالغرب و قد تنعقد فيخرج الريح و النجو من اغوارها، و علامات كل معلومة.
العلاج: تنقية المادة أولًا واخذ ما يجفف بعد ازالة المواد الفاسدة ثم تحشى بأشياف الغرب و النافذ بخرم و توضع عليه الاكالة حتى يتساوى فيدمل، و فيه خطر، و يكثر التضميد بالصبر و اللوز المر و العنزروت و الراوند و كذا الآس و الجلنار، و قد تكون الحكة في المقعدة مقدمة للنوعين المذكورين فيبادر إلى الفصد و تنقية الاخلاط البورقية و شرب طبيخ السبستان و العناب، و الطلي بما مر و بعصارة مجموع اجزاء الرمان، و قد يحدث اثر الباسور و الناصور ريح تضاف إلى احدهما ترتفع إلى الدماغ تارة و تنحط و تحدث قلقاً و كرباً و وجعاً في الظهر و المقعدة و تسقط الباه.
و علاجها: ما ذكر، مع الإكثار من شرب ما يحلل الريح كبزر الكرفس و الانيسون و القردمانا مطبوخاً بالعسل و التمريخ بالادهان الحارة.
الابنة:
انحلال مادة بورقية في عروق المقعدة تلذع و تدغدغ فيسحق بسببها الشرج حتى يصير كاللحم القروحى يستلذ العبث به، و قد اجمعوا على انه مرض موروث و قد يوجبه الفعل أولًا؛ لاختلاف الماء في الحرافة و نحوها و تنعكس في صاحب الشهوة من القضيب إلى المقعدة، و تقع غالباً في المؤنَثين، و من أكثر من مارسة ذوي الزينة كالصبيان و النساء. قالوا و علامتها، القحة و اللين و عدم نضارة الوجه و ذبول الشفة و غلظ جلد الوجه و كبر العجز.
العلاج: يجب شرب ما يخرج الاخلاط الحريفة مثل اللازورد و الغاريقون و الصبر و المصطكى و القرنفل باللبن الحليب. و من المجرب في اذهاب الابنة هذا المعجون.
و صنعته: غاريقون عاقرقرحا سُعد من كلٍ جزء، تربل سنا ورد منزوع من كلٍ نصف، لوز مر ربع، تعجن بالعسل، الشربة منه أربعة مثاقيل بماء العناب و النعناع، و يحقن بماء
ص: 377
السمك المالح عشرين مرة.
و في الخواص: أن رماد شعر فخذ الضبع الايمن يزيلها حملًا و طلاء، و التوتة كالبواسير و الاسترخاء كبروزها مطلقاً. أمراض اعضاء التناسل
فاشرفها القضيب و الانثيان، فلذلك يقدمها الأكثر وعدوا منها ضعف شهوة الباه و نقصانه، و لست اري ذلك؛ لأن نقصان الباه عندي من الامراض العامة. لكن قد جرت العادة بذكره هنا. فلنقل فيه قولًا شافياً ملخصاً جامعاً للغرض الاقصى:
قد سبق القول في احكام النكاح في الكليات و كيف ينبغي أن يقع مطلقاً فراجعه.
ثم اعلم: إن ضعف الباه قد يكون عن افراط الكبر و هذا لاعلاج له، و قد يكون عن مرض اجحف بالبدن، و هذا معلوم علاجه، و قد يكون عن توالي جوع وصوم و سوء معيشة و قلة غذاء يولد الدم و لبس كل مهزل كالخشن من الشعر و نوم على نحو الحجر، هذه الأسباب العامة. و من اقوى قواطع الشهوة ترادف الهموم و الكدورات النفسية. و قد يكون لميل النفس إلى الزهد و الخلوة و تفكر امور الآخرة و لرغبتها في التوحش، و تارة يكون لكراهة من يجامعها اما لقبح الصورة أو لكثرة الممارسة كالملل من طعام كُوثر اخذه، فقد وقع اجماعهم على انه لا شي ء ادعى للشهوة من تبديل النساء، و لا شك أن علاج ما كان من احد هذه المذكورات قطعه فاذا زالت هذه و ضعف الباه موجود، فإن كان خلقياً فهو العنة و لا علاج لها أيضاً و إلّا فإن كان لتشويش عضو رئيس عولج ذلك العضو أولًا.
و علامة الكائن عن الدماغ: تشويش الفكر و نقصان اللذة و وجود التخيلات عند الانزال و بعده، و الكائن عن القلب الخفقان و الرعشة و الكائن عن الكبد الاسترخاء حال التلبس و نقص أن الماء و ما تركب بحسبه و إلّا فالضعف في نفس الآلة، و هذا هو المقصود بالمقويات عند اطلاقهم، و لعدم هذا
ص: 378
التفصيل و الاحاطة به لم يكد ينجح علاج في هذا المرض، و حينئذٍ يجب النظر في هذا الضعف فاما أن يكون عن يبس المزاج.
و علامته: قلة الماء و عسر اندفاقه و الغلظ، أو برده.
و علامته: الغلظ و الكثرة، أو حرارته، و علامته: سرعة الخروج مع الرقة، أو لقلة ما ينفخ الاعصاب، و علامته: وجود الانتشار عند الهضم أو لاحتباس اخلاط باردة في نفس القضيب و علامته: أن لا يتقلص بالماء البارد و غالب حقن هذا الباب و مسوحاته لهذا النوع، أو لتوهم و حياء من المجامع، أو اعتقاد السحر و الرباط المشهور، و لا علاج لهذا سوى دفع المتوهم بالمقدمات الشعرية و المغالطة بما لا أصل له من جنس اعتقاده، أو لطول العهد بالجماع فتعرض القوى عن توليد الماء كما تعرض عن توليد دم الحيض ايام الرضاع، و هذا يحتاج مع الادوية إلى الحكايات المشتملة على النكاح و وصف المحاسن و الغنج و النظر إلى سفاد الحيوان(1) و ملاعبة النسوان و الاكثار من الملاهي و السرور، فاذا تمت هذه قوى ذلك بادمان الاغذية الجامعة للحرارة و الرطوبة و النفخ مثل اللحم و الحمص و البصل و صفرة البيض و انواع الجوز و اللوز و الفستق و الهرائس و الالبان بالسكر و العسل مجموعة و مفردة و الادوية كذلك، فنلخص منها ما صح الاختبار و التجربة فنقول:
قد وقع الاجماع على اتخاذ الاغذية و الادوية الباهية في اشتراط الثلاثة السابقة، و قالوا: انها لن تجتمع هناك في مفرد سوى الحمص و قد صححت كون القلقاس(2) و التمر كذلك، بل ربما كان احدهما اعظم؛ فلذلك لن تجتمع هناك على ما قالوه في سوى الزنجبيل. و فيه نظر.
ثم الادوية اما متناولات أو مسوحات أو حقن، و كلها اما خاصة بالرجال أو النساء أو مشتركة، فهذه أصول التقسيم و قد فصلنا كلا في الاصل على حدته، و ها نحن نذكر ما عظمت فائدته من غير الالتفات إلى تمييز ما ذكر حذراً من التطويل، فمن المجرب و اشار إليه الشيخ، حيوان
ص: 379
على صورة الانسان يخرج من عين بقريه تسمى تول من اعمال الثقيف من الشام بشهر اشباط يعني ( (امشير)) يركب بعضه بعضاً، و على اشداقه زبد حبة منه تقيم بعد اليأس، و اعماله في ذلك لا يمكن وصفها فاذا طبخ لحمها و شرب فعل، و لكن دون ذلك ويلي هذا الاسقنقور(1) بمصر، و المعتمد على ما حول سرته يؤخذ و يركب في الادوية. و صفة معجونه: زنجبيل حب صنوبر من كل جزء، بزر جرجير بزر جزر بزر سلجم من كلٍ نصف، خولنجان عود هندي فستق شحم الاسقنقور مقلو في الزيت، مسحوق لب قرطم فلفل أبيض زراوند ابخرة زعفران من كلٍ ربع، تسحق و تعجن بثلاثة امثالها عسلًا و ترفع، الشربة منه خمسة. و يليه معجون الفلاسفة و يسمى ( (مادة الحياة))، و هو من التراكيب النافعة للمشايخ و المرطوبين و من استولى عليه البلغم.
و صنعته: فلفل و دارفلفل دارصيني زنجبيل حصا لبان بليلج املج شيطرج زراوند مدحرج بابونج حب صنوبر، هذه اصوله القديمة، و قد زيد فيه سمسم مقشور خبث حديد ابخرة قشر اترج اجزاء سواء، يعجن كما مر، و زاد بعضهم خصى الثعلب و العود و جوز هند و عنبر و مسك يعجن كما مر. و من التراكيب المجربة ترياق الذهب و البنجنوش، و قد تقدمت صفة معجون يزيد الشهوة و الماء و يخصب و يبطئ بالانزال و يهيج و هو من تراكيبنا المجربة.
و صنعته: عصارة الحسك و بصل أبيض من كلٍ رطل تجمع و يبل فيها رطل من الحمص ليلة ثم تصفى و تمزج بمثها لبن نعاج و يحل في الجميع ثلاث اواق ترنجبين و يصفى و يسقى بالعسل شيئاً فشيئاً، فاذا استوعبها رفع، ثم يؤخذ يدقيق حنطة حمص حلبة سمسم لوز بندق بزر خشخاش من كل اوقية زنجبيل قرنفل دارصيني بزر جرجبير و لفت و جزر و عود هندي من كلٍ ستة دراهم، قشر بيض نشارة قرن الثور و احليله الجاف من كلٍ أربعة، عاقرقرحا زرنب مصطكى قسط من كلٍ ثلاثة
ص: 380
تنخل و تعجن بالعسل المذكور، الشربة منه ثلاثة. و من المجرب شرب البادزهر و أكل مربى الجزر و شرب الترنجبين و الخولنجان باللبن.
صفة دهن يقوي الانعاظ و يهيج الشهوة و يشد الظهر و يزيل اوجاعه مجرب: فربيون قسط عاقرقرحا من كلٍ جزء، فلفل حب غار أصول نرجس من كل نصف، تطبخ بعشرة امثالها زيتاً حتى يبقى النصف و يطلى به الظهر و المذاكير.
و اما الحقن: فالعمدة فيها هنا على مرق الكوارع و الرءوس و الدجاج مفوهة بما ذكر. و لشرب حب الشونيز و دهنه في الدهن منه العجب خصوصاً مع الزيت و العسل.
و في الخواص: أن قلب الهدهد و دماغ العصفور والديك إذا اكلت معاً هيجت تهييجاً قوياً، و كذا الجرجير مع مثله نارجيل و نصفه عاقرقرحا إذا عجنت بالعسل و استعملت صباحاً و مساءً.
و مما شاع في هذا الباب عمل اللبانات: فاشهرها اللبانة الطولونية.
و صنعتها: اوقية و نصف قشر بلادر مقرض كالسمسم عشر كندر يسحق و يغمران معاً بدهن البطم(1) على نار لينة حتى تصير كالعلك، فيضاف إلى كل عشرة منها دانق سقمونيا، و ترفع إلى الحاجة فيجعل في الفم منها درهم و يمضغ، فلا ينزل حتى يلقيه.
و متى حل الكندر و المصطكى و قليل الصبر على النار في اناء و ذلك الاناء في الماء ثم استعمله كان عجبياً.
و في الخواص: من نقش على المرجان في شرف المريخ قرداً قائم الاحليل ممسوكاً باليد الشمال رأى منه عجباً، و اشتهر هذا على الكهرب فجربناه فلم يصح.
و اما ما شاع في تعظيم الآلة فلم يصح منه شي ء إلّا ما فيه ذكر الحمار بأن يؤكل أو يطبخ معه القمح و يعلف به الدجاج و يؤكل أو يهرى في زيت و يشرب و يمرخ، و كذا المعلق، و لصق الزفت السائح بالزيت بعد غسل الذكر بالماء الحار و دلكه بخرقة خشنة كل يوم، و يعيد العمل مدة
ص: 381
اسبوع قبل الجماع، و لصق الزفت و الشمع ممزوجين به دم الاخوين و البورق و الانزروت.
و تجب الراحة على مكثري الجماع و النوم و الحمام و شرب مرق الدجاج باللوز و الحمص و السكر.
المذي و درور المني:
المذي ماء يقرب من المني إلّا انه لم يدبق باليد و يخرج عند الملاعبة من غير ارادة، و الوذي دونه في الرقة و يخرج بعد الجماع كذلك، و الودي بالمهملة رقيق جداً يخرج بعد البول، و قيل العكس. و المني ماء رقيق كالعجين يدبق و ينعقد إذا فرك في الهواء أبيض ناصع في الذكور مائل إلى الصفرة في النساء لا يخرج دون لذة و تدفق في صحة اصلًا.
و هذه الأربعة متى كثر خروجها دون ارادة فلافراط كيفية أو خلط، و تعلم بالغلظ في البارد و الرقة في الرطب و الاصفر في الصفراء و الكمد في السوداء و هكذا، أو لامتلاء و طول عهد بالجماع و توالي اغذية منوية، و تعلم بكمية الخارج، أو لفساد أوعيتها و تعلم بما مر.
العلاج: يبدأ بالتعديل و اصلاح ما فسد و تقليل الغذاء إن كان منه، و كثرة الجماع إن كان عن قلة و تبريد الحار بنحو بزر الخس و الرجلة و الحي العالم و الطباشير و البلوط، و يسخن البارد بنحو السذاب و السعد و السنبل و السوسن و القسط، فهذه مقللة إن قلّت، قاطعة إن كثرت.
سرعة الانزال:
إن استند إلى ضعف عضو شريف رئيس فعلاجه علاجه و قد مر تمييز ذلك و إلّا فالاغلب أن تكون السرعة من البرد و الرطوبة.
و علامته: كثرة ما يخرج.
و قد يكون عن افراط حر. و علامته: اللذع و الحدة ورقة الخارج و قلته.
العلاج: ينقى الخلط الغالب ثم يستعمل معجون الفلاسفة و الانوشدار(1) و جوارش الفلفل، و المحرور شراب الآس و النعناع و معجوم الطين الرومي و النجاح، و اما البنجنوش و ترياق الذهب فمن مجربات هذه العلة مطلقاً.
ص: 382
و اما كثرة الشهوة فمثله علامات و علاجاً، و كذا الاحتلام، لكن في الخواص: أن البنجنكشت(1) من نام عليه لم يحتلم و كذا صفائح الرصاص إذا شدت على الظهر. و من الحيلة في دفع الاحتلام أن لا ينام على الظهر.
قريسموس:
يونانية معناها دوام انتصاب القضيب من غير شهوة.
و سببه: انقلاب المني و ما في اوعيته من الرطوبات ريحاً غليظاً انفاخاً لتقدم امتلاء و غذاء منفخ و كثرة نوم على الظهر، و هذه العلة إن اختلج معها القضيب فتولدها فيه و إلّا فهي واردة عليه من غيره.
و العلاج: يبدأ بالتن قية كالفصد ثم الطلاء بما يردع المادة و يحللها كبزر الكرفس و السذاب و العاقرقرحا و الفربيون و الطين الارمني و العفص و البلوط، و كل المدرات نافعة في ذلك.
عاقوبا:
مثلها في المادة و العلاج، لكنها لا تكون إلّا باردة و يكثر فيها تمدد القضيب و اختلاجه، و ربما احتيج إلى حجمه أو ارسال العلق عليه.
العظيوط:
هو من يقارن انزاله براز من غير ارادة.
و سببه: مزيد الافراط في اللذة فترتخي عضل المقعدة بما ينحل إليها من الرطوبات.
العلاج: يغذى بكل يابس كالقلايا و الكعك و يعطى ما يجفف من الادوية كمعجون الخبث(2) و الافلونيا(3) و معجون السنبل و يجامع على الخلاء بعد تعاهد البراز.
امراض الانثيين و القضيب و الاورام:
كما مر في غير موضع اما حارة يلزمه الحمى و الوجع و الانتفاخ و الحمرة أو صلبة تعلم بالجس فإن كمدت فعن السوداء أو بالعكس.
العلاج: الفصد في الحار ثم التبريد و القي ء في البارد أولًا ثم الوضعيات، و اجودها في الأول نحو الاسوقة و الالعبة، و في الثاني مثل المقل و الزعفران و الشحوم و دقيق الحلبة و رماد نوى البلح ضماداً.
القروح فيها و تسمى ( (المذاكير)):
و هي قروح في احد هذه المحال، و تنقسم كما مر، و علاجها كذلك، لكن يعتني هنا بمزيد الغسل و التنظيف ثم
ص: 383
الوضعيات، و اجودها أن يغمس الصوف في القطران أو الزفت و يحرق و يجمع مع مثله من السندروس و الصبر و يطلى وحده الرطبة و لبن النساء على اليابسة، و يليه الشب المحروق و رماد القرع اليابس و ما ركب من الشمع و الشحوم و الافيون، و بياض البيض عجيب، و كذا المرداسنج، هذا كله حيث لا ورم و معه يبدأ بتحليله كما مر. و قد ثبت أن النعناع و دقيق الفول و الحمص و الزبيب الاحمر و الكمون رأس كل محلل نافع في هذا المحل، و كذا سحيق نوى التمر مع نصفه من بزر الخطمي.
و في الخواص: يشترط من الأول عشرة و الثاني خمسة في الطلية الواحدة، و فيها أن الفوة تحلل الاورام تعليقاً. و مع الوجع يكاثر من شرب ماء الخطمي و بلع الصبر و الطلاء بهما مع مرارة الثور. و فيها أيضاً أن الكسفرة الخضراء تحلل الاورام و القروح حارةً كانت أو باردة.
العظم:
قد يعرض لا لورم بل لخصب و خلط بين الاغشية فمع الاوجاع حار.
و علاجه: بالاطيان و الالعبة و حكاكة الرصاص و البنج و الكسفرة الرطبة، و دونها بارداً.
و علاجه: بالشوكران و العسل و المصطكى و المر طلًا، و كدهن القسط و النفط مروخاً و ماء الحمص و الفول نطولًا.
التقلص و الارتفاع و الصغر:
تعرض هذه الامراض للانثيين حيث يستولي البرد على مزاجهما فيصغر و ربما ارتفعا و غابا فأوجبا عسر البول و عدم الانزال.
العلاج: التسخين بنحو الخرق و الادهان الحارة كالقسط و البابونج واخذ معجون الحلتيت مع كثرة تناول الامراق المبزرة المفوهة.
الدوالي الخاصة بالانثيين:
عروق ملتفة إلى الصفرة و كثيراً ما تعرض في الشمال للبرد في الجبهة و زيادة العرق في الخصية و ستأتي الدوالي.
ارتخاء جلدة الخصية:
كثيراً ما يطول هذا الجلد عن الحد؛ لاستيلاء الرطوبة.
ص: 384
و علاجه: وضع القوابض كالعفص و الكحل و السماق و القرظ و الرمان فإن لم تفد قص و خيط و عولج كالجراح و لا ضرر فيه.
الحكة:
إن كانت زائدة بودر إلى الفصد و إلّا اقتصر على التنقية و الاطلية و الماميثا. و لماء الكرفس خصوصية هنا، و سنستوفي احكام الحكة.
اعوجاج القضيب و انسداده:
يكون ذلك اما لقروح و حدَّة اخلاط. و علامته: الوجع و الحرقة.
أو لخلط لزج، و علامته: عسر البول بلا وجع و ربما خرج الخلط مع البول.
العلاج: يلازم الأيارج و ماء العسل و الطلاء بالشحوم و الادهان و يشرب الشب مع الكثيراء متبوعاً بما ينفذه كماء البطيخ الهندي و الشعير و العسل.
الفتوق:
و تسمى القرو و القيلة و الأدرة و قيل: القرو الماء، و القيلة اللحم، و الأدرة نزول الثرب، و الفتق يعمها.
و بالجملة فهذه علة رديئة عسرة تكثر في البلاد الرطبة.
و اسبابها: كثرة الامتلاء و الشرب و الجماع و الحركة قبل الهضم، و قد تكون عن صيحة و وثبة و حمل ثقيل.
ثم هي اما من نفس المعي. و علامته: أن ينفتق و يظهر أولًا قريباً من السرة ثم يزيد و تتحول إليه الفضلات شيئاً فشيئاً و اذا غمز عاد بعسر و وجع و قولنج.
أو نفس الثرب. و علامته: أن يرجع حال الاستلقاء بنفسه و في غيره بالغمز دون ألم و لا قراقر.
و قد يكون ريحا.
و علامته: الخفة و القرقرة و الطلوع و النزول بسرعة.
و قد يكون ماء. و علاماته: الثقل و بريق الجلد و العروق و الزيادة المتصلة و أن لا يصعد.
و قد يكون عن مادة غليظة، و هذا هو اللحمى؛ لانعقاده إذا لم يتدارك.
و علامته: الكبر و الصلابة مع سلامة الثرب، فهذه اقسام هذه العلة من غير زيادة. العلاج: لا شي ء لمبادئ الفتق مطلقاً اولى من الجوع و قطع الأسباب السابق ذكرها و شد البطن و تقليل الشرب و المرق و الجماع
ص: 385
و النوم على الوجه، ثم يبادر إلى الكي في الثرب و المعى و يتناول بعده كل شي ء محلِّل مجفف كالبنجنوش و الفلاسفة و جوارش الفلفل و الماء، إن كان من عرق معلوم فالكي أيضاً، و إن كان رشحاً، فالصحيح انه لاعلاج له، و كلما فصد عاد، لكن قد يتحول في الامزجة الحارة حاداً و يرشح من الصفن فيسهل حينئذٍ.
و اما اللحمّي فقبل انعقاده يضمد بالمحللات الحارة و القي ء.
و اما الريحي فلا مطمع في ازالته على الاصح، و لكن يجفف بهجر المنفخات كالفول و اللبن و الإكثار من كواسر الرياح كالفلاسفة و الكمون و جوارش الملوك.
و من الحيل العجيبة الخفية أن يبادر في أول الفتق فيخرق الصلب من الأذن مما يلي الخد و يدخل فيه خيط و يحرك كل يوم مع الدهن بالزيت المطبوخ فيه الجندبادستر و يشرب العنبر، فانه مجرب، و كذا يسقى المغناطيس أولًا، ثم الموميا و الصمغ و خبث الحديد ثانياً، فإن الدواء ينجذب إلى مواضع الفتق. و النبات المعروف بأذناب الخيل(1) يلحمه شرباً على ما تواتر و جميع أنواع الغراء. و العفص و السرو و الصبر و الأقاقيا و السعد و أنواع الطين و المر و الآس و الباقلاء المسلوق و بزر القطونا المدقوق و الزفت و القار إذا جمعت أو ما تيسر منها و أحكم رد الثرب و شد و استلقى العليل أياماً لا يتحرك بعنف يؤثر تأثيراً صالحاً.
امراض الرحم:
اشاره
الكلام في سوء مزاجه و اوجاعه ما سبق في غيره.
و علامته: هنا أسهل فإن الحار يعلم بمزيد الحرارة و قلة الطمث و الكرب و الخفقان، و الرطب بسيلان الرطوبة و اللين و كثرة الاسقاط مع سرعة الحمل، و متى وقع الإسقاط قبل النفخ فمن إفراط الرطوبة، و بعده فمن ضعف الأربطة و الأعصاب، و عكس المذكورات علامات المتروكات. و قد يكون الوجع لكثرة الجماع أو لكبر الآلة. و تعلم هذه الأسباب التي مرت.
ص: 386
العلاج: يبدأ بالفصد في الحار و سقي المبردات، فإن لم يسكن حقن الرحم بنحو ماء الهندباء و الشعير و مرق الدجاج و السمن و الشحوم و الألعبة، و تسقى في البارد ما غلب، ثم احتقن بماء العسل أو اعطي الفرازج المحللة المتخذة من اللاذن و الزعفران و أظفار الطيب و الشونيز و الحلتيت و الجندبادستر مجموعة أو مفردة بالسمن أو دهن اللوز و العسل، و كذلك النطول و الجلوس في طبيخ الحلبة أو الغار أو البابونج. و إذا كان هناك ورم فالعلاج، و كذا باقي الأحكام.
لكن ينبغي أن تعلم أن الاورام هنا صلبة غالباً و حارة و أن النخالة و السبستان بمدخل عظيم هنا، و كذا الكرنب مطلقاً، و لشحم الدجاج و الشيرج و الزفت حمولًا و لصقاً فعلًا عظيماً.
و مما جربته لسائر أمراض الرحم هذه الفرزجة. و صنعتها: أشق جندبادستر من كلٍ نصف درهم عنبر نصف قيراط، تحل في ماء السذاب في البارد و لعاب البزرقطوناً في الحار و تحمل.
الاختناق:
علة شبيهة بالصرع في النوائب و الأفعال.
و سببها: مني يحتبس في الأوعية فيعفن و يرقى عنه بخار إلى الدماغ أو دم كذلك. و علامته: وجع في السرة و ما تحتها أولًا ثم سقوط شهوة و خفقان و اضطراب في الساقين و صفرة لون. و قرب النوبة تشتد الأعراض المذكورة و يأخذ الذهن في الاختلاط و يزيد الكرب و القلق و سواد اللسان و الصداع ثم تسقط مضطربة مع عدم الزبد و بقاء بعض الشعور، و بهما تفارق الصرع.
العلاج: إن كانت متروكة فلا علاج لها إلّا النكاح خصوصاً البكر فإن البكارة مانعة من البرء، و إن كان الحيض محبوساً فالعلاج إدراره و وضع المحاجم على الفخذين و الأرنبة و فصد الصافن و المخرج و إدخال الاصبع لدغدغة فمه
ص: 387
بالأدهان و العطريات. و في حال النوبة تشم ما كره ريحه كالحلتيت و الجندبادستر؛ ليهرب الرحم منها، و تحمل نحو المسك و العنبر فانها تشتاق إليها طبعاً و تنحل إليها شوقاً فتستفرغ ما فيها. و مما ينفع منه أكل الأرز و الجلوس في مائه، و كذا السذاب و شم الخردل و احتمال الزباد(1) و البخور بنحو شعر الماعز. قالوا و إذا علت المرأة الرجل في الجماع برئت من الاختناق. و مما يخلص منه الأرجومة و الجلوس على نحو الكراسي و النزول في نحو السلالم و ما شاكل ذلك.
و مما يوقع المرأة فيه الجماع بلا ملاعبة و النزع قبل قضاء شهوتها و التفكر و السحاق. و يجب لمن ارادت الخلوص منه لزوم الايارج الكبار و المثرود و المسك.
البروز:
تكون اما من سقطة أو عسر ولادة أو خوف شديد أو انصباب رطوبات. و علامته: وجع العانة و ما يليها و ظهور النتوء.
العلاج: تستفرغ الرطوبات بما أُعد لها ثم الجلوس في طبيخ القابض كالآس و العفص و السماق و التضمد بها خصوصاً السرو و البلوط و دقيق الحلبة و الشعير.
القروح:
اسبابها هنا كثيرة و تؤخذ من علاماتها و ما يخرج منها، فإن كان كالدردي و المادة فخراج انفجر، أو دماً اسود كريهاً مع وجع فخلط مراري تآكلت منه العروق، أو كغسالة اللحم فقرحة وسخة، أو مدة بيضاء بلا رائحة فقرح نقي، أو دماً أحمر فانهاك عرق أما بنحو طربة أو سوء ولادة.
العلاج: يحقن الخراج بماء السكر ممزوجاً بدهن الورد أو البنفسج و الصديد و التأكل بماء الشعير و العسل، فإذا جفت المواد فاحتل على دخول المراهم و لو مع الحقنة خصوصاً الباسليقون و اجلس ذات الفسخ و الانتهاك في طبيخ الشب و العفص و قشر الرمان و لسان الحمل و الآس، و يعرف هذا بماء القمقم.
و من المجرب لشد الرحم و اصلاحه غاية الاصلاح الاحتقان فيه نافع بماء لسان الحمل و الآس و دهن البنفسج ثم تعطيره بنحو المسك و العنبر
ص: 388
و تبخيره من قمع باللاذن و الصندل و اقراص البرمكية و الزباد و الحقنة باللبن الحليب جيدة و صفار البيض مع الحناء حمول نافع.
احتباس الطمث:
إن كان عن نهوك البدن بنحو جوع و مرض.
فعلاجه: الأغذية الجيدة، أو تعب جفف الدم فالراحة، أو سمن مفرط فالتهزيل، أو مرض عضو و نحو ورم. فعلاجه إزالة السبب و إلّا فهو سوء المزاج.
و علامة الحار: تغير اللون و الكرب و الخفقان و ثقل ما يلي العانة و انتفاخ العروق و إلّا فالعكس.
العلاج: حجم الساقين و فصد الصافن قرب النوبة و سقي المدرات و الجماع، و اجودها الكرفس و الكراويا و اللفت و الجزر و الفجل و البصل و الحمص اكلًا و شرباً و حمولًا و جلوساً في طبيخها، و كذا الفوة و السمسم مع شي ء من الحلاوات.
و مما يسهل الحيض التغميز و الدلك بالادهان و شرب الحلبة و بزر الهندباء و احتمال الحلتيت.
الادرار و السيلان:
و يعبر عنه النزيف، و هذه العلة إن كانت لافراط الامتلاء فلا علاج لها ما بقيت القوة و اللون لإستغناء البدن عن الخارج و إلّا عولجت إن كانت عن باسور و قرح و نحوهما بما لذلك السبب.
و إن كانت عن سوء المزاج و إفراط خلط ما. و علامته: ظهور لونه في القطن إذا جف.
و علاجه: تنقية ذلك الخلط و إصلاح الدم واخذ قواطعه كالكهرباء و السندروس و الطين المختوم و كذلك الأرمني و رماد قرن الثور و المر و الخولان شرباً و حمولًا.
و من المجرب: إنجبار جزء سماق نصف كسفرة ربع يطبخ بالغاً و يشرب مراراً. و من الفرازيج المجربة: حكاكة الرصاص في ماء الكسفرة يعجن بها كبريت و بزر التفاح و يحمل. و إذا عجن الأفيون بثلاثة امثاله شمعاً و حمل منه يسير قطع وحياً.
و كما يسيل الدم على الوجه المذكور كذلك يعرض للأرحام أن تسيل رطوبات تجتمع فيها أو تنجلب
ص: 389
إليها من سائر البدن.
و علامة الأول: لزوم حالة واحدة في اللون و غيره و قلة نقص القوة. و الثاني: بالعكس.
و سبب ذلك: تعالي المرطبات و الامتلاء و غلبة أحد الأخلاط، و تعلم بلون الخارج.
العلاج: يستفرغ الخلط الغالب بما هوله، ثم ينقى الرحم بالجواذب من حقنة و فرزجة؛ و اجودها المر و شحم الحنظل ثم الكمون و الزيت ثم السعد و السنبل و الزعفران، و كذا شرب الأنيسون و السنبل و الراوند و ماء العسل.
الصلابات و السرطانات:
تكون عقب الاورام غالباً فيجب و يضيق فمه ثم يقل إحساسه و يبدأ فيه الوجع فقد يقرح و تسيل منه رطوبات فاسدة، و ربما تولد فيه على شكل السرطان بعروق كالأرجل، و قد يتحرك.
و علامته: الشريان و اختلاط العقل و الإحساس بالثقل و الصلابة.
العلاج: يبدأ بالفصد و تنقية السوداء و قد يقطع إن امكن و متى سال فلا برء و انما يحتال على تسكينه بالجلوس في المياه الحارة و الحقن المشتملة على الكراث و الخزاما و الحلبة و الخطمي. و من المجرب اللاذن و الزفت طلاءً و حمولًا و الميعة مطلقاً و كذا الكراث.
و في الخواص: أن الخزاما تصلح القروح و الارحام لمن تعاهدت استعمالها خصوصاً عقب الدم و لو بخوراً.
العقر يختص بالاناث و العقم بالرجال:
و قيل باطلاق كل على كل، و هما عبارة عن عدم الإحبال، فإن كانا جِبلّيين فلا علاج لهما و الا عولجا بعد النظر في الأسباب، و هي كثيرة في هذه العلة قد أوصلناها في التذكرة إلى نحو مائة سبب؛ لأن عدم الحمل قد يكون لطول الآلة فيصب الماء داخل معدن التوليد و بالعكس فيضمحل، فكبرها يقلص الفرج فيزلق الماء، و قد يكون لوجود ما ذكر من جهة المرأة، و قد يكون لاتفاقهم في اليبس فلا يتمدد الماء كما في البغال، أو الحرارة فيحترق و عكسهما فيسيل، أو يجمد و يعلم كل بعلامات الامزجة فتظهر في جميع البدن أن عمت و إلّا ففي
ص: 390
المحل، و لا علاج لهذا إلّا التعديل. و ربما لم تظهر النتيجة إلّا بالتبدل. و قد يكون لفساد الماء و يعلم بخفته على وجه الماء و تغيره عن الثخانة و البياض، أو لمرض احد الاعضاء، فاذا تصفحت هذه الأشياء حسن بعد ذلك اعطاء ادوية الحمل، و ربما كان المنع لسبق احدهما بالانزال فيفسد قبل الالتئام، فهذه أصول الأسباب المانعة.
العلاج: يسخن البارد و بالعكس و كذا الآخرين بعد التنقية. و من علامات غلبة الحر سخونة المحل و كثرة الشعر و دوام الطمث و سواده و غلبة اليبس و تقصيف الشعر و قلة الدم و قحولة الجلد، و بالعكس في الباقي.
و من الموانع افراط السمن في المرأة لضيق العروق بالشحم، و ربما استدلوا على منع الحبل بتجربة الماء كما مر.
و في الخواص: إذا تبخرت المرأة بمثقال من اللاذن فإن طرقها القيام إلى الحاجة عقبه فليس منها عاقة و اذا انخست الثوم بالابر و احتملته فظهر ريحه من فمها بعد ساعة فليس منها منع. و من جمع بين سبع حبات من كل من الحنطة و الشعير و الفول في طين خالص وبال على ذلك فإن نبت فليس منه منع.
و حاصل الأمر: أن هذه العلة كما ذكرنا كثيرة الأسباب و انها راجعة إلى تعديل الامزجة و المحل فإن أكثر الناس ولادة من كان بين مزاجيهما تضاد فإن كان الذكر احر كان غالب الحمل بالذكور و بالعكس.
الانتفاخ:
سببه احتباس رياح غليظة فيه لحركة أو امتلاء أو غذاء شأنه ذلك.
و علامته: نتوء ما تحت السرة و الوجع و القرقرة، و ربما ظهرت وقت الجماع.
العلاج: ما مر في تحليل الرياح مع احتمال شي ء منها و التكميد فوق العانة بكل محلل كالشونيز و الجاورس و ادخال ماء السذاب و شرب الحلبة بالعسل.
ص: 391
خاتمة تشتمل على بحثين:
اما الشقاق و الباسور و الناصور و الحكة و البثور فأحكامها ما مر في المقعدة و غيرها. لكن قيل لا يكون الشقاق هنا و لا يقطع الناصور، و أن المراهم تستدخل بالحقن كما قرر في القروح.
و أما عسر الولادة:
فتارة تكون لقلة الرطوبات. و علامته: شدة الطلق و عدم خروج الماء.
و علاجه: أن تجلس في الماء و الشيرج و تمرخ البطن، و كذا القطن بالادهان و تسقى الحلبة و الالعبة.
و قد يكون لانضمام فمه لقلة الجماع أو كونها بكراً، و يقتصر في ذلك على النطول و الدهن. و إن كانت لكبر الجنين فلا علاج.
و أما الرتق:
فقد يكون خلقياً أو لقرحة سدت أو للحم نبت، و لا علاج لهذا إلّا الحديد.
و القرن:
عظم أو خلط تصلب داخل المحل. و علاجه: قطعه. و ثبت عن القدماء أن القرن لاعلاج له. و قد يمنع من الجماع مانع غير هذا مثل الانضمام و الامتلاء.
و علاجه: المقل و القطران و المر و الميعة و القسط و العود اكلًا و بخوراً. السعة بلا سبب و هذا يكون لارتخاء العصب، فإن كان معه رطوبة عولج بما مر و إلّا عولج بما اختص بالتضييق، واجوده رماد الكرم و عظم الدجاج و القزاز البكر تعجن باوساخ الكوابر، و هو من الاسرار المكتومة. و يليه العفص و الباذنجان جلوساً في طبيخهما و كذا مرارة الثور. و من امعن في طبخ العفص و غطس الخرقة في مائه و جففها مراراً و احتملت عند الحاجة نفعت نفعاً بالغاً. و منها سُؤر الحية.
ص: 392
و من المجرب لازالته بعد التنقية المر و الخزاما تعجن بعصارة النعناع و الآس و تحمل مراراً، و كذا العنبر و الشمع و منها: ميله إلى البرد و ذلك يضر بالمجامع و يسقط القوى و يفسد الماء، و من المعلوم أن ذلك إن استند إلى فساد الخلط العام وجبت التنقية و إلّا اقتصر على الفرازج المصلحة، و اجودها ما اتخذ من الخزاما و الهال و الكبابة و نحوها.
و منها: ما يعين على الحمل بسرعة اما بالطبع فقط مثل الحلبة شرباً و دهناً و حمولًا، و كذا الخزاما و القرنفل إذا شرب منه ثلاثة دراهم كل يوم اثر الطهر ثلاثاً متوالية أو بالخواص كذلك كشرب مرارة الذئب، فقد شاع أن مرارة الذكر للذكر تحمل بذكر و بالعكس، و احتمال بول الكلب ساعة يبول بترابه و البصق في الضفدعة في فمها. و قد تواتر أن الرضيع إذا دفُن فاستلقى في القبر امتنع حمل امه حتى يدار. و من شربت لبن الفرس و لم تعلم حملت، أو بهما كالانافح مطلقاً و الساليوس و العاج كذلك، و ورق الغبيراء(1) بمرارة الثور فرزجة، و كذا المسك و الزعفران و المر و البسباسة صوفة مع الخزاما، و كل ذلك بعد الطهر بلا فصل، و اقل ما تحمل الصوفة ساعة و اكثر ما تحمل ثلاث، و تشترط المجامعة اثر نزعها.
و منها: موانع الحمل:
و يحتاج إليها في اوقات كثيرة، و هي قسمان:
قسم بالاختيار مثل التحمل بالسذاب و النعناع و القطران قبل الجماع، فانه يمنع من انعقاد الماء في ذلك الوقت خاصة. و من المجربات هنا المغناطيس، و شرطه تركيب مثقال في مثله من الفضة أو الذهب في طالع الجدي بحيث يماس الاصبع.
و الثاني: ما يمنع ابداً مثل الاثمد و الزنجار الحديدي و شرب انفحة الفرس، و ما يمنع إلى وقت مخصوص مثل ماء الورد بعد الجماع و الطهر كل رطل بسنة، و كذا قيل في بزر الكرنب كل درهم سنة، و الجشمة إذا بلعت صحيحة و حمل زبل الفيل بالعسل و دم حيض غيرها، قيل كلاهما إلى أربع سنين، و قيل مطلقاً، و الميعة السائلة درهم لسنتين.
ص: 393
و في الخواص: إذا اراقت المرأة أو الرجل في فم الضفدعة لم تحمل ابداً.
و منها: أن سن الصبي قبل أن تسقط إلى الارض إذا وضعت في فضة لم تحمل حاملتها. و من الاسرار المكتومة حوافر البغال يبرد منها عشرة دراهم و تعجن بابوالها و تسقى بأي حلو أو في أي شراب أو في أي طعام ايها حضر و اوساخ آذانها مجربة.
و منها: ما يحفظ الاجنة و يمنع السقط:
و ضابطه كل مفرح. و للمر و الكمون و المرجان و للؤلؤ و الطين المختوم ابلغ فعل في ذلك شرباً و تعليقاً.
و في الخواص: أن العقرب المقتولة، أو راسها مع رأس السرطان النهري إذا عُلقا مَنعا من السقط.
و منها: ما يسهل الولادة و يخرج المشيمة:
و ذلك اما بالاستعداد من قبل كشرب ماء الصعتر و الحلبة و ثلاثة دراهم من بزر النمام و خمسة من قشر خيار الشنبر و اثنين من الزعفران ايها حصل، و كذا البخور بشعر المرأة و حمل المغناطيس و تعليق زبد البحر على الفخذ الأيسر بيد طاهرة في خرقة من ثوب بكر، و عشرة دراهم من الزعفران محررة الوزن.
و منها: ما يعمل إذا تعسر الحال:
مثل شرب مثقالين من المقل و درهمين من الياسمين و حمل الميعة و راس الرخمة(1) و سلخ الحية ايها وجد.
و في الخواص: إذا اذنت بكر و قالت في اذانها انا بكر و قد ولدت و انت لم تلدي ولدت، و هي مجربة.
و منها: ما يذهب الخوالف و الرياح و ما بقي من الدم الفاسد:
و اجوده في الشتاء بزر الكرفس و الزنجبيل و الزرنباد و الحبة السوداء و القرطم تغلى و تشرب و بالعسل و السمن، و في الصيف الخطمي و الانيسون و الرازيانج و الاشنة بالسكر و المر و دهن البان من اجود الفرازج كل وقت.
ص: 394
و منها: ما يخرج الاجنة و المشيمة:
أيضاً، واجوده الجلوس في طبيخ البابونج و الثوم و حمل المر و الحلتيت و البخور بها و شرب ماء الكرفس و حمل بزره بالقطران، و كذا شحم الحنظل بمرارة البقر و طبيخ السمسم و اصله، و كذا الترمس شرباً و جلوساً، و اللاذن بخوراً، و كذا النسرين و الكرنب و بزره كيف استعمل و الكندس طلاءً و بخوراً و حملًا، و بزر الرشاد و يسف متبوعاً بعصارة السذاب و زبيب الجبل مطلقاً.
لم أرَ من تكلم فيه مفرداً إلّا فصلًا في الصفوة لم يف بمقصود، فاحببت أن اوضحه فاقول:
الواجب فيه أن ينظر في تحديد القلفة فتعلم ثم تجذب حتى تفارق الحشفة ثم يدخل المرود إلى العلامة فيقطع على الحد بعد التحري من اصابة الاحليل فانها قاتلة، و أن لا يتعدى قدر الجلدة فانه مضر جداً، و يحذر من القطع بآلة فيها صدأ بل تنظف جيداً و تحد، و اثر القطع يذر على المحل رماد كعب الماعز أو صوف الضأن بالزفت ممزوجاً ذلك بالزيت و يربط من غير أن يحجب المخرج، ثم يغير من الغد فإن غلب الدم بلَّ القطن ببول مزج بالشيرج و الشب المحلول. و الحذر من علوق الخرق بالجرح فانه ضار. و في الثالث إن مال الجرح إلى الجفاف كفى فيه دهن الورد و الشمع و إلّا ذر السندروس البالغ سحقه إلى الخامس، فإن اسود الجرح أو مال إلى عفونة مزج السكر بالرماد الأول و إلّا اقتصر بعد ذلك على الكافور و المحلول فيه بياض البيض و الشيرج. و متى ترك من القطع ما يجب لم يستوفه حتى يبرأ الباقي.
و في النساء يزيد من الارمدة المذكورة ممزوجة بالسندروس من الاول.و اعلم إن احسن الختان اواخر النهار في الصيف و اوله في الخريف و اوسطه في الشتاء، و الاختتان في الربيع ممن بلغ. و يجوز للاطفال مع الاحتراس. و يجب فيه الراحة و قلة الماء و لزوم الحمام بعد السابع.
ص: 395
اوجاع الظهر و الحدبة:
اعلم أن هذه الامراض الغالب على مادتها اصالة البرد، و ربما يكون عن غيره.
و تقرير اصلها: أن الدماغ للبدن كقبة الحمام تترقى إليه الابخرة و تتكاثف فتزيد لقلة التنقية و طول الزمان و تعجز عن تصريفها الطبيعة فتسيل، فإن اندفعت من منافذه فنحو الزكام، أو تحيزت في احد جانبيه فكالشقيقة و اللقوة، أو تعدت إلى البدن، فإن خصت جانباً فمثل الفالج، و قد مر الكل مستوفى، أو عمت المفاصل فمع ظهورها للحس صلبة التعقد و رخوة التهيج و عدمه وجع المفاصل، أو ازالت الفقرات فإلى احد الجانبين التواء و غيرهما حدبة، أو خصت العظام المجوفة فرياح الافريسة، و ان تنازلت إلى النصف السافل فاوجاع الورك و الخاصرة، أو عمت رجلًا واحدة فعرق النسا، أو انحازت في الابهام خاصة فالنقرس، أو قرحت الساق مع الورم فداء الفيل، أو احدثت عروقاً ذات تلافيف ملونة فالدوالى، و يأتي تفيصل كل.
و يستدل على مزاجها بعلامات الخلط الغالب إن كانت منه، فإن كانت من الرياح، فعلاماتها: الإنتفاخ و لين الغمز و قلة الوجع، و ما كان من الحدبة خلقياً فلا علاج له، و غيره يعالج بالتنقية و الأدهان و الأطلية. و الحقن و الفتائل في أوجاع الظهر خير من المشروبات.
و من الرياح ما ينقلب فيكسر العظام، و منها ما ينتقل من عضو إلى عضو. و علاجها: كل مفشش و محلل من مشروب و غيره، و قد عرفت لكل مادة من الدواء فلا نطيل باعادته إلّا ما اختص بالمرض منها مثل الغاريقون و الزراوند و الزنجبيل و التربل. فإنها إذا جمعت متساوية، و شرب منها ثلاث و كرر ذلك خلصت عن تجربة و كذا الدار فلفل و السعد و الانيسون إذا شربت، و عصارة الكرفس أو طبيخ الحي العالم واصل التوت.
ص: 396
و من المجربات: طلي دهن العاقرقرحا و الخروع و السذاب و الخردل و الجوز و اللوز مجموعة أو مفردة، هذا إن كان بارداً.
و اما الحار فلا بد من الفصد و شرب شراب الورد و يطلى بدقيق الشعير مع بعر الماعز معجونة بالخل، و كذا ماء الكسفرة بدهن البنفسج و اللوز. و من المجرب: التين و القرطم و الصنوبر مطبوخة. و مما جرب لاخراج الاخلاط اللزجة من الظهر و الورك، دهن النفط و الزقوم شرباً و طلاءً، و مثله وجع الجنب و الخاصرة. المفاصل
قد علمت ضوابط هذه العلة، فاعلم أن وجع المفاصل يكون عن المرار غالباً إذا خالطت ما غلب من خلط فاكثر فإن اتفق بلا مرار صفراوية فعن البلغم و هو نادر.
و حقيقته اورام لا تنضج و لا تجمع لشبهها بالعظام. و قل أن يعتري نحو النسا من الخصي و الصبيان لقلة مرارهم، و كثيراً ما تكون في المترفهين لتوفر المواد؛ و من ثم يعرف عند كثيرين بمرض الملوك.
و اسبابه: كثرة شرب الخمر و اكل اللحم و الجماع على الامتلاء و كل حركة عنيفة، و ادمان الحوامض و كل غليظ كلحم البقر فتفسد بذلك المادة.
و علاماته: علامات الخلط المشهورة كما سبق كشدة الضربان و تغير اللون في الحار و انتفاخ العروق في الرطب فالكم ودة في السوداء. و ما يتركب بحسبه، و من ادلة تركب هذه العلة خفتها و تزيدها بالدواء الواحد.
العلاج: لا بد من الفصد مطلقاً اما في الدموي فللكم، و اما في غيره فللكيف، ثم التنقية أولًا بما لتلك المادة تركيباً و افراداً، ثم الطلي أولًا بالروادع مثل ماء الكسفرة و الحي عالم و الالعبة في الحار، و الزعفران و الفريبون و الجندبادستر و العاقرقرحا في البارد، ثم المحللات كذلك كدقيق الشعير و الباقلاء، و بعد الانحطاط بنحو البابونج و إلّا كليل؛ لقوة تحليلها. فإن كان هناك من الضربان ما يمنع النوم وجبت له البداءة
ص: 397
بالتسكين بنحو العظام المحرقة و العدس و اللفاح و الأفيون و الزعفران و البنج طلاءً.
و من الواجب أن لا يخلو دواء في هذه العلة من السورنجان، فقد وقع الاجماع على اختصاصه بها و تضييقه المجاري و منعه النوازل ثانياً. و مما ينفع في الحارة بالطبع بزرقطونا بالخل و دهن الورد و الخطمى بدقيق الشعير و الورد و الآس و القرع و الخس و الخشخاش مطلقاً، و للبارد الجلنجبين العسلي و ماء العسل بطبيخ القرطم و الماهوزانة(1) و الدار صيني و الشبت و الحلبة اكلًا و طلاءً و نطولًا، و الصبر مطلقاً و البكتر. و مما جربناه لسائر هذه العلل من نقرس و غيره من تراكيبنا هذا الدواء.
و صنعته: لوز مر خردل سنا من كلٍ جزء، سورنجان نصف، تربل شيطرج عود هندي عاقرقرحا من كل ربع، صبر مصطكى من كلٍ ثمن، تعجن بثلاثة امثالها عسلًا، الشربة منه ثلاثة.
و ينفع من ذلك معجون السورنجان و حبه و هرمس و النجاح، و شربته الخاصة ما تألف بنظر الطبيب من الغاريقون و الزعفران و الحنظل و المر و المقل، و كذا الدلك بها و دهن قثاء الحمار و دقيق الشعير مع السقمونيا بطبيخ الصعتر و حشيش الحنطة.
و منه: وجع الورك:
لم يخالفه إلّا في منع الروادع أولًا هنا؛ لكثرة اللحم على مفصلة فتحتبس المادة و تفضي إلى الخلع، بل يبدأ بالتحليل و يفصد في المقابلة و يبالغ في التلطيف ما لم تكن المادة رقيقة.
عرق النسا:
هو انصباب المادة من رأس الورك إلى الاصابع من الجانب الوحشي، و قيل: لا يشترط عموم المادة في المسافة المذكورة في التسمية دفعة.
و احكامه: ما مر في المفاصل مطلقاً. و مما يخصه إلّا كثار من تناول حب الذهب(2) تارة و السورنجان أخرى، و كذا الصبر و الاهليلج و اكل الألية نافع فيه جداً، و كذا النطول باصول الكبر و الحلبة. و الجوع فيه مجرب لتجفيفه المادة و يفصد فيه النسا.
ص: 398
و من حقنه المجربة طبيخ أصل الحنظل و الكبر و القنطريون و شرب حب الرشاد و الميعة، و كذا السذاب مطلقاً و بزره شرباً و الترياق بعد التنقية. و ينجح فيه الكي إذا وقع في طريق المادة.
و في الخواص: من أخذ وتراً على اسم صاحب العرق آخر اربعاء أو سبت في الشهر و عقده قبل الشمس قائلًا حبست عرق النسا عن فلان و القاه في الشمس فكلما جف جف، و كذا قيل في جريدة نخل بالشرائط المذكورة.
النقرس:
احتباس المادة في ابهام الرجلين أو عظام القدم كلها بحيث يكثر الألم و النخس لضيق المحل و كثرة المادة، و ربما كان معه الورم.
و علامته و علاجه: ما مر؛ لما عرفت. إلّا أن الحار منه ينفعه الطلاء بحي العالم و الكسفرة و الحناء و الخل و دقيق الشعير.
و في الخواص: أن شعر الصبي من اربعين يوماً إلى ثلاثة اشهر يسكنه تعليقاً، و كذا ابتلاع اربعين حبة عدس محمص إلى اربعين يوماً، و الطلاء بصفرة البيض و الأفيون.
و من المجرب للبارد الطلاء و النطول ببول الانسان و الخل و الكبريت و النطرون و دم الحيض مسخنة، و قد يعجن بماء دقيق الترمس و الحلبة مع مراعاة ما مر من أول المفاصل؛ لاتحاد المادة.
و اعلم أن الثوم و الكرنب من انفع ما استعمل في هذه العلل غذاءً و طلاءً كما أن السنا و السورنجان من اجلها دواء. و مما يسكنه وضع الحمام المذبوح حاراً و الطلاء بدمه. و من أجل ادويته معجون هرمس، و نطولاته الخس و الزيت العتيق و الزعفران.
اوجاع الركبة:
و هي كالورك في انحصار المادة و سائر الاحكام. لكن من المجرب فيها شرب الحلتيت و الانزروت بدهن الجوز، و كذا السندروس المحلول في زيت البز. و من أطليتها دهن بزر الفجل و ورق الدفلي مع دقيق الترمس و العسل، و كذا الصابون مع مثله حناء ضماداً. و مما يحلل الصلابات و التعقد مطلقاً الزبد و التين المطبوخ و دقيق الحلبة و الاكليل و البابونج طلاءً، و كذا الشحوم و الادهان.
ص: 399
داء الفيل:
هو زيادة غير طبيعية تحدث دون الركبة، و قيل تخص القدم، و ربما قرحت و اضعفت الرجل، و يكون عن دم أو بلغم، و قد عرفت علامة كل.
العلاج: فصد الباسليق فالمابض فحجامة الساق و التنقية بنحو الغاريقون و الصبر و ادمان القي و هجر كل مالح و غليظ و حامض، و الطلاء بالمر و الاقاقيا و السرو و الماميثا. و للحنظل فيه خصوصية اكلًا و طلاء، و كذا القطران و الحرمل و جميع ما سبق.
و في الخواص: أن المشي على الرجل حال خدرها يوجبه، و إن شرب العاج يذهبه و الطلاء برماد بعر الماعز و الكرم بالخل ينفع منه بالغاً.
الدوالي:
هي المادة المذكورة سابقاً إذا انحلت في عروق كثيرة التلافيف تحكي ما فيها من الخلط، و بذلك تعلم، و ربما نمت حتى تعجز الساق، و قد تقرح.
العلاج: يستفرغ مادتها بالفصد و ينقى البدن بالقي و الاسهال و يطلى بما في النقرس و داء الفيل مع لزوم الراحة.
و مما نختم به هذا الباب ذكر ما يمنع من هذه العلل بأقسامها و يمشي الاطفال إذا ابطأوا، و أجود ذلك شرب نصف درهم من الباذنجان المجفف في الظل بأقماعة إلى احد عشر يوماً و الكرنب اكلًا و نطولًا، و الجوز و الثوم، و كذا الخردل مطلقاً و الآس و الورد و العفص و العدس و الرجلة ضماداً، و دهن الغار إذا نضج في الزيت العتيق مجرب، و كذا الدلك بدهن الرند(1) و النارجيل و غسل الاطراف في الحمام بالماء البارد.
ص: 400
و الشروط فيها بحالها امراض الرأس و اجزائه من اللحية و غيرها، و فيه احكام الزينة.
السعفة:
قروح في هذه الاعضاء تنشأ عن فساد الخلط يفسد معها الموضع، و ربما صحبها ورم.
و علامتها: إن كانت عن احد الرطبين تكون رطبة فإن كانت عن البلغم ضربت موادها إلى البياض و إلّا إلى الحمرة، و ما كان عن احد اليابسين، فعلامته: التقشف و اليبس و كمودة السوداي و صفرة الآخر و خروج قشر كالنخالة منها، و ربما كان مع الصفراوية رطوبة مرارية. و تكثر حال الصغر الرطوبة و تسمى هذه العلة السنج و القراع. و قد تفارق بصحة عند البلوغ، و ربما تفسد منابت الشعر دائماً فتبرأ و لا تنبت.
و منها: الشهدية تثقب جلد الرأس كثقوب قرص الشهد.
و منها: ما يشبه التين تشقيقاً و تبزيراً و اصولها ما عرفت.
و منها: ما يحمر معه الجلد بالغاً و يسيل الدم منه عند ازالة الشعر، و تختلف كثيراً بحسب الأسنان و البلدان و الأزمنة و تعود إلى ما قلناه.
العلاج: بعد التنقية التامة حجم الرأس في الرطب و ترطيبه في اليابس بمثل الألعبة و الشحوم. و من المجرب للرطب منها المر و المقل و الصبر و حب البان عروق صفر تعجن بالخل و بول الإنسان و تطلى مراراً، و يغسل بعدها بطبيخ الترمس. و لليابس دقيق الشعير المحرق مع الخل و الشمع طلاءً، و الكافور و الحناء بعد فركه عن اليد طلاء بشحم العنز و الزرنيخ الأصفر، و يدهن بعده بدهن البطم.
ص: 401
الكلف:
سواد يظهر على الوجه إلى الإستدارة بلا نتوء و المتقطع منه نمش، و الثاني برش بالموحدة و الراء المفتوحة و المعجمة المثلثة، و الخافي منه الصغار خيلان جمع خال، و يقال له الشامة، و كلها اما خلقية لاعلاج لها أو حادثة فإن كانت في الحوامل انتظر بها الوضع فربما تذهب مع دم الولادة؛ لأنها منه و ما عدا ذلك يعالج و تتعدى نادراً إلى غير الوجه.
و علاماتها: علامات الخلط و يلحق بها الآثار المخلفة عن نحو الجدري و الحب.
العلاج: ربما احتيج إلى الفصد و تجب التنقية أولًا، ثم الأطلية بكل جال منق مثل الدفلي و الأملاح و لب البطيخ و الأفسنتين و اللوز و المر و الناشادر مع الودع(1) المطفي في حامض الليمون و بزر الفجل مع الخزف المحرق، و السنا و زبيب الجبل و البورق و الكرنب و قثاء الحمار ايها اتفق طلاءً و غسلًا بطبيخها و عجنا بالعسل أو الخل و يقوى فعلها مع بول الانسان و القلي، فهذه الاجزاء الجالية لجميع الآثار، و من اراد التئامها جعلها مع الكثيراء الحمراء.
داء الثعلب و الحية:
سميا بذلك؛ لاعتراء العلة الحيونات المذكورة، و قيل داء الثعلب انتشار الشعر فقط على هيئة مخصوصة، و الآخر انتشاره و تقشر الجلد تحته طويلًا بتفاريج كأسنان الحية، و ربما حدثا في غير الوجه.
و سببها: احتراق الخلط و غلظ البخار الصاعد عنه.
و علاماتها: لون المحل و مجسه ككونه أبيض لينافي البلغم و هكذا.
العلاج: الفصد في الدموي و حجم المحل و شرطه في الباقي إن عسر، ثم التنقية و الأطلية، و أجودها في الدموي أن يطبخ الآس في السبستان حتى يغلظ و يطلى، و كذا حي العالم مع الحناء بعد الشرط و ورق التين مع القطران. و في البلغمي الأشقيل و البصل و الحلتيت و الفلفل و زبل الفأر بالخل و العسل. و في الصفراوي الزبد و الحناء و دقيق الشعير طلاءً، و العذبة شرباً. و في السوداوي البندق
ص: 402
المحرق و الثوم و حب الغار و دهن النفط طلاء و الفجل مطلقاً و بزره، و كذا النيل الهندي و ورق الحنظل طلاءً.
تساقط الشعر و انتشار الصلع:
هذه العلة تكون من نقص البخار الدخاني لنقص الغذاء الموجب له كأواخر الامراض الحادة و يعلم بذلك، و قد يكون لتخلخل المنبت و اتساعه و علامته: سرعة السقوط أو انسداد المنبت اما ليبس،
و علامته: تقصف الشعر و ضعفه، أو لرطوبة باردة تحيل بين البخارات المتتابعة، و علامته: الضعف و بطء السقوط.
العلاج: اصلاح الغذاء و تقوية المنافذ و تكثيف المتخلخل بكل مبرد و بالعكس، ثم الاطلية المنقية و المقوية مثل دهن الأملج و الآس و اللاذن و السرداق و رماد البرشاوشان و جوز السرو و سحيق ورق السمسم و طبيخ رطبة(1) و الفجل مطلقاً و السدر طلاءً و نطولًا و ماء السلق و الخولان و العذبة بالعسل مجموعة أو مفردة يغلف بها للتقوية و يدهن بها للسباطة و التطويل، و ينطل بطبيخها للتلطيف و التحليل.
و من المجرب: جزء حناء، و نصف جزء كسفرة البير، و ربع من كلٍ من ورق السمسم و الخولان و ماء المرسين، تعجن بعصارة الفجل و تطلى ليلة ثم يغسل بماء طبخ فيه الخطمي، و هذا الدواء يطول الشعر، و يحسن و يقوي و يمنع التساقط. و من خلط بزرقطونا في الحناء و اختضب به نفع من تشقيق الشعر و يتبع هذا العلاج.
عروض الشيب في غير محله:
و سببه استيلاء المائية على الدم و قلة دسومة الغذاء.
و علاجه: استئصال شأفة البلغم خصوصا بالقئ واخذ المعاجين الحارة و كل غذاء كذلك مثل الإطريفلات و البنجنوش و القلايا بالبزور و الأفاوية، و يغسل بطبيخ جوز السرو و يكثر من اخذ الأسطوخودس و انواع الإهليلج، و الأدهان بدهن الفستق و الجوز و القطران و الزيت. و مما يسرع
ص: 403
نباته بيض العنكبوت و رماد الشيح و القيصوم(1) بدهن البان و الزيت و قثاء الحمار و حب الاترج و دهن اللوز و السذاب. و قد يحتاج إلى منعه، و يتم ذلك بكل مكثف مثل دم الضفدع و دهنه و الخفاش و بيض النمل و البنج و الزرنيخ الأحمر و الإقليميا و الإسفيداج و بزر الخشخاش بالخل و الزيت و مرارة الماعز بالنوشادر، كل ذلك طلاءً بعد النتف.
و في الخواص: أن رأس الخفاش إذا سُقي بلبن الكلبة بالسحق حتى يغلظ و طلي به موضع النتف إمتنع من أول وهلة.
تغير شكل الراس:
قد يعرض له أن يزيد و يكثر، اما لتفسح شؤونه بما يدخلها من الخلط أو يحتبس تحتها من الرياح الغليظة.
و علامته: الوجع و عدم إدراكه باللمس، و هذه العلة قد يختلط معها العقل و احياناً ينسكب الحمي و سائر الأعراض إلّا الصداع و حينئذ فلا علاج. أو لاحتباس رطوبات بين الصفاقات تدرك بالغمز. و علامته: عكس ما مر.
العلاج: ينقى الغالب ثم يطلى بال محللات المفششة للرياح مثل الكمون و الجاورس و الشونيز و دهن النفط و البابونج. و علاج ما بين الصفاقات بكل ما يجمع و يحلل بالعرض مثل العفص و الخل و قشر الرمان و جوز السرو فان اعيا شق و استفرغ، و قد يصغر عن الشكل الطبيعي أيضاً اما لسدة في العصب. و علامته: صحة غيره من الأعضاء، أو لقلة الغذاء أو يبسه. و علامته: عمومه.
العلاج: سقي كل مفتح كالهندباء و الكرفس و السكنجبين و تليين الصلابات بالدهن به.
و علاج اليبس: اصلاح الغذاء واخذ كل مرطب كاللوز و القرع و السكر و اللبن و الادهان كاللوز و الفستق اكلًا و دهناً.
الاظفار:
تختص بها علل. الداحس و هو ورم حار تنصب معه المادة إلى أصول الظفر بضربان شديد و نخس تسقط معه الاظفار. لكن قلما يفسد فيه المنبت.العلاج: إن عرضت الحمى وجب الفصد للدلالة على خبث
ص: 404
المادة، و يشرب الشعير بالسكنجبين أو بشراب الورد و نقيع الإجاص و العناب و يطلى على المحل العفص و الصبر و الحناء بالعسل حيث لا نخس و إلّا الخل و صدأ الحديدة أيضاً، و الشمع بعصارة السلق و الزيت فإن تحلل و إلّا غمس في الدهن الحار أو حلل بزبيب منزوع دق مع الألية و الزعفران، و كذا خميرة الحنطة مع الزيت.
و من المجرب: شحم الرمان مع الملح و دردي الخمر و يضمد، و قد يذاب الزفت بدهن الورد و الحناء و يلطخ. و اذا بشر الصابون و خلط ببزرقطونا و بزر كتان مسحوقين و طبخهما بالزيت و الماء حتى يكون مرهما و لطخ فجر كل خراج من داحس و غيره، مجرب.
الطلعيّة:
علة تصير معها الاظفار براقة إلى البياض تنكسر كالزجاج.
و سببها: برد و يبس كثيف و حبس.
العلاج: شراب الأصول طرفي النهار بمعجون الورد السكري ثم طبيخ الأفتيمون كذلك مع ملازمة غمسها في الأدهان المفترة و القيروطي المتخذ من الشمع و الشيرج و البيض و لعاب بزر القطونا، فإن تحجرت لوزمت بالشيرج و دهن اللوز و لعاب الحلبة شربا و دهنا.
ص: 405
ص: 406
و هي قسمان
و غالب الامراض الظاهرة منه كما أن الباطنة بالعكس، و حيث كان كذلك فلا ترتيب بين انواعه، فلنستوعبها لا بشرط شي ء ان شاء الله تعالى.
الاورام:
تكون المادة في تجويف أو مجرى أو غضون صفاق و غشاء لسبب موجب من خارج كضربة، أو داخل كامتلاء و ضعف قوى في المنصب إليه فلا يقدر على الدفع. و من اسبابها: كل حركة عنيفة على امتلاء و بعد العهد بالاستفراغ و وضع محجمة بلا شرط، و هي اما حارة أو باردة، و كل اما صلب أو رخو، و الجميع اما مجامع لضعف أو يبس أولا، و الحاصل اما واقع مع النفي أولا فهذه اقسامه على التحقيق. و القاعدة فيها أن علاج كل بضده و أن المستند إلى رئيس يقدم عليه تقويته، و قد مرت علامات تلك الاعضاء، و أن الواقع على تنقيته يكتفى فيه بالوضعيات و غيره يسبق بها، و أن لكل ورم زمن ابتداء يكون علاجه فيه بمجرد التلطيف و التحليل و انتهاء بالمحلل، و وقوف به بالرادع تسوية و انحطاط بالرادع وحده، ثم بما يجمع ان تهيأ لذلك حتى إذا فتح فكالقروح، و متى خولفت هذه القواعد فسد العضو البتة إلا أن تسبق العناية.
ثم من الاورام ما له اسم(1)
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة ؛ ص408
ص: 407
مخصوص، فالكائن عن الدم يسمى ( (الغلغموني))، و علامته علامة الدم.
و علاجه: الفصد أولا، فالتبريد و النطول بنحو البابونج و إلا كليل و الخطمي و الكسفرة، ثم بها ممزوجة بنحو الصندل و الفوفل و الورد و الآس و السرو و العفص، ثم الاخيرة خاصة كما سبق في القاعدة. و من ادوية المبادئ الجلنار مع المغرة(1) و الشعير مع الخشخاش و الخس و السدر و الحناء وسطاً، و هي مع الأطيان و حراقات الرصاص اخيراً، و كذا القرع و الورد و ما يكون منهما من دهن و غيره.
سقاقليوس:
و هو غلظ المادة الدموية بحيث يبطل الحس بجمود الغريزية و يسمى مبدأ هذه العلة غايرغانة، و حقيقتها: تغير العضو عن هيئته الطبيعية، و حينئذ يجب التدارك بما مر فإن اهمل و عومل بالروادع الامر العضو إلى الفساد و احتاج إلى القطع.
و في الأسباب: أن هذا المرض يسمى الخبيثة، و لا يكون بالبلاد الحارة إلّا ندوراً؛ لانه يطلب التكثف و ذلك بالبرد المفرط.
و الكائن عن الصفراء فقط يسمى الحمرة بالمهملة، و هو ورم براق شفاف قوي الالتهاب.
و علاجه: بعد استفراغ الخلط وضع البزرقطونا بالخل و دقيق الشعير مع الهندباء و البنفسج و لسان الحمل، فإن كان مع ذلك علامات الدم، فالمادة مركبة، و علاجها كذلك.
و من الحار نوع يسمى: الماشرا
يتقدمه وجع في الصلب؛ لتولد مادته في شريانه و يرتقي حتى يظهر في الوجه و الحلق بشدة حمرة و التهاب و كثرة دم.
و علاجه: الفصد فحجامة الساقين فشرب التمر هندي و الشعير و القرع المشوي و البكتر و الاهليلج و وضع نحو الفاغية و الألعبة و ما تقدم، مع لزوم الشرب من العناب و الكسفرة و الصندل.
و اما البارد فمنه. الدبيلي:
و هو ورم كبير يستدير غالباً و ينتأ و يكون قليل الوجع إلّا عند جمعه، و سببه: تناول الأشياء نيئة و الشرب فوق الأكل
ص: 408
و اختلاط إلإطعمة. و علامته: الثقل و النتوء.
و علاجه: المبالغة في التنقية ثم التليين و الإنضاج ثم الشق و استخراج المادة و لو في دفعات بحسب القوة، ثم المنقيات من المراهم فالمدملات. و من الطف ما تنظف به الصابون و بزر الكتان و بزر القطونا و الحنطة الممضوغة و التين و القرطم و جميع ما مر في الباب السابق. و موادها مختلفة ما بين مشبه بالفحم و الرماد و الزجاج و الطين و الصديد، و منها منكوسة لا تظهر بالحس و قلما يسلم منها عليل، و اذا فجرت لم يظهر ما فيها ما لم يصل إلى العظم.
و منها: الرخو:
و هو بلغم إن غمز غاص و عسر عوده و إلّا فريح و بخار و الكل غير مغير اللون و لا موجب لوجع.
و علاجه: التنظيف بالقي ء و استفراغ الخلط بنحو الايارج و المعاجين المحللة مثل الفلاسفة، و هجر نحو الباقلاء و الالبان و وضع الجاورس و البورق و الطرفاء و السرو و دلكه بالزيت، فهذه أنواع الورم الخاص.
و بقى منه أنواع هي بالبثور اشبه لا تنفتح غالباً، و بعض الاطباء لم يفرق بين البثور و الورم، و منهم من قال: ما كبر ورم و غيره بثور. و الحق: أن الورم ما تحلل بلا تنفيط و فتْح كبر أو صغر، و البثر ما تفتح معه سطح الجلد سواء تقدمه ورم أم لا، فبينهما عموم و خصوص وجهي؛ لجواز وقوع بثور اصالة كالساعية و ورم كذلك كالغلغموني، و ما يكون ورماً أولًا ثم ينبثر كالطاعون. و هذا هو التفصيل الصحيح فاعتمده.
فصل في استيفاء البثور و باقي أنواع الورم:
و غالب هذه إما حارة، أو إلى الحرارة.
النملة:
بثور في الظاهر عن لطيف الصفراء الحارة تدفعها الحرارة فقد تكسر بحسب المادة، و ربما تجاوزت و انتقلت و تسمى ( (الساعية))، و لا بد أن تقرح، و قد تستدير و تسمى ( (الجاورسية)) و قد تنضح ماء و صديداً و تسمى
ص: 409
( (الرطبة))، و منها نوع كلما اندمل قرح من محل آخر و له عيون متعددة و اهل الزردقة تسميه ( (الخلد))، تشبيهاً بعمل ذلك الحيوان في الارض.
و علاجها: الفصد و التنقية و هجر كل مالح و حلو و حريف و رياضة، و الاكثار من شرب ماء الشعير و مطبوخ الاصفر و الفواكه و درياقها الصبر و ما يتألف منه من التراكيب، و أن تطلى أولًا بالأطيان و الكسفرة و الادهان الرطبة المرخية حتى يسكن الالتهاب، ثم بنحو الخولان و الماميثا و الأقاقيا، و ما مر في الأورام. و لرماد الشعير و الكرم و ورق القصب الأخضر و الآس و الإسفيداج و الخل مزيد اختصاص هنا في منع السعى و غيره، و كذا الكرنب اكلًا و طلاءً.
الجمرة:
بالجيم، ورم شديد الحرارة فاسد المادة يشبه ألمه حرق النار، يستدير و يلتهب و ينفتح بخشكريشة و يقتل غالباً إذا غارت أو حاذت القلب أو اسودت.
و علاجها: ما مر، لكن يزاد على الأورام الحارة دردي الخل بالطين الحر و الكافور. و لدم الديك و ورق الخروع و قشر الرمان و جوز السرو بها اختصاص عظيم.
النار الفارسي:
سمى بذلك؛ لكثرته بالفرس، و لأن الآثار و البثور الكائنة فيه تشبه حرق النار حمرة و تلهبا، و ربما استطال خطوطاً و استدار احياناً و تآكل و ظهر بسرعة. و مادته خلط صفراوي مع يسير دم دقيق.
و اسبابه: ادمان المآكل الحارة اللطيفة المذمومة مثل الثوم و الخردل و المشي في الشمس و قلة الاستفراغ.
العلاج: يجب الفصد أولًا و تنقية الصفراء و الإكثار من ماء الشعير و البنفسج و شرابه، و شراب الورد، و طلاء المحل بماء الرجلة و ورق الآس و الزعفران و الإسفيداج و طبيخ الترمس بالخل و العسل و النورة بدهن الورد بعد غسلها سبعاً، و الكسفرة الخضراء بالعسل و زبل الحمام به مع البزرقطونا.
ص: 410
النفاطات:
و يقال لها النفاخات بثور حمر تبتدئ بارتفاع يرق معها الجلد و تعطي اللمس رخاوة كالزق و تنفقئ عن ماء و صديد ثم تصير قروحاً، و مادتها كالنار الفارسي إلّا أن المائية هنا أكثر.
العلاج: واحد، لكن الإعتناء هنا بإصلاح الدم بأشربة الفواكه خصوصاً العناب و ماء الشعير و القرطم، و الطلاء بعد الفجر و التنظيف بالإسفيداج و المرداسنج و قد سقيا بماء الآس و العفص و الحناء.
الشرا:
بثور مختلفة إلى التسطيح تحدث دفعة غالباً و يعسر فيها الورم.
و سببها: غليان البخار لمقابلة دخان أو نحو فلفل و مخزون كثيف، و ربما اوجبه السكر في الحر و هو اما عن دم إن اشتدت حمرته و تهيج بالنار، و إلّا فعن بلغم.
و علاج الأول: بعد الفصد شرب ماء الشعير و التمر هندي بشراب الرمان أو الورد أو البنفسج و الطلاء بالأطيان و ما مر في النار الفارسي.
و علاج الثاني: بالجلنجبين و السكنجبين العسليين و التربد و الغاريقون و الطلاء بماء الكرفس و البورق و الكثيرا و طبيخ النخالة و البابونج و طين الحنطة و الكسفرة و الكرنب اكلًا و طلاءً مجربة و تطلى في البلغمي بالزيت و العسل، و كذا الكراث و الحي عالم و عصارة القصب.
و في الخواص: أن صاحب الشرا إذا لبس الجوخ الأحمر على بدنه بري ء، و كذا ثوب الحائض. و من اغتسل من ماء لم تره الشمس شفيَّ من الشرا، و اذا طبخ السماق و مزجه بالعسل و طلى على الشرا اذهبه.
الطاعون:
علة تحدث في الزمن الوبائي غالباً، و اول مباديها الاطفال و من يليهم في لطف المزاج كالحبشة خصوصاً الاعراب؛ لعدم ايلافهم الهواء. و هو خراج يقع غالباً في المراق السخيفة كخلف الاذن و الابط و المغابن فجأة، فإن لم يتغير معه العضو و لم يقترن بحمى و لا خفقان فسليم و إلّا فمهلك، خصوصاً ما ضرب إلى السواد أو الخضرة أو الكمودة، و هو سمي يقتل بأيصال الكيفيات إلى القلب.
ص: 411
العلاج: إذا علم زمنه و لم يحدث اعتداله بالفصد و تناول ما يغلظ مثل الفولّ و العدس و الخل و البصل و الطين الارمني ورش المكان بها و تعديل الهواء باللَّاذن و العنبر و الطرفا، و أكل ما ركب من الصبر و الزعفران و الطين المختوم و البنفسج و الصندل و الدورونج فانه مجرب، و كذا الياقوت و الزمرد اكلًا و حملًا. و من الواجب أن لا يدخل بلداً هو بها و لا يخرج منها كما اشار إليه صاحب الشرع صلى الله عليه و آله و سلم، و لما مر في قطعه من التغير.
و أما إذا اصاب البدن فلا يجوز حينئذٍ الفصد، و انما تجب العناية بحفظ القلب بنحو البادزهر بخو و ما يدفع السموم كالزمرد و تبريد ما حول المحل لا هو بنحو الخل و الطين و الآس و الكافور. و قد يقع في ايام الربيع و البلاد المرطوبة اندفاع مادة في الاماكن المذكورة تشتبه بالطاعون و ليست هو، و انما هي اورام أو خراج حار يؤلم، و ربما قرح و انفجر عن مادة فاسدة بنفسه أو بالعلاج و تسمى ( (الباغدة))، و بمصر ( (كبة))، و بالشام ( (ضربة)).
و علاجها: علاج الدماميل و الاورام الحارة، فإذا انفتحت فعلاج القروح.
الاكلة:
بثر تبتدي ء بورم و نخس شديد يتزايد و يسود ما حوله و ينفط و ينفجر، و قد اكل اللحم و العظم ساعياً بتوسع، و ربما تحدث عن سوء مزاج.
العلاج: علاج القروح و البثورات. و علاجها إن افسدت العضو قطعه و إلّا فبعد المبالغة في التنقية بوضع ما يأكل اللحم كسلاقة السلق و الكرنب بالسمن و السكر و بنحو الزنجار، و اذا نظفت فبالذرور المانع من السعى كرماد الكرم و العفص و الآس و السنبل و السعد و الشيح و الترمس و الجوز العتيق و الجبن مع الزفت و الشب مع العسل و دقيق الباقلاء مع العسل، و يغسل مع ذلك بالخل كل يوم.
الدمامل:
ورم صنوبري شديد الحمرة، و منه مفرطح، هو اصبعه إذا انفجر كان كثير العيون، و مادته دم غليظ المادة يبتدي ء متزايداً ثم يجتمع بشدة
ص: 412
وجع قبل الفجر و يسكن بعد العصر ثم يصير قرحاً.
و علاجه: الفصد إن كانت المادة مهيجة و إلّا الردع بنحو البصل المشوي و الكسفرة و العسل و العليق و عنب الثعلب، و في وقت الجمع بزر القطونا و البزر و الزعفران و صفرة البيض و الخطمي و الخمير الحامض، و اذا انفجر فبالسمن و الصبر و الإسفيداج و المرهم الأبيض(1) و الداخليون(2).
و مما يفجر بسرعة السمسم المحمص و الترمس المدقوق و النعناع مع دقيق الشعير و العسل.
و في الخواص: إن ورق الخوخ إذا غسل بطبيخه منع طلوعها. فائدة: من مغني اللبيب عند غيبة الطبيب إذا اكل الإنسان كلية جمل و حلف انه لا يأكلها بعد ذلك برئ من الدماميل و لم تعد تطلع عليه ابداً.
السلع:
بلغم غليظ يتولد في غشاء على العروق غير مستمسك بها يزوغ تحت اليد و يختلف في الحجم، و هي اما شحمية صلبة لاعلاج لها إلّا القطع، أو عسلية رخوة تنشق عن مثل العسل، أو شيرجية، أو أردهلجية، و هذه الثلاثة يجوز شقها. لكن إذا لم تخرج بكبسها انعقدت ثانياً. و يجوز أن تعالج بالمعفنات مثل الديك برديك و الزرنيخ و السلق و الكرنب مخبوصين، فاذا تآكلت عولجت بنحو الداخليون و المدملات.
و قد تجتمع الأخلاط على كيفيات أخر:
فمنها: مثل البندق يزوغ إلى الجانبين فقط و يسمى ( (العقد)).
و منها: ما يخالط الجلد و لا يزوغ أصلًا و يسمى ( (الغدد))، و هذه قد تكون ريحية تذهب بالغمز و تعود و يقال لما خلف الأذن منها ( (فرجيلا))، و من الغدد ما يكون صلباً تولد بعد كسر أو شق لا علاج له، و علاج الباقي يربط الاسرب و الرق بالأدهان الحارة و الصبر و الحضض و صمغ الزيتون مجرب، و كذا دهن الآجر و طلاء البارود(3) و البورق و السندروس.
و في الخواص: أن فراخ الحدأة إذا طبخت و أكلت وحدها أذهبت هذه الأنواع، اخبرني من جرب ذلك. و رماد الحلزون و الكرم بالشحم و الزيت طلاءً، و كذا العنبر.
ص: 413
الخنازير:
سميت بذلك لاعترائها الخنازير غالباً و هي اصلب و الصق من السلع، و تكون متعددة في موضع واحد و غالباً في العنق.
و منها: ما ينفجر ظاهره و ما ينبسط و يقرح مشققاً.
و اسبابها: لتخم و تخليط الغذاء و قلة التنقية.
العلاج: تلطيف الغذاء ما أمكن و الرياضة على الجوع و تنقية الأخلاط بالقي ء و الإسهال، ثم الأضمدة المارة في السلع كالداخليون مع جوناً مع رماد الايرسا و إذا طبخ التين حتى يتهري و ضرب معه رماد بعر الماعز حلل الخنازير ضماداً، و كذا الزفت و الخولان و الإسفيداج، و قد تقطع و تنظف و يكوى محلها و ليس في ذلك حذر إلّا من إصابة الشرايين.
و منها: نوع يسمى سقيروس، و هو ورم صلب من أحد الباردين أو هما.
و علاجه: علاجهما ما عدا القطع.
العرق المديني:
نسبة إلى المدينة الشريفة لكثرته بها. و هو بثرة تظهر في سطح الجلد بتنفط ينفجر عن عرق يخرج كالدودة شيئاً فشيئاً.
و سببه: فضول غليظة تكونها الحرارة على صفة العرق و تنبعث مستلزمة لحمى و انحطاط و هزال و ربما عطل العضو.
العلاج: يطبخ الصبر و يشرب أولًا نصف درهم ثم يزاد إلى مثقال و يمزج بالأدهان و يقطع كلما طال و يلف على الاسرب لئلا يرجع فيقتل، و هو من العلل الخاصة بالبلاد الحارة اليابسة، و أكثر ما يكون في الرجل.
الحكة و الجرب:
بثور و قروح تخص المفاصل و المغابن و المراق غالباً و قد تعم بحسب المادة. و العظيم النتوء المشتمل على نحو الصديد جرب و ما لم يظهر من الجلد و استلذ بحكه حكة، و قيل الرقيق الكيفية الحاد القليل الكم حكة و ضده جرب أو المتقادم هو الجرب و الحادث حكة. و كيف كان فالمادة و العلاج واحد و الأسباب كذلك، و هي إدمان الحريف و المالح و القديد و الحلاوات مع الشراب فيفسد الدم و يغلي فيندفع إلى الجلد
ص: 414
فمحدود الرأس حار، و قوي الحمرة دم المفرطح بارد، و النزاف رطب و بالعكس.
العلاج: الفصد مطلقاً ثم التبريد في الحار بماء الجبن و الشعير و العناب و التمر هندي، ثم حبوب الصبر و طبيخ الأفتيمون في اليابس و الاهليلج و الحمام، و شراب الأصول في البارد مع الأيارج، و إصلاح الأغذية و هجر الجماع و كل مولد للخلط الغالب، و الدلك و التنظيف، ثم الطلاء للحار بماء الكسفرة و حي العالم و عنب الذئب و الصبر و الخولان و الطين و الإسفيداج و الخل و دهن اللوز و ماء الليمون مجموعة أو مفردة.
و للبارد بماء الكرفس و الأنزروت و الحضض و الصبر أيضاً و الزيت و الزرنيخ و الكبريت مراراً بعد الغسل، و يغسل بعد ذلك بطبيخ الترمس و البورق و لب البطيخ. و من المجرب: خرء الكلب الأبيض شرباً و دهناً. و هذا الدواء من الخواص المكتومة.
و صنعته: كبريت عفص قشور رمان سواء أنزروت نصف جزء، صمغ صنوبر ربع، إسفيداج مرتك من كلٍ ثمن، تسحق و يؤكل منها كل مرة درهمان، و تكون بحسب قوة الخلط مع درهم من الصبر و يؤخذ منها جزء و من محروق الملح و السعف و ظلف الماعز من كلٍ نصف جزء، يسحق الكل في الزيت و يطلى به و يغسل من الغد و يعاد فإنه مجرب.
الحصف:
رطوبة حارة تبقى بعد رشح العرق في البلاد الحارة عند برد الهواء فتتكثف به و تخرج كالذرة فما دونها بيسير حكة و وجع، يسمى بمصر ( (حمو النيل))؛ لحدوثها عند زيادة النيل. و غالب أسبابها: قلة التنقية و كثرة الماء البارد.
و علاجها: ما لم تعظم الطلاء بدقيق الشعير و الإسفيداج، و الليمون و الخل و الطين الأرمني و دهن الورد و الحمام، فإن عظمت فالفصد و الإسهال مع ما ذكر.
القوابي:
هي الحزاز. و بعضهم يخص الحزاز بما في الرأس، و القوابي بغيره.
و كيف كان، فهي خشونة و يلزمها إذا خبثت حكة وسعي، و تكون في
ص: 415
الاغلب من مقدمات الجذام.
و سببها: فساد المادة و حرافة الأغذية و إدمان ما غلظ كلحم البقر و الباذنجان.
و علاماتها: كونها بلون الخلط و خروج الرطوبة من رطبها و قحولة يابسها.
العلاج: التنقية بالفصد و الإسهال ثم الأطلية بالمناسب مثل تليين التين بالنطرون و السويق و الشب و الراوند و العصفر و الملح و الشونيز و شحم الحنظل بالخل للحارة، و العسل للباردة. و من مجرباتنا لجميع أنواعها هذا الدواء:
مر سكر زبد بحر كبريت شب أجزاء سواء، تعجن بالقطران و يطلى بها بعد الحك و يلازم الحمام.
الثآليل:
تسمى بمصر ( (الصنط)) و هي رطوبة استحجرت من السوداء غالباً تنبت مختلفة ذات طول و قصر و قروح و شقوق تدق أصولها و يغلظ باقيها، و ربما المت بخبث المادة.
العلاج: يبدأ بتنظيف البدن و لو بالفصد ثم تقطع و تكوى بحطب التين الذكر، أو أصول الفول فهو مجرب، و كذا البصل بالملح و الخل و زبل العصفور و الحمام بالبورق وريق الصائم و رماد الكرم و الصفصاف و بعر الغنم و الجمال، و كل ما ذكر في القوباء.
و في الخواص: من أخذ جريدة من ذكر النخل قبل طلوع الشمس من آخر سبت أو أربعاء على اسم صاحب الثآليل، ثم أمره أن يعدها بيدها اليسار و كلما حط يده على واحدة يقول ما هذه فيقول صاحبها صنطة أو ثأليلة، فيقول الذي في يده الجريدة قطعتها و يحز بالسكين حتى يستوعب الكل، و تطرح الجريدة في مكان لا يراها أحد في الشمس فإن الثآليل تسقط و يبرأ قبل الأسبوع.
البثور و القروح:
هي ما بثر الجلد و طال تقريحه و نزف و جمع. و لها أسماء تارة بحسب هيئاتها فيقال ( (البطم)) لما كان كحبة، و ( (الجاورسية)) لما يشبه الذرة، و كذا ( (العدسية)) و نحوها، و تارة بحسب ما فيها فيقال ( (اللبنية))؛ لكون ما تجمعه أبيض كاللبن، و تارة بحسب الزمان فيقال لما يشتد منها ليلًا لتحصفه و برده
ص: 416
( (بنات الليل))، و تارة بحسب الموضع فيقال ( (قروح الساقين))، و بحسب الشكل ك ( (الشهدية)) و ( (التوتية))، و بحسب ما كثر فيه أصالة ك ( (البلحية)). و هذه كلها إن احتدت رؤوسها و استحصفت فحارة و ما نزف رطب و بالعكس، و كذا الألوان من أصح الأدلة.
و القاعدة في علاجه ابعد التنقية طلاء السوداوي بما في الثآليل مثلًا و بنات الليل كالحكة و هكذا. و فيها ما يحتاج إلى القطع كالتوتة، و البتر؛ لاستخراج دمه كالقرنية و الشيلم و بثور الوجنة و الصداع و الفقرات، فإن غالب هذه صلب لا ينطف، شديد الحمرة نازف وصم. و مادتها: الورم و كلها داخلة فيما مر.
الجدري و الحصبة:
بثور مخصوصة. مادتها ما اغتذي به الجنين من دم الحيض تدفعه الطبيعة عند نهوضها؛ و لذلك يخرج في زمن الطفولة و يتأخر بحسب ضعف القوى. و الجدري ما كبر، و الحصبة ما صغر. و كلٌ تلزمه حمى، هي في الحصبة اشد، و تبتدئ كقرص البراغيث ثم تتزايد حتى يتكامل خروجه. و أقله ثلاثة أيام و أكثره سبعة. الحمقى
حبات قليلة متفرقة كبار بيض لا يتأذى بها أحد، و يليه اللؤلؤ: و هو ما استدار و أبيض و أقلعت الحمى في ثالثه و ترك في الثامن و هو جيد في الغاية، و يليه الأحمر: و هو عسر يكثر معه العطش و حكة الأنف و التلهب، و هذا إن لزمه القي ء في الأسبوع الأول و الاسهال في الثاني بلا موجب قتل.
و الأصفر: و هو أشد خطراً و الأزرق و الأخضر المشطب بالبياض المعروف ( (بالورشكين)) و الاغبر المتصل النزاف للدم، و هذه لا يمكن معها سلامة.
و جميع الجدري إذا لم تقلع حماه بعد العاشر و قرح و أوجب البحوحة فلا مطمع في برئه، و لا بد من الموت و لو إلى الأربعين، و هو من أمراض السنة الوبائية و يعدي برائحته.
و علاجه: أولًا شرب البنفسج و شراب الحماض بماء العناب و الكسفرة و الصندل و اطعام ما يخرج الدم من الحلاوات، فإذا فات الأسبوع أطعم ما يبرد مثل
ص: 417
العدس و القطف و الاسفاناخ و ذر عليه الورد و الصندل و الآس صيفاً و الطرفا شتاءً أو يدخن بها عنده. و ما يعمل الآن من ذر الملح خطر شديد.
و يجب تجنب الزفر إلى الاسبوع الثالث. و مما يحفظ به العين منه أن يلطخ أسفل الرجلين بالحناء و العصفر و الزعفران أو يقطر في العين ماء الورد و قد نقع فيه السماق، أو يكتحل برماد ورق السفرجل و الزيتون فكل ذلك مجرب، و مما يزيل آثاره صدأ الحديد بالخل طلاء، و كذلك الودع المطفى في ماء الليمون، و كذا البورق في ماء الفول. و في الخواص: أن لبن الأتن إذا طلي به أو شرب منه منع طلوع الجدري و الحصبة، و كذا شرب الكادي. و فيها أيضاً أن ما يتقشر من الجدري إذا سحق قطع البياض من العين كحلًا و حفظ عين المجدور إذا ذر حولها.
البرص و البهق:
تغير لون البشرة إلى البياض. فإن أفرط و انخفض معه الجلد و غرز بالإبر فخرجت رطوبة بيضاء، فهو البرص. و المستحكم منه ما ابيض شعره و لم يحمر بالدلك. و البهق دونه. و الأسود منه أسهل. و كلها عبارة عن اختلاط الدم بالبلغم حتى يبرد العضو، و يحيل غذاءه كذلك و يصير صدفياً.
و اسبابه: كثرة ما كان كذلك كالسمك و اللبن و شرب الماء إثر الفاكهة و دلك البدن بالثياب الدنسة و طول العهد بالحمام و الاستفراغ و قلة الرياضة. و شرّه الأبيض البراق الشفاف. و البهق بياض يختص بالجلد دون ما تحته، و ما ينبت فيه و يحمر بالدلك. و إذا نخس خرج الدم من سهله و رطوبة مورده من عسره.
و سببه: رطوبة رقيقة محترقة يحملها الدم إلى الظاهر. و القوة المغيرة فيه صحيحة على الأصح. و كل من النوعين اما أبيض كما عرفت أو اسود تكون فيه المرة السوداء بل البلغم، و قيل: البرص الأسود هو القوابي. و البهق بنوعيه يتقشر، و كذا
ص: 418
البرص الأسود، و على كل حالة كأبيضه في جميع الأحكام.
العلاج: يستأصل المادة بالقي ء أولًا ثم الاسهال، و يجب تبديل المزاج بالأدوية و الأغذية الحارة بعد التنقية البالغة. و من أجل ادويته بعد ذلك هذا الدواء.
و صنعته: اطريلال درهمان عاقرقرحا تربد زنجبيل سلخ الحية من كلٍ درهم، يعجن بالعسل و يستعمل زمن العنب و يقف في الشمس عارياً، فإن البياض يخرج كالنفاخات و ينفجر في يومه فيعالج كالقروح، و يعاد إن عاد مع مصابرة العطش. و متى شرب لم يبرأ بعدها. و من أدويته المثروديطوس و الترياق و الأيارجات و الأطريفلات و يطلى بالزرنيخ و البورق و النوشادر و بزر الفجل و الجزر و القسط و النورة و عسل البلادر و الميعة، أو زبل الحمام بالنطرون و العسل و أنواع الحريف و الخردل، أو دقيق الفول بالفلفل و حماض الأترج و الشب، فهذه مختارات الأطلية. و قد يصبغ بالعفص و البقم(1) و المغرة و الفوة.
و من المجربات: أن الإطريلال المذكور إذا لوزم كما ذكرنا مع ورق السذاب خمس عشرة مرة مع مصابرة العطش أبرأ. و يعتني في الأسود منها بتنقية المرة السوداء و الاطلية واحدة.
و اعلم أن جميع ما يزيل البرص و البهق يزيل سائر الآثار من وشم و خضرة و باذنجانية و دم ميت، فلا فائدة في الاعادة.
الشقوق:
عبارة عن أنبثار الجلد بسبب خارج الشمس و مباشرة ما يجفف كالزرنيخ، و يكفي في علاج مثل هذا مجرد الشحوم و الألعبة و الأدهان، أو داخل مثل فساد الخلط وحدته، و علاج هذا التنقية و إصلاح الغذاء ثم الطلاء. و مما يخص الوجه منه الزوفا الرطب و لعاب السفرجل و الشفة دهن الحناء و البنفسج. و اليدين يابسة المسحوق و الرجلين العفص و رماد البلوط. و اما الشحوم و الشمع و الأدهان و الزفت و المر و الأفيون و رماد قرن الأيل و المرداسنج فلمطلق الشقوق، و كذا القشف و الشحوب.
ص: 419
الجراحات:
تفرق اتصال بسبب خارج، و هي إما صغيرة بلا غور أولا، و كلٌ إما طري أو قديم، اما مع سلامة المزاج أولا. و القوانين في علاجها مختلفة بحسب ذلك.
فالصغيرة الطرية يكفي في علاجها تساوي الجلد و ضمه ملتقياً، و يرقد على ذلك مع الحذر من وقوع غريب يمنع الإلتحام، و القديم من هذه يحك ما تولد فيه من دنس حتى يصير كالأول فيعالج مثله. و اما الغائرة الحادثة إن لم تلتق أغوارها كأعاليها بالشد حشيت بما يقطع الدم كالصبر و المر و دم الأخوين و الأقاقيا و الأنزروت و الكندر، و ينثر حولها بين الرفائد سحيق المرجان و الورد و الصندل، و مع الورم بماء الكسفرة و الهندبا، فإن لم تلتق طبيعية خيطت، فإن تولد في فضائها رطوبات و بخار تفقدت فالفطن و الذرور السبق ممزوجا بالزراوند و التوتيا و اقليميا الفضة و الايرسا و شدت مما يلي الاغوار تدريجاً و ترك لها ما يسيل منه صديدها، ثم تلاطف كالقروح بل هي هي، فينبغي أن تنظف بالقطن الخلق، ثم تعطف المراهم المدملة كالبسليقون(1) و الداخليون، ثم ما يختمها مثل العفص و السرو و العروق و ورق السوسن و الجلنار و المرداسنج و الأهليلج و السندروس و الطيون و المرتك و الصوف المحرق بالزفت إلى غير ذلك، و متى تركب نوع من المذكورات مع شي ء من خلل في المزاج عدل بالتنقية، و ربما وجب الفصد أثر الجراحة إذا لم يمنع منه مانع، و إن كان هناك ضربان سكن بتكميد نحو الرمان الحلو مطبوخاً في الشراب، أو ورم حل بما مر فيه أو كسر فيما سيأتي. و متى تعفن شي ء يمنع الإندمال وجبت ازالته بنحو مرهم الزنجار و السكر، فإن عظم فبالحديد و ينشر إن كان عظماً و هكذا. و متى تعذر حبس الدم فاحش الثوم المسحوق يوماً ثم العفص المطبوخ في الشراب، أو المطفي في الخل، و كذا العنكبوت و غبار الرحى.
ص: 420
و مما يعجل الحام الجروح سحيق قشر البيض و السعد و اقماع الرمان الحامض و الطباشير و السذاب.
و من المجرب: أن يحل الشب و الكافور و الصبر في عصاره الكراث و الزيت القديم و يعجن بها أدوية الجروح فإنها تنجب. و مما يحلق بهذا الباب:
استخراج ما ينشب في البدن من شوك و سلا و نصول.
و من المجرب في ذلك الثوم و الشيلم و دهن الغطاس مطلقاً و المغناطيس للحديد و الحرباء(1) مشدوخة و الفار حاراً حال شقه، و كذا الوزغة وسام أبرص(2) و الأصداف الطرية و الأشق و رماد القصب الفارسي و الزفت و بصل النرجس. و ينبغي مع ذلك كله صون العليل عن الحر و البرد المفرطين، و عما يولد الدم كاللحم و الحلو أو يحد المادة كالبصل و الثوم. و لا بد من تفقد حال الجرح إذا قرح بسوء مزاج فيصلح كما إذا رؤي كمداً رصاصياً فقد استولت السوداء، أو تناول العليل مثل الفول و لحم البقر، أو شديد الحمرة و الالتهاب فقد غلب الدم، أو تناول ما يولده و هكذا. و القروح عبارة عن تقادم زمن الجرح و البثور لمانع من نحو ما ذكر.
و منها الناسور و السواعي:
و قد سبقت، و ملاك الأمر في كل ذلك غسلهما بالخل و العسل و الشراب وحشي رماد شعر الإنسان و الكرم و الكرنب و الطرفا و اللوز المر و سحيق لسان الجمل(3) و القنطريون الرقيق. و ليس في الجراح أخطر من العصب، فينبغي أن لا يعالج بادماله و أن يصان عن الورم حذراً من التشنج، و مثله الأمعاء إذا خرجت فانها تحتاج إلى لطف في الإدخال و لو بالتعليق حتى ينحدر و توسيع الجرح و إلى هجر الطعام و الشراب قدر الطاقة حتى يختم.
ص: 421
و نعني بها التي إذا عرضت لم يخل عنها عضو من البدن، و أعظمها خطراً و اكثرها تشعباً و اشدها تأثير الحميات، و هي تغير البدن بحرارة محسوسة عن تعفن سابق يحيل الأبدان إلى الفساد.
و هي اما حمى الروح أو حمى العفن أو حمى الدق فهذه اصولها، و اكثرها تشعباً الثانية، و أخطرها الثالثة. و قد شبه جالينوس حال البدن مع الحمى بالحمام فإن الحرارة تسخن اولًا ماءه ثم هواءه فإن زادت تشبثت بالجدران، و كذلك الحمى تسخن الارواح باشتعال الحرارة الغريبة فيها أولًا ثم تتشبث بالاخلاط، و منها بالعظام و العروق، و لنفصل كلًا من الثلاثة ملخصا:
حمى الروح:
و تسمى حمى اليوم. لانقضائها به في الأغلب، و هي حرارة تسخن دون أن تغير الأفعال الطبيعية، و تقلع بالعرق الخفيف و لا برد فيها. و النبض و البول بحالهما في الصحة إلا إذا كان السبب نحو غضب أو فرح فيعظم، أوغم فيصغر، و تتغير القارورة يسيراً، و قلما تفوت نوبتها يومين.
و اسبابها: اما من خارج كمشي في الشمس، أو من داخل كإفراط نفسي كغم و فرح، أو بدني كتعب و سهر، أو مجلوبة كإفراط سُكر. و علامتها: معلومة.
و علاجها: التبريد بالأدهان و الأشربة و الاستحمام خاصة. و قلما تدعو الحاجة فيها إلى الفصد و الحجامة.
حمى العفن:
هي الكائنة عن فساد الخلط بالعفونة المسبوقة بالإمتلاء و الأغذية الغليظة كلحوم البقر، فتسد العروق و تعمل الحرارة الغريبة في الخلط فيفسد مرضياً، و ذلك الفساد إن كان داخل العروق فالمطبقة و الا
ص: 422
النائبة، و كان الاطباق لعسر التحليل و قرب الخلط من القلب. و المطبقة اما مستمرة على الحالة الواحدة، و هي المصاحبة و المساوية، أو زائدة يتلاحق فيها التحليل الأول فتشتد، أو ناقصة عكسهما.
و اما النوائب، فراجعة في القصر و الطول إلى كثرة الخلط و سهولة انحلاله و التوسط فيهما و العكس؛ و من ثم كانت البلغمية تنوب كل يوم؛ لكثرة البلغم و سهولة اجتماعه، و السوداء كل ثلاث بعكس ذلك، و الصفراء يوما و يوماً؛ لتوسطها بينهما. و لا نائبة للدم؛ لانه إن فسد خارج العروق فليس الا في الاورام الحارة فتكون مطبقة أيضا. لكن اظن فيما يظهر انها النافضة، فقد بان لك أن المطبقة مطلقاً هي الكانئة عن الدم خاصة، و غالب ما يطلقون ذلك على الداخل منها لكون الخارج تابعاً لغيره.
إذا عرفت هذا فاعلم: أن الحمى اما حارة او باردة، و الحارة اما دموية أو صفراوية، و الدموية اما خارج العروق، و علاجها تابع لورم العضو الذي نشأت عنه، و اما الداخلة فإن كانت بلا عفونة سميت ( (سوتوخس))، أو معها فهي الثلاثة السابقة. و شرها التزايد. و علامات الكل علامات الدم، و قد عرفتها، و كذا البواقي. و ليس معها برد و لا نافض.
العلاج: الفصد باستقصاء و لو في دفعات بحسب القوة ثم اخذ ما يبرد كماء الشعير و الريباس و الفواكه خصوصاً العناب و الإجاص و الدهن بنحو البنفسج و الخل و الصنوبر، و التغذي بنحو الماش و العدس و الزرشك.
و اما الصفراء، فيقال للداخل منها المحرقة، و هي حمى ملازمة كالمطبقة الا انها تشتد كالغب، و النائبة منها هي الغب الخالص، و اقل انقضائها في أربع ساعات، و اكثرها أثنا عشر ساعة، و تنقضي في الاغلب على الدور الثالث، و في النادر على السابع.
و علامتها: مع ما سبق استواء النبض في الوسط و صعوبة النافض لقوة القوى و قصر زمنه للحرارة.
ص: 423
العلاج: تنقى الصفراء بالمسهلات مع اصلاح الاغذية و التبريد كما مر مع مبالغة القرع المشوي و السكنجبين الهندي و التمر هندي و حبوب الصبر.
و الباردة اما عن بلغم أو سوداء. و الاولى اما من داخل العروق و تسمى ( (اللثقة)).
و علامتها: الملازمة بلا نافض و لا عرق، أو خارجة، و هي ( (النائبة)).
و علامتها: وجود النافض القليل و البرد الشديد المنكي و الحر الضعيف و العرق، كل ذلك مضموماً إلى ما سبق من علامات الخلط كما عرفت.
و قد يخرج في الباردة بول أحمر؛ لتحلل البلغم الحمى بالاحتراق فيه. و الفرق بين هذا و الاحمر في الحارة غلظه هنا و عدم صدق الحمرة.
العلاج: يبدأ بالقي ء ثم الاسهال كما مر ثم الاكثار من السكنجبين البزوري و العسلي و ماء الحمص بالشبت و البورق و دهن البدن بنحو البابونج و المرزنجوش محلولًا فيه البورق.
و الثانية: و هي الكائنة عن السوداء. تسمى ( (الربع الدائرة)) إن كانت خارج العروق، و تنوب في الثالث، فمن حسب يومي النوبة سماها الربع و من لا فالثلث. و إن كانت داخل العروق فالربع مطلقاً.
و علامتها: قلة النافض و شدة البرد و طوله و قصر العرق و قلته و وجع المفاصل و الجنب. و قل أن تكون اصالة، لبعد تعفنها بل تحدث عن احتراق احد الاخلاط.
و علاماتها: مشابهتها لما احترقت عنه في الدور و غيره.
العلاج: تنقية الخلط بأن يبدأ بما ينقى الاصل ثم السوداء، و تقوية البدن و تلطيف الغذاء.
و مما يخص المطبقة شراب العناب و طبيخ الفواكه و ماء القرع و الشعير، كل ذلك بعد ما ذكرنا من الفصد، و تختص الغب بقرص البنفسج بماء القرع المشوي و الشعير و التمر هندي مع الخيارشنبر، و كذا شراب الليمون و طبيخ الاهليلج، و كذا الصبر و أن يفرش التمر حناء
ص: 424
و الصفصاف و ورق القصب الفارسي و شرب البزور ذوات الألعبة كالمر و القطونا.
و مما جربناه: القي ء بالبطيخ الهندي و الماء و العسل، ثم استعمال شراب الورد و البنفسج بالسكنجبين، و هذا العلاج بعينه للمحترقة أيضاً.
و تختص البلغمية مطلقاً بالقئ بماء العسل و البزوري و طبيخ الشبت و الفجل و البورق ثم شرب الغاريقون و الراوند و ما نقع فيه الزبل و الحنظل.
و تختص الربع بشرب الافتيمون و البسفائج و اللازورد.
و من المجرب: اللؤلؤ محلولًا في حماض الاترج و حبه بخوراً و شرب ماء الكرفس بالسكر.
و في الخواص: إن ثوب النفساء البكر قبل غسله يذهبها إذا لبس، و كذا اكل لحم القنفذ و حمل العظم المثقوب في جناحي الديك و الهدهد.
و من الحميات ما يسمى ( (المختلطة و المركبة))؛ لاختلاط ادوارها و تركبها أكثر من خلط؛ لسوء التدبير و فساد المزاج. و علاج هذه مأخوذ من البسائط، و كذا علاماتها زيادة و نقصاً و اعتدالًا.
و اما الخمس و السدس، و ما بعدهما على ما فيه، فتابع لربع الدائرة. و المختلطات مطلقاً الاغلب من الاصول، و يختص بها الانيسون و الباذاورد(1) و الكشوت، و ثلاث ورقات بنج شرباً.
و في الخواص: أن زبل الفيل يذهب الحمى بخوراً.
حمى الدق:
حرارة تجاوز الاعتدال حتى تتشبث بالعظام و ما فيها تدريجاً، و يقال لاولها الدق مطلقا، و لثانيها الذبول، و آخرها التفتت. و ليس يدرك اولها الا الماهر في النبض أو مستيقظ لنفسه فإن هذه إذا اخذ الغذاء في الهضم اشتعلت كما يضي ء السراج عند ورود الدهن، و اما باقيها فسهل الادراك؛ لأن الذبول يحل البدن و يضمره و يحيل اللون. و إذا بلغت الآخر دق الصوت و غارت العين و الصدغ و تجذبت الاظفار، و هذه الحمى
ص: 425
تكون اما عن العفن بهمل أو بسوء تدبير أو بخطئ الطبيب أو يقع التخليط في الاغذية و الادوية فلا يمكن التلافي، و قد تحدث ابتداء إذا أفرط الهم و الغم و الكدر. و اشدها خطراً ما حدث ليابس المزاج و المهزول في نحو الحجاز صيفاً.
العلاج: جملة ما تقدم في السل و القرحة و اقراص الورد و الكافور و الراوند و شراب العناب، و مطبوخ الافتيمون و الفاكهة و اللبن الحليب بدهن اللوز و السكر و الطين المختوم و مرق الفراريج بانواع البقول.
و من ضرب التركيب هنا جنس مع جنس مثل دائرة مع مطبقة، و اشهر هذه شطر الغب و هي تركب الغب مع نائبة البلغم و غيره، و الورد و هي كشطر الغب. لكن البلغم فيها أكثر، إلى غير ذلك ما يسوغ تأليفه. و احكام كل من علاج و غيره ما مر في البسائط إذا امعن النظر في تحقيقه. الوباء
حقيقته تغير الهواء بالطوارئ العلوية كاجتماع كواكب ذوات الاشعة، و السفلية كالملاحم و انفتاح القبور و صعود ابخرة فاسدة.
و اسبابه: مع ما ذكر تغير فصول الزمان و العناصر و انقلاب الكائنة.
و علاماته: الحمى و الجدري و النزلات و الحكة و الاورام. و منه الطاعون. و ربما تعدت السنة الوبائية إلى غير الإنسان من البقر و الخيل بحسب كيفية الهواء، و ربما فسدت الفاكهة أيضاً و الزروع. و تختلف الامراض باختلاف الغالب فاذا كانت السنة ربيعية كان أكثر الامراض الدم و هكذا.
العلاج: تنقية الخلط الغالب، و استعمال ما ذكر في الطاعون بأسره، و ملازمة البخور بالميعة و المقل ورش المنزل بالآس و النعناع و شم البصل و نحوه، و كذا التفاح و السفرجل، و تقليل الحمام و هجر اللحوم و الحلوات خصوصاً إذا كانت السنة ربيعية. الجذام
و يسمى ( (داء الاسد))؛ لصيرورة الوجه فيه كوجهه، و يقال له أيضاً ( (السرطان العام)).
و سببه: ادمان ما غلظ كلحم
ص: 426
البقر و التمر و الباذنجان، أو احرق بحرافته كالثوم و الخردل و السعد، أو غلظ الدم كالعدس. و يكون عن غليان الدم. و علاماته: تحجر الوجه و شدة الحمرة و بعض تساقط الشعر؛ لكثرة الرطوبة.
و عن احتراق الصفراء. و علامته: سرعة الانتشار و قلة الحمرة و الهزال.
و عن السوداء المحترقة اصالة. و علامته: اليبس المفرط و تمرط(1) و غلظ الاطراف و اعوجاج الاصابع و تكرج(2) الاظفار.
و علامة الثلاثة: تقدم القوابي و الحمرة المظلمة و كدورة بياض العين و استدارة الحدقة و البحوحة، و اسهله الأول و ابعده عن البرء الثالث. و كله قابل للعلاج ما لم ينثر الاطراف.
العلاج: يبدأ اولا بفصد الباسليق من الايمن ثم يعطى مطبوخ الافتيمون ثلاثاً و ماء الجبن كذلك، ثم السقمونيا مع اللازورد يوماً ثم يفصد باسليق الشمال و يسقى اللبن الحليب مع السكر ثلاثاً، ثم طبيخ الفواكه كذلك، ثم هذا المطبوخ:
و صنعته: تين زبيب منزوع سبستان من كلٍ عشرون درهماً، بنفسج بسفايج اسطوخودوس عرق سوس من كلٍ عشرة، عناب ورد منزوع من كلٍ سبعة، ترض و تبطخ باربعمائة درهم ماء عذباً حتى يبقى على الربع فيصفى على ثلاثين درهماً شراب بنفسج و يستعمل، و يكرر إلى تمام الاسبوع، ثم يفصد الاخدعين، و يقتصر على شراب الورد و البنفسج و الترياق الكبير و الحمام و الطلي بالسمن و الشيرج و الزبد في بيت لم يدخله الهواء إلى تمام الاسبوع الثالث، ثم شرب الحناء اسبوعاً، فإن لم يبرأ بهذا العلاج فالامر خطر جداً، فاكو على المفاصل كلها و اسقِ طبيخ الافاعي و اعط ترياق الذهب يوماً و المثروديطوس آخر، فانه يقف قطعاً و يمتنع برؤه بالكلية.
و اعلم اني لم أصل إلى كي هذا العلة اصلًا، و انما أبرأتها بما مر و طالما ازحناها باللؤلؤ و اللازورد و الزمرد و السقمونيا فقط في دون الشهر، و اقتصرنا في الاطلية على اللؤلؤ و الدهنج.
و غالب ما يفسد به هذا المرض
ص: 427
عدم ترتيب العلاج فربما اسهلوا قبل الفصد فترسخ الاحتراقات في البدن، أو فصدوا مع قبض و هيجان للمُرة فيعم و يطفو، أو اعطوا الترياق اولًا فحبس الخلط حتى استوعب العظم، فاحذر من هذه فانها من سقطات الجهلة المفضية إلى تخليد العلة.
و يجب مع هذه القوانين كلها الاقتصار في الاغذية على ما يولد الدم الخالص اللطيف كالفراريج و السكر و صفرة البيض و الزبيب و العنب و الفستق و التين الرطب و العناب. و لبيض الانوق(1) بعد الاسبوع الثالث خاصية حميدة. و من المنافع طبيخ أصل الخطمي و الطرفا و الزبيب شرباً، و الحنظل و الخولان مطلقاً حتى الطلي بها خصوصاً في اسفل الرجلين، و كذا القنطريون و الزفت و الميعة و الزيت طلاءً و كبد الحمار اكلًا، و طبيخ الضفادع النهرية شرباً، و الثوم و الخردل أكلًا. هذه الثلاثة عن تذكرة السويدي، فإن صحت فعساه بالخاصية. و في الخواص: أن مرارة النسر مع دهن حب العنب متساويين و سعط بدرهمين منهما اوقفت المستحكم و ابرأت غيره.
و قد رقمنا في علاج هذه العلة ما لم نسبق إليه جمعاً و ترتيباً فاعتمده، و لم اعلم معالجاً احسن من الرازي في الحاوي، و قد زدت الحب الفرنجي اكثر من ضعفه.
فساد الالوان:
هو تغيرها عن المجرى الطبيعي إلى ما يشابه الخلط الغالب كالصفرة و السواد في اليرقان، و غلبة الرصاصية في البلغم، و شدة الحمرة في الدم. و هذه إن استندت إلى مرض كالصفار مثلًا وقت نزف الدم و ضعف الكبد، فعلاجها علاج ذلك المرض و الا فإن كانت من غير موجب فلتعكر الدم بخلط آخر. و قد يكون تغير اللون لجوع و هم و تحليل افرط كجماع محبوب تشتد معه اللذة فيعظم الاستفراغ.
العلاج: زوال الاسباب المعلومة و الاكثار من جيد الغذاء و تنقية الجلد بما مر في ازالة الاثر، و ترك ما يفسد كالكمون.
ص: 428
العرق:
يقع به الفساد و النفع، من جهة كثرته و قلته و اعتداله، فافراط ذروره يسقط القوى، و يضعف بالتحليل. و يكون اما لحركة عنيفة أو لعجز القوى و المعدة عن الغذاء؛ للتخليط و الكثرة خصوصاً إن اشتد في النوم، و قد يكون؛ لضعف الماسكة و قوة الدافعة أو لغلبة الحرارة، فيرق و يفتح العروق و المسام.
و علامة الأول: وجود السبب، و البواقي تكون العرق بلون الخلط الفاسد، و ربما كان دماً لافراط الخلط.
العلاج: تنقية الغالب و اصلاح المزاج بالتعديل، و دلك البدن بالقوابض كالآس و الورد و العفص و العدس و انواع الطين و الصندل بالخل. و قلته توجب التعفين و النتن و الامتلاء و عسر الحميات و ذلك اما لغلظ الخلط و الغذاء: و علامته: الامتلاء و الثقل، أو لتكرج الجلد بنحو ابرد.
و علامته: حصول ذلك.
و علاجه: التنقية واخذ المفتحات، و الحمام و تنقية الأوساخ، ثم الدهن بما يرخى و يفتح و يجلب العرق كدهن اللوز و ماء الخيار و قصب الذريرة و ألبان النساء. و اعتداله ملطف مجفف ينقي البشرة و يعدل الأخلاط فيجب تعديله على الوجه المقتضي لذلك.
و اعلم أن ما يدر الفضلات كالطمث و البول يدر العرق، و قد ذكر.
تغير الرائحة:
سببه العفونة و احتباس الخلط و قلة الاستفراغ و كثرة تناول ما يحرك الأخلاط إلى الظاهر كالخردل و الحلتيت، و السمن سبب في ذلك لكثرة طي المغابن.
العلاج: ينقى الخلط بالفصد و غيره، ثم يكاثر غسل الجلد بالخل و دلكه بمثل العفص و الجلنار و الكافور و جوز السرو و المرداسنج و المرتك بماء الورد و الشب و المر و ماء الآس.
السمن و الهزال:
قد ثبت في سائر الاحوال و القوانين أن الاعتدال في كل شي ء حسن، فاحسن حالات البدن أن يكون معتدلًا في السمن و الهزال أيضاً كباقي الحالات، مائلًا إلى الثاني في الذكور و الاول في الاناث؛ و ذلك لأن السمن المفرط موجبه ضيق النفس و الربو و عسر الحركة و موت
ص: 429
الفجأة؛ لأن الطبيعة ترسل الغذاء فلا يصادف محلًا لضيق العروق فتنصب إلى القلب أو يفجر العروق.
و اسباب السمن: قلة الرياضة و كثرة الفرح و السرور و الغذاء الدسم كاللحم و الحلوات، و نعومة الثياب و الاستحمام على الشبع و الادهان المرطبة. و الهزال يهيي ء البدن لسرعة قبول الآفة و سقوط القوى و عدم مصابرة الامراض.
و اسبابه: ضد ما ذكر في السمن و ضعف القوى عن توليد الغذاء، و وجود علة في الاحشاء أو دود. فقد بان لك أن الأولى كونه معتدلًا، و هذه الحالات الثلاثة إذا افاض الحكيم احسنها على البدن تفضلًا فلا كلام، و كذا مطلق الصحة، و الا فقد انعم بضروب الادوية الفاعلة باذنه ما به القوام علينا.
و قد ذكرنا في كل مرض ما اطلق به اللسان، و شرح لوصفه الاذهان، فلنقل في علاج السمن و الهزال ما فيه مقنع، فقد عرفت فوائد السمن، فمن اراده فليتعاط اسبابها المذكورة، ثم مريد السمن إن كان مفرط الحرارة أو غيرها من الكيفيات عدلها أولًا ثم تعاطى السمن، واجوده من الاغذية اللبن و التين و القلقاس و الهريسة و الحمص و الفول و اللوبيا كيفما فعلت. اما الادوية فللناس فيها تعشب كثير، فلنذكر ما جربناه من ذلك.
سمنة لمن لم يجاوز الخمسين و كان مبروداً: يؤخذ عشرون درهماً نارجيل، و عشرة فستق، و خمسة شاه بلوط(1) و ثلاثة دارصيني، و واحد قرنفل تدق و تبطخ في مائة و خمسين درهماً لبن حليب حتى يذهب ثلثه، فيلقى فيه ثلاثون درهماً سكر أبيض و يستعمل حاراً بعد جُماع أو حمام، و يكون قد اعد دجاجة و قد تهرت بالطبخ فيحل في نحو خمسين درهماً من مرقها أربعة قراريط من خرزة البقر، و يشرب بعد ما ذكر بفعل ذلك كل اسبوعين مرة مع هجر الحوامض و الموالح و ضروب الرياضة كالجماع و الحمام.
سمنة لمحرور المزاج و يابسه: عشرون درهماً نخالة و مثلها لوز حلو فستق عذبة بزر خشخاش من كلٍ
ص: 430
خمسة عشر، حمص عشرة، تسحق و تطبخ بثلاثمائة درهماً ماء حلواً حتى يبقى الثلث و يترك ليلة، ثم يصفى من الغد و يستعمل بالسكر و يكرر ذلك في الاسبوع مرتين. و نقل أن العذبة وحدها تفعل ذلك.
و في الخواص: أن كعب البقر إذا سف محرقاً سمن، و إن الحنطة إذا طبخت مع الخنافس و الحرمل المسحوق و علفت بها دجاجة حتى يسقط ريشها و أُكلت سمَّنَتْ بافراط، و قد جرب فصح.
سمنة لكل زمان و مزاج ملتقطة::
زبيب رطل، سويق شعير سمسم ارز فول لوز فستق جوز صنوبر بندق شاه بلوط من كلٍ نصف رطل، بنج خشخاش سنبل فوة حمص نارجيل املج دارفلفل حلبة صمغ كثيرا هندي من كلٍ ثلاث اواق، خميرة اوقيتان امير باريس(1) المعروف في مصر بالعقدة و القشرة حب غول انزروت من كلٍ اوقية يسحق الكل بالغاً و يطبخ بماء النخالة و قد طفئ فيه الحديد حتى يتهرى فيسقى مثل وزن الكل لبناً، و مثل نصفه سمناً و يطبخ حتى يذهب اللبن في لقى عليه مثله مرتين عسل جيد إن كان في الشتاء أو لمبرود، و الا فسكر و يعقد به و يرفع، و تستعمل قدر الجوزة في الصبح و مثله في المساء.
و اعلم انه قد ثبت في الخواص: أن دواء السمن متى اكل المصنوع منه أكثر من واحد لم يفد شيئاً، بل قال فيها: انه يذكر اسم المعمول له و ينويه بالعمل لزوماً، و كذلك يجب عمله و استعماله في زيادة القمر خاصة. و كما يحتاج إلى التسمين كذلك تدعو الحاجة إلى تهزيل البدن فمن اراده فليستعمل اسبابه الخاصة كالنوم على الأرض و دخول الحمام على الريق و لبس الخشن و المشي في الحر و الرمل و اكل كل حامض و مالح، و ادويته الخاصة به اللك و النطرون و السندروس و الفلفل، الشربة منه نصف درهم بشراب الليمون، و الاغذية النعناع و البصل و الثوم و الكراث اكلًا و طلاءً على الريق.
ص: 431
الحب الافرنجي:
محل هذا بعد الجذام، و يعرف في مصر بالمبارك تفاؤلًا، و عند بعض العرب و الحجاز بالشجر، و هو مرض عرف من اهل افرنجة اولًا و تناقل فرؤي بجزيرة العرب سنة سبع و ثمانمائة و تزايد حتى كثر، و لم تذكره الاطباء فالحقه المتأخرون بالنار الفارسي و هو جهل، فلنبسط الكلام فيه لعموم البلوى به تبرعاً لله عز و جل، فنقول:
هو مرض يعدي بمجرد العشرة، و اسرع ما يفعل ذلك بالجماع. و مادته عن الاخلاط كلها، فيكون عن الدم. و علامته: أن يكبر و يستدير و تشتد حمرته جداً و ينزف الدم و الرطوبات مع التهاب و حكة، و عن الصفراء. و علامته: ما ذكر مع قلة الرطوبة و زيادة الحدة و الصفرة و يسمى بمصر ( (الضاني))، و عن البلغم. و علامته: الافتراش و عدم الحكة بكثرة الرطوبة و بياضها، و عن السوداء. و علامته: الجفاف و الصلابة و الكمودة، و قد يتركب من أكثر من واحد. و علامته: اجتماع ما ذكر و اول ما يفسد به البدن من الخلط يدخل في العروق فيحدث الكسل و الثقل و الحمى. و الحار منه يحدث الضربان في المفاصل، ثم يتنفس من محل واحد يسمى امه، و اخبثه ما بدأ بالمذاكير و المغابن. و جهلة الاطباء تبدأ هذا بالمراهم المدملة فيختم فيدمر على البدن، فليحذر من ذلك.
العلاج: لا شي ء اوجب من الفصد في الحار منه اولًا في الباسليق ثم تنقية الخلط الغالب ثم فصد المشترك.
باقي العلاج: و اجوده في الدم أن يسقى هذا المطبوخ ثلاث مرات متوالية.
و صنعته: سنا، فوة، غاسول(1) من كلٍ خمسة عشر، اصول قصب فارسي عناب من كلٍ عشرة، ورد منزوع سبعة، خلًّا خمسة، ترض و تطبخ بستة امثالها ماء حتى يبقى الثلث، فيصفى و يشرب برب الخرنوب، و في الصفراء يزاد زهر بنفسج عشرين، أصول خطمية خمسة
ص: 432
عشر، ثم السكنجبين و شراب الورد بماء الجبن اسبوعاً ثم الخيارشنبر إلى الثلاثين درهماً به أيضا، ثم معجون اللوز أو ما تركب من السقمونيا و اللؤلؤ إن كان قادراً على ذلك و الا كرر المطبوخ المذكور، فإن جف غسل بالخل و الصابون و طلي برماد البندق و الاسفيداج و الصبر و ماء الليمون محلولًا فيه الزنجار. و يبدأ في البارد بالقي ء في البلغم بطبيخ الشبت و الفجل و البورق، و في السوداء باللبن و البورق و السمن و السكنجبين ثم يسهل البلغم بالتربد و شحم الحنظل و الغاريقون و السوداء باللازورد و الافتيمون و اللؤلؤ، و يخلص منه مطلقاً كيفما عمل، ثم التدبير كما مر في الحار.
و مما تجدد و هو عظيم النفع في هذه العلة الخشب المشهور جوجين، لكن لا يستعمل الا بعد ما ذكرنا. واصل استعماله المفيد جداً أن ترض عشرة دراهم و يطبخها بستمائة درهم ماء حتى يبقى الثلث فيصفى و يستعمل في الطعام و الشراب و يتلقى بخاره، و يكرر كذلك حتى يتم البرء. و اهل مصر تجعله في العسل و تستعمله و ليس بجيد. و مما ينفع منه طبيخ العذبة مع السنا.
و اما مرائر البقر فخطرة، و كذا اكل الزئبق المعمول بدقيق الحنطة و الكركم و الكبريت و الفربيون و السليماني(1) حباً كالحمص، و كذا دهنهم الاطراف بهذه أيضاً كل ذلك خطر جدا، و ربما نجح و افاد إذا صادف قوة المزاج، و كثيراً ما يعقبه تنافيس الاطراف و ضربان المفاصل فاعرفه.:
ص: 433
ص: 434
الأول في بقايا ما يرد على المزاج و البدن من خارج فيلحقه بعد صحبته بالمرضى.
و قد عدتها الاطباء من الامراض، و ليست في الحقيقة منها؛ لعدم تعلقها بشي ء مما سبق فأقول:
الوارد على المزاج وحده، فهو التكدر النفساني و يسمى ( (الانزعاج)) و بمصر يسمى ( (الخضة)) و بسببه تحدث امراض كثيرة، و حقيقته: نكد منبعث يرد على القوى و هي غير مستعدة فيعطل افعالها الطبيعية، و اشده ما ورد على الدواء و الصوم و الصفراويين و بعد غذاء ردي ء الكيفية كالباذنجان؛ لأن الحرارة تصعد ما احالته بشدة غليانها إلى اقصى البدن و قد انقلبت سمياً، فإن كان صفراء خرج نحو الحب و النار الفارسي و النملة، أو سوداء فالاحتراقات و القوابي و الجذام، أو بلغم فكالفالج و المفاصل و قطع الشهوة و النسل و الطمث، أو دم فكالاورام الشديده و السرسام.
و قد يظهر في البدن صفة المأكول إذا وقع ذلك قبل احالة الهاضمة كالشيب و البرص دفعة لمن اكل اللبن، و اشد الناس تأثراً بهذا اهل البلاد الحارة المرطوبة اللطيفة الماء و الهواء كمصر.
العلاج: تجب المبادرة اولًا إلى القي ء بالعسل و الماء ثم اللبن و الشيرج به أيضاً ثم الفصد ثم اخذ الاشربة المقوية للاعضاء و القلب مثل الفواكه و الكادي(1) و الديناري(2)، و ما ركب من الصندل و اللؤلؤ و الخولان و السكنجبين ايها وجد، و يغتذي في يومه بذلك الغذاء الذي وقع الفساد
ص: 435
منه بعد التنظيف؛ فانه يفعل بالخاصية. و لترياق الذهب فائدة جليلة في ذلك. و السفرجل منقوعاً في الشراب و حب الآس في ماء الورد و العود الهندي مع الكسفرة و قشر الأترج كل ذلك مما جربناه.
و على المراضع تنظيف الثدي من اللبن المتحصل وقت ورود المغير و الّا حلّ بالاطفال ما ذكر.
و اما ما يرد على البدن وحده، فالمصادمات من سقطة أو ضربة أو حرق أو كسر أو خلع، فاما الضربة إن كانت بالسياط كفى فيها لف البدن بالجلود حال سلخها و التغميس بدهن الورد و سحيق الآس، أو بغيرها و لم تحدث كسراً كفى فيها الضماد بنحو الورد و الصندل و الفوفل و الآس و دهن الورد و الماميثا و السرو و الطين الأرمني، و إن شدخت أو رضت، أكثر من الصندل و الآس و الورد، أو كانت على العصب فمن الزيت و الخمر العتيق بالقطن و إن حبست دماً حلله بما مر.
الحرق:
فما كان بالنار و لم ينفط كفى لطخه بالمداد و بياض البيض و الإسفيداج و الطين و دقيق الأرز و دهن البنفسج و الطحلب أيها حصل و إلا فبالفصد و مرهم الإسفيداج أو النورة و رماد رجل الدجاج و الملح الأندراني و القرع و السرو و الطرفا و الخل و الملح و الزيت و النورة المغسولة سبعاً مجموعة أو مفردة بالبيض، أو الخل و كذا الجلنار و الحنظل.
و من المجرب، عصارة الكسفرة مع المرتك كل ذلك طلاءً، أو بالدهن فبالإسفيداج و الزفت، أو الماء فبرماد الشعر و صفرة البيض و الزنجفر بالشمع و بياضه، أو بالسمن و الكافور و بياض البيض و دهن البنفسج، أو بعسل البلادر فيها مع الشرط و الحجامة، أو بنحو العسل فبالاسفيداج و المداد بعد الغسل بالسدر و ماء الزيتون المالح و الرمان.
و أما الكسر:
فهو تفرق اتصال العظام فإن كان في موضع واحد فسهل، أو تعدد و كان كبيراً ظاهراً يرى للبصر فكذلك؛ و إن كثرت شظاياه اجتهد
ص: 436
باللمس في مساواته على الشكل الطبيعي، و إن برزت نزعت أو نشر الحاد منها و رُد العضو إلى شكله، ثم ربط من الكسر إلى الأعلى أولًا و منه إلى الأسفل بعد اللف عليه ثلاثاً أو اربعاً بشد وثيق، و توضع عليه الجبائر و يجعل العضو ممتداً على شكله ممنوعاً عن الحركة، و تغير كل ثالث أو رابع حيث لا ورم و لا ألم و الا ارخيت شيئاً فشيئاً و نطلت و دهنت بما ذكر في الاورام و أُعيدت هكذا.
و إن كان هناك جروح عولجت كما مر. و بشرط الرض؛ لئلا يقرح و يعطى لطيف الاغذية اولًا بالفراريج ثم تغلظ يسيراً حتى إذا احمرت الرفائد و ظهرت علامات ارسال الدم اعطي نجو الكوارع و الهرائس. و مما يبطي ء بالجبر كثرة الشد و عكسه أو ثقل الرفائد ورقة الغذاء فليجتنب.
و يجب من حين الكسر إلى أسبوع استعمال نحو الموميا مطلقاً و الراوند و الفوة و اللك و الطين المختوم بما نقع فيه الحمص ما تيسر، و اجود الجبائر بخشب العناب أو الرمان، و اللصوقات بالطين الأرمني و الماش و العدس و الزفت.
و أما الخلع:
فهو زوال التركيب كثيراً و الوثي(1) يسيراً، و ربما خفي في العضد بأن يدخل في الابط و الفخذ و الأرنبة، و يعلم بورم أو ظهور جلد أو منع حركة أو مقايسة عضو إلى آخر فيطول أو يقصر.
و علاجه: تحري شدّه بعد ردِّه إلى الشكل الطبيعي كالكسر، و سلوك القانون السابق من غير زيادة. و من الواجب زمن الجبر تليين الطبيعة و سرعة رد العضو قبل أن ينعقد و تعاهده كما مر، و الإكثار من المغاث(2) في الشرب و اللصوق، و من الأقاقيا و الآس و المر و الكرسنة في الجبائر.
و إذا ظهر الجبر فاسداً أو تعقد لين بالأدهان و الشحوم و النطولات و فك و أُعيد بشرط البداءة بحل الأورام المانعة من ظهور العضو و تسكين الآلام.
ص: 437
و أما الوارد عليهما معاً، فليس الا السموم و ورودها، اما على البدن اولًا كالواقع بالسهام المسمومة و طلًا الملابس، أو على المزاج اولًا، و ذلك بالتناول و لا ثالث لهما، فلنقل في احكام السموم قولًا شافياً:
السم:
كل فاعل بصورته و جوهره مضاد للحياة، و هو يخرق الدم اولًا و يطفئ الغريزية ثانياً، و حين يأتي على القلب، فقد تم امره فاذاً القاعدة في علاجه: اخذ كل مفرح للقلب و مناسب للحياة طبعاً و مشاكل الغريزية، و هو لا يعمل مع الشبع و لا مع الحار و المالح و الحلو، فينبغي لمن فاق منه تحري ذلك و السبق بكل ما يحفظ كدواء المسك و المثر(1) و الترياق، و ما ركب من الطين المختوم و حب الغار و الجنطيانا، و كذا التين و الجوز و الملح و السذاب متساوية و الشونيز مع السلجم البري إذا سحقا بمثل كلٍ ثلاثاً من التين الأبيض، فكل ذلك حافظ للروح و القوى إذا استعمله من يخاف ذلك، و كذا الفوتنج المطبوخ بالشراب. و اعلم أن السموم ترد على الابدان من جهات اشدها التناولات لمخالطتها الروح، و قد وضعوا علامات بالتجارب و القياس يعرفها الفطن، و ذلك أن كل طعام تغير بسرعة أو تلزج و تعلب أو ترشحت منه رطوبات أو كان حلواً، فظهر عليه حدة و لعاب أو حامضاً فمثل الدارات و النجوم، و كل ما تحول عن لونه الاصلي بلا موجب كغبرة نحو اللبن و بياض التمر هندي و نسج نحو العنكبوت على نحو المشوي و المقلي و مثل قوس قزح في السمن، و الادهان حال حرارتها و القتمة و الحمرة حال جمودها و التنفخ و ثقل الرائحة فسموم قطعاً.
و أما المشروبات:
فالماء لا يمزج بسوى المصعدات، و على كل تقدير لا بد من تغير لونه. و العلامة في سائر الاشربة خطوط تنقطع و خضرة في نحو العسل و زبد يعلو و دوائر كالادهان إلى السواد غالباً، و في الثمار الغبرة
ص: 438
و تهرّي الرطب و صلابة الجاف و تفتته، و في المشموم نقص الرائحة و ذبول الاخضر، و في الملابس انحلال الصبغ و الجرد و سقوط نحو الوبر إن كان، و ظهور لمعان في الشمس، و في البخور خمود النار حال الوضع و خضرة الصاعد و ثقل الرائحة، هذا كله قبل المباشرة.
اما بعدها فغير خفي بأن السمومات إن باشرت البدن من خارج كالغمر و الادهان، فلا بد من التنفط و الورم و اللذع و التهيج و البثر، أو من داخل فكالكرب و ضيق النفس و اللذع و الحرقة و الغثيان، و اكثر ما تكون السموم إلى البنفسجية و السواد فليحذر، و كذا المجهول. ثم ما احدث لذعاً و حرقة فحاد يكثر في علاجه من الدهنيات و الحلو اللزج، أو حرارة و ظلمة و سدراً و حكة و طيشاً و اختلاطاً فحار يزاد فيه من نحو الألعبة و الطين و الكافور، أو ثباتاً و ثقلًا فبارد يؤثر فيه الحار مثل دواء الحلتيت، و هو عاقرقرحا فلفل قسط قردمانا فوتنج مر سذاب متساوية، حلتيت ربعها يخلط بالعسل، و مثل الخمر و الثوم. و كل ما مغص و قطع حار أو هيج الحمرة و صفرة العين و الكرب و القلق فكذلك، لكن غير حاد. و كل ما اسقط القوى و غشى و حلل القوى المضادة قتّال يجب صرف العناية إلى الاحتراز منه، و هذا كمنع النوم و العطش.
ثم لا يخلو اما أن تظهر نكاية السم عامة فيعم البدن بالعلاج أو خاصة فيخص ما ظهرت فيه بمزيد الدواء الخاص بذلك العضو، و أولى بالنظر في ذلك الرئيسة فمتى احدث السم تشنجاً فقد ضر الدماغ أو خفقاناً و ارتعاشاً فالقلب أو يرقاناً فالكبد أو نقص احساس فالعصب، ثم يراعي في الدواء جهة ميله فتعطى الحقن إذا ظهر الضرر في اسافل البدن و الا المسهلات.
العلاج: يجب البدء بالقي ء أولًا بمطبوخ الشبت و الفجل و البورق و الشيرج و السمن و اللبن و العسل مجموعة، أو ما سهل منها حتى تحصل التنقية، ثم تعطى المنعشات القلبية و غيرها و مياه الفواكه و لو من اوراقها،
ص: 439
و الربوب و الادهان الزراوند مع حب الاترج مجرب. ثم إن احتملت القوة فصد في الحار و الا اقتصر على التليين، و إن غاص القئ فاعطاء ما يخرجه كقثاء الحمار؛ لانه انفع.
العلاج: هناك، و يزيد كل عضو ما يخصه من الدواء كما مر، و لا بد من نظر في الطوارئ فليس الاهتمام بأسم بارد في بدن و زمن و مكان و كذلك كالاهتمام به، و هو فيها حار. و ما نقص بحسبه، و العلاج الخاص يندرج في هذا من نوع.
ثم إن وصلت السموم في لبن أو دهن فقد خصوا بها هذا الدواء: و هو كندر زنجبيل مرارة ذكور الظباء من كل إثنان، مرارة الديكة(1) درهم و نصف، شراب عتيق و لبن امرأة ترضع انثى من كلٍ أو قيتان تخلط، و شربتها ثلاثة، أو يحلو فيزيد القي ء و البادزهر و ترياق الطين بكثرة؛ لالتصاقها حينئذ بجرم العضو، أو يحامض فيجتهد في حفظ العصب. و قلّ شارب سم في حامض ينتج و إن نتج فلا بد من تعطيل نكاحه. و قلما تقطع السموم في مالح.
و يجب إن وصلت السموم من خارج بنحو غسولات، مزيد الاعتناء بالاطلية بما اعد لذلك كعصارة ورق الاجاص و ماء الخس و الليمون و دقيق الشعير و الفول و الصندل و الورد و الآس و ماء السذاب و دم الديك و بياض البيض و الكافور و النشا و العفص و الخطمي مجموعة، أو ما تيسر منها، و يزيد فيما وصل بالاستنجاء و التحمل بالورد و العليق و لسان الحمل متساوية مع نصف احدهما من الداري(2) و سدسه من الكندر و النبيذ و دهن ورد، و كذا دم الجدي حال ذبحه.
و المشموم: الأستنشاق بدهن الورد و البنفسج و الماميثا و الحضض. و حكم الملبوس قريب من المغسولات فيزيد الغسل باللبن و دهن الورد ثم الماء ثم بياض البيض، و ما مر من الأطلية و عصارات ورق الاشجار و دهن السوسن أو بالادهان فيزاد الصبر و الحضض و المرائر و الصندل و الكبابة مع ربع أحدها من
ص: 440
الكافور مرخاً. و الكحل بالإكتحال بالمر و الكندر مع ربع احدها من الكافور و ثمنه من المسك، و كذا الميعة السائلة بماء اللبلاب أو ورق الزيتون.
ثم اعلم أن السموم محصورة في المعادن كالدهنج، و النبات كقرون السنبل(1)، و الحيوان كالافاعي، و لكل واحد من هذه تأثير في البدن إذا جهل علم ما يذكر له من الافعال، فلنذكر من ذلك ما تيسر إذ لا مطمع في الاستقصاء فنقول:
لا شك أن نفع الوارد و ضرره في البدن بقدر ما بينهما من الملائمة و المنافرة؛ و لذا كان الغذاء اشبه بالبدن من الدواء، و هو من السم إذ هو ابعدها فكان اقبل، و عليه يلزم أن يكون المعدن من حيث هو ابعد مطلقاً؛ لنقصه عن الحيوان فيما تقرر، و به يلزم رجحان نفع مثل المسك على الذهب مثلًا، و فيه اشكال ينشأ عن خطير نفع الثاني و ضرر الأول، و من أن الغذاء الحاصل من الأول يوجبه.
و يمكن تسليمه أو الجواب باختلاف الغايات. و على كل حال فسميات المعدنية اشد ضرراً و نكاية، و هي حاصلة في كل ما لم يتم كالزرنيخ أو تم ثم فسد بعلاج كالزنجار، و في كل ما خبثت اركانه أو احدها كالزرنيخ و الحديد، و هذه إذا وردت على البدن حصل منها سحج لحدتها و لذعها و تقطيعها ليبسها و سعالًا لجذب العضل، و ربما خلطت العقل لسوء البخار. و قد يشم رائحة المشروب منها في الخارج و لو نفثاً و عرقاً.
و علاج أمثال هذه بكل دهن و لعاب و لبن للتغرية و التليين و التفتيح، و كذلك عين دهن الورد في الزرنيخ و النورة و كذا اللبن. و قد يعلم الزئبق المصعد بمزيد مغص الاسافل لثقله، و نحو الإسفيداج ببياض اللسان و استرخاء المفاصل.
و الشُّك: بالمعجمة المضمومة يعني تراب الفأر، و يسمى الرهج بمزيد القي ء و الالتهاب. و كالأصل الفرع، فيكون الزنجفر كالزئبق؛
ص: 441
لعدم سُميّة الكبريت و بقاء عين الصبغ في زئبقه. و المرداسنج كالنحاس و الرصاص سائر أنواعه من اسرنج و غيره.
و يليه النبات، و اشده بلاءً ما تولد في الأرض العفنة و الظلال و خبثت رائحته و قل ورقه و تكرج مثل القطن و قرون السنبل و البيش(1) و الجدوار(2) و الترمس و السوكران و جوز ماثل(3)، و كلها توجب صداعاً و عطشاً زائدين على ما مر؛ لسرعة انحلالها. و خص الفطر بالبورق، زبل الحمام بماء الفجل، و السوكران بطبيخ أصل التوت الاسود و الخمر و الحلتيت مطبوخاً بالشيرج و ورق الغار بخل أو شراب، و مثله البنج و الافيون؛ لتساويهما في الدرجة.
ايجاب السبات و البرد، مع ما مر و الافيون بالدار صيني و السذاب و المر و العسل و دهن الورد و الشراب العتيق بالسمن و القي ء بالشبت و البنج بلبن الغار و القي ء بالبابونج. الحيوان
و اشده في ذلك ضرراً و كثرة الحيات بانواعها و الائتلاف بها إذا نهشت مطلقاً، و بالمقرن منها و الصل(4) و المرقط اكلًا أيضا.
و البراكيا تقتل بسيل الدم من نهشها؛ إذ لا سبيل إلى قطعه. و قد اعتنت اهل هذه الصناعة بافراد احكامها بالتأليف و لنا في ذلك رسالة مفردة.
و حاصل الأمر: أن الحية إذا نهشت فإن كانت خبيثة كالبلوطية و الغبراء و البراقة وجب قطع العضو أولًا ثم العلاج، و الا فإن سال الصديد و الرطوبات فالشرط و المص. و يجب الاعتناء بالوضعيات اولًا إن كان البدن قوياً و العقل صحيحاً، و الا الاعتناء بعلاجه بنحو اقراص الكرسنة المتخذة منها و من السذاب البري و المثر و الحلتيت بالشراب و الثوم و الترياق، فإن ساء التدبير اولًا حتى انتشر السم فالفصد و الا فاحذر. و جل ما يعتنى به الادوية القلبية.
و ما خص بانعاش الروح العنبر و البادزهر و الزراوند المدحرج، و كذا ملازمة العسل و السمن شرباً و قيئاً و أكل الكرنب و شرب روث الإنسان انفس مستعمل هنا، و الضماد بالميعة
ص: 442
السائلة و القطران و الحمام و الفار مشقوقة سخنة، و كذا القسط و زبل الحمام. و من اخذ الزراوند المدحرج و برز الحندقوقي و الكرسنة و السذاب البري متساوياً معجوناً بالخل إلى مثقال بالشراب خلصَّه.
إن ابن عرس(1) إذا اخرج و ذبح و سلخ و شق بطنه و ملح و جفف في الظل و سحق و شرب منه مثقالان كان اقوى علاجاً للسموم كلها.
و يليها العقارب: لانها تقرب من فعلها و ربما قتلت من فعلها و ربما قتلت خصوصاً الحرارة.
وسم العقارب بارد يقتل بالتجميد، و قيل إن منها ما سمه حار كالافاعي و هو يبرد و يخدر و يرخي و يكثر العرق و كثيراً ما يسكن طوراً و يشتد آخر. و الحرارة لا تؤلم اولًا، و لكن بعد يومين تؤلم و تقرح.
و علاجها: شد العضو و الشرط و وضع المحاجم، و كذا الدلك بالملح و الثوم و الخل و القطران و الكبريت ايها حصل و كذا ورق القرع.
و من المجرب شرب الزيت محلولًا فيه قليل افيون وحل شعر صبي إذا اخذ بعد اربعين يوماً، و قيل: ثلاثة اشهر مع شي ء من الغاريقون، و حبة بندق مثلثة في خرقة خضراء، طلسم نافع من العقرب ما دام محمولًا.
و من شرب الهندباء البري و الكزبرة اليابسة و ورق التفاح الحامض متساوية سكنت لوقتها.
و اما الرتيلاء(2): فشرها الصفراء و ذات الخطوط البراقة، و شر العناكب القصار السود فالطوال البيض، و ما عدا ذلك سهل. و كلٌ دون ما ذكر.
و علاجها: المص و الدلك بمطلق الأدهان و الماء الحار و الضماد بورق الآس و حبه و السذاب و الشونيز شرباً و ضماداً.
و اما العضائض، وسام ابرص: فكلاهما تبقى أسنانهما في المحل و تحدث حمى و خضرة في الموضع و كرباً و غثياناً.
ص: 443
و علاجه: خلع ذلك بالدلك بنحو الصوف، و يطلى المحل بسحيق بزرقطونا و دهن الورد، فإن عظُم شُرِط و مص و دلك و عرق.
و اما الزنابير:
(1): فالقاتل منها نوع لونه كالبازي(2)، و أخر رأسه اسود في دوائر كثيرة خصوصاً إذا وقع على فأر ميت ثم لدغ.
و علاجه: أخذ كل مبرد خصوصاً الافيون و الكافور و الثلج و الجمد اكلًا و دلكا و فتيلة، و يبرد المحل كثيراً بالطين و الطحلب و ماء الكسفرة الرطبة، و هذا القدر كافٍ في علاج النحل و الزلاقط.
و اما عض مطلق الحيوانات::
فعلاجه علاج القروح. و يجب التحرز غالباً من عض الحشرات و المخرزات خصوصاً ابن عرس. و ما كَلُب من الحيوانات فمعلوم الضرر. و الكَلَب في الحيوان كالماليخوليا في الإنسان، و غالب وقوعه في الكلاب فلذلك اعتنت به الأوائل.
و من العلاج الناجب في سائر العضّات: تضميدها بالخل و الملح و البورق و الثوم و البصل و السلق و الجرجير و شعر الإنسان ايها وجد. و المكلوب يجتهد أن يبقي جرحه مفتوحاً و يعالج بكل ما ينقي الخلط السوداوي و كبد الكلب مشوياً اكلًا و دمه شرباً و نابه تعليقاً، و لحم ابن يوم منه إذا دق بدقيق الشعير و استعمل كل ذلك مجرب. و شرب أربعة قراريط من الخولان كل إلى أربعين مخلص. و من الشونيز درهمان، و قد نقص الدراريج غير المسمومة فيخلط منها قيراط مع مثله من الرازيانج و النوشادر و يسقى فيخرج قطع الدم مختلفة مع البول. و الكلب إذا رأى في المرأة صورت كلب أو خاف من الماء أول اسبوع فلا علاج له. و لا تؤمن غائلة الكلب قبل ستة اشهر، و غالب ما يقع في الحارة. و إذا استدارت العين أو احمرت أو شيب بياضها بخضرة فمكلوب، و إن شك في العضة هل هي من مكلوب أم لا فغمست بدمها لقمة و رميت إلى كلب و لم يأكلها فمكلوب يجب علاجه.
ص: 444
و كذا الجوز و الشاه بلوط إذا وضع عليها ليلة و اطعما دجاجة و ماتت فمكلوب. و الحيوان المكلوب يدلع لسانه و يسل لعابه و يطرق راسه و تحمر عينه و يمتنع القرار و الاكل، و كذا معضوضه.
و منها: طرد الهوام من المساكن، و كثيراً ما اعتنت به الأوائل و افردوه بالتصنيف والاهم منه ما اشتدت نكايته كالحيات. و يجب على كل ساكن منزل أن يكثر فيه من رش النوشادر و طرح الغار و الحسك(1) و القطران؛ لمنعها مطلق الهوام، و مما يخص بطرد الحية اظلاف الماعز و قرن الابل و شعر الإنسان و الزرنيخ وثوب الافعى بخوراً، و كذا الاخثاء كلها و العقارب بها و بالكبريت و شحم الماعز ورش الحلتيت محلولًا بماء الفجل مجرب، و البراغيث بطبيخ الدفلى و السذاب و شحم القنفذ و دم التيس و الحنظل و البق بخشب الصنوبر و زبل البقر و الزاج و حطب التين و الشونيز و العشار(2) و الحشيش و الشهدانج بخوراً، ورش ماء الترمس.
و كذا القراد و الدلم(3) و الذباب بالكندس و الزرنيخ و الخربق الاسود رشاً و بخوراً.
و الفأر بها و بالرهج و العنصل، و النمل بدخان الحلتيت و القطران و مرارة الثور، و الزنابير بالثوم و الكبريت، و الأرضة(4) بريش الهدهد و الكركي و الفوتنج، و السوس بالساج(5) و الأفسنتين و قشر الاترج و الزعفران و الآس و زهر الحناء.
و منها الخواص: و المراد بالخاصية، كل فعل لا يتخلف بعد مباشرة الفاعل القابل دون استناد إلى طبع. و تكون اما مطلقة و هي مفاعلة لا بشرط شي ء اصلًا كجذب الحديد بالمغناطيس، أو بشرط متعلقة، اما الزمان كأبطال شاهية النكاح ببزر العرفج شتاء، أو المكان كالقتل بالبنج في ارض فارس خاصة، أو لشي ء معين من جنس ككي الثؤلول بذكر التين لاكله، أو بشرط عضو معين كخرزة الزعفران على الفخذ الايسر للولادة، أو وزن معين يخل تغييره بالمطلوب ككونها عشرة مجرورة إلى غير ذلك. و هل يعلل فعل
ص: 445
الخواص أم لا؟ أكثر الحكماء على الثاني و المتجه الأول؛ لتحري المشاكلة و النسبة الفلكية و شهادة الألوان.
و في هذا تدقيق بسطناه في التذكرة متعلقها المواليد و الكواكب، و ها نحن نثبت منها نبذة تليق بهذا المحل، و موضع الأشباع التذكرة، و لنبدأ بأفضل الحيوان فباقي الحيوانات، فالنبات، فالمعادن.
بوله يبرئ من الجنون و السعال المزمن، و برازه من السم، و سنه بعد موته يبرئ وجع الأسنان تعليقاً و يحرق شجر الصنوبر بخوراً. و سن الصبي المقلوعة في التبديل قبل إن تسقط إلى الأرض في صحفة فضة تمنع الحمل، و بصاقه يبطل المغناطيس، و بول الصبي يقلع الصبغ. و خرقة أول حيض تمنع النقرس شداً. و استلقاء الحائض مجردة يمنع البرد و لا يقربها الأسد، و إن عجنت لم يلتئم عجينها أو وضعت الكوامخ فسدت. و وسخ أذنه مع مثله فلفل يذهب الرمد كحلًا و يعيد الضوء مع نوشادر و ملح دم الأخوين متساوية. و إن بالت المرأة على بول ذئب لم تحبل أو لبست مطلقة ثوب رجل في نفاسها منع حمى الربع حتى يغسل. و لبن الحامل إن طفا على الماء فذكر.
الاسد:
احتمال بوله يمنع الولادة، و مرارته قتالة، و شعره يذهب الحمى بخوراً، و شحمه الهوام طلاءً. و هو يهرب من صوت النحاس والديك.
الذئب::
بوله يمنع الحمل، و مرارته البياض، و بماء السلق سعوطاً يحد البصر و ينقي الرأس، و زبله يسكن القولنج شرباً و تعليقاً. و يهرب من العنصل و ممن ادهن به.
الضبع:
يجذب الكلاب بالخاصية، و شحمه يمنع منها، و مرارته تفتح الصمم قطوراً و تمنع شهوة النساء شرباً. و من اكل لحمه و عض المتوق و ذكر يوم الاكل و شهوة التخمة نفعه، و شعره يسقط الباسور بخوراً. و إذا
ص: 446
غربلت البزور بجلده و زرعت لم يقربها الجراد. و هو يهرب من عنب الثعلب.
النمر:
مرارته كالاسد، و شعره يطرد الهوام، و شحمه يبرئ المفاصل.
الفهد:
بوله يمنع الحمل.
الكلب:
اكل الصغير منه قبل اسبوع يخلص من الجذام و الجنون، و خرء الابيض من الحكة مطلقاً، و نوم المصروع على جلده يخلص عن تجربة، ما لم يجاوز الصرع أربع سنين.
الخنزير:
شحمه طلسم الشقاق و القروح المزمنة، و عظمه حمى الربع و لو تعليقاً، و زبله إذا دفن تحت اللوز المر في نصف تشرين الأول جلا.
القرد:
دمه يخرس.
الارنب:
ضرعه و انثياه تحبل العواقر، و زبله بالعكس. و هو ينعكس من ذكورة إلى انوثة و يحيض كالانسان.
الفيل::
زبله يطرد الهوام بخوراً و يمنع الحمل و لو تعليقاً، و نابه يخلص من الجذام و الزحير و يحبّل، و لبنه كذلك مع أنفحة الفرس، و بوله في الهند يخلص من الفالج.
الجمال:
بولها مع ألبانها يخلص من الإستسقاء مطلقاً و اليرقان في البلاد الحارة.
البقر:
لبنها مع ثلاثة أمثاله من سمنها يفتت الحصى في الصيف، و دهن قرونها بالزيت يمنع صياحها.
الحمار:
شعره يطرد الهوام بخوراً، و زبله القولنج شرباً، و لبنه الرمد كحلًا و الجدري شرباً و طلاءً. و هو كبقلة الرماة للسهام، و دهن دبره بالشيرج يمنع نهيقه. و إذا غسل انثياه و هو عرقان بماء حار ورش في طين نبتت الكسفرة.
ص: 447
و اذا تختم باليسار من حافر الوحشي منع الصرع، و كذا السير من جلد جبهته مجرب.
الخيل:
انافحها و ألبانها تحبل العواقر و تعدل أمزجة النساء للجماع. و الرغوة المأخوذة من فم المولود منها تنفع الخفقان.
البغال:
حوافرها و اوساخ آذانها و بولها مجربة لمنع الحبل.
الشاة:
إذا أفترسها ذئب في نقص الشهر فجلدها و صوفها المأخوذ حينئذٍ يمنع القولنج مجرب.
الطاووس:
مرارته تورث الجنون، و ريشه المحبة.
الغراب:
إذا أكل الخبز المعجون بالشراب العتيق اسقط.
الكركي:
كذلك إذا زيد جوز مائلي.
الحمام:
بيضه يفصح الصغار شرباً و دلكاً، و زبله يجلو الاثر. و يسقط إذا اكل الحنطة مطبوخة بكبريت أو العدس بسمن البقر.
الهدهد:
جلده يمنع الصداع حملًا، و ريشه الهوام بخوراً.
الخفاش:
دماغه مع لبن الكلبة يمنع الشعر طلاءً بعد النتف، و دمه كذلك بعد الولادة إلى اربعين يوماً. و إن طلي بدماغه بطن الرجل منع الانزال، أو شد ذكره على الفخذ زاد الشهوة، و يطرده الدلب(1).
الحية:
مرارتها كالنمر. و سلخها و شحمها ينفع من المفاصل. و إن ضربت بقصبة مرة وقعت فإن أعيدت ذهبت. و هي لا تقرب موضعاً فيه ورق القصب.
العقرب:
رمادها يفتت الحصى. و تلدغ الحية فتموت ما لم تأكل الحنظل. و هي تموت من رؤية الوزغ.
ص: 448
القنفذ:
إذا هُري في أي دهن منع الشعر.
الذباب: إذا دلك به الملسوع سكنها. و روثه يسكن القولنج شرباً. و إن حل في ماء حار ورش نبت النعناع مجرب.
الخراطين(1): مع النشادر و اي دهن كان ينبت الشعر.
الضفادع: المجففة في الظل مع الخطمي طلاء بعد النورة عكس ذلك. انتهى ما اوردناه من الحيوانات.
فأشرفه النخل:
لما بينه و بين الإنسان من الشبه في وجوه كثيرة فانه يعشق و يموت إذا فسد رأسه و ينميه الدم إلى غير ذلك؛ و من ثم اشار صاحب الشرع صلوات اللّه و سلامه عليه إلى ذلك. و من خواصه: أن رماد أجزائه يقلع الحكة، و ماؤه يحبس النزف و السعال. و إذا بخر ثمره بالكبريت نضج في غير وقته.
الرمان:
إذا غرس الحامض منه منكوساً صار حلواً و بالعكس. و يقلع الماء الأبيض و الأحمر و هكذا. و إذا اصاب الرمان آفة فقرب منه الآس صح. و عدد شراريفه يدل على حبه زوجاً و فرداً. قالوا و أعلاه يهيج القي ء و أسفله الإسهال، و كأنه لم يثبت. و هو مع العفص ينوب مناب الخشب المشهور و هو ( (الشبشينا)) في علاج القروح. و طبيخ أصوله بادزهر الدود بأنواعه. و إذا غمس في ماء و ملح حار و رفع بقي مدة طويلة.
الزيتون:
مضغ أوراقه يذهب القلاع، و دهنه يحد البصر كحلًا و النظر إليه و وضع قضبانه في المنزل يدفع ضرر العين و انواع السحر. و من نظر كل يوم إلى شجرته قبل أن يكلم احداً لم يغتم في ذلك اليوم. و إذا غرسه عبد
ص: 449
اسود يوم السبت و قد لبس السواد صح و لم يفسد. و يقال: انه اطول الأشجار اعماراً.
التفاح:
ورق الحامض و منه ماء ثمره ترياق السموم. و إذا غمس التفاح في عصير العنب و رفع بقي زماناً طويلًا.
التين:
لبنه يقلع الآثار، و حطبه ينضج اللحوم. و إذا علق عليه السوسن منع انتثاره.
التوت:
كل من أنواعه يقلع طبع الآخر. و شرب ماء قشره المطبوخ يقتل الدود.
الخوخ:
ماء ورقه يخرج الدود، و دخانه الهوام.
البلوط:
كذلك. و أوراقه شفاء الجمال. و هو ينقلب عفصاً إذا عطش.
البطم:
يسمن و يزيد في الباه مع الصنوبر. و صمغها مع مرارة الثور من أسرار الفرازج الدقيقة.
الآس:
من أشرف الأشجار. و من خواصه جبر الكسر. و حمله يورث الجاه، و التدلك به يديم الصحة، و سحيقه مع المرداسنج و الصندل إذا طبخت بمائه أو بالخل اذهب نتن العرق و الاسترخاء، و هو مع السلق و دهن النارجيل يمنع بياض الشعر و تساقطه، و فيه مع ورق العناب سر دقيق كيف استعمل. و يستخرج منه و من التفاح ما يغني عن الخمر مع بقاء العقل، لكن الحكماء تواصوا بكتمه.
الاترج:
حبه كالبادزهر، و كل أجزائه مفرحة، و حماضه يحل المعادن و يقلع الآثار، و إذا شك في بكر و شمت مسحوقه و لم يدركها العطاس فليست بكراً.
الورد:
يحيله الكبريت بخوراً. و إذا سقي الماء الحار في الشتاء تعجل زهره. و إن لف على ازراره نحو المشمعات و القصب فمتى كشفت تفتحت و لو في الشتاء.
النارنج: كالأترج، و دهنه كالآس.
ص: 450
الياسمين:
شمه يسرع الشيب. و إذا طبخ بزره في الزيت حتى يحترق و طرح عليه برادة الحديد و دفن في أصول الجزر من أول تشرين إلى آخر شباط صبغ الشعر صبغاً لم ينحل أبداً، و إن دهن به قبل البلوغ الخصية في الحمام لم يشب و لو بقي مائة عام.
المرزنجوش:
يقال: انه مع الكبريت و النورة و الزيت إذا عجن ورش بالماء ظهرت منه نار عظيمة كثيرة، و هو يصلح الرأس كيف استعمل.
النرجس:
إذا وضع في ماء البطم حتى ينفتح بدل بياضه حمرة، و صفاره بحاله و أصوله تلحم القروح.
السوسن:
إذا طبخ دهنه بورق خردل و فربيون قوى الباه طلاءً على القطن و ما حوله.
الباذنجان:
إذا طبخ بمائه الزئبق و كتب به على النحاس و ألقي في النار بقيت الكتابة كالفضة.
البصل:
إذا طُليَّ على الزجاج مع الأشق لم ينكسر.
الكرنب:
بزره بمرارة الثور طلاءً بعد النورة يمنع الانبات، و قيل: ينقلب سلجما.
السلق:
يحفظ الشعر كيف استعمل، و يقلب الخمر خلًا. و بزر الكراث بالعكس.
الجرجير:
ثلاثة مثاقيل من بزره تؤكل فيمنع الم الضرب بالسياط، و يسحق مع الجاوشير و العاقرقرحا و يعجن بدهن الزنبق فيكون طلاءً عجيباً مقوياً.
الاهليلج:
إذا كتب بمائه في الورق لم يظهر حتى يُلقى في الماء و الزاج.
رماد الطرفا:
إذا شرب منع الحمل، و كذا حب شجرة مريم(1) كل واحدة بسنة.
ص: 451
و أما المعادن
فالذهب:
رئيس المعادن كلها منافعه لا تحصى. و من خواصه: إذا سبك مثقال منه بوزنه من الفضة و القمر و الشمس في برج ناري و إن اتفقا كان أولى و حمل على الرأس في خرقة حمراء منع الخولى و الخيالات و الصرع و الاختناق بالخاصية، و إذا حللت سحالته مع اللؤلؤ و بحماض الأترج و شرب قطع الجذام مجرب.
الفضة:
تمنع من الخفقان و البخر و الوسواس و الجنون و الماليخوليا و الربو و الحصى المزمن شرباً. و في الأكحال يجلو البياض.
الحديد:
إذا طفئ في ماء أو خمر أو هما معاً و شرب قطع الخفقان و وجع المعدة و الأستسقاء و يهيج الباه. و من خواصه: انه إذا طفئ في الشيرج مرة و في الماء أخرى جذب غير المطفأ إلى نفسه كالمغناطيس. و هذا آخر ما أردنا تلخيصه من النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الامزجة مما صدر في هذا الشأن على حسب الامكان ما اقتضاه الحال و الزمان، و من أراد الزيادة فعليه بتذكرتنا فإنا بسطنا فيها الكلام على الطب و ما يتعلق به من العلوم، و اللّه الموفق للصواب و إليه المرجع و المآب.
و صلى اللّه على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم عدد ذكر الذاكرين و سهو الغافلين آمين.
ص: 452
المقدمة 5
من هو الإنطاكي 5
نماذج من شعره 14
أقوال العلماء فيه 19
مصادر الترجمة 22
مقدمة المؤلف 35
فصل في بيان مراتب العلوم 47
فصل في كيفية الارتباط و فاعلية العالي في السافل كليهما و جزءيهما 48
الباب الأول: البحث الأول: في كليات ما به صلاح الأبدان و موادّ الأجسام و بيان حد الطب و موضوعاته و كيفية استخلاصه من الحكمة 51
فصل الحد و الموضوع 52
الأول في مزاج الأجزاء البدنية 63
الثاني: في مزاج المكان 64
الثالث في مزاج الفصول و يسمى مزاج الزمان 65
الرابع في أمزجة الإنسان 66
البحث الثاني في كمياتها و هيآتها و صفات تركيبها، و يسمى هذا النمط علم التشريح 80
القول في تشريح العظام 81
القول في الغضاريف 86
القول في باقي الأعضاء المنوية 86
القول في باقي الأعضاء البسيطة المنوية 89
القول في الدماغ 99
القول في تشريح العين 100
القول في حاسة الشم 103
القول في آلة السمع 104
القول في آلة الذوق 105
القول في آلات اللمس 107
القول في تشريح الباطن 108
ص: 453
الباب الثاني في الأسباب 139
الفصل الأول: في سبب انقسامها و انحصارها 139
الفصل الثاني: في تحقيق حال الهواء و لوازمه 141
الفصل الثالث: في المتناولات غير الأدوية 145
الفصل الرابع: في النوم و اليقظة 165
الفصل الخامس: في الحركة و السكون البدنيين و يعبر عنهما بالرياضة 166
الفصل السادس: في الحركات النفسية 168
الفصل السابع: في الاحتباس و الاستفراغ 169
الفصل الثامن: في بقايا الأسباب 170
الباب الثالث في أحوال بدن الإنسان 171
الفصل الأول: في الصحة 172
البحث الأول في حقيقتها 172
البحث الثاني في أول أجزء التخلق 174
البحث الثالث في كيفية إلقائه و هو الجماع 178
البحث الرابع في تدبير الحوامل 182
البحث الخامس: في تدبير المولود من حين سقوطه إلى يوم موته 184
البحث السادس: في احكام الحمام و بيان الحاجة إلى الاستحمام 188
البحث السابع في بقايا أحكام ضرورية من تدبير الصحة 190
البحث الثامن 191
البحث التاسع في تدبير يخص المسافرين 192
الفصل الثاني: في تقرير الحالة المتوسطة 194
الفصل الثالث: في الأمراض 194
البحث الأول: في التسمية و الأقسام الكلية 194(1)
النزهة المبهجة في تشحيذ الأذهان و تعديل الأمزجة ؛ ص454
بحث الثاني في المرض الآلي 196
البحث الثالث في أمراض تفرق الاتصال 198
البحث الرابع في المراتب و الأوقات و بيان أسبابها 199
الباب الرابع: في تفصيل العلامات الدالة على أحوال البدن الثلاثة و ما يكون عنها 203
الحال الأول للبدن: في الجزئيات و فيه فصول 203
الفصل الأول: في الأعراض 203
الفصل الثاني: في ذكر العلامات المأخوذة من الفراسة 209
ص: 454
الفصل الثالث: في ذكر العلامات الخاصة بمجرد الإنذار 212
الفصل الرابع: في باقي العلامات الدالة على تعيين المزاج 215
الحال الثاني للبدن: في الكلية المطلقة و فيه فصول 222
الفصل الأول في النبض 222
البحث الأول: في تحقيق النبضة الواحدة و ذكر المقدار الكافي من الإنباض في تشخيص العلة 224
البحث الثاني: في تحقيق الشريان الذي يجس و في بيان الوقت الصالح و الشروط المعتبرة فيه 225
البحث الثالث: في أجناسه 226
البحث الرابع: في استيفاء ما تدعو إليه الحاجة منها 230
البحث الخامس: في الأجناس المركبة 236
البحث السادس: في تقرير الأسباب الموجبة للأصناف المذكورة 238
البحث السابع: في سبب انقسامه إلى ما يختلف باختلافه من الأسباب في الأنواع المذكورة 239
الفصل الثاني في القارورة 241
الفصل الثالث في البحران 253
البحث الأول في تعريفه و أقسامه 253
البحث الثاني في بيان كيفية الخطأ في البحران 254
البحث الثالث: في شروط البحران الجيد 254
البحث الرابع: في تحقيق أسباب البحران و كيفية وقوعه و بيان اختصاصه بأيام مخصوصة 256
البحث الخامس: في تفصيل أيام الإنذار بالبحارين لكل شي ء خفي منذر بظهوره 257
البحث السادس: في الدلالة على ما يكون به البحران 260
الباب الخامس: في القوانين و الوصايا 263
الفصل الأول: في القوانين الكلية 263
الفصل الثاني: في بيان وقت الحاجة إلى الاستفراغ 265
الفصل الثالث: في ذكر ما اختص من القوانين بنوع نوع من الاستفراغ 267
قانون الإسهال 267
ص: 455
قانون القي ء 269
قانون الحقنة 270
قانون الأطلية و نحوها 271
قانون الفصد 271
قانون الحجامة 275
قانون البط و الشرط و استتنزاف المواد 277
قانون الكلى 278
الباب السادس: في الأمراض الباطنة الخاصة بعضو عضو من الرأس إلى القدم 279
الفصل الأول: في اصطلاحات يتم نفعها و يعظم وقعها و تدعو الحاجة إليها في ساتر الأمراض 279
الفصل الثاني: في أمراض الرأس 281
الفصل الثالث: في أمراض العين 300
الفصل الرابع: في أمراض الأذن 324
الفصل الخامس: في أمراض الأنف 328
الفصل السادس: في ذكر أمراض ما فوق المري ء و القصبة من أجزاء الفم 331
الفصل السابع: في أمراض آلات النفس من القصبة و الرئة و القلب و توابعها 341
الفصل الثامن: في أمراض آلات الغذاء 348
الفصل التاسع: في أوعية الفضلات و أعضاء التناسل 369
البحث الأول: في بقايا أمور تختص بالرحم 392
البحث الثاني: في الختان 395
الفصل العاشر: في بقايا الأعضاء إلى القدم 396
الباب السابع: في الأمراض الظاهرة كذلك 401
الباب الثامن: في الأمراض التي لا تخص محلا معينا 407
القسم الأول: ما يجوز أن يعم جميع الأعضاء و أن يخض عضوا معينا 407
القسم الثاني: في الأمراض العامة بالفعل 422
الخامة: تشمل على أمور مستلطفة و غرائب مستظرفة 435
فائدة من مغني اللبيب 443؟
الحيوانات 446
النباتات 449
الفهرس 453
ص: 456